الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 8/11/2024

بانتظار تبادل السلطة في أمريكا يجب على إسرائيل اتخاذ قرارات عملياتية في الشمال والجنوب

بقلم: عاموس هرئيلِ

في التصريح القصير الذي أعطاه لوسائل الاعلام بعد أن قام بنيامين نتنياهو باقالته، احصى وزير الدفاع السابق يوآف غالنت ثلاث قضايا وقفت في مركز التوتر بينه وبين رئيس الحكومة: المطالبة بالدفع قدما بصفقة التبادل، معارضة سن قانون اعفاء الحريديين من الخدمة، والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في مذبحة  7 أكتوبر. مكتب رئيس الحكومة نشر قائمة طويلة للاخطاء، التي نسبها لغالنت، بعضها متخيل. باختصار، ينسبون للوزير المقال عدم احترامه لرئيس الحكومة، وعدم المبادرة في الحرب (نتنياهو يبدو أنه هو المسؤول عن كل العمليات الهجومية الناجحة)، ومحاولة سرقة الفضل عن الإنجازات.

العلاقة بين الاثنين حقا كانت سيئة جدا. طوال الحرب هما بصعوبة تحدثا مع بعضهما، باستثناء القضايا العملياتية الملحة. الاستطلاعات التي أجريت في الأشهر الأخيرة بعد الإنجازات في لبنان وفي غزة، أظهرت أن معظم الجمهور لا يؤيد سياسة الحكومة، ولا يثق بقيادة نتنياهو – ويعتبر غالنت الوزير الوحيد في الحكومة الذي يعمل كما هو مطلوب. الجمهور صمم على نسبة المسؤولية عن النجاح لغالنت، في حين أن نتنياهو حاول القاء ملف الفشل عليه. 

البديل إسرائيل كاتس، الذي ليست له تجربة ذات صلة تقريبا، مرتبط تماما بنتنياهو (لذلك تم تعيينه في هذا المنصب) وهو سيجد صعوبة في الدخول الى وزارة الدفاع وتعلم أسرار المهنة المعقدة اثناء الحرب. القليل من كل ذلك يهم رئيس الحكومة. أولا، واضح للعيان أن اعتبارات بقاءه الشخصي تسبق الآن بالنسبة له أي قضية أخرى. ثانيا، موقف الجمهور لا يهمه لأنه يعتقد أنه لا يوجد الآن للمعارضة أو الاحتجاج أي قناة ناجعة لعزله. الائتلاف يبدو أنه مستقر، وهو سيستند الى أعضاء الكنيست الأربعة في قائمة جدعون ساعر من اجل البقاء حتى موعد الانتخابات بعد سنتين. 

بعد غالنت محيط نتنياهو هدد في هذا الأسبوع بإقالة رئيس الأركان هرتسي هليفي ورئيس الشباك رونين بار. تهديد بالتلميح تم توجيهه أيضا للمستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، التي اطلق عليها بأنها “مشاكسة”. نتنياهو، يقول شخص مطلع على الصورة بشكل جيد: “تجول منذ ليلة غالنت الأولى في آذار 2023 وهو يحمل بطاقة في جيبه كتب فيها لنفسه بأنه يجب عليه اقالة غالنت (الوصف مجازي). العملية تم استكمالها الآن عندما سنحت الفرصة حسب رأيه. ولكن في جيبه الثاني توجد بطاقة أخرى مكتوب فيها اسم كل من هليفي وبار وبهراف ميارا. في اللحظة التي ستسنح له هم أيضا ستتم اقالتهم”.

أسباب الإقالة المخطط لها مختلفة: على رئيس الأركان ورئيس الشباك يجب عليه القاء المسؤولية عليهما بسبب إخفاقات المذبحة، إضافة لغالنت، لا سيما عندما ستظهر من جديد مسألة التحقيق في الحرب. رئيس الشباك والمستشارة القانونية للحكومة هما اللذان يقودان التحقيق الأمني الجديد مع مكتب رئيس الحكومة، وهما يمكنهما أن يشوشا على المزيد من الخطوات غير الديمقراطية. رئيس الأركان والمستشارة سيصعبان على سن قانون التهرب. وأي عملية اقالة كهذه هي معقدة بحد ذاتها. وفي حالة المستشارة فانه يمكن أن تصطدم بتدخل المحكمة العليا. ولكن ما تم اثباته في ليلة غالنت 2 هو أنه تقريبا كل شيء سيتم تمريره. الحماسة والقوة التي ميزته في السنة الماضية غابت عن الاحتجاج. اقالة غالنت كانت تجربة انتهت بنجاح: الأهداف القادمة تم تحديدها، والمزيد من عمليات الإقالة ستأتي في اعقابها.

القصة الحقيقية

قبل لحظة من اقالة غالنت اثار نشر في “هآرتس” اهتمام معين في إسرائيل وفي الخارج. الجيش الإسرائيلي، رغم انكاره، يطبق بالفعل جزء من “خطة الجنرالات” في قطاع غزة. العملية التي هي على مستوى فرقة والواسعة في مخيم جباليا في الحقيقة لم تنجح في دفع عشرات آلاف الفلسطينيين من جنوب ممر نتساريم، لكن معظمهم تم ابعادهم من جنوب الممر نحو جباليا. بكلمات أخرى، الربع الشمالي الأقصى في القطاع تم اخلاءه بالقوة من سكانه (الجنرالات في الاحتياط خططوا لاخلاء كل النصف الشمالي). 

كالعادة، الخدمات اللوجستية تروي القصة الحقيقية. الجيش يقوم بتدمير البيوت والبنى التحتية بحجم كبير ويشق الطرق لصالح نشاطات مستقبلية. أحزاب اليمين المتطرف أصبحت تخطط للمرحلة القادمة – إقامة المستوطنات في المناطق التي يتم طرد الفلسطينيين منها. من غير الواضح حتى الآن الى أي درجة سيهم ذلك دونالد ترامب الذي فاز في هذا الأسبوع في الانتخابات للرئاسة في أمريكا. الإدارة الانتقالية لجو بايدن ربما ستكون اكثر حساسية لعمليات كهذه، ويمكن أن يحصل المستوطنون على إشارة للانتظار الى ما بعد 20 كانون الثاني، موعد دخول ترامب الى البيت الأبيض. 

أول أمس، في ذكرى اليوم الأربعين على موت حسن نصر الله أطلق حزب الله صليات ثقيلة نحو إسرائيل واطلق مرتين نحو مركز البلاد. جنود الجيش الإسرائيلي وفتى قتلوا بالاطلاق على الجليل. وريث نصر الله في منصب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، قال إن الحزب مستعد لشن حرب استنزاف ضد إسرائيل. الفجوة في القوة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله واضحة، وقد تم اثباتها بشكل جيد في المعارك في جنوب لبنان. ولكن في هذه الاثناء يواصل الحزب القتال طالما أنه لم يتم التوصل الى اتفاق سياسي.

استمرار الاطلاق على الجبهة الداخلية في إسرائيل يمنع الحكومة من إعادة سكان الشمال الى بيوتهم، رغم ابعاد حزب الله عن خط القرى الأول الموجود وراء الحدود. التخبط الآن الذي أشار اليه رئيس الأركان أمس هو هل نذهب الى عملية هجوم جديدة في خط القرى الثاني أو تثبيت خط الدفاع داخل المنطقة في فصل الشتاء. هذا حيث فعليا الجيش كان يفضل تسوية وانسحاب، والاكتفاء بما تم إنجازه حتى الآن. من غير الواضح حتى الآن اذا كان بايدن سيبذل جهد أخير من اجل التوصل الى اتفاق حتى كانون الثاني القادم، أو أنه سيبقي هذه المشكلة لترامب.

في الخلفية بقي حساب مفتوح بين ايران وإسرائيل. النظام في ايران يهدد كل يوم بالرد على الهجوم الجوي لإسرائيل في 26 تشرين الأول. حسب التقديرات فانه رغم التخبط الداخلي في طهران في اعقاب فوز ترامب إلا أن رد ايران سيخرج في نهاية المطاف الى حيز التنفيذ. وقد تم التحدث عن هجوم بالمسيرات من العراق بواسطة المليشيات الشيعية هناك، لكن الحكومة في بغداد غير متحمسة.

في لبنان وفي غزة، بعد الإنجازات، ما زال من الواضح أن توجهنا هو نحو حرب طويلة ودموية، استمرار الاطلاق على الجبهة الداخلية، المزيد من القتلى للجيش الإسرائيلي، عبء متزايد على الجنود النظاميين والاحتياط، الغضب من اهمال المخطوفين. الإنجاز الأخير والنهائي للحرب يجب أن يكون عودة المخطوفين حتى لو ارتبط ذلك باتفاق يلزم إسرائيل بتقديم التنازلات. وحتى بعد الضربة العسكرية لحماس (التي لم تهزم) يبدو أنه لا توجد طريقة أخرى. البديل هو بالصياغة الفظة لعيناف تسنغاوكر، والدة المخطوف متان، هو أنهم جميعا سيعودون في النهاية جثث في أكياس سوداء. 

يجب التذكير هنا بالمفهوم ضمنا وهو أنه بعد 13 شهر من القتال وبعد أن عمل الجيش تقريبا في كل القطاع، فان 101 مخطوف يتم احتجازهم على بعد بضعة كيلومترات عن قوات الجيش الإسرائيلي – بدون قدرة لإسرائيل على الوصول اليهم وتحريرهم. لقد حان الوقت للتوقف عن بيع لانفسنا الأوهام بأن الضغط العسكري هو وحده سيعيد المخطوفين، أو القدرة على تدمير حماس بشكل نهائي. ومجرد حقيقة أن حماس تضع طلبات في المفاوضات تدل على أن النصر العسكري في القطاع هو غير مطلق. في نهاية المطاف المخرج الوحيد في لبنان وفي غزة هو سياسي، وهو يستند الى إنجازات عسكرية ملموسة، وإسرائيل يجب عليها أن تحصل من الأمريكيين على ضمانات تضمن لها العودة الى تنفيذ عملية عسكرية في لبنان وفي غزة عند الحاجة. ولكن لن يكون هنا أي حل لهزيمة العدو وتحقيق كل طلباتنا، بدون اتفاق دبلوماسي في نهايته.

للأسف الشديد، ليس نتنياهو أو الائتلاف يوافقون على هذا الاستنتاج. خلال السنتين الأخيرتين نحن خفنا في البداية من سيناريو الديكتاتورية الزاحفة، مع تقليص بالتدريج لامكانية احتجاج الجمهور والعمل ضد الحكومة. منذ تشرين الأول السنة الماضية اكتشفنا أننا غارقين في سيناريو الحرب الأبدية. احداث الأسبوع الماضي، فوز ترامب واقالة غالنت، تدل على أنه يمكن الحصول على اثنين ببطاقة واحدة، حرب بدون نهاية وديمقراطية آخذة في التلاشي.

بقي وحيدا

مرتان دخل رئيس الحكومة ورجاله في حالة ذعر على خلفية التطورات السلبية في الحرب. ومرتان، حسب الاشتباه الذي يتم التحقيق فيه الآن في الشرطة وفي الشباك، عمل اشخاص من محيط نتنياهو أفعال يمكن أن تورطهم في قضايا جنائية. المرة الأولى كانت تقريبا في صباح 7 أكتوبر نفسه: نتنياهو – كما وصف كثيرون منذ ذلك الحين ومن بينهم غالنت والوزير السابق غادي ايزنكوت – كان في حالة صدمة في الساعات التي أعقبت المذبحة، وكان يجد صعوبة في العمل. في هذا الأسبوع نشر أن الشرطة قامت باقتحام مكتب رئيس الحكومة وجمعت مواد تتعلق بالاشتباه أن حاشية نتنياهو حاولت تزوير توثيق نقاشات للساعات الأولى في اعقاب الهجوم الإرهابي.

المرة الثانية كانت في بداية أيلول الماضي، بعد أن قتلت حماس ستة مخطوفين في رفح، لأن حراسهم لاحظوا نشاطات الجيش الإسرائيلي قرب النفق الذي تم احتجازهم فيه. بعد اكتشاف الجثث ثارت عاصفة في الجمهور أمام حجم المأساة ولأنه تأكد عدم الفائدة في ادعاء نتنياهو الذي يقول بأنه فقط الضغط العسكري هو الذي سيؤدي الى تحرير المخطوفين. رئيس الحكومة الذي ليست لديه أي مصلحة في صفقة التبادل مرتبطة بتنازلات خشي من فقدان السيطرة على الوضع. هكذا ولدت قضية فيلادلفيا. نتنياهو بدأ يدفع قدما وبشكل ملح بالادعاء أنه محظور بأي شكل من الاشكال الانسحاب من محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر لأن خروج الجيش من هناك سيسمح باستئناف على الفور تهريب السلاح لحماس. هذا موقف كان من الواضح أن حماس لن توافق عليه.

من اجل افشال المفاوضات وإزالة الضغط عن نتنياهو كي يتنازل، بدأت حملة مكتبه امام وسائل الاعلام الأجنبية. من هنا، حسب الاشتباه، جاءت الحاجة الى التسريب لمجلة “بيلد” الألمانية وصحيفة “جويش كرونكال” البريطانية. وقد تضمن التسريب خليط من المعلومات الاستخبارية السرية والتلاعب بالمعلومات واختراعات لا أساس لها. نتنياهو وزوجته سارة اعتمدا بعد ذلك على هذه المنشورات لتبرير عدم الدفع قدما بالصفقة واتهام حماس بالمسؤولية الحصرية عن جمود المفاوضات. 

من الناحية القانونية فان تحقيق الشباك يركز على سرقة المعلومات الاصلية وليس على التلاعب الذي حدث فيها. في القضية تسربت معلومات في أحد مستويات السرية والحساسية. وللمفارقة جاء من دائرة في قسم أمن المعلومات التابع للجيش الإسرائيلي. من مهمات هذه الدائرة أنها المسؤولة عن أمن مصادر المعلومات، لذلك فان لها طريقة استثنائية في الوصول الى قاعدة المعلومات في الجيش الإسرائيلي. هذه هي القضية التي تم فيها اعتقال أربعة من رجال الاستخبارات وأحد المتحدثين بلسان نتنياهو هو ايلي فيلدشتاين.

علاقة نتنياهو برجاله هي علاقة ناجعة جدا. وحتى قبل رفع الحظر عن نشر اسم فيلدشتاين حاول مكتب رئيس الحكومة عبثا نفي أنه عمل لصالحه. هذا يخرج عائلة فيلدشتاين عن طورها، التي تهتم جدا بابنها المعتقل. فيلدشتاين (بالمناسبة، أنا اعرفه منذ خدمته في الجيش وأحبه) ترعرع في عائلة حريدية، لكنه تجند للجيش وخدم في عدة وظائف مهمة جدا، منها مساعد رئيس لواء التخطيط في هيئة الأركان والمتحدث باسم فرقة يهودا والسامرة. عندما تسرح عمل في البداية فترة قصيرة في وظيفة المتحدث بلسان وزير الامن الوطني ايتمار بن غفير. وبعد اندلاع الحرب على الفور اندمج في مكتب نتنياهو وكان متحدث بلسانه وعمل بالاساس مع المراسلين العسكريين. منصبه كان واضح لكل من تابع خطواته – نشر المعلومات التي تخدم نتنياهو في جهود إزاحة عن نفسه النار حول التحقيق في 7 أكتوبر وبعد ذلك في قضية المخطوفين.

ما نشر عن التحقيقات الأخيرة يدل على أنها تقترب من حاشية نتنياهو. في ظروف أخرى، قبل القضيتين، ربما كنا سنقول بأنهما تهددان بتعريض نتنياهو نفسه للخطر. مشكوك فيه أن يكون هذا هو الوضع الحقيقي الآن. احداث الأسبوع تقود الى نتائج في اتجاه مختلف تماما. أولا، اقالة غالنت تم تزامنها مع وقت ذروة المشاهدة، قبل خمس دقائق من نشرة اخبار الساعة الثامنة في القناة 12. وقد كان هذا التزامن من اجل حرف الانتباه عن التحقيقات وأيضا كتهديد لحراس العتبة الآخرين. ثانيا، ربما هذه هي الروح الحقيقية الداعمة التي يوفرها فوز ترامب لنتنياهو. يوجد هنا مثال واضح وهو أنه كيف لمجرم أدين في السابق أن يتهرب من المحاكمة والامساك بزمام السلطة لفترة طويلة. ما يعمل في واشنطن يمكن أن يعمل أيضا في القدس، رغم الشهادة المخطط لها لنتنياهو في محاكمته بعد شهر تقريبا. بعد الأسبوع الأخير يصعب القول بأن مبدأ سيادة القانون ما زال ساري المفعول على رئيس الحكومة.

——————————————–

هآرتس 8/11/2024

حكومة الكوابيس تعرض الضم مقابل التهرب من الخدمة

بقلم: رفيت هيخت

الإقالة الفضائحية لوزير الدفاع يوآف غالنت التي تشبه إعطاء “رسوم اظهار الجدية” للحريديين لأن بنيامين نتنياهو حتى الآن لا يستطيع تلبية طلبهم الذي يتمثل باعفاء شامل وبدون عقوبات من التجنيد، لم تحل مشكلته السياسية: الصهيونية الدينية لم تحرك ساكنا من اجل غالنت أو ضد اهمال جهاز الامن، وستبقى الديكتاتورية المتسارعة تعارض قانون مراكز الخدمة في النهار وما شابه، بالأحرى قانون الاعفاء من الخدمة. بالتأكيد طالما أن الحرب مستمرة. يبدو أن بوعز ويخين، الأعضاء في الائتلاف، يسيران في طريق تصادمي لا مفر منه وصعب على الحل.

يوجد للحكومة أسباب للصمود رغم الصعوبات: الاستطلاعات التي تظهر مرة تلو الأخرى بأن هذه حكومة غير شرعية من قبل الجمهور، والأعضاء فيها وممثل الصهيونية الدينية بشكل خاص، لا يجدر الاقتراب على الاطلاق من انتخابات قريبة، والمعادلة التاريخية الحارقة جدا في اليمين، انقسام أيديولوجي في داخله سيؤدي في نهاية المطاف الى “كوارث مثل حكومة أوسلو”، يضاف اليها الآن انتخاب ترامب، وهي تفتح امام نتنياهو احتمالات جديدة لحل الازمة، أو للدقة عملية برية اكثر نجاحا في داخلها، التي على الأقل ستساعده على كسب المزيد من الوقت – تكتيك بقاءه الأول. 

نتنياهو سيحاول أن يحصل من ترامب على شيك كبير بقدر الإمكان من الهدايا وبادرات حسن النية للمستوطنين، على رأسها ستكون وعود بضم أجزاء من المناطق ج، وبعد ذلك سيضع امامهم عالم بديل اكثر حدة: إما مواصلة التصميم على اصلاح الظلم الأخلاقي والمبدئي المقرون بالتهرب الحريدي ويتم رميكم في صحراء المعارضة بدون أي انجاز استيطاني أو أن تبقوا في الائتلاف وتحصلوا على إنجازات ملموسة ورمزية مقابل إعطاء الاعفاء الفاسد للحريديين بطريقة ملتوية معينة.

انتخاب ترامب أيضا يمكن أن يقرب بشكل كبير انهاء الحرب. في عهد إدارة ديمقراطية نتنياهو عرض على قاعدته حرب انتقامية لا نهاية لها، مع اهداف تتبدل ومخترعة. الآن احتمالاته متنوعة اكثر: ليس فقط أن الولايات المتحدة لم تعد تلاحق المستوطنين، بل هي حتى تستطيع تزويدهم بوعود للضم، التي ستأتي من المكتب البيضوي بدون أن يتجند أي حريدي، وهذه حقيقة اقل اثارة للغضب بكثير عندما لا تكون هناك حرب. هذا التقدير تدعمه جرأة نتنياهو على أن يركل الى الخارج ممثل المعسكر الديمقراطي الوحيد في الحكومة، وهكذا يخاطر بعدم مشاركة جزء كبير من الجمهور الذي يخدم في الحرب، وهي عملية زاحفة تحدث أصلا على خلفية التآكل المتزايد. في الواقع امام ذلك يقف وزن كبير على صورة رغبته وحاجته الى مواصلة الحرب وتجنب تقديم شهادته في محاكمته – لكن تسوية مناسبة من ناحيته في هذا القطاع يبدو أنها ستفتح الطريق لانهاء الحرب.

رغم أن ازمة قانون الاعفاء من الخدمة هي ازمة مزمنة، ومعرفة الجمهور بأن نتنياهو تحركه الاعتبارات الشخصية والسياسية، إلا أنه في نهاية المطاف نجح في فعل ما ظهر كغير ممكن في الأيام الأولى بعد المذبحة. حكومة الكوابيس يبدو أنها ستكمل ايامها، وهذا انجاز تم وضعه في جيب نتنياهو من اللحظة التي نجح فيها في جر اليه جدعون ساعر الانتهازي.

هذا سبب مبرر للمراوحة في المكان ولليأس الذي يسيطر الآن على المعسكر الديمقراطي في إسرائيل، وكذلك يمكن تفهم خيبة الأمل إزاء قيود المعارضة والابداع السياسي القليل. ولكن في داخل اليأس الكبير يجب تذكر حقائق هامة: نسبة من يعارضون الحكومة تزيد على مؤيديها في كل لحظة، وهذه حقيقة لم تتغير أيضا الآن، عندما نتنياهو يظهر كشخص يمكنه فعل أي شيء. في نهاية المطاف المورد الهام جدا، بالتأكيد في وقت مظلم جدا، هو قوة الصمود امام الصعوبات.

——————————————–

إسرائيل اليوم 8/11/2024 

انتخاب ترامب يقرب التطبيع مع السعودية

بقلم: دان زاكن

ولاية دونالد ترامب السابقة فاجأت حتى من اعتاد على شخصية مختلفة جدا عن شخصية سياسيين وزعماء في العالم الغربي. 

في ساحتنا احدث التغييرات الأكبر التي شهدتها منذ أوسلو. اتفاقات إبراهيم، نقل السفارة الامريكية الى القدس، الاعتراف بهضبة الجولان وخطة القرن التي اعترفت عمليا بحق إسرائيل في أجزاء من يهودا والسامرة على الأقل. 

وهو مصمم على عمل ذلك هذه المرة أيضا، في اعقاب الحرب التي بدأت بمذبحة 7 أكتوبر والمواجهة المباشرة بين إسرائيل وايران التي توجد في ذروتها. غير أن هذه المرة الوضع اكثر تعقيدا بكثير بسبب الدور الاعمق لروسيا والصين الى جانب ايران. 

الخطوة الأولى التي ستؤدي الى التدخل الأمريكي بأسلوب ترامب في الشرق الأوسط ستكون تحقيق اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية. هذا اتفاق كل الأطراف تريده وكان قريبا جدا في أيلول 2023 والحرب في غزة منعته. هذا هو السبب الأساس في أن ترامب دعا إسرائيل لانهاء الحرب حتى قبل أن يتسلم مهام منصبه في غضون ثمانية أسابيع. وكما نشرنا أمس، فقد نقلت هذه الرسالة الان أيضا وبشكل واضح. وقصده الأساس هو القتال في غزة الذي هو العائق للاتفاق مع السعودية. وقف نار في هذه الجبهة سيؤدي الى محادثات على اتفاق مع السعودية يتضمن أيضا مخططات لليوم التالي في قطاع غزة وفي الساحة الفلسطينية بعامة. نتنياهو يريد ضمانات – أولا، الا تكون حماس مشاركة باي شكل في الحكم في القطاع، وكذا حرية امنية عسكرية للعمل في القطاع. 

ليس واضحا اذا كان ترامب يترك تحقيق اتفاقات وقف النار لادارة بايدن في أواخر ولايتها إذ دون التدخل الأمريكي لا توجد إمكانية للوصول الى أي توافق كهذا لا في لبنان ولا مع حماس في قطاع غزة. ترامب هو رجل الخطط العظمى، مثل خطة القرن، وفي محيطه يقولون انه سيؤدي الى الوصول الى مثل هذه الخطة، مع دور عميق للسعودية، هذه المرة أوسع بكثير، تضم أيضا لبنان وربما دولا أخرى. وستقوم الخطة على أسس اقتصادية واسعة يفترض أن تجلب املا للشعوب في الدول الممزقة واغراء الزعماء بالانضمام اليها. 

نذكر ان العامل الأساس الذي دفع الى اتفاقات إبراهيم في حينه كانت حاجة دول الخليج المعتدلة للحصول على حماية حقيقية ضد ايران التي خلف الخليج وفهمها بان الاتفاق النووي مع ايران بقيادة الرئيس أوباما وقادة دول الغرب الأخرى يتركها تحت رحمة خامينئي. عندما الغى ترامب الاتفاق النووي بتحفيز من إسرائيل ونتنياهو، كانت الطريق لاتفاقات إبراهيم مع اتحاد الامارات، البحرين والمغرب شقت. ليس صدفة أن زعماء دول الخليج كانوا من أوائل من هنأ ترامب بانتخابه، وبحماسة كبيرة. 

بعد يوم من الانتخابات، وفي محيط ترامب تلقى الى الفضاء غير قليل من الأسماء لتعيينات في قيادته، وهاكم بعض ممن هم يرتبطون بنا. احدهم، بريان هوك، هام على نحو خاص. هوك كان المبعوث الأمريكي لشؤون ايران في ولاية ترامب الأولى وهو يتبنى خطا صقريا تجاه النظام الإسلامي، بما في ذلك تشديد العقوبات الاقتصادية وغيرها. كما يشارك هوك في التعيينات الأخرى ومن المتوقع ان يصل بعض منهم الى الولاية السابقة – وبينهم آفي باركوفيتش وجيسون غرينبلت اللذين كانا مشاركين بعمق في بلورة خطة القرن وبعد ذلك اتفاقات إبراهيم والسفير السابق دافيد فيلدمان وربما أيضا مايك بومباو الذي كان وزير الخارجية. 

ايران هي مركز المشاكل والاعتراضات الأساس، وتطلع ترامب سيكون “بمساعدة إسرائيلية” المس بها بشدة اقتصاديا بحيث أن نفوذها في المنطقة يقل والقوى المعارضة لها تتعزز. التلميحات من جانب الرئيس المنتخب بان إسرائيل ستقوم بالعمل العسكري، أي تحييد منشآت النفط وان يحصل هذا قبل أن يدخل الى المنصب تحركه عدم رغبته في الصدام المباشر مع روسيا. حمل ثقيل على عاتق إسرائيل.

——————————————–

هآرتس 8/11/2024

بانتظار ترامب شرق أوسط جديد ومختلف عن الذي تركه قبل اربع سنوات

بقلم: تسفي برئيل

مجموعة من رجال النظام المصريين والامريكيين وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب انتظروا في فندق “ديبالي” في بيارتس مجيء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تباطأ قليلا. “أين المحبب علي؟”، تساءل ترامب بصوت مرتفع، الذي سُمع جيدا من قبل الموجودين الذين جاءوا الى مؤتمر “جي 7 في آب 2019. لم يرد احد، ومن غير المعروف اذا كان السيسي نفسه سمع هذه الاقوال. ولكن خلال فترة قصيرة تم دهنها بالزبدة عندما أوضح ترامب للمشاركين في المؤتمر بأنه ” أنا والسيسي نفهم بعضنا جيدا. السيسي شخص قوي جدا ولكنه أيضا شخص جيد. فقد قام بعمل مدهش في مصر وهذا امر غير سهل”. هذا “العمل المدهش” شمل أيضا اعتقال آلاف الأشخاص الذين تظاهروا ضده أو فقط انتقدوا نظام الرئيس.

السيسي ليس “المحبب” الوحيد على ترامب. فبعد ثلاثة اشهر من ذلك حظي أيضا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بالمديح من قبل ترامب. “أنا معجب جدا بالرئيس التركي”، قال ترامب في مؤتمر صحفي مشترك امتد لساعات من النقاشات “الصادقة والمفيدة” بين الزعيمين. “الصادقة” – تعني خلافات قوية باللغة الدبلوماسية – تطورت في الشهر قبل اللقاء عندما في بيان خاص نشره ترامب اعلن “نحن سنخرج من الشرق الأوسط، وليحارب شخص آخر من اجل هذه الرمال الملطخة بالدماء”.

هذه كانت الصيغة التي اختارها ترامب لابلاغ العالم المندهش عن سحب القوات الامريكية من سوريا. ولكن الضغط الداخلي في الحكومة وفي الكونغرس، والانتقاد الشديد من قبل حلفاء الولايات المتحدة، كل ذلك جعل الرئيس “يعيد فحص” القرار ويبقي حوالي 900 جندي في سوريا. ولكن الشرخ مع تركيا اتسع عندما ارسل اردوغان جنوده للسيطرة على مناطق في المحافظات الكردية في سوريا. ترامب طلب وقف اطلاق النار، وعندما أوضح اردوغان الذي فهم بأنه حصل على الضوء الأخضر من ترامب للغزو، تلقت تركيا عقوبات فرضت عليها التوقيع على اتفاق لوقف اطلاق النار مع الاكراد.

هكذا، عندما التقى الزعيمان في محادثة “صادقة”، كان يمكن لترامب التبشير بأن “وقف اطلاق النار يصمد بشكل جيد. كما تعرفون، نحن قمنا بسحب قواتنا منذ فترة لأنني اعتقد أنه قد حان الوقت لوقف الاهتمام بحدود الشعوب الأخرى. أنا اريد الاهتمام بحدودنا، توجد لنا حدود كثيرة كي نهتم بها”. من نافل القول التذكير بأن وقف اطلاق النار، أي “الصفقة” الكبيرة التي تفاخر بها ترامب، انهارت في فترة قصيرة، ومنذ ذلك الحين اشتدت هجمات تركيا. ولكن اشمئزاز ترامب من “الدفاع عن حدود شعوب أخرى” بقي على حاله. 

لقد كان اردوغان والسيسي في هذا الأسبوع الزعيمان الاولان اللذان سارعا الى تهنئة ترامب بفوزه في الانتخابات. يبدو أنه يوجد لهما، مثلما لزعماء السعودية والامارات وقطر، أسباب جيدة للرضا عن النتائج، لا سيما بعد ولاية جو بايدن الذي في حملته الانتخابية تعهد بسحب من اردوغان الشيك المفتوح الذي منحه إياه ترامب وتحويل السعودية الى دولة منبوذة و”التوضيح” للسيسي معنى حقوق الانسان. ولكن هذا ليس “تحالف” الذي فرح بعودة أحدهم الى الساحة. كل زعيم من هؤلاء يوجد له حساب منفصل مع ترامب، وفي نفس الوقت توجد حسابات مشتركة للجميع – ايران وفلسطين تنتظران ما سيخرج من فم “سيد الصفقات”. نار فترة ولاية ترامب الأولى ما زالت مشتعلة في المنطقة. تركيا تلعق جراحها العميقة التي حفرتها فيها العقوبات التي فرضها ترامب عليها، التي ينسب اليها تدهور الاقتصاد الذي لم يتعافى بعد. قضية شراء منظومات الصواريخ المضادة للطائرات من نوع “اس 400” من روسيا أيضا لم تتلاشى. ورغم أن الرئيس بايدن صادق على صفقة بيع طائرات اف16 بمبلغ 20 مليار دولار مقابل موافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا للناتو، وأن تركيا لم تعد بعد الى مشروع تطوير وبناء طائرات اف35 التي أقصاها عنه ترامب.

من غير الواضح حتى الآن هل وكيف ينوي ترامب معالجة هذه القضية، مثلما ينتظر العالم ما سيصدر عنه فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، التي تلعب فيها تركيا دور مزدوج. فمن جهة تبيع المسيرات الحربية لكييف، التي غيرت بشكل كبير وجه الحرب، وفي المقابل تقيم علاقات وثيقة مع الكرملين.

في الحقيقة ترامب ليس هو عزيز الناتو، وفي عدة مناسبات هدد بوقف دور الولايات المتحدة في تمويل الحلف اذا لم توسع كل الدول الأعضاء فيه نصيبها في تمويله ليصل الى 4 في المئة من الناتج المحلي الخام مقابل 2 في المئة الآن، وهي النسبة التي لا تلتزم بها بعض هذه الدول. ولكن الناتو هو ساحة عمل مهمة جدا لتركيا، وعضويتها في هذا الحلف توفر لها مكانة ونفوذ كبيرين، ليس فقط على إدارة وتخطيط المواجهة مع روسيا. اردوغان يستخدم هذه العضوية من اجل الدفاع امام الانتقاد والعقوبات بسبب المس بحقوق الانسان، واحتلال مناطق في سوريا والتهديد المستمر للاكراد وموقف تركيا من إسرائيل. هكذا تستطيع تركيا أن تتمتع بالعالمين طالما أن الرئيس الأمريكي لا يحاول املاء عليها سياستها ويجعلها تتبنى طرف واحد.

ورقة السعودية

تركيا، مصر والسعودية، ربما يمكنها تنفس الصعداء بعد انتهاء ولاية بايدن، الذي حقوق الانسان كانت عنصر رئيسي في سياسته الخارجية. هي لا تشغل بشكل خاص اجندة ترامب. في السابق أوضح عدم الاهتمام بالخروقات الصارخة لحقوق الانسان بالقول “نحن بحاجة الى شركاء وحلفاء، ويجب علينا الكف عن أن نكون شرطي العالم”. ولكن حتى ترامب لا يمكنه تجاهل قتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي، الذي تم تقطيع جثته في إسطنبول في 2018 على يد عملاء لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ترامب دافع في البداية عن ابن سلمان، وحتى أنه التف على الكونغرس عندما صادق على صفقة سلاح بمبلغ 8 مليارات دولار. ولكن عندما تم جمع المعلومات المجرمة من قبل الـ سي.آي.ايه لم يبق أي خيار امام ترامب. فقد ادان عملية القتل ووصف تفسيرات السعودية بأنها “الطمس الأكبر الذي حدث التاريخ”.

محمد بن سلمان اصبح منذ ذلك الحين شخصية غير مرغوب فيها في واشنطن، لكن اعمال عائلة ترامب في المملكة استمرت كالعادة، وهكذا أيضا العلاقة الممتازة لجارد كوشنر، صهر ترامب، مع ابن سلمان. السعودية استثمرت 2 مليار دولار في شركة الاستثمارات بملكية كوشنر “افينتي”، التي أقامها بعد تركه للبيت الأبيض. وحسب “نيويورك تايمز” فان الاثنين قاما باجراء لقاءات في مواضيع سياسية أيضا. في شهر تموز نشر أيضا أن شركة الاعمال لترامب بإدارة ابنائه أريك ودونالد الصغير تنوي إقامة مبنى سكني فخم في جدة، إضافة الى مجموعة فنادق ومواقع استجمام في سلطنة عمان، بمبلغ 500 مليون دولار. 

ابن سلمان قال بالفعل بأنه اذا كان ترامب يطمح الى تحقيق سياسي اول وأن ينجح في المكان الذي فشل فيه بايدن ويقوم بالتطبيع بين السعودية وإسرائيل فانه يجب عليه دفع الثمن الذي تحدده الرياض، وليس فقط في الموضوع الفلسطيني. حلف دفاع وبرنامج نووي في السعودية سيكونان جزء لا يتجزأ من الدفع. ولكن حتى لو تحققت كل هذه الاحلام فان هناك شك كبير اذا كانت السعودية ستوافق على العودة الى واقع “القطب الواحد” الذي توجد فيه فقط استراتيجية واحدة، مع أو ضد الولايات المتحدة. السعودية، مثل دولة الامارات وقطر وتركيا، نجحت في خلق لنفسها قائمة سياسية متنوعة، فيها حاجة الولايات المتحدة الى حلف في المنطقة تخلق حرية عمل لدول المنطقة الرائدة كي تختار بنفسها أصدقاء وحلفاء آخرين بدون المخاطرة بالعقوبات الامريكية.

في نسيج العلاقات هذا فان إسرائيل يمكن أن تكتشف بأنها توجد في سوق تنافسية جديدة للمصالح الاستراتيجية أمام رئيس امريكي يفحص خطواته بمفاهيم باردة من الربح والخسارة. في ترجمة لقاموس ترامب فان دولة تجعل الولايات المتحدة ترسل جنودها وطائراتها من اجل “الدفاع عن حدود شعوب أخرى” أو الى “الرمال الملطخة بدمائهم” لا يمكنها توقع افضلية في بداية الطابور الى البيت الأبيض.

——————————————–

يديعوت احرونوت 8/11/2024

تتراكم القضايا حول مكتب رئيس الوزراء

بقلم: رونين بيرغمان

سلسلة القضايا التي تنكشف في مكتب رئيس الوزراء وقضايا أخرى كفيلة بان تنشر – لا تنفصل الواحدة عن الأخرى. هكذا ثار الاشتباه لدى بعض من المحافل الخبيرة بغياهب الأمور، المؤامرات، المناورات والاكاذيب التي وقعت في المكتب في السنتين الأخيرتين. 

حسب هذه المحافل، يثور اشتباه بان القضية التي انكشفت امس في ما نشرته القناة 11 والتي توجد قيد فحص “يديعوت احرونوت” منذ زمن بعيد، ترتبط جدا بالقضيتين اللتين سبق أن نشرتا – استخدام جواسيس المكتب في داخل الجيش لاجل ان يسرقوا وثائق فائقة السرية وينقلوها الى المكتب، ومنه الى نشر زائد في وسائل الاعلام لاجل خدمة الرواية ضد صفقة المخطوفين. الى هذا ينضم تحقيق عن تزوير لوثائق حساسة في المكتب بدأ حتى قبل هذا. حسب هذه المحافل يحتمل أن تكون القضية الأخيرة (حتى الان) التي انكشفت كفيلة بان تشرح الشكل الذي حققت فيه محافل في المكتب القدرة على الحصول على وثائق وتوثيقات هي الأكثر حساسية. بكلمات أخرى محافل في المكتب استخدمت معلومات شخصية قد تكون محرجة عن ضابط كبير بحيث تساعدهم على الوصول الى تلك الأوراق. 

قبل نحو نصف سنة وصل شخص مطلع بحكم منصبه على عموم المعلومات الأكثر سرية في دولة إسرائيل وخبير في سياقات اتخاذ القرارات الأكثر حساسية، للقاء واحد من محافل الاستشارة القانونية في الجيش الإسرائيلي. جاء الرجل ليتحدث عن قضية قد تكون محرجة لبطلها المركزي لكنها، كما خاف ذلك الرجل ذات إمكانية كامنة خطيرة، “محملة بالمصيبة تماما”، على حد تعبير الضالعين في الموضوع، لامن دولة إسرائيل ولسلامة إجراءات اتخاذ القرارات فيها. 

روى الرجل بانه لدى اثنين من كبار المسؤولين في مكتب رئيس الوزراء يوجد توثيق شخصي محرج لضابط كبير في الجيش، يوجد على اتصال وثيق مع مكتب رئيس الوزراء. وقد تم الحصول على هذا التوثيق من خلال استخدام وسائل المكتب وسحب من هذه الوسائل. احد هذه الجهات، هكذا حسب الرجل تكبد حتى عناء اطلاع الضابط الكبير بان لديه التوثيق آنف الذكر. 

ليس واضحا اذا كان ذاك الضابط أكد ردا على التوجه اليه بانه بالفعل قال له ذاك المسؤول بان لديه التوثيق، او اذا كان أكد أو نفى انه وقع ضحية لضغط محظور.

كما أسلفنا اطلع الرجل كبار مسؤولي المستشار القانوني في الجيش الإسرائيلي الذين وجهوه الى المستشارة القانونية في ضوء حقيقة ان هذه شبهات ضد مدنيين وبسبب الخطورة التي رأوها في الحالة. وطرح الرجل في حديثه إمكانية ان تكون وثائق سرية للغاية وصلت الى جهات غير مسموح بان تطلع عليها وجرى استخدام محظور عليها بسبب التوثيق المحرج وقدرة الضابط على الوصول الى معلومات سرية جدا. 

رجال شرطة إسرائيل والمخابرات ممن يحققون في قضية استخدام الجواسيس وإخراج الوثائق السرية من المخزون المركزي لدى 8200 رووا بانه في تحقيقهم في مكتب رئيس الوزراء اكتشفوا “حارة” في كل ما يتعلق بمعالجة الوثائق السرية. الاسرار الأكثر كتمانا لدولة إسرائيل محفوظة في خزنات مكاتب السكرتارية العسكرية لرئيس الوزراء. الكثير منها غير موجودة في المكان المخصص لها في الخزنة بل وثار اشتباه بانه طبعت نسخ إضافية لوثائق حساسة دون أن يسجل انها طبعت ودون أن تحصل على رقم نسخة كما يلزم. 

——————————————–

إسرائيل اليوم 8/11/2024

نهج ترامب سيساعد في تحقيق اهداف الحرب

بقلم: مئير بن شباط

“انا لن أبدأ حروبا، أنا سأنهيها”، أعلن دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي المنتخب. وبينما يلقي خطاب النصر في الانتخابات، سجل الريال الإيراني هبوطا غير مسبوق شهد على المزاج والتوقع حول هذه الساحة. 

بعد بضع ساعات من ذلك في خطاب يبدو أنه سجل قبل أن تعرف نتائج الانتخابات، أوضح نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله انه لا يعلق توقعات في الولايات المتحدة “تحت ترامب أو هاريس”. وحذر من أن “منظمته جاهزة لحرب استنزاف طويلة قدر ما يلزم. وان الطريق الوحيد لانهائها هو دفع العدو لطلب وقفها”.

الإشارات من جانب ترامب عن رغبته في انهاء الحرب حتى قبل الترسيم في 20 كانون الثاني 2025 كان يفترض أن تنتزع تنفسا للصعداء من جانب قادة حماس وحزب الله. فهم يتمنون تشديد الضغوط على إسرائيل في هذا الشأن، لكن بدلا من ذلك يبدو أن الأحاديث عن هذا بالذات زادت قلقهم. فهم يفهمون بان تطلع الرئيس المنتخب غير منقطع عن وضع النهاية الذي يطلب السعي اليه.

صحيح أن ترامب لم يفصل حتى الان رؤياه بالنسبة لذلك، ليس علنا على الأقل. لكن موقفه الحازم بالنسبة لإيران ومجروراتها، التزامه بإسرائيل ودول المحور المعارض لإيران، موقفه تجاه المؤسسات الدولية، والمفاهيم السائدة فيها، ونهجه الغائي الساعي الى نتائج واضحة – كل هذه هي سبب كاف للقلق في طهران وفي بيروت، في صنعاء وفي غزة. 

ان الانتعاش العسكري السريع لإسرائيل من هجمة 7 أكتوبر، الجرأة التي ابدتها تجاه ايران وحزب الله، وانجازاتها في كل واحدة من سبع ساحات القتال يمكنها أن تعزز ثقة ترامب بقدرتها على تحقيق الأهداف التي وضعتها للحرب، والى جانب ذلك أيضا الثقة بذلك. 

إزالة الاثقال عن اقدام الجيش الإسرائيلي

كي تتمكن إسرائيل من انهاء مهمتها في غزة بسرعة، مطلوب أولا وقبل كل شيء إزالة الاثقال التي وضعتها واشنطن على اقدامها. والأمور تقال بالنسبة لشدة القتال، كمية وطريقة توزيع المساعدات الإنسانية وترحيل كل السكان الى مناطق آمنة في ارجاء القطاع. الجيش الإسرائيلي سيواصل على أي حال العمل في هذه المجالات وفقا لمتطلبات القانون الدولي. 

هذا النهج سيسمح بمعالجة اكثر جذرية وسرعة لقدرات بقاء حماس، سينزع منها سيطرتها على المقدرات الضرورية للسكان وسيزيد الضغط على زعمائها لعقد الصفقة. كما أن هذا الأساس لكل بحث بالنسبة لـ “ليوم التالي”.

بالنسبة لاعادة المخطوفين القضاء على السنوار وكبار رجالات الذراع العسكري لحماس – غزة نقل ثقل الوزن في اتخاذ القرارات من القيادة المتواجدة في الدوحة – تلك التي اجرت في قطر صلاة شكر على المذبحة في 7 أكتوبر وتواصل الضيافة فيها بتشريفات ملوكية بل وتشجع من هناك استمرار العمليات في إسرائيل. 

ان نزع القفازات في التعاطي معها كفيل بان يخدم هدفين هامين: ضرب قيادة المنظمة التي توجه وتنسق عملها والدفع قدما لصفقة لاعادة المخطوفين. سيكون ممكنا المرونة في تحقيق الهدف الأول لاجل تحقيق الهدف الثاني. مثلا، الامتناع عن ضرب المتواجدين في الخارج (طالما لا ينشغلوا بالاعمال ضدنا) كجزء من صفقة مخطوفين. على كل حال لا يوجد أي مبرر للحصانة العملية التي أعطيت لهؤلاء النشطاء اذا لم تنشأ عن ذلك منفعة بالنسبة للمخطوفين.

ضعف يستدعي الشر

فوق كل شيء، التحدي المركزي هو الصراع ضد ايران. مغازلة إدارة بايدن للايرانيين زادت جرأتهم واضعفت مكانة الولايات المتحدة في المنطقة كلها. في طهران فسروا هذه السياسة كضعف وكبوليصة تأمين لعدم استخدام القوة ضدها. ضعف يستدعي الشر.

ايران ليست فقط مشكلة إسرائيل، ولا مشكلة المنطقة فقط. هي تهديد على السلام والاستقرار في العالم. وهجمات الصواريخ على إسرائيل وفرت تجسيدا لذلك. ليس مطلوب خيال متطور لاجل الفهم كيف سيبدو الارتباط بين الصواريخ الإيرانية الحديثة والسلاح النووي. لقد تعرف العالم على الخطر أيضا عبر المساعدة الإيرانية في حرب روسيا في أوكرانيا، تفعيل شبكة المنظمات الوكيلة ونشر السلاح الإيراني في نموذج يوفر الكثير وبثمن بخس. 

على الولايات المتحدة أن تقود المعالجة لإيران، بمشاركة حلفائها – وليس فقط في الجانب النووي بل وأيضا في جوانب نشر السلاح، تفعيل جهات جبهوية، تحريك الإرهاب. حان الوقت لسحق النموذج الإيراني الذي يكون فيه المرسل معفيا من أفعال الرسول. الصراع ضد خطط ايران لا يمكنه أن يتأجل. الجهود الدبلوماسية لم تلجم الوحش. تحالف إقليمي للدفاع في وجهها هو خطوة هامة، لكنه لا يكفي. مطلوب معركة أوسع وأعمق تدمج جهودا سياسية، عسكرية واقتصادية، بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل ستؤدي دورها.

——————————————–

هآرتس 8/11/2024 

دونالد ترامب سيقوم بازاحة نتنياهو عن الحكم في أول فرصة

بقلم: عيران يشيف

الامريكيون يوجد لديهم تعبير “شخص مع صيانة عالية”، يصف الشخص الذي يحتاج الى “الصيانة العالية”. أنا اتوقع بأنه بسبب ذلك فان ترامب سيقوم بازاحة نتنياهو عن الحكم في اسرع وقت ممكن. ترامب سيتصرف هكذا بالاساس لعدة اسباب تستند الى اعتبارات اقتصادية.

الاول هو أن ترامب يعتبر نتنياهو سيد “عالي الصيانة”. واسرائيل حصلت من الولايات المتحدة على 18 مليار دولار كمساعدات أمنية في السنة الاخيرة. ترامب يفكر ويقول إنه لا يريد استثمار الاموال الامريكية، سواء في اوكرانيا أو في اسرائيل. استمرار دعم الجنون الشرق اوسطي لا يوجد على اجندته. الثاني هو أن ترامب يريد اتفاق مع السعودية، الذي سيثريه هو وعائلته بشكل شخصي، كما حدث في اتفاقات ابراهيم. شرط السعودية لمثل هذا الاتفاق سيكون وضع خطوط عريضة للدولة الفلسطينية. ولكن نتنياهو وشركاءه في اليمين نقشوا على رايتهم معارضة اقامة الدولة الفلسطينية. السعودية ستطالب برأس نتنياهو (السياسي).

ألا يوجد لترامب التزام تجاه نتنياهو؟ الجواب هو لا. ترامب يحتقر نتنياهو وما زال يتذكر له علاقته مع جو بايدن. الآن وهو متحرر من الاعتبارات الانتخابية فانه لا توجد أي اهمية لوعوده الانتخابية. في الاصل ترامب لا يمكن انتخابه لولاية ثالثة. اضافة الى ذلك ترامب يقلل تجاه الخارج لاساميته هو وعائلته. سياسة تأجير الشقق لوالده في نيويورك كانت مملوءة بكراهية اليهود. 

كيف سيقوم ترامب بـ “تطيير” نتنياهو؟. حسب رأيي، هناك طريقتان. الاولى هي ارسال رسالة الى الاحزاب في اسرائيل، في المقام الاول للاحزاب الحريدية، بحسبها أن نتنياهو “انهى حياته السياسية”. هي ستتماشى معه بسرعة. الثانية هي استخدام الضغط المالي، الجزرة والعصا، على نتنياهو والليكود ومراكز نفوذ اخرى.

هذه الخطوة ستكون لها تأثيرات مختلفة. فمن جهة هذا يعتبر مساعدة كبيرة للديمقراطية في اسرائيل وأمن اسرائيل. نتنياهو هو المسؤول المباشر عن الازمة الاكبر في تاريخ اسرائيل، وسيتم تذكره بأنه أكبر المدمرين من الداخل للشعب اليهودي. في المستقبل غير البعيد العالم سينتقل الى استخدام مصطلح “أن تفعل مثل نتنياهو)، كتعبير عن الامة التي تفقد نفسها.

نتنياهو لم يكن في أي يوم زعيم جيد. هو سياسي نجح اكثر من الجميع في البقاء في منصبه لأنه تعود على نثر الوعود، وعزو لنفسه الفضل دون صلة بالواقع (مثلا، نمو فرع الهايتيك لم يحدث بفضله، لكنه تفاخر به)، ولأنه ينجح في التهرب من المسؤولية عن اخفاقاته، حتى قبل 7 اكتوبر (هو كان المسؤول عن التحريض الذي أدى الى قتل رابين). خلال السنوات تعززت تطلعاته الديكتاتورية، التقسيم والتشهير اصبحا مسممان اكثر، وتأثير عائلته والمقربين منه السيء ازداد. النرجسية اصبحت مرض. 

من جهة اخرى، ايران ووكلاءها يلاحظون انخفاض الدعم الامريكي لاسرائيل. كل ذلك اضافة الى زعيم امريكي هو صديق لفلادمير بوتين، هذه امور تخدمها. من سيأتون بدلا من نتنياهو سيقفون امام ظروف جيوسياسية متحدية. ترامب تسبب بضرر استراتيجي في السابق عندما قام بالغاء الاتفاق النووي مع ايران، واضراره المستقبلية يحتمل أن تكون حتى اكثر قسوة. 

——————————————–

هآرتس 8/11/2024

كيف يبدو حلف ترامب- نتنياهو خطيراً على إسرائيل؟

بقلم: أسرة التحرير

أيد نتنياهو ترشيح ترامب للرئاسة الأمريكية وسارع للتهنئة بانتصاره. شهدت علاقات الرجلين صعوداً وهبوطاً، وبخاصة بعد أن اعترف نتنياهو بفوز بايدن في 2020 وأثار غضب ترامب. لكن العلاقات الشخصية مجرد عنصر واحد في السياسة الدولية. فالأيديولوجيا والمصالح أهم.

نتنياهو وترامب يتقاسمان معتقدات الانعزالية وكراهية الأجانب، وتقدير الأغنياء ومقت المؤسسات والقواعد والقوانين. في نظرهم، الكوابح والتوازنات معدة لأناس آخرين، ويجب إتمام حكمهما بلا عراقيل. الوزراء والموظفون سيتصرفون كخدم وإلا يستبدلون. ترامب ونتنياهو نجحا في جعل حزبين سياسيين ذوي تقاليد وبرنامج وجهاز، إلى مشاريع عبادة شخصية. وكلاهما يخوضان حملة مكثفة من التهجمات على وسائل الإعلام فيما يستغلانها للاندفاع قدماً.

 اليمين الإسرائيلي مثل الأوروبي، يتماثل مع المحققين الأمريكيين كحلفاء أيديولوجيين، ولكن لدعم ترامب دافع خاص: توقع بأن يسمح الرئيس لإسرائيل بضم المناطق وسحق الحركة الوطنية الفلسطينية. في ولايته السابقة، سار ترامب شوطاً طويلاً نحو هذا الهدف: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إغلاق القنصلية في شرقي القدس، والاعتراف بضم الجولان والتأييد لشرعية الاستيطان… لكنه أوقف نتنياهو قبل لحظة من الضم الرسمي لأجزاء من الضفة الغربية.

والآن، يأمل نتنياهو ورفاقه في الائتلاف بإسناد من ترامب لـ “النصر المطلق”: طرد الفلسطينيين من شمال غزة وإقامة مستوطنات هناك، والضم وتكثيف الاستيطان في الضفة، وشريط أمني في لبنان، وربما أيضاً هجوم أمريكي على منشآت النووي في إيران.

المساعدة السخية والإسناد الدولي اللذين تحصل عليهما إسرائيل من بايدن الذي أعطاها يداً شبه حرة في غزة ولبنان ووقف إلى جانبها حيال إيران، لا يشبع جوع اليمين الإسرائيلي إلى مزيد من الأراضي وإعداد الترحيل لقسم من الفلسطينيين على الأقل. ربما يلقي ترامب الاهتمام الهزيل الذي أبداه بايدن إزاء الفلسطينيين إلى سلة المهملات، ويلغي العقوبات الرمزية ضد مستوطنين عنيفين، ويعطي إسناداً لنتنياهو في طريقه إلى تصفية المؤسسات الديمقراطية في إسرائيل وتحويلها إلى حكم مطلق ديني. مع مطلب ترامب لوقف الحرب، الذي كرره في خطاب انتصاره، سيتصدى نتنياهو بعرض شرط “نعم، لكن”.

هذا هو السبب الذي ينبغي لأجله انتخاب ترامب، الذي يخيف كل محبي الديمقراطية الليبرالية في العالم، ويثير قلقاً خاصاً في إسرائيل. حتى لو تحققت توقعات نتنياهو والمستوطنين منه جزئياً، فإن الحلف بينهما خطير على مستقبل إسرائيل، وعلى الحرية السياسية فيها، وعلى قدرتها على بناء مستقبل مشترك مع الفلسطينيين.

——————————————–

تجاهل غزة أسقط الحزب الديمقراطي

إنّ استثناء القضية الفلسطينية ليس غير أخلاقي فحسب، بل إنه أمر كارثي سياسياً.

بقلم: بيتر بينارت

صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تنشر مقال رأي للكاتب بيتر بينارت، تحدث فيه عن كيف لعبت القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين والحرب على غزة دوراً في هزيمة الحزب الديمقراطي ومرشحته كامالا هاريس بالانتخابات.

في مدينة ديربورن ذات الأغلبية العربية الأميركية في ميشيغان، والتي دعمت جو بايدن في عام 2020، تظهر النتائج أنّ دونالد ترامب تغلب على كامالا هاريس بنحو ست نقاط مئوية.

على مدار العام الماضي، أدّت مذبحة “إسرائيل” وتجويع الفلسطينيين بتمويل من دافعي الضرائب الأميركيين وبث مباشر على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى إشعال واحدة من أعظم موجات النشاط التقدمي في جيل كامل. والنظر إلى التداعيات السياسية لغزة من خلال عدسة الهوية فقط يغفل شيئاً أساسياً. فالعديد من الأميركيين الذين حفّزهم تواطؤ حكومتهم في تدمير غزة على التحرك ليس لديهم أي صلة شخصية بفلسطين أو “إسرائيل”. ومثل العديد من الأميركيين الذين احتجّوا على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو حرب فيتنام، فإن دوافعهم ليست عرقية أو دينية بل أخلاقية.

كان الغضب شديداً بشكل خاص بين الأميركيين ذوي البشرة السمراء والشباب. وكانت قد أقيمت مخيمات تضامنية مع الشعب الفلسطيني في أكثر من 100 حرم جامعي. وفي شباط/فبراير، وصف مجلس أساقفة الكنيسة الأسقفية الميثودية الأفريقية، إحدى أبرز الجماعات السوداء في البلاد، الحرب في غزة بأنّها “إبادة جماعية” وطالب إدارة بايدن-هاريس بالتوقف عن تمويلها. وفي حزيران/يونيو، حثّت الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين على وقف شحنات الأسلحة أيضاً. ووجد استطلاع رأي أجرته شبكة “سي بي إس نيوز” في حزيران/يونيو أنّه في حين أيّد معظم الناخبين الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً مبيعات الأسلحة لـ “إسرائيل”، فإنّ الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً عارضوها بنسبة تزيد على ثلاثة مقابل واحد. وبينما فضّل 56% فقط من الناخبين البيض قطع الأسلحة، كانت النسبة بين الناخبين السود 75%.

قد تفسّر أرقام استطلاعات الرأي قبل الانتخابات بعض ما رأيناه ليلة الثلاثاء. كامالا هاريس أصغر سناً بكثير من جو بايدن. ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأي المبكرة من “سي إن إن” و”واشنطن بوست” و”فوكس نيوز” ووكالة “أسوشيتد برس”، إلى أنّها عانت من انخفاض حاد بين الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 29 عاماً مقارنة بنتيجة بايدن في عام 2020. السيدة هاريس سوداء، ومع ذلك، وفقاً لشبكة “سي إن إن” و”واشنطن بوست”، فقد كان أداؤها أسوأ قليلاً من بايدن بين الناخبين السود. يشير أحد استطلاعات الرأي، من “فوكس نيوز” ووكالة “أسوشيتد برس”، إلى أنّها كانت أسوأ بكثير.

من المؤكد أنّ العديد من الناخبين الشباب والسود كانوا غير راضين عن الاقتصاد. ربما انجذب البعض إلى رسالة ترامب بشأن الهجرة. ربما كان آخرون مترددين في التصويت لامرأة.

لكن هذه الديناميكيات الأوسع لا تفسر بشكل كامل ضعف أداء هاريس، لأنّها يبدو أنها فقدت أرضية أقل بكثير بين الناخبين الأكبر سناً والبيض. حصتها من الناخبين البيض تعادل حصة بايدن. لقد اكتسبت هاريس شعبية كبيرة بين الناخبين الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً. وهذا يعيدنا إلى دعم هاريس للحرب التي تشنها “إسرائيل” على غزة.

وعلى الرغم من الأدلة الساحقة على أنّ أكثر الناخبين تفانياً في الحزب الديمقراطي أرادوا إنهاء مبيعات الأسلحة إلى “إسرائيل”، استمرت إدارة بايدن في إرسالها، حتى بعد أن وسع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب إلى لبنان. ولم تكتف هاريس بعدم كسر سياسة بايدن، بل بذلت قصارى جهدها لجعل الناخبين المهتمين بحقوق الفلسطينيين يشعرون بعدم الترحيب. وعندما قاطع ناشطون مناهضون للحرب خطاباً لها في آب/أغسطس، قالت هاريس بحدّة: “إذا كنت تريد فوز دونالد ترامب، فقل ذلك”. وفي المؤتمر الوطني الديمقراطي، رفضت حملتها نداءً من الناشطين للسماح لأميركي فلسطيني بالتحدث من على المنصة الرئيسية. وقبل أيام قليلة من الانتخابات، قال نائب هاريس بيل كلينتون لحشد من سكان ميشيغان إنّ “حماس أجبرت إسرائيل” على قتل المدنيين الفلسطينيين باستخدامهم كدروع بشرية.

كل هذا وفّر لترامب فرصة. وقد استمال الأخير الولايات التي قد تتأثر بالحرب على غزّة، حيث تعهد بمساعدة “الشرق الأوسط على العودة إلى السلام الحقيقي” وانتقد النائبة السابقة ليز تشيني، وهي جمهورية اختارتها هاريس لخوض حملتها الانتخابية، ووصفها بأنّها “صقر حرب متطرف”. ومثل ريتشارد نيكسون، الذي ناشد الناخبين المناهضين للحرب في عام 1968 بوعد “بنهاية مشرفة للحرب في فيتنام”، صور ترامب نفسه – مهما كان ذلك غير صادق – على أنه مرشح السلام.

وكان المعلقون المقربون من حركة حقوق الفلسطينيين يخشون هذا السيناريو بالضبط. وحذّر المحلل الفلسطيني الأميركي يوسف منير من أنّه “ما لم تتخذ هاريس بعض الخطوات للانفصال عن سياسة بايدن تجاه إسرائيل، فإن القضية نفسها التي ساعدت في إضعاف جو بايدن الضعيف بالفعل مع قاعدته قد تضع عقبات كبيرة في طريقها إلى النصر”.

ولكن الأشخاص المتحمسين لحقوق الفلسطينيين نادراً ما يشغلون مناصب مؤثرة في الحملات الديمقراطية. فعلى مدى عقود من الزمان، تعامل سياسيو الحزب وناشطوه مع النضال من أجل الحرية الفلسطينية باعتباره من المحرمات. وقد اعتادوا على عزله عن التزامهم المعلن بحقوق الإنسان، حتى في خضم ما يسميه علماء بارزون إبادة جماعية، اعتقدت هاريس أنّه من الحكمة أن تخوض الحملة مع تشيني بدلاً من النائبة رشيدة طليب. وعلى الرغم من الأدلة الساحقة، لم تتمكن حملتها من رؤية أنّ استثناء فلسطين لم يعد مقبولاً بين الناخبين التقدميين.

إن الديمقراطيين الذين يزعمون احترام المساواة بين البشر والقانون الدولي لا بد أن يبدأوا في مواءمة سياساتهم بشأن “إسرائيل” وفلسطين مع هذه المبادئ الأوسع نطاقاً. وفي هذا العصر الجديد، حيث أصبح دعم الحرية الفلسطينية يشكل أهمية مركزية لما يعنيه أن تكون تقدمياً، فإن الاستثناء الفلسطيني ليس غير أخلاقي فحسب، بل إنه كارثي سياسياً.

لفترة طويلة، كان الفلسطينيون في غزة وخارجها يدفعون ثمن هذا الاستثناء بحياتهم. والآن يدفع الأميركيون الثمن أيضاً، وقد يكلفنا ذلك حريتنا.

——————انتهت النشرة——————