مقالات

صفقة التبادل الجزيئة والهدنة المؤقتة، هل ستقودان الى تفكيك حكومة نتنياهو ؟

كتب:- راسم عبيدات

سكوت ريتر أحد رجال المخابرات المركزية الأمريكية السابقين، الذي كان ضمن فرق التفتيش لوكالة الطاقة الدولية عن أسلحة الدمار الشامل في العراق ،من اجل تبرير احتلاله وتدميره، تحت ذريعة امتلاكه لهذه الأسلحة قال ” بأن دولة الاحتلال تخرج إلى الحروب لتحقيق اهداف كبرى متطرفة تكون موجهة بالعادة للداخل “الإسرائيلي”، ويعجزون عن تحقيقها، هذا ما حصل في حرب تموز العدوانية التي شنوها على المقاومة وحزب الله اللبناني، خرجوا من أجل القضاء على قدرات حزب الله العسكرية واغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله ،وتقليص حضور حزب الله سياسياً في المجتمع ومؤسسات الدولة اللبنانية، وتحرير الجنديين اللذان أسرهما حزب الله، واستولاد ما عرف بالشرق الأوسط الكبير الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية أنذاك المغدورة كونداليزا رايس، ولم يتحقق أي من تلك الأهداف، والنتيجة تحرير حز ب الله لأسراه في سجون الاحتلال مقابل جثتي الجنديين الإسرائيليين المأسورين لديه، ومضاعفة قدراته العسكرية والتسليحية والتكنولوجية والإستخبارية والسيبرانية من تلك الفترة وحتى اليوم عشرات المرات، بحيث بات الحزب عامل مؤثر وفاعل في المعادلات الإقليمية والدولية.

نتنياهو وغالانت ومعهم مجلسهم الحربي المصغر خرجوا لتحقيق اهداف كبرى واستراتيجية، واحد منها تحرير الأسرى من جنود ومستوطنين مأسورين عند المقاومة الفلسطينية، وأنه لن يكون هناك أي تفاوض مع حماس والمقاومة الفلسطينية، ولن يكون هناك هدن ولا ادخال محروقات ولا مساعدات إنسانية.

بعد 48 يوماً على هذه الحرب شعر نتنياهو ومجلس حربه انهم في ورطة حقيقية، فهم رغم كل آلة الدمار والقصف الجنوني جواً وبرا وبحراً، لم يستطيعوا ان يحققوا أي من الأهداف التي خرجوا من أجل تحقيقها، وفي مقدمتها تفكيك حماس وقوى المقاومة وتحرير الأٍسرى، وكل ما انجزوه بعد هذه الفترة الطويلة، أثبت انهم جيش يجيد القتل وليس القتال، حيث المجازر بحق المدنيين من نساء وأطفال ،وعمليات الطرد والتهجير والتطهير العرقي والإبادة والعقوبات الجماعية، دون أي نصر يمكن ان يحمله نتنياهو وغالانت الى الداخل الإسرائيلي، الفاقد للثقة بمؤسساته العسكرية والأمنية والسياسية، فلا نصر عسكري وميداني وعملياتي تحقق، بل كلما توغلوا في القطاع زاد نزيف خسائرهم البشرية والمادية جنود وضباط ودبابات واليات مدرعة، وحاولوا البحث عن نصر في تدمير المشافي واقتحامها ، كما حصل في مشفى الشفاء، والذي شنوا حملة إعلامية مضللة وسردية ورواية مزيفتين وجندوا لها الرئيس الأمريكي بايدن وإدارته وتوابعهم من دول غربية استعمارية، مصورين بأن مشفى الشفاء الطبي، هو بمثابة القلعة “العسكرية” وباقتحامه سيتحقق لهم ” النصر “العظيم”، الذي سيسهم في تخفيف حدة الضغوط على نتنياهو، وسيعمل على تنفيس حالة الغضب الشعبي وأهالي الأسرى من جنود ومستوطنين.

نتنياهو وحكومته ومجلس حربه، بعد 48 يوماً من العدوان الهمجي على القطاع وإرتكاب المجازر، وجدوا انفسهم في ورطة حقيقية، وبأن المقاومة قادرة ان تربك حساباتهم السياسية، كما اربكتها في المجالين العسكري والإستخباري ،ونتنياهو الذي قال بأن الهدنة وصفقة التبادل الجزئية أملتهما العملية العسكرية، فهو يعرف بأنه يكذب ،فهو من قال بأننا ذاهبون للقضاء على حماس وتحرير أسرانا بدون مفاوضات ،وهو لم ينجح لا في القضاء على حماس والمقاومة وإجتثاثهما، ولم يسطع ان يحرر اسراه عبر الحل العسكري والأمني ،فالجبهة الداخلية لدولته مثقلة بالأزمات الاقتصادية والأمنية ..والحملة العسكرية لم تحقق نجاحات تذكر في الجانب العسكري والميداني والعملياتي، بل تتفاقم خسائر الاحتلال كلما توغل في قطاع غزة جنوداً ودبابات ومدرعات.

نتنياهو الذي يعلم بأن الهدن المؤقتة واتفاقيات تبادل الأسرى الجزئية …هي ستقود الى المزيد من الهدن وصفقات التبادل ،وبأن العودة الى العمليات العسكرية واستئناف القتال ستكون معقدة ،وخاصة بان ما لم يستطع نتنياهو تحقيقه في ذروة العملية العسكرية، لن يستطيع تحقيقه بعد الهدن وصفقة التبادل الجزئية، حيث ستزداد الضغوط عليه من قبل اهالي الأسرى والجنود للذهاب نحو صفقة تبادل شاملة تغلق ملف الأسرى عند الجهتين، ناهيك عن أن اقتصاد دولة الكيان ،غير قادر على تحمل حرب طويلة، وهو يعاني من خسائر كبيرة جداً، حيث الشلل طال قطاعات أساسية الصناعة والزراعة والسياحة والنفط ،والبطالة تقترب من ال 10%،ودولة الاحتلال تقترض مليارات الدولارات لتمويل حربها على القطاع، الشيكل ينخفض واسهم البورصة تنهار، وألالاف الشركات اغلقت، ناهيك عن الشركات التي نقلت مركز عملها واموالها الى خارج دولة الاحتلال.

وكذلك التحالف الدولي الإعلامي والسياسي الذي قادته أمريكا وتشكل بعد معركة “طوفان الأقصى” أخذ في التفكك والرأي العام العالمي في حالة انقلاب لصالح الرواية والسردية الفلسطينية، وحجم المجازر والجرائم والإبادة الجماعية، باتت تشكل ضاغط على صناع القرار في العواصم الأوروبية الغربية وفي أمريكا، وبايدن يتعرض لانتقادات حاده على دعمه اللامحدود لدولة الاحتلال ،وبذلك توسعت شقة خلافه مع نتنياهو حول الهدنة والمجازر بحق المدنيين، وتراجعت احتمالات فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة، وكذلك يخشى من توسع الحرب لأكثر من جبهة تهدد المصالح الأمريكية بشكل جدي في المنطقة …وخاصة بان القواعد الأمريكية تتعرض للاستهداف في العراق وسوريا ، والجبهة اليمنية تنشط ،وتشكل تهديد للبوارج الأمريكية.

الهدنة التي أعلنت قطر بأنها ستبدأ يوم الجمعة غداً لمدة اربع أيام، ويتم فيها تبادل الأسرى على اربع دفعات ،50 مدني اسرائيلي من النساء والأطفال مقابل 150 طفل وامرأة وفتاة في سجون الاحتلال، وكذلك إدخال الوقود ومئات الشاحنات من المساعدات الإنسانية غذائية ودوائية …هذا بحد ذاته يشكل انتصار للمقاومة ونزول لنتنياهو وغالانت عن الشجرة العالية التي تسلقوها والقول بأنه لن يكون هدن إنسانية ولا مفاوضات مع حماس والمقاومة ولا صفقات تبادل، وعلى المقاومة ان تطلق سراح الأسرى بدون شروط، ولكن وجدنا بأن اليد الطولى كانت للمقاومة، وتخلى نتنياهو عن شروطه ،وكسرت استراتيجيته هذه بالتفاوض مع المقاومة بالندية وبشروطها .

أنا أجزم بأن هذه الصفقة الجزئية للتبادل وهذه الهدنة المؤقتة، ستقود الى تفكك حكومة نتنياهو، وتصاعد الخلافات والصراعات في دولة الاحتلال بشكل عميق ..خلافات تعمق من ازماتها بشكل واسع بنيوياً وسياسياً ومجتمعياً وصراعات وانقسامات ستطال المؤسستين العسكرية والأمنية ..وكذلك الصراع على هوية الدولة ستزداد حدة ،ولا ننسى قضية تحميل المسؤوليات عن الهزيمة الاستراتيجية والفشل الأمني والاستخباري…

نتنياهو ومعه وزراء الفاشية اليهودية سيغيبون عن المشهد السياسي ومعهم غالانت …ونتنياهو سيحاكم ليس بالتهم الثلاث المنظورة ضده أمام قضاء دولة الاحتلال ،الرشوة وسوء الائتمان وخيانة الأمانة، بل ستشمل المحاكمة مسؤوليته عن الهزيمة الاستراتيجية في معركة ” طوفان الأقصى” والفشل الأمني والاستخباري …وبهذا تكون غزة بطوفان أقصاها قد ابتلعت نتنياهو وجشيه وغيبته خلف القضبان.