الصحافة الإسرائيلية…الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية

الصفـقـة وسياقهـــا: التـغـيرات تسـبـق إسرائيـل وتفاجئهـــا

بقلم: تسفي برئيل

تحتاج التقارير المتواترة حول صفقة تبادل قريبة إلى تعامل حذر. فـ«حماس» حتى الآن لم تنشر أي بيان رسمي، ووثيقة الموافقة التي كان يمكن لـ«حماس» إرسالها إلى المصريين لم يتم تقديمها حتى أمس، ونحن لا نعرف إذا كان رد «حماس» سيكون كافيا لتحييد جميع الألغام التي عوقت حتى الآن استكمال الصفقة بشكل يمكن لحكومة اسرائيل، على الأقل معظمها، المصادقة عليها.

لكن حسب هذه التقارير، إذا كانت دقيقة، يمكن الاستنتاج أنه تم وضع الأسس الحيوية للتقدم نحو تنفيذ المرحلة الأولى للصفقة. وحسب التقرير المفصل الذي نشر، أمس، في موقع صحيفة «الشرق» السعودية فإن هذه المرحلة ستشمل إطلاق سراح 33 مخطوفا إسرائيليا، من بينهم مدنيون وجنود، مقابل إطلاق سراح حوالى ألف من السجناء الفلسطينيين. سكان القطاع الذين هربوا من الشمال يمكنهم العودة إلى بيوتهم، وقوات الجيش الإسرائيلي ستنسحب من المناطق التي سيعود إليها النازحون. هذه المرحلة يمكن أن تستمر مدة 16 يوما، سيكون فيها وقف مؤقت لإطلاق النار، وبعد ذلك ستبدأ النقاشات حول شروط تطبيق وقف دائم لإطلاق النار. في المرحلة الثانية، التي ستستمر 42 يوما، سيتم إجراء مفاوضات حول إطلاق سراح المخطوفين المتبقين، بما في ذلك الضباط والجنود، مقابل إطلاق سراح عدد آخر من السجناء الفلسطينيين. وفي المرحلة الثالثة، التي ستستمر 42 يوما، سيتم إجراء مفاوضات حول الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من القطاع بعد تبادل جثامين القتلى الاسرائيليين والقتلى الفلسطينيين التي توجد لدى اسرائيل.

يجب التأكيد على أن هذا هو فقط تقرير من بين تقارير وتفاصيل كثيرة أخرى نشرت في وسائل الإعلام العربية. ونحن لا نعرف كم هي دقة هذا التقرير. غير المعروف هو ماذا سيكون رد الحكومة الإسرائيلية بعد تسلم رد «حماس» النهائي.

أمام علامات الاستفهام الكثيرة التي تطرح من التقارير، يوجد يقين حول مجال واحد وهو أن اسرائيل لا توجد لها حتى الآن خطة استراتيجية للسيطرة على غزة وإدارتها، سواء فشلت صفقة المخطوفين أو تم استكمالها واجتازت جميع العقبات. في اسرائيل بدأت، أمس، نفس «الهستيريا»، كما وصفها بني غانتس، عندما قامت «جهات سياسية» لا يصعب تخمينها، بالتوضيح أن الحرب ستستمر مع الصفقة أو بدونها، وأن احتلال رفح لا يعتبر جزءا من المعادلة التي تشمل وقف إطلاق النار. لكن دعوات الحرب هذه لا تتساوق مع الإدراك، ومع الموافقة التي أعطيت لـ«حماس»، بأنها ستحصل على ضمانات أميركية وعربية لوقف إطلاق النار وبعد ذلك وقف الحرب. هذه الضمانات، التي حسب بعض التقارير تم إعطاؤها لـ«حماس» هي شرط رئيس لمجرد وجود الصفقة، حيث إنها ستضمن قدرة مئات آلاف النازحين الفلسطينيين في غزة على العودة إلى شمال القطاع بشكل آمن.

في هذه المرحلة، يبرز غياب التخطيط الذي يضع اسرائيل أمام واقع لم تستعد له. فبدون البنى التحتية لشبكات المياه والكهرباء وبدون مستشفيات تعمل وبدون عيادات وبدون مواد بناء تمكن من إعادة الإعمار، حتى لو بشكل مؤقت وارتجالي، للمنازل، وبدون إدارة مدنية يمكنها تمثيل السكان أمام الجيش الإسرائيلي، فإن اسرائيل ستضطر إلى أن تتخذ بسرعة عدة خطوات، التي كان يجب القيام بها قبل اشهر. هل ستقوم بتأسيس حكم عسكري إسرائيلي في شمال القطاع، خلافا للموقف الأميركي؟ هل ستقوم بتعيين مجموعات للإدارة المحلية، إذا وُجدت كهذه بين الوجهاء، رؤساء عصابات أو رؤساء حمائل أو موظفون عملوا تحت حكم «حماس»، أو ربما التراجع عن الموقف الأيديولوجي والسماح للسلطة الفلسطينية بالبدء في إدارة القطاع، على فرض أنها ستوافق على تحمل هذه المهمة الثقيلة كمقاول من الباطن لإسرائيل.

لا يمكن المبالغة بإلحاحية هذه الخطوات لأنه عندما سيبدأ مئات آلاف السكان الغزيين بالانتقال إلى شمال القطاع، وقوافل المساعدات الإنسانية أيضا، حتى لو ازدادت بشكل كبير عندما سيبدأ الميناء المؤقت الذي تقوم بإقامته الولايات المتحدة بالعمل، فإنهم لن يستطيعوا الاكتفاء فقط بالمعلبات والأرز وصناديق الإسعاف الأولي. التعامل مع السكان سيكون معقدا ومركبا، اكثر حتى مما عرفته اسرائيل حتى الآن لأنه حسب شروط صفقة التبادل فإن الجيش الإسرائيلي سيكون عليه عدم التواجد في المناطق المأهولة في شمال القطاع. هكذا فإنه حتى لو فُرض عليه العمل في الإدارة المدنية المباشرة فهو سيجد صعوبة في ذلك بدون خرق قواعد الصفقة. هكذا فإنه بدون تدخل السلطة الفلسطينية وعلى فرض أن أي قوة عربية أخرى لن توافق على القيام بدور السلطة الفلسطينية فإنه من المؤكد أن قوات «حماس» ستعود وتصبح صاحبة البيت.

إذا افترضنا أن المرحلة الأولى للصفقة التي ستستمر 16 يوما ستخرج إلى حيز التنفيذ فإنه لا يوجد لدى اسرائيل أي خطة لكيفية التصرف إذا فشلت المرحلة الثانية. لأنه في هذا الوضع، الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى التعامل مع عشرات أو مئات آلاف الغزيين الذين عادوا إلى شمال القطاع. وفي الوقت نفسه إيجاد حل لمليون مواطن في رفح، الذين لا يوجد لإسرائيل بخصوصهم أي خطة عمل واقعية، في الوقت الذي فيه الخطط التي عرضتها اسرائيل على الأميركيين حول هذا الموضوع هي غير كافية. بالمناسبة، هذا الطريق المسدود سيستمر في البقاء حتى لو قررت اسرائيل التنازل عن احتلال رفح، سواء استيقظ رئيس الحكومة غير المتوقع أو أن أداة الضغط الأميركية ستلقي بكل الثقل على رأس اسرائيل.

إذا تحقق الأمل في أن كل مراحل الصفقة استكملت حسب الجدول الزمني الذي نشر عنه في وسائل الإعلام العربية فإن الحديث يدور عن وقف لإطلاق النار مدة 142 يوما وفقا للتفاهمات التي سيتم التوصل إليها حول إطلاق سراح جميع المخطوفين، بما في ذلك الجنود، أي خمسة اشهر، تقريبا مثل الفترة التي استمرت فيها الحرب.

في هذه الفترة الطويلة، وفي الوقت الذي تكون فيه اسرائيل مترددة حول كيفية إدارة القطاع في ظل قيود وقف إطلاق النار والضغط الدولي، فإن الساحة الفلسطينية بالذات يمكن أن تقدم حلولا أصيلة تؤثر على مصير القطاع. قيادة «حماس» الخارج، التي تهتم بمستقبلها ومستقبل «حماس»، تستمر في الدفع قدما بفكرة المصالحة مع «فتح». كبار قادتها الذين التقوا في الأسبوع الماضي ممثلي حركة فتح في الصين يعملون على صياغة «خطوط أساسية» جديدة تمكن من انضمام (حماس) لـ»م.ت.ف»، وهي الفكرة التي تدفعها قدما مجموعة من أبناء الجيل الشاب في «فتح».

في موقع «الشرق» السعودية، الذي نشر تفاصيل صفقة المخطوفين، نشر، أمس، أن «حماس» طلبت إطلاق سراح مروان البرغوثي، وأن اسرائيل توافق على ذلك شريطة أن يتم طرده إلى غزة. ومثل التقارير الأخرى عن تفاصيل الصفقة فإنه من غير الواضح إلى أي درجة هذه المعلومات موثوقة، لكن في السابق فإن «حماس» طلبت في كل صفقة تبادل إطلاق سراح البرغوثي، الذي يحصل على الدعم الجارف في أوساط الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. إطلاق سراح البرغوثي يمكن أن يكون انعطافة، تضع الأسس لإعادة بناء القيادة الفلسطينية.

البرغوثي، الذي هو من صائغي «وثيقة الأسرى» من العام 2006 التي وافقت فيها كل الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك «حماس»، على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، عمل من داخل السجن على الدفع قدما بالمصالحة بين «حماس» و«فتح» من اجل إعطاء «م.ت.ف» شرعية واسعة كمنظمة تمثل بشكل حصري جميع الفلسطينيين. «م.ت.ف» هي المنظمة التي وقعت على اتفاقات أوسلو، وهي مصدر الصلاحيات للسلطة الفلسطينية. «م.ت.ف» «محدثة» تشمل «حماس»، ستضمن، ليس فقط، بقاءها السياسي، بل هي يمكن أن تكون العنوان المخول لإدارة القطاع والضفة الغربية، وهي التي ستحصل على الدعم الدولي. هكذا، في حين أنهم في اسرائيل يفحصون بتوتر التقارير عن نية واستعداد قطر لطرد قيادة «حماس» من أراضيها وكأن حياة المنظمة مرهونة بذلك، فإنه في فلسطين تتطور عمليات لا يوجد لإسرائيل مقابلها أي استراتيجية.

——————————————–

يديعوت أحرونوت 6/5/2024

مع قناعتها بـ “عبثية رفح”: إسرائيل في “حوار الطرشان”.. وقف الحرب أم الهزيمة؟

بقلم: عيناب شيف

مسيرة السخافة السياسية والأمنية التي أدت بإسرائيل إلى 7 أكتوبر لم تتوقف هناك فحسب، بل تعاظمت إلى حوار طرشان هازئ يتشكل أساساً من شعارات عليلة: “النصر المطلق” و”رفح الآن” من جهة، وبالمقابل تشهير تلقائي بكل معارضة معللة لاتفاق وقف نار وإعادة المخطوفين والمخطوفات في ظروف صعبة جداً. لا يوجد تماثل بين الطرفين، ولكن نلحظ وجه شبه.

مع ذلك، يخيل أن هناك إجماعاً سياسياً وإعلامياً حول المعارضة لإنهاء الحرب. حسب كل التقارير، لا فرق جوهرياً في المسألة بين رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع غالنت مقابل الوزيرين غانتس وآيزنكوت؛ فأربعتهم يمثلون جمهوراً واسعاً جداً، ربما حتى معظم المواطنين والمواطنات. لا معنى خاصاً لمسألة الدافع من خلف الموقف، سواء أكان هذا مصلحة سياسية، أم فكراً أمنياً أم خليطاً منهما؛ فالنتيجة تتويج وضع نهاية الحرب (سواء بشكل فوري أو بعد وقف نار) كهزيمة تاريخية وخطأ استراتيجي، وفي واقع الأمر خطيئة لا كفارة عليها. أولاً، وصف إنهاء الحرب بهذا الشكل هو نجاح مدوٍ لرئيس الوزراء، رغم أن علة وجوده الأمني شطبت ظاهراً برائحة الموت في 7 أكتوبر. من اليوم ذاته لم يعد هناك “سيد أمن”، ومع ذلك نجح نتنياهو، (مثلما فشلت المعارضة وجبنت صحافة التيار المركزي) في حبسنا في مغارة أفلاطونية المعضلة فيها هي “وقف الحرب أو الهزيمة”. عملياً، لا يوجد “نصر مطلق”، وبعد فشل رهيب كهذا، بات وجود “النصر” أمراً مشكوكاً فيه. ثمة انتعاش مبهر وتضحية مؤثرة وطول نفس مشجع واستعراض قوة هائلة ودمار عظيم. حسب قدر كبير من الخبراء والخبيرات، احتلال رفح لن يغير المعادلة، ولا شيء يستحق حياة الجنود والمخطوفين والمخطوفات. بهذا المفهوم، فإن الحادثة القاسية جداً التي جرت في كرم أبو سالم، هي ألم عظيم لكنها جزء من سياق الحرب.

بالمقابل، إنهاء الحرب شرط ضروري، لكنه غير كاف للترميم الذي تحتاجه الدولة أكثر من صور الجيش الإسرائيلي وهو في رفح. إن إعادة المخطوفين والمخطوفات ليست “هزيمة”، بل واجب أخلاقي، لكن ثمة اعتبارات إضافية: إنهاء المناوشة في الشمال وخلق ظروف لإعادة المقيمين والمقيمات، وتسريع التحقيق في التقصير الذي يلف المنظومات والمستويات، وتكييف الاقتصاد مع الاحتياجات الجديدة، وإصلاح العلاقات الدبلوماسية لأجل استخدام تحالفات جديدة، وكذا تهدئة الخواطر أيضاً في أوساط أمة مضروبة، مرضوضة، ممزقة، مترنحة ومستنزفة جداً. منتخبو الجمهور وجنرالات يتحركون في مركبات محصنة ويتصلون مع جمهور مريح ومنتقى جيداً، لا يفهمون الثمن النفسي للسكان والفائدة التي يدفعها. نجوم ونجمات التلفزيون الذين يتعلق رزقهم بالحدث من كل نوع وبعضهم يخافون شتائم مثل “لطفاء النفوس”، لا يعكسونه بقدر كاف.

——————————————–

هآرتس 6/5/2024

هل أرادت إسرائيل محاسبة قطر بإغلاقها مكاتب “الجزيرة”؟

بقلم: تسفي برئيل

انضمت إسرائيل أمس إلى النادي المحترم للدول العربية، التي أغلقت بين الحين والآخر مكاتب قناة “الجزيرة” واعتقلت العاملين فيها وفرضت المقاطعة على قطر، لتدفع بقطر إلى إغلاقها. ولكن كما تعلم الزعماء العرب، فإن إغلاق المكاتب لا يمكنه منع أو إحباط نشاطات القناة التي تبث في 90 دولة ويشاهدها 350 مليون مشاهد محتمل ممن يتكلمون اللغة العربية، وملايين المشاهدين ممن يتكلمون الإنجليزية في أرجاء العالم.

القرار الذي اتخذته الحكومة بالإجماع وكأن الأمر يتعلق بالعدو الأخطر الذي يواجه إسرائيل، ظهر كنتيجة للإحباط وتصفية الحساب مع قطر. ولكن إسهامه الحقيقي في المعركة الفاشلة حول “الدعاية”، التي هي فشل شامل آخر للحكومة، يكاد يكون صفراً. إغلاق مكاتب “الجزيرة” هو اختبار لـ “شجاعة سياسية” للحكومة الإسرائيلية، الذي تشبه أهميته احتلال رفح. أصبحت “الجزيرة” الرمز الأعلى للتحريض ضد إسرائيل ودعم حماس، لكن من المهم معرفة الدواء الموجود لدى الحكومة الإسرائيلية لآلاف الحسابات في الفيسبوك والتلغرام والتك تك، المنافسين الرئيسيين للقناة والذين يوفرون معظم المضامين التي تبني صورة إسرائيل في العالم.

قد لا تتمكن “الجزيرة” من البث من مكاتبها في إسرائيل، ولكن حتى تتمكن من إظهار الدمار والقتل والجوع في قطاع غزة للعالم، لا تحتاج إلى مكاتب في تل أبيب أو رام الله لتبث المشاهد مباشرة من القطاع كما فعلت عندما نشرت حرب الولايات المتحدة ضد أفغانستان بشكل مباشر من الميدان، وبعد ذلك ضد العراق؛ وعندما بثت ظلامية الأنظمة في مصر حسني مبارك، ولاحقاً عبد الفتاح السيسي، أو ملوك السعودية أو نظام رئيس تونس السابق زين بن علي قبل اندلاع ثورة الربيع العربي وبعدها، حتى عندما تم إغلاق مكاتبها في هذه الدول.

قناة “الجزيرة”، التي أنشئت في العام 1996 على يد حاكم قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والد الحاكم الحالي الشيخ تميم، ليست قناة تلفزيونية فحسب، بل مشروع سياسي هدف إلى خدمة القيادة في قطر كوسيلة لتشكيل الرأي العام العربي. وهذا صار نجاحاً جارفاً وسريعاً، وأصبح الشبكة الأكثر شعبية في العالم العربي خلال خمس سنوات مع 70 في المئة تقريباً من نسبة المشاهدة. أقيمت القناة كشركة خاصة لمصلحة الجمهور، وهي مزيج أصيل؛ من جهة يعطيها الاستقلالية ونشر المضامين، وفي الوقت نفسه يسمح لها بالحصول على دعم مالي سخي من الحكومة التي تدعمها وتمولها.

من البداية، لم تتفاخر قناة “الجزيرة” بأنها قناة محايدة وغير متحيزة أو متملقة. ولكن هنا كان التجديد الكبير الذي أحدثته في الخطاب العربي العام. قبلها عملت قناة ام.بي.سي التي أنشئت قبلها بسنة، لكنها نشرت بالأساس مضامين للتسلية والموضة والقليل من الأخبار. “الجزيرة” خلقت خطاباً إعلامياً عربياً ما بعد وطني، وبنت عالماً من المفاهيم الجديدة التي لم تكن معروفة في الدول العربية. استخدام القمر الاصطناعي مكنها من تجاوز القيود التي فرضتها الأنظمة العربية على قنوات التلفاز العربية؛ لعرض “واقع حقيقي” أو على الأقل بديل للواقع الذي شكلته وأملته الأنظمة، وأطلعت الجمهور على المعارضين، الذين حتى ذلك الوقت لم يكونوا معروفين بالنسبة له، للمرة الأولى في قناة عربية يظهر فيها إسرائيليون وتجرى معهم المقابلات، بما في ذلك مراسلون وسياسيون.

البرنامج الرئيسي في القناة، “الاتجاه المعاكس”، الذي يقدمه الصحافي المخضرم فيصل القاسم، تناول مواضيع كانت بمثابة طابو في أي قناة وطنية. حطمت “الجزيرة” العرض الكاذب الذي يسمى الوحدة العربية، عندما عرضت على الجمهور فجوة كبيرة بين نمط حياة الأغنياء في دول الخليج ونمط حياة الفقراء في مصر واليمن. النظام الدكتاتوري في قطر لم يُعرض للمشاهدين كجزء من هذه المعادلة، وهكذا أيضاً قطر نفسها التي يعيش فيها نحو 300 ألف شخص يتمتعون بمستوى حياة هو من الأعلى في العالم، إضافة إلى مليون ونصف عامل أجنبي، معظمهم يعيشون في ظروف صعبة.

قناة “الجزيرة” تعدّ قائدة لأنها تغير مواقف الناس ومقارباتهم. وسواء رغبتم في ذلك أم لا، فهي قناة ناجعة”، قالت في 2011 وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في شهادتها أمام لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ. هذه النجاعة هي الهدف السياسي الذي يسعى إليه حاكم قطر، الذي لم يكتف فقط باختراق الخطاب الجماهيري العربي. من خلال هذه القناة، تجاوز حدود الخطاب الديني الذي حددته الأنظمة العربية. البرنامج الشعبي “الشريعة والحياة” الذي قدمه الشيخ يوسف القرضاوي، الذي كان يعدّ الزعيم الروحي للإخوان المسلمين، أقام للمرة الأولى علاقة مباشرة بين المشاهدين والمفتي الشرعي الذي كان يجيب عن أسئلة من الحياة اليومية، التي كانت أحياناً مناقضة لخط النظام الذي تم توجيه الفقهاء لنشره. في البرنامج سُمعت أقوال لاسامية فظة ومباشرة، بما في ذلك مواعظ القرضاوي لمحاربة اليهود حتى القضاء عليهم.

ليس الأنظمة العربية وحدها التي أعلنت الحرب على القناة التي كشفت إخفاقاتها وسحبت من يدها السيطرة المطلقة على الخطاب العام. “قناة الجزيرة بوق للقاعدة ووسيلة للدعاية المناهضة لأمريكا”، قال في 2004 وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد. طريقة تغطية الحرب في العراق وصفها بأنها “مجرمة وغير دقيقة ولا تغتفر”.

لكن في الحرب ضد العراق وأفغانستان بالذات، حققت “الجزيرة” اسمها الدولي. فقد كانت القناة الوحيدة في بداية الحرب في أفغانستان التي عملت باستقلالية في الساحة التي حظر فيها على وسائل الإعلام الأخرى الدخول إلى تلك الدولة. قنوات دولية، من بينها القنوات الرئيسية في أمريكا، نشرت الأفلام التي اشترتها منها. وفي العراق، الذي اضطرت وسائل الإعلام الأجنبية للعمل فيه فقط إلى جانب قوات التحالف في بداية الحرب، كانت “الجزيرة” هي الوحيدة التي نشرت عن الدمار وقتل المدنيين. هكذا حطمت “الجزيرة” صورة “الحرب النظيفة” التي أرادت الإدارة الأمريكية تسويقها. عن ذلك، دفعت “الجزيرة ثمناً باهظاً في 2003 عندما تم قصف مكاتبها في بغداد، والمراسل المعروف فيها، طارق أيوب، قتل في قصف جوي. الولايات المتحدة، بالمناسبة، فصلت حربها ضد “الجزيرة” عن علاقاتها الوثيقة مع قطر، التي عملت فيها القاعدة الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط “العديد” منذ سنتين، وخرجت منها أيضاً الهجمات على أفغانستان.

“تصفية الحسابات” مع قطر عبر إغلاق مكاتب “الجزيرة” في إسرائيل لن تغير مكانة قطر في الولايات المتحدة ولن تؤثر في علاقتها مع حماس. ولكنها خطوة يجب أن تقلق جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية وأي صحافي عاقل لا ينجح في الوصول إلى ميدان القتال في غزة ويعمل مباشرة من هناك. حتى إن الإغلاق لن يطمس الحاجة إلى إجراء تحقيق جدي حول عدد الصحافيين الكبير الذين قتلوا في قطاع غزة. حسب التقرير المؤقت الذي نشرته في الأسبوع الماضي لجنة الدفاع عن الصحافيين، يدور الحديث عن 100 صحافي. وللمقارنة، قتل في العراق تقريباً 150 صحافياً بين 2003 – 2011.

———————————————

هآرتس 6/5/2024

“لتتصارعوا على المناصب”.. حال نتنياهو لحرف البوصلة عن 7 أكتوبر وفشل الحرب الحالية

بقلم: عاموس هرئيل

الولايات المتحدة ومصر وقطر، استخدمت أمس ضغطاً كبيراً على إسرائيل وحماس في محاولة لمنع تفجير المفاوضات حول صفقة المخطوفين. في إطار هذه الجهود، سافر رئيس الـ سي.آي.ايه، وليام بيرنز من القاهرة إلى عاصمة قطر الدوحة بعد أن قدمت بعثة حماس الرد المتحفظ على اقتراحات الوسطاء وعادت إلى قطر. بعد ذلك، قد يواصل بيرنز طريقه إلى إسرائيل. في غضون ذلك، ستزيد إسرائيل تهديدها باقتحام رفح، وصباح أمس دعت سكان حي في شرق رفح لمغادرة بيوتهم. أمس كانت حادثة صعبة قتل فيها ثلاثة جنود إسرائيليين في قصف لحماس في منطقة كرم أبو سالم.

سلمت حماس سلسلة تحفظات للوسطاء، لكن مسألة واحدة تقف في مركز الخلاف منذ أشهر، وهي أن حماس تطلب بأن تشمل الصفقة إنهاء الحرب وانسحاباً كاملاً لقوات الجيش الإسرائيلي من القطاع مع تقديم ضمانات من الوسطاء. رئيس الحكومة، نتنياهو، يرفض ذلك؛ لأن معناه اعتراف بالفشل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة، الأمر الذي قد يبدأ رقصة شياطين سياسية.

القدامى الذين يتابعون نتنياهو -يدور الحديث الآن عن معظم سكان إسرائيل البالغين- يعرفون أن رئيس الحكومة هو مجموع تخوفاتهم وضغوطهم، وأصبح يصعب التفريق بينها الآن، ولكن يبدو أن التقليد الذي استمر لفترة طويلة من قبل مريانو أدلمان لنتنياهو في “بلاد رائعة”، جعله يدرك الجوهر العميق لهذا الشخص: عيون تركض في الأحداق، خوف دائم، حجج متغيرة.

ليس سراً أن رئيس الحكومة الآن يعيش في مأزق. فمن جهة، رغم أن السنوار يستمر في وضع العقبات فإن الإدارة الأمريكية تضغط على نتنياهو لإظهار مرونة أخرى والسعي لعقد الصفقة. سيكون للخطوات الأمريكية تأثير حاسم على التطورات، وتقترح تغليف تنازل إسرائيل بكثير من بادرات حسن النية وعلى رأسها اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية. وإذا رفض ذلك، لا سيما إذا أمر بالدخول إلى رفح، فمعنى ذلك وضع قيود على التسليح الأمريكي للجيش الإسرائيلي، وإلى جانبه تفاقم الحصار الدولي (المقاطعة الاقتصادية التي أعلنت عنها تركيا تقدم بشرى سيئة أولى، والكثير مثلها قد يأتي لاحقاً). خلف الزاوية ينتظر خطر أمر الاعتقال الذي صدر في لاهاي، الذي يقض مضاجع نتنياهو لأنه موجه له بشكل خاص.

من جهة أخرى، قاعدته السياسية تتوسل إليه لاحتلال رفح كما يهدد منذ ثلاثة أشهر. قبل شهر تقريباً، صرح نتنياهو بأننا على بعد خطوة من النصر المطلق، الذي سيتحقق من خلال احتلال المدينة وتفكيك كتائب حماس الأربع المتبقية. هو لم يوضح إذا كنا تقدمنا أو ابتعدنا عن هذا الهدف. الوزير بن غفير سجل في نهاية الأسبوع فيلماً مخيفاً من داخل مكتب رئيس الحكومة، قال فيه “نتنياهو يعرف ثمن عدم تنفيذ الالتزامات”.

الشريك، الخصم، الوزير سموتريتش، اهتم أمس بالتوقف عند الدخول إلى جلسة الحكومة لإلقاء خطاب أمام مظاهرة للعائلات الثكلى التي طلبت استكمال الانتصار على حماس. نتنياهو نفسه نشر أمس فيلماً وعد فيه بمواصلة القتال في القطاع حتى تحقيق كل الأهداف. في الجلسة تم تبرير قرار إغلاق مكاتب قناة “الجزيرة” في إسرائيل لمدة 45 يوماً.

خطوات نتنياهو في نهاية الأسبوع كانت شفافة تماماً. صباح السبت، بدأ الوسطاء في تسريب تنبؤات متفائلة لوسائل الإعلام العربية والأمريكية حول احتمالية عالية لعقد الصفقة في القريب. مكتب نتنياهو، بغطاء “مصدر سياسي”، سارع إلى إصدار إعلانين يوم السبت تعهد فيهما بمواصلة الحرب ودخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح براً. أدرك كل من واشنطن والقاهرة والمنظومة السياسية في إسرائيل معنى هذه العملية: نتنياهو يريد إفشال التقدم إذا ردت حماس بالإيجاب. قد يطلب السنوار الآن ضمانات أكثر تشدداً لإنهاء الحرب من الولايات المتحدة، ويؤخر تطبيق التفاهمات.

التصريحات التي انضمت إليها حملة الأبواق في منتهى السبت، استهدفت طمس انطباع حول بعض التنازلات التي صادق عليها مجلس الحرب برئاسة نتنياهو قبل أسبوعين تقريباً. وافقت إسرائيل على تقليص وجودها في الممر الذي يشطر القطاع وإزالة معظم القيود على عودة الغزيين إلى شمال القطاع وإظهار المزيد من الليونة حول إطلاق سراح مخربين. ولكن إذا تم إفشال هذا الاتفاق لن تدخل هذه التنازلات إلى حيز التنفيذ.

يمكن الاستمرار الآن في نشر الافتراءات بواسطة القناة 14 وكأن نتنياهو قد أمر في الأسبوع الماضي بالدخول إلى رفح، لكن تم صده بشكل ما على يد تحالف الجبناء الذي شكله ضده وزير الدفاع ورئيس الأركان ووزراء المعسكر الرسمي.

عملياً، الدخول إلى رفح ما زال على رأس جدول الأعمال في حالة تفجير آخر في المفاوضات حول الصفقة. بدأت إسرائيل تهدد بذلك، وألقت من الجو صباح أمس منشورات في رفح، وطلبت من سكان الأحياء الشرقية في المدينة إخلاء بيوتهم. في هذه المرحلة، ما زال الحديث يدور عن إشارات عنيفة في إطار المفاوضات، وإزاء معارضة أمريكا فإنه مشكوك أن يحتل الجيش الإسرائيلي المدينة كلها. الأرجح أن يأمر الكابنيت الجيش الإسرائيلي بالعمل بشكل محدود على مداخل المدينة. ولكن حتى هذا السيناريو لن يزعج رئيس الحكومة ومؤيديه في عرض ذلك كتحقيق لالتزامه. استناداً إلى التصريحات الكثيرة الأخيرة من الطرف الإسرائيلي، يصعب التحرر من الانطباع بأن نتنياهو يريد تنفيذ “التأكد من قتل” الصفقة، بعد عدم إظهار حماس لأي ليونة أخرى في مواقفها.

ثمن العناد

كلما مر الوقت لم يتوقع رئيس الأركان هرتسي هليفي قوة عاصفة الجمهور التي سيثيرها قراره ترقية رئيس قسم العمليات، العميد شلومي بندر، تعيينه رئيساً للاستخبارات العسكرية “أمان”. في الواقع، اهتم هليفي بالمصادقة على التعيين من قبل وزير الدفاع يوآف غالنت، الذي بدوره أبلغ رئيس الحكومة. ولكن رئيس الأركان فضل تجاهل التحذير الذي سمعه في الأسبوع الذي سبق النشر عن القرار، أن هذا التعيين لن يمر بهدوء.

إضافة إلى الانتقاد في الجيش وفي المستوى السياسي، فقد ثار غضب العائلات الثكلى لقتلى الجيش الإسرائيلي الذين سقطوا في معارك 7 أكتوبر وقتلى المذبحة في غلاف غزة. وثمة استعداد لتقديم التماس للمحكمة العليا حول تعيين العميد بندر.

ما لم تستكمل التحقيقات العسكرية حول أحداث اليوم المصيري ولم يتقرر ما دور قسم العمليات ولواء العمليات في تأخر الجيش الإسرائيلي في القدوم لإنقاذ المدنيين الذين تعرضوا للهجوم، فستحلق غيمة فوق هذا التعيين. يمكن أن يصمم هليفي على حقه في اتخاذ قرار تعيينات مستعجلة ما لم يشغل منصب رئيس الأركان. وهذا الأمر محل خلاف.

قال رئيس الأركان إن هناك حاجة ملحة لإشغال منصب رئيس “أمان” إزاء استقالة الجنرال أهارون حاليفا من منصبه. ولكن هليفي ربط بذلك أربع ترقيات وتعيينات لجنرالات جدد، التي تعني كما يبدو استقالة جنرالات قدامى، رغم أنه ليست لهم علاقة مباشرة بأحداث 7 أكتوبر. من غير الواضح إلحاحيته التي يبديها قبل التوضيح كم من الوقت ينوي هو نفسه البقاء في منصبه.

في غضون ذلك، ثار نقاش حول هوية من ستتم ترقيتهم، مع العودة إلى إحصاء كثيف للقبعات المنسوجة في أوساط جنرالات هيئة الأركان. ثلاثة من بين الخمسة جنرالات الجدد هم من خريجي التعليم الديني، لكن هناك من يعتبرون أنه ليسوا جميعاً متدينين بما فيه الكفاية.

هذا هجوم آخر من قبل الحريديم الوطنيين، وهو قطاع مهنته التباكي، في كل ما يتعلق بالتعيينات في الجيش الإسرائيلي. يتعلق أساس هذا التباكي بالعميد عوفر فنتر، الذي بقي في الخلف هذه المرة. هليفي، مثل أسلافه في هذا المنصب، يبدو أنه يعتقد أن فنتر، الضابط المتميز بحد ذاته، غير مناسب لشغل منصب جنرال في هيئة الأركان. للمرة الرابعة أو الخامسة في السنوات الثمانية الأخيرة، ثارت عاصفة صغيرة حول ترقية فنتر. وكالعادة، لم يتحمل الوزير سموتريتش، وكان لديه ما يقوله حول هذا الأمر. نتنياهو كالعادة لن يتدخل، لكن يمكن الرهان بثقة أنه مسرور من تأجيج النار، كما هو مسرور من أي نقاش آخر يحرف النقاش عن مسؤوليته عن إخفاقات 7 أكتوبر وإخفاقات الحرب الحالية.

———————————————

هآرتس 6/5/2024

ماذا عن توقيت إغلاق حكومة تل أبيب لمكاتب “الجزيرة” في إسرائيل؟

بقلم: أسرة التحرير

صوتت الحكومة أمس بالإجماع إلى جانب إغلاق قناة “الجزيرة” في إسرائيل. وخول القرار وزير الاتصالات ليأمر بوقف بث “الجزيرة” في البلاد، بالعربية والإنكليزية، وإغلاق مكاتبها، ومصادرة قسم من معداتها وتقييد الوصول إلى موقع الإنترنت.

باتخاذها هذا القرار المناهض للديمقراطية، سارت إسرائيل أمس نحو منزلق سلس في طريق تحولها إلى دولة تكمم الأفواه. الدول السابقة التي أغلقت مكاتب “الجزيرة” في الماضي هي مصر ودول الخليج. “الجزيرة” في كل الأحوال محظور إغلاقها، لكن إغلاق القناة يبرز مقدمة سياسية إزاء وسائل الإعلام كلها، إسرائيلية أو دولية، لا تعجب السلطات. وهكذا هو الحال عندما تشن حكومة يمين متطرفة حرباً على حرية التعبير وسلطة القانون في إسرائيل.

قد تنتقد إسرائيل بث “الجزيرة” الذي بعضه متحيز ومشوه، أساساً في النشرة العربية. لكن الحكومة لا تراقب التلفزيون، وليست مهمتها إغلاق القنوات. ليس لحكومة تؤيد علناً القناة 14 الدعائية والمتحيزة، الحق في إغلاق محطات تلفزيونية مهما كانت متحيزة.

إسرائيليون كثيرون يشاهدون بث “الجزيرة”: المجتمع العربي يرى فيها محطة مهمة تتيح لهم معرفة ما يجري في العالم العربي. كما أن قسماً صغيراً من المشاهدين اليهود وجد في بثها بالإنكليزية مصدر معلومات مهماً عما يجري في العالم، وبقوة أكبر عما يجري في غزة، في الوقت الذي أخفت القنوات الإسرائيلية تماماً ما يجري فيها. بدون “الجزيرة” وبضع قنوات أجنبية أخرى، لا يمكن أن يرى المرء في إسرائيل ما يحصل في غزة.

كل هذا تريد عصبة نتنياهو – وكرعي الآن إسكاته وتعتيمه. توقيت القرار أمس يثير الاشتباه بأن إسرائيل اختارت إغلاق بث الشبكة القطرية الآن بالذات كي تدفع بقوة أكبر نحو إحباط الصفقة المنسوجة لتحرير المخطوفين ووقف النار والتي تعد قطر أحد عرابيها المهمين. أفاد “يونتان ليس” في “هآرتس” أمس بأن فتوى “الشاباك” قضت بأن بث القناة يمس بأمن الدولة، وهو شرط واجب للإغلاق حسب القانون، لكن فتوى الموساد والجيش والرقابة العسكرية لم تتضمن مثل هذا القول. إن مجرد التوجه إلى أجهزة الاستخبارات في سياق حرية الصحافة هو أمر خطير. غداً سيقرر جهاز استخباري آخر بأن صحيفة أو محطة تلفزيونية إسرائيلية تعرض الأمن للخطر، فيحسم مصيرها أيضاً.

حرية التعبير وحرية الصحافة على جدول الأعمال، وكل منهما عزيزة على قلوبهم، وهم ملزمون بمعارضة قرار الحكومة المعيب. لا مكان له في الديمقراطية.

———————————————

يديعوت أحرونوت 6/5/2024

لا خيار أمام إسرائيل غير اجتياح رفح وتكثيف الضغط العسكري

بقلم: رون بن يشاي

انتهاء المحادثات في القاهرة دون موافقة حماس، إلى جانب المقذوفات من رفح، تؤدي إلى قرار واحد: على الجيش الإسرائيلي أن يناور في رفح في أقرب وقت ممكن، وعليه أن يفكك جيش الإرهاب في المدينة من أجل أمن سكان النقب وإعادة المخطوفين، إذ لا رافعة ضغط أخرى. ما دام في غزة جيش مخربين نشط، لن يتمكن سكان الغلاف من العودة إلى بيوتهم.

يبدو أن حماس فتحت لأصحاب القرار في إسرائيل “معضلة رفح”. فانتهاء المحادثات في القاهرة في موضوع المخطوفين دون تحقيق موافقة حماس على المنحى الإسرائيلي-الأمريكي للصفقة وإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون من رفح إلى أراضي إسرائيل والتي أصيب بها أكثر من عشرة إسرائيليين، تؤدي إلى قرار باتجاه واحد: على الجيش اجتياح رفح فوراً. انعقد الكابنيت لإدارة الحرب، ويبدو أنه بحث هذا الإمكانية. نأمل بأن يوجب البحث عن أي منحى من تلك التي أعدها الجيش وتدرب عليها إصدار أمر للجيش لتنفيذه، ينبغي حصول هذا في أقرب وقت ممكن، كي لا تتبدد الشرعية الدولية والأمريكية، ولأجل استغلال نافذة الفرص الناشئة لتفكيك قوة حماس العسكرية في القطاع. إن وقف المحادثات في القاهرة على صفقة المخطوفين مع وفد حماس يدل على أن السنوار ورجاله لا يلح عليهم شيء. ليس عليهم أي ضغط ذي مغزى للوصول إلى صفقة مخطوفين جزئية أو كبرى، بل العكس؛ لهم مصلحة واضحة في تسويف المفاوضات على مدى أسابيع بل وربما أشهر. ذلك على افتراض بأن الضغط الدولي والضغط الداخلي في إسرائيل من جانب احتجاج عائلات المخطوفين ومؤيديهم سيجبران وزراء “الكابنيت الضيق” بل ورئيس الوزراء والوزيرين سموتريتش وبن غفير، على الموافقة على إنهاء الحرب.

لم يتبقَ لدولة إسرائيل خيار آخر غير استخدام الرافعة العسكرية على حماس، والرافعة الوحيدة لدى إسرائيل الآن في هذا الشأن هي اجتياح رفح ومنطقة معسكرات الوسط وربما حتى عملية قوية معادة في شمالي القطاع. بالمقابل، تقليص المساعدات الإنسانية كرافعة ضغط أمر لم يعد وارداً بالحسبان، لأنه سيضعنا في مواجهة مباشرة مع الإدارة الأمريكية والأسرة الدولية.

إن إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون أمس هو برهان بسيط على أن دولة إسرائيل لن تسمح لحماس و”الجهاد الإسلامي” أن تبقيا قوة نظامية عسكرية نشطة في قطاع غزة، حتى لو كان هذا جيباً صغيراً نسبياً في منطقة رفح. لا لأن عشرة إسرائيليين أصيبوا مؤخراً، ولا لأن بيتاً في “كيبوتس كرم أبو سالم” أصيب، بل لأن النار من قطاع غزة تثبت أنه ما دامت كتائب حماس و”الجهاد” تؤدي مهامها في أي منطقة بالقطاع، فلن يتمكن سكان النقب الغربي من العودة إلى بيوتهم.

مع أنه حدثت مؤخراً محاولات لإطلاق مقذوفات من شمال القطاع أيضاً، حيث ناور الجيش وفعل هذا بنجاح، لكن من اللحظة التي خرج فيها الجيش، استؤنف هنا وهناك إطلاق المقذوفات. رغم ذلك، كانت هذه المقذوفات فاشلة في معظمها، وسقط القسم الأكبر منها بعامة في أراضي القطاع. كان الحديث يدور عن صواريخ قليلة أو قذائف هاون قليلة أطلقت بشكل عشوائي ودون تخطيط.

يبدو أن ما كان أمس في رفح هو إطلاق مخطط وفقاً لمعلومات استخبارية على أهداف محددة وبتنسيق عسكري كامل، مثلما يعرف جيش إرهاب حماس بأنه قادر على ذلك. إن نسق الإطلاق أغلب الظن من مركز واحد وُجه نحو هدف ونفذ -حسب الاستخبارات- انطلاقاً من نية إلحاق إصابات في أوساط قواتنا ولتحقيق هدف مزدوج – برهان للعالم الإسلامي والفلسطيني بأن حماس لم تستسلم، وأنها لا تخاف اجتياح رفح في الظروف الحالية.

رغم الأسى على المصابين من بين رجالنا، لا تحتاج إسرائيل إلى دليل أفضل للعالم وإلى الداخل أيضاً على أن عملية في رفح ضرورية لإزالة تهديد حماس و”الجهاد” على إسرائيل، ومنع ترميم قوتها العسكرية في بعض الأجزاء من القطاع، بل وللوصول إلى صفقة تحرير المخطوفين دون أن تتمكن حماس من حمل إسرائيل على وقف الحرب وعرض نفسها كمنتصرة فيها.

الظروف التي أصيب فيها الإسرائيليون من جراء رشقة الصواريخ وقذائف الهاون التي كانت متوقعة يجب أن يحقق فيها حتى النهاية بهدف استخلاص الدروس. نأمل عدم وجود إهمال، وحتى لو وجد، فهذا لا يغير السطر الأخير وهو أن الجيش الإسرائيلي ملزم بدخول رفح، وفي الوقت نفسه، يجب عمل ذلك بعقل. ثمة مناح أعدها الجيش الإسرائيلي وفقاً لحجم العملية والحاجة لإخلاء اللاجئين الموجودين في المدينة. يمكن التقدير بأن كابنت الحرب سيختار أحدها ويصدر الأوامر دون إرجاء.

———————————————

تفاصيل النص الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة

الذي وافقت عليه حركة “حماس”

ينص اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي أبلغت حركة “حماس” قطر ومصر موافقتها عليه على تنفيذ اتفاق من ثلاث مراحل، مدة كل واحدة منها 42 يوما.

ويوضح النص الحرفي لمقترح اتفاق وقف إطلاق النار، مبادئ أساسية لاتفاق بين الجانب الإسرائيلي والجانب الفلسطيني في غزة على تبادل المحتجزين والأسرى بين الجانبين وعودة الهدوء المستدام.

وجاء في الوثيقة:”الاتفاق الاطاري يهدف إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الموجودين في قطاع غزة من مدنيين وجنود سواء أكانوا على قيد الحياة أم غير ذلك ومن جميع الفترات والأزمنة مقابل اعداد من الأسرى في السجون الإسرائيلية يتم الاتفاق عليها، والعودة إلى الهدوء المستدام وبما يحقق وقف إطلاق النار الدائم، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وإعادة الإعمار ورفع الحصار.

– الاتفاق الإطاري مكون من 3 مراحل متصلة ومترابطة، وهي على النحو التالي:

المرحلة الأولى (42 يوما):

– الوقف المؤقت للعمليات العسكرية المتبادلة بين الطرفين، وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقا وبعيدا عن المناطق المكتظة بالسكان إلى منطقة بمحاذاة الحدود في جميع مناطق قطاع غزة (بما في ذلك وادي غزة (محور نتساريم ودوار الكويت ـ كالمبين أدناه)

– وقف الطيران (العسكري والاستطلاع) في قطاع غزة لمدة 10 ساعات في اليوم، ولمدة 12 ساعة في أيام إطلاق سراح المحتجزين والأسرى.

– عودة النازحين إلى مناطق سكناهم، والانسحاب من وادي غزة (محور نتساريم ودوار الكويت):

– في اليوم الثالث (بعد إطلاق سراح 3 من المحتجزين) تنسحب القوات الإسرائيلية بالكامل عن شارع الرشيد شرقا حتى شارع صلاح الدين، وتفكك المواقع والمنشآت العسكرية في هذه المنطقة بالكامل، والبدء بعودة النازحين إلى مناطق سكناهم (بدون حمل سلاح أثناء عودتهم)، وحرية حركة السكان في جميع مناطق القطاع، ودخول المساعدات الإنسانية من شارع الرشيد من اليوم الأول ودون معوقات.

– في اليوم الـ 22 (بعد إطلاق سراح نصف المحتجزين المدنيين الأحياء بمن فيهم المجندات) تنسحب القوات الإسرائيلية من وسط القطاع (خاصة محور الشهداء نتساريم، ومحور دوار الكويت) شرق طريق صلاح الدين إلى منطقة قريبة بمحاذاة الحدود، وتفكك المواقع والمنشآت العسكرية بالكامل، واستمرار عودة النازحين إلى أماكن سكناهم شمال القطاع، وحرية حركة السكان في جميع مناطق القطاع.

– البدء من اليوم الأول بإدخال كميات مكثفة وكافية من المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة والوقود (600 شاحنة يومياً على أن تشمل 50 شاحنة وقود، منها 300 للشمال) بما في ذلك الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء والتجارة والمعدات اللازمة لإزالة الركام، وإعادة تأهيل وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية والمخابز في كل مناطق قطاع غزة، واستمرار ذلك في جميع مراحل الاتفاق.

تبادل المحتجزين والأسرى بين الجانبين:

– خلال المرحلة الأولى، تطلق حماس سراح 33 من المحتجزين الإسرائيليين (أحياء أو جثامين) من نساء (مدنيات ومجندات) وأطفال (دون سن 19 من غير الجنود) وكبار السن (فوق سن 50) والمرضى، بمقابل أعداد من الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وذلك وفقا للتالي:

– تطلق حماس سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء من النساء المدنيات والأطفال (دون سن 19 من غير الجنود)، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح 30 من الأطفال والنساء مقابل كل محتجز(ة) إسرائيلي(ة) يتم إطلاق سراحهم، بناء على قوائم تقدمها حماس حسب الأقدم اعتقالا.

– تطلق حماس سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء كبار السن (فوق سن 50 عاما) والمرضى والجرحى المدنيين، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح 30 أسيرا من كبار السن (فوق 50 عاما) والمرضى مقابل كل محتجز(ة) إسرائيلي(ة)، بناء على قوائم تقدمها حماس حسب الأقدم اعتقالا.

– تطلق حماس سراح جميع المجندات الإسرائيليات اللواتي على قيد الحياة، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح 50 أسيرا من سجونها مقابل كل مجندة إسرائيلية يتم إطلاق سراحها (30 مؤبدا، و20 أحكام) بناء على قوائم تقدمها حماس.

جدولة تبادل المحتجزين والأسرى بين الطرفين في المرحلة الأولى:

– تطلق حماس 3 من المحتجزين الإسرائيليين في اليوم الثالث للاتفاق وبعد ذلك تطلق حماس سراح 3 محتجزين آخرين كل سبعة أيام بدءا بالنساء ما أمكن (المدنيات والمجندات)، وفي الأسبوع السادس تطلق حماس سراح جميع من تبقى من المحتجزين المدنيين الذين تشملهم هذه المرحلة، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح العدد المتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وفق القوائم التي ستقدمها حماس.

– بحلول اليوم السابع (ما أمكن ذلك) ستقوم حماس بتقديم معلومات عن أعداد المحتجزين الإسرائيليين الذين سيتم الإفراج عنهم في هذه المرحلة.

– وفي اليوم 22، يطلق الجانب الإسرائيلي سراح جميع أسرى صفقة شاليط الذين أُعيد اعتقالهم.

– في حال لم يصل عدد المحتجزين الإسرائيليين الأحياء المنويّ الإفراج عنهم إلى العدد 33، يستكمل العدد من الجثامين من نفس الفئات لهذه المرحلة، بالمقابل، تطلق إسرائيل سراح جميع من تم اعتقالهم من قطاع غزة بعد 7 أكتوبر 2023م من النساء والأطفال (دون سن 19 سنة)، على أن يتم ذلك في الأسبوع الخامس من هذه المرحلة.

– ترتبط عملية التبادل بمدى الالتزام ببنود الاتفاق، بما فيها إيقاف العمليات العسكرية المتبادلة، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وعودة النازحين ودخول المساعدات الإنسانية.

– إتمام الإجراءات القانونية اللازمة التي تضمن عدم اعتقال الأسرى المحررين الفلسطينيين استنادا لنفس التهم التي اعتقلوا عليها سابقا.

– لا تشكل مفاتيح المرحلة الأولى المبينة أعلاه أساسا للتفاوض على مفاتيح المرحلة الثانية.

– رفع الإجراءات والعقوبات التي تم اتخاذها بحق الأسرى والمعتقلين في سجون ومعسكرات الاعتقال الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر 2023، وتحسين أوضاعهم، بما في ذلك من تم اعتقالهم بعد هذا التاريخ.

– بما لا يتجاوز اليوم الـ 16 من المرحلة الأولى، يتم البدء بمباحثات غير مباشرة بين الطرفين بشأن الاتفاق على تفاصيل المرحلة الثانية من هذا الاتفاق فيما يتعلق بمفاتيح تبادل الأسرى والمحتجزين من الطرفين (الجنود وما بقي من الرجال)، على أن يتم الانتهاء والاتفاق عليها قبل نهاية الأسبوع الخامس من هذه المرحلة.

– قيام الأمم المتحدة ووكالاتها، بما فيها الأونروا والمنظمات الدولية الأخرى، بأعمالها في تقديم الخدمات الإنسانية في كل مناطق قطاع غزة، واستمرار ذلك في جميع مراحل الاتفاقية.

– البدء بإعادة تأهيل البنية التحتية (الكهرباء والماء والصرف الصحي والاتصالات والطرق) في جميع مناطق قطاع غزة، وإدخال المعدات اللازمة للدفاع المدني، ولإزالة الركام والأنقاض، واستمرار ذلك في جميع مراحل الاتفاقية.

– تسهيل إدخال المستلزمات والمتطلبات اللازمة لاستيعاب وايواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم خلال الحرب (ما لا يقل عن 60 ألف مسكن مؤقت-كرفان- و200 ألف خيمة).

– بدءا من اليوم الأول من هذه المرحلة يسمح لعدد متفق عليه (لا يقل عن 50) من العناصر العسكرية الجرحى بالسفر عن طريق معبر رفح لتلقي العلاج الطبي، وزيادة أعداد المسافرين والمرضى والجرحى من خلال معبر رفح ورفع القيود عن المسافرين وعودة حركة البضائع والتجارة دون قيود.

– البدء في الترتيبات والخطط اللازمة لعملية إعادة الإعمار الشامل للبيوت والمنشآت المدنية والبنية التحتية المدنية التي دُمّرت بسبب الحرب وتعويض المتضررين بإشراف عدد من الدول والمنظمات، من ضمنها مصر وقطر والأمم المتحدة.

– جميع الإجراءات في هذه المرحلة، بما يشمل الوقف المؤقت للعمليات العسكرية المتبادلة، والإغاثة والإيواء، وانسحاب القوات، الخ، تستمر في المرحلة الثانية لحين إعلان الهدوء المستدام (وقف العمليات العسكرية والعدائية)

المرحلة الثانية (42 يوما):

– الإعلان عن عودة الهدوء المستدام (وقف العمليات العسكرية والعدائية) وبدء سريانه قبل البدء بتبادل المحتجزين والأسرى بين الطرفين – جميع من تبقى من الرجال الإسرائيليين الموجودين على قيد الحياة (المدنيين والجنود) – مقابل عدد يتفق عليه من الأسرى في السجون الإسرائيلية ومن المعتقلين في معسكرات الاعتقال الإسرائيلية، وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل خارج قطاع غزة.

المرحلة الثالثة (42 يوما):

– تبادل جثامين ورفات الموتى لدى الجانبين بعد الوصول لهم والتعرف عليهم.

– البدء في تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة لمدة من 3 إلى 5 سنوات، بما يشمل البيوت والمنشآت المدنية والبنية التحتية، وتعويض المتضررين كافة بإشراف عدد من الدول والمنظمات، منها مصر وقطر والأمم المتحدة.

– إنهاء الحصار الكامل عن قطاع غزة.

وأكدت الوثيقة أن الضامن للاتفاق هم “قطر، مصر، الولايات المتحدة، الأمم المتحدة”.

——————انتهت النشرة——————