
المسار : كثر الحديث في الأيام الأخيرة، وتبارى المحللون في تشخيص الحالة الراهنة والتباينات التي ظهرت للعيان منذ اجتماع ترامب ونتنياهو في السادس من الشهر الماضي، عندما أبلغ الرئيس الأمريكي ترامب نتنياهو بأن أمريكيا قررت بدء التفاوض مع إيران حول المفاعلات النووية .. ولاحقا بالإتفاق مع أنصار الله على وقف العدوان على اليمن، أو الإستعداد الإمريكي لبناء مفاعل نووي سلمي – مدني للسعودية بدون اشتراط التطبيع مع السعودية وتوسيع اتفاقيات أبراهام ، كل هذه التطورات في الموقف الأمريكي بالتأكيد لم تكن بالتنسيق المسبق مع نتنياهو، وصورها الإعلام الدولي ومنه العربي والإسرائيلي، بأن ترامب ترك نتنياهو وحيدا ولم يعد يثق به وأن شهر العسل بينهما قد انتهى… مهلا.. فهذه المواقف الجديدة للإدارة الامريكية تعبر عن تغيرات في السياسة الأمريكية لصالح الحمائية الترامبية ( أمريكيا أولا )، وليس لها أي مدلولات توحي بأي تغيير تجاه فلسطين وشعبها وحقوقها … بل إنها تعني إعطاء الأولوية في مرحلة ما لتجسيد هذه السياسة وتغليب المصلحة الأمريكية على مصالح الحلفاء حتى وإن حصل تعارض مؤقت بينهما، وهذا بالضبط ما قام به ترامب مع دول الإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالموقف من روسيا والحرب في أوكرانيا والدعوة الأمريكية إلى وقفها، وكذلك بالحوار الأمريكي – الإيراني، وكلها تهدف إلى :
أولا: فك عرى التقارب الروسي الإيراني – الصيني بمدلولاته المتعلقة بإعادة رسم المشهد الدولي لصالح عالم متعدد الإقطاب، خاصة بعدما صمدت روسيا في وجه الحلف الإطلسي ودوله التي أنفقت تريلونات الدولارات على دعم أوكرانيا، ووقف تمدد الصين في المنطقة من خلال عدة برامج واستثمارات دفاعية مع إيران واقتصادية مع دول عدة.
ثانيا: التفرغ الأمريكي للصين هذا المارد الصاعد الذي ينافس الولايات المتحدة الامريكية، خاصة أنها أعلنت فعلا الموعد الذي من المرجح أن تصبح فيه القوة الاقتصادية الأولى في العالم رسميا، في عام 2035 ، وهو ما يمثل تحديا ضخما للولايات المتحدة التي تحارب يسارا ويمينا من أجل الاحتفاظ بالمركز الأول الذي ظلت تحتكره منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى الآن.
ثالثا: تحقيق منافع مباشرة اقتصادية ضخمة من وراء هذه السياسة الأمريكية ( اتفاقية اقتصادية أمريكية – أوكرانية بعد توقف الحرب، في استثمارات ضخمة للتنفيب عن مناجم معادن أوكرانيا النادرة، واستثمار سعودي في الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 600 مليار دولار، وصفقة أسلحة للسعودية بقيمة 100 مليار دولار ، كما تحدثت مواقع إخبارية أمريكية وحتى عن استثمارات في إيران في حال تم توقيع اتفاق بينهما بقيمية تريليون دولار وهذا ما صرّح به أيضا عباس عراقجي وزير خارجية إيران.
هذه المصالح الجيوسياسية والإقتصادية بالغة الأهمية، هي السبب في التباين الأمريكي – الإسرائيلي ، وبالتالي فإن أمريكيا ترامب لا ولن تسمح لأي دولة مهما كان عمق العلاقة بينهما واستراتيجيتها، أن تكون بمواقفها وسلوكها عائقا أمام تحقيق المصلحة الامريكية وأهدافها بعيدة المدى في المنطقة، الأمر الذي ينطبق على إسرائيل حتى ولو بدى أن هناك تعارض مؤقت بين مصلحتيهما.
أما فيما يتعلق يشعبنا الفلسطيني وحقوقه وبدولة الإحتلال وعدوانها على شعبنا بما فيها حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة والتطهير العرقي في الضفة ، فهي متطابقة تماما بل وتتشارك فيها أمريكيا مع إسرائيل ، فشعبنا يحارب ليس فقط إسرائيل بل والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية ، وما زالت أمريكيا تقدم الغطاء السياسي والدبلوماسي والتسليح لإسرائيل، بل وأفرجت أمريكيا ترامب عن بعض شحنات الأسلحة التي كانت إدارة بايدن قد علقتها، ولا ننسى دعوة ترامب لتهجير سكان غزة التي وأن بدت تصريحاته الأخيرة أنه قد تراجع عنها ، فإن تصريح سفيره في إسرائيل بالأمس، يؤكد أن هدف امريكيا النهائي هو تهجير الفلسطينيين.
كما أن أمريكيا ترامب، تحارب وتقمع وتعتقل ليس فقط المؤيدين لفلسطين في الجامعات الإمريكية، بل وتهدد بمعاقبة المحاكم الدولية التي تنظر في انتهاكات إسرائيل للقلنون الدولي الإنساني كمحكمة الجنايات والعدل الدولية، وتدعم الإستيطان واستقبلت بن غفير الإرهابي الذي امتنعت كافة دول العالم بما فيها أمريكيا بايدن سابقا عن استقباله، وإن والموقف الأمريكي من خطة ما يسمى بالمساعدات الإنسانية الأخيرة في غزة التي امتنعت الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة عن المشاركة ،أنها تهدف في النهاية إلى حشر الفلسطينيين بين محوري مواراغ وفيلاديلفيا في حنوب غرب رفح، ودفعهم بالقوة إلى ما يسميه الأمريكان والإسرائيليين بالهجرة الطوعيىة والمزيد المزيد من المواقف الأمريكية المعادية لشعبنا.
أي باختصار شديد ، إن الوظيفة الإستعمارية لإسرائيل في المنطقة وخدمة الغرب ومصالحة في نهب خيرات شعوبها وتفكيك دولها في سايكس – بيكو جديد ما زالت في غاية الأهمية ، ولم تتحول بعد إلى عبء عليه .
ولننتبه .. هذا رئيس متقلب وهذه مرحلة من التباين الأمريكي – الإسرائيلي في التكتيكات ولن تطول .. وإذا أردنا فلسطينيا أن نعمقة ونحولة إلى خلاف يؤدي إلى التسليم الامريكي بحقوق شعبنا ، فالسبيل لذلك معروف وسبق ان تم الإتفاق عليه عدة مرات قبل ان تنقلب الرسمية الفلسطينية عليه مرارا ، وهو طريق التنصل من كل الإتفاقات السياسية بما فيها سسحب الإعتراف بإسرائيل، والأمنية والإقتصادية ، طريق استعادة الوحدة الوطنية واستجماع عناصر القوة الفلسطينية، واعتماد المقاومة الشاملة في وجهة الإحتلال… وكل هذا سيعمق العزلة الدولية لأمريكيا وربيبتها إسرائيل.