فلسطينيمقالات

  أسامة خليفة// دور الولايات المتحدة في الحرب على غزة                                                       

                           باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

يقول المفكر الراحل د. عبد الوهاب المسيري: « الدولة الصهيونية إنما هي قاعدة عسكرية واقتصادية وثقافية وسكانية للاستعمار الغربي، والصراع معها إنما هو جزء من المواجهة العامة مع الحضارة الغربية الغازية».

لهذا تعهدت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بحماية أمن إسرائيل، في 25 أيار / مايو 1950، حين وقعت أمريكا وبريطانيا وفرنسا على البيان الثلاثي الذي تتعهد فيه بضمان حدود «إسرائيل»، وحفظ التوازن العسكري بينها وبين الدول العربية مجتمعة، وأكدت الدول الثلاث عزمها على التصدي لأية محاولة «اعتداء» عربي على خط هدنة العام 1948، وكانت عملية طوفان الأقصى أول تجاوز لتلك الحدود، وتهديد لأمن إسرائيل في الصميم.

ما هو تأثير عملية طوفان الأقصى على الالتزام الأمريكي الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري على الدول العربية مجتمعة؟. وها هي إسرائيل في الأيام الأولى التي تلت صباح 7 تشرين الأول /أكتوبر تبدو مهزومة أما فصيل فلسطيني؟. وتزامناً مع بدء القصف الجوي والبري والبحري العشوائي والعنيف الذي تشنه إسرائيل على سكان غزة، بدأت الولايات المتحدة فوراً في تحريك السفن الحربية والطائرات إلى المنطقة، كما تم تسريب أخبار عن تنفيذ طلعات بطائرات استطلاع مسيرة أميركية في سماء غزة بذريعة البحث عن الرهائن الذين احتجزتهم حركة حماس خلال عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).لأن المصالح الأميركية العليا في منطقتنا، تستدعي توفير كل أشكال الحماية لدولة إسرائيل، واستمرار عملية التطبيع التي سوف تتعثر وتتوقف في ظل حرب إسرائيلية مدمرة على غزة، وستؤدي إلى تراجع الدول العربية عن دورها في الإطار التحالف الإقليمي، وبعد التحرك العسكري الأمريكي البريطاني، وبلا تأخير يتحرك الزعماء السياسيون للقاء المسؤولين الإسرائيليين، الذي لم نشهد له مقابلاً في الحالة العربية لا بتحرك سياسي ولا عسكري.

التزام واشنطن بحماية أمن إسرائيل هو سياسة أمريكية ثابتة، التزمت به جميع الإدارات الأمريكية ودافعت ورعت استخدام تل أبيب العنف والقوة المفرطة في العدوان على الشعب الفلسطيني، بدعوى الحق في اعتماد الكيفية، واستعمال الوسيلة التي تراها إسرائيل مناسبة للدفاع عن نفسها وحفظ أمنها، وعملت الدول الثلاث على حمايتها من أي قرار دولي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن يدين خرقها القوانين الدولية والإنسانية من خلال حق النقض الفيتو.

هذه السياسة الأمريكية التي باتت اليوم أكثر سفوراً في دعمها للحرب الوحشية والإجرامية الإسرائيلية على شعبنا، والمتمثلة في الاصرار الأمريكي على مواصلة الحرب ودعم آلة القتل الاسرائيلية في مجازرها التي لم تتوقف منذ أكثر من شهر، ولم تعد السياسة العربية في الاستجداء والاستعطاف تجدي نفعاً في إعادة النظر في السياسة الأمريكية المنحازة بشكل صارخ وفظ لإسرائيل، والتي لن تقتصر مخاطرها على القضية الوطنية الفلسطينية بل سيمتد الخطر إلى كل منطقتنا العربية التي ستتحول إلى بحيرة أمريكية لنهب ثروات شعوبنا تحت سطوة سياسة حشد الأساطيل.

دور للولايات المتحدة في الحرب على غزة متعدد ومتنوع سياسي وعسكري ومعنوي واقتصادي وبكل أشكال الدعم، لا يقتصر دورها على تقديم الأسلحة والذخائر بل ومعها الخبرات التكنولوجية والمعلومات الاستخباراتية، بل والمالية أيضا، حيث طلب البيت الأبيض من الكونغرس مبلغ 14 مليار دولار لدعم إسرائيل، معظمه للأسلحة، علماً أن الجيش الإسرائيلي يحظى أصلاً بسنوات طويلة من المساعدات العسكرية الأميركية، تصل إلى 3.8 مليار دولار سنوياً، مع مليار دولار من مبيعات الأسلحة المباشرة.

ومنذ عملية طوفان الأقصى تعددت زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى المنطقة من زيارة الرئيس بايدن إلى زيارات وزير الخارجية بلينكن، ثم ويليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، زيارات قد تختلف في أهدافها في الأيام الأولى للحرب على غزة، عن أهداف الزيارات بعد دخول الحرب شهرها الثاني، بعد أن اتضحت صعوبة تحقيق إسرائيل لأهدافها المعلنة، رغم تكثيفها الهجمات البرية والبحرية والجوية، حيث استمرت رشقات الصواريخ الفلسطينية ضد المدن والمستوطنات الإسرائيلية، واشتدّت ضراوة هجمات الفصائل الفلسطينية ضد جنود الجيش الإسرائيلي وآلياته المتوغلة في قطاع غزة.

وتغطي الولايات المتحدة الأهداف الحقيقة من الزيارات بأنها لبحث ملفات سياسة وإنسانية وليست أمنية استخباراتية وعسكرية، من خلال ما يطرح في وسائل الإعلام منها: إجراء مناقشات حول الوضع في غزة، ومفاوضات الأسرى الجارية، وأهمية منع اتساع الحرب، والهدنة الإنسانية، وبذل جهود أكبر لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية، وفتح طرق آمنة.

في هذا السياق يبرز نفاق بايدن حين سئل عما تريد أن تفعله حكومته للتقليل من عدد الضحايا المدنيين في غزة، وجاء رده بأن الأرقام الواردة في تلك القوائم لا يمكن الوثوق بها، محاولة بايدن إنكار صحة الأرقام التي تعلن عنها وزارة الصحة في غزة باعتبارها تتعمد تضخيم الأرقام، وأن أخبار الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال أخبار مزيفة، وهو يريد من ذلك تقديم الحجة للمدافعين عن حملة القصف الإسرائيلية العشوائية، بما يسهم في استمرار تلك المجازر.

لا تخادع إدارة بايدن نفسها، بل تحاول خداع العالم بإظهار نوع من الحيادية حينما يتعلق الأمر بالعمليات العسكرية العدوانية والوحشية الإسرائيلية، وأنها «لا تتدخل في فرض رؤيتها على إسرائيل»، في كيفية القضاء على «حركة حماس»، وتنفي وجود خبراء وقوات على الأرض تعمل على إدارة المعركة، وتقديم المشورة مثل محاولات إقناع تل أبيب باتباع نهج القتل التدريجي لتحقيق هدفها في الإبادة الجماعية يؤدي في النهاية مع مرور الوقت إلى عدد هائل من الضحايا المدنيين، متجاهلة أنها ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها إسرائيل إلى استخدام القوة المفرطة، متسامحة في وقوعها، ومتجاهلة حدوثها، معلنة نفاقاً رفضها لها، في محاولة مكشوفة يراد منها عدم إحراج الأنظمة العربية الموالية لأمريكا أمام شعوبها.

لماذا تجاهلت حكومة واشنطن لفترة طويلة الحل السياسي للقضية الفلسطينية، وأوقفت العملية التفاوضية؟. يقولون تطبيع الدول العربية مع اسرائيل أولاً، والتطبيع هو المدخل الضروري للوصول إلى تسوية سياسية، أو إن الظروف الموضوعية لم تنضج بعد للحل السياسي، السبب الأهم وراء ذلك هو إعطاء الوقت لإسرائيل لاستكمال مخططها في الاستيطان والضم في الضفة الفلسطينية، وفرض الأمر الواقع، وعلى حد قول بعض المسؤولين الأمريكان، حين يذكرون سبباً آخر يبدو وقحاً، أن الحالة الفلسطينية ليست ساخنة كفاية حتى يجري تحريك الحل السياسي والتفاوضي، ولكنها كانت ساخنة إلى درجة الغليان قبل عملية طوفان الأقصى، كل يوم اقتحامات للمدن والمخيمات والتجمعات السكنية من قبل الجيش الإسرائيلي ومستعربيه، وعمليات قتل واغتيال وإعدام ميداني، وهدم بيوت، واعتداءات المستوطنين على سكان الضفة، وضرب واعتداءات في المسجد الأقصى على المصلين والمرابطين، كل هذا وليس الوضع ساخناً؟. الوضع الساخن بالنسبة للولايات المتحدة، عندما يسقط قتلى من الإسرائيليين، أما أن يسقط عدد قليل أو كثير من الفلسطينيين فالأمر عادي وربما أقل من العادي.

يقول الرئيس جو بايدن إنه لا يمكن العودة إلى ما ساد قبل هجمات «حماس» ضد إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وأن إدارته ترسم خططاً لـ«اليوم التالي»، استراتيجية إدارة بايدن، وفق المعلن من إفادات مسؤوليها، تركز على هدفين أساسيين: الأول: القضاء على حماس، والثاني: تجنب نشوب حرب إقليمية. وأكد بلينكن أن الولايات المتحدة عازمة على منع التصعيد على كل الجبهات، بما في ذلك «جنوب لبنان والضفة الغربية أو أي مكان آخر في المنطقة».

وربما جاء ويليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) في زيارة إلى إسرائيل، الأحد 5/11، للبحث في «اليوم التالي» وفق تسريب معلومات عن خلاف أمريكي اسرائيلي في رؤيتهما لما بعد «القضاء» على حماس، والذي تؤكد المقاومة الفلسطينية أنه لن يكون إلا يوماً فلسطينياً.

ويزور بيرنز تل أبيب بعد فشل قادة الاستخبارات في إسرائيل، في اكتشاف هجوم «حماس» قبل وقوعه، ولم تحذر منه لا الاستخبارات الإسرائيلية ولا الأميركية، هجوم اخترقت فيه المقاومة الفلسطينية الدفاعات الحدودية الإسرائيلية، وثمة مراجعة أميركية بشأن الاعتماد على إسرائيل في التجسس على حماس، ويسعى بيرنز لتعزيز الالتزام الأميركي بالتعاون الاستخباراتي مع الشركاء في المنطقة خلال هذه الزيارة، وتوسيع تبادل المعلومات الاستخبارية مع عدد من دول الشرق الأوسط من خلال لقاء قادة ومسؤولي استخبارات لتوفير معلومات قد تكون مفيدة حول مواقع الأسرى، وجمع معلومات عن قدرات المقاومة الفلسطينية وأنفاقها وعدتها وأسلحتها وفي شن هجمات صاروخية بعد شهر من الحرب، ومدى قدرتها على الاستمرار والصمود.

استخدمت الولايات المتحدة الأربعاء 25/10 الفيتو لمنع مشروع قرار روسي في مجلس الأمن يدعو إلى هدنة إنسانية للسماح بدخول المساعدات إلى غزة، ويدين بشدة جميع أشكال العنف وأعمال القتل المرتكبة ضد المدنيين.. وقدمت أميركا مشروع قرار يدعم حق إسرائيل بالدفاع عن النفس وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ولا يدعو لوقف إطلاق النار، ويدين بشكل قاطع الهجمات التي شنتها حماس والجماعات الفلسطينية الأخرى، ويدين «أخذ وقتل الرهائن والقتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي واستمرار الإطلاق العشوائي للصواريخ»، ولا يدعو مشروع القرار الأمريكي إلى وقف إطلاق النار، أو وقف الأعمال العدائية أو حتى هدن إنسانية في قطاع غزة، الذي تفرض عليه إسرائيل حصاراً وتمنع عنه الماء والكهرباء والمواد الطبية، ويطالب مشروع القرار الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع من تحتجزهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مقابل توفير السلع والخدمات الأساسية بشكل مستمر وكافي ودون عوائق للمدنيين في غزة، استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار.

رفضت واشنطن اعتبار القصف الإسرائيلي للمدنيين في قطاع غزة جريمة حرب، ورفضت إدانة القصف الإسرائيلي لمخيم جباليا شمال قطاع غزة، الذي أدى لاستشهاد مئات الفلسطينيين. كل ما في الأمر أن الإدارة الأميركية تشعر بالأسف الشديد لمقتل المدنيين، وستواصل تنبيه الإسرائيليين لضرورة تقليل الضرر الذي يقع على المدنيين. بينما قالت المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن القصف الإسرائيلي لمخيم جباليا قد يرقى إلى جرائم حرب نظراً للعدد الكبير من الضحايا المدنيين وحجم الدمار الذي خلفه. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن “شعوره بالصدمة” إزاء القصف الإسرائيلي لليوم الثاني على التوالي على مخيم جباليا الذي يؤوي 116 ألف لاجئ فلسطيني في شمال قطاع غزة.

في مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر يوم الخميس 2 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد يومين من ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرتين خلال 24 ساعة، يوم الثلاثاء 31 تشرين الأول/ أكتوبر في مخيم جباليا للاجئين شمالي غزة، عندما قصفت إسرائيل الأحياء السكنية المحاذية للمستشفى الإندونيسي، مما ألحق دماراً هائلاً بالحي وأدى إلى سقوط مئات الشهداء والجرحى وفق وزارة الصحة في غزة، وغيرها من مجازر الحرب الإسرائيلية على القطاع التي أدت حتى ذلك الحين إلى مقتل أكثر من 9 آلاف فلسطيني أغلبهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 21 ألفا آخرين، بل لقد أكد ميلر إن إسرائيل تلتزم بقانون الحرب في الهجمات التي تشنها على قطاع غزة، وأضاف: لست بوضع يسمح لي بإجراء تقييم حول الهجوم، كما لا أستطيع إجراء تقييم بشأن الهجمات الأخرى.

31/10/2023 قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن الولايات المتحدة لا تؤيد الدعوات التي تطلق حالياً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، وشدد على الاستعاضة عن هذه الدعوات بهدن إنسانية مؤقتة لإتاحة إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة.

وبرر كيربي الموقف الأميركي بأن حماس ستكون المستفيدة الوحيدة من وقف إطلاق النار الآن.

وقال إن تركيز الإدارة الأميركية الآن منصب على تأمين ممر آمن للخروج من غزة، مضيفا أنه ستُجرى بعد ذلك محادثات مع الشركاء في المنطقة – ومن بينهم مصر- لمعرفة قدرتهم على استضافة العائلات الراغبة في الخروج من غزة لفترة مؤقتة.