الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 13/12/2024
الازمة في سوريا تفتح الباب، لكن إسرائيل تتصرف بقصر نظر
بقلم: درور زئيفي
اسقاط النظام في سوريا توجد له أهمية في الشرق الأوسط. فسوريا هي حجر الزاوية للعروبة، وفيها بدأت ثورة النهضة العربية في أواخر عهد تركيا، وفيها شكل زعيم الثورة العربية فيصل مقر حكمه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وفيها تشكلت القومية العربية عند إقامة حزب البعث في الاربعينيات.
سكان المنطقة يدركون الأهمية الرمزية للشام، وأن ما يحدث هناك سيؤثر على كل المنطقة. تصريحات وافعال القيادة الإسرائيلية فقط هي تضر.
من بين المتمردين الذين سيطروا على سوريا يوجد سلفيون وجهاديون، معتدلون مؤيدون لتركيا، وأعضاء منظمات كردية، درزية وإسلامية – سنية. ولكن جميعهم يعلنون الولاء لسوريا في حدودها الحالية. في هذه الاثناء هم يحاولون رسم للجمهور السوري مستقبل بدون بشار الأسد ومساعديه. الديمقراطية تظهر على لسان الجميع، وحتى التنظيمات الراديكالية تظهر الانفتاح.
زعيم المتمردين احمد الشرع (أبو محمد الجولاني) اعلن من فوق كل منصة عن سعيه الى تأسيس نظام تمثيلي وتسامح، حتى تجاه العلويين المتماهين للنظام السابق. ربما سنكتشف أن الشرع في نهاية المطاف هو إرهابي، سيقود رجاله الى الهجوم على إسرائيل. ولكن الهستيريا في هذا الشأن مبالغ فيها. فإسرائيل أقوى من كل هذه التنظيمات معا. فمنذ اللحظة التي قصف فيها سلاح الجو السلاح الكيميائي والسلاح الاستراتيجي فانه لم يعد لديهم أي شيء يمكن أن يهدد إسرائيل. إضافة الى ذلك نجاحهم في اسقاط النظام يدينون به بشكل كبير لانجازات الجيش الإسرائيلي في المعركة ضد حزب الله وايران، وهم يدركون ذلك.
نظام ديمقراطي أو شبه ديمقراطي في سوريا، يعارض تدخل ايران، هو ميزة مهمة بالنسبة لإسرائيل. فهذا سيضمن توقف نقل السلاح الى حزب الله، ويطرد المليشيات الإيرانية التي استقرت في سوريا، وسيجتث منها خطة ايران للعمل المندمج ومتعدد الساحات لتدمير إسرائيل. وهو أيضا سيفتح الباب امام السلام في المستقبل.
الازمة السورية تفتح الباب: الاستقرار في سوريا هو اهتمام مشترك لإسرائيل وتركيا، الامر الذي يمكنها من العودة والتحاور فيما بينها. أيضا توجد فيها مصالح مهمة لروسيا والولايات المتحدة، التي تضع إسرائيل في موقف تأثير امام الدول العظمى. إضافة الى ذلك بعد الضربة التي تعرضت لها ايران وانهيار وكلائها فانه توجد في ايران جهات قوية جدا، معنية بفحص السياسة العسكرية. صحيح أن الزعيم علي خامنئي يستمر في هذه العملية، لكن صوت المعتدلين يرتفع. مقابل كل ذلك، إسرائيل تتصرف بوحشية وقصر نظر. فهي تقوم باحتلال الأراضي وتضع نفسها من البداية في موقف المعادي لسوريا. على الفور بعد اسقاط النظام كان يجب على قادة الدولة تهنئة الشعب السوري على استبدال نظام الشر لبشار الأسد، والاعلان عن سرورهم لإقامة علاقة سلام واخوة بينهم.
التفكير الاستراتيجي السليم سيحتضن سوريا الجديدة ويطلب منها الانضمام الى الكتلة المعتدلة. هذه المقاربة يمكن أن تساعد على إعادة بلورة “تحالف إبراهيم”، والتقارب والتطبيع مع السعودية، وربما حتى تخفيف الحماسة في العالم ضد إسرائيل. مع مستوى سياسي قصير النظر فان من سيوجه السياسة هو جهاز الامن، الذي يجب على قادته الانحراف عن عادتهم في رؤية كل تطور عبر فوهة البندقية، وبدلا من ذلك التفكير بشكل استراتيجي.
———————————————
هآرتس 13/12/2024
ليس للزعيم الأكثر طلبا لوده في الشرق الأوسط، دولة
بقلم: تسفي برئيل
أبو محمد الجولاني، الإرهابي المسلم الذي كان رئيس فرع القاعدة في سوريا، لم يكن يمكنه تخيل سيناريو يصبح فيه الشخص الأكثر طلبا لوده في الشرق الأوسط. الجولاني، الذي هو ومنظمة ما زالوا في قائمة الإرهاب العالمية، الذي رصد لرأسه جائزة بمبلغ 10 ملايين دولار، اصبح الآن سياسي يبعث على الأمل. بعد أن استولى على السلطة سارع الى التخلي عن الاسم السري له، وعاد الى اسمه الأصلي (احمد الشرع)، وقام بطرد نظام الرعب لبشار الأسد، وبدأ في انبات البراعم الأولى لسوريا الجديدة، التي ما زال يصعب تخمين جودة ثمارها. المنافسة على مصافحته في ذروتها الآن.
أول امس أعلنت قطر بأنها ستعيد فتح سفارتها في دمشق، بعد رفضها لذلك حتى بعد أن حصل بشار الأسد على إعادة تأهيل في العالم العربي وعاد الى حضن الجامعة العربية الدافيء، وحتى السعودية استأنفت علاقاتها الدبلوماسية معه. قطر هي صديقة قديمة للشرع – يجب التعود على هذا الاسم. فخلال سنوات وجود منظمته دعمت قطر المليشيات التي شكلت “هيئة تحرير الشام” التي أقامها الشرع على انقاض “جبهة النصرة”، ويتوقع أن تساعده على ترميم دولته.
قطر ليست وحدها. ففي السباق نحو قصر الرئاسة في دمشق فاز أمس وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، وهو كان الأول الذي وصل الى هناك، مع رئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين، لمصافحة الشرع. وزراء خارجية دول عربية أخرى، منها مصر والسعودية ودولة الامارات، تخطط للهبوط في الأيام القريبة القادمة في دمشق من اجل تهنئة الزعيم الجديد للدولة الشقيقة بشكل شخصي. في غضون ذلك إدارة بايدن تفحص إمكانية رفع الشرع ومنظمته من قائمة الإرهاب، وزعماء في أوروبا، على رأسهم رئيسة الحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، الذين قبل أسبوعين تحدثوا عن احتمالية تطبيع علاقاتهم مع نظام الأسد، يحاولون الآن تنسيق اللقاءات مع قيادة النظام الجديدة.
المفارقة لا تتوقف هنا. مكان ايران وروسيا، التي سيطرت بالفعل على أجزاء كبيرة في سوريا، يحل مكانها الآن دول محتلة جديدة – قديمة، إسرائيل وتركيا. الأولى سيطرت على “الجزء السوري من جبل الشيخ” وابعد منه قليلا، الثانية تقوم باستكمال احتلال المحافظات الكردية في شمال سوريا. لا يوجد حب كبير بينهما، لكن يبدو أن الحظ يصمم على التقائهما في ساحات القتال، مرة كشركاء (عندما ساعدتا أذربيجان في حربها ضد أرمينيا)، ومرة كعدوتين (سواء في ساحة غزة، والآن على الأراضي السورية). ربما الشرع سيحظى بأن يكون العراب الذي سينجح في المصالحة بينهما، حدوث معجزة، حتى لو كانت تحت نظر المخابرات الأفضل في العالم، التي لم تتوقع الانهيار الكامل لنظام الأسد.
الغطاء العربي والدولي الدافيء يلتف اكثر نحو دمشق، ومستعد لاعطاء الشرع الاعتماد. رغم أنه حتى الآن وجهته غير معروفة، وعلى فرض أن كل زعيم سيكون افضل من بشار الأسد (بالمناسبة، السوريون يعتقدون أن الأسد الأب كان سيتصرف هكذا عندما اسقط حكم الجنرال صلاح شديد – فقط من اجل الحصول على قاتل جديد للجمهور).
التصريحات والمقابلات الأولى التي صدرت عن الشرع، وكبار قادة نظامه، تبدو جيدة وحتى أنها مشجعة. رئيس الحكومة المؤقتة، محمد البشير، قال في هذا الأسبوع للصحيفة الإيطالية “كورييرا ديلاسيرا” إنه في هذه المرحلة النظام الجديد يضع ثلاثة اهداف في سلم أولوياته: ضمان أمن المواطنين، إعادة اللاجئين وإعادة ترميم البنى التحتية ومنظومة الخدمات المدنية. كيف يمكن تحقيق هذه الأهداف؟ “نحن بحاجة الى وقت، لكننا سنحققها”، رد الشخص الذي كان رئيس حكومة الإنقاذ في محافظة ادلب بقيادة الشرع، والذي تعرض الى انتقاد شديد من الجمهور على الطابع الوحشي الذي ادار فيه الإقليم المتمرد.
البشير اعلن بأن الحكومة المؤقتة ستستمر حتى بداية شهر آذار، لكنه لم يوضح ما الذي سيحدث بعد ذلك. هل في ثلاثة اشهر سينجح في صياغة دستور جديد وقانون انتخابات؟ هل يوجد للنظام الجديد نية لاجراء الانتخابات؟ هل في هذه الفترة يأمل في تشكيل حكومة تكون مسؤولة عن كل الطوائف والأحزاب والمليشيات والقوات الأجنبية التي بدأت تمسك بالخيوط. على سؤال هل الدستور الجديد سيكون “إسلامي”، أجاب: “إن شاء الله”. واضح أن كل هذه التفاصيل ستتم مناقشتها في العملية الدستورية”.
المراسل اندريه نيكسترو مد حدود المقابلة وسأل: هل افهم بشكل صحيح عندما أقول بأنك مستعد لعقد سلام مع إسرائيل، وأنك معادي لإيران وحزب الله وروسيا؟. هنا شكر البشير المراسل وأنهى المقابلة بدون أن يجيب.
لا يجب الاحتجاج على رئيس وزراء أو رئيس تنظيم (الذي كان يستعد قبل أسبوعين لتوسيع حدود منطقة سيطرته ووجد نفسه فجأة على شارع سريع فارغ نحو دمشق) بسبب عدم وجود نظرية سياسية واستراتيجية واقتصادية كاملة في هذه المرحلة. ويجب عليه أيضا الالتفاف على القضايا الأيديولوجية والدينية. احمد الشرع لديه أمور ملحة اكثر، مثلا، خزينة الدولة الفارغة. يجب على الذين يريدون ضمان الامن المدني والخدمات العامة دفع رواتب رجال الشرطة والمعلمين والقضاة وعمال النظافة وإعادة تأهيل شبكة الكهرباء المدمرة وإصلاح الشوارع والاشارات الضوئية. حيث لا يوجد في الخزينة، حسب شهادة البشير، حتى ولا دولار واحد.
رئيس مكتب التجارة في سوريا قال في هذا الأسبوع بأن الاقتصاد سينتقل الى اقتصاد السوق الحرة، وسيحل مكان الاقتصاد الموجود الآن الذي يوجد تحت السيطرة الكاملة للدولة. هذا توجه هام ومشجع، لكن تطبيقه سيحتاج الى تجنيد المستثمرين وضمان الاستثمارات. وزراء الحكومة، معظمهم اذا لم يكونوا جميعهم، هم وزراء شغلوا مناصب في حكومة الإنقاذ في ادلب، يقدرون أنه سيمكنهم تجنيد الأموال من الدول العربية، لا سيما دول الخليج وتركيا، وأنه سيمكنهم اقناع رجال الاعمال السوريين في الشتات بالاستثمار في وطنهم، وأنه سيمكنهم إعادة الى سوريا الأموال التي هربها نظام الأسد الى الخارج. ولكن مساعدة عربية ودولية تأتي بشكل عام مقرونة بقائمة شروط قاسية، منها طلب اجراء إصلاحات اقتصادية عميقة والحفاظ على حقوق الانسان وحقوق الأقليات والأمن المدني، ولا يقل عن ذلك اجندة سياسية تتلاءم مع طموحات الدول المانحة.
سوريا أيضا ليست الوحيدة. ففي القريب يجب على الدول المانحة المساعدة في إعادة اعمار لبنان، وبعد ذلك ربما غزة. يوجد تقدير محافظ يقدر دين سوريا بمبلغ 31 مليار دولار، من بينها 5 مليارات لصندوق النقد الدولي، و26 مليار لروسيا وايران. تقديرات اكثر واقعية تتحدث عن دين يبلغ اكثر من 30 مليار دولار لإيران وحدها (التي استثمرت في سوريا 50 مليار دولار في الـ 14 سنة الأخيرة).
آبار النفط التي بقيت تحت سيطرة نظام الأسد انتجت حوالي 9 آلاف برميل فقط في اليوم. الآن النظام الجديد يمكنه انتاج النفط من آبار النفط التي توجد تحت سيطرة الاكراد في شمال شرق سوريا، بعد انسحابهم من دير الزور التي تم إعادة احتلالها من قبل المليشيات المؤيدة لتركيا. ولكن هذا لن يكفي لترميم دمار الزراعة وصناعة انتاج المواد الغذائية، أو انتاج ملايين أماكن العمل بدلا من الأماكن التي تم فقدانها في سنوات الحرب.
الشرع يطرح نفسه كزعيم “الجميع”. ورئيس حكومته يطمح الى تشكيل حكومة تمثل جميع الطوائف والأقليات. ولكن هل سيحصل على التعاون من الأقلية العلوية، التي تشكل 10 في المئة من اجمالي السكان؟ هل الاكراد في الشمال سيتنازلون عن طموحهم الى الحكم الذاتي؟ تجمع كبير من السكان العلويين يوجد في محافظة اللاذقية على شاطيء البحر المتوسط. الرجال هناك مسلحون بشكل جيد، وهم يخشون من أن مليشيات مسلحة (أو النظام نفسه) سترغب في الانتقام منهم. هل سيوافقون على نزع سلاحهم؟. الاكراد تم دفعهم الى خارج عدد من المحافظات، وفقط أول أمس انسحبوا من مدينة منبج، في غرب نهر الفرات، بعد أن احتل “الجيش الوطني السوري”، المليشيا الكبيرة المؤيدة لتركيا، هذه المدينة.
هذا الانسحاب هو نتيجة وساطة أمريكية، التي تستند الى تعهد تركيا بعدم المس بالاكراد الذين سيخرجون من المدينة. ولكن الاكراد ما زالوا يسيطرون على المحافظات التي توجد شرق الفرات، ايضا تركيا تتطلع الى ابعادهم من هناك. في نفس الوقت أوضحت قيادتهم بأنها مستعدة للتعاون مع نظام الشرع وأن تكون جزء لا يتجزأ من سوريا. ولكن حتى الآن غير معروف بأي شروط سيكون ذلك. هل يطمحون الى الحفاظ على طابع الحكم الذاتي في محافظاتهم، وهل النظام السوري سيوافق على ذلك عندما يقف امامه تركيا وتستخدم كل أدوات الضغط العسكري والاقتصادي التي لديها؟ هل سيبقى للاكراد ورقة مساومة عندما سيدخل الرئيس ترامب الى البيت الأبيض؟ (الذي في 2019 حاول سحب القوات الامريكية من سوريا وتم وقفه بضغط دولي وداخلي. الآن ربما هو سيطبق طموحه هذا مع حليفه رجب طيب اردوغان).
محللون سوريون بدأوا يرسمون خارطة بحسبها سوريا يمكن أن تكون دولة فيدرالية، وستقسم الى كانتونات مستقلة، كردي في الشمال، سني عربي في وسط الدولة، علوي في الغرب، وربما أيضا درزي في الجنوب. نوع من توسيع نموذج العراق، الذي توجد فيه منطقة كردية مع حكم ذاتي، والشيعة في الجنوب يطالبون بإقامة إقليم خاص بهم. مشكوك فيه أنه يوجد لهذا النموذج فرصة للتشكل في سوريا. ولكن طرحه كاحتمالية هو دليل على الألغام التي تكمن للنظام الجديد في سوريا. هذه قائمة جزئية فقط، لأنه إضافة الى قضية الطوائف والأقليات العرقية، سيتعين على الشرع، حامل راية الشريعة، مواجهة سكان هم في الحقيقة من السنة في معظمهم، ولكنهم علمانيون. هل هذه المجموعة السكانية ستبقى مع اجندة دينية راديكالية من النوع التي تربى عليها الشرع ودعا اليها. بسهولة تم ضم سوريا حتى الآن الى “المحور الشيعي” وكأنها كانت عضوة طبيعية في الثورة الإسلامية الإيرانية.
لكن التيار العلوي لا يعتبر بالنسبة لإيران تيار شيعي اصيل. حافظ الأسد نفسه اضطر الى الطلب من صديقه، رجل الشريعة صاحب التأثير الكبير موسى الصدر، اصدار فتوى تفيد بأن المذهب العلوي هو جزء من المذهب الشيعي “الرسمي” – بناء على ذلك هو جزء من الدين الإسلامي. هذا بعد مواجهة عنيفة وطويلة قام بها ضد الفقهاء من السنة والشيعة، الذين قالوا بأن التيار العلوي غير مسلم على الاطلاق. لذلك فان الأسد (الأب) لا يمكن أن يكون رئيس، لأنه حسب الدستور رئيس الدولة يجب أن يكون مسلم. احمد الشرع لن تكون له معضلة كهذه. ولكن بصفته انسان لم يخف تطلعه لاقامة دولة شريعة فانه سيتعين عليه تقرير كيف يجب التوفيق بين الحلم الديني وبين طابع السكان وطابع الدولة التي لم تتشكل بعد.
———————————————
معاريف 13/12/2024
فشل إيران في مساعدة حزب الله وحماية النظام السوري يدوي في الشرق الأوسط
بقلم: يعقوب عميدور
تغيير النظام في سوريا بنظام علوي ذي علائم علمانية الى حكم منظمات جهاد سنية هو ذا إمكانية كامنة لان يكون تغييرا يكون له تأثير كبير في مستقبل الشرق الأوسط. بالنسبة للاغلبية السنية في سوريا هذه بالتأكيد لحظة احساس بالنصر إذ ان قلة من السُنة احبوا حكم الأقلية العلوية. لكن ينبغي أن نرى هنا تغييرا أوسع.
نبدأ بالخاسرين الكبار. يبدو أن على رأسهم ثلاثة: ايران، حزب الله وروسيا.
بنت ايران محورا أخذ في التعزز. رأسه في طهران ونهايته في البحر المتوسط، بينما في الوسط العراق الخاضع لنفوذها، سوريا، المتعلقة بها لغرض وجود الحكم، ولبنان، الذي سيطر عليه حزب الله – الذي بنته، مولته وسلحته ايران. هذا المحور صفي وعليه سيصعب على ايران تسليح الحزب الذي ضعف في لبنان.
عمليا، فقدت ايران قدرتها على ضرب إسرائيل عبر حدودها الشمالية، بشكل يتركها مكشوفة للتصدي المباشر مع إسرائيل دون أي وسيط من الوكلاء القريبين من إسرائيل (القسم الاخر من القدرة على ضرب إسرائيل دمر في غزة). الحلم الإيراني بمحور شيعي يؤدي بها الى البحر المتوسط ويشكل جزءاً هاما للغاية في “طوق النار” حول إسرائيل – اندثر. فضلا عن ذلك حزب الله ضعيف في لبنان من شأنه ان يكون هدفا آخر للمنظمات السنية التي تسيطر في سوريا، لما لها من حساب دموي مع الحزب الشيعي الذي قاتلها بوحشية في سوريا.
لكن يوجد هنا شيء اكثر عمقا. في لحظة الاختبار ايران فشلت. فشلت في مساعدة حزب الله الذي تلقى ضربة قاضية للغاية في الحرب ضد إسرائيل وفشلت في حماية النظام السوري العاطف والمتعلق بها. فشل ايران يدوي في ارجاء الشرق الأوسط، واساسا في العالم العربي الذي تاريخيا خاف منها. ايران هي دولة جدية. فهم سيتعلمون الوضع، سيستخلصون الدروس، سيحاولون العثور على نقاط ضعف جديدة في المنطقة (ربما الأردن) وسيحاولون العمل من هناك. ليس بسهولة سيتنازلون عن حلمهم بسبب الوضع الصعب.
هل الفشل الإيراني المدوي في شوارع طهران أيضا سيكون له تأثير على مواطني ايران وهؤلاء سيعملون لغرض تغيير النظام الفاشل؟ من الصعب أن نعرف، لكن واضح انه طار حجر من سور الحكم الإيراني الذي اصبح اكثر هشاشة. المعرفة بان استثمار الكثير من المال والدم على مدى أربعين سنة، على حساب احتياجات الشعب الإيراني أيضا ضاع هباء بشكل مهين بهذا القدر هو امر ذو قدرة على تغيير الفكر في أوساط الإيرانيين أيضا.
بوتين سيفقد المرونة
خاسرة واضحة أخرى هي روسيا. لقد خسر فلاديمير بوتين بشكل مهين قبضته الوحيدة في الشرق الأوسط وذلك بعد وقت قصير من اثبات العملية الإسرائيلية في ايران عجز منظومات الدفاع الروسية ضد الطائرات. روسيا هي الأخرى استثمرت في سوريا غير قليل من المال، وبالنسبة لها أيضا كله ضاع هباء منثورة. يحتمل ان النتيجة السيئة ستؤدي الى تصليب مواقف بوتين في كل محاولة للمفاوضات في سياق أوكرانيا. الفشل ليس أساسا جيدا للبادرات الطيبة وللمرونة في دول دكتاتورية عزيزة.
اذا حاول حكم الجهاديين في دمشق “تصدير” فكرة فسيقف الأردن اما مشكلة صعبة. في الانتخابات الأخيرة تبين مرة أخرى ان في أوساط الأردنيين، بما في ذلك العشائر البدوية توجد نواة عاطفة للفكر الإسلامي. تعزز ميل كهذا بتشجيع سوري خلف الحدود من شأنه أن يضعضع الأردن، الذي يعاني من ضغط داخلي غير سهل على أي حال، بسبب ازمة اقتصادية صعبة ومشاكل عمالة غير قابلة للحل. تصدير أفكار إسلامية من الحكم السُني نحو العراق، جار سوريا من الشرق من شأنه ان يشكل مشكلة حقيقية للحكم العراقي أيضا الذي يعتمد على الشيعة.
من ربح من الحدث بشكل مباشر هي تركيا التي نظمت، سلحت ودفعت الثوار للقتال ضد نظام الأسد. هذا النجاح يعود الى فكر عثماني واسلامي للحكم التركي الحالي الذي سعى لتوسيع دائرة النفوذ التركي في العالم العربي. وصول منظمات مدعومة من تركيا الى هضبة الجولان من شأنه أن يزيد الاحتكاك والتوتر بين إسرائيل وتركيا اللتين لم تحتكا حتى الان بشكل غير مباشر.
ان تعزيز قوة تركيا في المنطقة سيسمح لها بضرب الاكراد، ولا سيما في سوريا، غير انهم اليوم حلفاء الولايات المتحدة في الصراع ضد داعش في شرقي سوريا. نهج تركي عدواني سيتحدى هذه العلاقة وسيضع الإدارة الامريكية الجديدة امام قرار صعب. فهجر الولايات المتحدة للاكراد سيسمح لتركيا لضربهم ضربة قاضية، وفي نفس الوقت سيضعف مكانة الولايات المتحدة في المنطقة كمن لا تقف الى جانب حلفائها الذين ضحوا بدمائهم في التعاون الطويل مع الجيش الأمريكي.
تسهيلات مقابل تشديدات
من ناحية إسرائيل يوجد في الوضع الجديد تسهيل كبير، مع مخاطر غير واضحة في المستقبل. تغيير حكم العلويين بحكم معاد لإيران وحزب الله سيصعب إعادة تسليح الحزب الذي سيضطر لان يستثمر المقدرات للدفاع عن مصالحه ضد سوريا السُنية التي لحكامها حساب دموي مع ايران وحزب الله. يبدو أن في الوضع الجديد تهديد حزب الله على إسرائيل سيقل جدا وضعفه سيزداد وقد تكون هذه فرصة لإسرائيل لايقاع مزيد من الأذى بقوته. ومع ذلك، فان حكم منظمات أصل قسم هام مها هو القاعدة وداعش ليس مشهدا يبعث على الامل في كل ما يتعلق باستمرار المواجهة مع سوريا الجديدة وبخاصة في هضبة الجولان.
وعليه فيجب الاستعداد للدفاع عن هضبة الجولان واستخلاص الدروس من هجوم الثوار على سوريا الأسد.
يحتمل أن يكون تسهيل ما نجده حيال حزب الله على حساب تشديد ما في مكان آخر حيال هضبة الجولان. ولهذا فيجب متابعة التطورات في سوريا باهتمام شديد ومواجهة التحديات في بداية طريقها. لإسرائيل مصالح أساسية تتمثل بحفظ استقرار الأردن وعليه فيجب على إسرائيل ان تفكر كيف تساعد الأردن في منع انزلاق الضغط السني المتطرف من سوريا اليه.
يحتمل ان ترتبط هذه المصلحة برغبة إسرائيل في ضمان سلامة الدروز في سوريا. كما أن الأقلية الكردية في الشرق على إسرائيل أن تأخذها بحسبانها في أهميتها على مستقبل سوريا. فكيف ننتج امنا افضل للدروز، نحافظ على مصلحة الاكراد ونكمل هذا بالمساعدة للاردن. هذه تحديات على إسرائيل أن تواجهها بالتوازي مع جهودها لضمان الهدوء في هضبة الجولان.
الوضع في سوريا سائل، لكن واضح ان المحور الشيعي الذي بنته ايران منذ اكثر من سنوات جيل تحطم الان، ومحظور السماح بنشوء محور سُني سوريا في مركزه، محور مع إمكانية ضرر غير صغير من زاوية النظر الإسرائيلية.
———————————————
هآرتس 13/12/2024
في الولايات المتحدة يشخصون تغييرا استراتيجيا في المنطقة: ايران في هبوط، إسرائيل في صعود
بقلم: عاموس هرئيلِ
من صادف وجوده في واشنطن في هذا الأسبوع تفاجأ قليلا من اكتشاف حماسة تكاد تكون تمجيدا في ضوء التغييرات الدراماتيكية الأخيرة في الشرق الأوسط. يبدو أن هذه أيضا مسألة جغرافية. بنظرة من إسرائيل نفسها فانه لا يمكن تجاهل الغيمة الثابتة نتيجة الثمن الباهظ للحرب: تقريبا 1800 قتيل في جانبنا، و100 مخطوف ما زالوا محتجزين في غزة، واخفاق الحكومة في علاج إعادة اعمار المستوطنات في الشمال وفي الجنوب. ناهيك عن السلوك غير المحتمل للنجم الرئيسي في العرض، الذي استغل في هذا الأسبوع المنصة في محاكمته لاستعراض طويل للغطرسة ولعب دور الضحية وجنون العظمة.
لكن من العاصمة الامريكية، عشية تبادل السلطة، يمكن رؤية صورة أوسع، التي توجد فيها أيضا ضوء الى جانب الظل. فهي تظهر لدى رجال الإدارة التاركة وفي أوساط الخبراء في معاهد الأبحاث الذين في معظمهم، على اقل تقدير، ليسوا بالضبط من مؤدي الرئيس المنتخب دونالد ترامب. في الهزة الإقليمية الأخيرة في الشرق الأوسط، سلسلة التطورات التي تحبس الانفاس وتحدث بوتيرة مفاجئة وفي تناقض مع كل المسلمات والتوقعات، يشخصون هنا أيضا فرصة.
في سيناريو متفائل بشكل خاص، سلوك إسرائيل الجديد، باندماج مع رئيس امريكي الذي في عودته الى هذا المنصب ينوي تفجير كل الفرضيات الأساسية التي تصرف بحسبها اسلافه، يمكن أن يثمر تغييرات أخرى في التوازن الاستراتيجي.
هذا لا يمحو بأي شكل من الاشكال الفشل الذريع لإسرائيل في 7 أكتوبر السنة الماضية. وحتى الآن لا يمكن تجاهل ما تم إنجازه في الأشهر الأخيرة. الميزان تغير في هذه الاثناء لصالح إسرائيل. الهجوم الإرهابي الذي بادر اليه زعيم حماس في القطاع، يحيى السنوار، أحدث في الواقع كارثة غير مسبوقة في إسرائيل، لكنه لم يحقق هدفه النهائي. السنوار أراد تسريع تطبيق “خطة التدمير” لإسرائيل، التي نوقشت في المحور الإيراني، بدون أن يشرك الإيرانيين انفسهم أو حزب الله في موعد الهجوم. بعد سنة وشهرين من ذلك تم تفكيك الذراع العسكري لحماس مع معظم قدراته، معظم القدرات العسكرية لحزب الله دمرت، ونظام الأسد في سوريا انهار، والذراع الطويل لجيشه تم تدميره.
المكانة الإقليمية لإيران هي الآن الأضعف في الثلاثين سنة الأخيرة. مصدر رفيع في إدارة بايدن، سئل ما هي العبرة التي كان يريد استخلاصها من هذه الاحداث أجاب: القوات التي تعمل في الشرق الأوسط يجب أن تفهم بأن هذا هو الثمن الذي سيدفعه من يشن حرب ضد إسرائيل.
لكن النتيجة الاستراتيجية بعيدة المدى لن تكون بالضرورة ما يتخيلونه في اليمين في إسرائيل. ولاية ترامب الثانية التي لم تبدأ بعد، هي مثل نظرة الموناليزا. كل واحد يجد فيها ما يريده. صحيح أن عدد من الذين قام بتعيينهم أو أنه ينوي تعيينهم الرئيس المنتخب في مناصب رفيعة، يمكنهم الاندماج بدون صعوبة في قائمة الليكود أو في قوة يهودية؛ لكن عندما نفحص ولايته الأولى بنظرة الى الوراء، نكتشف أنها كانت مليئة بالتناقضات، أيضا بقضايا هي استراتيجية أو أيديولوجية واضحة.
المثال الأكثر بروزا في السياق الإسرائيلي يتعلق بمسرحية “صفقة القرن” من العام 2020. في محيط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وعدوا في السابق بـ “سيادة في اليوم الأول”، بعد محادثات سابقة مع الإدارة التي فيها نوقش اعتراف امريكي بضم المستوطنات في الضفة الغربية. خلف الكواليس حدث صراع كبير بين المقربين والصهر جارد كوشنر والسفير في إسرائيل ديفيد فريدمان، الذي انتهى بانتصار صارخ لكوشنر، بسرعة البرق نزل الضم عن جدول الاعمال.
أيضا في سلوك ترامب امام ايران والسعودية كانت هناك تناقضات داخلية. ففي إسرائيل يحبون الارتكاز على الاغتيال المثير للجنرال الإيراني الأعلى قاسم سليماني. ولكن ترامب أيضا تجاهل مخاوف السعودية بعد الهجوم الإيراني لمنشآت النفط قبل بضعة اشهر وشعر بالشماتة بسبب اسقاط الإيرانيين لطائرة أمريكية ضخمة بدون طيار.
في سلم أولويات الإدارة الجديدة فان التوجه الاستراتيجي للانشغال بشرق آسيا والمنافسة مع الصين ستحل في مرتبة اعلى بكثير من شؤون الشرق الأوسط. إن اشمئزاز ترامب من الحروب ومن تبذير الموارد على مساعدة الدول الديمقراطية في ارجاء العالم، وموت الشباب الأمريكيين في حروب ليست لهم – معروف. ولكن كيف سيتصرف فيما يتعلق باتفاق المساعدات الأمنية لإسرائيل في العقد القادم، الذي يمكن التوقيع عليه من جديد في 2026 والذي سيدخل الى حيز التنفيذ بعد سنتين تقريبا؟. المساعدات السنوية بمبلغ 3.8 مليار دولار لم تعد أمر مفهوم بحد ذاته، بالأساس بعد أن قام بتعيين الملياردير ايلون ماسك من اجل الانقضاض بفأسه على البيروقراطية الحكومية. ما اثبت في الولاية الأولى هو أن ترامب يتميز بتقديم الهدايا التي لا تكلفه سنت واحد، مثلا نقل السفارة الامريكية الى القدس أو الاعتراف بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان.
في اللعبة الامريكية الداخلية يتم الآن استثمار جهود كبيرة لتحليل كل تعيين يعلن عنه ترامب. من ينشغلون بذلك يتجاهلون التقدير المعقول بأن معظم من تم تعيينهم لن يبقوا في مناصبهم اكثر من سنة، كما حدث في الولاية السابقة. الامر الوحيد الواضح هو أن ترامب سيستمر في أن يكون شخص غير متوقع. ليس مجرد شخص متقلب – الصدمة والرعب الناتجة عن قراراته تشكل جانب متعمد في سياسته.
الامر السيء للاعمال التجارية
في واشنطن وفي القدس يتشاركون التقدير بأن الاحداث الأخيرة انزلت ضربة استراتيجية على النظام في طهران واضعفت مكانته بشكل كبير. يوجد لسقوط نظام الأسد نتائج عملية. نصف الهلال الشيعي ليس فقط مفهوم، بل هو أيضا تواصل جغرافي – مسار بري مفتوح في معظمه بين اربع عواصم امتد بينها قوس التاثير الإيراني، من طهران الى بغداد ودمشق، ومن هناك الى بيروت. بعد وقف اطلاق النار الذي فرض على حزب الله في لبنان، فانهم في حرس الثورة خططوا لاستئناف مشروع تهريب السلاح الى حزب الله. هذا المسار تم اغلاقه في هذا الأسبوع.
اضرار ايران لا تقتصر على ضعف وكلائها. فقد تبين أن هجوم الرد الإسرائيلي في ايران في 26 تشرين الأول، بعد الهجوم الصاروخي الثاني من ايران الى إسرائيل في 1 من نفس الشهر، كان حدث استراتيجي. إسرائيل انزلت ضربة حاسمة لمنظومة الدفاع الجوية الإيرانية واضرت بشكل شديد بقدرات انتاج الصواريخ البالستية. المعنى هو أن طهران ومنشآتها النووية مكشوفة لضربات أخرى. وأمل النظام في سبق إسرائيل في سباق التسلح الذي فيه وتيرة انتاج الصواريخ البالستية سترتفع بدرجة لا يمكن تقديرها على وتيرة انتاج الصواريخ الاعتراضية، يبدو أنه تبدد، على الأقل في المدى القريب. هذه هي التطورات التي حطمت التوازن معا.
مع ذلك، هذه العمليات ما زال يمكنها دفع المرشد الأعلى علي خامنئي الى اتخاذ القرار الذي خشي من اتخاذه خلال ثلاثة عقود – أمر العلماء والجنرالات باستكمال عملية تطوير السلاح النووي. في الحرب بين روسيا وأوكرانيا ايران وقفت الى جانب روسيا، التي كانت هي المعتدية. ولكن لم يغب عن عيون القادة في ايران الاستنتاج بأنه لولا أن كييف تنازلت عن ترسانة سلاحها النووي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في التسعينيات لكان يمكن أن يكون الوضع الآن مختلفا.
الاجماع النادر في الحزبين في واشنطن يقول بأن أي رئيس امريكي لن يسمح لإيران بإنتاج السلاح النووي. نجاح الهجمات الإسرائيلية في ايران وتدمير معظم قدرات حزب الله والجيش السوري – كل ذلك يزيد الشعور بالثقة لدى إسرائيل في قدرتها على تنفيذ خطوات اكبر. النقاش حول مهاجمة المنشآت النووية لم يعد يعتبر موضوع نظري فقط، وهو لا يقتصر على نتنياهو والمخلصين له. حتى الآن هناك اشخاص تولوا مناصب رفيعة في الادارتين، الجمهورية والديمقراطية، بما في ذلك من خدموا في إدارة ترامب، يقدرون أن ميل الرئيس المنتخب هو التوصل الى اتفاق نووي جديد وليس هجمات عسكرية في ايران.
حسب رأي هؤلاء الأشخاص فان ترامب معد للصفقات، مثلما في حياته كرجل عقارات، رأسه ينشغل بالاعمال التجارية والارباح الكبيرة المتوقعة للولايات المتحدة من التقارب مع السعودية والاتفاق معها، وضمن ذلك إمكانية التطبيع بينها وبين إسرائيل. الحرب سيئة للاعمال التجارية. أيضا يوجد لترامب استحواذ مرضي للحصول على جائزة نوبل للسلام، مثل التي حصل عليها الرئيس السابق، الذي يكرهه، براك أوباما.
دول الخليج بالتأكيد تخشى الانتقام منها اذا تمت مهاجمة ايران. فالسعودية تعرضت في السابق لضربة من ايران عندما تمت مهاجمة منشآت النفط. في دولة الامارات يتساءلون ما الذي سيبقى من دبي، مدينة الأبراج الزجاجية، بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية. خلافا لنتنياهو الذي توجهه هو الهجوم، فان كثيرين في إسرائيل كانوا سيفضلون اتفاق بعيد المدى بعد أن تهدد الولايات المتحدة ايران بالهجوم. ولكن الخوف هو أن ترامب لا يريد البتة استخدام القوة العسكرية، وأن ايران تدرك ذلك.
عشرة أيام فقط فصلت بين بداية عملية “هيئة تحرير الشام” (جبهة المتمردين السنة في سوريا) واحتلال حلب وبين الانهيار النهائي للنظام وهرب الديكتاتور بشار الأسد من دمشق. التقارير الأولية عن تقدم المتمردين من مداخل حلب تم تلقيها في يوم الخميس 28 تشرين الثاني. جهاز الاستخبارات في إسرائيل تفاجأ من التطورات وسرعتها، مثلما تفاجأت كل أجهزة المخابرات في المنطقة وفي الغرب. في اليوم التالي، 29 تشرين الثاني ظهرا، القيادة السياسية والأمنية بصعوبة خصصت نقاشات للاحداث في سوريا. كان هذا نتنياهو الذي صمم على اجراء مشاورات هاتفية.
المخابرات الوحيدة التي عرفت مسبقا عن خطة المتمردين هو المخابرات التركية، هذا بالطبع لأنها كانت شريكة فيها. بأثر رجعي قالت جهات تركية لنظرائها الأمريكيين بأن وقف اطلاق النار في لبنان، الذي تم التوصل اليه في 27 تشرين الثاني، كان له دور مهم في قرار المتمردين السوريين شن الهجوم في اليوم التالي. حسب قولهم فان المتمردين اعتبروا الاتفاق في لبنان استسلام لحزب الله والدليل على أنه غير قادر على القتال، واستنتجوا أنه في هذه المرة سيجد حزب الله صعوبة في ارسال كتائب لمساعدة الأسد كما فعل في 2012. روسيا وايران ايضا افترضت بأنها ستكون منشغلة جدا بنفسها بحيث لا تستطيع تقديم مساعدة حقيقية للنظام. القرار الأخير تم اتخاذه في اللحظة التي خرج فيها حزب الله من اللعبة. هكذا فان إسرائيل، بشكل غير مباشر، ساعدت على سقوط سلالة الأسد بعد 54 سنة من الحكم القاتل في سوريا (أيضا حماس بغير قصد ساهمت في ذلك).
———————————————
يديعوت احرونوت 13/12/2024
سوريا تواجه تحديات عديدة أساسها الانقسام الطائفي
بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين
بعد أن تنتهي الاحتفالات وتتحطم آخر تماثيل الأسد في الميادين، سيتعين على السوريين ان يجيبوا من يحكمهم، وأساسا هل ستواصل سوريا الوجود أم ستنشأ ثلاث – أربع سوريات. دمشق، وسوريا كلها تشبه اليوم برلين بعد 1945 التي قسمت الى مناطق نفوذ بين القوى المختلفة، والتحدي الكبير هو هل سينجحون في العمل معا والحفاظ على وحدة الدولة”. أقوال الكاتب عبدالرحمن الراشد في “الشرق الأوسط” تبرز المعضلة الثاقبة التي تكمن في داخل ومن الخارج لسوريا في الأسبوع الأخير، مطلوب الكثير من التفاؤل كي يصدق المرء بان سوريا ستصعد من الان فصاعدا الى مسار مستقر. فمن خلف مظاهر الفرح وتوزيع الحلوى ينتظر واقع متكدر: طوائف يوجد بينها عداء تاريخي وحسابات دموية لم تصفى؛ قيادة جديدة هي جملة واسعة من المنظمات (بعضها جهادية) دون قاسم مشترك ومع الكثير من الكراهيات الداخلية: استمرار النبش من اياد خارجية تحمي رعايا وتحاول السيطرة على ممتلكات في الدولة المتفككة؛ انعدام إطار لساحة سياسية حديثة ومجتمع مدني؛ ودولة اقتصادها وبناها التحتية مدمرة بعد 13 سنة من الحرب الاهلية.
في هذا تشبه سوريا العراق بعد اسقاط نظام صدام حسين في 2003. في الدولتين لم يكن معروفا حتى انهيار النظام القديم الصندوق الأسود للقوى الاجتماعية والعلاقات بين الطوائف. عندما سقط نظام البعث في العراق انطلقت من صندوق المفاسد كل شياطين الماضي، بخاصة الصراعات بين الطوائف وصعدت أو نشأت قوى جديدة بما في ذلك داعش. نجح العراق في البقاء، وان كان بشكل متعثر، أساسا بسبب النسغ الأمريكي الذي حافظ عليه. الامر غير موجود في سوريا ويثير التساؤل ما الذي سيربط بين جملة المنظمات والطوائف.
اللبناني نديم قطيش، مدير عام شبكة “سكاي نيوز” بالعربية يوصي بان نكون شكاكين حول طبيعة الجماعات السائدة في النظام الجديد وبخاصة هيئة تحرير الشام برئاسة أبو محمد الجولاني (احمد الشرع). “يجدر بالذكر ان حكم الخميني في بداية عهده ترافق وآمال بنظام جديد وليبرالي، وهكذا أيضا الحكم قصير الأمد للاخوان المسلمين في مصر بعد اسقاط مبارك في 2011، والذي رأى فيه الكثيرون بداية نظام ديمقراطي. نحن نعرف التاريخ المخادع هذا ونعرف ما كانت مزايا تلك الأنظمة الواعدة عمليا”.
كما أن الباحثة السعودية أمل الهزاني تقترح النظر بحذر، وان كان بتفاؤل اكبر قليلا. “بتأخير 14 سنة نضجت ثمار الربيع العربي في سوريا أيضا، لكن الاحتفال سابق لاوانه. علامة الاستفهام المركزية تتعلق بالجولاني. في الأسبوع الأخير حاول تثبيت حكومة انتقالية ومن خطاب النصر الذي القاه في المسجد الاموي ومن المقابلات مع وسائل الاعلام الغربية ينعكس هجر شعارات الماضي المتطرفة في صالح نظام جيد ومستقر”.
“أسوأ من اليهود”
الاكراد في سوريا يشكلون 10 في المئة من السكان، هم الشكاكون المركزيون تجاه الوضع الجديد ولهم أسباب وجيهة لذلك. “زعماء مثل الجولاني لا يمكنهم أن يغيروا طبيعتهم”، يشرح د. اكرم نعسان، نشيط كردي – سوري بارز يسكن في المانيا وعاد في الأيام الأخيرة الى منطقة عفرين حيث ولد. “الاكراد كانوا دوما الطائفة الأكثر ظلما في سوريا. وهم عالقون في بقعة أليمة بين تركيا والمنظمات الإسلامية المتطرفة، جهتين تعاونتا في اسقاط الأسد. من ناحية الإسلاميين، الاكراد أسوأ من اليهود، وفي بعض المناطق في شمال سوريا وقعت منذ الان احتكاكات بين الطرفين، معقول الافتراض انها ستتعاظم”.
شكوك من نوع آخر يتميز بها الدروز، الذين يعدون 3 في المئة من السكان. “جبل الدروز، وبخاصة مدينة السويداء، كانا بؤرة مركزية في الثورة ضد الأسد، والدروز قدموا المساعدة للكثير من اللاجئين المسلمين في جنوب سوريا. لكن كانت أيضا جيوب تأييد لنظام الأسد مثل قرية الحضر، الامر الذي يلزم الدروز بان يثبتوا بانهم جزء من الثورة”، يشرح دولان أبو صالح، رئيس مجلس مجدل شمس حيث رفعت في ميادينها المركزية اعلام سوريا الجديدة. “علامة الاستفهام المركزية تتعلق بالجولاني المعروف مع تيار معاد لكل الطوائف غير السُنية في سوريا بما فيها الدروز”.
قلق طائفي مختلف تماما يبرز بين العلويين، الأقلية التي حكمت سوريا في الـ 54 سنة الأخيرة بقوة الذراع وتخاف الان من تصفية الحسابات، التي بدأت مظاهرها في الأسبوع الأخير في شكل تصفيات واعدامات.
الخاسرة المركزية من سقوط الأسد هي ايران التي قدم مركزية في معسكر المقاومة الذي قادته قطعت وبذلك يضاف الى الضربات القاضية التي تعرض لها حزب الله الذي مع قطع أنبوب التنفس الإيراني يفقد دراماتيكيا من قوته. يدور الحديث عن ضربة تاريخية لطهران، التي شعرت حتى قبل بضعة اشهر بان النجوم في الشرق الأوسط تترتب لصالحها. الوضع الجديد يثير هناك جملة واسعة من ردود الأفعال: بدء من النقد الداخلي اللاذع على المقدرات والدماء التي استثمرت سنوات طويلة وضاعت هباء، عبر الخوف من ان تتجه جهود إسرائيل (والولايات المتحدة) الان ضد النظام الإسلامي، وانتهاء بجهود التليين، مثل الإعلانات بان ايران ستبقبل حسم الشعب السوري والموافقة على رفع العلم السوري الجديد في السفارة السورية في طهران.
“منذ الان ينشأ حساب نفس ثاقب في طهران، يترافق واتهام كبار رجالات النظام والحرس الثوري بما يلوح كفشل ذريع لاستراتيجية طويلة السنين”، يشرح الباحث د. فرزين مديني من معهد واشنطن. “التحولات في سوريا ولبنان ستلزم ايران بالاستثمار في العراق اكثر واساسا لغرض منع تهديدات مستقبلية من سوريا بخاصة إمكانية انبعاث داعش. إضافة الى ذلك ستتأكد أهمية العراق في الصراع ضد إسرائيل، ويحتمل ألا تكتفي الميليشيات الشيعية باطلاق المسيرات الصواريخ الجوالة وستنتقل الى صواريخ باليستية. الضربات الأخيرة ستدفع ايران الى تسريع انتاج الصواريخ وبالطبع التقدم في المشروع النووي انطلاق من التقدير بان إسرائيل والولايات المتحدة تطوران دافعية هجومية ضد النظام الإسلامي، ما يفترض ردعا وضمانة للحصانة مثلما تصرفت كوريا الشمالية”.
حماس منعزلة
في الخلفية ينشأ في العالم العربي بحث حول مسألة هل تبشر الحرب بنهاية معسكر المقاومة الذي تقوده ايران وبالتشكيك بمفهوم المقاومة الذي أساسه حرب عصابات وإرهاب ضد إسرائيل وسعي لاستنزافها حتى لو كان الامر يجبي ثمنا باهظا. في الشرق الأوسط يتساءلون هل الشهية الكبيرة للوكلاء هي التي أدت الى الهزيمة. فقد اقاموا مكانة حكم (حماس)، تمأسسوا عسكريا (حزب الله) وطوروا تطلعات لهزيمة إسرائيل. وقفوا امامها جبهويا، وهكذا اصبحوا قابلين للإصابة وتعرضوا لضربات قاضية حتى لو لم يبادوا.
المنتصر في الدراما الحالية هو بلا شك اردوغان الذي دعم معظم المنظمات التي قادت الهجوم الحالي. “هو الحاكم الحقيقي اليوم في دمشق”، يدعي د. نعسان. ويؤكد ذلك د. حي ايتان كوهن ينروجك من جامعة تل أبيب فيقول: “لقد شخص اردوغان فرصة تاريخية في ضوء غرق روسيا في الحرب في أوكرانيا والاصابات الشديدة التي تعرضت لها ايران وحزب الله وبادر الى خطوة لتعزيز النفوذ الاستراتيجي التركي في المنطقة. في الخلفية توجد رؤيا العثمانية الجديدة التي تتطلع الى استعادة المجد التركي في العودة الى القيادة في العالم السني، وترى في الحرب خطوة لصد القوى الشيعية بقيادة ايران، مثلما كان في القرن السادس عشر.
للولايات المتحدة وزن مركزي في اليوم التالي في سوريا. في هذه المرحلة تركز واشنطن على منع جهد تركي لسحق القوى الكردية التي يساعدها الامريكيون ولا سيما ميليشيا YPG. اما باقي الجماعات فليس للولايات المتحدة صلة حقيقية، يشرح روبرت فورد السفير الأمريكي في سوريا بين 2011 – 2014. “لقد نجح الجولاني حتى الان في المفاجأة بنهجه، والتوقع المركزي منه هو ابداء التسامح تجاه الأقليات، وبخاصة المسيحيين، وهي المسألة القريبة من قلوب الأمريكيين. في نظرة الى الامام سوريا تكون في توتر بين تعب اغلبية سكانها من 13 سنة حرب أهلية وخوف من الغرق في مصير مثل مصير ليبيا بعد اسقاط القذافي وبين خصومات القوى الداخلية وغياب تقاليد اللعبة السياسية، الامر الذي من شأنه بالتأكيد أن يهدد وحدة الدولة”.
دون البحث عن طفيليات
في ضوء الدراما التي لا تزال في ذروتها فان إسرائيل مطالبة بنهج متوازن. ترك النشوة بروح حرب الأيام الستة التي سادت في تغطية السيطرة على جبل الشيخ السوري وتدمير سلاح الجو السوري وتذكر المزايا الأساس للحارة التي تعلمناها بشكل مأساوي في 7 أكتوبر. لقد كان الأسد عدوا مريرا وسقوطه هو ضربة قاضية لمعسكر المقاومة بقيادة ايران. لكن سوريا في اليوم التالي ليست بلاد الفرص بل مصدر للعديد من التحديات.
أولا، يجب الامتناع عن الاخيلة والتذكر كيف نظرنا في البلاد الى سقوط صدام والربيع العربي. فقد تحدثنا عن شرق أوسط جديد، ليبرالي، مزدهر ومستقر، وتجاهلنا التحذيرات من الفوضى والإرهاب المحتملين.
ثانيا، يجب مواصلة تدمير البنى التحتية للجيش السوري والقدرات غير التقليدية والسلاح المتطور خشية وقوعه في ايدي الثوار، الى جانب الاحتفاظ العاقل في المنطقة العازلة في هضبة الجولان مع التأكيد بانه مؤقت ومحدود.
في المدى الابعد من الضروري تبني نهج حذر متواضع وواع أساسا. من الحيوي تطوير علاقات مع جماعات قريبة من الحدود لأغراض امنية مع الحذر من مغامرات عايتها إعادة تصميم سوريا ومن شأنها ان تجتذب إسرائيل عميقا الى الداخل مثلما حصل في لبنان 1982. الحلم الإسرائيلي العتيق “لاكل الحمص في دمشق” يجدر احالته جانبا مع الاعتراف أيضا بانه سيمر وقت وستطل تحديات عديدة في الطريق الى العاصمة السورية.
———————————————
إسرائيل اليوم 13/12/2024
من سيناء حتى دمشق: التحديات الأمنية للعام 2025
بقلم: شيريت افيتان كوهين
مع الوجه نحو صفقة في غزة، بداية إقامة جدار في الحدود مع الأردن ورحلات متواترة الى مصر يقوم بها كبار رجالات المستوى الأمني في وقت اعمال متواترة في عمق سوريا – تكاد لا توجد لحظة في الأسبوع الأخير لم يتخذ فيها قرار ذو مغزى يتعلق بكل واحد من التهديدات التي امامنا.
لم يعد يدور الحديث عن حزب الله او حماس 2023، بل عن داعش في سوريا، الإيرانيين في الأردن، الحوثيين من اليمن والتهديد المركزي – النووي الإيراني. يبدو أن 2025 تستدعي لنا تحديات عديدة.
غزة أولا
في إسرائيل يعترفون في أحاديث مغلقة بان الصفقة التي تعد خلف الكواليس تتضمن أيضا اطارا قائما كفيلا بان يؤدي الى نهاية الحرب مقابل إعادة كل المخطوفين. رحلة رئيس الموساد دادي برنياع الى قطر تلمح هي أيضا الى تقدم ذي مغزى يمكنه أن يؤدي الى المرحلة الأولى من مثل هذه الصفقة في غضون أيام. مصادر في جهاز الامن تقول انه في المرحلة الأولى سيكون ممكنا إعادة عدد من منزلتين من المخطوفين مقابل وقف نار محدود، بينما في المستوى السياسي أعربوا عن استعداد لمرابطة متجددة لجنود الجيش في محور فيلادلفيا وفي مناطق أخرى في الوقت الذي يتوقف فيه القتال.
“أهمية محور فيلادلفيا لم تتغير ومن ناحيتهما ينبغي أن يكون هو قدرتنا على ان نمنع تهريب المال والسلاح. هذا ما انتج في واقع الامر تعاظم قوة حماس على مدى السنين”، قال نتنياهو في بداية الأسبوع ردا على سؤال وجهته “إسرائيل اليوم”. وقد طلب من نتنياهو أن يعطي جوابا لمطلبين مطروحين علينا: من شركائه من يمين الائتلاف الذين يطالبون بصفقة دفعة واحدة دون السماح بإبقاء مخطوفين يصبحون “رون أراد” ومن جهاز الامن والجيش الذين يقولون في المداولات المغلقة انه ينبغي الموافقة على انهاء الحرب، إعادة كل المخطوفين والعمل من جديد في اللحظة التي يخرق فيها الفلسطينيون الاتفاق – وهم سيخرقونه، كما يدعون في القيادة.
في هذه الاثناء يبدو أن نتنياهو ووزير الدفاع كاتس يستهدفان صفقة على مراحل، بالتوازي مع محاولات ترتيب المساعدات وابعادها عن حماس. الأيام التالية قبيل ترسيم ترامب تلعب أساسا في صالح إسرائيل في هذا الموضوع، وتضغط حماس ومؤيديها من بين الوسطاء، كما تدعي محافل سياسية. وهذه المحافل تقصد أساسا حملة الضغوط التي يمارسها رجال ترامب على قطر. كما ان الرئيس هرتسوع شهد هذا الأسبوع بان لهذه الضغوط والتهديدات غير لطيفة من جانب ترامب على حماس يوجد تأثير عظيم القيمة على حياة المخطوفين. وكان مستشار الامن القومي جيك ساليبان قال امس: “يمكننا ان نعقد صفقة هذا الشهر”.
النبش في الجلبة السورية
في إسرائيل راضون جدا من التقلبات التاريخية في سوريا. هذا لا يعني أن نظام الأسد استبدل بالنرويجيين بل أساسا بسبب الفرصة التي وقعت في ايدي الجيش لتدمير كل القدرات الاستراتيجية في الدولة المجاورة. واعترفت محافل سياسية هذا الأسبوع بان حقيقة انه في اطار الثورة في الدولة سقطت حدود التهريب بين سوريا ولبنان في ايدي الاكراد، الذين يرون في إسرائيل شريكا هي تطور غير مخطط له وايجابي في اطار الاعمال لمنع تهريب السلاح الى حزب الله. أقلية أخرى في سوريا تصبح ذات صلة هي الدروز في جنوب غرب سوريا على حدود الأردن. في المستوى السياسي – العسكري يبحثون في إمكانية استئناف ذاك الحلف الاخوي مع الدروز هنا في إسرائيل بحيث يسمح أيضا بحماية الحدود المشتركة انطلاقا من مصالح مشابهة.
لكن ليس كل شيء بشار طيبة. فلا يوجد سبيل جميل لان نقول هذا: في إسرائيل يصفون الجولاني كرجل داعش. فمصدر سياسي يقول: “في الغرف المغلقة يجلس بينما علم المنظمة الإسلامية المتطرفة خلفه”. في إسرائيل لا يمكنهم أن يتعايشوا مع داعش على الحدود – هذه فرضية العمل التي دفعت الجيش الإسرائيلي لان يسيطر بسرعة على المنطقة العازلة التي يعتزم البقاء فيها في الشتاء القريب القادم على الأقل. الدرس الذي يتحدثون عنه في المستوى السياسي والعسكري هو ذاك الذي تعلمناه بعد سقوط صدام حسين في العراق، حين بدل السلاح الايدي لكنه سرعان ما استخدم ضد كل محفل غربي شخص على هذا النحو.
الإيرانيون يتجهون الى الأردن
النشاط الإيراني الذي اصطدم بيد إسرائيلية قوية في لبنان، في سوريا وفي غزة يبحث عن مكان لاقتحامه، وكل العيون تتطلع الى الأردن. محاولات تهريب السلاح الرسمي، الصواريخ، الحوامات والعبوات الناسفة باتت تتم كل يوم من ايران عبر الأردن والهدف هو الضفة الغربية. وبينما يعمل الجيش الإسرائيلي بشكل دائم لاكتشاف ومنع محاولات التهريب عبر الحدود السائبة في المستوى السياسي قرروا إقامة جدار على شكل ذاك في الحدود المصرية. سيكون هذا مشروع العلم لوزير الدفاع إسرائيل كاتس الذي يقول لرجاله انه ينوي انهاء البناء في الولاية الحالية.
الى جانب الاعمال على الجدار يخططون في المستوى السياسي والعسكري لانهاء إقامة “مدارس الحدود الدينية”، التي تستهدف توفير جواب مزدوج: سواء لتجنيد الحريديم في شكل يبقي أنماط حياتهم ام لحماية الحدود الشرقية. النائبة شران هسكيل طرحت الفكرة حتى قبل تسلمها منصب نائبة وزير الخارجية بهدف إقامة مدارس دينية حريدية تعمل في نموذج زمني محدد ومتكرر: تعلم – دفاع – نوم. يمكن لهذه ان تكون خطة أساسية ممتازة لمرابطة الجنود على الحدود الطويلة والسائبة وتحييد المحاولات الإيرانية لملء إسرائيل من الداخل بالسلاح.
لبنان بين الحروب
بينما الحرب مع حزب الله انتهت ظاهرا بوقف نار، في الجيش يعترفون بان استمرار الاحتكاك جيد لليقظة اللازمة تجاه محاولات المنظمة إعادة التسلح. على كل خرق يرد الجيش فورا وبشدة، والالية الدولية لا تنجح بعد في منع إسرائيل من الدفاع عن نفسها. ويقول مسؤولون في الجيش ان “الاحتكاك العملياتي جيد لنا ويبقي على يقظة القوات”. وقف النار هو عمليا الحرب بين الحروب، تلك التي نسي المستوى السياسي والعسكري القيام بها في العقدين الأخيرين.
مصر تحرك القوات
رحلة رئيس الأركان ورئيس الشباك الى القاهرة لم يجرِ الحديث فيها بتوسع، والقليل الذي قيل ذكر تطورات إقليمية مع التشديد على سوريا. غير ان “إسرائيل اليوم” علمت بان إسرائيل قلقة من أن الدولة الجارة مع الحدود الهادئة بدأت تحرك القوات في حدود سيناء بشكل لا يتناسب واتفاق السلام والتسويات الأمنية المقررة. في إسرائيل يقولون انهم يرون بخطوة الخروقات من جانب مصر في موضوع “تغيير حجوم القوات”. في إسرائيل يرون في مصر شريكا محتملا لتسوية مع غزة – بما في ذلك مسؤولية نشطة عن معبر الحدود في رفح – دون العودة الى أيام التهريب الذي يمر من تحته في اليوم التالي.
———————————————
هآرتس 13/12/2024
قانون جديد لـ”القمع المدني” بذريعة “محاربة الجريمة في الوسط العربي”: منذ متى يا بن غفير؟
بقلم: أسرة التحرير
ائتلاف متطرف وخطير، يدفع قدماً بموجة تشريع مناهضة للديمقراطية، ثم يكذب على الجمهور بمقاصده. مشروع القانون المسمى “قانون حماية الجمهور من منظمات الجريمة”، أقرته الكنيست أمس. فالقانون سيسمح بإصدار أوامر تقييد ضد المواطنين استناداً إلى معلومات استخبارية فقط وليس إلى إجراء قضائي.
العنوان والمبادرات التي يغلف بها التشريع التعسفي هذا تبدو وكأن غايته زعماً هي معالجة موجة الجريمة الخطيرة التي تمس بخاصة بالمجتمع العربي في إسرائيل، لكن الحقيقة أن مشكلة شرطة بن غفير لم تكن صندوق الأدوات الشرطي. فلو أرادت العمل حقا ضد الجريمة، لبذلت جهوداً أكثر إقناعاً لاستغلال القدرات التي تحت تصرفها.
كما لا يمكن التساذج والادعاء بأن المبادر للقانون، النائب تسفيكا بوغل من “عظمة يهودية” الذي تجاهل اعتراض وزارة العدل على مشروعه، باتت اليوم فجأة تقلقه معاناة العرب في إسرائيل. فشرطة وزيرها يسأل ضباط الشرطة في المقابلات التي يجريها لهم حول ترفيعهم في الجهاز إذا كانوا “سيكونون موالين” له، مثلما كشف يهوشع (جوش) براينر لـ “هآرتس” أمس، هي شرطة ينبغي الاعتراض وبحزم على كل طلب لها لجمع مزيد من الصلاحيات التي تمس بحقوق المواطن.
يقضي القانون الجديد بأن المحكمة المركزية بإذن المستشار القانوني للحكومة، يمكنها إصدار أوامر مقيدة استناداً إلى معلومات استخبارية تقدمها الشرطة وستكون مخولة “بالخروج عن أحكام الأدلة” إذا ما اقتنعت من المعلومات المعروضة عليها. يمكن للمحكمة أن تأمر بمثل هذا الأمر القضائي حظر الدخول إلى بلدة أو إلى منطقة ما؛ دائرة سكن، أو التواجد في مكان معين؛ وحظر خروج من مكان السكن؛ وحظر إقامة علاقة مع أناس معينين؛ وقيود على السياقة، وقيود على استخدام الإنترنت وحظر الخروج من البلاد. إضافة إلى ذلك، ستتلقى الشرطة صلاحيات تفتيش واسعة وإذن بالدخول إلى مكان عمل الإنسان الذي فرض عليه الأمر القضائي. المواطن الذي يخرق مثل هذا الأمر سيكون عقابه بين سنة وأربع سنوات سجناً.
——————انتهت النشرة——————