رسالة من “دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية” الى الاحزاب العالمية حول مخططات الضم ، فلسطين واحرار العالم على موعد مع معركة جديدة في مواجهة المخططات الاسرائيلية

مواكبة للتطورات الميدانية في الضفة الغربية ولجرائم الابادة التي ما زالت متواصلة على قطاع غزه منذ تسعة أشهر، بعثت “دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” برسالة تفصيلية الى الاحزاب السياسية العالمية والى القوى المجتمعية وصنّاع الرأي في الدول الغربية بشكل خاص حول المراحل الاولى من مخطط الضم الاسرائيلي. وجاء في نص الرسالة ما يلي:

ليست المرة الاولى التي تتسرب فيها معلومات عن نية اسرائيل ضم الضفة الغربية او اجزاء واسعة منها. فقد سبق لمسؤولين اسرائيليين وامريكيين ايضا ولحكومات اسرائيلية ان اعلنوا نيتهم فرض مخطط الضم بقوة الاحتلال والاستيطان والتهجير، وهذا ما حصل منذ ان احتلت اسرائيل الضفة وغزه وجزء من مدينة القدس باتخاذها اجراءات على الارض تكرس واقع الضم وفرض السيادة على الضفة.

ورغم ان الموقف الاسرائيلي في فترة ما بعد الاحتلال كان عنوانه عدم استفزاز العالم باجراءات تتنافى مع كونها دولة احتلال، الا ان اجراءات الاستيطان والتهويد والممارسات الاحتلالية اليومية كانت تشي ان اسرائيل تتعاطى مع اراضي الضفة الغربية بشكل خاص باعتبارها جزء من “دولة اسرائيل”. ولم تغير اتفاقات اوسلو حقيقة ان استراتيجية اسرائيل تجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة هي الضم وليس الانسحاب، بل ان اسرائيل استفادت من هذه الاتفاقات لتفرض سياسة الامر الواقع عبر توسيع عمليات الاستيطان (ارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية منذ العام 1990 وحتى عام 2024 من حوالي 230 الفا الى نحو مليون مستوطن).

يبدو واضحا ان مخطط الضم يشكل قاسما مشتركا بين مختلف الاحزاب السياسية، وان تبايت اساليب واشكال التعبير عن هذا المخطط، الا ان الجميع يؤمنون بأن الاستيطان في الضفة الغربية هو “قيمة قومية”، كما ورد في “قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل” لعام 2018. ولا يختلف الموقف الرسمي الامريكي كثيرا عن الموقف الاسرائيلي، وان كانت المواقف الامريكية تتحاشى الموافقة علنا على هذا المخطط، غير ان اكثر من مسؤول امريكي عبروا صراحة بأن لاسرائيل الحق في ضم “جزء من أراضي الضفة الغربية”، وفقا لما قاله السفير الامريكي في اسرائيل عام 2019. كما ان صفقة القرن الامريكية لحظت ضم المستوطنات ووضعها تحت السيادة الإسرائيلية بعناوين “أن الإدارة الأمريكية لن تعارض توسيع نطاق القانون الإسرائيلي ليشمل مستوطنات الضفة الغربية”.

قانونيا، قدم مجموعة من خبراء مجلس حقوق الانسان في حزيران 2020 تقريرا حول مخططات الضم وتداعياتها على الشعب الفلسطيني. واعتب في تقرير “أن الاحتلال الإسرائيلي هو مصدر انتهاكات بالغة ضد الشعب الفلسطيني، وأي عملية ضم ستكون سببا للحروب والدمار الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي”، داعيا لأن “تصبح المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب أولوية فورية للمجتمع الدولي”، داعيا إلى “اتخاذ تدابير لإلغاء الضم وإنهاء الاحتلال والنزاع بشكل عادل ودائم..”.

مؤخرا نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية معلومات اكدت فيها “ان الحكومة الاسرائيلية تعد لخطة تقضي بضم الضفة الغربية وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءا من الدولة الفلسطينية، وان هذه الخطة سيجري تطبيقها بشكل متدرج لانتزاع السيطرة على الضفة الغربية من أيدي الجيش الإسرائيلي وتسليمها إلى موظفين مدنيين في وزارة الدفاع يعملون تحت امرة وزير المالية سموتريتش”، الذي قال “ان اسرائيل انشأت نظاما مدنيا منفصلا، مع بقاء وجود الجيش، ليبدو للعالم أنه لا يزال في قلب الحكم في الضفة الغربية”.

كلام سموتريتش سبقه معطيات مؤكدة بان الجيش الإسرائيلي نقل صلاحيات قانونية كبيرة في الضفة الغربية إلى موظفي الخدمة المدنية المؤيدين للمستوطنين والعاملين لدى سموتريتش، الذي اصر سابقا على الامساك ببعض مفاتيح الإدارة المدنية أو أجزاء كبيرة منها، بهدف تسهيل منح المستوطنين تراخيص استيطانية جديدة في الضفة الغربية. وهذه الادارة هي المعنية عن الاستيطان في المنطقة (ج) الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية وفقا لاتفاقات اوسلو والتي تساوي مساحتها اكثر من 60% من مساحة الضفة، وتلك الادارة مسؤولة ايضا عن هدم منازل الفلسطينيين بذريعة انها “غير مرخصة قانونا”، وقد انشأت عام 1981 بهدف تضليل العالم واشعاره ان الامور طبيعية في الضفة، وان العلاقة بين اسرائيل والفلسطينيين يحكمها القانون ومؤسسات سياسية وليس احتلال مرفوض ووجب مقاومته بكل اشكال المقاومة.

ان هذه المعطيات وغيرها من ممارسات يومية، سواء من قبل جيش الاحتلال او المستوطنين، تؤكد حقيقة ان اسرائيل في طريقها الى ضم الضفة الغربية، حتى لو لم يتم الاعلان الرسمي عن ذلك، وهذا مر نضعه برسم الدول الغربية التي ما زالت تتحدث عن “حل الدولتين” والتي تحاول امتصاص الغضب الشعبي العالمي والتغير الواضح في اتجاهات الرأي العام الدولي لصالح القضية الفلسطينية، والذي بات على قناعة تامة بما تشكله اسرائيل من خطر عالمي وكونها كيان اجرامي بيد التحالف الغربي الامبريالي لحماية مصالحه في المنطقة واداة ضاربة لكافة الحركات التحررية الداعية الى الفكاك عن هذا التحالف.

ان الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية ما زالوا يتحدثون عن معركة طوفان الاقصى باعتبارها حدث منفصل عن سياق الاحتلال وممارساته واجراءاته وقوانينه اليومية التي تؤكد في كل تفصيل منها ان اسرائيل ماضية في مشروعها الاحتلالي الاستئصالي للسيطرة على الارض الفلسطينية وتهجير سكانها، وهو امر يضع الشعب الفلسطيني امام خيار واحد هو المقاومة. وان المجتمع الدولي معني، لو اراد استقرارا في فلسطين والمنطقة ان يعالج اسبابها قبل وقوع الانفجار، كما حصل في 7 اكتوبر، واعتبار ان اسرائيل وحلفاءها هم المسؤولون عن كل ما سينتج عن سياسات التطرف والعنصرية لاسرائيل وقادتها..

ان مخطط الضم هو العنوان الذي يتصدر أجندة عمل الحكومة الاسرائيلية التي تجمع بكل مكوناتها على عملية استئصال الشعب الفلسطيني من ارضه، بغض النظر عن المصطلحات المستخدمة في التعبير عن هذا المخطط، وبعضها واضح لا يحتاج لكثير عناء لتأكيده، بعد ان بات مخططا تنفيذيا له آلياته القانونية وترجماته الميدانية تؤكدها ممارسات الاحتلال بمختلف تشكيلاته.. ويمكن تلمس ذلك من خلال ما تسرب عن هذا المخطط واهدافه بحشر الفلسطينيين في جيوب سكانية ووضعهم تحت ثلاثة خيارات: قبول المخطط والتعايش “بهدوء” مع الاحتلال، الهجرة خارج فلسطين بتسهيلات مالية وإدارية إسرائيلية. أما الخيار الثالث، لمن يرفض الخيارين السابقين، فهو الملاحقة والقتل والاعتقال.

إن هذا المخطط ينشط بشكل يومي، تحت مرأى ومسمع دول غربية تؤكد الوقائع الميدانية انها متواطئة مع الاحتلال، وهي لا تقدم سوى الادانات اللفظية واجراءات تقول انها “عقابية ضد مستوطنين”، بينما قادة التطرف واصحاب المخططات العنصرية والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني، فهم احرار طلقاء غير آبهين بكل الاجراءات الغربية التي ما زالت عبارة عن فقاقيع في الهواء، خاصة سموترتش وبن غفير اللذين يعبرا بشكل صريح ومعلن عن هذا المخطط، ويشكلان ميليشيات مسلحة تأخذ على عاتقها مهمة العدوان على الفلسطينيين لتهجيرهم من ارضهم والاستيلاء عليها، وفي معظم الاحيان تتم هذه الممارسات بحماية جنود الاحتلال او بغض النظر عن ممارساتهم..

اننا في “دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” نعتبر ان الحديث عن خلافات إسرائيلية ـ إسرائيلية، أو إسرائيلية ـ أمريكية، حول الضم، انما هو خدعة وتضليل الهدف منهما تحييد الحركة الشعبية العالمية وابعادها عن دائرة الفعل، بينما الواقع على الارض يؤكد ان الطرفين الإسرائيلي والأمريكي، مصممان على مواصلة الضم بشكل تدريجي، بالشكل الذي يعتقدان أنه يخدم مصالحهما الاستعمارية الاستيطانية، والهيمنة على فلسطين والمنطقة العربية بطريقة أفضل.

لذلك نجدد التأكيد على ان المعركة ضد “مخطط الضم” هي معركة طويلة سيخوضها الشعب الفلسطيني، بكل قواه السياسية ودون تردد، وكلنا ثقة بدعم احرار العالم الذين انتفضوا رفضا للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزه، والذين هم على موعد مع معارك جديدة لا تقل اهمية عن كافة المعارك ضد الصهيونية والامبريالية وترجماتهما فوق ارض فلسطين.. وذلك في اطار الدفاع عن قيم العدالة والقانون الدولي والانسانية..

الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
– دائرة العلاقات الخارجية –
– تموز 2024 –