الشعب الأردني «يريد تفكيك الارتباط بالعدو» ودعوات للابتعاد عن المسار الإماراتي والاقتراب من حماس

قد لا يتسع المقام لمزيد من «الفهلوة السياسية والبيروقراطية» عندما يتعلق الأمر بضرورة إبراز «استجابة ما» من أي صنف للمطلب الجماهيري الشعبي الملح مرحلياً ليس على صعيد «إعادة توصيف» إسرائيل والعلاقة معها فقط، بل على صعيد «تسمية وترقيم» قواعد اشتباك المستقبل مع فصائل المقاومة الفلسطينية.

مستوى الإلحاح في مطالب دواوين العشائر الأردنية والملتقيات الداعمة للمقاومة والأحزاب والوساطة الإسلامية بخصوص «تفعيل خاصية التواصل» مع المقاومة وأجنحتها أكبر بكثير من أي إمكانية بيروقراطية، لإنكاره أو حتى لتجاهله عبر التغافل أو عبر العودة لدفاتر قديمة يعلوها الغبار برأي السياسي مروان الفاعوري، بعدما انضمت إلى متحف ما سمي يوماً بعملية السلام أو التطبيع أو حتى التعايش والتكيف انتهازياً مع منطق «التفوق الإسرائيلي».

في رأي الفاعوري الذي سمعته «القدس العربي» ويشاركه عشرات المراقبين والخبراء، أسقطت معركة «طوفان الأقصى» العديد من كلاسيكيات الماضي وادعاءات الشراكة ومكاسب التطبيع والعلاقات الجيدة مع المحور الإسرائيلي – الأمريكي بعدما أثبتت بأن الكيان لا يستطيع «حماية نفسه» حتى يساهم في حماية أي دول مطبعة.

ما يقترحه كثيرون اليوم على دوائر صنع القرار في عمان «النأي بالنفس» عن المسار الإماراتي في إدارة الأزمة وتوقف «إنكار المخاطر» على حد تعبير المخضرم طاهر المصري، والحرص على استذكار الوقائع والحقائق التي تقول اليوم كما يسجل المحلل السياسي عريب الرنتاوي، إن عدد من «لا يؤيدون حماس في الشارع العربي نسبتهم لا تزيد عن 8٪». لكن بالتعاكس السياسي، من المبكر القول إن حكومة عمان وفي موضوعة وإيقاعة حركة حماس تحديداً، متهيئة للتقاطع مع النسبة المتبقية في النسخة المحلية من إحصاء الرنتاوي، وهي 92٪.

لاحظ الخبراء مبكراً أن كل من خرج للشارع الأردني مندداً بإسرائيل أو مدلياً لقسم الانتماء لحركة حماس ودعمها، أقرن موقفه بنقد لاذع للسلطات الحكومية وبمطلب ملح، فكرته ترك الرهان على أوسلو ومخرجاتها، وشبك الأكتاف ولو قليلاً مع محور «المقاومة» ليس بنسخته الإيرانية، بل الفلسطينية.

والمعنى هنا في المقاربات المطروحة، أن الرأي العام المتابع لم يعد يصدق أن الحكومة الأردنية لا تستطيع بحكم اعتبارات مفهومة، مصافحة حركة حماس على الأقل؛ لأن المطلوب مصافحة وليس شراكة أو احتضان والمطلوب الاستثمار لأسباب مصلحية أردنية أمنية وسياسية في الهامش الذي يتيحه الأمريكيون والإسرائيليون لدول أخرى في معسكر الاعتدال، مثل قطر ومصر وتركيا. حتى تلك قد ينظر لها التيار المناهض لحماس في النخبة الأردنية باعتبارها «مغامرة ما».

لكن التصور يؤشر على أن «حماس تتسلل للوجدان» شعبياً أكثر الآن كما لاحظ الرنتاوي، وفي عمق المكونات الاجتماعية الأردنية. وعليه، من الأسهل على مطبخ القرار الاندفاع نحو علاقة ما سياسية وتنسيقية وإعلامية تخفف من حدة اندفاع الجمهور الذي يهتف في مدينة معان جنوبي البلاد للقائد محمد ضيف، ويعرف نفسه باسم حماس في ملاعب كرة القدم اليوم، ويأخذ على الحكومة أنها تعتقل ثلاثة من المقربين لحركة حماس حاولوا يوماً إيصال سلاح للشعب الفلسطيني ولا يزالون قيد الاعتقال، كما لاحظ الشيخ سالم الفلاحات.

بكل حال، في وسط نخبة السلطة من يتصور بأن التصفيق الشعبي المرحلي للمقاومة الفلسطينية مؤقت وأقرب لسردية عاطفية خالية من الحسابات ويماثل حجم التأثير الذي حظي به الراحل صدام حسين وسط الأردنيين بعدما قصف إسرائيل بالصواريخ قبل تدمير العراق. هذا الجناح لا يريد رؤية الوقائع التي تثبت فشل هذه المقاربة، فمن قاد عملياً موقف الشعب الأردني المناصر للمقاومة اليوم هو الموقف الرسمي والمرجعي.

والخيط الرابط وجدانياً في مسألة «شعبية حماس» التي لا يمكن تجاهلها في عمق الشارع الأردني الآن هو ذلك الذي يتصور بأن حماس في وجدان الأردنيين تحولت ـ كما قال أحمد عبيدات ـ إلى «ضمانة» تدعم الوصاية الأردنية في القدس وتقف ـ تماماً مثل الرسمي ـ حائط صد شرس ضد التهجير والترانسفير.

من يوصفون من باب التندر اليوم بـ «الطاقم الأمريكي» من السياسيين المحليين لم يقدموا أي وجبة تشخيص دقيقة لمصلحة الدولة والنظام في اتجاهات المسارات التي تبدلت وتغيرت في المنطقة والميكانزمات بعد معركة طوفان الأقصى. هؤلاء لا يصدقون ـ في رأي الدكتور ممدوح العبادي كما فهمت «القدس العربي» ـ بأن الكيان لم يعد يستطيع حماية نفسه. لا أحد يلاحظ بأن العلاقات الاقتصادية والمالية بين الولايات المتحدة وجمهورية مصر تتأثر سلباً، لأن القاهرة تتعامل مع قيادات حماس سياسياً وأمنياً. ولا أحد لاحظ أن دولاً أخرى قريبة جداً من الموكب الأمريكي خسرت وهي تدفع في اتجاه ما ذكره ونصح به يوماً أمام «القدس العربي» القيادي الحمساوي خالد مشعل عندما قال «لماذا لا يستفيد منا الشقيق الأردني كما يفعل الآخرون؟».

باختصار وفي حال رصد تفاعلات الاحتشاد الشعبي الأردني خلف المقاومة اليوم، يمكن القول إن «إقامة علاقة» مع حركة حماس كان مطلباً في الماضي القريب، لكنه بعد الطوفان أصبح «متلازمة برامجية» لأي أردني يريد التحدث وطنياً بأي ملف أو موضوع خلافاً لأنها متلازمة لصيقة بالطلب الثاني الأكثر إلحاحاً، الذي يتردد بالمليان وعلى كل لسان، وهو «تفكيك الارتباط بالعدو الإسرائيلي».

عن القدس العربي