الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 23/2/2024

منظمة التحرير الفلسطينية بين الترميم ونفاد الوقت.. والقدوة في “التكنوقراط”: حماس باقية

بقلم: تسفي برئيل

“لماذا نحن بحاجة إلى مشروع فلسطيني وطني جديد”، تساءل الدكتور مصطفى البرغوثي في مقال لاذع نشره في هذا الأسبوع في موقع “العربي الجديد”. “السبب أن م.ت.ف، الممثل الرسمي للفلسطينيين، تخلت في الثمانينيات عن مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة وتبنت حل الدولتين، أي إقامة دولة على حدود العام 1967 مع حل متفق عليه لمشكلة اللاجئين. هذا الهدف يستند إلى وهمين، إمكانية التوصل إلى تسوية مع الحركة الصهيونية، وأن الولايات المتحدة تكون وسيطة وضمان هذا الحل”.

البرغوثي (70 سنة) هو عضو في المجلس المركزي في م.ت.ف وهو الذي أقام في 2002 حزب المبادرة الوطنية الفلسطينية. وهو من الأصوات الفلسطينية البارزة، إلى جانب مهنته الرسمية كطبيب، يعتبر المثقف العام الذي لا يوفر أي انتقاد لاذع لقيادة م.ت.ف ورئيسها محمود عباس. كتب في مقاله الأخير عن فشل المشروع السياسي لـ م.ت.ف (مشروع أوسلو).

أسباب الفشل حسب البرغوثي، كثيرة: “استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، وإفشال جهود المصالحة، وغياب ديمقراطية داخلية في مؤسسات م.ت.ف والفشل في بلورة أدوات لشراكة ديمقراطية في قيادة النضال الوطني والعملية السياسية، وإدارة السلطة الفلسطينية والإصلاحات في م.ت.ف”. النتيجة حسب قوله هي “فجوة عميقة بين القيادة الرسمية لـ م.ت.ف ومعظم الفصائل الأعضاء فيها وبين الجمهور، لا سيما الجيل الشاب الذي يشعر بأنه مقصى ومبعد، بالتحديد في الوقت الذي تتزايد فيه المؤامرات على تصفية الحق الفلسطيني”.

ما الحل؟ “توحيد مكونات الشعب الفلسطيني والحفاظ على وحدة الأرض والأمة، وهي أهداف لن تتحقق إلا بتشكيل قيادة وطنية موحدة، تشمل كل قوى النضال في إطار م.ت.ف، وبناء نظام ديمقراطي داخلي على أساس شراكة ديمقراطية، ورفض الخيار الوحيد والهيمنة (لمجموعة واحدة، القصد هو حركة فتح) وإجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية تضم الفلسطينيين في المناطق وفي الخارج”.

أفكار البرغوثي وطلباته غير جديدة، ولكنها تكتسب أهمية بالتحديد في الفترة الأخيرة، التي تجري فيها محادثات مكثفة حول إعادة ترميم المنظمة وتوسيع صفوفها لتشمل حماس و”الجهاد الإسلامي” ومنظمات أخرى لم تنضم لـ م.ت.ف حتى الآن. حتى الحرب في غزة استخدم مفهوم “إعادة ترميم م.ت.ف” أو “إحياء البيت الفلسطيني” كتعبير مرادف لمسألة الوراثة التي ستأتي بعد ذهاب محمود عباس (88 سنة). الحرب وطلب الولايات المتحدة إجراء إصلاحات هيكلية في السلطة كشرط لتولي المسؤولية عن إدارة غزة بعد الحرب جعلت قضية “إعادة البناء” لا تنتظر حتى “الوراثة الطبيعية” التي ستأتي تخلف غياب عباس، أو لا يرغب في مواصلة قيادة م.ت.ف. بل تقتضي حلاً قريباً وحتى فورياً.

إذا تم التوصل إلى وقف طويل لإطلاق النار كجزء من اتفاق لإطلاق سراح المخطوفين والسجناء الفلسطينيين فإن الإدارة الأمريكية تتطلع إلى طرح آلية فلسطينية متفق عليها ثلاثة أسابيع – شهر وربما أكثر، تبدأ في إدارة القطاع، من الشمال ثم جنوب القطاع كي يمكن البدء في إعادة بناء حياة حوالي 2.3 مليون من سكانه.

البنية التي تتبلور والمقبولة كما يبدو أيضاً على مصر والسعودية والأردن، التي ناقشت ذلك مع شخصيات رفيعة في الإدارة الأمريكية، هي حكومة خبراء مؤقتة، فوق حزبية، كما يبدو ليست حكومة لفتح وبالطبع ليس لحماس، التي ستعمل بتمويل أمريكي وسعودي وربما أيضاً بتمويل الإمارات، وإلى جانبها قوة شرطة تقوم بتأهيلها الولايات المتحدة ومصر.

حكومة تكنوقراط كهذه تشكلت في 2017 عقب اتفاق القاهرة الذي تم التوقيع عليه بين فتح وحماس. وقد تم حلها خلال سنة عقب خلافات شديدة حول تقسيم الصلاحيات والميزانيات، التي وصلت إلى الذروة مع محاولة اغتيال رئيس الحكومة رامي الحمد الله عندما قام بزيارة عمل في غزة. كان يمكن أن تكون ذراعاً تنفيذياً لـ م.ت.ف كمنظمة تعتبر الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

بشكل تقني ودستوري، فإن محمود عباس مخول بتعيين حكومة كهذه ويضع على رأسها رئيس حكومة، ولكن يحتج على هذه الصلاحية شخصيات كبيرة في م.ت.ف بذريعة مبررة، وهي أنه لم يعد زعيماً شرعياً بعد انتهاء ولايته القانونية في 2010، رغم انتخابه في المجلس المركزي في م.ت.ف لفترة غير محدودة في 2009. وبخصوص طلب أمريكا تعيين نائب له مع صلاحيات واسعة، أوضح عباس بأن الدستور الفلسطيني لا يشمل مثل هذا البند، وأن أي تغيير في الدستور يحتاج إلى قرار من المجلس الوطني الفلسطيني (الجسم النظري الذي لم يتم عقده من سنوات وعملياً هو على الورق فقط)، أو من المجلس التشريعي الفلسطيني الذي قام هو نفسه بحله في 2018.

ترى م.ت.ف في المبادرة الأمريكية التي ما زال يصعب اعتبارها خطة عمل واقعية، فرصة لتمهيد الأرض للبدء في إجراء عملية استبدال للأشخاص في القيادة، وبالأساس فرصة لتقليص قوة عباس. ناصر القدوة، ابن شقيقة ياسر عرفات، الذي شغل أيضاً منصب وزير خارجية السلطة في الأعوام 2003 – 2005 هو من بين الأصوات العلنية البارزة التي تدعو لعزل عباس. هذا الأسبوع في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية، قال إنه “يجب إجراء “طلاق طوعي” من عباس من أجل أن يبقى رئيس شرف، حتى يتمكن رئيس حكومة فلسطينية جديد من إدارة الضفة والقطاع.

القدوة (70 سنة)، وهو طبيب أسنان، تم طرده من صفوف حركة فتح في العام 2021 بعد أن شكل قائمة مستقلة للانتخابات التي تم التخطيط لها في أيار من نفس العام، والتي ألغاها عباس. في نفس المقابلة، أضاف أنه “لا إمكانية لتصفية حماس مثلما تطمح إسرائيل، لكن حماس ستضعف ولن تحكم غزة بعد الحرب، بل ستكون حماس مختلفة”. لم يوضح طبيعة التغيير، لكنه أضاف بأنه تحدث مع أعضاء حماس، وحسب قوله هم يدركون أن مكانة المنظمة قد تغيرت. القدوة نوع من “الشريك الائتلافي” لمحمد دحلان، الذي له حساب طويل مع عباس، والذي يطمح الآن لتولي دور في القيادة رغم نفيه.

أمام دحلان والقدوة، يقوم بالتسخين حسين الشيخ سكرتير اللجنة التنفيذية والشخص الذي سماه ضباط إسرائيليون “رجل إسرائيل في الضفة”، والوريث الذي أعده عباس وعينه لهذا المنصب. محمود العالول (74 سنة)، نائب محمود عباس، وهو رجل “فتح” المخضرم الذي ترك، بصحبة عرفات، لبنان إلى تونس وعاد إلى الضفة بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، هو أيضاً أحد الأشخاص الذين يمكنهم التنافس على وراثة عباس، لكن نيته غير واضحة. في المقابل، جبريل الرجوب، رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية، لا يخفي نيته وقدرته على استبدال محمود عباس.

كل هؤلاء المرشحين، الحقيقيين أو النظريين، يشاركون الموقف الذي يفيد بأن على م.ت.ف “المتجددة” ضم حماس وتنظيمات أخرى كجزء من الإصلاح. ولكن حماس نفسها التي لم تتوقف عن التصريح عن نيتها الانضمام لـ م.ت.ف لا توضح إلى أي م.ت.ف تريد الانضمام، هل م.ت.ف التي وقعت على اتفاق أوسلو والتي تعترف بدولة إسرائيل وتلتزم بحل الدولتين، أم م.ت.ف التي تتعهد بتغيير مبادئها وسياستها؟

أمس في تصريح آخر من التصريحات التي تمر بتعديل بعد فترة قصيرة على نشرها، قال موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي في حماس، إن حماس مستعدة لتبني فكرة حكومة التكنوقراط، التي لن تكون حماس شريكة فيها. في كانون الأول الماضي، في مقابلة مع موقع “مونيتور” أثار أبو مرزوق عاصفة عندما تحدث عن استعداد حماس للاعتراف بـ “الموقف الرسمي لـ م.ت.ف الذي يعني الاعتراف بدولة إسرائيل. نريد أن نكون جزءاً من م.ت.ف، ونحن نحترم التزامات هذه المنظمة”. بعد فترة قصيرة من ذلك، نشر بيان جاء فيه أنه لم يتم فهمه كما يجب، وأكد أن “حماس لا تعترف بشرعية الاحتلال الإسرائيلي، وهي غير مستعدة للتنازل عن حق من حقوق الشعب الفلسطيني”.

سؤال: هل حماس مستعدة للسماح بنشاطات حكومة تكنوقراط فلسطينية في غزة؟ هو سؤال ذو صلة، ليس بسبب موقف إسرائيل التي هي غير مستعدة حتى للسماع عن إمكانية عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. السؤال الجوهري الذي سيقف أمام قيادة م.ت.ف هو: كيف يمكن صياغة اتفاق تعاون مع إسرائيل، ليس فقط فيما يتعلق بقطاع غزة، بل أيضاً فيما يتعلق بالمناطق الأخرى، خاصة إزاء الموقف العلني لكل المرشحين لوراثة عباس، الذي يقول بوجوب أن تمر اتفاقات أوسلو بعملية جراحية عميقة، وأنه على حساب من تنضم. هذه أسئلة مهمة، لكن مشكوك فيه إذا كانت م.ت.ف ستنجح في الإجابة عليها في الفترة الزمنية التي ستحدد لوقف إطلاق النار إذا تم التوصل إليه.

———————————————

هآرتس 23/2/2024

الأمن الإسرائيلي يتوجس من “خطة نتنياهو”: يسعى لإشعال الضفة الغربية وجر أقدام فلسطينيي الـ 48

بقلم: أوري مسغاف

نتنياهو ليس أسيراً في يد بن غفير، فهو لا يخافه ولا يعتمد عليه. هذه رؤية سائدة وخاطئة. لا يوجد لبن غفير حكومة أخرى، سواء في الحاضر أو في المستقبل. ولو انسحب من الائتلاف فإن مقاعد غانتس وساعر ستحافظ على الائتلاف، وأعرب لبيد عن سعادته بالانضمام إلى الائتلاف بدلاً منه. نتنياهو يطبق سياسة بن غفير، لأن هذا ما يريده هو نفسه الآن، حرب شاملة، متعددة الساحات، حتى “النصر المطلق”.

عرف نتنياهو بحذره العسكري وخوفه من الخسارة، لكن هذا تغير بشكل دراماتيكي. ومكانته في أوساط الجمهور الواسع تحطمت، وتقلصت نواة دعمه، واقتصرت على البيبيين والحريديم والحريديم القوميين – الكهانيين. الحريديم لا يقتلون في الحروب. الحريديم القوميون – الكهانيون يرون قيمة للتضحية بالجنود والمدنيين المخطوفين. البيبيون يتهمون اليساريين والاستوديوهات بكل شيء. لذلك، نتنياهو مستعد لإشعال الحرم في شهر رمضان، وإشعال انتفاضة، وجر عرب إسرائيل إليها بالقوة، رغم أنهم أظهروا الاعتدال والتسامح حتى الآن. هذه ليست أجندة حصرية لبن غفير وسموتريتش، بل خطة نتنياهو. مباشرة بعد العملية في مفترق “كريات ملاخي” قال إن “كل البلاد جبهة”. وليس عبثاً تنافس قائمة موحدة لليكود و”قوة يهودية” على بلدية تل أبيب. لم يعد هناك فرق كبير بينها، سواء من حيث رؤيتها أو قيمها أو لغتها.

هاكم بياناً في الواتس اب نشرته جهات شرطية على مجموعات للمتطوعين الثلاثاء: “النقاط البارزة في آخر تقييم للوضع: على خلفية القيود المتوقعة على دخول العرب الإسرائيليين والفلسطينيين إلى “جبل الهيكل” [المسجد الأقصى] في شهر رمضان، هناك توقع بتسخين على المستوى القطاعي واندلاع أعمال الشغب على المدى الزمني الآني، يجب العودة إلى التأهب الكامل مثلما كانت الحال في بداية أحداث أكتوبر. هناك خطاب متزايد في الشبكات الاجتماعية وتحريض على العنف في الوسط العربي. يجب التعامل مع الاستعدادات الميدانية مثلما هي الحال في شهر رمضان من الآن، مع التركيز على مستوطنات خط التماس القريبة من الجدار.

معنى ذلك أن جهاز الأمن على قناعة بأن سياسة حكومة نتنياهو – بن غفير ستؤدي إلى الاشتعال الشامل على جانبي الخط الأخضر. جهات رفيعة في الجيش و”الشاباك” والشرطة، التي تكتفي بإظهار معارضتها وتحذيراتها والاستعدادات المسبقة للكارثة، تخون وظيفتها وتتنازل عن أمن إسرائيل ومواطنيها، هكذا أيضاً غانتس ورجاله، عليهم الضرب على الطاولة، وإذا كانت حاجة أن يرفضوا الأمر ويمنعوا إشعال الدولة بأجسادهم، وكل المنطقة على مذبح حكومة المرضى النفسيين الذين اختطفوا إسرائيل، وإلا فسيتم تسجيلهم إلى أبد الآبدين كشركاء في الجريمة.

وزيرة المواصلات والعضوة في “الكابينت” ميري ريغف، عادت هذا الأسبوع من رحلة في الهند وسيريلانكا استمرت ثمانية أيام. قالت إنها ستدفع هناك قدماً بسكة حديد تمر بين الهند وإسرائيل والسعودية، وباتفاق طيران مع سيريلانكا واتفاق لاستيراد العمال الأجانب. السلام مع السعودية ليس من اختصاصها، واتفاق الطيران مع سيريلانكا تم التوقيع عليه في 2004. وتم التوقيع على اتفاق محدث لاستيراد العمال الأجانب في كانون الأول الماضي. هذه الحكومة خرجت عن السيطرة في مستوى الوقاحة والأكاذيب وانفصال أعضائها.

السمكة تفسد من الرأس. في هذه الأثناء، يقومون بأعمال الصيانة لمنزلي رئيس الحكومة الخاصين على نفقة الدولة في أعقاب “الحاجة إلى الحماية”، التي تشمل أيضاً إعادة إغلاق البركة في قيساريا. في الوقت نفسه، تستمر أعمال الصيانة في المقر الرسمي في بلفور، وطائرة “جناح تسيون” حلقت الأربعاء إلى أثينا وعادت في رحلة تجريبية، على متنها كان 15 من أعضاء الطاقم و60 مفتشاً، بما في ذلك اثنان من عارضي الأزياء اللذان مثلا دور صاحب الجلالة، رئيس الحكومة وزوجته.

هذه المحاكاة شملت توفير الحماية من “الشاباك” وحفل استقبال مع السجاد الأحمر وتقديم الطعام والمشروب للركاب وتمرينا على مؤتمر صحافي أثناء الرحلة. إسرائيل معزولة ومنغلقة وأكثر عسكرة وهستيرية من أي وقت مضى. إسرائيل أصبحت كوريا الشمالية للشرق الأوسط.

———————————————

معاريف 23/2/2024

معولة على “استسلام” السنوار قبل رمضان.. إسرائيل: خطابات نصر الله تحرق عباءته

بقلم: ألون بن دافيد

في آخر 20 أسبوعاً من الحرب، بات الجيش الإسرائيلي قريباً جداً من هزيمة حماس في القطاع. بات ذراع حماس العسكري ملقياً نازفاً على الأرض، بعد أن ضُرب بشدة في كل مكان التقى فيه بالجيش الإسرائيلي. مثل ملاكم في الجولة الأخيرة، بعد أن أسقط في كل الجولات السابقة، تتردد حماس فيما إذا كانت ستنهض لتتلقى ضربة قاضية مؤكدة، أم تلقي الورقة الأخيرة المتبقية لها إلى الحلبة: المخطوفين.

فقدت حماس القدرة العسكرية، والسيطرة المدنية. تنتشر في شمال القطاع، وكذا في أجزاء من جنوبه، ظواهر الجريمة، ويد حماس قصيرة على فرض القانون والنظام هناك. منذ الآن يجد رجالها صعوبة في تحقيق سيطرة على توريد الغذاء والوقود الذي تتيح إسرائيل إدخاله.

في الأيام القريبة القادمة، سيتعين على حماس أن تقرر إذا كانت ستتقدم نحو صفقة مخطوفين توقف القتال أم تخاطر بفقدان الكتائب الستة الأخيرة المتبقية لها – وتقاتل في أيام رمضان. هذا قرار ستتخذه قيادة حماس في غزة، التي بخلاف تقارير كثيرة في الأيام الأخيرة، حية، تؤدي مهامها، وعندما يجب عليها ذلك – تعرف كيف تتصل أيضاً. دائرة التأثير في الجيش الإسرائيلي تريد لقيادة حماس في الخارج مثلما لسكان غزة أيضاً، أن تؤمن بأن قيادة المنظمة في غزة لم تعد تدير مهامها، وهذا على ما يرام. هذا دورها. لكن الغريب أن أجزاء واسعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية تشارك هي أيضاً في هذه الحملة.

إذا قرر السنوار بأن الوقت قد نضج للسير الآن إلى صفقة مخطوفين، فسيتطلب هذا قرارات صعبة في الجانب الإسرائيلي، عن تحرير مخربين وعن وقف القتال. من ناحية العملية العسكرية، يأتي هذا في وقت مريح نسبياً: من المتوقع أن ينهي الجيش الإسرائيلي قريباً عمليته القوية في خان يونس. إذا ما فرض عليه توقف، فمن الأفضل أن يأتي قبل عملية جديدة ويضطر لوقف القتال في خطوط أقل راحة.

حماس – ومثلها أيضاً حزب الله – ستسرها هدنة في أيام رمضان الذي سيبدأ في 11 آذار. وقد يستغل الجيش الإسرائيلي توقف القتال على أن يكون واضحاً بأن يعود ليطفئ كل جمرة مشتعلة تبقت في شعلة غزة، كي لا تبث فيها أي ريح لهيب حماس من جديد.

الجرس المنقذ

وبينما يتقدم القتال في الجنوب نحو حسم بالضربة القاضية، يحقق الجيش الإسرائيلي في الشمال حالياً تصدراً بالنقاط فقط. الطرفان، إسرائيل وحزب الله، اختارا حالياً ألا يصلا إلى حسم في هذه المعركة. حزب الله سجل إنجازاً مهماً في الأسبوع الأول، حين نجح في إخلاء كل خط المواجهة من سكانه، وينجح في تعزيز هذا الإنجاز، لكنه يدفع عليه ثمناً متزايداً.

لكن الخطابات الأخيرة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، التي كانت قتالية على نحو خاص، عكست الضائقة التي هو فيها. فقد غاب عنها الاعتداد والتهكم اللذان ميزا خطاباته. فقد أكثر من الحديث عن الثمن الذي تجبيه الحرب من رجاله ومن سكان جنوب لبنان، وسمع كمن يتمنى سماع الجرس الذي ينقذه من مواصلة المعركة.

حتى الشهر الأخير تباهى بقدرته على إبقاء شمال إسرائيل فارغاً من سكانه بثمن كان محتملاً من ناحيته، لكن توسيع هجمات الجيش الإسرائيلي وقتل رجال مهمين لحزب الله بدأت تؤلمه وتغير المعادلة. في الشهر الماضي، صفي صهر نصر الله الحاج طويل، قائد قوة الرضوان ومن كان مرشحاً ليحل محل قائد جهاز العمليات في المنظمة، إبراهيم عقيل. كما تم تصفية كل قيادة القوات الخاصة في الرضوان هذا الشهر: علي الدبس، المسمى حيدر، قائد فوج القوات الخاصة وصهر عقيل، صفي في النبطية مع ضابط الأمن وضابط العمليات لديه.

يشعر نصر الله بأن النار بدأت تمسك بهوامش عباءته. الأشخاص الذين صفوا كانوا احتياطي القيادة في حزب الله، الجيل المرشح لاستبدال القيادات الشائخة في المنظمة. حتى أكتوبر كان عقيل، قائد جهاز العمليات، يعتبر أحد القادة اللامعين في حزب الله. هو ابن 65، نجا من محاولة اغتيال إسرائيلية في العام 2000 وقاتل ضدنا منذ أكثر من 30 سنة.

بعد أربعة أشهر من القتال، بدا مخفقاً في توفير النجاحات التي وعد بها: خلايا مضادات الدروع لديه باتت تستصعب المس بالجيش، بل تصاب هي بنفسها، والصواريخ التي يطلقها ليست دقيقة، ويسقط قسم منها في أراضي لبنان. وحتى الإيرانيون لا يخفون خيبة أملهم من أداء حزب الله حتى الآن. فقد توقعوا أداء أكثر نجاحاً وجرأة، فعلينا أن نفترض بأن تكون محاولات من حزب الله قريباً كي يثبت بأنه لا يزال يعرف كيف ينفذ حملة ناجحة من التسلل لإسرائيل أو اختطاف جندي.

لشدة الأسف، ينجح حزب الله في سفك دم إسرائيلي هنا وهناك. فالرشقة الفتاكة لقيادة المنطقة الشمالية والتي جبت حياة المجندة عومر ساره بنجو، نفذها رجال “أمل”. بعث حزب الله بمُسيرة غير ناجعة، نجحت في اختراق منظومات دفاعية وسقطت قرب بحيرة طبريا.

رداً على ذلك، قرر الجيش الإسرائيلي العمل ضد هدف نوعي لحزب الله في عمق لبنان، ودمر مخازن سلاح في صيدا. هذا نوع من الأهداف التي تحفظ للحرب الشاملة. هجوم على هدف كهذا في إطار مواجهة محدودة، يبعث على التردد: من جهة، يطلق رسالة قدرة استخبارية للعمل في عمق لبنان. من جهة أخرى كفيل بأن يدفع حزب الله لتوزيع مخازن ذخيرته بحيث يصعب ضربها في الحرب.

يصعب تقدير مدى استيعاب الرسالة، فقد حذر نصر الله هذا الأسبوع رجاله من استخدام الهاتف الخلوي. ويواصل إطلاق النار في إطار “قواعد اللعب” في المعركة المحدودة في الشمال، لكن كما أسلفنا، ينبغي الافتراض بأنه يخطط لمفاجآت.

ينضم إلى الإصابات الأليمة والإخفاقات العملياتية، ضغط سكان جنوب لبنان الذي بدأ يعطي مؤشراته. فالقرى المجاورة للحدود أخليت منذ بداية الحرب، لكن بدأت تخلى أيضا بلدات أكبر في الأسابيع الأخيرة، مثل بن جبيل والخيام. أكثر من 120 ألف لبناني تركوا بيوتهم حتى الآن، لكن لا توجد في هذا مواساة لأكثر من 80 ألف إسرائيلي يعيشون كلاجئين منذ أربعة أشهر.

إذا وصلنا إلى صفقة مخطوفين في غزة، قد تؤدي أيضاً إلى تسوية في لبنان تسمح لسكان الشمال بالعودة إلى بيوتهم. ستكون هذه تسوية لا تقدم سوى ضمانات جزئية ومؤقتة لأمنهم، لكن باستثناء وزير الدفاع يوآف غالنت، من الصعب أن نرى في القيادة الإسرائيلية التصميم اللازم لإزالة التهديد في الشمال بالقوة. إذا ما أنهينا معركة المناوشات في الشمال بدون حسم، سنعرف بأن المعركة الحقيقية لا تزال أمامنا.

——————————————–

يديعوت أحرونوت 23/2/2024

“المعسكر الرسمي” يلعب دور ورقة التوت لعورة نتنياهو.. وناصر القدوة: الدولة أولاً

بقلم: ناحوم برنياع

حجم قوات الجيش الإسرائيلي في “يهودا والسامرة” أكبر الآن من حجم القوات في قطاع غزة. إذا ما أصررنا على التعريف لما يجري الآن في القطاع فهو أقرب إلى القتال منه إلى الحرب. تطهير المنطقة من فوق الأرض ومن تحتها صعب وخطير. ويجبي ثمناً يومياً بالقتلى وبالجرحى. لكن النطاق والتوقعات والمخاوف التي رافقت أشهر القتال الأولى انكمشت بشكل دراماتيكي. غزة في أيدينا: ماذا الآن. إنجاز المقاتلين في الميدان هو وجع رأس السياسيين الذين انتخبوا لقيادتهم. خمس كلمات يحرص نتنياهو على قولها في كل خطاب له: حرب، انتصار مطلق، بمعونة الرب، ولا يؤمن بأي منها.

اعتاد غانتس وآيزنكوت في سنواتهما بالجيش على العمل بالأوراق. هكذا هو الحال في الجيش: الكثير من الجيوب في السترة العسكرية، وفي إحداها دفتر صغير، غالباً مع رمز الوحدة. يتوقع الجيش من الضابط أن يسجل في الدفتر كل ما قد ينساه، ثم يحول الملاحظات إلى ورقة أخرى، تكون أساساً للمداولات. قد لا يعرف جيل الجنرالات القادم ما هو الورق: ستوظف كل حكمته في الخلوي. ولكن غانتس وآيزنكوت (وكذا هرتسي هليفي) ينتمون للجيل القديم.

يعمل الناس بشكل مختلف في السياسة: الوزراء يأتون إلى الجلسات مسلحين بالمساعدين، وليس بالأوراق. الأوراق تخيفهم: فهي ملزمة ورسمية جداً، ويسهل تسريبها؛ وصعب التنكر لها. في “الكابينت الضيق” تصطدم الثقافة بالثقافة.

خمس أوراق عرضها غادي آيزنكوت على الكابينت. وقد صنفها بلقب “سري”. الأربعة الأولى لم تصل إلى وسائل الإعلام كما هي، ربما لأن الرقابة العسكرية في “الكابينت الضيق” رأت في بداية الحرب محفلاً عسكرياً سرياً وليس سياسياً. أما الخامسة فنشرها يوم الإثنين، يرون أبراهام، المراسل السياسي لأخبار 12. اعتقدت دوماً أن الطريق الأكثر حكمة لدفن وثيقة ما هي نشرها: ضيق نظر الزملاء في المهنة سيحرص على مهمة الدفن. لعله كان الدافع هذه المرة أيضاً، ولعل دوافع أخرى كانت هناك: طرائق المسرب متضاربة.

مهما يكن من أمر، فإن ما كتبه آيزنكوت جدير أن يطرح على الجدال الجماهيري. فقد ذكر ما تحقق وما لم يتحقق في الأشهر الأربعة من القتال: تحقق تقويض حماس في معظمه؛ وإعادة المخطوفين في قسم منه؛ وإعادة الأمن في قسم منه؛ وإنهاء الحرب لم يتحقق قط. ذكر سلسلة من المواضيع التي يفترض بالكابينت أن يقرر بشأنها: مخطط إطار لإعادة المخطوفين قبل دخول شهر رمضان؛ ومنع انتفاضة ثالثة في الضفة؛ والدفع قدماً ببديل مدني لإدارة غزة؛ وإعادة السكان في الغلاف وفي الشمال إلى بيوتهم. لكن نتنياهو منع أو عرقل القرارات في كل هذه المواضيع.

عندما قرر حزب المعسكر الرسمي الانضمام إلى الحكومة، اقترح آيزنكوت فحص القرار وفقاً لمعيار واحد: مدى تأثير غانتس وتأثيره على القرارات. منظمات الاحتجاج مقتنعة بأن التأثير صفري: كلاهما سترة واقية، ورقة التين لحكومة نتنياهو.

هما مقتنعان بأن تأثيرهما ذو مغزى، والمحاضر تشهد. كان لهما تأثير كبير إلى سياسة استخدام نار الجيش الإسرائيلي في غزة والشمال. وفي القائمة أيضاً: جهد منع الانفجار في الضفة في رمضان؛ والخطاب الواسع عن اليوم التالي؛ ومحاولة الوصول إلى قانون تجنيد آخر، أقل تمييزاً؛ ومشاركة إسرائيل في المحادثات على صفقة المخطوفين المتجددة في باريس اليوم. وبكلمات أخرى: الإحساس بأن بن غفير وسموتريتش يقودان الحكومة صحيح جزئياً. تأثير غانتس وآيزنكوت واضح في كل ما يتعلق بالأمن.

قد نصيغ الأمور بشكل مختلف: لنا حكومة يعرف كل وزير فيها ما يريد رئيس الوزراء عندما يتعلق القرار بمصلحته الشخصية؛ أما بخصوص المواضيع الأخرى فلا وزير يعرف ماذا يريد رئيس الوزراء. كل طرف يدفع قدر استطاعته. في هذا الواقع، من يسارع للاستقالة يترك الدولة للسموتريتشيين.

هما يتجهان إلى الانتخابات في أيلول أو كانون الأول. حتى لو أراد نتنياهو استقالتهما، فليس لهما نية للاستقالة. خصوصاً الآن.

أحد المقاطع الكلاسيكية في “حقيبة الأكاذيب” يروي عن مردخ، الصياد الطبرياني، الذي اشترى فانوساً جديداً. عندما خرج إلى الإبحار في بحيرة طبريا قال له الأصدقاء: القِ بالفانوس إلى الماء. فرفض. قالوا له، ليس لك شخصية. في النهاية، عندما ألقى الفانوس إلى الماء قال له الأصدقاء: أرأيت، ليس لديك شخصية. كل واحد يمكنه التأثير عليك.

قبل كل شيء، دولة

ناصر القدوة (70 سنة)، ابن أخت ياسر عرفات، كان لـ 15 سنة سفير م.ت.ف في الأمم المتحدة وشغل وزير خارجية السلطة الفلسطينية لسنة واحدة. في 2021 قرر التنافس في قائمة مستقلة في الانتخابات للسلطة. فدوى، زوجة مروان البرغوثي الحبيس في إسرائيل، كانت رقم 2 في القائمة. أبو مازن لم يغفر: أطاح بالقدوة من اللجنة المركزية لحركة فتح، وطرده من مناطق السلطة. وألغيت الانتخابات. أما الآن فهو يسكن في نيس، بفرنسا.

القدوة حليف محمد دحلان، الخصم الآخر لأبو مازن. مثلما كان للقرابة العائلية لمناحيم بيغن ذات مرة وزن في الليكود، فإن لقرابة عرفات العائلية وزن أيضاً في الشارع الفلسطيني. الأمير المنفي يبقى أميراً. في الأشهر الأخيرة، يسافر من عاصمة إلى عاصمة في العالم العربي في محاولة لنيل تأييد لخطته لاستبدال الحكم في رام الله وإعمار القطاع. يرى في أبو مازن الرجل السيئ، إلى جانب نتنياهو. الفجوة بين ما يعرضه وما ستكون أغلبية الإسرائيليين مستعدة لقبوله، فجوة شاسعة. أول أمس، التقينا في حديث “زوم” طويل.

أي تسوية يمكنها أن تنجح في غزة في اليوم التالي؟ سألت.

“المطالب الفلسطينية للتسوية مفهومة من تلقاء ذاتها”، أجاب. “وقف الحرب، وانسحاب إسرائيلي تام من كل القطاع. لإسرائيل مطالب أمنية يجب معالجتها. المرحلة الأولى هي تبادل السجناء. ويجب أن يؤدي هذا إلى حل أوسع للنزاع”.

يخيل أنك ترى في الحرب فرصة، وليس فقط مأساة؟

“الوضع فظيع”، قال. “نعم، مأساة. لكنه ينطوي أيضاً على وعد بمستقبل للشعبين. المشكلة أن رئيس وزرائكم يمنع كل شيء: يمنع التغيير اللازم في غزة، ويمنع الطريق إلى المستقبل. أصدقاء إسرائيل، بمن فيهم الصديقة الأفضل لكم، أمريكا، بدأوا يفهمون بوجود فرق بين مصلحة الدولة ومصلحة من يقف على رأسها. هذا بالتأكيد جديد”.

هل يمكن لحماس أن تلعب دوراً في مستقبل غزة والضفة؟ بالنسبة لنا هذه مسألة حرجة.

“الوضع سيتغير. لا شك في ذلك”، أجاب. “بعد الحرب ستكون لنا حكومة جديدة مسؤولة عن الضفة وغزة في آن واحد. لن تكون حماس جزءاً منها. يمكننا أن نضعف حماس، لكن بيانات حكومة إسرائيل عن تصفية حماس، إبادة حماس، لن تخرج إلى حيز التنفيذ”.

ماذا سيكون أساس الحكومة التي تتحدث عنها؟

أعتقد أنها ستلبي ثلاثة مطالب: ستكون لها شرعية لدى الجمهور الفلسطيني وفي ساحتنا السياسية، وستكون لها قدرة تنفيذ؛ وسيكون لها دعم الدول التي يفترض أن تقدم المال.

“القيادة الحالية يجب أن ترحل. قلت هذا حتى قبل الحرب. بعد الحرب، كل فلسطيني يفهم بأننا لن نسمح لأنفسنا بحرب داخلية. وعليه، قلنا “حسناً” نتساوم: أبو مازن يمكنه أن يبقى رئيساً، لكن بوظائف طقسية. الفلسطينيون تواقون لحكم يقدم لهم الخدمات التي يفترض بالحكومة أن تقدمها.

“في المرحلة الأولى، تكون حكومة بدون سياسيين، ثم تجرى انتخابات لاحقاً. صندوق الاقتراع هو الحل الصائب. لكن ليس الآن. علينا الآن أن نهتم بمليوني فلسطيني نزحوا من بيوتهم”.

أبو مازن طردك من قيادة فتح؟

“بخلاف ما هو دارج التفكير”، قال “صدامي مع أبو مازن حصل قبل قضية الانتخابات. بدأ هذا بانتقادي لإجراءات الرئيس المناهضة للديمقراطية. أخرجني من اللجنة المركزية، وهذا قرار غير قانوني على نحو ظاهر، بعدها أقمنا قائمة للانتخابات ودمجناها مع قائمة البرغوثي. المفارقة أنه كلما تعززت قوتنا في الجمهور، انخفض احتمال إجراء انتخابات. وبالفعل، ألغيت الانتخابات.

هل يستطيع محمد دحلان ومروان البرغوثي تأدية أدوار في السلطة الجديدة؟

“ليس صحيحاً استخدام الفيتو على أحد. سيكونان جزءاً من القيادة، لفتح وللسلطة. أما ما سيفعلانه فهذا منوط بهما”.

حتى هذه اللحظة لم تذكر في حديثنا كلمة إرهاب. نحن نتحدث عما فعله سياسيون في الطرفين، لكن أكثر منهم، الإرهاب هو العنصر الذي نجح في عرقلة كل محاولة للوصول إلى التعايش.

“ليس للفلسطينيين مشكلة في اتخاذ موقف في هذا الموضوع. المشكلة في وجود من يفترض بأن حياة الفلسطيني أرخص من حياة الإسرائيلي”.

للإرهاب آباء، مثلاً: إيران، الإخوان المسلمون.

“ذكرت إيران”. “أعتقد أن إيران امتنعت عن التدخل المباشر في الحرب، سواء هي أو وكلاؤها، وهناك نتائج. انخفض حضور إيران في المجال الفلسطيني في زمن الحرب”.

هل أنت خائب الأمل من عدم نشوب حرب بين إيران وإسرائيل؟

“لست خائب الأمل، إنما أعرض الحقيقة. وهو الحال بالنسبة للإخوان المسلمين. لا أنوي الدفاع عنهم: نحن مختلفون. لكن هناك إسرائيليين اعتقدوا أنه يجدر ضخ أموال نقدية لهم بسبب حرب غزة. عندما يصل السياسيون إلى قرار غير صحيح، تنشأ فوضى كبيرة”.

هل تسعى لتأدية دور في إعمار غزة؟

“اسمح لي أن أعدلك؛ لن يكون فصل بين غزة والضفة. حجوم الدمار تتطلب من الجميع التجند. أنا جاهز لأقدم نصيبي”.

ألا تخف من أن يتهم كل فلسطيني يأخذ مسؤولية عن غزة، بالتعاون مع إسرائيل؟

“لا، بشرط أن يتم هذا بطريقة تخدم المصلحة الفلسطينية. إذا انسحبت إسرائيل وأقيم إطار سياسي يسعى بجدية لإقامة دولة ولا يتورط بهراء يسمى مسيرة السلام – فالجواب: لا. إذا لم تحصل هذه الأمور، فسيكون الفشل مضمونا. لا أحد يريد تحمل المهمة على عاتقه.

“إعمار غزة مهمة صعبة حتى بدون وجود إسرائيلي. وكيف بوجوده؟ سيكون متعذراً”.

“في 2005، في زمن ما سميتموه “فك الارتباط”، لم تفكوا ارتباطكم عن غزة حقاً. الجيش أعاد انتشاره – هذا كل شيء. واصلتم التحكم بالأرض والماء والهواء. وفي وقت لاحق، فرضتم الحصار على غزة. حتى بدون وجود جنود إسرائيليين، كانت غزة أرضاً محتلة”.

أنت سياسي مجرب، تعرف بأن مشاكل الأمن لإسرائيل حقيقية. القلق من تكرار فظائع 7 أكتوبر تقض مضاجعنا. وهذا حاد بشكل خاص لدى سكان الغلاف.

“أفهم، لكن تقع على عاتق الإسرائيليين مسؤولية لما حصل. تتحدثون الآن عن سياسة سلام كانت لكم وفشلت، هذه ليست حقيقة. بل اتبعتم سياسة فرق تسد.

“الحكومات الغربية أعطتكم القوة لمنع قيام دولة فلسطينية. في اللحظة التي وافقت على أن حل الدولتين لن يأتي إلا من خلال مفاوضات مباشرة، أعطت إسرائيل الفيتو. انتقلت إقامة الدولة إلى الحسم في السياسة الإسرائيلية الداخلية”.

هل تعارض المفاوضات المباشرة؟

“أؤيد المفاوضات المباشرة، وهناك الكثير من المواضيع الحرجة التي يجب التوافق عليها. لكن دولة أولاً، ثم مفاوضات بعد ذلك: يجب تعديل الطاولة. التغيير في هذا الموضوع يحصل الآن. دبلوماسيون غربيون، بما في ذلك المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية، لم يعودوا يتحدثون عن حل دولتين، بل عن دولة فلسطينية”.

هل يسمحون لك بالعودة إلى رام الله؟

“نظرياً، نعم. يمكنني أن أذهب إلى الضفة الغربية. لكن هناك بضعة أشخاص… لا أصدقهم. عندنا تجربة مع مثل هذه النماذج في كل العالم. لست مستعداً للمخاطرة”.

———————————————

بينها “لا إعمار قبل نزع السلاح”..

الأولى منذ بدء الحرب..تفاصيل خطة نتنياهو “لليوم التالي” في غزة

23/2/2024

أمد/ تل أبيب: أظهرت وثيقة قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول ما يعرف بـ “اليوم التالي” لما بعد الحرب في غزة، أن السلطة الفلسطينية قد يكون لها دور في القطاع الذي سيكون “منزوع السلاح بالكامل” باستثناء الأسلحة “الضرورية للحفاظ على النظام العام”.

وحسب موقع “أكسيوس” الأمريكي فإن الوثيقة التي قدمها نتنياهو إلى وزراء في حكومته، تؤكد على أن إسرائيل “لن تسمح بإعادة الإعمار إلا بعد نزع السلاح في القطاع”.

وقال الموقع إن تلك هي المرة الأولى التي يقدم فيها نتنياهو أي موقف مكتوب بشأن خططه لليوم التالي للحرب في غزة. لكن المبادئ المنصوص عليها في وثيقة يوم الخميس، تفتقر إلى التفاصيل الملموسة وتستند إلى حد كبير إلى تصريحات نتنياهو العامة في الأشهر القليلة الماضية.

وقال مكتب نتنياهو إن الوثيقة، التي تم تقديمها أيضًا إلى وزراء حكومة نتنياهو، تقدم عدة مبادئ كأساس للمناقشات حول هذه القضية.

وقال أحد كبار مساعدي نتنياهو إن الهدف هو تقديم مبادئ من شأنها أن تحظى بأكبر قدر ممكن من الإجماع، لكنه قال إن المشاورات في مجلس الوزراء ستؤدي على الأرجح إلى تغييرات قبل الموافقة على السياسة.

مبادئ الوثيقة:

تتناول المبادئ الواردة في الوثيقة بشكل عام العديد من المجالات الرئيسية لقطاع غزة وإسرائيل في مرحلة ما بعد الحرب.

* إسرائيل ستنشئ “منطقة أمنية” داخل أراضي غزة المتاخمة لإسرائيل “طالما أن هناك حاجة أمنية إليها”.

* ستسيطر إسرائيل أيضًا على الحدود بين قطاع غزة ومصر، وستعمل هناك “قدر الإمكان بالتعاون مع مصر وبمساعدة الولايات المتحدة”. لمنع التهريب من الجانب المصري للحدود، بما في ذلك عبر معبر رفح.

* تواجد الجيش الإسرائيلي وحدود غزة: وفقًا للخطة، ستحافظ قوات الجيش الإسرائيلي إلى أجل غير مسمى على حرية العمليات في جميع أنحاء قطاع غزة – وهو الموقف الذي عبر عنه نتنياهو في الماضي.

* نزع السلاح: تقول الوثيقة إن قطاع غزة سيكون منزوع السلاح بالكامل باستثناء الأسلحة “الضرورية للحفاظ على النظام العام”، وستكون إسرائيل مسؤولة عن مراقبة نزع السلاح في الجيب وضمان عدم انتهاكه.

* تنفيذ خطة اجتثاث التطرف في جميع المؤسسات الدينية والتعليمية والرعاية الاجتماعية في قطاع غزة. وتنص الوثيقة على أنه سيتم تنفيذ هذه الخطة “بقدر الإمكان بمشاركة ومساعدة الدول العربية التي لديها خبرة في تعزيز مكافحة التطرف في أراضيها”.

* إعادة الإعمار: تشدد الوثيقة على أن إعادة إعمار قطاع غزة لن تكون ممكنة إلا بعد الانتهاء من عملية التجريد من السلاح وبدء عملية نزع التطرف – وهو موقف لم يعبر عنه نتنياهو علنًا من قبل.

وتنص الوثيقة على أن “خطط إعادة الإعمار سيتم تنفيذها بتمويل وقيادة دول مقبولة لدى إسرائيل”.، لم توافق أي دولة حتى الآن على تمويل إعادة إعمار غزة، وقالت العديد من الدول إنها لن تفعل ذلك دون أفق سياسي واضح للفلسطينيين.

ويبدو أن نتنياهو يلمح إلى مشاركة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في جهود إعادة الإعمار والقضاء على التطرف. لكن الدولتين الخليجيتين أوضحتا علناً وفي رسائل خاصة لنتنياهو أنهما لن تشاركا في أي خطة “لليوم التالي” في غزة إذا لم تتضمن مساراً لإقامة دولة فلسطينية.

* لا تحدد الوثيقة بوضوح من يتصور نتنياهو أن يحكم غزة بعد الحرب، لكنها تقول إن “عناصر محلية ذات خبرة إدارية” ستكون مسؤولة عن الإدارة المدنية والنظام العام في غزة، وهذه العناصر “لن يتم ربطها بالدول أو الكيانات التي تدعم الإرهاب ولن تتلقى أموالاً منها”.

الوثيقة لا تستبعد أن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً في إدارة غزة، رغم أنها لا تذكر السلطة الفلسطينية أيضاً على وجه التحديد، وتضغط إدارة بايدن من أجل “إعادة تنشيط” السلطة الفلسطينية لتلعب دورا في حكم القطاع.

* إغلاق الأونروا: يريد نتنياهو أيضًا إغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)، وهي أكبر مورد للمساعدات في غزة، واستبدالها بوكالات مساعدات دولية أخرى.

وتزعم إسرائيل أن موظفي الأونروا متورطون في هجوم 7 أكتوبر. وبدأت الأمم المتحدة تحقيقا مستقلا في الوكالة والادعاءات.

وفي نهاية الوثيقة أعرب نتنياهو مرة أخرى عن معارضته لإقامة دولة فلسطينية من جانب واحد: “إن إسرائيل ترفض بشكل قاطع الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين. ومثل هذه التسوية لن تتحقق إلا من خلال مفاوضات صادقة بين الطرفين”. دون شروط مسبقة”. وأضاف أن “إسرائيل ستواصل معارضة الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية. إن مثل هذا الاعتراف في أعقاب مذبحة 7 تشرين الأول/أكتوبر من شأنه أن يعطي مكافأة ضخمة للإرهاب غير المسبوق ويمنع أي تسوية مستقبلية للسلام”.

———————————————

نيويورك تايمز: عزلة إسرائيل تتزايد مع تعاظم الإدانات الدولية وحاميتها أمريكا تواجه اختبارا

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا لمدير مكتبها في لندن مارك لاندلر، بعنوان: “مع تزايد عدد القتلى في غزة، عزلة إسرائيل تتزايد”، أكد فيه أن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع الفلسطيني، جلبت موجة من الإدانة للعملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة، وهي بمثابة اختبار للدعم الذي تقدمه أقوى حليف لها، الولايات المتحدة.

الكاتب الذي يغطي شؤون المملكة المتحدة، بالإضافة إلى السياسة الخارجية الأمريكية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وعمل صحافيا لأكثر من ثلاثة عقود، كما تعرّفه الصحيفة، بدأ مقاله بخلفية تاريخية أشار فيها إلى “تحذير ديفيد بن غوريون، أحد ‏الآباء المؤسسين لإسرائيل، في عام 1955 من أن خطته للاستيلاء على قطاع غزة من مصر ستثير رد فعل عنيفا في الأمم ‏المتحدة، حيث سخر من الأمم المتحدة، مرددا اختصارها العبري، “أوم شموم” (ومعناه الأمم المتحدة أرض قاحلة).

لقد أدى التعاظم الهائل في الضغوط العالمية إلى ترك الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في عزلة شديدة. ‏وإن لم تكن قد خضعت بعد، فيرجع ذلك إلى أنها لا تزال تحظى بدعم الولايات المتحدة

و”جاءت هذه العبارة لترمز إلى استعداد إسرائيل لتحدي المنظمات الدولية، عندما تعتقد أن مصالحها الأساسية معرضة للخطر”.

ولفت الكاتب إلى أنه “بعد مرور ما يقرب من 70 عاما، تواجه إسرائيل موجة أخرى من الإدانة في الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، ومن ‏عشرات الدول بسبب عمليتها العسكرية في غزة، التي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 29 ألف فلسطيني، غالبيتهم من النساء ‏والأطفال وخلفت دمارا شاملا في المنطقة”.‏

وأضاف: “لقد أدى التعاظم الهائل في الضغوط العالمية إلى ترك الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في عزلة شديدة، ‏وإن لم تكن قد خضعت بعد، فيرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى أنها لا تزال تحظى بدعم أقوى حليف لها، الولايات المتحدة”.

واستطرد: “لكن هذه المرة، تواجه إسرائيل قطيعة نادرة مع واشنطن. وتعمم إدارة بايدن مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ‏يحذر الجيش الإسرائيلي من شن هجوم بري في رفح، بالقرب من مصر، حيث يقيم أكثر من مليون لاجئ فلسطيني، كما ‏سيدعو إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن”.‏

وأشار الكاتب إلى مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل؛ الذي قال: “إنها مشكلة كبيرة للحكومة الإسرائيلية لأنها كانت قادرة كما في ‏السابق على الاختباء خلف حماية الولايات المتحدة. لكن بايدن يشير الآن إلى أن نتنياهو لم يعد قادرا على اعتبار هذه الحماية ‏أمرا مفروغا منه”.‏

وأضاف إنديك: “هناك سياق أوسع من الإدانة من قبل الرأي العام الدولي، وهو أمر غير مسبوق من حيث الاتساع والعمق، ‏الذي امتد إلى الولايات المتحدة. لقد أصبحت الدوائر الانتخابية التقدمية والشبابية والعرب الأمريكيون في الحزب الديمقراطي، ‏غاضبة وتنتقد بايدن بشدة لدعمه لإسرائيل”.‏

ويلفت الكاتب إلى أنه حتى الآن، لم يسمح الرئيس بايدن للضغوط الدولية أو المحلية بالتأثير عليه. وفي يوم الثلاثاء، عادت الولايات المتحدة للقيام ‏بدورها المألوف، حيث استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع صدور قرار، بمبادرة من الجزائر، يدعو إلى وقف ‏فوري لإطلاق النار في غزة. وهذه هي المرة الثالثة خلال حرب غزة التي تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض ‏ضد قرار يضغط على إسرائيل.‏

وذكر الكاتب أنه منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945، أي قبل قيام دولة إسرائيل بثلاث سنوات، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض أكثر ‏من 40 مرة لحماية الدولة العبرية من مجلس الأمن. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث الأمريكيون مجرد صوت آخر، ‏أصبحت القرارات ضد إسرائيل أمرا شائعا. وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، صوّتت الجمعية العامة بأغلبية 153 صوتا مقابل ‏‏10، مع امتناع 23 عضوا عن التصويت، على وقف فوري لإطلاق النار‎.‎‏ ‏

أي قطيعة مع الولايات المتحدة، أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، وحليفها السياسي القوي، والمدافع الدولي الرئيسي ‏عنها، ستكون مسألة مختلفة تماما

وقال مايكل أورين، سفير إسرائيل السابق لدى الولايات المتحدة، متحدثا عن الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وهيئات ‏أخرى: “فيما يتعلق بالإسرائيليين، فإن هذه المنظمات تقف ضدنا. إن ما يفعلونه لا يؤثر علينا استراتيجيا أو تكتيكيا أو ‏عملياتيا”.‏

لكن أورين أقرّ بأن أي قطيعة مع الولايات المتحدة، أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، وحليفها السياسي القوي، والمدافع الدولي الرئيسي ‏عنها، ستكون “مسألة مختلفة تماما”.‏

ويقول الكاتب إنه بينما تتعرض إسرائيل لضغوط شديدة منذ الأيام الأولى لهجومها على غزة، فإن جوقة الأصوات من العواصم الأجنبية ‏أصبحت مدوية في الأيام الأخيرة. وفي لندن، دعا حزب العمال المعارض، الثلاثاء، إلى وقف فوري لإطلاق النار، مغيّرا ‏موقفه عن موقف حزب المحافظين الحاكم، تحت ضغط من أعضائه ومن أحزاب معارضة أخرى.‏

ونوّه الكاتب إلى أنه حتى الأمير ويليام، وريث العرش البريطاني البالغ من العمر 41 عاما، دعا إلى “إنهاء القتال في أقرب وقت ممكن”، وهو ‏تدخل جيوسياسي نادر من قبل أحد أفراد العائلة المالكة الذين عادة ما يتجنبون مثل هذه القضايا. وقال ويليام في بيان يوم ‏الثلاثاء: “لقد قُتل عدد كبير جدا”.‏

ولعل العرض الأكثر إثارة للانتباه لعزلة إسرائيل، وفق الكاتب، هو ما حدث في محكمة العدل الدولية، حيث يصطف ممثلو 52 ‏دولة هذا الأسبوع لتقديم مرافعاتهم في قضية تنظر في شرعية “احتلال إسرائيل واستيطانها وضمها” للأراضي الفلسطينية. ‏بما في ذلك الضفة الغربية والقدس الشرقية، وكان معظمهم ينتقدون إسرائيل بشدة.‏

وشبّهت جنوب أفريقيا معاملة إسرائيل للفلسطينيين بـ”شكل متطرف من الفصل العنصري”. وقد أشهرت حكومة جنوب ‏أفريقيا قضية منفصلة في المحكمة، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة‎.‎

وذكر الكاتب أنه في يوم الأربعاء الماضي، هبّت الولايات المتحدة مرة أخرى للدفاع عن إسرائيل، وناشدت المحكمة عدم إصدار حكم يلزم إسرائيل ‏بالانسحاب غير المشروط من هذه الأراضي. وقال محامي وزارة الخارجية الأمريكية، ريتشارد فيسيك؛ إن هذا من شأنه أن يجعل ‏التوصل إلى تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين أكثر صعوبة؛ لأنه لن يأخذ أمن إسرائيل بعين الاعتبار.‏

لكن صوت أمريكا كان صوتا وحيدا، ولم تقدم سوى بريطانيا حجة مماثلة، كما يلفت الكاتب.

وقال فيليب ساندز، محامي حقوق الإنسان الذي تحدث نيابة عن الفلسطينيين: “الحقيقة هي العكس تماما”. وفي إشارة إلى أن ‏المحكمة أكدت بالفعل حق الفلسطينيين في تقرير المصير، قال: “إن وظيفة هذه المحكمة.. وظيفة هؤلاء القضاة، ووظيفتكم هي تبيان القانون: توضيح الحقوق والالتزامات القانونية التي تسمح بحل عادل في المستقبل‎.”‎

ورغم أن حكم محكمة العدل الدولية سيكون استشاريا فقط، وقد رفضت تل أبيب حضور هذه الإجراءات. لكن تحدي إسرائيل للهيئات ‏الدولية لا يعني أنها تتجاهلها تماما.‏

ولفت الكاتب إلى أن الحكومة الإسرائيلية رفضت في البداية ادعاءات جنوب أفريقيا بالإبادة الجماعية، ووصفتها بأنها “حقيرة ومزرية”. وكانت ‏هناك تقارير تفيد بأن نتنياهو أراد إرسال آلان ديرشوفيتز، المحامي الذي دافع عن دونالد ترامب، والممول ومرتكب الجرائم ‏الجنسية جيفري إبستين، لعرض قضية إسرائيل، وهو الاختيار الذي قال البعض؛ إنه كان سيحوّل جلسة الاستماع إلى جلسة ‏سيرك.

دانييل ليفي: إسرائيل تدرك أنه يتعين إبقاء المعارضة العالمية على مستوى الخطابة. ولا ‏يمكن السماح لها بالدخول إلى عالم التكاليف والعواقب

وفي النهاية، أرسلت إسرائيل فريقا قانونيا رفيع المستوى، بقيادة المحامي الأسترالي الإسرائيلي، تال بيكر، الذي قال ‏إن جنوب أفريقيا قدمت “وصفا مخالفا للواقع” حول الصراع.‏

وأشار الكاتب إلى أنه في حكم مؤقت صدر في أوائل شباط/ فبراير، أمرت المحكمة إسرائيل بمنع ومعاقبة التصريحات العامة التي تشكل تحريضا ‏على الإبادة الجماعية، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. لكنها لم تستجب لطلب رئيسي من جنوب أفريقيا، وهو ‏أن تعلق إسرائيل حملتها العسكرية.‏

وأكد أنه حتى مع الأمم المتحدة نفسها، فإن الدافع الإسرائيلي لقول “أوم شموم” لا يذهب أبعد من ذلك. وكثيرا ما تقوم إسرائيل ‏بمناورات لنسف أو تخفيف قرارات مجلس الأمن؛ لأنها تدرك أنها يمكن أن تفتح الباب أمام العقوبات.‏

وذكر الكاتب أنه في كانون الأول/ ديسمبر 2016، ضغط المسؤولون الإسرائيليون على ترامب، الذي انتخب للتوّ رئيسا، للضغط على ‏الرئيس الأسبق باراك أوباما لاستخدام حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن يدين إسرائيل بسبب المستوطنات اليهودية في ‏الضفة الغربية (امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، وتم تمرير القرار).‏

وأشار إلى دانييل ليفي، مفاوض السلام الإسرائيلي السابق، الذي يدير الآن مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط، وهي ‏مجموعة بحثية مقرها في لندن ونيويورك؛ الذي قال: “إنهم يدركون أنه يتعين عليك إبقاء المعارضة العالمية على مستوى الخطابة. لا ‏يمكنك السماح لها بالدخول إلى عالم التكاليف والعواقب”.

———————————————

فخ إستراتيجية “مكافحة التمرد” في غزة

كولن ب. كلارك*- (فورين أفيرز) 5 شباط (فبراير) 2024

في أوائل شهر كانون الثاني (يناير)، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيبدأ بسحب بعض قواته من قطاع غزة، وخلال الأسابيع القليلة المقبلة، من المتوقع أن تغادر غزة خمسة ألوية تتألف من بضعة ألوف من الجنود. لكن هذه الخطوة، بدلاً من كونها إشارة إلى نهاية القتال، كانت تنبئ على الأرجح بمرحلة جديدة في صراع إسرائيل ضد “حماس”. وما بدأ كحرب تقليدية في الأساس قد يتحول إلى شيء مختلف تماماً: حملة لمكافحة التمرد.

بدلاً من الاستمرار في الأساليب الحالية المتمثلة في تحركات القوات على نطاق واسع، والقصف الجوي المكثف، والقتال واسع النطاق الذي ميز الصراع حتى الآن، فإن التحول نحو استراتيجية مكافحة التمرد سيعتمد أكثر على قوات العمليات الخاصة، والضربات الدقيقة، والغارات الموجهة. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى قيام الجيش الإسرائيلي بالحفاظ على سيطرته على المناطق بمجرد تأمينها من مقاتلي “حماس”. وأوصى الجنرال المتقاعد بالجيش الأميركي ومدير وكالة المخابرات المركزية السابق ديفيد بتريوس، إسرائيل، بهذا التكتيك في غزة، وهو ما يتلخص في نصيحته خلال خطاب ألقاه في 30 تشرين الثاني (نوفمبر): “لا تكتفوا بإخلاء المناطق ومن ثم المضي قدماً”. وهو في ذلك يكرر المبدأ الذي كان محورياً في الحملة الأميركية التي قادها لمكافحة التمرد في العراق، التي لخصها الشعار: “نظف، سيطر، وابنِ”. (أي تطهير الأراضي من مقاتلي “حماس”، ثم السيطرة على هذه الأراضي لمنع عودة المقاتلين إليها، ثم بناء الخدمات الأساسية والبنية التحتية فيها من أجل تجنب ظهور أي تمرد من جديد).

لكن قول ذلك أسهل من فعله. في الواقع، تشير البحوث التي أجريت حول حملات مكافحة التمرد السابقة إلى أن مثل هذا النهج في غزة قد يغرق الجيش الإسرائيلي في مستنقع يمكن أن يستمر لسنوات عديدة. في المقابل، سوف تتكيف “حماس” مع واقعها الجديد من خلال الاعتماد على شبكة أنفاقها تحت الأرض، واستخدام البنية التحتية المدمَّرة لصالحها، والاستفادة من أكوام الركام الهائلة الموجودة الآن في مختلف مدن غزة لإخفاء تحركاتها وعبواتها الناسفة. وبالإضافة إلى ذلك، قد تبدأ “حماس”، إلى جانب الجماعات (الإرهابية) الأخرى داخل غزة، في استخدام مهاجمين انتحاريين ضد الجنود الإسرائيليين الذين يقومون بدوريات راجلة.

وبعبارات بسيطة، فإن تطبيق رؤية بتريوس لمكافحة التمرد في غزة سيكون بمثابة كارثة بالنسبة للجيش الإسرائيلي. وسيقدم الفلسطينيون وغيرهم مزاعم مشروعة بأن إسرائيل تعيد احتلال الأراضي. وعلاوة على ذلك، قد تسهم الغارات ونقاط التفتيش في زيادة تطرف المدنيين في غزة. وستستغل “حماس” الوضع لكي تهمش الأصوات الفلسطينية الأكثر اعتدالاً، وتحث على انتفاضة واسعة النطاق من شأنها أن تودي بحياة مزيد من الجنود الإسرائيليين ومزيد من المدنيين الفلسطينيين، وتحفز الأعضاء الآخرين في ما يسمى بمحور المقاومة التابع لإيران لشن هجمات على أهداف في إسرائيل وأماكن أخرى. وعوضاً عن وضع حد للعنف، فإن حملة مكافحة التمرد في غزة قد تؤدي إلى اندلاع حرب أبدية.

الأهداف السياسية: في عداد المفقودين

ما يزال الهدف النهائي لإسرائيل في غزة غير معروف. لكن هناك دلائل تشير إلى أن الاحتلال المطول المقترن بنهج مكافحة التمرد قد يشكل المرحلة التالية من القتال. وتلمح تصريحات القادة الإسرائيليين إلى نية إسرائيلية الاحتفاظ بوجود طويل الأمد في غزة من دون تحديد أي إطار زمني للانسحاب. في حديث لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 30 كانون الثاني (يناير) داخل مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية، أعلن أن الحرب ضد “حماس” لن تنتهي قبل أن تحقق إسرائيل جميع أهدافها، مضيفاً: “لن نسحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، ولن نطلق سراح آلاف الإرهابيين. لن يحدث أي من ذلك. فما الذي سيحدث إذن؟ النصر المطلق”.

وفي الرابع من كانون الثاني (يناير)، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، أن حملة الجيش الإسرائيلي العسكرية “باقية بما أنها تعد ضرورية”. وقال هرتسي هاليفي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إن الحرب في غزة ستستمر “لأشهر عدة”. ولكن إذا تبنت إسرائيل نهج مكافحة التمرد، فمن الممكن أن تتغير المدة بسهولة من أشهر إلى سنوات.

وحتى من دون أن تتقصد إسرائيل ذلك، فقد تجد نفسها متجهة نحو ذلك عن غير قصد. هذا ما حدث للولايات المتحدة في فيتنام، والعراق، وأفغانستان، حينما أدى الابتعاد عن الغايات المنشودة إلى استبدال الأهداف المحدودة بأخرى أكثر غموضاً وأكثر طموحاً. على سبيل المثال، في أفغانستان، كانت نية الولايات المتحدة عند بدء الحرب تدمير تنظيم القاعدة، لكنها وجدت نفسها في النهاية تحاول إعادة بناء الدولة. وفشلت واشنطن في نهاية المطاف في تحقيق أي من النتيجتين. ويمكن أن ينتهي المستنقع الذي تواجهه إسرائيل في غزة اليوم بالطريقة ذاتها، أو أنه قد يصبح مشابهاً لما اختبرته إسرائيل نفسها في جنوب لبنان، عندما استمرت الحملة التي بدأت في العام 1982 بهدف القضاء على مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية لما يقرب من عقدين من الزمن تقريباً. وفي نهاية المطاف، انسحبت إسرائيل فجأة في العام 2000 من دون إزالة التهديد الذي يمثله المقاتلون الفلسطينيون. وبالإضافة إلى ذلك، أسهم الاحتلال الإسرائيلي للبنان، الذي دام قرابة عقدين من الزمن، في ظهور عدو جديد، “حزب الله” اللبناني، وهو الخصم اللدود الذي يواصل تحدي إسرائيل حتى اليوم.

في الوقت نفسه، لدى نتنياهو أيضاً حافز شخصي لإطالة أمد الحرب، إذ أصبح من الواضح أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين يرغب في قيادة سياسية جديدة بمجرد انتهاء الصراع في غزة. وفي مقالة افتتاحية يوم عيد الميلاد في صحيفة “وول ستريت جورنال”، أعلن نتنياهو أن المتطلبات الأساسية للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين تتلخص في “ضرورة تدمير ’حماس‘، ونزع السلاح من غزة، واستئصال التطرف من المجتمع الفلسطيني”. والجدير بالذكر أن تحقيق أي من هذه الأهداف، ناهيك عن الأهداف الثلاثة جميعها، سيتطلب التزاماً كبيراً من القوات يمتد لسنوات عدة في كل من غزة والضفة الغربية، وعلى الرغم من ذلك لن يكون النجاح مضموناً.

بعد مرور أربعة أشهر على الحرب، بدأ صبر بعض أعضاء القيادة العسكرية الإسرائيلية ينفد بسبب غياب هدف سياسي نهائي متماسك. في كانون الثاني (يناير)، أعرب غالانت عن إحباطه لعدم وجود خطة تحدد مسار الصراع بعد “تدمير حماس”، قائلاً: “من واجب مجلس الوزراء والحكومة مناقشة الخطة، وتحديد الهدف”.

نصر تكتيكي وهزيمة استراتيجية

إذا تبنى الجيش الإسرائيلي نهج مكافحة التمرد في غزة، فسيتعارض ذلك مباشرة مع التوصيات السياسية لإدارة بايدن، التي حذرت إسرائيل، منذ بداية الصراع، من احتلال غزة بعد الحرب أو ارتكاب أخطاء مماثلة لتلك التي ارتكبها الجيش الأميركي بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). وتضغط واشنطن على نتنياهو للتخفيف من حدة الحملة العسكرية الإسرائيلية بسبب قلقها بشأن مقتل أكثر من 26 ألف فلسطيني، من بينهم كثير من النساء والأطفال. وأشار وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في أوائل كانون الأول (ديسمبر)، إلى أنه ” في هذا النوع من القتال، يكون السكان المدنيون هم مركز الثقل. وإذا دفعتهم إلى أحضان العدو، فإنك تستبدل النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية”.

بعد حوالي أربعة أشهر من القتال في غزة، أصبح من الواضح أن إسرائيل لا تملك استراتيجية سياسية محددة لما سيحدث بعد ذلك. وأعرب نتنياهو عن معارضته لفكرة استعادة “السلطة الفلسطينية” السيطرة على غزة، وهو ما يتعارض مع موقف إدارة بايدن. وفي المقابل، ما تزال الدول العربية مترددة في إرسال أي جنود إلى قوة حفظ السلام، وهذا يعني على الأرجح أن الأمر سينتهي بإسرائيل إلى الحفاظ على الأمن في غزة بينما تستعد “حماس” وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة لصراع طويل الأمد وأقل حدة. وفي هذا السيناريو، ستواجه إسرائيل متمردين فلسطينيين ينفذون هجمات بأسلوب الكر والفر، وينصبون كمائن مميتة، ويستخدمون قناصة متمركزين تحت أنقاض المباني المهدمة. فقد دمر جيش الدفاع الإسرائيلي جزءاً كبيراً من غزة، وقضى على بنيتها التحتية بغارات جوية مستمرة. في الواقع، تخلق هذه التضاريس المدمرة بيئة مواتية للمتمردين، وتوفر لهم أماكن جديدة لإخفاء المقاتلين والأسلحة. وتضاف إلى هذه المخابئ الجديدة شبكة الأنفاق الجوفية الواسعة الشبيهة بالمتاهة والتابعة لـ”حماس” والممتدة تحت قطاع غزة.

ومع ذلك، إذا احتل الجيش الإسرائيلي غزة وانتقل إلى مهمة مكافحة التمرد، فسيصب ذلك في مصلحة “حماس”. وفي الواقع، أكثر ما يرغب فيه قادة الحركة هو الحصول على فرصة لإطالة أمد القتال، ومواصلة قتل الجنود الإسرائيليين، وتسليط الضوء على حصيلة القتلى من المدنيين الفلسطينيين في حملتهم الدعائية. وستنتهج “حماس” ضد إسرائيل استراتيجية “الموت البطيء”، وهي محاولة ترمي إلى استنزاف قوات الجيش الإسرائيلي تدريجياً وببطء إلى أن يطالب الشعب الإسرائيلي بانسحابها، وعند هذه النقطة ستعلن “حماس” النصر. ومن الممكن أن يشهد الصراع تطورات تذكر بالتجربة التي خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان، إذ انتظرت حركة طالبان بصبر لمدة عقدين من الزمن انسحاب الولايات المتحدة ثم استعادت السيطرة على البلاد بسرعة. وفي غزة، ستستخدم حركتا “حماس” والجهاد الإسلامي، والأخيرة هي جماعة مسلحة أخرى ناشطة هناك، الأجهزة المتفجرة يدوية الصنع ومجموعة من الأسلحة المضادة للدبابات والصواريخ محلية الصنع للقضاء على الدوريات الإسرائيلية التي تستخدم آليات مدرعة. ومن خلال الاختلاط مع السكان المدنيين، فإن “حماس” ستتسبب في إثارة هجمات تسفر حتماً عن وقوع النساء والأطفال الفلسطينيين في مرمى النيران المتبادلة.

واستطراداً، قد تكون “حماس” بصدد الانتقال إلى مرحلة التخطيط للتمرد، ويبدو أن الحركة تحاول إعادة بناء نظام حكم يستلم فيه المسلحون مهمات متعلقة بالإدارة وحفظ الأمن في جميع أنحاء غزة. وفي الوقت نفسه، وبناء على أوامر من قادة الجيش الإسرائيلي، أضرم بعض الجنود النار في المنازل المهجورة في غزة، فجعلوها غير صالحة للسكن، مما يدل على أن إسرائيل ليس لديها أي نية لإرفاق نهجها العسكري بحملة ترمي إلى “كسب القلوب والعقول”. ومع تجمع قوات الجيش الإسرائيلي في ثكنات صغيرة في مختلف أنحاء غزة، وعدم بذل أي جهد للتفاعل مع السكان المحليين، فإن القوات الإسرائيلية ستصبح هدفاً مغرياً لهجمات “حماس”. ويخاطر المسؤولون الإسرائيليون، وخصوصاً نتنياهو وحلفاءه اليمينيين المتطرفين، بحدوث عواقب وخيمة من خلال إغفال الأبعاد السياسية لهذا الصراع. والجدير بالذكر أن إسرائيل، بتجاهلها الكامل للمظالم الفلسطينية المشروعة، ستقدم لـ”حماس” فرصة ملء فراغ السلطة وترسيخ وجودها بشكل أكبر في غزة.

هذه دروس سبق وأن تعلمتها إسرائيل من تجربتها في لبنان، وحتى من احتلالها السابق لغزة، الذي أدى في النهاية إلى انسحاب إسرائيل من القطاع في العام 2005. لكن الأعضاء اليمينيين المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية يتمتعون حالياً بنفوذ هائل ويدفعون نتنياهو إلى التفكير في احتلال غزة إلى أجل غير مسمى، ويقولون إن إسرائيل يجب أن تفعل ذلك في ظل عدم وجود أي حكومة فلسطينية مناسبة.

لا نهاية تلوح في الأفق

إذا تبنت إسرائيل الاستراتيجية المذكورة أعلاه، فمن الأفضل أن تستعد لاشتباك طويل الأمد. من خلال التحليل الذي أجريته بنفسي مع باحثين آخرين في مؤسسة “راند”، لدراسة كل حركات التمرد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى العام 2009 (71 في المجموع)، اكتشفنا أن متوسط المدة الزمنية لهذه الصراعات كان 10 سنوات. وعندما يتمتع المتمردون بدعم خارجي من دولة راعية، كما هو وضع “حماس” مع إيران، فغالباً ما يؤدي ذلك إلى إطالة أمد التمرد لأن الراعي قادر على تزويد الجماعات المقاتلة بالأسلحة والمعدات والتدريب والاستخبارات. وخلال الحرب الباردة، قدم الاتحاد السوفياتي والصين الدعم للمتمردين المدعومين من الشيوعيين في أنغولا، واليونان، وجنوب أفريقيا، وفيتنام، على سبيل المثال لا الحصر. ومن جانبها، عملت الولايات المتحدة على مساعدة المجاهدين الأفغان ضد الجيش الأحمر السوفياتي في أفغانستان طوال فترة الثمانينيات من القرن الماضي. وفي معظم هذه الحالات، كان الدعم الخارجي أساسياً لتعزيز قدرة المتمردين على مواصلة القتال لفترة أطول بكثير مما كانوا سيفعلون من دون هذا الدعم، وأدى ذلك إلى خروجهم منتصرين في كثير من الأحيان.

حتى الآن، تزعم إسرائيل أنها قتلت ما يقرب من 9 آلاف مقاتل من “حماس” من أصل ما يقدر بنحو 30 ألف مقاتل، على الرغم من أن هذه الأرقام غير مؤكدة ولم يتم التحقق منها. وحتى مطلع شباط (فبراير)، ظلت “حماس” تحتفظ بالقدرة على إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وهذا يعني أن تل أبيب، على الرغم من جهودها العسكرية المكثفة في غزة، ليست قريبة على الإطلاق من تحقيق هدفها المتمثل في القضاء على “حماس”. وعلاوة على ذلك، تشير التقارير الآن إلى أن “حماس” تعيد تجميع صفوفها في شمال غزة استعداداً لهجوم جديد. وقد تفكر الحكومة الإسرائيلية في إبقاء جيشها في غزة لكي تتمكن من إحراز مزيد من التقدم. لكن الطريقة التي تحارب بها مهمة أيضاً. في بحثنا حول مكافحة التمرد، وجدت وزملائي في مؤسسة “راند” أن الجيوش التي تبنت ما أطلقنا عليه تسمية نهج “القبضة الحديدية” لمكافحة التمرد، وهو أسلوب يركز بشكل شبه حصري على قتل المتمردين، حققت نجاحاً في أقل من ثلث الحالات المدروسة، وهي نسبة أقل بكثير من الطرق التي ركزت في الوقت نفسه على تلبية احتياجات السكان المدنيين.

بالنسبة لإسرائيل، تعد مكافحة التمرد خياراً جذاباً لأنها تسمح لقادة البلاد بتأجيل القرارات السياسية الصعبة والتركيز عوضاً عن ذلك على تحقيق الانتصارات العسكرية قصيرة المدى. لكن أحد الأسباب التي أدت إلى غرق إسرائيل في مأزقها الحالي يتلخص في أن الساسة الإسرائيليين، وعلى رأسهم نتنياهو، كانوا يؤخرون ويرفضون باستمرار، وفي أغلب الحالات، الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى أي تسوية تفاوضية مع الفلسطينيين.

قد تبدو المحاربة بأسلوب مكافحة التمرد خياراً جذاباً، ولكنها لن تحقق هدف الجيش الإسرائيلي المتمثل في القضاء على “حماس” بشكل كامل. ومع تزايد الضغوط التي تمارسها إدارة بايدن، بدأ العد العكسي بالنسبة للقوات الإسرائيلية لإحراز تقدم في إضعاف البنية التحتية العسكرية التابعة لـ”حماس”. وستستمر الخسائر المتزايدة في صفوف الجيش الإسرائيلي في فرض ضغوط إضافية على حكومة نتنياهو، التي تتعرض بالفعل لانتقادات بسبب تعاملها مع قضية الرهائن. وحتى هذه اللحظة، قتل 221 جندياً إسرائيلياً في الصراع.

يتعين على الإسرائيليين أن يجدوا طريقة للانتقال في مرحلة ما بعد الصراع إلى وضع لا ينطوي على احتلال أو على وجود مستمر لأعداد كبيرة من القوات الإسرائيلية في غزة. وسيتطلب إنهاء الصراع التوصل إلى هدف سياسي نهائي متماسك، وهو ما تجنبه القادة السياسيون في إسرائيل حتى الآن. وإذا رفضت إسرائيل السماح لكيان فلسطيني بحكم غزة، سيضطر الإسرائيليون أنفسهم إلى حكمها، أو على الأقل توفير الأمن، وهو ما سيستلزم بدوره وجوداً طويل الأمد وقوة أشبه بالاحتلال.

إذا وجدت القوات الإسرائيلية نفسها مجبرة على البقاء في غزة لأجل غير مسمى، وفق ما ألمح إليه بعض القادة السياسيين الإسرائيليين، سيتعين على الجيش الإسرائيلي أن يعتمد استراتيجية وجود محدود تمكنه من الاستجابة لمختلف حالات الطوارئ الأمنية من دون إثارة عداء السكان المحليين في غزة. ومع ذلك، فإن تحقيق مثل هذه الاستراتيجية يبدو غير محتمل بالنظر إلى الأهداف الحالية للجيش الإسرائيلي وموقفه العملياتي ومدى استعداده لتحمل الأخطار في سبيل ضمان سلامة عناصره. إن صنع السلام مع الأعداء هو أمر بالغ الصعوبة، وخصوصاً بعد أهوال الهجوم الذي شنته “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). ولكن من دون التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، قد تبدو غزة في العام 2024 أشبه بلبنان في العام 1982: حرب بلا نهاية.

*كولين ب. كلارك: مدير البحوث في مجموعة صوفان للاستشارات الأمنية وباحث بارز في مركز صوفان للاستشارات. ترجمت المقال “إندبندنت عربية” ونشرت الترجمة في 11 شباط (فبراير) 2024.

——————انتهت النشرة——————