دوليفلسطيني

مؤسسة “غزة الإنسانية”..أمريكا تدس سُم “إلغاء أونروا” في عسل “المساعدات”

المسار الاخباري…

يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية، بإدارة دونالد ترامب، تظن أن مآرب مقترحاتها حول توزيع المساعدات بقطاع غزة، غير مكشوفة بالنسبة للمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، والحقيقة أن رائحتها السياسية، مكشوفة لدى الجميع.

وأعلن ترامب يوم الجمعة، عن إطلاق “مؤسسة غزة الإنسانية- GHF”، وذلك قبيل زيارته المقررة للشرق الأوسط الأيام المقبلة.

وتقضي المقترحات الأمريكية، بإنشاء عدد قليل من مناطق التوزيع، حيث ستُقدم كل منها الغذاء لمئات الآلاف من الفلسطينيين، من قبل شركات أمريكية خاصة، ستعمل في القطاع، فيما سيتمركز جيش الاحتلال الإسرائيلي، خارج محيط مواقع التوزيع.

ويأتي الإعلان عن هذه المقترحات، في ظل مجاعة متفشية في قطاع غزة نتيجة إغلاق المعابر وحصاره لما يزيد عن شهرين، ارتقى بسببها العشرات، جلهم أطفال، وحرب إبادة جماعية، ترتكبها “إسرائيل” بدعم أمريكي.

ولكن الأمم المتحدة تقول إن المقترحات الأمريكية غير قابلة للتنفيذ، فيما أثار عمال الإغاثة والمنظمات الدولية، شكوكًا حول نهجها، ورفضوها محذرين من مخاطرها على الصعيد الإنساني والسياسي.

ويُعد إلغاء المنظمات الدولية، سيما الأممية وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”، الهدف “السياسي الاستراتيجي” المراد من وراء الخطة الأمريكية الإسرائيلية، لتوزيع المساعدات.

وتدُس أمريكا السم في العسل، بإيهام الشعب الفلسطيني، أنها تريد إنهاء المجاعة وحتى الإبادة بغزة، والترويج بذلك، عبر الخطة المختصة بالمساعدات، وفق مدير الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينين، علي هويدي.

التدرج باحتلال غزة

ويقول إن “هذه المقترحات يراد بها إيهام الشعب الفلسطيني أن الإدارة الأمريكية، حريصة على حياة الفلسطيني وتوفير المواد الغذائية والطبية له وانهاء المجاعة والإبادة، ولكن الحقيقة هي تريد التدرج باستبدال المؤسسات الدولية بغزة، وعلى رأسها أونروا”.

ويضيف أن “أونروا هي المسؤولة والمعنية بخدمات 2.3 مليون لاجىء بغزة، والمقترحات الأمريكية التي تبدأ بالإنسانية هي بداية، ستليها مرحلة أخرى، وهي التحكم بمصير قطاع غزة على المستوى السياسي”.

وهنا يحذر هويدي من أن مرحلة التحكم هي الخطر الكبير الذي يراد من المقترحات، ولذلك يجب مواجهتها.

ويشير إلى أن المشروع الجديد مقيد بضوابط أمريكية، بمعنى إسرائيلية، مضيفًا “موضوع أن جيش الاحتلال لن يشارك في توزيع المساعدات ولكنه سيشرف عليها، هو ذر للرماد بالعيون ومحاولة للالتفاف على الواقع، وفي الحقيقة أن من سيوزع المساعدات هم الأمريكان واسرائيل”.

ولا تعدو المقترحات الأمريكية، كونها مناورة جديدة تهدف إلى إطالة أمد الحصار الشامل وغير القانوني المفروض على القطاع، عبر إعادة تقديم جريمة التجويع في صيغةٍ مضللة تُضفي طابعًا إنسانيًا زائفًا عليها، حسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.

ويقول المتحدث باسم “اليونيسف” جيمس إلدر “إن الخطة ستزيد من معاناة الأطفال والأسر في غزة، وتخالف المبادئ الإنسانية الأساسية، بما في ذلك استخدام تقنية التعرف على الوجه كشرط مسبق للحصول على المساعدات”.

وترسخ الخطة الأمريكية هيمنة شاملة على الدورة الكاملة للمساعدات الإنسانية، بدءًا من تحديد طبيعة المساعدات وكمياتها وآلية إدخالها ومواقع تخزينها والفئات التي يُسمح لها بالوصول إليها، ما يعكس إدارة جريمة التجويع لا إنهائها والسيطرة على مقومات الحياة الأساسية بغزة.

وحسب الخطة فسيتم توزيع المساعدات من خلال 4 مواقع مركزية جنوب القطاع مؤمنة (SDS)، تخدم في مرحلتها الأولى 1.2 مليون فلسطيني، مع نية للتوسيع إلى أكثر من 2 مليون.

وتدار الخطة من قبل فريق أميركي/غربي يضم مسؤولين سابقين في الجيش الأميركي، USAID، والهيئات الأمنية، مثل LTG Mark Schwartz، وهو ما يعكس الطابع العسكري المهيمن على الخطة.

توابعها مكشوفة

وهنا يؤكد هويدي، أن الولايات المتحدة لو كانت تريد إنهاء المجاعة، لدعمت جهود ودور المنظمات الإنسانية الأممية، وعلى رأسها “أونروا”، لا أن يجري استبدالها بمنظمات أمريكية ذات توجه سياسي.

ولكنه يشدد بالقول “الخطة مكشوفة، ولا أحد يستطيع إلغاء وكالة الغوث، لأنها مقامة بقرارات أممية دولية على رأسها القرار 302، ومدعومة من 165 دولة عضو في الأمم المتحدة”.

وبذات الوقت-يكمل هويدي- فإن ما تخطط له أمريكا حتمًا سيضعف دور “أونروا”، ولن يلغيه، لأنها الوحيدة التي تمتلك المعلومات والأرشيف والبني التحتية للعمل الإغاثة والمساعدات، ومراكزها ومستحقيها.

ومن شأن الخطة الأمريكية، أن تجبر المدنيين المعرضين للخطر على السير لمسافات أطول للوصول إلى مراكز التوزيع القليلة، مما يجعل من الصعب إيصال الغذاء إلى أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليه، وكذلك تعرضهم النهب، كما يؤكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

ويوجد في غزة 500 نقطة توزيع مساعدات، ولكن النظام الأمريكي الجديد، يقلل بشكل كبير من نطاق التوزيع، مما يزيد من حرمان شرائح كبيرة من السكان من الغذاء وغيره من الإمدادات الأساسية.

ووفقاً للخطة الأمريكية، فلن يتم توصيل سوى 60 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة يوميا، وهو ما يمثل عُشر ما كان يسلم خلال وقف إطلاق النار، وهي غير كافية لتلبية احتياجات 2.1 مليون شخص منهم 1.1 مليون طفل.

ويشدد هويدي على أن معظم المنظمات اعتذرت عن المشاركة في الخطة الأمريكية، ورفضت أن تكون بديلًا عن “أونروا”، لأنها ليس لديها قدرة على تحمل هذه المسؤولية، كون الوكالة تملك كل شيء بشأن هذا الملف ومنذ سنوات طويلة.

ولذلك، يجزم هويدي أنه وبالرغم من جدية المقترح الأمريكي والمضي على قدم وثاق به، إلا أن الولايات المتحدة لا تستطيع تنفيذها دون مساعدة المنظمات الأممية الدولية، واللجان والمرجعيات الإنسانية، والتي رفضت بالطبع، لأنه يُشتم منه رائحة توجه سياسي استراتيجي.

وكالة الغوث أكدت عبر مسؤوليها رفضها للخطة، وقالت مديرة الاعلام والتواصل في الوكالة جولييت توما، إنه “من المستحيل استبدال الأونروا في غزة، فهي أكبر منظمة إنسانية في القطاع ولديها أكبر انتشار، موضحة أن أكثر من 10 آلاف موظف يعملون لديها في عمليات التوزيع”.

ولدى “أونروا” وحدها لديها أكثر من 3000 شاحنة محملة بالمساعدات عالقة خارج غزة.

وتشهد تانيا هاري المديرة التنفيذية لمنظمة “غيشا الحقوقية في “إسرائيل”، بأن الاقتراح “لا يبدو كخطة لتوزيع المساعدات بقدر ما هو أداة لمزيد من الضغط، لضمان أن تصبح الحياة في غزة غير صالحة للعيش”.

إنقاذ “نتنياهو” وحرب سياسية

ويقول المحلل السياسي خلدون البرغوثي ، إن الخطة الأمريكية، لها عدة أهداف، بالإضافة إلى أنها استكمال لاستهداف “أونروا”، التي تعرضت للحظر والإغلاق الاسرائيلي، ولقرارات أمريكية استهدفت تمويلها ومقار لها.

ويضيف “الهدف الأساسي من المقترح في هذا التوقيت، إنقاذ إسرائيل أمام المحاكم الدولية من جريمة التجويع التي ترتكبها، ولايجاد مخرج لبنيامين نتنياهو أمام وزراءه الذين يصرون على ضرورة استمرار المجاعة والحصار، كشرط لبقاء الائتلاف الحكومي”.

ويشدد على أن المقترحات ما هي إلابديل عن المؤسسات الأممية المقامة بقرارات دولية، وهذا البديل هو احتلال، وبالتالي سيتم استهدافه، وهو ما يجعل الخطة مرفوضة.

ويحذر من أن “أمريكا واسرائيل تلتفان على دور أونروا منذ سنوات، باعتبار أن وجودوها يعني الإبقاء على قضية اللاجئين، وقد نفذت مشاريع عدة من إدارة ترامب سابقًا والحالية، وفشلت”.

ولذلك، فإن ما يجري “حرب سياسية فعلية تقوم بها إسرائيل بمقدمة أمريكية، وهو ما تعلمه المنظمات الدولية الرافضة للمقترح الأمريكي جيدًا”.

ويلتقي مع هويدي بالقول إنه من الصعب الاستغناء عن وكالة الغوث “أونروا”، مقابل مقترح أمريكي، لأنها منظمة رافعة تاريخيّة كبرى.

ولذلك فإنه وبالرغم من جدية المقترح، لكنه ضعيف وإمكانية تنفيذه صعبة، لأنه يحظى برفض دولي، ومن المحتم أنه لا يمكن أن يكون هناك بديل عن “أونروا” في إدارة وتوزيع المساعدات بغزة، وفق البرغوثي.

وفي فجر الثلاثاء 18 مارس/آذار، استأنفت “إسرائيل” عدوانها على غزة، وأغلقت المعابر بالكامل، ما تسبب بمجاعة وكارثة إنسانية غير مسبوقة، أدت لارتقاء المئات من المدنيين وبلغ عدد ضحايا المجاعة ما يزيد عن 72 شهيدًا، معظمهم من الأطفال.

وبدعم أمريكي ترتكب “إسرائيل” حرب إبادة جماعية

بغزة، منذ أكتوبر 2023، أدت لاستشهاد 52 ألف مواطن، وجرح 116,869، نحو 72% منهم نساء وأطفال.