دولي

بقلم: خالد فحل/هل انتهى حلم الدولة الفلسطينية؟

المسار الإخباري :لم يكن الفلسطيني، حين رفع بندقيته لأول مرة، يحلم بأكثر من وطنٍ يأويه، ودولةٍ تنهي غربته، وثورةٍ تحرره من قيد المخيم والمنفى.

كان الحلم بسيطًا وعظيمًا في آن: أن تتحول الثورة إلى دولة، والمقاومة إلى سيادة.

لكن بعد أكثر من ثلاثين عامًا على قيام السلطة الفلسطينية، يبدو أن الحلم نفسه قد أصبح على حافة الانهيار، وأن المشروع الوطني يذبل بهدوء، فيما السلطة تتآكل من الداخل.

لقد كان من المفترض أن تكون السلطة مرحلة مؤقتة نحو الدولة، لكن الزمن حوّلها إلى واقع دائم، بلا أفق واضح، ولا مشروع سياسي يُعتد به. تحوّلت من سلطة انتقالية إلى كيان إداري يخضع لقيود الاتفاقيات، ويعيش أزمة مستمرة، عاجزًا عن التحرر من الاحتلال أو حتى إدارة شؤون الناس بسيادة وكرامة.

مع مرور الوقت، تراجعت الأحلام الكبيرة، وتضاءلت الطموحات، حتى بات أقصى ما نسعى له هو ضمان استمرار التمويل الخارجي، ولو كان مشروطًا ومهينًا.

وفي الخلفية، خزينة شبه فارغة، رواتب تُدفع مجتزأة، واقتصاد يقوم على الاقتراض والضرائب.

البنوك لم تعد شريكًا في التنمية، بل تحوّلت إلى وسيلة لتأجيل الانهيار، وقهر الناس، فيما يُدفع المواطن إلى حافة اليأس، ويُطالب بأن يدفع ثمن الخدمات الأساسية مسبقًا، في ظل انعدام الرواتب، وتفشي البطالة، وانهيار الأمل.

أصبح الفلسطيني اليوم محاصرًا من كل الجهات:

حكومة تجبي منه الضرائب ولا توفر له الحماية

احتلال يضيّق عليه الحياة

اقتصاد هشّ لا يرحم

سياسة لا تملك من أمرها شيئًا

لم تعد السلطة تقود نضالًا وطنيًا، بل تدير أزمة بلا نهاية، وبلا أدوات فاعلة، وبلا بوصلة واضحة.

وفي هذه الأثناء، يمضي الاحتلال قدما في مشروعه الاستيطاني، يبتلع الأرض بلا هوادة، ويُسرّع خطوات الضم، ويُحكم السيطرة على الضفة الغربية، بينما العالم العربي يلوذ بالصمت، والمجتمع الدولي يتراجع، والسلطة غارقة في ملفاتها اليومية ومناكفاتها الداخلية، بعيدة عن مواجهة الخطر الوجودي المحدق بالقضية.

المشروع الوطني الفلسطيني، الذي انطلقت منه الثورة قبل عقود، يذبل اليوم في ظل غياب القيادة الموحدة، وتآكل الرؤية التحررية، وانقطاع الصلة مع الشارع.

تحوّل من مشروع مقاومة من أجل الحرية، إلى مشروع إدارة تحت الاحتلال، ومن حلم التحرير إلى سعي وراء الاستقرار الوظيفي ضمن شروط سياسية وأمنية مفروضة من الخارج.

هكذا، تحولت السلطة إلى جهاز بيروقراطي ثقيل، يسهر على تحصيل الضرائب، ويضبط الأمن، لكنه عاجز عن تحقيق الحد الأدنى من تطلعات الناس.

لم يعد السؤال المطروح: “متى نُعلن الدولة؟”، بل بات: “هل بقي من الحلم شيء يستحق التمسك به؟”

الأزمة لم تعد مالية فقط، ولا حتى إدارية، بل هي أزمة وجود وسؤال مفتوح حول جدوى الاستمرار في هذا المسار.

هل يمكن ترميم هذا الكيان السياسي المترهل؟ أم أننا بحاجة إلى لحظة مراجعة جذرية، تعيد صياغة المشروع الوطني من جديد؟

مشروع يضع فلسطين وشعبها في القلب، لا المؤسسة وأمنها، ويعيد الاعتبار للنضال، لا للمناصب.

لم يعد الصمت حكمة، ولا الاعتياد على الهزيمة سبيلًا.

ما نعيشه ليس تعثرًا عابرًا، بل انحرافًا عن المسار الذي شُقّ بالتضحيات.

فالخلاص لا يكون بإدارة الأزمة، ولا بتجميل العجز، بل بالعودة إلى البوصلة الأصلية:

إلى فلسطين التي لم تكن حلمًا بوظيفة، ولا وطنًا يُدار بالتمويل المشروط، بل قضية ولدت من الألم، تتنفس بالكرامة، وتُبنى بالفعل المقاوم المشروع.

هكذا يمكن إحياء ما تبقى من الحلم، لا بوصفه ماضيًا نرثيه، بل مستقبلًا نستحق أن ننتزعه.