وزير سابق و مفكر يوناني… التقى أوروبيون معادون للسامية مع صهاينة كارهين للبشر فوُلد نظام عنصري في فلسطين

قال الوزير السابق والمفكر اليوناني يانيس فاروفاكيس إن الأوروبيين يتحملون مسؤولية الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، معتبرا أن الأولوية الآن هي وقف أعمال القتل في قطاع غزة، و”لن يتم ذلك دون حملة عالمية لمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الفصل العنصري الإسرائيلية”.

واجبنا الآن أن نوقف أعمال القتل بفلسطين، ومهمتنا التالية هي جعل العالم كله يتفق على الحقوق المتساوية لكل إنسان بين النهر والبحر

وأضاف، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “لقرون عديدة، ارتكب الأوروبيون مذابح قاتلة ضد اليهود، وبلغت ذروتها في المحرقة النازية. وبعد ذلك، قرر قادتنا التخلص من “المشكلة” اليهودية من خلال إعطاء المنظمات الصهيونية الأكثر عنفًا بين الشعب اليهودي – التي أدانها اليهود اللامعون مثل ألبرت أينشتاين وحنة آرنت – الضوء الأخضر للقيام بتطهير عرقي لملايين الفلسطينيين”.

وتابع القول: “في الواقع، اجتمع القادة الأوروبيون المعادون للسامية مع الصهاينة الكارهين للبشر لتصدير نظام استيطان/فصل عنصري أبيض على النمط الأوروبي في فلسطين”.

وأشار فاروفاكيس إلى أن الحكومات الأوروبية والأمريكية قامت – بعد نكبة عام 1948 – بـ”بإقناع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالاعتقاد أنها، بدلاً من معاهدة السلام، يمكنها احتواء الفلسطينيين خلف الأسوار وبنية كاملة من الفصل العنصري، فإما أن يتم احتجازهم هناك كـ”بشر درجة ثانية” أو جعلهم يغادرون تدريجيا إلى الأراضي البعيدة”.

وأضاف: “في هذه العملية، سمحنا لإسرائيل بأن تفرض على الفلسطينيين معضلة قاسية: إما أن يموتوا ميتة رهيبة وصامتة أو أن يحملوا السلاح، وفي كثير من الأحيان، يأخذون معهم الأبرياء. وكان موقفنا هذا، مع إدانتنا الشعائرية للعنف الفلسطيني وقبولنا لحق إسرائيل في ارتكاب جرائم حرب دفاعاً عن النفس، بمثابة الهدية المثالية للمتطرفين من كل جانب. لذا، نعم، نحن الأوروبيون والأمريكيون مسؤولون”.

الغرب قدم مكافأة لمتطرفي العالم عندما سمح لإسرائيل بفرض معضلة قاسية على الفلسطينيين: إما أن يموتوا بشكل رهيب وصامت أو يحملوا السلاح

وأكد، في السياق، إلى أن إسرائيل تسعى لـ”تهجير” الفلسطينيين إلى دول الجوار، لكن “واجبنا هو أن نعمل على منع استكمال هذا المشروع الخسيس بنجاح؛ وسواء أسميته تطهيرًا عرقيًا أو إبادة جماعية، فهذا لا يهم كثيرا، ولكن يجب أن يتوقف. هذه هي الأولوية الآن”.

ويعتبر فاروفاكيس من أبرز السياسيين اليساريين والمنظرين الاقتصاديين في اليونان وعلى المستوى الدولي، حيث أسس حزبي “ديم 25″ (حركة الديمقراطية في أوروبا) عام 2016، و”ميرا 25” (جبهة العصيان الواقعي الأوروبي) عام 2018، فضلا عن وضعه عددا من الكتب في مجال الاقتصاد السياسي على غرار “الإقطاع التكنولوجي الذي قتل الرأسمالية” و”المينوتور العالمي: أمريكا وأوروبا ومستقبل الاقتصاد العالمي” و”الكبار في الغرفة: معركتي مع المؤسسة الأوروبية والأمريكية العميقة” و”والضعفاء يعانون ما يجب عليهم: أزمة أوروبا ومستقبل أمريكا الاقتصادي”.

وكانت السلطات الألمانية منعته، في نيسان/ أبريل الماضي، من دخول البلاد لحضور مؤتمر تضامني مع فلسطين خشية انتقاده للاحتلال الإسرائيلي.

الغوص المتهور في ثقب أسود من اللا عقلانية المطلقة

وعلق فاروفاكيس على ذلك بالقول: “السلطات الألمانية عازمة على رفض وشيطنة كل معارضة لأعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل باعتبارها معادية للسامية. ولهذا السبب لم يتمكنوا من قبول وجودي في برلين كجزء من مؤتمر حول فلسطين نظمناه مع رفاق يهود ألمان”.

وأضاف: “وهذا هو ما دفع الدولة الألمانية إلى الغوص المتهور في ثقب أسود من اللا عقلانية المطلقة: فبما أن شركاءنا كانوا يهودا، كان من السخافة وصفنا بمعادي السامية. لكن هذه هي الحجة الوحيدة التي لديهم لدعم إسرائيل: أن كل من يعارض إسرائيل يجب، كما هو متعارف عليه، أن يكون معاديًا للسامية”.

وتابع: “لقد حرمهم مؤتمرنا من هذه الفرصة وأظهروا، أي الدولة الألمانية، سلطتهم الحقيقية المؤيدة للصهيونية بشكل هستيري من خلال مهاجمة مؤتمرنا ومنعي من دخول البلاد. أنا شخصياً أرتدي الحظر الذي فرضوه علي كوسام شرف”.

وفسر فاروفاكيس التناقض الكبير بين موقف الأنظمة والشعوب الغربية إزاء ما يحدث في قطاع غزة بثلاث كلمات “الاستعمار الاستيطاني الأبيض”، وأوضح بقوله: “لو حدث هذا للمسيحيين الشقر، لكانوا قد انتفضوا. لكن الأمر ليس كذلك. إن الصهيونية هي شكل من أشكال الاستعمار الاستيطاني الأبيض الذي تشعر أوروبا، وهي من اخترعته، بالتضامن معه”.

وأضاف: “بنفس الطريقة التي ارتكب بها البريطانيون الإبادة الجماعية ضد السكان الأصليين الأستراليين (من خلال وصفهم أولاً بأنهم ليسوا بشرا)، وكذلك فعل الألمان الشيء نفسه مع شعب ناميبيا، تمارس اليوم إسرائيل سياسة التطهير العرقي وسرقة الأراضي والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وهذه السياسة تعتبرها القوى الأوروبية امتداداً لإرثها – ولذلك هي تدعمها دون تفكير”.

سياسة التطهير العرقي الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ارتكبها البريطانيون ضد السكان الأصليين الأستراليين والألمان مع شعب ناميبيا

ورغم أن فاروفاكيس اعتبر أن الفظائع اليومية التي ترتكبها إسرائيل أفقدتها الكثير من الدعم في الغرب، لكنه أكد أنه “طالما استمرت الولايات المتحدة وألمانيا في إرسال آلاف الأطنان من القنابل والذخيرة إلى إسرائيل، وطالما استمرتا في حظر دعواتنا لفرض عقوبات عليها، فإن إسرائيل ستقوم بتكثيف الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وربما إلهاء الرأي العام عبر فتح جبهة جديدة مع لبنان”.

وأضاف: “ليس لدينا الحق في الراحة معتقدين أننا انتصرنا في الحرب الدعائية. إن الناس والأطفال والرجال والنساء يموتون يومياً، ويتعرضون للتعذيب، ويُجبرون على الشعور بأننا في الغرب نمضي قدماً – مثل السائقين الذين يقودون سياراتهم -دون اهتمام – بالقرب من مكان حادث سيارة دموي”.

وتيرة قتل الفلسطينيين أسرع من زوال الصهيونية

وكان المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه اعتبر، في حوار سابق مع “القدس العربي”، أن أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر كشفت تصدعات خطيرة في بناء الصهيونية داخل فلسطين، معتبرا أننا نعيش بداية نهاية الصهيونية.

وعلق فاروفاكيس على ذلك بقوله “أنا أثق بحكم إيلان التاريخي ومعرفته بسير عمل المجتمع الإسرائيلي. ولكن، حتى لو كان على حق، فإنني أخشى أن تكون السرعة التي يُقتل بها الفلسطينيون ويهجرونهم أكبر من السرعة التي تنتهي بها الصهيونية”.

من جانب آخر، تحدث فاروفاكيس عن وجود أوجه تشابه مهمة بين نظام الفصل العنصري الذي تنتهجه إسرائيل ضد الفلسطينيين ونظيره الذي كان قائما في جنوب إفريقيا.

ولكنه استدرك بقوله: “هناك اختلافان كبيران: الأول هو اعتماد المتعصبين البيض في جنوب إفريقيا بشكل كامل على العمالة السوداء في مناجمها وموانئها ومصانعهم ومزارعهم وهو مختلف عن حالة إسرائيل، التي يتمتع أصحاب العمل فيها بإمدادات ثابتة من العمالة المستوردة. والثاني هو أنه لم يكن لدى المؤسسة البيضاء في جنوب إفريقيا المال أو قوة الضغط التي يتمتع بها الصهاينة في أروقة السلطة في واشنطن وبروكسل”.

وحول رؤيته لحل الصراع المتواصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قال فاروفاكيس: “لا أعتقد أنه يحق لنا إجراء مثل هذه المناقشات النظرية الآن”.

لن تتوقف الحرب في غزة دون حملة عالمية لمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الفصل العنصري الإسرائيلية

وأضاف: “الآن واجبنا أن نوقف أعمال القتل وأن نداوي الجرحى. ومهمتنا التالية هي أن نجعل العالم كله يتفق على مبدأ بسيط هو الحقوق الإنسانية والسياسية المتساوية لكل إنسان (فلسطيني، يهودي، بدوي، مسلم، مسيحي أو ملحد) بين النهر والبحر. وبمجرد أن نصل إلى هناك، يمكننا أن نتحدث عن مؤسسات الدولة التي يمكن أن تخدم هذا المبدأ الأساسي”.

واستدرك بالقول: “ومع ذلك، لن نصل إلى هناك أبدا دون حملة عالمية لمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الفصل العنصري الإسرائيلية”.

المصدر: القدس العربي