الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 5/6/2024

كيف تعرف أنك في مدينة محتلة بالنظر إلى حبة خوخ بيد عجوز في شارع صلاح الدين؟

بقلم: نوريت فرغفت

قبل أسبوعين، هاجموها وسلبوا ما معها. صحيح أنه كان اعتداء خفيفاً، وبدون إصابة، ولم يكن السلب تحت التهديد بالسلاح كما هي الحال في الغرب. لكنها امرأة فلسطينية من القدس، تجلس على الرصيف في شارع صلاح الدين شرقي القدس، وتبيع الفواكه والخضراوات التي معظمها من إنتاج بستانها.

قبل أسبوعين تقدم منها شخصان يرتديان الزي الرسمي باللون الأسود (من المهم متى سيضيفون إلى الزي الأسود النظارات الشمسية التي لا يمكن الرؤية منها). لم يقولا شيئاً، أخذا بضاعتها ووضعاها في سيارة تندر من نوع “تويوتا” تابعة لبلدية القدس، كانت تقف في وسط الشارع. حدثت فوضى، شخص بدأ يصرخ، وآخر حاول التصوير، والمرأة (ابنة الـ 60 أو أكثر) بدأت تصرخ لسلب بضاعتها منها، الخوخ وورق العنب والكرز، وحاولت حمايتها بجسدها، ولكن بنجاح جزئي.

هي إحدى البائعات اللواتي يجلسن على رصيف شارع السلطان سليمان وشارع صلاح الدين. جميعهن مُسنات ومعوزات وليس هناك من يعيلهن. لم يكلف المفتشون أنفسهم عناء التحدث مع هذه المرأة في الوقت الذي كانوا يصادرون فيه بضاعتها. سألت شاهدة عيان كانت في المكان “إلى أين يأخذون البضاعة، ولماذا؟” فجاء الرد “لا تتدخلي”. وبعد تصميمها، قال أحدهم: “لا تملك تصريحاً”. هذا ما حدث. ثم ركبوا السيارة وذهبوا.

لم تتفاجأ المرأة المقدسية. فقبل بضعة أشهر، قالوا لها إنها لا تملك تصريحاً، ومنذ ذلك الحين والمسألة مسألة وقت إلى حين مجيئهم لسلبها بضاعتها. ولكن ما الذي يمكنها أن تفعله؟ هزت كتفها باستسلام. ولأنها والنساء الأخريات لا يملكن تصاريح للبيع بالمفرق، ويخرقن القانون المساعد في قوانين البلدية، فإنهن يعتبرن هذا السلوك نوعاً من المخاطرة المهنية.

مرة يأخذون من إحداهن، ومرة من أخرى. ربما قصدت البلدية ذلك عندما كتبت “إنفاذ القانون ينفذ بصورة متساوية وبدون تمييز”.

هذه المرأة أرملة منذ عشرين سنة، ولا معيل لها. ولكن لها قطعة أرض صغيرة تزرعها، وكل يوم، في الصيف والشتاء، تجلس على الرصيف وتبيع منتجاتها: ورق العنب والحاملة في الربيع، الخوخ والمشمش في الصيف، الزيتون في الخريف. ثمن البضاعة التي تم سلبها منها يقدر بـ 1500 شيكل. لم تقدم شكوى. كانت راضية لأنها نجحت في إنقاذ جزء من بضاعتها، واستمرت في البيع تقريباً بعد ابتعاد سيارة البلدية. وإذا كانت البلدية تريد محاربة بائعات المفرق في الشوارع، فإنه يصعب وصف طريقة أكثر غباء من هذه الطريقة لفعل ذلك.

البائعون في المكان يعرفون هذا الأسلوب جيداً. وحسب قولهم، ازداد التنكيل ببائعات المفرق في الأشهر الأخيرة. ولكن كثيراً ما يحصل مثل هذه المضايقات. لم يبق سوى لغز واحد لم يحل لهن، وهو إلى أين تؤخذ البضاعة التي تصادر وماذا يفعلون بها؟ التخمين الأكثر جنوناً الذي سُمع هو أن هذه البضاعة (التي تقدر بمئات أو آلاف الشواكل) تؤخذ إلى حديقة الحيوانات لإطعامها للحيوانات. وحسب شائعة أخرى، ترسل إلى دور المسنين في المدينة.

وجاء من البلدية: “بشكل عام، تؤخذ البضاعة إلى مخزن المواد المصادرة، ويفرج عنها بعد دفع مبلغ الغرامة. في هذه الحالة، يدور الحديث عن بضاعة قابلة للإتلاف، وتعالج حسب الإجراءات. إنفاذ القانون كان حسب القانون، مع تقديم تفسير شفوي لبائعات المفرق في الميدان”. بعد ذلك، وافقت البلدية على القول إن البضاعة القابلة للإتلاف يتم إتلافها جميعها.

مخالفة قوانين البلدية المساعدة لا تحدث فقط في شرقي القدس. ولكن يصعب تخيل أن مفتشي البلدية سيصادرون الساندويشات في مقهى يضع الكراسي على الرصيف خلافاً للقانون، لنفترض ذلك. ربما سيصادرون الكراسي والطاولات ويصدرون غرامة مالية للمشغل ووصل لاستلام البضاعة المصادرة، هو يستطيع دفع الغرامة واستعادة الكراسي (أو حتى الجدال وخفض المبلغ).

ولكن ما الذي ستفعله امرأة لم تحصل على ورقة مخالفة أو غرامة أو وصل؟ في أي عالم يأتون ويأخذون بضاعة، حتى بدون الشرح والقول للمرأة إلى أين يتم أخذ بضاعتها؟ هل كانت تفضل دفع الغرامة والاحتفاظ بالبضاعة؟ لكهنا لم تسأل. يمكن الادعاء بأنها تخلصت من دفع الغرامة بهذا النحو، لكن عملياً حتى لو أرادت الجدال على الأقل حول سعر البضاعة فلا يمكنها إثبات أي شيء، هل أخذوا منها أو كم أخذوا. أي أن هذه عملية سهلة للسلب.

موضوع “الترخيص” هذا غير واضح. فإذا لم يكن لديها تصريح للبيع على الرصيف، فهل توجد مثل هذه التصاريح في الأصل؟ وما هي شروط الحصول عليها؟ وجاء من المتحدث بلسان البلدية بأن هناك أماكن فيها تصاريح للبيع بالمفرق، مثل ساحة باب العامود. ومن سيقول لها بأن البضاعة أتلفت ولم تستخدم؟

منذ بدأت الحرب ازدادت وتيرة التنكيل الصارم التي ترافق ذلك. ذات يوم، كان يمكن التجول في شوارع شرقي القدس كنوع من النزهة القصيرة في الخارج: اللغة مختلفة، والملابس مختلفة، والروائح مختلفة. الآن، الجولة في هذه الأماكن جولة للتعرف على الاحتلال، ليس خلف الحاجز، بل في المحطة التالية للقطار الخفيف.

——————————————–

هآرتس 5/6/2024

“حزب الله” يدير سياسة دقيقة قاتلة وإسرائيل في ورطة و”مهرج الأمن الوطني” في عرض موسيقي

بقلم: عاموس هرئيل

حتى في الحرب المليئة بخيبة الأمل والبشائر السيئة، فقد عبرت أحداث أول أمس عن نقطة صادمة طوال هذه الأحداث. خلال اليوم، نشرت أنباء عن موت خمسة من سكان “كيبوتسات” غلاف غزة، الذين أصيبوا في هجوم 7 أكتوبر (تبين أن أحدهم قتل في اليوم نفسه، في الأراضي الإسرائيلية، وأنه لم يختطف؛ ومات أربعة منهم فيما بعد في أسر حماس، وهناك أساس معقول للخوف من أنهم قتلوا بنيران إسرائيلية بالخطأ). طوال يوم، ومكتب رئيس الحكومة ينشر بيانات عزاء حسب معايير “لنا” و”لهم”، ولم يكلفوا أنفسهم عناء التطرق إليها.

في المساء بدأت حرائق في الجليل تشتعل جراء هجوم صاروخي كثيف ومسيرات أطلقها حزب الله، وبدأ أعضاء طواقم الطوارئ ورجال إطفاء وقوات الجيش الإسرائيلي ومتطوعون يكافحون بيأس هذه النيران التي هددت الصف الأول لبيوت المستوطنات، من بينها “كريات شمونة” و”كفار جلعادي”. مهرج الأمن الوطني والمسؤول أيضاً عن خدمات الإطفاء، لم يكلف نفسه عناء الوصول إلى المنطقة، لقد فضل بن غفير إجراء مقابلة مع القناة 14، ثم ظهر في عرض موسيقي في برك السلطان بالقدس. وبعد منتصف الليل، جرى نشر رد من مكتب رئيس الحكومة، ولكنه تناول تطورات أخرى، يبدو أنها أهم. خطاب نتنياهو في الكونغرس الأمريكي، كما قيل، لن يجرى في 13 حزيران، بل في موعد آخر بعد تبيان أن هذا الموعد يصادف يوم عيد الأسابيع (الموضوع الذي كان يجب أن يكون معروفاً لكل من لديه رزنامة).

لا يوجد هنا نسيان أو إهمال بالصدفة. فما يفكر فيه نتنياهو حول رفاهية الضواحي، كُشف عنه في 2018 عندما تطاول على متظاهرة أزعجت احتفالاً شارك فيه في “كريات شمونة”: “ببساطة، أنت لا تعنيني”. ليلة الحرائق في الجليل لم تكن سوى تعبير آخر، أكثر تطرفاً، عن الورطة التي وصلت إليها الحرب، التي يمر ثمانية أشهر على اندلاعها. قررت الحكومة والجيش إخلاء 60 ألف مواطن من القطاع القريب من الحدود مع لبنان منذ اللحظة التي بدأ فيها حزب الله بمهاجمة الجليل عقب هجوم حماس في الجنوب. منذ ذلك الحين وإسرائيل في شرك استراتيجي يتفاقم في الشمال. فهي لا تنجح في فرض وقف لإطلاق النار على حزب الله ما دام القتال مستمراً في غزة. وقد فرض حزب الله عليها نوعاً من الحزام الأمني الفارغ من السكان داخل أراضيها، رغم أن نسبة خسارته أكبر من نسبة خسارة إسرائيل.

كانت الحرائق متوقعة مسبقاً، كما حدث في حرب لبنان الثانية في 2006 (في الواقع، هذا يحدث في كل تدريب ثان للجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان صيفاً). النباتات الجافة تشتعل بسهولة، في حين أن نشاط طواقم الإطفاء محدود وتجد صعوبة في استخدام الطائرات للإطفاء في ظل تهديد إطلاق النار من قبل حزب الله.

احتجاج رؤساء السلطات في الشمال والتغطية الإعلامية الواسعة في الفترة الأخيرة، أيقظت أمس المستوى السياسي من سباته. فقد جرت سلسلة مشاورات في المستوى السياسي والأمني حول الوضع على الحدود مع لبنان. وقال رئيس الأركان أثناء جولة في قيادة المنطقة الشمالية: “نقترب من النقطة التي سيتعين علينا فيها اتخاذ قرار. الجيش الإسرائيلي مستعد للهجوم”.

رغم أن الضربة في الجنوب كانت شديدة إلى درجة لا يمكن تقديرها، ففي الجليل تخوفات أكثر حول احتمالية عودة السكان إلى منطقة الحدود مستقبلاً. لا لعدم وجود حل عسكري في الأفق فحسب؛ فالوقت الذي يمر يجعل كثيرين يفكرون في مغادرة المنطقة بشكل دائم، لا سيما على خلفية السنة الدراسية القادمة التي ستبدأ في أيلول. منظومة الدعم المحلية في المستوطنات ضعيفة نسبياً، ومعالجة الحكومة التي لا تشمل حتى الآن إقامة إدارة ترميم ناجعة، تشوبها عيوب كثيرة. من يتجول في “كريات شمونة” الآن سيجد مدينة شبه فارغة، وفي حالة استعداد دائمة لتلقي الضربات. حزب الله يدير سياسة إطلاق نار قاتلة ودقيقة جداً، بالأساس بالمسيرات الهجومية.

تقدر الإدارة الأمريكية أن التوقيع على صفقة التبادل ووقف إطلاق النار في الجنوب سيسمحان بوقف فوري لإطلاق النار في الشمال، الذي يتم خلاله تحريك مفاوضات سريعة حول اتفاق جديد يشمل إبعاد قوة “الرضوان”، ووحدة كوماندو حزب الله، عن منطقة الحدود. نعيم قاسم، نائب حسن نصر الله، قال أمس لقناة “الجزيرة” إن حزبه غير معني بحرب شاملة، ولكنه لا يخشى من الدخول إليها إذا تصرفت إسرائيل بهذا الشكل. الدكتور شمعون شبيرا، المختص في شؤون حزب الله، قال للصحيفة إنه رغم خسائرها فإن هذه المنظمة الشيعية لا تشعر بأنها هزمت، بل تحصل على تشجيع من شكاوى رؤساء المجالس شمالي البلاد حول تدهور الوضع الأمني. وحسب قوله، فإن حزب الله يصدر إشارات باستعداده زيادة النيران لمساعدة حماس في ابتزاز تنازلات من إسرائيل في المفاوضات حول الصفقة في الجنوب.

ظهر أمس، قبيل مسيرة الأعلام في القدس، هدد بن غفير وقال: “سنذهب إلى الحرم رغم أنفهم. يجب أن نضربهم في المكان الأكثر أهمية بالنسبة لهم”. الفلسطينيون في القدس والضفة الغربية ردوا على ذلك بغضب. في العام 2021، عندما كان عضو كنيست محرضاً، نجح هذا القومي المتطرف في توفير مبررات لحماس لإطلاق الصواريخ على القدس، التي اعتبرت بداية لعملية “حارس الأسوار”. وبن غفير مستعد دائماً للمساعدة في إشعال حرائق جديدة.

يجب قول المفهوم ضمناً

بعد مرور أربعة أيام على خطاب الرئيس الأمريكي، لم يُسلم حتى الآن أي رد رسمي من إسرائيل أو حماس على اقتراح الرئيس بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، الذي هو بالفعل إعادة تدوير (حسب أقوال نتنياهو) بتغير ما لاقتراح إسرائيل السابق. قيادة حماس في غزة لم ترد بعد. ونتنياهو يرسل رسائل متناقضة، لكنه يضمن لنفسه في هذه الأثناء تأييداً مبدئياً للصفقة من قبل الأحزاب الحريدية ووزراء الليكود. يقدر المستوى السياسي أنه سيحصل على أغلبية في الحكومة إذا لم يتم طرح الصفقة للتصويت. ولكنه أمر قد يكلفه انسحاب أحزاب اليمين المتطرف وحل الائتلاف.

البيانات التي تبين موت خمسة من سكان الكيبوتسات، زادت قلق وخوف أوساط عائلات المخطوفين، وأبرزت استنتاج العديد منها بأن الضغط العسكري في القطاع لا يدفع الصفقة قدماً، بل يعرض حياة أعزائهم للخطر. انتقل أبناء عائلات المخطوفين لاستخدام الضغط الشخصي على الوزراء والأعضاء، في الكنيست وفي بيوتهم وفي أي مكان. أصدر تلك البيانات (موت هؤلاء الخمسة) المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، العميد دانيال هاغاري. في مؤتمر صحافي مباشر، ظهر المتحدث يحبس الحزن والغضب بصعوبة. أما رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان فلا صلة لهم بالأمر؛ فعندما تغيب النجاحات يُكتفى بالعميد هاغاري فقط. في أستوديو القناة 14، بالمناسبة، لم يكونوا راضين عن ظهور هاغاري. قال بعض المشاركين في الحوارات داخل الأستوديو إن روح أشباح كانت تحلق في الأجواء. يتوقع من المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي أن يبث روحاً قتالية في الشعب.

رغم كل ذلك، ما احتمالية عقد الصفقة؟ ضباط كبار في جهاز الأمن يجدون صعوبة في التنبؤ بخطوات نتنياهو، لكنهم يعلقون آمالاً على الضغط الأمريكي الذي يستخدم الآن حتى على حماس بواسطة قطر، المستضيفة لقيادة حماس الخارج. تبث الإدارة أمام إسرائيل إشارات لإمكانية ترجمة قرارات محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، إلى تصويت في مجلس الأمن، حيث يدور الحديث عن إجراءات عملياتية قد تصل إلى مستوى فرض عقوبات دولية على إسرائيل. أيضاً إمكانية إصدار مذكرات اعتقال في لاهاي تقض مضاجع رئيس الحكومة وشخصيات رفيعة أخرى. رئيس الـ سي.آي.ايه، وليام بيرنز، قد يصل إلى المنطقة في الأيام القريبة القادمة في محاولة للدفع بالصفقة قدماً. يتشكك جهاز الأمن بأن حماس ستعرض رداً إيجابياً متحفظاً على الاقتراح إلى جانب طلبات أخرى، لضمان أمن قادتها والتعهد بوقف مطلق للنار.

ينشغل نتنياهو الآن باستعداد محموم قبل إلقاء الخطاب في الكونغرس. في المقابل، توقف عن التحدث مع الجمهور في البلاد، الذي يستمر أبناؤه في القتل في الحرب التي أصبحت أهدافها أقل وضوحاً وأقل اتفاقاً عليها. توقفت المؤتمرات الصحافية منذ زمن، وليس هناك ما يمكن التحدث عنه حول مقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية. كل ما يصدره مكتب رئيس الحكومة هو أفلام قصيرة، تمت هندستها، يظهر فيها مقطوع عن الواقع. سئل الرئيس الأمريكي في مقابلة نشرت أمس في مجلة “تايم” إذا كان نتنياهو سيطيل مدة الحرب في غزة لاعتبارات سياسية؟ فأجاب بايدن الذي في جيله ومكانته معفي كما يبدو من اعتبارات تكتيكية دبلوماسية: “تتوفر للناس الأسباب كلها لاستنتاج ذلك”. أحياناً، يجب قول المفهوم ضمناً أيضاً.

——————————————–

معاريف 5/6/2024

إسرائيل لسوليفان: لا تطبيع مقابل “دولة فلسطينية” ولن نغني على لحن الانتخابات الأمريكية

بقلم: هانيا كربيان ويعقوب نيجل

زار مستشار الأمن القومي جاك سوليفان إسرائيل والسعودية في منتصف أيار، واقترح رزمة تطبيع سعودية إسرائيلية تؤدي على حد قوله إلى زيادة الاستقرار والأمن في المنطقة.

رفض نتنياهو العرض، الذي تطلب من إسرائيل تنازلات جديدة هو غير مستعد ولا راغب في تقديمها: إنهاء الحرب في غزة، وشق طريق يؤدي إلى دولة فلسطينية.

بايدن يبحث بقوة عن نجاح دبلوماسي قبيل الانتخابات، وهو كفيل بأن يتقدم لصفقة سعودية، تبقي القدس جانباً.

حاول سوليفان إحياء الزخم لاتفاق التطبيع، الذي بدا قريباً جداً قبل 7 أكتوبر. شروط العرض السابقة منحت لكل طرف مكاسب ومخاطر. أصبحت الولايات المتحدة والسعودية في العرض الجديد كاسبتين، والخاسر الأكبر يفترض أن تكون إسرائيل.

في الصفقة السابقة، كان يفترض بولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن يتلقى ثلاثة مطالب أساسية: حلف دفاع مع الولايات المتحدة، ورزمة سلاح جديدة ومتطورة، بما في ذلك قدرات هجومية، وبرنامج نووي مدني مستقل بما في ذلك تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية. إضافة إلى ذلك، طالبت السعودية “القدس” بأن تؤيد “مساراً غير متبلور” يؤدي إلى دولة فلسطينية في المستقبل.

كانت “القدس” [تل أبيب] ستحظى بالتطبيع مع الرياض، وأحد الأهداف المركزية التي وضعها نتنياهو بعد انتصاره في الانتخابات والأمل في انضمام دول أخرى إلى المملكة. الحافز الإضافي للتطبيع كان تعزيز الائتلاف الإقليمي ضد إيران، بتعاون أمريكي.

تطلعت الولايات المتحدة لتعزيز الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط إلى جانب تقليص موطئ قدمها العسكري في المنطقة، وعقد صفقة لبيع السلاح للسعوديين الأغنياء، وأساساً عرض انتصار دبلوماسي قبيل الانتخابات.

بزعم حماس ومحافل أخرى، فإن إلغاء الركض إلى التطبيع كان أحد دوافع هجوم أكتوبر.

في الأشهر الأخيرة، دفعت الولايات المتحدة نحو استئناف الاتصالات لاتفاق ثلاثي، لكن عمليات 7 أكتوبر والحرب في أعقابها غيرت، مؤقتاً على الأقل، معادلة الكلفة – المنفعة للأطراف.

ما الذي عرضه سوليفان على الرياض و”القدس” في واقع الأمر، وما الذي حصل في اللقاءات، ولماذا كانت نتائج الزيارة غير الناجحة على ما يبدو أحد أسباب خطاب بايدن؟.

عرض سوليفان في لقاءاته بالسعودية أكثر مما كان على الطاولة في الجولة السابقة: حلف دفاع، وبرنامج نووي مدني، ورزمة سلاح. لكن، أضيف إلى الرزمة وعد بموافقة إسرائيلية على بناء “مسار مصداق” يؤدي إلى دولة فلسطينية ووقف نار طويل في غزة، يؤدي إلى إنهاء الحرب.

في لقاءاته في إسرائيل، عرض سوليفان على ما يبدو “مُحلي صفقة” إضافي – اقتراح لاتفاق دفاع محدود إسرائيلي – أمريكي، بموجبه تخرج الولايات المتحدة للدفاع عن إسرائيل إذا ما تعرضت الدولة لتهديد وجودي.

اتفاق دفاع أمريكي قد يكون (بالخطأ) مغرياً لبعض من مقربي نتنياهو، لكنه غير مقنع حتى توافق إسرائيل على الشروط الجديدة للتطبيع. فنواقص اتفاق الدفاع تفوق بكثير فضائله. فلو قبل نتنياهو عرض سوليفان لانتهت الحرب وأعلن عن موافقة مستقبلية على دولة فلسطينية وانتهى الائتلاف الذي يترأسه وذهبت إسرائيل إلى انتخابات.

في ختام اللقاء، قال نتنياهو لسوليفان وللجمهور الإسرائيلي إن التطبيع سيكون بالفعل إنجازاً مهماً لإسرائيل، لكن ليس بكل ثمن.

خطاب بايدن الأخير والضغط للموافقة على صفقة في غزة، التي لا تعرف بعد بكل تفاصيلها، رغم التسريبات والإحاطات، هي على ما يبدو مدماك إضافي في جهود الرئيس لإجبار إسرائيل على ابتلاع “قرص سام” محظور على إسرائيل أن تقاتل حروبها على عزف حملة الانتخابات في الولايات المتحدة.

قد تبدو الحرب مختلفة في الأشهر القادمة. عندما ينجح الجيش الإسرائيلي في مهماته تجاه حماس، ويعيد الرهائن وينهي الحرب، بما في ذلك في الشمال، ستكون “القدس” منفتحة على العمل مع شركائها لرسم مستقبل جديد في غزة. في هذه المرحلة، قد يعود التطبيع إلى طاولة المفاوضات. السعودية والأنظمة العربية المعتدلة كفيلة بأن تؤدي دوراً حرجاً في مستقبل غزة، وعليه فإن واشنطن والرياض ستجدان “القدس” أكثر مرونة في بعض من المواضيع التي تعتبر اليوم حجار عثرة.

———————————————

 هآرتس 5/6/2024

مهدداً العرب والمسلمين بمسيرة “الزعرنة”.. بن غفير: نبيكم مات وسنحرقكم ونستولي على “الحرم” رغم أنوفكم

بقلم: أسرة التحرير

وزير الأمن القومي بن غفير مصمم على تصعيد التوتر الأمني في الشرق الأوسط، ويتخذ أي وسيلة بين يديه لدق طبول الحرب في جبهات أخرى. وكأن الجبهات القائمة والتحديات العسكرية والسياسية التي تتصدى لها إسرائيل غير كافية. ويصر بن غفير على إجراء مسيرة الأعلام في مسارها المتفجر، عبر باب العامود والحي الإسلامي في القدس. وهو ذاته من المتوقع أن يأتي، مع نشطائه لتأكيد الجلية.

هذا ما ينقصنا الآن: احتفال بشع لـ “زعرنة “يهودية يسعى فيه كل سنة مئات الشبان اليهود المتحمسين – معظمهم من “الصهيونية الدينية” – يستفزون ويصرخون في قلب المدينة القديمة بأناشيد عنصرية، وأكثر جاذبية “شعفاط تحترق”، و”اليهودي روح والعربي ابن زانية”، و”الموت للعرب”، و”محمد مات” و”فلتحترق قريتكم”.

إن رغبة الوزير المحب للحرائق في إثارة الخواطر ليست بمثابة تحليل؛ ففي مقابلة صحافية أمس، في “صوت الجيش” قبيل المسيرة، عاد اليوم وقال صراحة إنه الهدف: “سنسير في باب العامود وسنحج جبل البيت، رغم أنفهم. ينبغي ضربهم في المكان الأهم لهم، وينبغي القول إن جبل البيت لنا والقدس لنا”.

الوزير المسؤول عن الشرطة ضغط، والشرطة أقرت المسار، وستفرز 3 آلاف شرطي على طول خط المسيرة. ودعت الجمهور إلى التصرف بالمسؤولية والالتزام بتعليمات الأمان، وذلك في الوقت الذي يتصرف فيه منتخب من الجمهور بتسيب، ويحاول إثارة حرب دينية في جبل البيت (الأقصى) في ذروة حرب.

لكن المشكلة الحقيقية ليست بن غفير، بل من هيأ الكهانية ومنح الوزارة الأكثر حساسية في الحكومة إلى عديم شخصية خطير مثله، ألا وهو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي قلد بن غفير في هذا المنصب الحساس، ووضع في يديه الصلاحيات والمسؤولية عن الأمن الداخلي في إسرائيل حتى عندما نشبت حرب.

لا شيء يستطيع لنتنياهو فعله لينظف نفسه من التهمة والمسؤولية عن سلسلة الكوارث التي أوقعها على إسرائيل بسياسته المشوشة وقيادته السامة. كان يمكنه أن يأمر بتغيير مسار المسيرة، لكن كعادته، اختار الشر على الخير. بن غفير شخص خطير، كان محظوراً أن تودع في يديه صلاحيات وزارية، فما بالك السيطرة على الشرطة؟

الصحيح عمله هو تغيير مسار المسيرة. وفي الوقت نفسه، نأمل بأن يأمر المفتش العام كوبي شبتاي، الذي تحدث ضد الوزير المسؤول وعدم مسؤوليته، الشرطة بألا يسمحوا لمحبي إشعال الحرائق والزعران اليهود بالشغب والمس بسكان المكان.

——————————————–

إسرائيل اليوم 5/6/2024

إسرائيل أمام السؤال الأكبر: كيف نقوض قدرات حماس قبل الحرب الشاملة مع “حزب الله”؟

بقلم: شاحر كلايمن

يشدد المعسكر الإيراني الضغط على إسرائيل. الهدف: الدفع إلى إنهاء الحرب بلا صفقة مخطوفين وبلا تطبيع مع السعودية. كلما تقدم الجيش الإسرائيلي في رفح، يشدد حزب الله وتيرة النار لاجتذاب القوات إلى الشمال – والدفع إلى وقف نار مفروض في غزة.

زعيم منظمة الإرهاب، حسن نصر الله، أوضح في خطابه الجمعة، أنها “حرب وجود مصيرية”، ستؤثر كثيراً على الشرق الأوسط. وهو لا يزال يصف الحدود المشتعلة في الشمال بصفتها “جبهة إسناد لغزة”.

في الضاحية في بيروت، يفهمون بأن هزيمة قوة حماس العسكرية في القطاع وتفكيكها إلى وحدات عصابات محدودة، ستكسر طوق النار الذي حاولت إيران ربطه حول إسرائيل. مثل هذا التطور سيسمح للحكومة بالتقدم في الأسابيع القادمة إلى صفقة مخطوفين، ولاحقاً، ربما، إلى إقامة علاقات مع الرياض. هناك، بالمناسبة، لا يستبعدون إمكانية التطبيع، رغم عملية رفح، شريطة التقدم في المسألة الفلسطينية. والأهم أنه سيكون للجيش الإسرائيلي حرية مناورة أوسع حيال حزب الله بدون تهديد عسكري في الجنوب من حماس.

قد تشهد على قلق طهران سلسلة رحلات مكوكية قام بها علي بكري، الذي حل محل وزير الخارجية الإيراني، فقد أجري أمس لقاءات مع قيادة حزب الله وحماس. في بيروت تحدثوا مع نصر الله عن “التطورات في الجبهات”. بعد ذلك، سافر إلى دمشق حيث التقى بنائب السنوار خليل الحية، المشارك بالمفاوضات لصفقة المخطوفين.

وهناك إشارة أخرى جاءت من الزعيم الأعلى لإيران. فقد ادعى آية الله خامنئي هذا الأسبوع بأن الحرب في غزة أحبطت خطة التطبيع مع السعودية، ليس صدفة أنه ذكر المسألة، التي طرحت في خطاب بايدن، الجمعة. فالأمريكيون يسعون للدفع قدماً بإقامة علاقات بين الرياض و”القدس” في نهاية خريطة الطريق لإنهاء الحرب. وعليه، تعمل طهران ضد الخطوة في مستويين: الأول، تمارس الضغط على حماس لتشديد المواقف في المفاوضات وتحرص على التسريب المغرض في وسائل الإعلام المتماثلة معهم، مثل قناة “الميادين” وصحيفة الأخبار. ثانياً، دفع حزب الله لتصعيد الجبهة الشمالية.

من هنا، فإن حزب الله لا يخشى تهديدات حرب شاملة موعدها آخذ في الاقتراب. العكس هو الصحيح؛ فنائب الأمين العام للمنظمة، نعيم قاسم، قال إنهم جاهزون لمثل هذه الحرب. عملياً، إن حرباً شاملة في الشمال، قبل إنهاء تفكيك لواء حماس في رفح، سيجبر إسرائيل على إنهاء المعركة في غزة دون حسم أساسي، ودون صفقة مخطوفين، وبالتأكيد دون تطبيع مع السعودية. بالفعل، فإن المشاهد المؤلمة من الشمال تدفع الحكومة للخروج إلى هجوم يعيد الأمن إلى الجبهة.

رغم ذلك، يتعين علينا أن نصفي حسابنا مع نصر الله بعد السنوار. والخطوة الأذكى بتوسيع مسبق لاجتياح رفح، ودير البلح وخان يونس. تشديد الضغط العسكري قدر الإمكان لدفع حماس نحو صفقة مخطوفين في ظل تفكيك قدراتها. ليس مؤكداً أن أمام إسرائيل أسابيع طويلة لإنهاء المهمة؛ ففضلا عن الحرائق الكبرى، ربما يخطط حزب الله لعملية استراتيجية تجر إسرائيل إلى حرب شاملة مع لبنان.

——————————————–

يديعوت أحرنوت

كيف ننتصر في الحرب؟

بقلم: غيورا آيلند

سطحيا، محق رئيس الوزراء في إصراره على مواصلة الحرب حتى “النصر المطلق”. غير أن مراجعة الإستراتيجية الإسرائيلية تستوجب منا العودة إلى ذاك السبت إياه في أكتوبر وإلى البحث الذي كان ينبغي أن يجرى. بشكل نظري كان يمكننا أن نقرر بأننا لا نحتاج على الإطلاق أن نقاتل كي نفهم بأننا تكبدنا هزيمة نكراء وأن علينا أن نلعق جراحنا ونمتنع عن كل خطوة عسكرية هجومية.

لو عملنا على هذا النحو لكان يمكننا أن نوفر موت مئات المقاتلين في الحرب في غزة وكنا امتنعنا عن فتح جبهة أخرى في لبنان وما كنا عانينا من عزلة دولية واقتصادنا كان يمكن أن يواصل الازدهار.

أما عمليا، ولأسباب مبررة تماما، لم ينظر في مثل هذه الإمكانية. فلقد قررت إسرائيل ان ترد الحرب الصاع صاعين. الخروج الى الحرب استند الى الفرضية في أننا نعتزم الانتصار إذ إن طعم النصر سيكون حلوا بلا قياس اكثر من أي ثمن باهظ نضطر لأن ندفعه.

نقطة الانطلاق هذه تؤدي الى السؤال التالي: كيف من الصواب الانتصار؟ وبالفعل كانت أمام إسرائيل ثلاث إمكانيات: الامكانية الأولى، الامكانية التي تم تبنيها بدون بحث، كانت إلقاء كل اهتمامنا على الضغط العسكري. افترضنا انه كون الجيش الإسرائيلي اقوى من حماس فان النصر سيكون مضمونا.

مثل هذا التفكير يشبه جدا التفكير الأميركي في بداية حرب فيتنام. وزير الدفاع الأميركي روبرت مكنمارا أعد جداول موازين القوة وتوصل الى الاستنتاج بانه بسبب قدرات النار الاميركية الأعلى بكثير من تلك التي لشمال فيتنام، فلا شيء يقف امام انتصار الولايات المتحدة.

في خطيئة هذا الغرور وقع أيضا قادة المستوى السياسي والعسكري عندنا في أكتوبر. لم نقدر بما يكفي قدرة العدو التي وجدت تعبيرها في كمية هائلة من السلاح والذخيرة، في توزيع يتيح لمجموعات صغيرة مواصلة القتال حتى عندما “فكك” الإطار، وأساسا لم نقدر الصعوبة الهائلة التي تسببها لنا منظومة الأنفاق التي بنتها حماس.

على الرغم من ذلك، فلئن كانت هذه هي الاستراتيجية التي تم اختيارها فقد كان بالتالي من الصواب العمل بموجبها بشكل ثابت. لكن ليس هكذا تطورت الأمور. فقد عملت إسرائيل بقوة في الشهرين الاولين، لكن منذئذ وكنتيجة لضغط اميركي، انزلنا القدم عن دواسة الغاز. فقد ادعت الإدارة الاميركية بان إسرائيل “تقتل اكثر مما ينبغي من المدنيين في غزة”. لم يكن أي أساس مهني لهذا الادعاء، لكن إسرائيل حشرت في الزاوية. التوقفات بين مراحل الحرب في شمال القطاع وبين خان يونس، وبعد ذلك بين خان يونس ورفح تواصلت لزمن طويل، تجاهلنا مبدأ الحرب “الاستمرار والتواصل”. هكذا لا يمكن الانتصار!

بديل ثانٍ كان يمكن أن يكون الحصار. كان يمكننا أن نسيطر على حدود غزة – مصر (محور فيلادلفيا) في الأسابيع الأخيرة ونمنع كل دخول لمؤن الطعام والوقود الى غزة. بهذه الطريقة كانت دولة إسرائيل قد استخدمت تفوقاتها في مواجهة دولة غزة. السنوار لا يبالي بالقتلى، لكن لا يمكنه ألا يبالي بقطع الماء والمؤن. فضلا عن ذلك، مع إستراتيجية كهذه كان يمكننا أن ننتصر في زمن قصير، نقلل كمية القتلى، ليس فقط في الجانب الإسرائيلي بل وأيضا في جانب المدنيين الفلسطينيين.

كدليل على ذلك، تعالوا نتذكر الحرب الأهلية الأميركية التي قاد فيها الجنرالان غراند وشيرمان الشمال الى النصر حين اختارا تجويع أهالي الجنوب، الذين كانوا مواطنين أميركيين. كلاهما شرحا بان هذه الطريقة تقصر الحرب وهكذا توفر ضحايا كثيرين في الطرفين. بعد 70 سنة من وفاة شيرمان أطلق الأميركيون على اسمه دبابة المعركة خاصتهم في الحرب العالمية الثانية، بينما شخصية غراند تبرز حتى اليوم على ورقة الخمسين دولارا.

مثال آخر لزعيم تصرف حسب نمط التفكير هذا هو وينستون تشرتشل الذي قرر منع إرسال الغذاء إلى مواطني فرنسا وهولندا، مواطني دولتين صديقتين، لأن هذا المنع كان برأيه وسيلة حيوية لتقصير الحرب.

صحيح، مع أننا لا نعيش في القرون السابقة، لكن حتى اليوم فان هذا النهج في منع المساعدة الإنسانية عن العدو لا تستهدف معاقبة الطرف الآخر أو خلق تفوقات تكتيكية (الأمران محظوران حسب قواعد الحرب). هذا النهج يستهدف حل مشكلة إنسانية عاجلة (المخطوفين) ولهذا فهو أيضا مسموح به، أخلاقي وبالتأكيد ناجع جدا. أكثر من هذا، أنا مقتنع بأنه لو كنا أصرينا على ذلك من اللحظة الأولى، لوافقت الولايات المتحدة أيضا.

على سبيل البديل، كان يمكننا أن نخلق حصارا كاملا على شمال القطاع، السماح بممرات خروج للسكان، ومن لحظة معينة منع دخول كل غذاء إلى هذه المنطقة. مثل هذا العمل للحصار لدرجة التجويع حتى الموت للعدو (وليس للمدنيين) يتطابق بكامله مع قوانين الحرب. على مدى التاريخ، فإن معظم الجيوش التي استسلمت فعلت هذا ليس لنقص الذخرة بل لأنه نفد عندهم الطعام والشراب.

إستراتيجية ثالثة كان يمكنها أن تتضمن خطوة سياسية. قبل نصف سنة، في اللحظة التي سيطرنا فيها على شمال القطاع، كان يمكننا أن نستجيب لطلب أميركي عربي والسماح بدخول قوة عربية إلى هذه المنطقة، قوة كانت ستخلق بديلا مهددا لحماس. كما هو معروف، رفضنا هذه الإمكانية باحتقار.

بعد الهزيمة النكراء في 7 أكتوبر ولما كنا فشلنا في إدارة الحرب، لا يتبقى لنا غير قبول منحى صفقة المخطوفين، بما في ذلك معناها المنفي ألا وهو إنهاء الحرب.

——————————————–

هآرتس 5/6/2024

حــق عـــودة سكـــــان الجـلــيــل

بقلم: تسفي برئيل

لقد كانت لرئيس الدولة، اسحق هرتسوغ، في الأسبوع الماضي بشرى كبيرة لشعب اسرائيل وسكان الجليل، لا سيما الذين تم إخلاؤهم من المطلة. «أنا أقول بشكل مؤكد، لا سيما لسكان المطلة، إننا سنعود إلى هناك، إلى الجليل، أنتم ستبنون مرة أخرى، وستزرعون الحقول مرة أخرى، وستضعون المازوزة على أبواب البيوت مرة أخرى وتفتتحونها. هذا المكان سيزدهر ونحن سنجتاز هذه الفترة وسنخرج منها وسنعود إلى هنا. وسنقوم بالترميم وإعادة البناء، وسيأتي الناس وسنزرع ونبني. هذا سيستغرق وقتا، لكنه سيأتي»، هذا ما قاله رئيس الدولة بانفعال في اللقاء الذي أجراه في المطلة مع رئيس المجلس دافيد ازولاي ومع أعضاء فرق الطوارئ ومقاتلي فرقة الدورية الذين يخدمون في هضبة الجولان.

الحاخام تسفي يهودا كوك، الزعيم الروحي لحركة الاستيطان، كان يمكنه فقط التفاخر بالتلميذ الذي لم يكن من تلاميذه، الذي ينشر الآن حلم الخلاص المسيحاني، في الجليل هذه المرة. مناحيم بيغن وعد في 1977 بأنه «سيكون هناك الكثير مثل مستوطنة الون موريه». الآن ما ينقصنا فقط هو وعد هرتسوغ بأن يكون هناك الكثير من «مستوطنات المطلة» فقط بعد فترة قصيرة لأننا نوجد على بعد خطوة من حلم ارض اسرائيل الكاملة، ليس التي وعد بها موسى، بل التي صادقت عليها الأمم المتحدة ورسمت حدودها المعروفة باسم «الخط الأخضر».

هذا الخط قال عنه بيغن في 1981: «يمكنني تبشيركم، ببساطة، أنه حتى «الخط الأخضر» اختفى ولم يعد قائما ولن يعود مرة أخرى إلى العالم». هو كان محقا بدرجة لا يمكن تقديرها. فليس فقط الخط الأخضر بين اسرائيل والضفة الغربية اختفى، حسب رؤية بن غفير وسموتريتش سيختفي أيضا من قطاع غزة، بل هو اختفى الآن أيضا من الحدود الشمالية للدولة. في مكانه ولد خط جديد، «خط الواقع» أو «خط الإهمال»، في عمق دولة اسرائيل. وقد تم تحريكه بضعة كيلومترات عن الحدود الدولية بعد أن تم التخلي عن الخط الأخضر أو الخط الأزرق القديم، وبقي فقط كرسم في خارطة التاريخ عندما اثبت بأنه لم يعد قادرا على تغليف مدنيين، حقول، بيوت، كروم وبساتين. هذا كان خط حدود بدون سيادة، يأمل تجسيد حلم العودة لهرتسوغ.

عشرات آلاف سكان المطلة وافيفيم ودوفيف وشتولا وعشرات البلدات الأخرى، ليسوا سكان شانور وحومش وغنيم وكديم، معاقل الأشباح التي انفصلت عنها اسرائيل في العام 2005 والتي قامت قبل أسبوعين بإعادة ضمها. وزير الدفاع غالانت أوضح بأنه «بعد إجازة قانون إلغاء الانفصال في الكنيست، وبعد انتهاء عمل الهيئة الذي تم تنفيذه، نجحنا في استكمال الخطوة التاريخية. فسيطرة اليهود على (يهودا والسامرة) تضمن الأمن، وتطبيق قانون إلغاء الانفصال سيؤدي إلى تطوير الاستيطان وتوفير الأمن لسكان المنطقة».

السيادة في أبهى صورها، التي تكتفي بالتوراة ولا تحتاج أبدا إلى حدود معترف بها لتجسيدها. سكان الجليل، مثل اللاجئين الفلسطينيين، يعلقون مفاتيح البيوت في أعناقهم، ويمكنهم فقط الحلم بأن وزير الدفاع سيعلن أيضا عن إلغاء انفصال الدولة عنهم. لا يوجد لهم مسيحانيون يجلسون في الكنيست ويحولون الأراضي القفراء إلى موقع مقدس، أيضا المازوزة في حلم هرتسوغ لن تساعد في تسريع عودتهم إلى بيوتهم.

من اجل تحقيق وعد هرتسوغ فإنه يجب على الحكومة الإسرائيلية تبني في البداية المسار الذي هدف إلى إنهاء الحرب في غزة. فقط هذه العملية يمكن أن تضمن وقف إطلاق النار في الشمال. ولكنها وحدها غير كافية. فإزالة التهديد تحتاج إلى تسوية سياسية مع لبنان، تشمل تفاهمات جديدة حول ترسيم الحدود بين الدولتين. في اسرائيل، من يحتفظون بتصميم على كل شبر، ارتفعت أصوات تحذر من التنازل حتى لو عن جزء صغير من الحدود، وتلوح بالقانون من العام 2014 الذي ينص على إجراء استفتاء شعبي قبل التنازل عن أي أراض، وليذهب سكان الجليل إلى الجحيم. منذ متى الدولة تلتزم بتحقيق الأحلام؟.

——————————————–

 هآرتس 5/6/2024

دلالات تأيـيـد الحـريـديـين لصفـقـة التبادل

بقلم: رفيت هيخت

إن إظهار التأييد العلني لـ»يهدوت هتوراة» لصفقة المخطوفين هو حدث سياسي صارخ، أثار بشكل كبير من الصدق الأمل الحقيقي للتقدم في مسار صفقة المخطوفين. بيان التأييد لـ»شاس» فقط أنهى الحدث. فكما يبدو، الأحزاب الحريدية تمنح نتنياهو التأييد في المكان الذي هو بحاجة إليه، لكن الصورة معقدة ومركبة اكثر مما تظهر.

قبل أي شيء وفوق كل شيء فإن التصعيد في الشمال المشتعل يسيطر على جدول الأعمال ويقرب حربا شاملة مع «حزب الله»، التي بعض وزراء الحكومة يتعاملون معها كحقيقة لا يمكن تجنبها. الحرب الشاملة ضد «حزب الله» ستدفع مرة أخرى صفقة المخطوفين إلى اسفل أجندة الحكومة، حتى أكثر مما كان في فترة هجوم ايران. هذه الحرب ستلتهم كل الأوراق من جديد وستؤجل كما يبدو انسحاب بني غانتس من الائتلاف وستجذب كل الانتباه للساحة في الشمال. مع ذلك، إذا منعت اسرائيل هذه الحرب الفظيعة فإن الصفقة ستعود إلى جدول الأعمال، وبيانات الحريديين ستكون لها أهمية كبيرة فيها.

إذا اردنا أن نكون ساذجين إلى درجة السخافة، وحاولنا تبرير قرارات بعض أعضاء الحكومة لاعتبارات تجارية أو أخلاقية، فإنه يمكن ومن الضروري الإشارة إلى آرييه درعي، السياسي الأكثر قربا من نتنياهو وأحد الأشخاص البارزين في «كابنت» الحرب في مسألة إعادة المخطوفين. لذلك فإن إظهار تأييده هو أمر طبيعي وتقريبا مفهوم ضمنا.

تصريح اسحق غولدكنوفف، الذي هو رئيس حزب والذي يمتنع عن إصدار تصريحات حاسمة في موضوع الأمن، وميوله الشخصية في السنوات الأخيرة تمس بدون خجل عتبة الكهانية، هو الذي كان مفاجئا واختراقيا. فهدفه في عالم منطقي، وليس العالم الذي يوجد في خلاطة وعي نتنياهو، هو تشجيع على التقدم نحو الصفقة، مع تآكل التهديدات من قبل سموتريتش وبن غفير وإضعاف قوة مساومتهما، وفعليا عزلهما في الحكومة.

في المستوى السياسي، تنتشر تقديرات مختلفة حول موقف الحريديين الحاسم، والعلنية التي أعطيت لهذا الموقف. احد التقديرات تناول تصفية الحساب مع قائمة «الصهيونية الدينية» بسبب تحفظ بعض الأعضاء فيها من قانون الإعفاء من التجنيد. إضافة إلى ذلك فإنه منذ فترة طويلة لا يسود بين مركبات الحكومة الأكثر تطرفا وتدينا في تاريخ اسرائيل نفس أجواء الشراكة والارتباط التي كانت سائدة وهم في المعارضة أثناء فترة حكومة التغيير.

في «شاس» وفي بعض أجزاء «الليكود» يعبرون عن الاستياء واليأس المستمر من بن غفير وسلوكه الغبي والصبياني. في الحزبين الحريديين يوجد أيضا غضب كبير من قضية الانقلاب النظامي التي لم تثمر أي شيء للحريديين عدا كراهيتهم. قانون التجنيد، أي ترتيب التهرب الجماعي هو الهدية المأمولة التي كان يجب أن يحصلوا عليها في ائتلاف الأحلام، يواجه الآن الكثير من الصعوبات.

جهات رفيعة في «الليكود» قدرت أن وجهة نتنياهو هي حقا نحو الصفقة، شريطة أن اسرائيل في الأصل ستستأنف القتال ضد «حماس»، أيضا الحاجة إلى إغلاق أو تأجيل الجبهة في الجنوب من اجل نقل القوات إلى الشمال المشتعل (الطلب الذي طرحه غانتس أيضا في مجلس الحرب). حسب المصادر فإن نتنياهو يقدر أنه رغم تهديد سموتريتش وبن غفير إلا أنهما لن ينسحبا من الحكومة، أو أنهما سيخرجان بشكل مؤقت ويعودان إلى الوزارات التي سيتم الاحتفاظ بها لهما.

هناك إمكانية للتخمين بألا أحد يعرف إلى أين تسير وجهة نتنياهو حول الصفقة، وربما هو نفسه أيضا لا يعرف. في ظل الوضع السيئ الذي تبلور في الشمال فإن الصفقة أيضا لن تكون على رأس اهتماماته. من هنا فإن تصريحات الحريديين يمكن قراءتها كمؤشر آخر على قوة حلف الحريديين مع نتنياهو، الذي هو أقوى من أي علاقة أو أي جسم في الخارطة السياسية. هكذا نحن نلفت انتباه الذين يحلمون أحلام الصيف حول انضمام الحريديين لمرشح آخر طالما أن نتنياهو في الصورة.

هكذا أيضا بخصوص التخلي عن الحريديين في موضوع قانون الإعفاء من التجنيد، أي فرض موقف غير مقبول عليهم، الذي سيؤدي إلى تجنيد واسع. ومهما كان هدف مسرح نتنياهو فإن الأحزاب الحريدية هي شريكة مخلصة له في كل الحالات.

——————انتهت النشرة—————-