الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

عن «معاريف» 16/10/2024

“كارثة المسيّرة”.. استمرار لإخفاق 7 تشرين الأول

بقلم: إفرايم غانور

خلّفت كارثة المسيّرة، التي انفجرت في قاعدة غولاني، ونتائجها شعوراً بالعجز والإحباط، بالإضافة إلى الشعور بالألم الكبير. 

والسؤال الذي كان يتردد هو كيف يمكن لجيش ذكي وعصري ومسلح بمنظومة دفاع جوي متعددة الطبقات هي الفضلى في العالم، مع أفضل الصواريخ والطائرات وغيرها، ألّا يملك رداً على المسيّرات؟ السلاح الذي يبدو كأنه لعبة في مواجهة القدرات الهائلة للجيش الإسرائيلي.

التقصير في التصدي للمسيّرات هو في الحقيقة استمرار مباشر لتقصير 7 تشرين الأول، التقصير الناتج عن قصور ذهني وغطرسة وتجاهُل للوقائع، والوهم بأن العدو مرتدع، وليس لديه الجرأة، وكل شيء على ما يرام.

لم يكن بن غوريون عسكرياً كبيراً مع ماضٍ عسكري، لكن كانت لديه حكمة الحياة، ويتمتع ببصيرة قادرة على رؤية الواقع، مع الأسف لم يكن يتمتع بها أيّ رئيس للحكومة خلال الثلاثين عاماً الأخيرة.

نفتقد بن غوريون في الأيام الأخيرة، لكن يمكننا أن نتعلم مما قاله، ومما طلب تحقيقه خلال فترة ولايته. 

على سبيل المثال، قال بن غوريون في الخمسينيات من القرن الماضي: «إن أشد الأعداء خطراً على أمن إسرائيل هو الجمود الفكري لدى المسؤولين عن أمن الدولة. يجب علينا أن نكون يقظين بصورة مستمرة، ونحن بحاجة إلى يقظة دائمة، وإلى تجديد التفكير الأمني والتخطيط، والفحص من جديد، في كل صباح، إذا ما كنا مستعدين ليوم جديد».

لم يقتصر الأمر على ذلك، لقد قال بن غوريون في كل نقاش إن الشرط الأول للصمود في مواجهة أعدائنا هو، قبل كل شيء، قدرتنا على نقل الحرب إلى الطرف الثاني، إلى أرض العدو، وتمسّك بالشعار القائل: «إن الهجوم هو أفضل أنواع الدفاع».

صحيح أننا لسنا بحاجة إلى أن نكون مثل بن غوريون، لكي ندرك أننا دولة صغيرة ومحاطة بالأعداء، دولة لا تستطيع أن تسمح لنفسها بتحمُّل ثمن القتال من أجل المحافظة على بقائها على أرضها، من هنا، يجب أن يتركز الجزء الأساسي من جهدها العسكري على قدراتها الهجومية، ما لم يحدث في السنوات الأخيرة.

لقد ادّعى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أكثر من مرة، وبحق، أن المسؤول عن أمن الدولة وعقيدتها الأمنية هو دائماً رئيس الحكومة، بصرف النظر عمّن يكون وزير الدفاع، أو رئيس هيئة الأركان. 

لا يمكن ألّا نتفق مع نتنياهو في هذا الشأن. المشكلة هي أنه خلال سنوات حُكمه الطويلة، لم يفهم، أو لم يرغب في أن يفهم أن الدفاع عن أنفسنا ليس هو الحل للواقع الناشئ من حولنا.

رأينا هذا بصورة ملموسة وواضحة في الاستثمار الاستراتيجي في السياج، وفي المنظومة الدفاعية تحت الأرض لمواجهة الأنفاق في غزة، والتي فشلت فشلاً ذريعاً. 

تفرض التطورات السريعة والقاتلة في ميدان القتال أن يجري الحديث مع المسؤولين عن أمن الدولة، بمبادرة من رئيس الحكومة، كي يبلوروا تفكيراً مختلفاً، من خارج الصندوق، بدلاً من حماية أنفسهم بطبقة أُخرى من الدفاع.

في الحرب الحديثة، لا وجود لمنتصرين بالكامل، مثلما شهدنا في الحروب أكثر من مرة، عندما رفعوا العلم على رأس القصر، أو الجبل. 

الانتصار في ميدان القتال الحديث ليس مطلقاً، ويمكن أن يتحقق فقط بوساطة القدرة على المفاجأة، وإحداث صدمة كبيرة تترك العدو مذهولاً وعاجزاً، وفي المقابل، أن نكون مستعدين فوراً للضربات القادمة التي تُفقد العدو توازنه.

لا يمكن أن تكون الحرب الحديثة طويلة، لأنها تُلحق ضرراً بالاقتصاد، وبالمعنويات، ومن الواضح أن الضرر الاقتصادي معناه ضرر عسكري، وإلحاق الضرر بتحقيق النصر في ميدان القتال.

كل هذا يفرض تفكيراً تكاملياً قادراً على المزج ما بين الدفاع والهجوم، مع كثير من الحكمة والخداع، هذا مع كل التقدير للقبة الحديدية، ومنظومة حيتس، والعصا السحرية، التي تغطينا بطبقات من الدفاع. وفي الواقع، فمن دونها، لكان وضعنا اليوم أسوأ كثيراً.

لو لم يكن لدينا هذا «السور الواقي»، لكان علينا العمل من أجل إقامته بكل ما لدينا من قوة لمنع أعدائنا من الوصول إلى مثل هذه القدرة على إطلاق الصواريخ، وطبعاً، كي لا نسمح لهم بإطلاق كميات لا يمكن تحمُّلها من الصواريخ والمسيّرات على دولة إسرائيل.

——————————————–

هآرتس 16/10/2024

بعد سنوات من الاجماع التصدير الأمني لإسرائيل يعصف بألمانيا والسلاح يتأخر

بقلم: أمير تيفون

حكومة المانيا تعقد كل يوم اثنين مؤتمرا صحفيا فيه يجيب المتحدثون بلسان الوزارات الحكومية على الاسئلة. الاسئلة تتركز حول المواضيع الهامة على جدول الاعمال، وعلى الاغلب حول مواضيع داخلية أو حول الحرب في اوكرانيا. في هذا الاسبوع خلافا لما هو سائد فان الموضوع الذي تم ذكره مرات كثيرة في اسئلة الصحافيين هو التصدير الالماني لاسرائيل. “أنا لا أتذكر أنه كان ذات يوم انشغال عام بهذا القدر من الاهمية بهذا الموضوع”، قال للصحيفة كريستوف شولت، مراسل مجلة “دير شبيغل”. وحسب قوله فان قضية كانت في السابق تعتبر أمر عليه اجماع مطلق من الجمهور تحولت في الاسابيع الاخيرة الى موضوع سياسي يثير اجابات صاخبة في الحكومة ووسائل الاعلام والمعارضة.

المانيا هي المزودة الاكثر اهمية للوسائل الامنية في القارة الاوروبية، والدولة الوحيدة التي ترسل لاسرائيل اكثر منها سلاح ومعدات امنية هي الولايات المتحدة. في لب الخلاف تقف ادعاءات المعارضة في المانيا وادعاءات وسائل الاعلام المؤيدة لاسرائيل، التي بحسبها الحكومة برئاسة المستشار اولف شولتس، جمدت كليا التصدير الامني من المانيا لاسرائيل. شولتس وحكومته ينفون هذه الادعاءات، لكنهم يعترفون بأن عملية التصدير الامني اصبحت بطيئة جدا، نتيجة الحاجة الى التأكد من أن اسرائيل لا تستخدم السلاح أو اجزاء من المنتجات الالمانية في ارتكاب اعمال مخالفة للقانون الدولي. اسرائيل نفسها تحتفظ بالصمت الرسمي حول هذا الموضوع، لكن جهات في حكومة المانيا تعتقد أن مصدر جزء من هذه المنشورات يكمن في احاطات وصلت من الجانب الاسرائيلي، وهم غاضبون من ذلك. 

البروفيسورة جيزلا ديكس، من الجامعة العبرية في القدس، التي عملت في السابق كمراسلة في اسرائيل لوسائل اعلام معروفة في المانيا قالت للصحيفة بأن الانشغال المتزايد بقضية التصدير الامني لاسرائيل هو أمر غير مسبوق. “لقد كانت في السابق نقاشات حول هل المانيا يجب أن تبيع السلاح لدول مثل تركيا أو السعودية، لكني لا أتذكر وضع فيه المساعدات لاسرائيل كانت محل خلاف وتظهر بهذا الشكل في العناوين”، قالت. “هناك ضغط على الحكومة من الجانبين في هذا الموضوع. المعارضة تتهمهم بادارة الظهر لاسرائيل، لكن هناك ايضا اصوات تعبر عن الانتقاد بالتحديد لأنهم يواصلون الدعم”.

حكومة شولتس التي تتكون من ائتلاف يضم الحزب الاشتراكي – الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي اف.دي.بي، نفت بشدة التقارير التي تتحدث عن تجميد المساعدات، لكن الانشغال في هذا الموضوع لم يتوقف. في الاسبوع الماضي هاجم الحكومة رئيس المعارضة في المانيا، فريدريك ميرتس، رئيس حزب المسيحيين الديمقراطيين. في جلسة خاصة في البرلمان بمناسبة مرور سنة على 7 اكتوبر اتهم الحكومة بالاضرار الشديد بالعلاقات مع اسرائيل. شولتس قال ردا على ذلك بأنه “نحن لم نقرر عدم تزويد السلاح. لقد ارسلنا لاسرائيل السلاح وسنواصل ارساله. هذا هو موقف الحكومة. سيكون هناك المزيد من الارساليات في القريب”.

لكن وراء هذه التصريحات للمستشار تقف حقيقة معقدة، التي طرحتها للصحيفة جهات رفيعة في الدولتين والمشاركين في هذه النقاشات حول هذا الموضوع. الحكومة الالمانية تخشى من دعاوى في المحاكم في الدولة بحيث تفرض قيود متشددة على قدرتها على مواصلة تصدير السلاح وقطع الغيار لاسرائيل، لذلك هي تضطر الى فحص كل ارسالية مخصصة لاسرائيل قبل المصادقة عليها. عملية الفحص والمصادقة للارساليات تمر عبر لجنة حكومية لشؤون الامن، التي تعتبر نقاشاتها سرية.

وزيرة الخارجية الالمانيا امالنا باربوك، التي تنتمي لحزب الخضر، ذكرت الخوف القانوني للحكومة في الاقوال التي قالتها في الاسبوع الماضي حول التصدير الامني لاسرائيل. فقد اشارت بأنه قدمت لمحكمة العدل الدولية دعوى ضد المانيا بذريعة أن السلاح الذي توفره لاسرائيل يساعد في ارتكاب ابادة جماعية في غزة، وأن الحكومة الالمانية قالت ردا على هذه الدعوى بأنها حقا تزود السلاح من اجل دعم اسرائيل ولكنها ترفض تماما الاتهام وكأن ارساليات السلاح هذه تساعد في ارتكاب ابادة جماعية.

حسب مصدر اسرائيلي رفيع فانه ايضا التفسير الرسمي للحكومة في برلين هو الخوف من خطوات قانونية. هناك تأخير كبير في عملية المصادقة على التصدير من المانيا. “هم يخشون ليس فقط من دعاوى دولية، بل ايضا من امكانية أن تناقش محكمة في داخل المانيا هذا الموضوع وتقرر وقف ارساليات السلاح”. “مع ذلك”، قال المصدر الاسرائيلي، “تصعب معرفة أين بالضبط يمر الخط الفاصل بين هذا الخوف وبين معارضة سياسية لجزء من الائتلاف الحالي هناك لتصدير السلاح لاعتبارات اخرى”.

في يوم الاحد نشرت الصحيفة الالمانية “بيلد” المعروفة بدعمها لاسرائيل، مقال جاء فيه أن التأخير في نقل المعدات الامنية لاسرائيل هو طلب حزب الخضر في اعقاب معارضة الاعضاء فيه للمس بالمدنيين في القطاع. ايضا هذا النشر نفته الحكومة الالمانية. وحسب اقوال المصدر الاسرائيلي الرفيع فانه “توجد لدينا مشكلة حقيقية مع حزب الخضر، لا يمكن القول بأن كل شيء بسببه، لكن من الواضح أنه يتبنى في الاشهر الاخيرة خط اكثر انتقادا تجاه اسرائيل طبقا لمواقف ناخبيهم”.

هذا الموضوع بدأ يظهر في العناوين في الشهر الماضي، بعد عدة تقارير بأن الحكومة الالمانية جمدت كليا كل التصدير الامني لاسرائيل في اعقاب اطالة الحرب في غزة. دول اوروبية اخرى، من بنيها بريطانيا وايطاليا واسبانيا، اعلنت في الاشهر الاخيرة عن تجميد بيع السلاح لاسرائيل، لكن كمية التصدير الامني من هذه الدول لاسرائيل ضئيلة مقارنة مع التصدير من المانيا، التي ارسلت في 2023 معدات امنية بمبلغ 350 مليون دولار لاسرائيل. 

الدكتورة مايا شيئون، الخبيرة في العلاقات الاسرائيلية – الاوروبية في معهد متافيم في الجامعة العبرية، قالت للصحيفة إن المانيا ليست الدولة الوحيدة التي اضطرت الى الموازنة بين دعم اسرائيل والخوف من التداعيات القانونية. “عندما يوجد تصادم بين الرغبة والدعم لاسرائيل وبين الرغبة في تطبيق واحترام القانون الدولي فان المصالح الوطنية في اوروبا هي تأييد القانون الدولي، سواء بسبب المعايير أو بسبب التهديد الروسي لاوكرانيا الذي هو مصلحة امنية تتغلب على ثقل وزن العلاقات مع اسرائيل”، قالت واضافت. “هذه المقاربة سائدة في الاساس في اوساط حزب الخضر واحزاب اليسار في اوروبا”.

——————————————–

يديعوت احرونوت 16/10/2024

الطريق طويلة لتحقيق اهداف الحرب

بقلم: رون بن يشاي

لدولة إسرائيل توجد استراتيجية بموجبها يعمل الجيش والمستوى السياسي في الحرب متعددة الساحات التي نوجد في ذروتها. هذا هو الانطباع الواضح الذي يؤخذ من الحديث مع كبار رجالات جهاز الامن واسرة الاستخبارات والجولات الميدانية في غزة وفي لبنان. 

ملاحظة تحذير: هذه الاستراتيجية لا يفترض بها بل ولا تدعي انها ستحقق “نصرا مطلقا” للحرب، مثلما ربما أراد رئيس الوزراء الذي كان لا يزال تحت صدمة فظائع 7 أكتوبر. لكنها قادرة على أن تحدث تحسنا جوهريا في الامن القومي لكل مواطني إسرائيل، وتغييرا جوهريا إيجابيا في الامن الشخصي لسكان النقب الغربي والجليل، واساسا أولئك الـ 80 الف إسرائيلي الذين اضطروا لان يغادروا بيوتهم. 

الطابق الأول في هذه الاستراتيجية هو اهداف الحرب كما صاغها واقرها الكابنت. كما يبدو، هذه الأهداف صيغت بغموض لاسباب سياسية – ائتلافية، وعليه فالجيش الإسرائيلي، مثلما في كل حروب إسرائيل يضطر لان يترجم هذه القرارات الى تعابير ملموسة. بداية، قضى الجيش بالنسبة لكل جبهة “الغاية الاستراتيجية” مثلما فهمها جنرالات هيئة الأركان من قرارات الكابنت – ومنها تقررت المهام، الوسائل وأساليب القتال التي حددها الجيش لنفسه. الأهداف، الوسائل والأساليب اجتازت تغييرات في اثناء سنة القتال التي مررنا بها، لكن الغاية الاستراتيجية في كل واحدة من الجبهات بقيت ثابتة.

مباديء الاستراتيجية السياسية – الأمنية: الجيش الإسرائيلي يحقق إنجازات عسكرية في غزة وفي لبنان، تدفع العدو في كل واحدة من الساحتين لان يوافق بل ويطلب، ترتيبا دبلوماسيا ينهي القتال بالشروط التي تطلبها إسرائيل وتتطابق واهداف الحرب مثلما صاغها الكابنت. 

وسيتم الانتقال من الإنجاز العسكري الى الترتيب وفقا لقرار المستوى السياسي، أي رئيس الوزراء بإقرار الكابنت. في كل الساحات الخمسة الأخرى بما فيها ايران، هدف الحرب هو ترميم وتعزيز الردع الاستراتيجي الذي تآكل بشدة في 7 أكتوبر. الهدف هو إعادة خلق وضع يكون فيه كل أعداء دولة إسرائيل بمن فيهم أولئك الذين يجلسون على الجدار، يروا في دولة إسرائيل جهة ليس مجديا الصدام بها، واذا كان ممكنا مرغوب التعاون معها. 

شروط مريحة في لبنان

تعمل هذه الاستراتيجية الان في الشمال بسرعة اكبر مما في الساحات الأخرى. ففي لبنان الجيش الإسرائيلي اقرب الان من وضع سيكون فيه ممكنا محاولة الانتقال الى مفاوضات على ترتيب دبلوماسي. فجهود جس النبض من الوسطاء والأطراف بدأت منذ الان. ما سمح لهذا الوضع هو أولا وقبل كل شيء الإنجاز العسكري: دون الدخول في استعراض بكل ما تم عمله، السطر الأخير اليوم هو ان الجيش الإسرائيلي اخرج عن الخدمة ثلثي القدرات النارية المضادة لحزب الله وقسم هام من القدرات النارية قصيرة المدى للمنظمة. بالتوازي، نجح الجيش في ان يبعد معظم قوة الرضوات ومسلحي حزب الله بمسافة نحو 5 – 8 كيلو متر عن الحدود وقسم من القوة حتى يوجد شمالي الليطاني.

كنتيجة لذلك، اعرب زعماء الطائفة الشيعية وحزب الله منذ الان صراحة عن الاستعداد للموافقة على وقف نار جنوب لبنان دون اشتراطه بوقف نار في غزة. في الجيش الإسرائيلي يعتقدون انه لا يزال ممكنا تعميق الإنجاز لكن بالتوازي رفعت هيئة الأركان منذ الان الى المستوى السياسي اقتراحا لمطالب تطرحها إسرائيل في التسوية. وذلك على افتراض ان كل حرب في العصر الحديث، وبدون استثناء تقريبا، تنتهي بترتيب سياسي كهذا او ذاك. 

في جهاز الامن كانوا يريدون للترتيبات السياسية في لبنان ان تتضمن: ابعاد قوة الرضوان وقدراتها النارية المباشرة الى ما وراء الليطاني؛ منع وصول المواطنين اللبنانيين الى مسافة قريبة فورية من الحدود؛ حظر دولي تضمنه القوى العظمى والأمم المتحدة على نقل السلاح والذخيرة من ايران الى لبنان؛ الجيش اللبناني الذي ينزل جنوبا يعزز ويزود من الولايات المتحدة والدول الأوروبية برقابة حثيثة؛ والبند الأهم – ان تتمكن إسرائيل من أن تفرض بنفسها، بقواتها، ترتيبات وقف النار وبالتالي تحفظ في هذه الترتيبات للجيش الإسرائيلي حرية عمل استخبارية وعملياتية تسمح باجتياحات واعمال عسكرية في داخل أراضي لبنان.

بخلاف غزة، الظروف في لبنان اكثر راحة وتتيح الترتيبات، لانه توجد حكومة حتى وان لم تكن تؤدي مهامها تماما، لكن يمكن التفاوض معها والوصول الى اتفاقات. 

وكذلك الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية والدول السنُية المعتدلة تريد التسوية والإصلاح السلطوي في لبنان ومستعدة لان امول اعمار لبنان. اما ايران، سيدة حزب الله فتريد هي أيضا وقف القتال في لبنان كي يتمكن حزب الله من أن يحفظ وربما يرمم في المستقبل قوته التي تضررت. وأخيرا، حزب الله الضعيف والطائفة الشيعية، مثل باقي سكان لبنان الذين اكثر من مليون منهم هم لاجئون في بلادهم، يريدون التسوية. 

بعيدون عن تسوية في غزة

في غزة، لشدة الأسف دولة إسرائيل ابعد بكثير عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية. فمع أن معظم القوة العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي فككت وعادت المنظمتان لتكونا منظمتي إرهاب وعصابات، لكن لا تزال لحماس قدرات عسكرية نشطة أو قائمة. اكثر من هذا لم تدمر كل الانفاق، لا تزال توجد كتيبة ونصف في مخيمات الوسط لم تتضرر بعد والمنظمة تجند مخربين جدد وتقيل من جديد مراكز قيادة وتحكم في الأماكن التي كان فيه الجيش وتركها. وربما اخطر من هذا، لا تتخلى حماس عن حكمها المدني وتستخدم المساعدات الإنسانية التي تتلقاها من جهات دولية كوسيلة سيطرة مباشرة من خلال تحديد من يتلقاها وأين وتبيع المساعدات كي تمول اعمالها. إضافة الى ذلك، لا توجد جهة لها تأثير حاسم على حماس ويمكنها أن تدفعها لان تحرر المخطوفين وتتنازل تماما عن السيطرة في القطاع. الوسطاء، الولايات المتحدة، قطر ومصر، لا ينجحون في اقناع السنوار بالجلوس على طاولة المفاوضات في الوقت الحالي، ما يجعل إسرائيل عمليا تعلق هي ومواطنو القطاع في طريق مسدود ودامٍ.

شرع الجيش الإسرائيلي مؤخرا بحملة للفرقة 162 في شمال القطاع والتي حسب ادعاءات حماس تستهدف تنفيذ “خطة الجنرالات” التي وضعها اللواء احتياط غيوار آيلند ويفترض ان تخلي سكان شمال القطاع جنوبا – وعندها فرض حصار معناه منع المساعدات الإنسانية عن كل ما يتبقى في القطاع ويكون، حسب القانون الدولي، مخربا ومقاتلا مسموح منع أي مساعدة عنه. في إسرائيل لا يعترفون ان هذه الخطة، لكنهم لا ينفون ذلك قطعا أيضا. على أي حال، الوضع في هذه اللحظة هو أن العملية العسكرية، التي تتركز في جباليا لا تحقق كامل أهدافها. في الجيش الإسرائيلي يعترفون بان الضغط ليس كافيا وانه يحتمل ان تكون حاجة لادخال فرقة أخرى الى شمال القطاع لاجل دفع مئات الاف المواطنين المتبقين هنا للاخلاء وعندها ربما، خوفا من فقدان شمال القطاع تماما، تبدي حماس مرونة واستعدادا للمفاوضات على صفقة مخطوفين وانهاء القتال.

لكن المشكلة المركزية كانت وتبقى إيجاد حكم بديل للحكم المدني الذي لا تزال حماس تحتله وتتمسك به كونه المفتاح لبقائها في القطاع وترميم قوتها. كما اسلفنا، فان ما يسمح لحماس بان تبقي على حكمها هو سيطرتها على المساعدات الإنسانية. في إسرائيل يفكرون بطرق تنزع من ايديها السيطرة على المساعدات، احداها هي إمكانية أن تدخل شركة مدنية – أمريكية تحت غطاء الجيش الإسرائيلي المساعدات الإنسانية الى القطاع وتوزعها وتعرف كيف تحميها من سيطرة حماس عليها. كما تفحص بضعة مقترحات في هذا الشأن. في كل الأحوال، ابلغ جهاز الامن المستوى السياسي بانه ليس مستعدا لان يوزع بنفسه المساعدات الإنسانية ويعرض جنود الجيش الإسرائيلي للخطر جراء ذلك.

وبالنسبة لحكم مدني بديل رسميا، تعترف إسرائيل بانها لا تريد أن تحكم في القطاع. في ديوان رئيس الوزراء يدعون أيضا بان السلطة الفلسطينية ليست عنوانا، ليس فقط لان بن غفير وسموتريتش يعارضون ان توسع السلطة بقيادة أبو مازن حكمها الى قطاع غزة وتحقق بذلك مسيرة إقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل. تنبع المعارضة، حسب محافل حكومية من ان السلطة الفلسطينية غير قادرة على أن تفرض إمرتها على حماس وهي عمليا تبحث معها في نوع من تقاسم الحكم يهتم فيه أبو مازن بالتعليم، بالصحة، والمجاري فيما تواصل حماس والجهاد الإسلامي التواجد كمنظمات مسلحة في القطاع دون مسؤولية عن مصير المواطنين. من ناحية إسرائيل، وضع كهذا يشبه الوضع السائد في لبنان بين الحكومة وبين حزب الله، ليس مقبولا. 

رغم الإنجازات العسكرية في القطاع، مثل تفكيك جيوش حماس والجهاد الإسلامي وحقيقة أن إسرائيل تحوز محورين استراتيجيين – نتساريم وفيلادلفيا فانه ليس لرئيس الوزراء وجهاز الامن الان خطة واضحة لكيفية تقويض الحكم المدني لحماس والذي هو احد اهداف الحرب الهامة. مطلوب ابداع ومرونة ليسا موجودين لدى الحكومة الحالية ونتنياهو الذي يترأسها، لاسباب سياسية وشخصية.

ردع ايران

هدف الحرب غير المعلن والذي لم يلقَ اقرارا رسميا من الكابنت هو ترميم الردع الاستراتيجي الإسرائيلي تجاه كل جهات محور المقاومة الشيعي بقيادة ايران. فالضربات التي وجهها الجيش الإسرائيلي لحزب الله وحماس رممت بقدر ما قسما هاما من الردع الذي فقدته في 7 أكتوبر. لكن ايران، “رأس الافعى” والمولد الذي يفعل كل طوق النار حول إسرائيل لا يزال غير مردود وغير ضعيف. هو أيضا تلقى الضربات منذ الان، والاثر المتراكم للدمار والخسائر التي تلقتها حماس وحزب الله مع فشل ضربات الصواريخ من ايران على إسرائيل أدت بالردع الإسرائيلي الاستراتيجي الى ميل ارتفاع حاد – لكن الهدف لا زال لم يتحقق. الكثير سيتعلق بالاثر الذي سيكون لضربة الرد الإسرائيلي على هجمة الصواريخ الإيرانية التي وقعت علينا في 1 أكتوبر.

عنصر هام في الردع الإسرائيلي وفي قدرتها على تحقيق اهداف الحرب هو منظومة العلاقات مع الولايات المتحدة والشرعية الدولة. لهذا السبب، فان السباق المتلاصق جدا في حملة الانتخابات الامريكية يلزم نتنياهو، الذي يقود وحده تقريبا الى جانب الوزير ديرمر العلاقات مع الولايات المتحدة بالتصرف بحذر أقصى. من جهة، يكاد نتنياهو لا يخفي أمله في فوز ترامب في الانتخابات، لكنه يفهم بان فرص هاريس في الجلوس في البيت الأبيض ليست اقل بكثير ولهذا فهو ملزم بان يحافظ على منظومة علاقات جيدة وسوية معها أيضا. هذا هو السبب الذي جعل إسرائيل كما أفادت “واشنطن بوست” تبلغ الولايات المتحدة بانها لا تعتزم ضرب منشآت النفط والنووي الإيراني في ضربتها للرد وهذا هو السبب الذي جعل إسرائيل، بناء على طلب الولايات المتحدة وفرنسا تقلل جدا الضربات الجوية على بيروت واساسا كي لا تمس بمواطنين أمريكيين.

السطر الأخير: لإسرائيل توجد استراتيجية ينفذها الجيش بنجاح ما، لكن الأساس لا يزال امامنا في الأشهر القادمة. يحتمل أن حتى نهاية السنة سنى نتائج، لكن هنا أيضا يجدر إضافة ملاحظة تحذير: الحكومة والائتلاف الحالي غير متوقعين وقد يظهرا كـ “كتلة مانعة” في وجه ترتيب يسمح لتحقيق اقصى لاهداف الحرب.

——————————————–

هآرتس 16/10/2024

سلطة القانون؟ هذا أمر يعود لـ 6 أكتوبر

بقلم: تسفي برئيل

عندما تصف المستشارة القانونية للحكومة الكابنت بأنه “مدينة ملاذ لقرارات غير سليمة” فهي بذلك تقدم تسهيلات كبيرة للحكومة، التي منذ اكثر من سنة تعمل حسب قوانين الحرب. ليست تلك التي نصت عليها المواثيق الدولية أو كتاب القوانين في اسرائيل، بل التي صيغت حسب رؤية مشوهة، تضع الحرب فوق القانون وتعتبر أن القانون هو جسم معادي يقف امام “النصر المطلق”. 

الحديث لا يدور فقط عن تعيين شخصيات رفيعة أو في اجراءات عمل الوزراء، بل عن ادارة الحرب التي تعاني من عجز قانوني عميق. تطاول الجنود في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وتدمير الممتلكات واستخدام الفلسطينيين كـ “كلاب أثر” وقتل بدون تمييز للمدنيين، كل ذلك اصبح معايير مناسبة تحصل على الشرعية من كونها جزء لا يتجزأ من الحرب المقدسة التي كل شيء فيها مباح.

في هذه الحرب القانون تتم تنحيته جانبا ليس فقط في ساحة الحرب، بل يتم سحقه ايضا في المجال المدني. ليس فقط في المناطق اصبح تطبيق القانون نكتة؛ المجرمون يتجولون بدون خوف، حيث يحظون بدعم الجيش الاسرائيلي والشرطة؛ في دولة اسرائيل الشرطة تتبنى موقف سلطة تشريعية مستقلة. فهي تحظر نشر “افلام خطيرة” وتعتقل مدنيين بشبهة “التحريض” بدون اساس قانوني، وتلغي عروض ثقافية، ليس بسبب توجيهات قيادة الجبهة الداخلية، وتضر بعمل المراسلين. في الاستوديوهات يناقشون بجدية ليس مسألة قانونية تجويع مئات آلاف الغزيين، أو لا سمح الله، باخلاقية “خطة الجنرالات”، بل بدرجة نجاعتها. 

الصدمة الفظيعة التي شهدتها اسرائيل في 7 اكتوبر حطمت الثقة بكل حل سياسي. والدليل على ذلك موجود في تشويه الوعي المريض الذي تطور بالنسبة للمخطوفين. حتى قبل بضعة اشهر الرواية السائدة دعت الى السعي الى عقد صفقة حتى لو كان معناها انهاء الحرب وانسحاب الجيش الاسرائيلي من القطاع – أي نهاية سياسية للعملية العسكرية. هذه النوايا دفنت مع المخطوفين، ليس فقط لأنهم اصبحوا عبء وعائلاتهم اصبحت خائنة تضر بالجهود الحربية، ومجرد الانشغال بـ “الصفقة” اعتبر أمر غير اخلاقي، وعمل ضد الحماس العسكري. دور الصفقة سيأتي، هذا اذا جاء، فقط بعد انهاء كل الحروب، سواء في غزة أو في لبنان أو في ايران.

ولكن هدف الحرب في لبنان، “اعادة السكان الى بيوتهم”، تحول الى هدف ثانوي. أولا وقبل أي شيء يجب تصفية حزب الله، و”استنفاد الانجازات العسكرية”، تطهير نفق آخر وقرية اخرى والسيطرة على جنوب لبنان. زيارة الصحافيين في غزة برعاية الجيش الاسرائيلي لم تعد موضوع مثير للانفعال. موضوع الجذب الجديد هو الجولات في انفاق حزب الله. ومثلما هي الحال في غزة فان هذه الجولات تهدف الى اثبات ضرورة مواصلة “تطهير المنطقة” ورفض أي اقتراح سياسي، والاستمرار في الحرب، ترسيخ ضرورة سيطرة الجيش بشكل دائم في جنوب لبنان. بديهية “لا يوجد شريك” في السلطة الفلسطينية، التي تم استنساخها في غزة، تحتفل الآن في لبنان. بشكل متعمد هي تصب في الوعي عدم امكانية الحل السياسي من اجل أن يتم قبول الحرب الدائمة كواقع لا مناص منه، اضافة الى ذلك ترسخ شرعية “سلطة قوانين الحرب” التي تقوض سلطة القانون.

عدم وجود “مخرج” ليس شعورا ذاتيا أو وضعا سياسيا – أمنيا حقيقيا. فهو يتطور الى استراتيجية طموحة لن تكتفي باستغلال الحرب كأداة لضمان بقاء الحكومة، وبالاساس حكم المتهم بمخالفات جنائية الذي يترأسها. هدفها الايديولوجي سيكون تشكيل طابع المجتمع الاسرائيلي واعداده لعهد قانوني جديد يستند الى حالة الطواريء بشكل دائم، ويعطي الحكومة الشرعية في ادارة الدولة كما تشاء. هذا سيكون واقع من “خيبة الأمل”، واقع فيه استخدام قوانين “عادية” معيارية سيتم اعتباره بأنه يعود الى 6 تشرين الاول. واقع حتى من هندسوا الانقلاب النظامي لم يكن بامكانهم أن يحلموا به.

——————————————–

إسرائيل اليوم 16/10/2024

لنخلق واقعا جديدا في الشرق الاوسط

بقلم: يوسي كوبرفاسر

تواصل إسرائيل الان العمل في كل ساحات الحرب. فهي تواصل ضرب حماس في غزة لكنها تمتنع (بالخطأ؟) عن الحاق الهزيمة بمنظمة الإرهاب التي شنت الحرب – كي لا تنجر الى حكم عسكري. وهي تواصل ضرب حزب الله سواء من خلال المس بسلسلة القيادة لديه، نشطائه وقدراته العسكرية، ام من خلال الجهد لمنعه من إعادة التسلح بفضل المساعدات الإيرانية، ام من خلال تفكيك البنى التحتية التي بناها شمالي الحدود، وكان يفترض ان تستخدمها قوة الرضوان في محاولة لتنفيذ فكرة احتلال الجليل. بالتوازي، تستعد إسرائيل لعملية في ايران ردا على نار الصواريخ الإيرانية على إسرائيل.

القاسم المشترك لهذه الجهود الأساسية الثلاثة (المسنودة بجهود فرعية لمعالجة الحوثيين وبنى الإرهاب التحتية في يهودا والسامرة) هو محاولة انتزاع الحلو من المر، أي – استخدام اجازات إسرائيل كرافعة بعد الضربة القاسية التي تعرضت لها بعد 7 أكتوبر.

الرغبة هي في خلق واقع جديد في الشرق الأوسط تجعل الخطة الإيرانية لبناء طوق ناري حول إسرائيل فرصة لاضعاف المحور الإيراني بشكل كبير والعمل على الدفع قدما بعلاقات إسرائيل مع جهات معتدلة في المنطقة. 

لاجل استنفاد الفرص لتحقيق هذه الإنجازات الكامنة المحتملة من المهم تعميق الحوار مع الولايات المتحدة وعدم التعاطي مع الهجوم في ايران كحدث لمرة واحدة. ان مراعاة الحساسيات الامريكية يجب أن تكون مشروطة بتفهم امريكي بان الهدف الاستراتيجي لا ينبغي ان يكون الامتناع عن التصعيد، بل خلق واقع جديد في المنطقة يكون مريحا لواشنطن أيضا. ضمن أمور أخرى ينبغي لإسرائيل أن تنتزع من الولايات المتحدة – مقابل لجم الرد الفوري – استعدادا لان تزودها بالسلاح اللازم والضوء الأخضر لتعميق الضربة لحزب الله، والالتزام بان كل رد إيراني على خطوة إسرائيلية نسقت مع الولايات المتحدة يجاب باستعداد امريكي لاسناد خطوة إسرائيلية ضد البنى التحتية النووية الإيرانية.

ان الظروف التي نشأت في اعقاب اضعاف حزب الله وحماس كفيلة بان تسهل على إسرائيل العمل حيال ايران. فالعمل ضد البنى التحتية النووية الإيرانية، على فرض انه ذو احتمال عملياتي، حيوي الان في ضوء التقدم الإيراني نحو استكمال بناء القدرات للاقتحام لسلاح نووي. 

لكل من يشتكون من غياب استراتيجية يجب القول ان الاستراتيجية الإسرائيلية هي اضعاف المحور الإيراني لغرض إزالة التهديد بشكل يسمح بعودة سكان الشمال الى بيوتهم بامان، تحرير المخطوفين وإزالة التهديد من غزة على دولة إسرائيل وبخاصة على الغلاف. هذا سيكون النصر. الطريق اليه لا تزال طويلة – والضربة للواء غولاني في ظل استمرار نار الصواريخ نحو جملة من الأهداف هي تعبير أليم عن ذلك – لكنها اقصر بكثير مما كان يخيل قبل شهر – شهرين، وعلينا، حسب مباديء الحرب، ان نتخذ سياسة استغلال النجاح والتمسك بالمهمة في ضوء الهدف. 

——————————————–

هآرتس 16/10/2024

سور الحماية الخفي

بقلم: نوعا لنداو

نحن كما يبدو نعيش في مكان وفي عصر فيهما كل المعلومات التي تتعلق بحياتنا مكشوفة ويمكن الوصول اليها. وسائل الاعلام الاسرائيلية لها حرية النشر (باستثناء قيود محددة من الرقابة)، والاتصال بالشبكة متاح للجميع ولا يوجد أي قيود من الحكومة على التصفح في الشبكات الاجتماعية. مع ذلك، يبدو أن هناك فجوة كبيرة في المعلومات، وبسبب ذلك في الوعي ايضا، بين الاسرائيليين وبين كل مواطني العالم في كل ما يتعلق بالحرب في الشرق الاوسط. مثال اخير على ذلك هو مهاجمة الجيش الاسرائيلي أول أمس قرب مستشفى “شهداء الاقصى” في دير البلح. في حين أن جمهور المتصفحين في العالم شاهدوا افلام فظيعة عن الحريق الذي اندلع في اعقاب هذا الهجوم، فانه في اسرائيل يمكن الافتراض أنه حتى الآن قلائل يعرفون عما يدور الحديث. 

حسب التقارير قتل في هذه الحادثة اربعة اشخاص، بينهم امرأة وطفل، وأصيب 43 شخص. بالنسبة لنسبة الألم والدماء غير المعقولة التي نشاهدها كل يوم فان الامر لا يتعلق بحادثة “استثنائية”. مع ذلك هذه الحادثة أدت الى ردود فعل شديدة من الولايات المتحدة، التي حتى أنها عبرت عن الاحتجاج الصريح امام اسرائيل. ايضا هذه الردود من غير المؤكد أن الكثير من الاسرائيليين سمعوا عنها. لكن من سمعوا عنها فبالتأكيد وجدوا صعوبة في فهمها. تفسير التنديد الشديد يوجد في الافلام نفسها، التي فيها ظهر اشخاص يحترقون وهم على قيد الحياة أمام العدسات. “الصور والافلام لنازحين يحترقون على قيد الحياة في اعقاب قصف اسرائيلي، مقلقة جدا”، قال المتحدث بلسان البيت الابيض. 

معظم الاشخاص الذين يضطرون الى رؤية هذه المشاهد، مهما كانت مواقفهم السياسية، سيجدون صعوبة في قبول قول “مهاجمة مركزة لقيادة السيطرة والتحكم لمنظمات ارهابية”، كمبرر لذلك. ايضا التفسيرات الباردة في اسلوبها “هكذا هو الامر في الحرب”، لا يمكن أن تكون مقنعة. لذلك فانه بدون التعرض على الاقل لتحليل لفظي لمحتوى مقاطع الفيديو، من الصعب فهم رد الفعل الدولي على هذه الحادثة، وكذلك الموقف التراكمي من الحرب. ورغم عدم وجود أي قيود رسمية على وسائل الاعلام أو الشبكات التي تمنع الاسرائيليين من مشاهدة الحدث، إلا أن الحادثة أدت الى ظهور عدة تقارير مقتضبة في المواقع الاخبارية، لا سيما حول الرد الامريكي.

في هذه النقطة من السهل جدا اتهام وسائل الاعلام الاسرائيلية التي لا تؤدي عملها. مقال نشر اليوم لعيدو دافيد كوهين في “هآرتس” لخص كيف اصبحت الضحايا في غزة غير مرئية، اغلبية المراسلين يرددون اقوال الجيش، والتطرف يسيطر على الخطاب، والعرب الفلسطينيون يتم ابعادهم عن الاستوديوهات. هذه ليست ظاهرة جديدة، لكن مثل كل الواقع ايضا هذا التوجه ازداد بشكل كبير. ايضا الرقابة الذاتية من قبل الاشخاص “الوطنيين” و”الرقابة التجارية” – الامتناع عن اغضاب المشاهدين، والنشر لاسباب اقتصادية. 

في الاسبوع الماضي قالت ايلانا ديان في مقابلة مع كريستيان امينفور في “سي.ان.ان” إن وسائل الاعلام الاسرائيلية حقا لا تغطي بشكل كاف المعاناة في غزة. هي على حق. اليمين يقوم بمهاجمتها بعنف حول ذلك بشكل يستحق التنديد. لكن يطرح سؤال: ايلانا، ما الذي يمنعك من التغطية؟.

الرقابة الذاتية لوسائل الاعلام الاسرائيلية ليست التفسير الوحيد. فالاسرائيليون ليسوا فقط غارقين عاطفيا في المقام الاول في القلق والصعوبات الكبيرة التي يواجهونها الآن. لكن هناك ايضا خوارزميات الشبكات الاجتماعية التي تقلص عالمنا بحيث كل واحد يشاهد فقط ما تحدده الخوارزمية مسبقا بأنه “سيعجبه”. في هذا العالم الذي اصبح منفتح اكثر من أي وقت مضىى، اصبحنا محاصرين في فقاعة مغلقة اكثر من أي وقت مضى. ومثلما هو التآكل الحالي لقيم الديمقراطية لا يتم بواسطة الدبابات في الشوارع، بل بواسطة القادة الذين فازوا في الانتخابات، فان قطع انبوب المعلومات والسيطرة على العقل لا يتم بالضرورة عن طريق الرقابة الرسمية، بل عن طريق قوى طوعية وخفية.

——————————————–

إسرائيل اليوم 16/10/2024

في لبنان مثلما في غزة: محظور إعطاء العدو فرصة للانتعاش

بقلم: مئير بن شباط

لا حاجة لان يكون المرء في سر الاتصالات السياسية كي يلاحظ تأثير واشنطن على مواقف إسرائيل في المسائل المركزية الثلاثة التي على جدول الاعمال الأمني: مزايا الرد ضد ايران: القتال في لبنان وبشكل محدد غارات سلاح الجو في بيروت؛ وإدخال المساعدات الإنسانية الى شمال القطاع، حيث تجري عملية الجيش الإسرائيلي.

المرونة التي تضطر إسرائيل لان تبديها في هذه المسائل، كما يبدو، هي جزء من الثمن لقاء المساعدات الامريكية لمواصلة القتال ولسيناريوهات الرد المحتملة من جانب ايران. لا يدور الحديث عن ثمن زهيد. فتقليص الغارات الإسرائيلية في بيروت والفهم بان هذا نتاج توافقات بين واشنطن والقدس يمس بالزخم الذي خلقته إسرائيل حيال حزب الله، يعزز الثقة بالذات واحساس الحصانة لمسؤوليه ويسمح له بالانتعاش. اذا اضفنا الى ذلك إحساس الإنجاز في اعقاب ضربة المُسيرة لقاعدة غولاني واستئناف النار الصاروخية نحو اهداف في عمق إسرائيل وفي شمالها – سنتمكن من فهم أسباب الخط الحازم الذي اتخذه نعيم قاسم امس. في خطابه عاد وشدد على الارتباط بين لبنان وغزة وروى بان منظمته تجاهلت الاقتراحات التي جاءت لسحب قواتها 10 كيلو متر عن حدود الشمال.

ان لجم اعمال الجيش الإسرائيلي في لبنان لن يطيل الحرب فقط بل سيزيد المخاطر للمس بامننا وبالجبهة الإسرائيلية الداخلية. هكذا أيضا الطلب لادخال مساعدات إنسانية الى شمال القطاع. فالمساعدات الإنسانية تسمح لمخربي حماس بالبقاء في المناطق التي يطلب الجيش الاسرائيل اخلاءها تعزز قوتهم وتضعف الضغط الذي تسعى إسرائيل لان تمارسه على يحيى السنوار بعملها في هذه المنطقة.

الى هذا ينبغي أن تضاف النجاحات التي سجلتها حماس هذا الأسبوع في المس قواتنا وفي نار الصواريخ نحو إسرائيل، وسلسلة خطابات مسؤوليها في ختام سنة على مذبحة 7 أكتوبر. بالتأكيد يمكن أن نفهم لماذا لم تسارع حماس لطلب “صفقة”.

ان مصلحة الإدارة الامريكية تخفيض مستوى اللهيب في كل الساحات منعا لاشتعال حرب إقليمية تؤدي عمليا الى الاستنزاف، إطالة الحرب وتفويت الفرصة لتحقيق حسم واضح – بالضربة القاضية، وليس بالنقاط. إسرائيل لا يمكنها أن تسمح بهذا لنفسها كما أنها لا يحق لها ان تفوت الفرصة التاريخية الناشئة لاحداث تغيير جذري في الساحتين. 

الى جانب الاستعدادات المرتبطة بايران علينا أن نعمل حيال واشنطن لإزالة الاضطرارات. من الحيوي مواصلة الهجمات في بيروت ومنع إحساس الحصانة لحزب الله في كل مكان يتواجدون فيه. بالنسبة لشمال القطاع فان بتر المنطقة واخلاء السكان منها ضروري أولا وقبل كل شيء لاجل منع انتعاش حماس. كما أنه يخدم الحاجة لممارسة الضغط لاجل تحرير المخطوفين. طالما تسمح إسرائيل بتموين منتظم في مجالات قريبة فمن الصواب ان تصر على موقفها الا تسمح بتموين لشمال القطاع. 

هدم منازل مخربين إسرائيليين أيضا

جملة العمليات واعمال الإرهاب بمشاركة مواطنين عرب إسرائيليين، في ذروة حرب قاسية متعددة الساحات، تستوجب الخروج عن السياسة المتبعة واستخدام وسيلة ردع لم تستخدم حتى الان ضد مواطنين إسرائيليين. ضمن أمور أخرى يجب هدم منازل المخربين.

سيقال على الفور – الغالبية الساحق من المواطنين الإسرائيليين العرب تتحفظ من اعمال الإرهاب وتبتعد عن محافل الإرهاب. وهي منحرجة من مثل هذه الاحداث التي شهدناها في بئر السبع وفي الخضيرة او من كشف شبكات مثل تلك التي خططت لتفجير سيارة مفخخة في أبراج عزرئيلي. هذا الجمهور يفهم الامكانية الهدامة التي تنعكس من هذه الاحداث على علاقاته الحساسة مع الجمهور اليهودي وقلق من التهديد الذي تشكله على اندماجه الاجتماعي والاقتصادي في الدولة.

في نظرة الى مدى الظاهرة يمكن أن نرى بان معدل المشاركين في الإرهاب بين هؤلاء السكان زهيد أيضا، غير أن آثار الظاهرة هدامة دون أن توازن بالنسبة لحجومها. 

هكذا فان عملية إرهاب تنفذ بمشاركة مواطنين إسرائيليين تتسبب بفقدان الثقة وتضعضع الامن في ضوء الخوف من “عدو داخلي” يستغل حرية الحركة وقدرة الوصول الى أي مكان في إسرائيل لاجل المس بها، في أن المخرب هو مواطن مدين بواجب الولاء للدولة. فضلا عن ذلك، فان عمليات إرهاب كهذه توفر تشجيعا للعدو وتخلق ساحة تصدي أخرى لجهاز الامن الذي على أي حال غارق بمهام أخرى. 

كل هذا يستوجب من الدولة بان تحدد سياستها ليس وفقا لحجوم الظاهرة بل بناء على خطورتها واضرارها. وهذا يتعلق ليس فقط بالعقاب بل وبالوسائل لردع الاخرين عن الانضمام الى دائرة الإرهاب.  سرعة رد أجهزة الدولة تؤثر هي أيضا على نجاعة الرد ومن هنا الأهمية لاجمال السياسة الواجبة وتنفيذها بسرعة.

——————————————–

هآرتس 16/10/2024

الولايات المتحدة تشترط نقل السلاح بتوسيع المساعدة للقطاع

بقلم: عاموس هرئيلِ

في بداية الاسبوع اصدرت نائبة الرئيس الامريكي، كمالا هاريس، بيان ادانة استثنائي. المرشحة الديمقراطية للرئاسة اقتبست تقرير للامم المتحدة الذي بحسبه لم تدخل أي ارسالية للمواد الغذائية الى شمال القطاع منذ اسبوعين وأكثر. اسرائيل، قالت هاريس، يجب عليها العمل بسرعة لضمان ادخال المساعدات المدنية للمحتاجين في المنطقة واحترام قواعد القانون الدولي. بعد التوبيخ الامريكي اجتمع ممثلو جهاز الامن مع ممثلي الولايات المتحدة والامم المتحدة لابلاغهم بأن الجيش الاسرائيلي سيسمح بحركة شاحنات المساعدات الى المنطقة، حيث بدأت هناك في الاسبوع الماضي عملية هجوم جديدة للفرقة 162.

يبدو أن الادارة الامريكية لم تقتنع كليا. في هذه الاثناء اعلن وزير الخارجية الامريكي، انطوني بلينكن، ووزير الدفاع الامريكي، لويد اوستن، بأنه اذا لم تتوقف اسرائيل خلال ثلاثين يوم عن التشويش على نقل المساعدات الانسانية الامريكية الى القطاع فان الادارة الامريكية ستمنع ارسال السلاح الى اسرائيل. الولايات المتحدة الآن تعيق ومنذ أيار الماضي ارسال قنابل بوزن طن لسلاح الجو الاسرائيلي على خلفية تجاهل اسرائيل لمعارضة واشنطن لدخول الجيش الاسرائيلي الى رفح. حتى الهجوم صباح أمس امتنع الجيش الاسرائيلي لبضعة ايام عن مهاجمة الضاحية الجنوبية، ايضا هذا بسبب معارضة امريكية. المساعدات الدفاعية الامريكية لاسرائيل، حيث في الخلفية هناك خوف من تدهور جديد امام ايران، تأتي مع ملصق الثمن: تنسيق وثيق اكثر، وبدون ذلك التهديد بفرض عقوبات.

العملية العسكرية تتركز على مدخل مخيم جباليا للاجئين، وفي هذه الاثناء لا تحصل على الاهتمام الكبير في ظل الاحداث في لبنان والتهديدات الايرانية. المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي يصدر كل يوم بيانات عن قتل عشرات المخربين في المعارك. ولأن هذه البيانات تعتمد على تقارير القوات في الميدان فانه تصعب معرفة بوضوح كم هو عدد المصابين الذين كانوا من المسلحين وكم هو عدد المواطنين الفلسطينيين الذين لم ينجحوا في الخروج من المنطقة التي يعمل فيها الجيش.

الهدف العلني للعملية في جباليا هو ضرب البنى التحتية الارهابية المتجددة لحماس، في المنطقة التي امتنع الجيش الاسرائيلي عن القيام بنشاطات ناجعة مستمرة فيها منذ كانون الاول الماضي. ولكن الجيش توجد له اعتبارات اخرى وراء الكواليس. كجزء من الضغط على حماس، وذريعة حماية السكان المدنيين، فان الجيش يطلب من سكان جباليا التوجه نحو الجنوب. ولكن حتى الآن الاستجابة قليلة. في شمال القطاع بقيت بيوت كثيرة قائمة، حتى لو أنها تعرضت لضرر كبير بسبب الهجمات الاسرائيلية. هذه بيوت حجرية، وبالنسبة للفلسطينيين هي افضل بكثير من العيش كنازخين في مخيمات ارتجالية ومكتظة في منطقة المواصي في الشاطيء الجنوبي في القطاع. حماس ايضا تحاول منع المواطنين من الهرب.

في الخلفية يتدفق سيل كبير من الانباء عن نوايا سياسية خفية. احزاب اليمين المتطرف تشارك في اتخاذ القرارات وتستعين بضباط احتياط في مقر القيادة والفرق. هذا يتساوق مع “خطة الجنرالات” لغيورا آيلاند وضباط آخرين في الاحتياط. الهدف السامي لهذه الخطة هو دفع مئات آلاف الفلسطينيين من شمال القطاع الى جنوب وادي غزة في الوسط، الذي ما زالوا يوجدون فيه. يتم طرح افكار مثل اطلاق نار متعمد من بين السكان، وحتى عمليات تجويع. هي لم تحصل على مصادقة رسمية من سلسلة القيادة في الجيش الاسرائيلي، لكن مجرد الانشغال فيها والمشاركة السياسية لاحزاب وجهات اعلامية يمينية، تتغلغل الى الاسفل.

يصعب الشك بأن الصعوبات امام ادخال المساعدات الانسانية، الى أن رفعت هاريس صوتها، لم تنبع فقط من التعقيدات البيروقراطية أو من الاستعداد لعمليات في ذكرى 7 اكتوبر. على الارض وفي مقرات القيادة هناك من يعتبرون هذه القوافل مساعدة للعدو، وبالذات يناسبهم أن شاحنات الغذاء لا تصل في الوقت الى اهدافها. ثلاثة جنود من الاحتياط يخدمون في القطاع، الذين تحدثوا في هذا الاسبوع بشكل منفصل مع مراسل “هآرتس” بار بيلغ، قالوا له إنه تولد لديهم الانطباع بأن “خطة الجنرالات” يتم تطبيقها بالفعل على الارض، حتى لو كانت قيادة هيئة الاركان وقيادة المنطقة الجنوبية لم تتبناها بشكل رسمي. “القادة يقولون بشكل علني إن خطة ايلاند يتم تطبيقها من قبل الجيش”، قال جندي في الفرقة 162. جندي في فرقة الاحتياط 252 التي تنتشر في ممر نتساريم قال “الهدف هو اعطاء موعد نهائي للسكان الذين يعيشون شمال منطقة نتساريم كي ينتقلوا الى جنوب القطاع. بعد هذا الموعد فان كل من سيكون في الشمال سيعتبر عدو وسيتم قتله. هذا لا يتفق مع أي معيار من معايير القانون الدولي. اشخاص جلسوا وكتبوا شيء مرتب مع رسومات وفكرة عملية، التي في نهايتها سيطلقون النار على من لا يوافق على الاخلاء. مجرد  وجود هذه الفكرة يعتبر أمر غير معقول”.

ضابط كبير في هيئة الاركان قال أمس ردا على سؤال لـ “هآرتس”: “نحن فقط نحصل على الأوامر من رئيس الاركان، ونرسلها الى قادة الفرق. كثيرون توجد لهم مواقف مختلفة وهذا جيد. ولكن هذا لا يملي الخطط العملياتية. لا يوجد هنا أي تجويع للسكان من اجل الاخلاء. ما الامر؟”. وحسب قوله فانه “في الايام الاخيرة اتخذ الجيش خطوات استثنائية لادخال قوافل الشاحنات الى منطقة جباليا رغم المعارك. لم يتغير الكثير في روتين المساعدات الانسانية”، قال واضاف. “القرارات والتخطيط يتم اتخاذه فقط حسب تخطيط عملياتي”.

بخصوص الـ 101 مخطوف لا يوجد أي شك لدى جهات رفيعة في هيئة الاركان بأن “رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اتخذ قرار دعا الى التخلي عن المخطوفين، الذين في معظمهم كما يبدو ما زالوا على قيد الحياة، ويوجدون في انفاق غزة. ليس هو أو قيادة حماس يناقشون الآن خطة عملية لصفقة تبادل. ايال حولتا، رئيس مجلس الامن القومي السابق، قال في هذا الاسبوع للقناة 13 بأن “نتنياهو يعرف أنه في الموازنة بين تدمير حماس واعادة المخطوفين هو يفضل تدمير حماس. يمكن قول كل شيء، والجمهور سيسمع كل شيء، ووسائل الاعلام ستردد – لكن الواقع سيبقى على حاله. الامر الوحيد الذي لا يتغير هو أن المخطوفين يوجدون في غزة ويموتون واحد تلو الآخر”.

في اسبوع احتفالات ذكرى 7 اكتوبر في هذا الاسبوع تبين أن الوزيرة ميري ريغف تخطط لاحتفال زائد في الذكرى السنوية حسب التقويم العبري – عائلات المخطوفين عرفت حقيقة معينة. ممثلوها تمت دعوتهم للظهور في وسائل الاعلام وفي الاحتفالات كي يصرخوا صرخة اعزاءهم الذين تم التخلي عنهم. الآن الامور تعود رويدا رويدا الى المسار المخطط له. في الوقت الذي ينشغل فيه كما يبدو في امور مشتعلة أكثر، فان نتنياهو يزيح عن نفسه مسألة المخطوفين مثلما يطرد ذبابة مزعجة. مؤيدون ومساعدوه في وسائل الاعلام سينقضون على كل ابن عائلة يتجرأ على الاحتجاج على هذا الاهمال. 

الانتقال من النشوة الى الواقع

إن ضربة المسيرة القاتلة لقاعدة المجندين الجدد في لواء غولاني، واطلاق الصواريخ بشكل مستمر على شمال البلاد (بدرجة أقل نحو الوسط)، استقبلت في هذا الاسبوع بمفاجأة معينة في وسائل الاعلام وفي اوساط الجمهور. في اجواء النشوة التي سادت هنا بعد سلسلة النجاحات الاستخبارية والعملياتية ضد حزب الله كان يمكن التفكير بالخطأ أنه قد انتهت قصة حرب لبنان الثانية. المنظمة الشيعية تلقت سلسلة لكمات مفاجئة وكبيرة، حيث حزب الله يرفرف مذبوح على الارض وأن كل ما بقي هو املاء شروط الاستسلام.

الواقع على الارض بعيد عن ذلك. الجيش الاسرائيلي يتقدم في جنوب لبنان تقريبا حسب الخطط الاصلية. القوات تقوم بتمشيط المنشآت القتالية لحزب الله في المناطق المعقدة والقرى قرب الحدود. وحتى الآن تواجه مقاومة قليلة جدا. ولكن في هذه الاثناء حزب الله لا يظهر مظاهر الاستسلام. ربما يمكن ايجاد في صفوفه توجه تعافي معين حتى لو كان محدود. تظهر هناك محاولة لتنفيذ خطة نيران منظمة اكثر وتركز على الشمال، حتى البلدات التي توجد جنوب حيفا. في جنوب لبنان انسحبت معظم قوات حزب الله الى الخلف، الى جنوب نهر الليطاني، لكن بعضها ما زال ينتشر شمال النهر بانتظار عمليات هجومية اخرى للجيش الاسرائيلي.  

في حزب الله يحاولون اعادة للعمل الوحدات المتقدمة التي اصيبت وقتل قادتها. ورغم الضربة الشديدة لترسانة الصواريخ والقذائف متوسطة المدى وبعيدة المدى، في الجيش الاسرائيلي يؤكدون بأن أكثر من نصفها تم تدميره، إلا أنه بقي لديه ما يكفي من الصواريخ لالحاق اضرار حقيقية باسرائيل. النظام في ايران يبذل جهود كبيرة لاستئناف تهريب السلاح الى لبنان وسوريا، رغم الضربة التي تلقتها شبكات التهريب. كل ذلك يضاف الى تهديد الصواريخ البالستية من ايران، الذي يمكن أن يعود في القريب الى حياتنا كضيف شرف يظهر للمرة الثالثة في هذه الحرب.

صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية نشرت أمس بأن اسرائيل تقف امام ازمة متطورة من النقص في صواريخ الاعتراض. هذا هو سبب قرار الادارة الامريكية نشر هنا وبسرعة بطاريات اعتراض الصواريخ من نوع تائد التي ستكمل المنظومات الاسرائيلية – حيتس ومقلاع داود والقبة الحديدية. الشعار القديم لرؤساء الحكومات، أن المساعدات الامريكية تهدف الى مساعدة اسرائيل للدفاع عن نفسها بقوتها الذاتية، يبدو أنه اجوف اكثر من أي وقت مضى. 

“التسليح الاسرائيلي هو موضوع جدي”، قالت الدبلوماسية دانا سترول للصحيفة البريطانية، وهي شخصية رفيعة سابقة في البنتاغون والآن هي باحثة في معهد واشنطن لابحاث الشرق الاوسط. “اذا ردت ايران على هجوم اسرائيل وحزب الله انضم فان منظومات الدفاع الجوية الاسرائيلية ستكون متوترة. ايضا الولايات المتحدة لن تستطيع مواصلة تزويد السلاح لاوكرانيا واسرائيل بنفس الوتيرة. نحن نقترب من انعطافة”.

المدير العام للصناعات الجوية بوعز ليفي قال للصحيفة البريطانية إن خطوط انتاج صواريخ حيتس تعمل سبعة ايام على مدى 24 ساعة، لكن انتاج صاروخ جديد “ليس مسألة أيام”. ليس سرا أنه يجب الآن ملء مخازن السلاح، اضاف. 

في زيارة قصيرة في جنوب لبنان في بداية الاسبوع كان بالامكان الانفعال من مستوى الالتزام بالمهمة والثقة المهنية للقوات. ايضا وحدات الاحتياط العادية تعمل الآن على الارض وتصطدم مع مسلحين من حزب الله وتدمر وسائل قتالية. المحاولة التي تراكمت في سنة القتال في غزة والمناوشات على طول الحدود الشمالية زادت كفاءة القادة والجنود. ولكن حجم قوات الجيش الاسرائيلي صغير بالمقارنة مع المهمات الملقاة عليه، ومثله ايضا منظومات الدفاع الجوية، ايضا الوحدات النظامية ووحدات الاحتياط متوترة جدا. 

الجيش الاسرائيلي يكشف الآن بالتدريج معسكرات حزب الله ومخازن السلاح والانفاق ومنشآت القيادة والمكوث تحت الارض. حزب الله بدأ في الاستعداد بهذه الصورة كجزء من دروس حرب لبنان الثانية في 2006. في حين أنه في 2018 عندما اعضاء قوة الرضوان عادوا الى من خمس سنوات من القتال الى جانب نظام الاسد في الحرب الاهلية الدموية في سوريا، انتشر عدد كبير منهم في جنوب لبنان ووسعوا الاستعدادات للهجوم على طول الحدود.

عدد من المواقع العسكرية يتم كشفها قرب موقع اليونفيل، وتثبت عدم جدوى نشاطها، والاكاذيب المتفق عليها التي استند اليها تطبيق قرار مجلس الامن رقم 1701 (القرار ساعد رغم ذلك على الهدوء النسبي خلال 17 سنة؛ لكن الثمن يتبين الآن). قادة قوة الامم المتحدة في لبنان فضلوا عدم التفتيش في الاماكن التي كان يمكن أن تعرض حياتهم وحياة جنودهم للخطر. “الشخص مطلوب منه بذل الجهد بشكل دائم كي يرى ما يوجد تحت أنفه”، كتب جورج اورويل. الكاتب البريطاني لم يصادف في حياته رجال يونفيل، الذين لم يكلفوا انفسهم عناء العمل.

توجد للجيش الاسرائيلي نافذة فرص مقلصة جدا ترتبط بالشتاء في نهاية السنة وربما بالضغوط الدولية. رغم أن المنظومة الدولية لم تثبت أنها ناجعة في العمليات في قطاع غزة. يتطور هنا، تقريبا كالعادة، سباق ضد الزمن لاستكمال مهمات كثيرة بقدر الامكان. التوجه في قيادة المنطقة الشمالية هو وضع جدول اعمال صارم نسبيا والعمل على انهاء الحرب في المدى المنظور. هناك شك اذا كان هذا سيكون مقبول على سكان المستوطنات التي تم اخلاءها، الذين اصبحوا يدركون الآن حجم المشروع الذي بناه حزب الله وراء الحدود. المطالبة من هناك، وايضا من المنظومة السياسية، ستكون مواصلة التقدم شمالا. عندما حاول قائد المنطقة الشمالية أوري غوردن التلميح بأنه خلال بضعة اسابيع يمكن البدء في اعادة السكان الى بيوتهم، واجهته ردود قاسية من رؤساء المجالس المحلية على الحدود.

“نحن نواصل تدمير البنى التحتية لحزب الله، التي توجد على بعد بضعة كيلومترات من الحدود”، قال ضابط كبير في هيئة الاركان في هذا الاسبوع. “هذه خطوة مهمة في الطريق لخلق الظروف المناسبة لاعادة سكان الشمال. المس بمنظومة القيادة والسيطرة ومنظومة النيران والقدرات الهجومية لحزب الله على خط التماس تساعدنا في ذلك. ولكن نحن بحاجة الى تطبيق هذا الواقع من اجل أن يبقى ساري المفعول حتى بعد الحرب، وهذا يحتاج الى استخدام القوة ايضا بعد ذلك”.

في هذه الاثناء يبدو أن هذا حلم بعيد. قيادة حزب الله الجديدة التي تستند الى الذين بقوا على قيد الحياة بعد هجمات اسرائيل السابقة، ستضطر الى التشاور مع اسيادها في ايران. يصعب استبعاد امكانية تفضيل شن حرب استنزاف بدعم من ايران، مع الازعاج الدائم للجبهة الداخلية الاسرائيلية. من غير المؤكد أن خيار حرب الاستنزاف سيء بالنسبة لنتنياهو، الذي معظم اهتمامه ينصب على بقائه في الحكم وخارج السجن.

——————————————–

يديعوت أحرونوت 16/10/2024

الولايات المتحدة تهدد إسرائيل وفرنسا تهاجمها

بقلم: ايتمار آيخنر

لا ينبغي لأحد أن يتفاجأ بالكتاب المتشدد الذي بعث به وزير الخارجية الأميركي بلينكن ووزير الدفاع اوستن للوزيرين غالنت وديرمر. الحقيقة هي أن الأميركيين يحذروننا منذ الشهر الأخير من هذه الإمكانية -والإسرائيليون تجاهلوا.

لقد رأى الأميركيون التقارير عن خطة آيلند، وهم يشكون في أن وقف المساعدات الإنسانية الى شمال غزة يعد مؤامرة إسرائيلية تستهدف تجويع السكان لأجل الوصول الى إنجازات في ميدان المعركة. تلميح بالغضب الأميركي كان يمكن أن نراه في تغريدة كامالا هاريس قبل يومين: “الأمم المتحدة تبلغ بأنه لم يدخل أي غذاء الى شمال قطاع غزة على مدى نحو أسبوعين وإسرائيل ملزمة بعمل المزيد، وعلى عجل”.

تقول مصادر إسرائيلية إن هذا هو الكتاب الأكثر حدة الذي ترسله الولايات المتحدة الى إسرائيل منذ عشرات السنين، وبخاصة بكل ما يتعلق بتوريد السلاح. وشرحت هذه المصادر تقول “إنهم يقولون لنا: أنتم في الطريق الى عدم الالتزام بالتشريعات الأميركية وعندها لن نتمكن من بيعكم السلاح حتى لو رغبنا في ذلك. هم يحذروننا من أن نصل الى هذا الوضع. هذه دعوة للصحوة”.

في الكتاب، أعلن بلينكن وأوستن بأنه إذا لم تتوقف إسرائيل في غضون 30 يوما عن منع نقل المساعدات الإنسانية الأميركية الى غزة، فستضطر الإدارة لأن تفعل “مذكرة الدفاع القومي” فتمنع نقل السلاح الى إسرائيل بموجب قانون المساعدات. كما يوجد في الكتاب مطلبان مفاجئان: السماح بزيارة الصليب الأحمر للمعتقلين الفلسطينيين وتجميد التشريع ضد الأونروا. من المهم التشديد على أن إسرائيل هي التي وقعت على هذه المذكرة في شهر آذار (مارس) من هذه السنة.

وبينما تهدد الولايات المتحدة بحظر السلاح على إسرائيل، علقت علاقات إسرائيل-فرنسا في درك أسفل غير مسبوق. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي سبق أن قال إنه يفرض حظر سلاح على إسرائيل، هاجم رئيس الوزراء نتنياهو في نقاش مغلق أجراه مع وزرائه، ماكرون الذي قال “على نتنياهو ألا ينسى أن دولته أقيمت بقرار من الأمم المتحدة، ولهذا فمحظور عليه أن يعفي نفسه من الالتزام بقرارات الأمم المتحدة”، حسب صحيفة “لا برزيان” الفرنسية.

بعد وقت قصير من ذلك، نشر نتنياهو بيان رد ذكر فيه بالماضي المظلم لفرنسا: “تذكير للرئيس الفرنسي -ليس قرار الأمم المتحدة هو الذي أقام دولة إسرائيل، بل النصر الذي تحقق في حرب الاستقلال بدماء مقاتلين أبطال كثير منهم كانوا ناجين من المحرقة- بما في ذلك من نظام فيشي في فرنسا”.

ينبغي التمييز بين الولايات المتحدة وفرنسا. فالأميركيون مضغوطون جدا بالانتخابات للرئاسية التي ستكون بعد ثلاثة أسابيع. وضع كامالا هاريس يبدو أقل جودة والأمر الأخير الذي يحتاجه بايدن الآن هو أزمة دولية تثبت أن الولايات المتحدة فقدت مكانتها.

بالنسبة للفرنسيين، يدور الحديث عن عجز مطلق لماكرون الذي حل البرلمان وأقام حكومة ليس واضحا كم هي قادرة على الصمود. ماكرون يقاتل في سبيل مكانة فرنسا الدولية، وفي هذه الأثناء تتبين سياسته كفشل مطلق. وهو يحاول الآن القتال في سبيل شرف فرنسا، ولهذا فهو يسمح لنفسه بأن يهدد إسرائيل بشكل غير لطيف.

وإذا كان هذا غير كاف: رئيسة وزراء إيطاليا مالوني قالت، أول من أمس، في البرلمان في روما “منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، لم نورد ذخيرة وسلاحا لإسرائيل. جمدنا كل العقود”. كما قالت “ما تفعله إسرائيل ضد قوات “اليونيفيل” غير مقعول”. بيان مالوني هو وصف حقيقي للواقع، لكنه مخيب للآمال جدا حين يأتي من زعيمة تعد صديقة لإسرائيل. هذا يشير الى العزلة المقلقة التي علقت فيها إسرائيل على خلفية الأزمة الدبلوماسية تجاه قوة اليونيفيل في جنوب لبنان. فقد طلبت إسرائيل من القوة التحرك 5 كيلومترات شمالا. اليونيفيل رفضت وإسرائيل تلقت انتقادا شديدا من الأسرة الدولية على سلوكها.

——————————————–

هآرتس 16/10/2024

مأمور التعيين في خدمة نتنياهو

بقلم: أسرة التحرير

كبحت محكمة العدل العليا، أول من أمس، محاولة بنيامين نتنياهو السيطرة على منصب مأمور خدمة الدولة، (رئيس ديوان الموظفين)، في طريقه الى سلب الخدمة العامة وملئها بخدمة الحكم. في آب (أغسطس) الماضي، في استعراض صادقت الحكومة بالإجماع لنتنياهو على أن يعين بنفسه المأمور، تبعا لإذن اللجنة الاستشارية لتعيين كبار المسؤولين في خدمة الدولة. وذلك رغم معارضة المستشارة القانونية، التي طالبت بأن يتم التعيين من قبل لجنة تعيين برئاسة قاضي عليا متقاعد. في مداولات أول من أمس، في الالتماسات ضد قرار الحكومة، أوضح القائم بأعمال رئيس العليا، اسحق عميت، والقاضيان دفنا باراك ايرز ونوعم سولبرغ للحكومة بأن هذا قرار مرفوض، وعمليا أعطوها مهلة أسبوعين للنزول عن الشجرة. في ختام المداولات، أمر القضاة الحكومة بأن تعلن في غضون أسبوعين إذا كانت مستعدة لاتخاذ قرار آخر بالنسبة لعملية تعيين المأمور. صحيح أن القضاة لم يصدروا أمرا احترازيا رسميا، لكنهم أشاروا الى الحكومة بشكل لا لبس فيه بأن عليها أن تتخذ قرارا آخر بشأن منحى جديد للتعيين.

هجمة 7 تشرين الأول (أكتوبر) والحرب متعددة الساحات التي تتواصل منذ سنة لم تضعف أيدي حكومة نتنياهو. فهي تواصل الدفع قدما بالانقلاب النظامي بهدف السيطرة سياسيا على جهاز القضاء، الاعلام وخدمة الدولة. مأمور خدمة الدولة يسعى لتصفية حماة الحمى. ويدور الحديث عن منصب أساسي، حامي الحمى من الدرجة الأولى، يشرف على التعيينات في الخدمة العامة ويمنع تلوثها بتعيينات سياسية غير جديرة وغير مهنية. لهذا السبب بالضبط، نتنياهو وشركاؤه السياسيون معنيون بالسيطرة عليه كي لا يكون من يمنعهم من تحويل خدمة الدولة الى خدمة لتوزيع المناصب على “الدولار” التي يرغب حكم الليكود ومساعدوه بمصالحهم.

لم يوفر القضاة النقد للحكومة، وواضح أنهم فهموا جيدا بأن هذه محاولة لسيطرة معادية على الخدمة العامة، مع إضافة بصقة في وجه المستشارة القانونية -حامية الحمى رقم 1 في إسرائيل. لقد أوضحت غالي بهرب ميارا بأن هذا قرار غير قانوني “يمثل ميلا لمحاولات القضم بالطابع المهني، الرسمي واللاسياسي لخدمة الدولة بهدف توسيع السيطرة السياسية عليها”. لقد شبه القاضي عميت بين خط دفاع الحكومة ونهج ميري ريغف لهيئة البث العامة: “ماذا تساوي المأمورية إذا لم يكن بوسعنا السيطرة عليها؟”.

ينبغي الأمل في أن تستغل الحكومة الفرصة التي أعطتها إياها محكمة العدل العليا لتنزل عن الشجرة وترفع يديها عن منصب مأمور الدولة. إذا لم تفعل هذا، فإن على محكمة العدل العليا أن تلغي القرار وتلزم الحكومة بالبحث في بدائل أخرى لإجراء تعيين المأمور.

——————————————–

هآرتس 16/10/2024

حيفا مدينة سوداء

بقلم: ياعل وولفينزون

منذ اشتداد حدّة الجبهة الشمالية، أصبح واقع سكان حيفا والكريوت لا يطاق. واقعٌ حربي متواصل ومرعب، على أصوات صفارات الإنذار والاعتراضات وسقوط القذائف والشظايا.

صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تنشر مقالاً للكاتب ياعل وولفينزون، وهو من مستوطني مدينة حيفا، يتحدّث فيه عن واقع المدينة في إثر الضربات التي يشنّها حزب الله دفاعاً عن لبنان بعد العدوان الإسرائيلي.

كلّ صباح نستيقظ على أصوات صفارات الإنذار. كلّ ليلة ننتزع أطفالنا من أسرّتهم ونركض إلى الملاجئ. منذ اشتداد حدّة الجبهة الشمالية، أصبح واقع سكان حيفا والكريوت لا يطاق. واقعٌ حربي متواصل ومرعب، على أصوات صفارات الإنذار والاعتراضات وسقوط القذائف والشظايا.

لقد صنّفت الحكومة وضع مدينة حيفا بـ “الأصفر”، والمقصود هو أنّه من الممكن القيام في حيفا، بنشاط تعليمي والذهاب إلى مكان العمل، طالما أنّ هناك مكاناً محمياً قريباً. لكنّ الواقع الأصفر المفروض علينا هو أسود كالفحم. 

حيفا، المدينة التي عانت بالفعل من ضربات قاسية في سنة 2006، مكشوفة. رئيس البلدية يونا ياهف قال إنّ 50% فقط من المدينة محصّن. كيف يمكن أن تظل مدينة مركزية كهذه، وهي هدف واضح ورمزيّ لحزب الله، معرّضة للخطر إلى هذا الحد؟

يُطرح السؤال كلّ ليلة: ماذا سيحدث غداً؟ هل ستكون روضة الأطفال مفتوحة؟ هل سيكون هناك تعليم في المدرسة؟ هل سأصبح اليوم أكثر استنفاراً؟

التصنيف “الأصفر” لا يعترف بالصعوبات التي نواجهها. لا يوجد تعويض ولا اعتراف بالوضع الطارئ ولا مخاوف وجودية نعيشها كلّ يوم.

تحاول الحكومة منع حزب الله من تحقيق “صورة انتصار”، لكنها تفعل ذلك على حساب كسر الجبهة الداخلية. وقريباً جداً سيتمّ تسريح موظفين وموظفات، وستنهار شركات وسترحل عائلات. فهل هذا هو النصر الذي نبحث عنه؟

الفجوة بين القدرات التكنولوجية المتقدّمة لـ “إسرائيل” والفشل في الدفاع عنها تصرخ إلى السماء، فما هي قيمة التكنولوجيا المتقدّمة عندما لا تكون هناك مساحة أساسية محمية من الصواريخ؟ 

إنّ فخر بلدية حيفا بوضع عدد قليل من غرف الحماية المتنقّلة في جميع أنحاء المدينة هو بمثابة استهزاء بأولئك الذين يختبئون في غرف السلالم المتعفّنة.

——————انتهت النشرة——————