الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

معاريف 9/7/2024

سيفعل نتنياهو كل شيء كي يبقي «حماس» على حالها!

بقلم: د. أوري زلبرشايد

محاضر للفلسفة السياسية والقانون الدستوري في برنامج الأمن القومي بكلية العلوم السياسية في جامعة حيفا

“سنقاتل ضد قطاع غزة حتى تحقيق النصر المطلق”، أعلن نتنياهو مرات عديدة حتى الآن. لا يقصد حقاً أننا سنحقق نصراً كهذا، الأمر الذي هو غير ممكن، كما يقول كل من هم مرجعية في ذلك، بل إننا سنكون في حرب دائمة في ظل ملاحقة لا تنتهي وراء هدف وهمي. وفي الشمال ضد “حزب الله” أيضاً يفترض بنا أن نوجد في حرب استنزاف لا تنتهي.

كل المؤشرات تدل على أنه ليس في نية نتنياهو أن ينهي الحرب. نحن نسمع من المراسلين العسكريين أن الجيش الإسرائيلي أنهى في واقع الأمر العملية في رفح، الهدف الأخير في القطاع أو أنه سينهيها في غضون بضعة أسابيع. ومع أن نتنياهو لا ينفي هذا، في ضوء الواقع العسكري، لكنه عملياً لا يتخذ أي خطوة عسكرية وسياسية كي يؤدي بالحرب ضد القطاع وفي الشمال إلى منتهاها. المستوى السياسي الذي تحت سيطرته، رغم محاولة غالانت تقليص هذه السيطرة، لا يقرر هدفاً وجدولاً زمنياً واضحَين لإنهاء الحرب.

حاول الناطق العسكري العميد دانيال هغاري في 19 حزيران التعبير عن احتجاج الجيش: “حماس هي فكرة”، قال. “الموضوع في أنه يمكن إبادة وإزالة حماس هو ببساطة ذر الرماد في عيون الجمهور. إذا لم نجلب شيئاً ما لغزة، فإننا في نهاية اليوم سنحصل على حماس”. بهذه الأقوال الدراماتيكية أعرب هغاري عن موقف الجيش. يجب إنهاء القتال في غزة والوقوف في قاطع أمني تنفذ منه اجتياحات جراحية.

قال في واقع الأمر شيئاً إضافياً: المستوى السياسي لا يبلور ويدفع قدماً بخطة عسكرية ومدنية في القطاع لليوم التالي. موقف الجيش هذا، الذي يتحدى نتنياهو وجد تعبيره أيضاً في لقاء عقد في 30 حزيران في قيادة المنطقة الجنوبية بين كبار رجالات الجيش وجهاز الأمن وبين رئيس الوزراء بل وحظي بنشر عالمي في تقرير في “نيويورك تايمز”. حتى قبل هذا الاحتجاج من الجيش كرر المحللون، وعلى رأسهم جنرالات متقاعدون أن نتنياهو يمنع بلورة والدفع قدماً بخطة لبناء بديل عسكري ومدني لـ”حماس”. لكن غياب خطة كهذه هو بذاته خطة نتنياهو لليوم التالي. كل تحليل آخر معناه أن نتنياهو لا يفهم ما يفعل.

خطة نتنياهو طويلة السنين، لأن يقام في إسرائيل حكم يميني مطلق بلا نهاية، هي أيضاً المفتاح لفهم الثورات النظامية التي تستهدف خلق البنية التحتية لاستمرار حكمه. ضمن أمور أخرى، من خلال خلق أعداء خارجيين. وعليه، عزز نتنياهو قوة “حماس” منذ عودته إلى الحكم في 2009، وهو سيفعل كل شيء كي يبقي “حماس” على حالها. يفترض بـ”حماس” أن توجد كعدو خارجي دائم، إضعاف نتنياهو السلطةَ الفلسطينية يستهدف شق الطريق لتعزيز قوة “حماس” في الضفة الغربية أيضاً. فضلاً عن ذلك، فإن هذه الخطوة تستهدف تفكيك قوة رئيسة يمكنها وينبغي لها أن تكون جزءاً من بديل مدني وعسكري لـ”حماس” في القطاع.

في دائرة نتنياهو القريبة يخشون من أن يفهم الجمهور خطته الحقيقية. لهذا السبب سارع مقربه يعقوب بردوغو لوصم رئيس الأركان، وعزا له مؤامرة إبقاء “حماس” كالقوة السلطوية الرئيسة في القطاع. فعمل الناطق العسكري على الفور على تفنيد الفرية: “ما نشره بردوغو في أن رئيس الأركان يؤيد إبقاء حماس في غزة كذب خطير وعديم كل أساس”. هكذا يعملون في محيط نتنياهو لقلب الحقيقة رأساً على عقب بتهكم وبهدف.

الحرب في القطاع تجري في هذه اللحظة. إسرائيل لا تستغل نجاحاتها النسبية في ميدان المعركة للدفع قدماً ببديل سلطوي لـ”حماس”، كما يدحر أو يلغى تطبيعاً محتملاً مع السعودية وعقد حلف دفاع مع دول سنية معتدلة ضد إيران. هذا بالضبط ما يريده نتنياهو. الحرب في الشمال تخدم الهدف ذاته.

كون الصفقة لتحرير المخطوفين ستؤدي إلى إنهاء الحرب، الأمر الذي تحتاجه إسرائيل ليس فقط لغرض إعادة الاستعداد وإنعاش قواتها، بل وأيضاً من أجل تحريك سياقات استقرار المنطقة والتطبيع، يمنع نتنياهو بتهكم ووحشية كل صفقة كهذه. في 23 حزيران قال: “أنا مستعد لعقد صفقة جزئية تعيد لنا بعضاً من الأشخاص، لكننا ملتزمون بمواصلة الحرب بعد الهدنة لأجل تحقيق هدف تصفية حماس. عن هذا أنا غير مستعد لأن أتنازل”. وهكذا كشف سره: باسم الهدف الخيالي المتمثل بتصفية كاملة لـ”حماس”، ستستمر الحرب وسيترك لمصيرهم الكثير من المخطوفين. لقد ميز الاستخفاف بحياة الإنسان منذ الأزل طابع الحكم الذي يتطلع إليه نتنياهو.

إن إبقاء نتنياهو على حاله كرئيس وزراء يجعل أعضاء كتلة الليكود في الكنيست شركاء في خططه للحكم المطلق والحربي، أي للخطط التي تمس بأمن إسرائيل وتعرض مستقبلها للخطر.

——————————————–

 “معاريف”: 9 أشهر من الجحيم.. “إسرائيل” عالقة عميقاً في مستنقع غزة

أكدت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، اليوم الأحد، وبعد مرور 9 أشهر بالضبط على الحرب في غزة، أنّ “إسرائيل في جحيم، ولا تزال عالقةً عميقاً في مستنقع غزة”.

ولدى تناولها هذا “الجحيم”، أوردت الصحيفة في صفحتها الأولى أنّ 120 أسيراً إسرائيلياً لا يزالون بحوزة المقاومة في قطاع غزة، بينما أُجلي “أكثر من 86 ألف مستوطن من منازلهم ولم يعودوا إليها بعد”.

ووفقاً للأرقام التي نشرتها الصحيفة، فإنّ 1592 جندياً ومستوطناً، قُتلوا منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بينما جُرح ما يزيد على 4000 إسرائيلي.

وأضافت “معاريف”، أنّ 287 ألف جندي تمّ تجنيدهم في احتياط “جيش” الاحتلال، منذ بدء الحرب.

يأتي كلّ ذلك في وقت يطالب المستوطنون الإسرائيليون حكومتهم بإبرام صفقة تبادل أسرى فورية مع المقاومة في قطاع غزة، من أجل إعادة الأسرى الإسرائيليين المتبقين، خصوصاً أنّ عدداً منهم قُتل بنيران “الجيش” الإسرائيلي، ومن جراء قصفه العنيف والمتواصل على القطاع.

كما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية خلال الفترة الماضية عن إجلاء ما يزيد على 100 ألف مستوطن من الشمال وحده، أغلبيتهم لا تنوي العودة إليه بعد انتهاء الحرب.

ويُضاف إلى هؤلاء المستوطنين الذين تمّ إجلاؤهم من مستوطنات غلاف غزة، الذين أعرب معظمهم عن عدم رغبته في العودة أيضاً.

أما فيما يتعلق بعدد القتلى المستوطنين، فقال الاحتلال في الشهر الأول من الحرب، إنّه ثمة 1400 منهم، ليزعم في تشرين الثاني/نوفمبر أنّهم 1200 قتيل. وفي صفوف “الجيش”، يقارب عدد القتلى من الضباط والجنود الـ680.

ويعاني “جيش” الاحتلال أزمةً في العديد، إذ يعاني نقصاً في الجنود مع استمرار الحرب في غزة والمواجهات مع حزب الله في الشمال، ما دفع وزير الأمن، يوآف غالانت، إلى الطلب من الحكومة النظر في تمديد خدمة الاحتياط والخدمة الإلزامية إلى 3 سنوات.

يُذكر أنّ المؤسسة الأمنية والعسكرية فرضت رقابةً مشدّدةً على الأرقام التي يتمّ نشرها منذ بدء الحرب، حيث عملت على التكتّم على خسائرها الفادحة التي توثّقها المقاومة.

———————————————

 يديعوت 9/7/2024

نشر التسجيلات عن المحادثات داخل الإدارة المدنية يعصف بالخواطر

بقلم: اليشع بن كيمون

ما نشر مؤخرا في أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي يتولى بالتوازي أيضا منصب وزير في وزارة الدفاع سحب منذ الان الصلاحيات من الإدارة المدنية وتركها فارغة من المضمون دفعت العميد هشام إبراهيم الذي تسلم مؤخرا منصب رئيس الإدارة المدنية لان يجري حديثا مع بعض الأشخاص بهدف ترسيم خطوط عمل الإدارة المدنية تحت قيادته.

“أتحدث عن القصة الإعلامية التي تنشأ في الأسبوعين الأخيرين عن هذه التقارير وتلك حول حضور الإدارة المدنية وبالنسبة للامور والاعمال التي نفذت والاتفاقات الائتلافية هذه وتلك ويمكن مواصلة طي هذا بكلمات جميلة”، قال العميد إبراهيم في حديث وصلت تسجيلاته الى “يديعوت احرونوت”.

فقد أوضح العميد إبراهيم قائلا: “أقول منذ البداية. الإدارة المدنية هنا كي تبقى وهي حاضرة اكثر من أي وقت مضى. فلا يمكن للسكان المحليين والمستوطنين ان يعيشوا بدون الإدارة المدنية. الوحيدون القادرون على اتاحة نسيج حياة للاستيطان وللسكان المحليين هم الإدارة المدنية. الإدارة لن تخصخص ولا تخصخص”.

رئيس الإدارة الجديد، كما يبدو حسب الحديث، على وعي جيد بالعاصفة الناشئة، واساسا حول تعيين نائب مدني لرئيس الإدارة، تعيين اتفق عليه في الاتفاقات الائتلافية بين الصهيونية الدينية وبين الليكود.

في اعقاب هذه الاتفاقات، عين الوزير سموتريتش قبل بضعة أسابيع هيلل روت، من قبله كالنائب المدني. في محادثات مغلقة يشرح رجال سموتريتش بان روت يتبع مديرية التسوية التي أقامها الوزير، ويشكل مستوى سياسيا. في التسجيلات التي انكشفت مؤخرا في “التايمز” وفي “واي نت” سمع سموتريتش يقول: “يوجد نائب رئيس إدارة مدنية هو مدني، موظف وزارة الدفاع لا يتبع لرئيس الإدارة المدنية ولا لقائد المنطقة، يتبع للمديرية المدنية. تلقى مباشرة من رئيس الإدارة تفويضا بكل الصلاحيات، كل التشريعات والتفاصيل القانونية. على هذا أيضا كان الكثير من الصراعات لكن يوجد أمر عسكري من قائد المنطقة موقع، تخويل لنائب رئيس الإدارة المدنية بكل الصلاحيات المدنية”. غير أنه بخلاف هذه الاقوال، في حديث مع بعض الأشخاص سمع العميد إبراهيم واضحا جدا حول الصلاحيات والحدود. “في هذه اللحظة العمل الذي تم هو أنه عين نائب مدني للإدارة المدنية”. شرح. “هو نائب مدني لرئيس الإدارة. هو نائبي. انا رئيس الإدارة، كل ما يحصل في الضفة هو تحت مسؤوليتي وباذني”.

ومع ذلك، شدد العميد إبراهيم على أنه قبل كل شيء هو رجل عسكري. “انا اتبع قيمة الرسمية”، شرح. “نحن لا نعمل في السياسة، نحن جسم عسكري. نحن لا نعمل في هذا الاتفاق الائتلافي او ذاك. هذا ليس شأننا. في دولة ديمقراطية توجد دولة وللدولة يوجد جيش، ونحن في دولة ديمقراطية ويوجد منتخبو جمهور ومن يقرر السياسة هي الحكومة. نحن تابعون لسياسة الحكومة. نحن لا نقرر السياسة. سيكون لنا رأي رسمي مهني ورأي شجاع بالنسبة لهذه القرارات وتلك، ونحن سنقوله، وليس عبر الوكلاء. انا أتحدث مع أناس باحاديث مغلقة، واذا كان يوجد قرار به احتمال للمس بالتعريف بان ساحة الضفة يجب أن تكون ساحة فرعية، فاني اعرف كيف أقول لصاحب القرار انه مخطيء، بالشكل الأكثر رسمية والأكثر مهنية. اذا ما اخذ برأيي – فهذا افضل ما يكون. اذا لم يؤخذ برأيي، توجد دولة وتوجد حكومة، وأنا انفذ قرارهم وكأني انا الذي اتخذته بنفس. هكذا فعلت من يومي الأول في الجيش الإسرائيلي”.

في الحديث طلب العميد إبراهيم من رجاله الا يتأثروا بالاحاطات التي تأتي من جهات سياسية. “انا رئيس الإدارة المدنية والأمور التي تنفذ وتسمعونها (تعيين نائب مدني، ثورة بناء سموتريتش، اقرارات بؤر استيطانية وما شابه – أ. ب. ك) لا تؤثر علي. اطلب منكم الا تؤثر عليكم أيضا. أحد لن يقول لمن يوجد هنا كم هم حاضرون او كم هم هامون. لن يكون هنا جسم آخر يعرف كيف يفعل ما تفعلونه. وعليه فاني اطلب بان يكون الخطاب هو خطاب مهني ورسمي وليس خطاب ثرثرة. ليس كل ما تسمعونه في الاعلام قريب من الحقيقة. على كل واحد ان يتحدث لمن هو قريب منه، وممثلو الجمهور، كل واحد يتحدث الى قاعدته. هذا لا يعني أن كل ما قيل في الاعلام هو صحيح. أحيانا الحقيقة والواقع متعاكسين تماما. كمن قاتل في كل حروب إسرائيل منذ كنت جنديا، بما في ذلك الحرب الأخيرة، وكمن فقد جنودا، قادة ومرؤوسين في كل زاوية في هذه الدولة توجد لي قصة، انا لا أزال حاضرا وانا اعرف مكاني في هذا التنظيم. انا قائد هذا التنظيم ونوابي يتبعونني. دعوني في الغرف المغلقة ادير الاحداث. مني لن تسمعوا كلمة سيئة عن احد او انعدام رسمية. لا تتأثروا بما يكتب وواصلوا القيام بعملكم”.  تجدر الإشارة الى أنه في اثناء الأشهر الأخيرة انكشف غير قليل من القرارات والتغييرات الدراماتيكية التي ينفذها سموتريتش في الإدارة المدنية، فيما ان هدفه الأعلى هو تفريغها من محتواها ونقل صلاحياتها الى أناس مديرية التسوية التي أقامها.

في حديث اجراه مع بعض الأشخاص بدا ان رئيس الإدارة الجديد يرسم حدوده ويعرض هدفه الأساس، كما تحدد له، في الحفاظ على ساحة الضفة كساحة ثانوية بحيث لا تتصاعد.

——————————————–

يديعوت 9/7/2024

البديل عن الصفقة أسوأ منها

بقلم: بن درور يميني

لا يوجد مقترح لحماس. يوجد رد من حماس. لا يوجد مقترح لبايدن. يوجد مقترح لنتنياهو. هو الأساس. وهذا بالتأكيد جدير بالإشارة الى أن إسرائيل هي التي بادرت الى المقترح. بايدن عرضه قبل نحو خمسة أسابيع. ربما ليس بكامله. لكن بالتأكيد بصورة مخلصة للمصدر. السؤال الذي يتبقى على حاله هو هل نتنياهو يؤيد مبادرة رئيس الوزراء.

يوم الاحد مساء، بالضبط في الدقائق التي اجتمع فيها كبار رجالات جهاز الامن وطاقم المفاوضات، نشر نتنياهو بيانا عرض فيه المباديء الخمسة التي يعتزم الإصرار عليها. يخيل أن البند الأول هو الأهم: “كل صفقة تتيح لإسرائيل العودة الى القتال حتى تحقيق كل اهداف الحرب”. يدور الحديث عن تناقض مطلق مع منحى نتنياهو الذي عرضه بايدن في 31 أيار، وبموجبه بعد تنفيذ مراحل الصفقة الثلاثة “تأتي نهاية الاعمال العدائية بشكل دائم”.

فما هو الصحيح؟ في حديث اجريته مع مصدر رفيع المستوى اطلع على المقترح، ادعى بان بايدن لم يبتكر أي شيء. بمعنى ان وقف القتال مشمول في المقترح الأصلي، رغم نفي نتنياهو. تعزيز للامر يوجد في حقيقة انه رغم المطالب المتكررة، من جانب ايتمار بن غفير مثلا، يرفض نتنياهو أن يكشف امامه المقترح. فممَ يخشى؟ اذا كان المقترح يتضمن استمرار القتال – فليس له ما يخفيه. وإذا كان يصر على اخفائه فيبدو ان هذا مقترح لا يمكن لليمين المتطرف أن يقبله. بتسلئيل سموتريتش اعلن منذ امس بان الحديث يدور عن “صورة نصر للسنوار”. وهو لن يؤيد المقترح.

هكذا بحيث انه يوجد لنا نتنياهو رئيس الوزراء، الذي عرض المقترح على الولايات المتحدة والأطراف. ويوجد نتنياهو الثاني، السياسي الذي يعارض نتنياهو الأول. البيان يوم الاحد مساء هو في واقع الامر بيان افشال. هو لا يريد الصفقة. وهذه بالفعل صفقة سيئة. اذا ما خرج في نهاية المطاف الى حيز التنفيذ فستعلن حماس عن النصر. في هذا الموضوع سموتريتش محق. الاف المخربين سيتحررون. الكثيرون منهم سيتسببون بوجع راس هائل لإسرائيل. بعض على الأقل سيعودون الى المهنة الوحيدة التي يعرفونها – الإرهاب. مسألة “اليوم التالي” تبقى غامضة. وهذا يعني ان حماس ستواصل السيطرة في القطاع وهذه صفقة متعذرة لمن طور الوهم بـ “النصر المطلق”. وكما هو معروف، من يتخذ القرارات يؤمن بهذا الخيال. هكذا بحيث ينبغي الامل في معجزة، لكن ينبغي تخفيض مستوى التفاؤل.

فهل مع ذلك ينبغي الكفاح من اجل الصفقة السيئة؟ نعم. لان البديل أسوأ بكثير. في هذه الحرب لن يكون نصر عادي ولا “نصر مطلق”. قرابة 1200 قتلوا في 7 أكتوبر. مئات آخرون قتلوا منذئذ وحتى اليوم. كل يوم تقريبا يضاف جنود الى قائمة المصابين. بلدات في غلاف غزة أصبحت مدن خربة. مئات البيوت دمرت ولا تزال تدمر في الشمال. مئات الالاف اخلوا من بيوتهم. عشرات الالاف لا يزالون لاجئين في بلادهم. اعمال تجارية تدمر. مكانة إسرائيل في الدرك الأسفل منذ قيامها. وكل يوم قائمة الضربات تتسع فقط. هنا وهناك توجد إنجازات عسكرية، لكن يكاد يكون كل انجاز تكتيكي لإسرائيل يصبح إنجازا استراتيجيا لحماس. ما الذي ينبغي ان يحصل اكثر كي يوقف نتنياهو هذا السقوط؟

قد يكون السنوار مجنونا. لكن لعبة الشطرنج ضد إسرائيل ادارها بنجاح مذهل. كل شيء أراده تقريبا – حققه. أراد طرح المسألة الفلسطينية على الطاولة – والنجاح هائل. أراد رفع مستوى نزع الشرعية عن مجرد وجود إسرائيل – ومرة أخرى نجح. أراد جر حزب الله الى الحرب – وجره. أراد افشال الصفقة العظمى بين الولايات المتحدة والسعودية، والتطبيع مع إسرائيل – فافشلها. حتى العلاقات مع الصديقة الأهم نجح في ضعضعتها. من كان يحلم في أن يكون تأخير في توريد الذخائر؟ وها هو، هذا أيضا حصل.

هكذا بحيث أنه ليس فقط لا معنى للمواصلة في الامر ذاته اكثر فأكثر لاجل تعميق الفشل بل ان هناك حاجة لوقفه منذ زمن بعيد. مبادرة إسرائيلية من طرف واحد لوقف النار، مع مطالبة بتجريد القطاع من السلاح وإعادة المخطوفين كانت ستجدي اكثر بكثير. ما كانت حاجة لانتظار تسعة اشهر. ما كانت حاجة لضغط امريكي كي يوافق نتنياهو على المقترح الإسرائيلي. ما كانت حاجة لمزيد فمزيد من العناوين في أن إسرائيل ترفض وقف النار. ما كانت حاجة لهذا القدر الكبير من الضرر الذاتي. فلئن كانت حماس تقول نعم – فان هذا انجاز مذهل يمنع ضررا هائلا. ولئن كانت حماس تقول لا – مثلما كان متوقعا – لكانت إسرائيل حظيت بملء متزايد لصندوق الائتمان السياسي. لكن إسرائيل أصرت على “استراتيجية المطرقة”، التي كان فشلها معروفا مسبقا.

حتى الان كان السنوار هو الذي افشل كل صفقة. فهو يستمتع بكل بحظة يتدهور فيها وضع إسرائيل. لكن الاهتمام العالمي في خبو. وقد حقق هو منذ الان ما يريد. بحيث أنه يحتمل، فقط يحتمل، ان نكون نحن في نقطة انعطاف. إذن نعم، هذه صفقة سيئة لكن البديل كما ينبغي أن نقول مرة أخرى أسوأ بكثير.

——————————————–

هآرتس 9/7/2024

في خطاب اعتزاله: فوكس لم يطمس الحقيقة التي تخفيها الحكومة

بقلم: عاموس هرئيلِ

خطاب الوداع لقائد المنطقة الوسطى التارك، يهودا فوكس، كشف مساء أمس القليل مما حدث في قيادة المنطقة في اشهر الحرب التسعة. الجنرال التارك لم يختبيء وراء صياغة ضبابية. فقد وصف شعوره بالذنب كجزء من القيادة العليا في الجيش الاسرائيلي وكقائد فرقة غزة في نهاية العقد الماضي، ازاء الفشل الصارخ للجيش في المذبحة في 7 تشرين الاول. هو لم يحاول أن يجعل احاسيسه ضبابية بخصوص الملاحقة التي مر بها من الجناح المتطرف للمستوطنين، الذي يعتبره منذ فترة طويلة ضابط مستقل يرفض التراجع أمامه، لذلك فقد اعتربه هدف للتشهير والتحريض ضده.

 الجنرال يهودا فوكس

المثال الافضل على ذلك تم تقديمه في نهاية تشرين الاول الماضي. ففي الوقت الذي تظاهر فيه نشطاء اليمين المتطرف أمام منزل فوكس بذريعة أنه يتخلى عنهم وعن أمنهم، وحتى أن بعضهم هددوا ابناء عائلته، حظي قائد المنطقة الجنوبية يارون بن كلمان على معاملة مختلفة من سكان غلاف غزة الذين شهدوا مذبحة في الواقع. عشية بداية العملية البرية للجيش في القطاع ارسل ممثلو سكان كيبوتس نير عوز، الذين تخلى عنهم الجيش الاسرائيلي، لا توجد كلمة اكثر مناسبة للاسف الشديد، في يوم المذبحة رسالة تأييد لقائد منطقتهم. “لا تفكر الآن فيما حدث”، طلبوا واضافوا “نحن نريد منك التركيز على نجاح المعرك الهجومية في القطاع وأن تساعد في اطلاق سراح المخطوفين”.

فوكس فقط كان يمكنه الحلم بمعاملة مشابهة من الاسرائيليين في الضفة الغربية. صدى هذه الاقوال كان يمكن سماعه حتى في خطاب وداعه. “أنا فعلت كل ما في استطاعتي من اجل الدفاع عن مواطني الدولة وعن سكان المنطقة. أنا تعاملت بجدية مع أي حجر أو زجاجة تم القاءها واعتبرت نفسي المسؤول عن كل مصاب في جسده أو روحه. احيانا فشلت، وأنا سأحمل ثمن الدماء معي الى الأبد”، قال. فوكس وصف “الاغلبية الساحقة من المستوطنين” بأنهم مواطنون يحافظون على القانون ويعيشون في ظل تهديد الارهاب. ولكنه اضاف “للاسف الشديد، في الاشهر الاخيرة الجريمة القومية المتطرفة رفعت رأسها بفضل الحرب ومشاعر الانتقام وزرعت المحنة والخوف في اوساط الفلسطينيين الذين لم يشكلوا أي تهديد. للاسف، القيادة المحلية والقيادة الروحية في معظمها لم تشاهد هذا التهديد مثلنا. فهي خائفة ولا تجد القوة للخروج علنا والعمل على خلفية قيم اليهودية”.

وحسب اقوال فوكس فانه “حتى لو كان المشاغبون أقلية إلا أن من يصمتون على جرائمهم لا يخرجونهم هم وأفعالهم من القاعدة. هذه ليست يهودية بالنسبة لي، على الاقل ليست التي تربيت عليها في البيت”. الاقوال تدفقت بشكل حاد الى أن تذكروا بأن اقوال مشابهة قالها العميد نيتسان الون (في حينه) قبل 12 سنة في الاحتفال بانهاء منصبه كقائد لفرقة يهودا والسامرة، وأن الوضع منذ ذلك الحين أصبح اسوأ.

عمليا، خلافا للاقوال التي أسمعت تجاهه فان فوكس اتبع في فترة الحرب سياسة استخدام القوة الزائدة ضد ارهاب الفلسطينيين، التي شملت مئات الاعتقالات وعشرات العمليات اللوائية في مخيمات اللاجئين وفي مدن الضفة. وقد فعل ذلك بواسطة استخدام المسيرات الانقضاضية في عمليات التصفية، الامر الذي كان محرم بالكامل حتى الصيف الماضي. مع ذلك، يجب القول بأنه في خطابه ايضا أكد على الحاجة الى عدم المس بالمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وعلى أن مصالح اسرائيل الامنية تكمن في الحفاظ على مكانة السلطة الفلسطينية رغم الطلبات المتكررة لاحزاب اليمين المتطرف في الائتلاف بتدمير السلطة في رام الله.

“زرع الخوف في اوساط مواطني الدولة في ظل احداث 7 تشرين الاول هو خطأ كبير”، حذر. “قدرة قيادة المنطقة الوسطى على تنفيذ المهمات، الدفاع عن سكان اسرائيل وسكان المنطقة، مرهونة ايضا بوجود سلطة فلسطينية تستطيع العمل وقوية، مع اجهزة امنية ناجعة تحافظ على القانون والنظام. هذه هي نقطة انطلاق قائد المنطقة وهي تستند الى قرار الحكومة”.

وحول علاقته المشحونة مع رئيس الاركان هرتسي هليفي خلال السنة الماضية، قال فوكس “أنا أخجل واشعر بالعار كقائد، قبل أي شيء كمواطن، من الهجوم ضدك. هذا اسلوب هناك من تبناه هنا ايضا. اشياء فظيعة تُقال وبعد ذلك يأتي اعتذار صغير، حتى الهجوم القادم غير المسؤول”.

ما تمت الاشارة اليه فقط في الخطاب يتعلق بالدراما السياسية التي تحدث وراء الكواليس، عملية سيطرة المستوطنين بواسطة ممثليهم في الحكومة على ادارة الصلاحيات المدنية في الضفة الغربية. الوزير بتسلئيل سموتريتش، بقوة منصبه الزدوج، وزير المالية ووزير ثاني في وزارة الدفاع، اضاف لنفسه المزيد من القوة والصلاحيات، وبذلك قلص قوة وزارة الدفاع وقوة الجيش الاسرائيلي وجهاز تنسيق اعمال الحكومة في المناطق، ويقوم باملاء سياسة اسرائيل في الضفة الغربية. هذه صحيح بخصوص توسيع المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية، لكن ايضا جهود سموتريتش المحسوبة لخنق اقتصاد السلطة الفلسطينية على أمل انهيارها.

ليس من الغريب أن الوزيرة اوريت ستروك، العضوة في حزب سموتريتش، تحدثت عن “اجواء معجزة” تحيط بها في اعقاب اندلاع الحرب في القطاع. اليمين المتطرف يلاحظ وجود لحظة مناسبة في ظل الحرب ويعمل وفقا لذلك. محرر مجلة اليمين الاسبوعية “مصدر أول”، حاجي سيغل، نشر في يوم الجمعة الماضي بأن سموتريتش هو “مبعوث جمهور يحاول استغلال فرصة سياسية لن تتكرر، وعلى قناعة بأن ذلك ايضا هو مصلحة الدولة”.

——————————————–

هآرتس 9/7/2024

تهديدات الحوثيين على السعودية تُعقد حسابات طهران في الشرق الأوسط

بقلم: تسفي برئيل

عبد الملك الحوثي خرج أول أمس عن أطواره. ففي خطاب مصور هدد للمرة الاولى في السنتين الاخيرتين بمهاجمة موانيء ومطارات وبنوك في السعودية اذا “خضعت” الرياض لتوجيهات الولايات المتحدة، التي تستهدف حسب قوله تحطيم اقتصاد اليمن. في موقع الاخبار الرسمي التابع للحوثيين، “المسيرة”، نشر بعد خطاب الزعيم صور جوية لعدد من المطارات والموانيء في السعودية. وقد ارفقت بشعار “فقط جربونا”. في خطابه المتصلب أكد الحوثي بأن الامريكيين يدفعون النظام في السعودية نحو افعال غبية وعدائية لن نوافق عليها. اذا اقتنع النظام في السعودية بالتورط مع الامريكيين وقدم المساعدات المالية والدعائية لليهود فان هذا هو خياره، لكن النتائج ستكون خطيرة. أيدينا لن تكون مقيدة امام الخطوات الهستيرية… وحقيقة أننا نعمل بـ “منظومة الدعم” في غزة (هذا وصف لنظرية وحدة الساحات)، لا تعني أنه لا يمكننا فعل أي شيء ضد الافعال الهستيرية. نحن سنرد بشكل مشابه. الموانيء ضد الموانيء، المطارات ضد المطارات والبنوك ضد البنوك”.

غضب الحوثي جاء على خلفية قرار الحكومة الرسمية في اليمن التي تحصل على الدعم من السعودية وتعمل من مدينة عدن، اعطاء التعليمات للبنوك التي تعمل في العاصمة صنعاء، التي تم احتلالها من قبل الحوثيين في 2014، بانهاء نشاطاتها هناك ونقلها الى عدن. في الواقع القرار تم اتخاذه في شهر آذار، واعطيت للبنوك مدة شهرين لتنفيذه. ولكن بعد انتهاء هذه المدة ولم يتم تنفيذ القرار فقد قررت حكومة اليمن قطع علاقتها مع ستة بنوك كبيرة تعمل في المنطقة تحت سيطرة الحوثيين. وقد أضافت حتى تهديد بأنه اذا لم تتوقف البنوك عن عملها في صنعاء فانه ستطبق ضدها التعليمات الدولية المتعلقة بحظر تبييض الاموال والتعاون مع منظمات الارهاب.

ردا على ذلك اعلن الحوثيون عن قطع علاقتهم مع 13 بنك تعمل في عدن، وعن قرار اصدار اوراق نقدية جديدة من فئة المئة ريال ومنع استخدام العملة الجديدة التي اصدرتها حكومة اليمن الرسمية، التي في المقابل منعت استخدام العملة الجديدة للحوثيين.

النتيجة الفورية كانت أن آلاف اليمنيين الذين يعيشون في المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون سارعوا الى سحب ودائعهم من البنوك وشراء الدولارات. ولكن عندها اصطدموا بالتعليمات الصارمة، غير الجديدة، التي تمنع سحب الودائع لأن البنك المركزي لن يقوم بتحويل ما يكفي من الاموال لبنوكهم من اجل عمليات السحب.

بعد سنتين على سيطرة الحوثيين على صنعاء، وفيما بعد على شمال ووسط اليمن، فقد اقاموا بنك مركزي لهم وقاموا بسن قوانين جديدة للبنوك. في الوقت الذي فيه سعر الريال اليمين في العاصمة هو 530 ريال للدولار، فان السعر التجاري في عدن يبلغ الضعف، 1800 ريال للدولار. المواطنون العاديون ورجال الاعمال الذين يمكنهم القيام بنشاطات بنكية في شطري اليمن، الذي تسيطر عليه الحكومة الرسمية والذي يسيطر عليه الحوثيون، يستفيدون منذ فترة من الفجوة في الاسعار، ولكن الآن هم يخشون على اموالهم وعلى مصالحهم التجارية.

تحويل اموال المواطنين الذين يعملون خارج الدولة، التي يتم استخدامها كأنبوب الاوكسجين الحيوي للاقتصاد، اصبح أسير، ونحن لا نعرف أين يمكن ايداع هذه الاموال دون فقدان قيمتها أو مصادرتها. ملايين المواطنين، لا سيما الذين يوجدون تحت سلطة الحوثيين، لا يملكون أي وسائل تمويل بديلة. والحكومة الرسمية أمرت منظمات الاغاثة الدولية بتنفيذ كل نشاطاتها داخل اليمن من خلال البنك المركزي في مدينة عدن.

هذا القرار هدف الى تجفيف ضخ الاموال للبنوك التي توجد تحت سيطرة الحوثيين. الحوثي يعتبر “معركة البنوك” جزء لا يتجزأ من المعركة العسكرية للولايات المتحدة وتحالفها المقلص في البحر الاحمر ضد رجاله. المعركة التي حتى الآن لم تنجح في وقف هجمات الحوثيين على السفن واعادة فتح الممر البحري الدولي الرئيسي، الذي يمر فيه 15 في المئة من التجارة العالمية.

الرياض مرة اخرى على مرمى الهدف

بعد سنتين على وقف اطلاق النار، الذي تحقق بوساطة الامم المتحدة وبضغط من الولايات المتحدة، فان التهديد المباشر للسعودية، حليفة الحكومة الرسمية في اليمن، هو تطور خطير يضع مرة اخرى الرياض على مرمى هدف الحوثيين. هذا رغم أن السعودية ودولة الامارات ومصر والاردن، التي تضررت بشكل مباشر بسبب وقف التجارة في البحر الاحمر، غير مشاركة في التحالف الامريكي.

لكن الحوثي يتهم السعودية بالخضوع لضغط الولايات المتحدة واسرائيل، وهو يطلب من الرياض الضغط على حكومة اليمن الرسمية من اجل الغاء تعليمات البنك المركزي، التي يمكن أن تفصل صنعاء والحوثيين عن منظومة البنوك القطرية والدولية. هكذا، هو يقوم ايضا بتحدي العلاقة الغضة لايران مع السعودية، اللتان استأنفتا العلاقات بينهما في السنة الماضية بوساطة الصين في اعقاب وقف اطلاق النار في اليمن والبدء في محادثات المصالحة بين الرياض والحوثيين.

التقارب بين الطرفين رسخ الافتراض بأن السعودية خرجت من دائرة التهديد الايراني وتهديد الحوثيين. لذلك فان مشاركة الحوثيين في “وحدة الساحات” تعتبر معركة منفصلة لا يتوقع أن تهدد الرياض.

لكن خلافا لحزب الله، الذي يقوم بالتنسيق الوثيق مع ايران والذي يعمل ليس فقط كامتداد عسكري لها بل مرساة سياسية حيوية تربط بين مصالح طهران في المنطقة وخارجها وبين المعركة المحلية، توجد للحوثيين مصالح مستقلة، التي كما يبدو ليس دائما تتساوق مع مصالح ايران.

تهديد السعودية، ناهيك عن تنفيذه، يعرض للخطر بشكل مباشر ايران وطموحها الاستراتيجي في الانضمام للدول العربية في الشرق الاوسط. بعد استئناف العلاقات بينها وبين دولة الامارات والسعودية فان طهران الآن تحاول استئناف علاقاتها مع مصر.

حلقة النار التي اسستها ايران مع الحوثيين ومع المليشيات الشيعية في العراق ومع حزب الله تهدد الآن باشعال نظرية ايران الاستراتيجية، التي لا يمكن أن تكون متأكدة من أن الحوثيين سيمتثلون لتعليماتها بشكل كامل ويتنازلون عن تهديد السعودية. هذا التهديد يحول التحالف بين السعودية وامريكا الى أمر اكثر الحاحا خلافا لطموحات ايران في احباطه.

في نفس الوقت واشنطن وجدت نفسها في معضلة كبيرة، توضح أن حلف الدفاع الذي هدف من البداية الى اقامة درع واقي اقليمي ضد ايران يمكن أن يورطها في حرب “ثانوية” ضد الحوثيين من اجل حماية السعودية اذا قاموا بتنفيذ تهديدهم. هكذا، سيكون محل الاختبار استعداد الولايات المتحدة للعب دورها في حلف الدفاع المستقبلي. هذا التطور اذا حدث فانه لن يكون مرهون بالحرب في غزة وبالعلاقة مع “وحدة الساحات”. هذه ستكون ساحة جديدة ومستقلة التي يمكن أن تحيي الحرب في اليمن وتحبط العملية الدبلوماسية التي هدفت الى انهائها.

——————————————–

هآرتس 9/7/2024

سموتريتش أكمل ضم الضفة

بقلم: ميخائيل سفارد

قبل بضعة ايام تم اكتمال الانقلاب النظامي، ليس في اسرائيل، قلائل يدركون ذلك، لكن حكومة بن غفير – سموتريتش – نتنياهو تآمرت من اجل تنفيذ انقلابين، الاول في اسرائيل والثاني في الضفة الغربية. الاول هدف الى الغاء فصل السلطات واستقلالية جهاز القضاء وخلق حكم ديكتاتوري في اسرائيل. الثاني هدف الى ضم الضفة الغربية وتثبيت تفوق اليهود فيها. من اجل منع الانقلاب الاول خرج مئات آلاف الاسرائيليين الى الشوارع. ولكن لم يخرج أي أحد الى الشوارع لمنع الانقلاب الثاني لأنه ما السيء في تحقيق المزيد من تفوق اليهود؟.

الانقلاب النظامي في الضفة الغربية تم تنفيذه حسب وعد بنيامين نتنياهو لسموتريتش في الاتفاق الائتلافي، الذي اساسه نقل تقريبا كل الصلاحيات السلطوية في الضفة، باستثناء الصلاحيات المتعلقة بالأمن، من الجيش الى جهاز يترأسه سموتريتش. هذا حدث في نهاية شهر أيار، بهدوء وبدون احتفال وبدون بيانات، عندما قائد المنطقة الوسطى، يهودا فوكس، وقع على أمر أوجد وظيفة جديدة في الادارة المدنية، “نائب رئيس الادارة المدنية لشؤون السكان”. ورئيس الادارة المدنية وقع على كتاب نقل الصلاحيات للنائب. ولكن “النائب” هو شخص مدني تم تعيينه من قبل سموتريتش، وهو ليس نائب على الاطلاق لأنه لا يخضع لرئيس الادارة المدنية ولا يحصل منه على المصادقة على نشاطاته ولا يقوم بالتشاور معه ولا يكتب التقارير له. هو يخضع لسموتريتش. الامر وكتاب نقل الصلاحيات، نقلت تقريبا معظم، تقريبا جميع، صلاحيات رئيس الادارة المدنية لهذا النائب. ادارة اراضي الضفة، التخطيط والبناء، الرقابة وانفاذ القانون على البناء غير القانوني، الرقابة وادارة السلطات المحلية ورخص المهن والتجارة والاقتصاد، ادارة المحميات الطبيعية والمواقع الأثرية. سموتريتش أعطى حقنة شرجية ادارية (عفوا على التعبير) لرئيس الادارة المدنية، وافرغه من كل صلاحياته. السلطة في الضفة انتقلت فعليا من الجيش اليه من خلال النائب الذي قام بتعيينه.

اذا قمنا بوصف الامور بشكل بياني فانه منذ التوقيع على هذا الامر يتجول في قيادة الفرقة في بيت ايل ضابط يحمل لقب “رئيس الادارة المدنية”. ولكن بالنظر الى صلاحياته الجديدة يبدو أنه عاطل عن العمل، ويمكنه أن يخصص وقته لتنظيم نشاطات ثقافية وترفيه لمرؤوسيه. يجب على أحد أن يبلغه بأنه ربما يكون “رأس” ولكن بدون جسد.

إن نقل الصلاحيات من الضابط الذي يخضع لقوات الجيش في الضفة الى المواطن الذي يخضع للبؤرة الاستيطانية التي اقامها سموتريتش في وزارة الدفاع، توجد له معان أبعد بكثير من مجرد تغيير نوبات وترتيبات العمل. الحديث يدور عن انقلاب دراماتيكي في هيكلية النظام في المناطق المحتلة، من مناطق تتم ادارتها بالحكم العسكري، الذي يأمره القانون الدولي بتوفير احتياجات السكان الواقعين تحت الاحتلال، الى مناطق تتم ادارتها بشكل مباشر على يد موظفي الادارة وشخص منتخب من قبل الجمهور الاسرائيلي. وبالتالي، ادارة ولاءها والتزامها الوحيد، بحكم التعريف، بمواطني اسرائيل بشكل عام، ومواطني اسرائيل الذين يعيشون في المناطق المحتلة بشكل ملموس. كي نعرف مدى دراماتيكية هذا التغيير فانه يجب على المرء فهم ما عمل القانون الدولي على تحقيقه عندما قرر بأن المناطق المحتلة يجب ادارتها بواسطة حكم عسكري.

القانون الدولي ينظم وقع الاحتلال كادارة مؤقتة للمناطق التي توجد تحت سيطرة المحتل، وهو يمنع بصورة مطلقة ضمها بشكل احادي الجانب. هذا ليس مجرد منع، بل هو قاعدة رئيسية استهدفت التأكيد على حظر استخدام القوة لاغراض اخرى غير الدفاع عن النفس. واذا كان من الواضح أن السيادة لا يمكن أن يتم اكتسابها بقوة السلاح فان دوافع شن الحرب ستكون أقل. أي أن الحديث يدور عن مبدأ هو جزء من جوهر النظام الدولي الذي تم انشاءه بعد الحرب العالمية الثانية، الذي في اساسه توجد الرغبة في القضاء على الحروب. الهدف من تحديد أن المناطق المحتلة سيتم حكمها بواسطة الحكم العسكري، وليس بشكل مباشر من حكومة الاحتلال، هو اقامة سور بين مواطني الدولة المحتلة، الذين هم السادة فيها، وبين السلطة الموجودة في المناطق المحتلة.

هذا النظام يرتكز الى الادراك بأن الجيش ملزم بدرجة اقل بالاعتبارات السياسية، في حين أن وزارات الحكومة المنتخبة ملزمة بهذه الاعتبارات بحكم التعريف. نقل صلاحيات الحكم الى موظفي حكومة الاحتلال ومنتخبيها يخلق سيطرة مباشرة لمواطني دولة الاحتلال على المناطق المحتلة. هكذا، فعليا توسع خطوط السيادة الى داخل المناطق المحتلة، أي الضم. هذا ما نجح سموتريتش في فعله. فهو أبعد بالكامل الجيش (والاستشارة القضائية العسكرية) عن عملية اتخاذ القرارات بالنسبة لكل ما يمس مباشرة الأمن، وعمليا طبق فيها سيادة اسرائيل.

لذلك، توجد وستكون معان كارثية لحقوق الفلسطينيين. القليل من القيود التي بشكل معين فرضها الجيش على سلب اراضي الفلسطينيين وطردهم منها والاضرار بهم، سيتم رفعها الآن. اعضاء “ريغيفيم” ومنتدى “كهيلت” و”حنونو”، الذين قام بتعيينهم سموتريتش في المناصب ذات الصلة في الادارة المدنية الجديدة في الضفة، لا سيما في مناصب المستشارين القانونيين، سيزيلون الكوابح القليلة وسينقضون على نعجة الفلسطيني الفقير، ويذبحونها ويسلخون جلدها ويوزعون لحمها ويمصون عظامها. هذا ما يحدث الآن: بناء مستوطنات جديدة، اقامة أحياء جديدة بوتيرة غير مسبوقة، اسرائيليون عنيفون سيحصلون على عشرات آلاف الدونمات من اجل اقامة المزارع، سيتم هدم مباني الفلسطينيين غير القانونية في حين أن البناء غير القانوني للمستوطنين ستتم شرعنته. هذا ابرتهايد بدون خوف أو خجل. ابرتهايد كخطة عمل.

العار الاكبر هو أن لا أحد ينهض، سواء في اسرائيل أو في العالم، وهو نفس العالم الذي فرض عقوبات كبيرة على روسيا عندما قامت بضم شبه جزيرة القرم بشكل اجرامي، وبعد ذلك المناطق التي قامت باحتلالها بعد غزو اوكرانيا. هذا العالم موجود في حالة صمت ولا بنبس ببنت شفة عندما يدور الحديث عن اسرائيل. العالم يطبق على اسرائيل معيار مختلف. ولكن خلافا لهراءات دعاية اسرائيل فان هذا يعتبر تمييز للافضل واعفاء من القانون. الشيء الوحيد الذي يجب على مجرمي الضم قوله لانفسهم الآن: لماذا انتظرنا 57 سنة؟ هذا أمر سهل جدا.

——————————————–

معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 9/7/2024

تعزيز السلطة الفلسطينية من خلال بناء المدن كجزء من بنية إقليمية جديدة

بقلم: كوبي ميخائيل

هناك من يحذر من أن تدهور الوضع الاقتصادي في السلطة الفلسطينية يقربها من احتمال الانهيار، وهو ما لا ينسجم مع المصالح الإسرائيلية. كيف يمكن لمشروع ضخم، مثل بناء مدن فلسطينية جديدة، أن يوفر حلاً لسلسلة من إخفاقات السلطة الفلسطينية، والتحديات التي تواجهها، والمعضلات التي تفرضها على إسرائيل؟

خطر انهيار السلطة الفلسطينية، إلى جانب الحاجة إلى تغييرات كبيرة داخلها – الشروط المسبقة لإعادة تأهيلها، وعودتها إلى قطاع غزة، وخلق الظروف الملائمة لتسوية سياسية على أساس مبدأ الدولتين – إن تحقيق التطبيع مع المملكة العربية السعودية وإنهاء الحرب في غزة – يتطلب نهجاً مختلفاً عما تم قبوله في الماضي. وجزئياً، فإن إنشاء مدينتين أو ثلاث مدن فلسطينية (مثل روابي، شمال رام الله)، وتكرار هذا النموذج لاحقاً في قطاع غزة كعنصر من عناصر تصميم بنية إقليمية جديدة، يمكن أن يقدم إجابة لسلسلة من الأسئلة. التحديات. إن التنفيذ الناجح للمشروع العملاق المقترح سيشجع مشاريع إضافية ذات حجم وأهمية مماثلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يضع الأساس لتغيير النظام الفلسطيني والإقليمي، بما يتجاوز النظام الفلسطيني نفسه.

وتواجه السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها في مايو/أيار 1994 صعوبات اقتصادية، حيث أصبح اعتمادها الاقتصادي على إسرائيل مطلقا. وتفاقمت الضائقة على مر السنين بسبب عمل السلطة الفلسطينية ككيان فاشل، بعد أن فقدت ثقة الجمهور الفلسطيني، بالإضافة إلى الظروف المتعلقة بالانقسام في الساحة الفلسطينية والتنافس المستمر بين حماس والسلطة الفلسطينية/فتح. فضلاً عن الجمود الذي طال أمده في العملية السياسية، بما في ذلك سياسات إسرائيل في بعض الحالات. باستثناء فترة ولاية سلام فياض كرئيس للوزراء، والتي عمل خلالها بشكل منهجي ومستمر وهيكلي على إنشاء مؤسسات دولة فاعلة، والقضاء على الفساد، وإقامة الإصلاحات الهيكلية، وبناء البنية التحتية الوطنية، وتعزيز الاقتصاد، فضلت قيادة السلطة الفلسطينية التركيز على وتدويل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني – وملاحقة إسرائيل على الساحة الدولية – وإدامة روح المقاومة المسلحة واللاجئين، مع الرفض الصارم لأي تحرك لتحسين الظروف المعيشية للاجئين في أراضي السلطة الفلسطينية وإعادة تأهيلهم.

لقد تفاقمت الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وتفاقمت أكثر منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقد أدى ذلك إلى تعريض قدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، وخاصة موظفيها، بما في ذلك العاملون في الأجهزة الأمنية، للخطر. أحد أسباب الضائقة الفلسطينية المتزايدة هو منع أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني من العودة إلى العمل في إسرائيل بسبب الوضع الأمني. ولم يُسمح إلا لبضعة آلاف بالعمل في المناطق الصناعية في يهودا والسامرة، وعدد أقل من ذلك حصل على إذن استثنائي للدخول والعمل في إسرائيل. يعد العمل في إسرائيل أحد أهم مصادر الدخل للسلطة الفلسطينية. ولا يمكنها تشغيل آلاف العمال الذين عملوا سابقاً في إسرائيل ولا تعويضهم اقتصادياً عن نقص الدخل نتيجة عدم قدرتهم على العمل في إسرائيل.

لقد كانت الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية واضحة منذ سنوات، حيث لم تدفع لموظفيها رواتبهم كاملة، بل إنها فكرت مؤخرًا في إجراء المزيد من التخفيضات في الرواتب. وعلى الرغم من تخصيص ما يقرب من 7 في المئة من ميزانيتها السنوية (المقدرة بحوالي 6 مليارات شيكل لعام 2024)، إلا أن السلطة الفلسطينية تضمن دفع كامل المبالغ للإرهابيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ولعائلات الإرهابيين الذين قتلوا. ويجب التأكيد على أن الولايات المتحدة، مثل الدول الأخرى المعنية بوضع السلطة الفلسطينية وعملها، لم تطالب السلطة الفلسطينية بتحويل مليارات الشواكل المدفوعة للإرهابيين وعائلاتهم لتغطية رواتب موظفيها. علاوة على ذلك، يتم ممارسة ضغوط على إسرائيل حتى لا تخصم المبلغ المدفوع للإرهابيين من أموال المقاصة – الضرائب التي يتم جمعها لصالح السلطة الفلسطينية – بدعوى أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الصعوبات التي تواجهها السلطة الفلسطينية.

منذ خروج كتلة الوحدة الوطنية من الائتلاف، يبدو أن بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية ووزير الدفاع، تمكن من المضي قدمًا في سياسته المتمثلة في معاقبة السلطة الفلسطينية على أفعالها ضد إسرائيل على الساحة الدولية. لقد فعل ذلك من خلال تقليص أو إلغاء التحويلات المالية وفرض عقوبات اقتصادية إضافية، مما قد يؤدي إلى تفاقم وضع السلطة الفلسطينية إلى حد الانهيار. ويُزعم أن هذا هو هدف سموتريتش، من تنفيذ “خطته الحاسمة” التي نشرت في مجلة هشيلوخ عام 2017.

وتحذر أجهزة الأمن الإسرائيلية، بما في ذلك جيش الدفاع الإسرائيلي، ومنسق أعمال الحكومة في المناطق، وجهاز الأمن العام، من عواقب هذه الإجراءات العقابية. وهم يدعون إلى تجديد توظيف العمال الفلسطينيين في إسرائيل، ولو بطريقة مدروسة ومنضبطة. كما يدعون إلى مواصلة تحويل أموال المقاصة والمساعدة إلى السلطة الفلسطينية من قبل الدول الأخرى. ومع ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية تكافح من أجل اتخاذ قرار بشأن تجديد توظيف العمال الفلسطينيين في إسرائيل بسبب المعارضة الشعبية والمخاوف الأمنية الملموسة، خاصة في سياق حرب غزة والحرب المكثفة على الإرهاب في يهودا والسامرة.

وفي الوقت نفسه، تقود الولايات المتحدة والدول العربية البراغماتية جهوداً لتسهيل عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. وهذا جزء من آلية إنهاء الحرب وبلورة الشروط لإقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية. وتعتبر هذه شروطاً ضرورية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية في إطار بنية إقليمية جديدة وفقاً للرؤية الاستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط، والتي من شأنها أيضاً أن تعمل على مواجهة المحور الإيراني.

وتعارض الحكومة الإسرائيلية بشدة عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، معتبرة أنها لا تستطيع السيطرة بشكل فعال على المنطقة وسكانها، وبسبب ضرورة إجراء إصلاحات شاملة وعميقة داخل السلطة الفلسطينية، كما يقتضي مفهوم “السلطة الفلسطينية المنشطة” المطروحة. من قبل الرئيس بايدن. وفي الوقت نفسه، خفف موقف الحكومة الإسرائيلية بشكل ملحوظ تجاه عناصر فتح المحلية في قطاع غزة المرتبطة بالسلطة الفلسطينية أو المتعاطفة معها. وعلى الرغم من الأهمية التي توليها الحكومة الإسرائيلية للتطبيع مع السعودية، إلا أنها لا تزال تمتنع عن طرح أفق سياسي، حتى لو كان غامضا وغير محدد زمنيا، جوهره دولة فلسطينية مستقلة/حل الدولتين.

لقد عملت السلطة الفلسطينية منذ فترة طويلة ضمن منطقة راحة تعفيها من التغييرات العميقة المطلوبة، وتسمح لها بمواصلة جهود تدويل الصراع وملاحقة إسرائيل في المحاكم الدولية، والغرق في أزمات اقتصادية ووظيفية مع إعفائها من المسؤولية، والاعتماد على المجتمع الدولي. الدعم والمساعدات المالية، والضغط على إسرائيل لتجنب العقوبات الاقتصادية، بالإضافة إلى الاستمرار في رعاية روح النضال الفلسطيني واللاجئين. لكن خطر انهيار السلطة الفلسطينية وأهمية الإصرار على تغييرات عميقة داخل السلطة الفلسطينية كشرط لإعادة تأهيلها وتجديدها وعودتها إلى قطاع غزة، ولتهيئة الظروف لتسوية سياسية على أساس المبدأ إن حل الدولتين، فضلاً عن إنهاء الحرب في القطاع – كخطوات تكميلية وضرورية أساساً لتعزيز التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية – يتطلب نهجاً بديلاً للنهج المقبول.

إنشاء مدينتين أو ثلاث مدن فلسطينية، مثل مدينة روابي شمال رام الله، ومدن أكبر في السامرة، بين جنين وطولكرم، وفي المناطق (أ) و(ب) الخاضعة للسيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية، ومن ثم تكرارها إن نموذج قطاع غزة كجزء من عملية إقليمية أوسع نحو تصميم بنية إقليمية جديدة، يمكن أن يعالج سلسلة من إخفاقات السلطة الفلسطينية، والتحديات التي تواجهها، والمعضلات التي تفرضها على إسرائيل.

إن المساعدة الدولية التي تركز على مشاريع البنية التحتية الوطنية الفلسطينية، مثل بناء المدن، ستسمح بما يلي:

1- تشغيل الفلسطينيين الذين لا يسمح لهم بالعودة إلى وظائفهم في إسرائيل وتحسين وضعهم الاقتصادي؛

2- تحسين البنية التحتية للدولة في السلطة الفلسطينية وتنشيطها ككيان أكثر وظيفية وإنتاجية وشرعية.

3- تحسين المستوى المعيشي ونوعية الحياة بشكل كبير لسكان مخيمات اللاجئين في جنين ونابلس وطولكرم، وإخلاء مخيمات اللاجئين وهدمها، وإعادة تأهيل البنية التحتية الحضرية في مكانها؛

4- تنشيط الاقتصاد الفلسطيني من خلال تعزيز القطاعات المرتبطة بالبناء.

5- إعداد بنية تحتية جديدة للاتصال بالبنية التحتية الإقليمية ضمن الهيكل الإقليمي الجديد، بما في ذلك النقل والطاقة والمياه ونقل البضائع؛

6- التمييز بين السلطة الفلسطينية وحماس (خلافاً للوضع الحالي): السلطة الفلسطينية كعامل متكامل في عملية التسوية الإقليمية، المدعومة من المجتمع الدولي وإسرائيل، بما يؤدي إلى تحقيق المصالح الحيوية للشعب الفلسطيني والدولة المستقبلية، مقابل حماس باعتبارها حركة غير شرعية وتعرقل تقدم المصالح الأساسية للشعب الفلسطيني وتعمل كعامل مزعزع للاستقرار؛

7- تغييرات هيكلية عميقة داخل السلطة الفلسطينية، مما يتيح مستويات أعلى من الأداء الوظيفي والمسؤولية والمساءلة، ويخلق الظروف اللازمة للسيطرة الفعالة للسلطة الفلسطينية على أراضيها في البداية، ثم في قطاع غزة بعد ذلك بعد تفكيك أنظمة الحكم والأنظمة العسكرية لحماس وحرمانها من القدرة على استعادة السلطة؛

8- معالجة قضية اللاجئين وروحها، والحفاظ على المطالبة الفلسطينية بحق العودة، حتى لو لم تعلنها القيادة الفلسطينية علناً. وهذا يعني حل قضية اللاجئين في إطار الدولة الفلسطينية المستقبلية ورفض فكرة حق العودة إلى دولة إسرائيل ذات السيادة. وستكون الخطوة التكميلية هي هدم جميع مخيمات اللاجئين في قطاع غزة كجزء من إعادة تأهيل القطاع وإنشاء مدن جديدة وحديثة بالإضافة إلى البنية التحتية المتطورة لها.

9- إعلان إسرائيلي عن أفق سياسي يتوافق مع فكرة الدولتين الوطنيتين، لا يتوقفان على الزمن ولا يحدهما الزمن، بل على الأداء وعمق التغييرات داخل السلطة الفلسطينية، لتعزيز التطبيع مع السعودية. ولن تظل القضية الفلسطينية هماً إسرائيلياً فحسب، بل شأناً إقليمياً وجزءاً من المسؤولية المشتركة.

إن البنية الإقليمية الجديدة من شأنها أن تسمح بتحويل الجهود نحو حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من المستوى الثنائي، الذي تم استنفاده وحيث لا تستطيع الأطراف سد الفجوات بينهما، إلى المستوى الإقليمي المتعدد الأطراف. ومن شأن هذا المستوى أن يخلق فرصا جديدة، ويشجع على تشكيل مناهج وآليات وأنماط عمل جديدة غير موجودة على المستوى الثنائي. وفي مجال حل النزاعات، يُشار إلى ذلك باسم “توسيع الكعكة”.

ومن شأن التنفيذ الناجح لمشروع ضخم من النوع المقترح أن يشجع على التفكير في مشاريع أخرى ذات حجم وأهمية مماثلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا بدوره من شأنه أن يرسي الأساس لتغيير من الدرجة الثانية، أي تحول في النظام الفلسطيني والإقليمي، وليس تغييراً من الدرجة الأولى داخل النظام القائم. فالنظام القائم، بمبادئه التوجيهية ومظاهره الملموسة، قد استنفد، واستنفد محتواه، وأثبت فشله منذ زمن طويل.

——————————————–

هآرتس/ ذي ماركر: 9/7/2024

النقاشات حول ميزانية 2025 توقفت، الخوف هو من أن يدفع نتنياهو وسموتريتش نحو ميزانية استمرارية

بقلم: ناتي توكر

بعد اسبوعين تقريبا على النقاشات الماراثونية في وزارة المالية حول ميزانية العام 2025، لا توجد في الوزارة نقاشات متابعة لبلورة ميزانية العام 2025. في هذه المرحلة لا توجد قرارات حاسمة حول عدد من المواضيع، وبالاساس لم يتم البت في السؤال الرئيسي: ما هي أطر الميزانية. اضافة الى ذلك لا يتم اجراء أي نقاشات حول الميزانية مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

لقاء ثلاثي بين نتنياهو ووزير المالية ومحافظ بنك اسرائيل، يحتمل أن يتم عقده في الاسبوع القادم. الخوف هو من أنه حتى بعد هذا اللقاء لن يتم الدفع قدما بالنقاشات في الميزانية. حسب جدول الاعمال العادي للمصادقة على الميزانية يتعين على الحكومة أن تنعقد في شهر آب لمناقشة الميزانية من اجل التمكين من المصادقة عليها في الكنيست بالقراءات الثلاثة حتى نهاية السنة. الخوف هو من أن نتنياهو وسموتريتش يدركان أن ميزانية 2025 هي تحد سياسي غير ممكن بسبب الحاجة الى تقليص بعشرات مليارات الشواقل من ميزانيات الوزارات الحكومية، لذلك، هما غير معنيان بالمصادقة عليها. توصية المستوى المهني في وزارة المالية هو اجراء تعديلات بمبلغ 30 مليار شيكل على الميزانية من اجل خفض العجز الى اقل من 4 في المئة، في حين أنه في هذه الاثناء التنبؤ متعدد السنوات هو عجز يبلغ 5.2 في المئة.

اذا لم يتم وبحق اجازة الميزانية بقانون فان اسرائيل ستتصرف في العام 2025 وفقا لميزانية استمرارية، أي أن النفقات الشهرية في 2025 ستكون مشابهة للنفقات في 2024، مع الاخذ في الحسبان فقط ازدياد عدد السكان. هذه الميزانية هي ميزانية كابحة وستمكن من تقليص النفقات، وهي لا تشمل ايضا الاموال الائتلافية.

القانون ينص على أنه في حالة عدم المصادقة على الميزانية حتى نهاية شهر آذار فانه سيتم حل الكنيست واجراء انتخابات. ولكن ربما الحكومة ستحاول البقاء على قيد الحياة بواسطة تمويل النفقات الخاصة للحرب أو الاخلاء أو المساعدات المدنية بواسطة “صناديق” خارج الميزانية. أي نقل الميزانيات الخاصة التي ستسمح بصرف الاموال على هذه الاهداف خارج الميزانية الرسمية. وقد تم اتباع مثل هذه الخطوة في فترة الكورونا.

هذه الميزانية الاستمرارية هي خطيرة على اسرائيل لأنها تبث عدم السيطرة وعدم القدرة على اتخاذ القرارات حول تحديد اولوية النفقات في هذه الفترة.

——————————————–

هآرتس 9/7/2024

بحجة الأغلبية: نتنياهو يعود للانقلاب القضائي من الباب الأمامي.. هل يذعن الإسرائيليون؟

بقلم: أسرة التحرير

لقد بات الانقلاب النظامي يتغلغل منذ زمن بعيد إلى كل بقعة طيبة: عدم تعيين رئيس للمحكمة العليا، والمس بمكانة المستشارة القانونية للحكومة، وتعيينات ومحاولة للسيطرة على ديوان شؤون موظفي الدولة، وتسييس الشرطة والسيطرة على وسائل الإعلام، والمس بحرية التعبير العامة والأكاديمية وغيرها.

ولكن مشروع القانون الذي سيرفع اليوم إلى لجنة الدستور، القانون والقضاء من إنتاج النائب سمحا روتمان، بات إعادة للانقلاب من الباب الأمامي ونزع كل الأقنعة. حسب المشروع، فإن تعيين مأمور الشكاوى على القضاة – الذي يتم اليوم من قبل لجنة انتخاب القضاة، بموافقة وزير العدل ورئيس المحكمة العليا، سيصبح سياسياً تماماً ويتم من خلال تصويت في الهيئة العامة للكنيست.

بالفعل، الوضع الذي لا يغيب عنه مأمور شكاوى على القضاة ليس سليماً. لكن سبب ذلك رفض عنيد من وزير العدل لتنفيذ العرف الذي بموجبه يعين في المنصب قاض متقاعد من المحكمة العليا، ومن هنا الطريق المسدود أمام القائم بأعمال رئيس المحكمة العليا. ثمة أسباب وجيهة عن سبب مناسبة تعيين قاضي عليا متقاعد، فهو الوحيد الذي يعرف عمل المنظومة كلها، بما فيها المحكمة العليا، عن كثب. لذا، يمكنه أن يراقبها بشكل أخلاقي ومهني.

إن نقل صلاحيات التعيين من لجنة انتخاب القضاة التي توازن بين القوى السياسية والمهنية، إلى جسم سياسي صرف هو بالضبط الفكرة التأسيسية للانقلاب النظامي: سيطرة الأغلبية السياسية على مؤسسة مهنية، في محاولة لتعيين شخص يهاجم جهاز القضاء ويلاحقه ويمس باستقلالية المنظومة وبالمبدأ الحرج لعدم التعلق.

بالفعل، مشروع القانون يتضمن في داخله تحفظات في شكل أغلبية 70 نائباً سيكونون مطلوبين لإقرار التعيين، وتصويتاً سرياً – وذلك لمنع ادعاءات تقول إن هذا تعيين سياسي من طرف واحد من الائتلاف الحالي. لكن يجدر بالذكر أن هذا قانون قد يؤدي في المستقبل إلى تعيينات سياسية من طرف واحد في حالة ائتلاف واسع. كما أنه لا يمكن أن نعرف بأي سبل ستتحقق الأغلبية اللازمة اليوم أيضاً، ومن شأن القانون أن يجتاز تعديلات إضافية بهدف حل وضع لا تتبلور فيه أغلبية 70 نائباً.

مؤخراً، قال رئيس الوزراء إن “الجمهور والناخبين هم حماة حمى الديمقراطية”، لكن المقصود أنه لا حاجة لحماة حمى مهنيين، بل حكم أغلبية بلا قيود. هذا قول خطير يكشف هدف الانقلاب النظامي. يجب وقف القانون الحالي، وعلى الجمهور في إسرائيل أن يستيقظ ويمنع بجسده عودة الانقلاب النظامي، هذه المرة أيضاً.

——————————————–

هآرتس 9/7/2024

إدخال اليمين المتطرف بالحجر الصحي

بقلم: يوعنا غونين

يقولون بأنه لا توجد سعادة أكبر من فرحة العيد. ماذا يمكن أن أقول لكم، يصعب علي التجادل في هذا الادعاء بعد أن شاهدت أمس أفلام لنشطاء “الاتحاد الوطني” من الحزب اليميني المتطرف لمارين لوبين، وسماع نتائج العينة واكتشاف أن حزبهم تعرض للهزيمة في الانتخابات، وأن اليسار أصبح القوة الرائدة في البرلمان الفرنسي.

الأمر الوحيد الأكثر امتاعا من مشاهدة الشباب الفاشيين مع مظهر جديد للنازية وهم يمسحون دموع خيبة الأمل، هو رؤية وزير الشتات، عميحاي شكلي، يعاني نفس الحسرة المشتعلة لنفس السبب بالضبط.

شكلي، الذي هو أحد الوزراء المهووسين جدا في الحكومة التي معدل الذكاء لكل الاعضاء فيها معا يساوي ذكاء عدد سكان بؤرة استيطانية متوسطة، قضى الأسابيع الأخيرة في التعبير عن الدعم الكبير للوبين. هذه كان خطوة مخجلة بشكل خاص، سواء بسبب أن التدخل الصارخ لوزير في اسرائيل في السياسة الداخلية في فرنسا، أضرت بالعلاقات بين الدولتين، لأن وزير شؤون مكافحة اللاسامية أصبح مؤيد متحمس لحزب، الكثير من اعضائه في السابق والآن هم لاساميون فخورون.

مع ذلك، سعادتي من رؤية نوبة غضب شكلي لم تكن كاملة، وبعد البحث والتأمل ادركت أن أن تذمر شكلي من هزيمة اصدقائه العنصريين في أوروبا ما يزال حتى الآن أمر غير حقيقي، هناك لن يكون احتفال حقيقي إلا بعد هزيمة شكلي واصدقائه العنصريين هنا في إسرائيل، وأن يتم القاؤه في المكان المناسب في مزبلة التاريخ.

من أجل حدوث ذلك فإنه يجدر تعلم شيء ما من الانتخابات في فرنسا. الهزيمة المفاجئة لليمين المتطرف حدثت بسبب التعاون بين أحزاب الوسط واليسار، التي رغم الفجوة بينها إلا أنها تعاونت من اجل قطع الطريق على الحزب الذي يروج للقومية المتطرفة والعنصرية. “الوحدة بين اليسار والوسط يمكن أن تهزم الفاشية، هناك وهنا أيضا”، كتب عضو الكنيست السابق دوف حنين في اعقاب الانجاز الكبير، وهو محق، لكن فقط اذا توقفت احزاب الوسط واليسار اليهودية عن التعامل مع العرب كمواطنين من الدرجة الرابعة، الذي يجب عليهم القول شكرا لأنهم يمنحونهم الحق في التصويت، وبالتأكيد القول بأنهم لا يستحقون التواجد في الحكومة. لماذا؟ لأن اليمين قال، والوسط – يسار جبان وانهزامي (في اعماقنا هو أيضا عنصري قليلا).

سياسة التيار العام في فرنسا بالنسبة لاحزاب اليمين الفاشية تسمى “حجر صحي”، أي عدم الاقتراب منها بسبب مواقفها المثيرة للاشمئزاز. في المقابل، في اسرائيل الاحزاب العربية هي التي يتم ادخالها الى الحجر، وفي المقابل، الوسط – يسار مسرور بالتعاون مع تنوع من الكهانيين والفاشيين، لأن الراية التي توحد هذا المعسكر ليست قيم الديمقراطية والانسانية، بل الهوية اليهودية والصهيونية. فقط في الشهر الماضي شرح يئير لبيد بأن الجمهور “غير مستعد” للاتحاد مع راعم، ويئير غولان في الحقيقة كان سخيا بما فيه الكفاية في تعامله مع راعم كشريك شرعي. ولكنه سارع الى التأكيد بأن راعم يختلف عن الاحزاب العربية الاخرى.

هذا الوضع هو وضع مثالي لليمين ويضمن الحفاظ على حكمه، لذلك فانه يبذل الجهود الكبيرة لنزع شرعية الحقوق السياسية لحوالي 21 في المئة من مواطني الدولة. هكذا قاموا باسقاط الحكومة السابقة، وسيستمرون في النجاح طالما أن لبيد، غولان وبني غانتس، وزعماء الوسط – يسار، هم جبناء ويسمحون للعنصرية القبيحة بأن تشكل جدول الاعمال السياسي. تعلموا من انتصار فرنسا. فبدلا من الخجل من الشراكة بين اليهود والعرب، حان الوقت للبدء في تجفيف اليمين المتطرف مع كل منتخبيه العنصريين، الواهمين والمسيحانيين، وادخالهم الى الحجر الصحي. وعدم الاقتراب من هذه المجاري النتنة التي تهدد باغراقنا جميعا.

——————————————–

روبرت مردوخ.. الداعم الأقوى لـ “إسرائيل”

بقلم: آلان ماكلويد

يستخدم روبرت مردوخ إمبراطوريته الإعلامية للدفاع عن “إسرائيل” وتمجيدها، حتى في خضّم الهجوم على غزة الذي يُدان عادة باعتباره إبادة جماعية، وممتلكاته تعمل بشكل فعّال كذراع غير رسمي لآلة الدعاية الإسرائيلية.

موقع “MintPressNews” الأميركي ينشر تقريراً للكاتب آلان ماكلويد، يتحدث فيه عن روبرت مردوخ، وعلاقته القوية بـ “إسرائيل” وامتلاكه وسائل الإعلام الأكثر تأثيراً في الغرب، وكيف يسخّرها لدعم “إسرائيل” مستشهداً بأمثلة عن ذلك.

في ظل غياب وسائل إعلام متعاطفة، قد يصبح “الجيش” الإسرائيلي القوي عديم الفائدة في محاولاته لتطهير غزة عرقياً. فهو يعتمد على الدعم الغربي الحاسم لتحقيق أهدافه، ولا أحد يضاهي روبرت مردوخ في تصنيع الموافقة لـ”إسرائيل”. إذ يتمتع بارون الصحافة المولود في أستراليا بعلاقات شخصية وثيقة وواسعة مع النخبة السياسية الإسرائيلية وتربطه علاقة تجارية قوية بالبلاد. وقد استخدم إمبراطوريته الإعلامية للدفاع عن “إسرائيل” وتمجيدها، حتى في خضم الهجوم على غزة الذي يُدان عادة باعتباره إبادة جماعية. وعليه، فإنّ ممتلكاته تعمل بشكل فعّال كذراع غير رسمية لآلة الدعاية الإسرائيلية.

وتتجاوز آلة مردوخ هذه المئة صحيفة، يُعدّ بعضها من بين أكثر الصحف شهرة وتأثيراً على مستوى العالم، فضلاً عن عشرات القنوات التليفزيونية وإمبراطورية نشر عظيمة. وبالتالي، تسمح له هذه السلطة بوضع الأجندة السياسية في معظم أنحاء العالم. وقد ادّعى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أنّ مردوخ كان “عضواً غير رسمي” في حكومته، وأنّه كان واحداً من أقوى أربعة رجال في المملكة المتحدة.

العلاقات السياسية

وصف الرئيس جو بايدن مردوخ بأنّه “أخطر” رجل في العالم. إذ إنّ تأثير مشاريعه، ومن ضمنها صحيفة “وول ستريت جورنال” وقناة “فوكس نيوز”، في الحياة العامة الأميركية موثّق بشكل جيد. ومع ذلك، فإنّ علاقاته الوثيقة بـ”إسرائيل”، ولا سيما بقيادتها السياسية، يصعب فهمها.

وفي عام 2010، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قائمة مسربة جمعها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعدّها أفضل مصادر مساهماته في الحملة الانتخابية. ويظهر اسم مردوخ في المرتبة الثانية من القائمة، ما يعني أنّ نتنياهو عدّه حليفاً وثيقاً وأحد مصادر التمويل المحتملة لحملته الانتخابية. ومن المقدر أنّ نحو 98% من المساهمات التي حصل عليها نتنياهو مصدرها الخارج.

والجدير بالذكر أنّ مردوخ، البالغ من العمر 93 عاماً،  قد تخلّى عن الكثير من مسؤولياته لصالح ابنه لاتشلان، الذي سافر في وقت سابق من هذا العام إلى “إسرائيل” للقاء نتنياهو ورئيس الوزراء السابق بيني غانتس. وفي حين لا تزال تفاصيل الاجتماعات غامضة، يبدو جلياً أنّ دعم الهجوم الإسرائيلي في غزة وخارجها كان الموضوع الرئيس.

وهذه ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها مردوخ الأصغر بنتنياهو؛ ففي عام 2016، سافر إلى “إسرائيل” لعقد اجتماعات سرية مع رئيس الوزراء، حاول من خلالها إقناع مردوخ بشراء صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وإطلاق قناة تلفزيونية على طراز “فوكس نيوز” مخصصة لـ”إسرائيل”، وفقاً لصحيفة “هآرتس” المحلية.

ونتنياهو ليس رئيس الوزراء الوحيد الذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع مردوخ. فلطالما تمتع أرييل شارون بعلاقة وثيقة مع البارون الأسترالي. وقد بقي مردوخ معه في مزرعته وتم اصطحابه في جولة بطائرة هليكوبتر في “إسرائيل”، تمّ الركيز خلالها على التهديد المحتمل الذي تواجهه “إسرائيل” من قبل جيرانها المعادين لها.

العلاقات الاقتصادية

بالإضافة إلى علاقاته السياسية، يمتلك مردوخ الكثير من الالتزامات الاقتصادية تجاه “إسرائيل”. ففي عام 2010، قام هو والملياردير المصرفي اللورد جاكوب روتشيلد بشراء حصص في شركة “جيني إنرجي” (Genie Energy) وانضما إلى مجلس إدارتها.

وأثناء وجوده في مجلس الإدارة، حصلت شركة “جيني” على عقد للتنقيب عن النفط والغاز على مساحة تبلغ نحو 400 كيلومتر مربع من مرتفعات الجولان، وهي الأراضي السورية التي احتلتها “إسرائيل” بشكل غير قانوني منذ عام 1967. وعملياً، كانت شركة “جيني” تسعى للاستفادة من احتلال يعدّ غير شرعي بموجب القانون الدولي.

بالإضافة إلى ذلك، يمتلك مردوخ شركة البرمجيات الإسرائيلية “إن دي إس” (NDS)، التي كانت في قلب فضيحة القرصنة التي أسقطت شركة التلفزيون البريطانية “آي تي في ديجيتال” (ITV Digital). فقد ساعدت أنشطة “إن دي إس” أعداداً كبيرة من البريطانيين على الوصول إلى التلفزيون المدفوع مجاناً، ما أدّى إلى انهيار الشركة نتيجة انخفاض إيراداتها

وهناك علاقة أخرى مشكوك فيها أخلاقياً تتجسد في اعتماد مردوخ على شركة الضغط “LLM Communications”. فقد استأجر الملياردير المجموعة، التي شارك في تأسيسها اللورد جوناثان مندلسون، لمساعدتها على إلغاء قوانين الحكومة البريطانية التي ضمنت قدرة النقابات العمالية على التصويت للاعتراف بمكان العمل. وكان اللورد مندلسون رئيساً لمجموعة الضغط الإسرائيلية “أصدقاء إسرائيل في حزب العمال”، التي كان لها دور حاسم في تشويه سمعة جيريمي كوربين والتغلّب عليه، وهو ناشط سلام دائم ومدافع عن حقوق الفلسطينيين.

صهيوني متشدد

يقول مردوخ إنّ “مشاريعي في مجال الإعلام ليست مهمة بالنسبة لي، لكن الأهم من ذلك هو نشر معتقداتي السياسية الشخصية”، وهو يعدّ دعم “إسرائيل” وسياساتها التوسعية  إحدى القيم الأساسية التي عمل الأسترالي بلا كلل من أجل تحقيقها.

وفي اجتماع للجنة اليهودية الأميركية عام 2009، أوضح أنّه يرى “إسرائيل” العمود الفقري للحضارة الغربية:

“لقد اعتدنا في الغرب على الاعتقاد بأنّ إسرائيل لن تتمكن من البقاء من دون مساعدة أوروبا والولايات المتحدة. وأنا أقول لكم: ربما ينبغي لنا أن نبدأ بالتساؤل عما إذا كنا في أوروبا والولايات المتحدة نستطيع البقاء على قيد الحياة إذا سمحنا للإرهابيين بالتغلّب على إسرائيل.. في النهاية، الإسرائيليون يقاتلون العدو نفسه الذي نقاتله نحن: قتلة بدم بارد يرفضون السلام ويرفضون الحرية.. ويحكمون بالسترة الانتحارية والسيارة المفخخة والدروع البشرية”.

وفي عام 2005، كتب مقدمة كتاب “إسرائيل في العالم: تغيير الحياة من خلال الابتكار”، وهو كتاب تملّق يشيد بـ”إسرائيل” باعتبارها مشروعاً ناجحاً استطاع بناء نظام ديمقراطي قويّ واقتصاد مزدهر، على الرغم من الانتكاسات التي مُنيت بها والتهديدات التي تتعرض لها من قبل جيرانها.

علاوة على ذلك، في عام 2007، تبرعت شركة “نيوز كوربوريشن” (News Corp) التابعة له لمؤسسة القدس، وهي مجموعة تبني مستوطنات إسرائيلية غير قانونية في الضفة الغربية، بما في ذلك حيّ الشيخ جراح في القدس.

وقاد مردوخ المعركة ضد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات العالمية (BDS)، مدعياً أنّها تمثل “حرباً مستمرة ضد اليهود، وأنّ الحرب قد دخلت مرحلة جديدة”. وقال: “إنّها الحرب الناعمة التي تسعى إلى عزل إسرائيل من خلال نزع شرعيتها. وساحة المعركة موجودة في كل مكان: في وسائل الإعلام، والمنظّمات المتعددة الجنسيات، والمنظمات غير الحكومية. ويتمثّل هدفها في جعل إسرائيل منبوذة”.

وقد أدلى بهذه التعليقات في إحدى الفعاليات التي تنظمها رابطة مكافحة التشهير (ADL)، حيث قدمت له المنظمة جائزة القيادة الدولية. كما أنّ منح رابطة مكافحة التشهير، التي تدعي أنها مجموعة مناهضة للعنصرية، مردوخ مثل هذه الجائزة، على الرغم من شبكاته التي تضخ تعصّباً مستمراً، يسلط الضوء على مدى قلة تركيزها على مكافحة العنصرية الحقيقية ومدى عملها على تعزيز المصالح الإسرائيلية ببساطة.

ومع ذلك، لا تُعد رابطة مكافحة التشهير المنظمة اليهودية الوحيدة التي أثنت على البارون. إذ قام مركز “سيمون فيزنتال” بتكريمه بجائزة الإنسانية الخاصة به. كما أشادت به مجموعات أخرى، مثل متحف التراث اليهودي واللجنة اليهودية الأميركية. وأعلنه اتحاد النداء اليهودي في نيويورك “الرجل الإنساني لهذا العام” خلال حفل ضخم وقدم له هنري كسنجر الجائزة.

إمبراطورية روبرت

تولّى مردوخ إدارة صحيفة “أديلايد” التي يملكها والده في عام 1952 وسرعان ما بنى مؤسسة عالمية عملاقة، لا سيما في جميع البلدان الناطقة باللغة الإنكليزية. واستخدم هذه السلطة التي حصل عليها لنشر أجندته المحافظة.

وتشكّل ممتلكاته في بريطانيا، بما في ذلك صحف “ذا صن”، و”ذا تايمز”، و”صنداي تايمز”، ربع الصحف المتداولة في البلاد. كما تدير شركته “نيوز كوربوريشن” القنوات التلفزيونية والإذاعية “Sky TV” و”TalkTV” و”TalkRadio” و”TalkSPORT”.

ويسود اعتقاد بأنّ مردوخ قد غيّر نتائج انتخابات عام 1992 لصالح المحافظين وانتخابات عام 1997 لصالح حزب العمال عقب إبرام توني بلير صفقة معه. وفي هذا الإطار، قال آلان روسبريدجر، رئيس التحرير السابق لصحيفة “الغارديان” إنّه “يصعب التفكير في رئيس وزراء استطاع خلال السنوات الأربعين الماضية الانتصار على غريزة مردوخ”.

وفي الولايات المتحدة، يمتلك مردوخ وسائل إعلامية مؤثرة، مثل صحيفتي “وول ستريت جورنال” و”نيويورك بوست”، وجزءاً كبيراً من شبكة “فوكس”. هذا بالإضافة إلى امتلاكه دار نشر “هاربر كولينز” المؤثّرة.

وهو معروف بأنّه رجل أعمال عملي بشكل استثنائي، ويصرّ على أنّ النهج والخط السياسي لجميع الوسائل الإعلامية التي يمتلكها يتوافقان مع تفكيره. وأقر بذلك بالقول: “مهما حدث، فإنّ شركة (نيوز كوربوريشن) تجسّد انعكاساً لتفكيري وشخصيتي وقيمي”.

وقد شمل ذلك الدعم الخالص لغزو العراق عام 2003. وقال: “لا يمكننا التراجع الآن، في الوقت الذي يتم فيه تسليم مصير منطقة الشرق الأوسط بأكملها إلى صدّام.. باعتقادي فإنّ الرئيس بوش يتصرف بشكل أخلاقي للغاية وبطريقة صحيحة جداً، وسيستمر في ذلك”. كما سعى إلى أن تعبر كل عناوين صحفه العالمية، البالغ عددها 175 صحيفة، عن الدعم الصاخب للغزو.

هذا وتشتهر قناة “فوكس نيوز” داخل القطاع بإجراءاتها التحريرية الصارمة. فقد ادّعى أحد المساهمين السابقين أنّ العمل في عهد مردوخ كان “كما لو كنا مراقَبين من قبل نظام ستاليني… إنها بيئة عمل مخيفة إلى حد كبير”. وأكّد آخر أنّه “إذا لم تتوافق مع عقلية التسلسل الهرمي، وفي حال واجهت مواقفهم حول القضايا المختلفة، فسيتم فصلك”.

لكن في موطنه المحلّي في أستراليا، تصل قوّته إلى أبعاد بالكاد تشبه جمهورية الموز. إذ يمتلك مردوخ 7 من أصل 12 صحيفة يومية وطنية أو رأسمالية في البلاد. وفي نصف عواصم الولايات والأقاليم في البلاد، لا يوجد بديل محلي لنشرة مردوخ. وقد وصف رئيس الوزراء السابق كيفن رود إمبراطوريته بأنّها “سرطان” أصاب الديمقراطية الأسترالية.

فضح بيرس مورغان

كان بيرس مورغان واحداً من أكثر مذيعي مردوخ شهرة، إلى أن أصبح مؤخراً مذيعاً مستقلاً يمتلك برنامجه الحواريّ الخاص. فمن خلال تقديمه برنامجاً حوارياً شهيراً استطاع الوصول إلى ملايين المشاهدين، لعب مورغان دوراً هاماً في تعريف الجمهور بـ”إسرائيل” وفلسطين. وعلى الرغم من ادعائه بأنّه محايد تماماً بشأن هذه القضية ولا يدعم أياً من الجانبين، فإن مورغان تربطه علاقة وثيقة مع “إسرائيل” جديرة بالملاحظة. إذ قام بدعم مؤسسة “نوروود” الخيرية في عدة مناسبات للمساعدة في جمع مئات الآلاف من الدولارات للجمعية.

ويرأس جمعية “نوروود” عضو اللوبي الإسرائيلي المذكور أعلاه، اللورد مندلسون، إلى جانب زوجته نيكولا مندلسون، التي تتولّى أيضاً منصب رئيس الأعمال العالمية لشركة “ميتا” العملاقة لوسائل التواصل الاجتماعي (الشركة الأم لفيسبوك وواتساب وإنستغرام). وقد دأبت على الضغط من أجل القضايا الإسرائيلية، حتى أنّها التقت الرئيس السابق شمعون بيريز. وخلال فترة وجودها في شركة “ميتا”، بدأت الشركة في توظيف العشرات من العملاء السابقين لمجموعة التجسس الإسرائيلية، الوحدة 8200، وتولّى جميعهم مناصب حساسة داخل الشركة. وقد أصبحت منصة “فيسبوك” بالتحديد أقرب إلى “إسرائيل”، حتى أنّها قامت بتعيين المدير العام السابق لوزارة العدل الإسرائيلية إيمي بالمور في مجلس الرقابة الخاص بها، وهي المجموعة التي تقرر الاتجاه الذي تسلكه الشركة والمحتوى المسموح به وغير المسموح به على المنصة.

وكان السير تريفور تشين رئيس جمعية “نوروود” السابق، وهو يشغل حالياً منصب رئيس “النداء الإسرائيلي الموحد”، وهي مجموعة بريطانية -إسرائيلية تهدف إلى زيادة إحساس الشباب اليهود البريطانيين بالارتباط بـ”إسرائيل”. كما أنّه عضو اللجنة التنفيذية لأكبر مجموعة ضغط إسرائيلية في بريطانيا وهي “بيكوم”، وقام بتمويل أصدقاء “إسرائيل” في حزب العمال.

وفي 22 تشرين الأول/أكتوبر، في ذروة الهجوم الإسرائيلي على غزة، التقى مورغان بـ مندلسون في نيويورك لتناول العشاء، الذي حضرته أيضاً المغنية الويلزية كاثرين جينكينز، التي قامت بجمع الأموال لصالح الصندوق القومي اليهودي، وهو أكبر هيئة لبناء المستوطنات في فلسطين. إنّ الموضوعات التي تم تناولها على طاولة العشاء غير معروفة، لكن بالنظر إلى حياتهم المهنية واهتماماتهم، فمن الصعب أن نرى كيف لم تظهر الأخبار من الشرق الأوسط.

وبالتالي، في حين أنّ مورغان ربما يكون قد دعا أفراداً من مختلف وجهات الأطياف السياسية حول غزة، يبدو أنّه يتنقل بين أوساط مليئة بكبار جماعات الضغط الإسرائيلية.

دعاية صارخة

من غير المستغرب، في ضوء ما رأيناه، أن تُظهر أهم منشورات مردوخ انحيازاً ساحقاً في تغطيتها للحرب الإسرائيلية على غزة، إذ تدافع باستمرار عن التصرفات الإسرائيلية وتشوّه صورة الفلسطينيين وأولئك الذين عارضوا العنف.

ففي 19 تشرين الأول/أكتوبر، استهدفت غارة جوية إسرائيلية كنيسة القديس برفيريوس في مدينة غزة، حيث لجأ مئات النازحين. وفي وصفها للهجوم، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” عنواناً رئيساً “وقوع انفجار في حرم الكنيسة الأرثوذكسية في غزة”، محوّلة ما كان أحد أسوأ الحوادث في الهجوم الإسرائيلي المستمر منذ أشهر على غزة إلى حادث مؤسف. ولم تشر الصحيفة في جوانب المقال كافة إلى أنّ “الانفجار” قد يكون ناتجاً من هجوم ولم تلمّح حتى بضلوع “الجيش” الإسرائيلي فيه.

كما قادت الصحيفة الهجوم على الأميركيين المحتجين على الهجوم. وكان العنوان الرئيس لأحد مقالاتها “من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل: حماس وحزب الله والحوثيون وآخرون يقومون بإعداد الناشطين في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء الغرب”، يهدف بوضوح إلى تشويه سمعة الأشخاص الذين يعارضون الإبادة الجماعية باعتبارهم عملاء لقوة أجنبية.

وهناك مقال آخر بعنوان “مرحباً بكم في ديربورن، عاصمة الجهاد في أميركا”، يحاكي مستويات كراهية الإسلام في عهد بوش في محاولاتها لمساواة المدينة ذات الأغلبية العربية الأميركية بالكراهية المناهضة للولايات المتحدة. وفي غضون ذلك، أُلغيت التظاهرات في الحرم الجامعي باعتبارها تشمل “متظاهرين يمجّدون الإرهاب” ويشكّلون “نظراء يساريين لجماهير شارلوتسفيل الذين هتفوا بشعار “اليهود لن يحلوا محلنا”.

كذلك نشرت الصحيفة مقالات تطالب الولايات المتحدة بخوض حرب مع إيران. وقد كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت: “تحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل إلى مواجهة إيران مباشرة”.

ومن أجل فلسطين؟ تتخيل صحيفة “وول ستريت جورنال” مستقبلها كمصنع أسلحة عملاق يصنع الأسلحة اللازمة للهجوم الإسرائيلي على إيران. وفي مقال افتتاحي بعنوان “خطة من أجل ازدهار الاقتصاد الفلسطيني”، كتب آندي كيسلر أنّ إنتاج الأسلحة اللازمة للهجوم الإسرائيلي القادم من شأنه أن يؤمن وظائف الطبقة المتوسطة لسكان غزة. وأوضح أنه “يمكنهم حتى العمل أيام السبت” و”من دون إعانات من الأمم المتحدة المسيسة”، على الرغم من تحذيره من أنّه ربما يجب إضافة المتفجرات في مكان آخر من قبل موظفين أكثر جدارة بالثقة.

وحذت الوسائل الإعلامية الأخرى التابعة لمردوخ حذوها، من خلال دعمها المستمر لـ”إسرائيل” وتشويه سمعة منتقديها. فعلى سبيل المثال، نشرت قناة فوكس نيوز” الادّعاء الذي تم فضحه الآن بأنّ المقاتلين الفلسطينيين قطعوا رؤوس 40 طفلاً إسرائيلياً في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

وفي الوقت نفسه، نشرت صحيفة “نيويورك بوست” مقالاً بارزاً بعنوان “ما هو عدد المدنيين الأبرياء تماماً في غزة؟” ألمحت من خلاله مراراً إلى أنّ كل شخص بالغ في غزة هو في الأساس هدف مشروع، حتى أنّها استخدمت كلمة “مدني” في اقتباسات مخيفة.

ويتعرض الصحافيون العاملون في وسائل الإعلام الخاصة بالشركات لضغوط هائلة للامتثال لخط الملكية المفروض. فعلى سبيل المثال، طلبت صحيفة “نيويورك تايمز” من مراسليها عدم استخدام كلمات مثل “إبادة جماعية” و”مذبحة” و”تطهير عرقي” عند مناقشة تصرفات “إسرائيل”. حتى أنّها حظرت استخدام مصطلحات مثل “مخيم اللاجئين”، أو “الأراضي المحتلة”، أو حتى “فلسطين”، ما يجعل من المستحيل عملياً تقديم تقرير دقيق عن الوضع.

ومن المؤكد أنّ المؤسسات الإعلامية الخاصة بمردوخ لا تختلف عن قريناتها. فقد كان هذا النوع من الرقابة الخانقة قائماً منذ عقود، إذا صدقنا الموظفين السابقين. ففي عام 2001، كشف سام كيلي، المراسل السابق لصحيفة “تايمز” البريطانية، أنّه تلقى تعليمات بعدم الإشارة مطلقاً إلى “إسرائيل” على أنها “تغتال” أو “تعدم” خصومها. وعندما تم تكليفه بإجراء مقابلة مع وحدة من “الجيش” الإسرائيلي مسؤولة عن قتل صبي فلسطيني يبلغ من العمر 12 عاماً، طُلب منه أن يكتب المقال من دون ذكر الطفل الميت على الإطلاق.

أصدقاء في السلطة

أثار الهجوم الإسرائيلي على غزة، الذي دام تسعة أشهر، الغضب في جميع أنحاء العالم. وفي حين تراجعت مكانتها بشكل أكبر في الجنوب العالمي، لا تزال “إسرائيل” تحتفظ بقاعدة دعم كبيرة في الغرب ويعود الفضل في هذا إلى حد كبير إلى الأوليغارشيين أمثال روبرت مردوخ، الذين حشدوا مواردهم الهائلة لخوض حرب إعلامية ملتزمة دعماً لـ”الدولة الإسرائيلية”، محاولين إخفاء فظائعها وحشد الدعم لمشروعها التوسعي.

وبالنسبة إلى “إسرائيل”، التي لا تستطيع الاستمرار بصورتها الحالية من دون دعم خارجي وخاصة من الولايات المتحدة، فإنّ المعركة من أجل كسب تعاطف الرأي العام لا تقل أهمية عن القتال على الأرض. ولحسن حظ نتنياهو وأمثاله، يمكنهم الاعتماد على روبرت مردوخ، الذي دافع لعقود من الزمن عن قضية “إسرائيل”، وهو اليوم يدفع إمبراطوريته الإعلامية إلى أقصى الحدود للدفاع عمّا لا يمكن الدفاع عنه. وإذا كان القلم أقوى من السيف، فإن روبرت مردوخ هو أحد أقوى أسلحة “إسرائيل”.

——————انتهت النشرة—————-