
المسار الاخباري
[لا اخوة لك يا اخي. لا الماء عندك ولا السماء]
فلسطين – لأهل غزة الأكارم، للزملاء الذين عملت معهم لعقود مع الاونروا، للأصدقاء والأحباب في غزة. لزميل انتقل مع ابنته صاحبة العينين الفاتنتين من خيمة لأخرى حتى انطفا بريق عينيها … ودعوا بعضكم البعض الان قبل شهادة، وقبل مجاعة وقبل الموت كمدا وقهرا وقبل الترحيل قسرا وقبل سلخكم عن أرضكم وذكرياتكم.
أيها اليمن العظيم هذه رسالة شكر لكم يا أصحاب العزة والإباء. لقد قدمتم كل ما لديكم. شكرا لأنكم كنتم وحدكم.
شكرا لكل من دعم، وشكرا لكل من بكى ليلا في عواصم العالم اجمع، وشكرا لمن دعى على من ظلم ودعا ورجا لمن ظلم. لقد أديتم، ولقد أدينا، أضعف الأمانة.
ولمن يتفلسفون ويحللون، ويتفتقون غباءا ويتنطعون على شاشات إعلامنا المهزوم استمروا فيما أنتم به ماضون. لا نغضب منكم، ولا نلتفت لكم ولا نبكى على بيعكم لأرواحكم وتطبيلكم لتفاهات اسيادكم ورايات قانونكم الدولي وحقوق إنسانكم.
غزة الان وحيدة وحيدة.
“عربات جدعون” اتية لاستكمال الفتك وإنجازه ولتدمير المدمر وقتل ما تبقى من بشر. ومن لن يقتل ويباد، ومن لم يمت جوعا او عطشا، ومن لم ينفجر قلبه وقلبها حزنا وكمدا وغيظا سيحشرون في ‘منطقة خدمات إنسانية ‘ تشرف عليها أمة الأمم وبقوات مارينز ومرتزقة. قليلا من خبز وماء وسعرات حرارية بالحد الادني يوميا كى لا يموتوا وكي لا يعيشوا وكي يبقوا ما بين بين.
هناك سيفرز من سيتم ترحيله ‘طوعا’ ومن سيبقى. يقولون لنا الان انه ربما سيتم ترحيل مليون منكم إلى ليبيا وان استعصت المسافة واللوجستيات فربما إلى سوريا ‘الجديدة ‘، والتي أصبحت الان دولة من دول ‘الاعتدال’ ودول ‘الكيوت’. ومن تبقى منكم يا أحباب سيوظف لبناء ريفيرا غزة. حلمنا العربي الأوحد. على عظامكم سنبنى الريفيرا، ومن على أنقاض منازلكم سنبنى الناطحات وبرج ترامب الجميل، ومن غزارة دماءكم المسكوبة ستطل شجيرات النخيل تناطح سماءا تتوق لذكراكم ولا تكاد.
جاء صاحب الشعر البرتقالي. رقصت له الصبايا رقصة السبايا. جاء. مشى على سجاد بنفسجي. تقبل بتواضع هدايانا وعطايانا ودماء غزة وانكسارتنا. سلمنا له بحبور الأرض والعرض وسجادة الصلاة. لكنه لم يشرب قهوتنا. يا عارنا.
تريليونات الدولارات تبخرت وعشرات البلايين كرست لتكديس سلاحا لن يستعمل إلا لاقتتالتنا الداخلية. محطات إعلامية تتحدث عن جمالية السجاجيد المفروشة والجياد العربية (المخصية) التي قادت موكب الإمبراطور الأوحد ! محطات تحدثت عن إنجازات تاريخيّة وعن جموع تهافتت لتقديم الطاعة والولاء. كلهم يا غزة، عربا وعجما، وحتى السلطان العثماني، بكوا عليك (بكوا منك) ولطموا امام الشاشات.
لا كيس طحين منهم لك يا غزة. لا شربة ماء. مسرحية كتبت فصولها في واشنطن وتل أبيب والكومبارس والممثلين عرب وأتراك وآخرين. الإنتاج والإخراج غربي. التكاليف من صناديق التنمية العربية. فصول المسرحية تمت. عربات جدعون اتية.
سننسحب الآن من المشهد
من لا يريد لكم السلامة والحياة ياغزة (وهم كثر) يحضرون لحفلة الشواء الأخيرة ولفتح زجاجات الشمبانيا احتفاءا واحتفالا.
ومن يحبكم ويعزكم ويبكي معكم وعليكم تختنق أنفاسه كمدا وينفجر قلبه وجعا وخجلا.
تسدل الستارة، إلا ستارة غزة. هم وحدهم من سيقررون نهاية الملحمة ونهاية الطوفان. لا خيار الا خيارهم، ولا قرار الا قرارهم.
لتقم القيامة.
“سامي مشعشع ( الخبير في شؤون الأونروا )”
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار الاخباري
المصدر … وطن للانباء