إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

اسرائيل اليوم 9/12/2024 

شرق أوسط آخر

بقلم: عوديد غرانوت

ما كان يمكن لاي سيناريو خيالي أن يتوقع سقوط نظام الأسد في غضون بضعة أيام. ما لم ينجح الثوار في تحقيقه على مدى 13 سنة مع مئات الاف المواطنين القتلى وملايين اللاجئين نجحت ميليشيات إسلامية بقيادة مسؤول القاعدة السابق تحقيقه في خطوة مجنونة، في اقل من أسبوع، مع قليل جدا من الدم المسفوك.

من ناحية المفاجأة يوجد وجه شبه بين 7 أكتوبر إسرائيل و 7 ديسمبر الأسد. فقد استغلت حماس الشرخ والضعف الداخلي في إسرائيل كي تختار التوقيت للهجوم. واستغل الثوار في سوريا ضعف داعمي الأسد الأساسيين – ايران، حزب الله – بسبب المواجهة مع إسرائيل، ومع روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا كي يندفعوا الى الامام. وللاسد أيضا مثلما لإسرائيل كانت مؤشرات مسبقة. الرئيس التركي اردوغان – الذي اعطى “ضوء اخضر” لعملية الثوار، مول وساعد في اعداد، بعث اليه في السنة والنصف الأخيرتين رسائل لا تحصى في أن “هذا لن ينتهي بالخير”، اذا لم يتحدثا عن إقامة نظام جديد في المنطقة. اما الأسد فقد اعتقد بان الثوار “مردوعون” لم يرغب في السماح ورفض كل عرض للقاء.

في ساحات دمشق لعب امس الثوار كرة القدم بتمثال رأس حافظ الأسد، ابي بشار، مثلما تسلى العراقيون في حينه بتمثال رأس صدام حسين. سقوط نظام الأسد على اجياله بعد 53 سنة قمع وحشي وزج المعارضين في السجن، يذكر بسقوط صدام بعد 23 سنة حكم مركزي. في الحالتين أعاد اسقاط حاكم طاغية ينتمي الى الأقلية –الأسد ابن الطائفة العلوية، وصدام ابن الطائفة السُنية –الحكم عمليا الى ايدي الأغلبية في الدولة: السُنة في سوريا، الشيعة في العراق.

صحيح أن هذا لن يكون شرق أوسط جديد من هنا لاحقا، لكن بلا شك شرق أوسط آخر يختلف عما عرفناه. فالى جانب التطورات السلبية يوجد فيه على الأقل عنصران ايجابيان لإسرائيل: الأول، مجرد انهيار النظام في دمشق. لعل الأسد كان حاكما معروفا للاستخبارات الإسرائيلية، لكن كان هو أيضا من فتح بلاده لعبور السلاح والذخيرة الى حزب الله، بدخول ميليشيات مؤيدة لإيران الى نطاقه ولنفوذ متزايد من طهران.

الثاني، الأهم، هو تحطيم طوق النار الذي حاولت ايران ملفه حول رقبة إسرائيل. من مشهد الثوار الذين يصبون جام غضبهم بسفارة ايران في دمشق او يمزقون صور خامينئي يمكن أن نفهم بان سوريا لن تكون بعد اليوم مرجل عمل للايرانيين ولا أيضا أنبوب عبور حر للسلاح الى حزب الله المضروب.

بالمقابل، لا توجد أي بشرى طيبة لإسرائيل من استيلاء عناصر الإسلام المتطرف على الحكم في سوريا. زعيمهم أبو محمد الجولاني الذي أعلنته الولايات المتحدة إرهابيا دوليا، دعا مؤخرا بانه لم يعد معاديا للغرب لكنه لم يذكر إسرائيل بكلمة. مهما يكن من أمر فانه سيحتاج الى الكثير من الوقت كي يثبت حكمه في سوريا، يفقد سيطرته على الميلشيات الأخرى، يرضي اردوغان او يصطدم بالاكرادويقرر كيف سيترف مع العلويين، أبناء طائفة الأسد، الذين يرتعدون خوفا.

الواضح هو أن الإيرانيين، وليس الثوار السورين هم التهديد الأساس على إسرائيل في المدى الفوري. إحساس العزلة والهشاشة للنظام في طهران ازداد بلا قياس مع تآكل حزب الله، معقله المتقدم، وسقوط الأسد. المخرج الوحيد الذي من شأنهم ان يسارعوا اليه الان هو تطوير قنبلة نووية، وهذا يجب إيقافه منذ الان.

———————————————

هآرتس 9/12/2024 

الازمة في سوريا لا تهم الولايات المتحدة، وهي لن تتدخل فيها

بقلم: الون بنكاس

هناك امور اساسية يمكن قولها عن الولايات المتحدة وسوريا وسقوط نظام الاسد. الاول، الولايات المتحدة تفاجأت: المخابرات التكتيكية الامريكية لاحظت سيناريو هجوم منظمات المعارضة، لا سيما هيئة تحرير الشام التي تعتبر في امريكا منظمة ارهابية، خاصة بعد ضعف حزب الله في اعقاب الحرب ضد اسرائيل واحتلال حلب. ولكن المخابرات السياسية الاوسع لم تحل لغز الاشارات على الانهيار السريع والمبهر.

الثاني، رغم أنهم يميلون الى القاء في خلاط كبير الولايات المتحدة، روسيا، تركيا، ايران، اسرائيل، الاردن، العراق وحتى الصين، ورسم صورة لازمة دولية متدحرجة، إلا أنه لا يوجد لما يحدث في سوريا أي اهمية بالنسبة للولايات المتحدة. لا يوجد لسقوط الاسد تأثير فوري للمس بالمصالح الامريكية باستثناء مصلحة واحدة وهي اضعاف روسيا، التي يوجد لها مصالح تاريخية في المشرق حتى من فترة كاترينا الكبرى وحفيدها نيقولا الأول. ولكن الحرب الطويلة والفاشلة في اوكرانيا وانهيار اقتصاد روسيا وفقدان ذخر استراتيجي مثل سوريا، يمكن أن تخفف على ادارة ترامب فرض وقف اطلاق النار وتسوية في الحرب بين روسيا واوكرانيا.

السؤال الكبير الذي ستفحصه الولايات المتحدة في الفترة القريبة القادمة هو حول هوية النظام في سوريا. هل سوريا ستصبح ملعب اقليمي يؤثر على الدول المجاورة؟ هل سيكون هناك نظام مركزي أو تجزئة على شاكلة البلقان، مناطق تحت سيطرة تركيا والاكراد ومنظمات جهادية مختلفة؟ في مثل هذه الحالة الولايات المتحدة ستعارض امكانية اعادة اقامة داعش وتهديد حلفائها، اسرائيل، الاردن والعراق. وهي حتى ستقف امام تدخل تركيا، العضوة في الناتو ولكنها ليست بالضبط حليفة لامريكا.

حتى الآن في هذه المرحلة الولايات المتحدة تكتفي بـ “المتابعة الملاصقة للاحداث ومخازن السلاح الكيميائي لنظام الاسد”. في اللغة الدبلوماسية يمكن القول “حتى الآن لا توجد لنا سياسة ومن غير المؤكد أن تكون”. المتحدثون المشوشون بلسان الادارة الامريكية شرحوا بأنه لا توجد أي نية للولايات المتحدة للتدخل. الرئيس المنتخب دونالد ترامب كتب في الشبكات الاجتماعية بأنه “لا يوجد للولايات المتحدة أي مصلحة أو علاقة بما يحدث في سوريا. هذه ليست حربنا. يجب علينا السماح لها بالتطور وحدها. محظور علينا التدخل”.

من ناحية الولايات المتحدة فان الهجوم الكبير لمنظمات المتمردين ضد نظام الاسد وانهياره المطلق كان “بجعة سوداء”. حدث له تداعيات كبيرة كان بصورة مفاجئة. ولكن بأثر رجعي يتم تفسيره كأمر مفهوم ومنطقي. يصعب التوقع مسبقا سقوط نظام مع تأثيره الجيوسياسي المتراكم، ليس بسبب عدم امكانية حدوث ذلك، بل لأن من ينشغلون في هذه الامور توجد لهم آراء مسبقة. تفكير القطيع وجمود فكري. هكذا يمكن رؤية احداث 7 اكتوبر من ناحية اسرائيل، وبدرجة كبيرة غزو روسيا لاوكرانيا.

الولايات المتحدة منحت الرعاية لعملية سياسية بين اسرائيل وسوريا بضع مرات: في فترة حكومة رابين 1993؛ في اواخر التسعينيات في فترة حكومة نتنياهو؛ في الاتصالات المباشرة في فترة ولاية اهود باراك؛ في مؤتمر شبردزتاون الذي استضافه الرئيس بيل كلينتون في كانون الثاني 2000. ولكن في 2011 عند اندلاع الحرب الاهلية في سوريا بقيت الولايات المتحدة في الخارج، في اطارالانفصال بالتدريج عن الصراعات في الشرق الاوسط.

في المرحلة الاولى للحرب وحتى العام 2014، ايدت الولايات المتحدة منظمات المعارضة وحتى أنها اعتبرتها جزء من الربيع العربي واضعاف النظام. في 2013 حذر الرئيس براك اوباما الاسد من أن السلاح الكيميائي هو تجاوز للخطوط الحمراء، لكن الولايات المتحدة امتنعت عن الرد عندما استخدم الجيش السوري هذا السلاح ضد المدنيين. بعد ذلك بدأت امريكا ترى المعارضة كجزء من داعش، وحتى أنها اصبحت جزء في ائتلاف غريب شمل روسيا وايران واسرائيل. نظريا هذا كان تحالف ضد داعش، وعمليا هذا كان تحالف لحماية نظام الاسد من اجل “الاستقرار”، والخوف من أن تكون بديل اسوأ.

تدخل روسيا العسكري في سوريا في 2015 عزز الاسد. والولايات المتحدة اكتفت بعملية “سقوط شجرة الجميز” لـ سي.آي.ايه، وهي تسليح قوات “مؤيدة للديمقراطية” وتدريبها. في 2017 قام ترامب بالغاء العملية بناء على طلب من فلادمير بوتين. وفي 2019 قام بسحب القوات الامريكية من سوريا، وبقي فيها حوالي 900 “مستشار فني” امريكي لشؤون الجيش، عملهم هناك يعتبر لغز.

يبدو أن الولايات المتحدة تربح من الوضع الذي تكون فيه روسيا ضعيفة بسبب فقدان ذخر جغرافي على شاطيء البحر المتوسط، وهو وضع تضررت فيه ايران لأنها فقدت القدرة على المناورة وبث قوة جيوسياسية وقوة ردع. ولكن، بشكل متعمد، لا يوجد للولايات المتحدة أي سياسة منظمة وشاملة في الشرق الاوسط، لأنها توصلت الى الاستنتاج قبل عشر سنوات بأنه لا توجد لها أي مصالح حيوية للدفع بها قدما (أو الحفاظ عليها) في المنطقة؛ لأن التدخل في الحرب في افغانستان وفي العراق والتوتر مع ايران لا يخدمها.

لا أحد يعرف أي سياسة في الشرق الاوسط ستبلورها ادارة ترامب. فهو توجد لديه المرشحة لهيئة المخابرات القومية، تولسي غفارد، التي قالت إن الاسد لم يستخدم في أي يوم السلاح الكيميائي، وأنه شاب لطيف؛ والمرشح لوزارة الخارجية، الذي هو غير ضليع في شؤون المنطقة؛ والمرشح لوزارة الدفاع، الذي ينشغل بصد اتهامه بالتحرش الجنسي. ترامب، كما يقول الشعار: “غير خبير، لا يهتم وغير متوقع”.

يبدو أن ترامب سيكون خاضع لتأثير السعودية، قطر ودولة الامارات، اكثر من التأثر بعباقرة السياسة الخارجية في واشنطن، بالذات بسبب ذلك، بعد ستة أو سبعة اشهر سننظر الى الوراء ونقول إن سقوط نظام الاسد كان المحفز لاتفاق نووي جديد مع ايران. نتنياهو سيتحدث كالعادة عن فرصة لتقويض النظام في ايران. ومن غير الواضح اذا كان سيكون في البيت الابيض من سيستمع.

———————————————

معاريف 9/12/2024 

الجيش الإسرائيلي سيكون ملزما بتوسيع القوات البرية وخلق توازنا بين الطائرات وعناصر المنظومة

بقلم: اللواء احتياط اسحاق بريك

“لعبة مبلغها الصفر” هو تعبير من مجال نظرية الألعاب، يصف وضعا يكون فيه ربح طرف ما خسارة الطرف الاخر، وبالتالي فان مبلغ الربح والخسارة لكل الأطراف هو صفر. بمعنى ربح مشارك ما يأتي على حساب مشارك آخر او مشاركين آخرين. 

بانتظار دولة إسرائيل في المستقبل القريب او البعيد ان تقاتل قتالا قويا في آن واحد في عدة جبهات في نفس الوقت. مثلا، اذا ما نشب قتال مع الجهاد الإسلامي في هضبة الجولان، انتفاضة ثالثة في الضفة او قتال في حدود الأردن مع ميليشيات مؤيدة لإيران.

في مثل هذا الوضع يتعين على الجيش الإسرائيلي ان يبعث بقوات كبيرة للدفاع عن كل هذه الجبهات الثلاثة. ولما كان للجيش الإسرائيلي الصغير لا توجد قوات لارسالها في نفس الوقت الى ثلاث جبهات، فانه سيضطر لان يحشد قواته في الجبهة الأكثر تهديدا، ويترك الدفاع في الجبهات الأخرى. لعبة مبلغها الصفر.

دولة إسرائيل تعيش على المعجزات في العشرين سنة الأخيرة وليس على قدرات عسكرية برية مثبتة. وكله بحكم تقليص كاسح للجيش البري. لحظنا الكبير، في هذه السنين لم تأتي علينا حرب قوية في عدة جبهات في نفس الوقت، حرب بقوة كانت ستستوجب تعزيز كل الجبهات بقوات كبيرة. واذا ما نشبت حرب قوية في المستقبل القريب، في نفس الوقت في عدة جبهات، لن يكون لدولة إسرائيل ما يكفي من القوات للدفاع عنها كلها. 

يوجد فقط طريق واحد لمنع الكارثة، وهو تكبير الجيش البري الى الحجم الذي كان لنا قبل 20 سنة.  جيش كهذا يمكنه أن ينتشر للدفاع وللهجوم في جبهات قتالية أخرى، دون أن يترك أي جبهة. في العشرين سنة الأخيرة قلص المستوى السياسي والمستوى العسكري الجيش البري بالاف الدبابات، بـ 50 في المئة بقوات المدفعية، بالوية المشاة، بالدفاع اللواء وغيرها، وقلصا الجيش البري الى ثلث حجمه قبل عشرين سنة. 

في مثل هذا الوضع المهزوز يضطر الجيش الإسرائيلي الى شد الحبل حتى منتهى حدود قدرته. في الحرب الحالية تبين لنا أنه لا توجد وحدات لتحل محل المقاتلين الذي يقاتلون منذ اكثر من سنة، ولهذا فان الكثيرين منهم منهكون جسديا ونفسيا، ويصوتون بالارجل ولم يعودوا يتجندون لخدمة الاحتياط.  

ليس للجيش الإسرائيلي قدرة على هزيمة حماس الصغيرة وتنظيم حزب الله الكبير لنقص في القوات مما لا يتيح البقاء في الأماكن التي احتليناها ولا يتيح مناورة عميقة. وقف النار مع حزب الله ولد لانعدام البديل لانه ليس بمقدور الجيش الإسرائيلي ان يهزم حزب الله.

في هذه الأيام يعزز الجيش الإسرائيلي قواته في هضبة الجولان خوفا من أن يحاول الجهاد الإسلامي المتطرف الذي سيطر على سوريا التسلل الى هضبة الجولان أيضا. وبسبب نقص شديد في القوات عزز الجيش الإسرائيلي قواته في هضبة الجولان بجنود اخذهم من قواعد التأهيل ودفع بهم الى حدود الهضبة وهكذا فانه يمس بشدة بتأهيل الجيل الشاب للحرب. 

في السنوات الأخيرة يكرر هذا السيناريو نفسه بتواتر المرة تلو الأخرى، ونما جيل غير مهني فقد فصولا كاملة في تأهيله المهني. كما أن الجيش يدفع الى هضبة الجولان بكتائب من النظامي والاحتياط قاتلت منذ سنة ومطلوب ترميمها من الأساس. كل هذا يحصل لانعدام البديل بسبب النقص الشديد بالقوات البرية. 

تصوروا ان تندلع الان جلبة واسعة في يهودا والسامرة، انتفاضة ثالثة، وفي نفس الوقت يبدأ عشرات الاف المتطرفين العربدة في مدننا وبلداتنا ولم اذكر بعد جبهات أخرى مثل سوريا التي ثورة الجهاد المتطرف هناك هي من اضلاع القاعدة. هؤلاء الثوار هزموا منذ الان حكم الأسد وسيكونون اخطر على إسرائيل بعشرات الاضعاف من النظام الذي سقط. 

صحيح أن احتلال الجهاد المتطرف لسوريا يقطع قسما من تهديد الطوق على إسرائيل الذي اقامته ايران مع حكم الأسد من سوريا وحزب الله في لبنان، لكن قد ينشأ بدلا منه تهديد اكبر بعشرات الاضعاف على إسرائيل على طول حدودها الأطول، يشمل سوريا والأردن، اذا ما سيطر الجهاد المتطرف على الأردن أيضا. 

الاستنتاج هو واحد ليس إلا – لا يهم ما يحصل في الشرق الأوسط في السنوات القريبة القادمة، الجيش الإسرائيلي سيكون ملزما بان يوسع الجيش البري جدا وبشكل فوري ويخلق توازنا أصح بين الطائرات وبين عناصر المنظومة الأخرى، كسلاح الصواريخ، الليزر القوي، شراء عشرات الاف المُسيرات، ومضادات الطائرات متعددة الفوهات وغيرها. ان توسيع الجيش البري وشراء وسائل قتالية جديدة سيسمح للجيش بقدرات دفاعية وهجومية اكثر بكثير.

من شأن الجهاد المتطرف ان يحاول السيطرة على الأردن أيضا بمساعدة الأغلبية الإسلامية السُنية المطلقة التي تعيش فيه وتعارض نظام المملكة الأردنية الهاشمية، الذي يترأسه ملك الأردن. حتى لو لم يتحقق هذا السيناريو الكابوسي بشكل كامل، فان التهديد على إسرائيل كان هو اليوم لا يسمح للجيش الإسرائيلي بالقدرة على الصمود في حرب شاملة متعددة الساحات تنفجر بكل قوتها. لحظنا، هذا اليوم ليس الوضع بعد، لكن من شأنه أن يقع في المستقبل الأقرب أو الابعد.

منذ نشوب الحرب استخلص سواء المستوى السياسي ام المستوى العسكري الدرس بوجوب التكبير الفوري للجيش البري لكن شيئا لم يحصل في هذا الشأن. الحكومة تطالب بلطف لكن لا يوجد من يستجيب بلطف. حكومة إسرائيل تواصل استثمار معظم ميزانية الدفاع في الطائرات، وتكاد لا تكبر الجيش البري ولا تستثمر في وسائل القتال الضرورية جدا لنا في الحرب. هذا السلوك يضعنا امام هوة، على مسافة خطوة من طريق لا رجعة منه. 

———————————————

هآرتس 9/12/2024

نهاية نظام الأسد

بقلم: تسفي برئيل

انتشار قوات الجيش الاسرائيلي في المنطقة منزوعة السلاح في هضبة الجولان، والسيطرة على جبل الشيخ في الجانب السوري ومهاجمة اهداف عسكرية في سوريا، كل ذلك ربما هو المميز الاول لخارطة سوريا الجديدة، التي يتوقع أن تتطور في الفترة القريبة القادمة. اسرائيل ليست الوحيدة التي بدأت في اعادة ترسيخ نفسها امام سوريا وتغيير خارطة تموضعها العسكري في سوريا لصالحها. 

أمس (الاحد) نشر بأن مليشيات مؤيدة لتركيا، التي تنتظم في منظمة “الجيش الوطني السوري”، (احفاد تنظيم “جيش سوريا الحر”، المليشيا العسكرية الاولى والاكبر التي تشكلت في بداية التمرد في سوريا في 2011)، قد سيطرت على مدينة منبج في غرب نهر الفرات، التي تتركز فيها قوات كردية كبيرة لتنظيم “قوات سوريا الديمقراطية”، عالقة في مركز خطة سيطرة تركيا على المحافظات الكردية في سوريا التي تشمل اقامة قطاع امني في الاراضي السورية.

مليشيات وقوات شعبية غير منظمة سيطرت على مدينة السويداء ومدينة درعا في جنوب سوريا، ومدينة القنيطرة على الحدود مع اسرائيل، وهي من شأنها أن تطالب وتؤسس فيها “حكم ذاتي”. يبدو أن سوريا في هذه المرحلة اصبحت “ارض الامكانيات غير المحدودة” لكل قوة مسلحة، في الداخل وفي الخارج، التي ستحاول السيطرة على مناطق جغرافية ومواقع عسكرية من اجل ترسيخ الحقائق على الارض قبل استقرار في دمشق نظام مركزي ومحاولة اقامة دولة موحدة تحت سلطة متفق عليها. 

أبو محمد الجولاني، الذي تخلى أمس عن اسمه السري وعاد الى اسمه الحقيقي، احمد الشرع، أمر مقاتليه بعدم المس بالمباني الحكومية، والحفاظ على الممتلكات العامة والحذر من حملة انتقام ضد اجهزة نظام الاسد والمدنيين الذين تعاونوا معه، بالاساس من ابناء الطائفة العلوية. ولكن يبدو أن سيطرته على غضبه وعلى مشاعر الانتقام محدودة. المقارنات التاريخية هي موضوع مضلل وخطير، لكن لا يمكن عدم تذكر المشاهد القاسية في الايام الاولى لاحتلال العراق في 2003. الجمهور اندفع في حينه الى الوزارات الحكومية ومئات الاشخاص من حزب البعث قتلوا في حملة انتقام على يد المواطنين والعصابات. المتحف الوطني تم نهبه والجريمة اصبحت ظاهرة جماهيرية حتى قبل بدء موسم العمليات الكبيرة وقبل تجذر تنظيم القاعدة في الدولة. 

ليبيا اظهرت مظاهر مخيفة خاصة بها، عندما ومع طرد وقتل الرئيس معمر القذافي في 2001، تمزقت في صراعات قوة قاتلة بين القبائل والعائلات، الامر الذي تطور الى مواجهات سياسية وعسكرية أحبطت وتحبط حتى الآن امكانية اقامة دولة موحدة قادرة على العمل. في سوريا توجد كل العوامل لوصفة مشابهة.

الطريقة الروسية

لقد كانت للجولاني خطة عسكرية ناجعة، التي حسب قوله تم الاعداد لها لاشهر كثيرة وربما حتى سنوات. وقد عرف كيفية استغلال بشكل جيد الخطأ الروسي الاستراتيجي، التي خلقت في ادلب تجمع كبير من المسلحين الذين انتقلوا اليها من محافظات ومدن سوريا كجزء من عملية “المصالحة” مع قوات متمردين محلية، التي قامت باملائها موسكو. هذه الطريقة كانت فرض حصار متشدد على المدينة أو المحافظة التي عمل فيها المتمردون المسلحون، واقتراح عليهم نزع سلاحهم أو الاجلاء الى ادلب. النتيجة كانت أن عشرات آلاف المسلحين من عدة محافظات ومن خلفيات مختلفة وجدوا انفسهم في محافظة واحدة يعيش فيها 4 ملايين شخص تقريبا.

هذه المحافظة وفرت للجولاني المداخيل المطلوبة لتمويل نشاطات مليشياته، وتطوير وسائل قتالية دقيقة وادارة مدنية للمحافظة تحت حكم “حكومة الانقاذ” التي شكلها مع خمس مليشيات كبيرة اخرى. الجولاني، الذي تمتع بالدعم من تركيا وعدد من مليشياته حصلت على التمويل من قطر، قرأ جيدا الخارطة السياسية التي تطورت في ظل الحرب في قطاع غزة، ووجد التوقيت المناسب لشن الحرب، في اليوم الذي دخل فيه الى حيز التنفيذ وقف اطلاق النار بين اسرائيل ولبنان وحزب الله. ولكن من اجل الوصول الى مكانته كقائد اعلى للمليشيات في ادلب فقد ادار حرب ضروس وحشية ضد الخصوم في الداخل، وفي السنة الاخيرة اضطر الى مواجهة عصيان مدني داخلي في ادلب. التمرد شمل مظاهرات احتجاج للجمهور ضد فساد “حكومة الانقاذ”، والضرائب الكبيرة التي فرضت على المواطنين وعلى المصالح التجارية وضد المس المنهجي بالممتلكات الخاصة وابناء الاقليات.

لكن ادارة المحافظة لا تشبه ادارة دولة معقدة ومنقسمة، التي تحمل شحنة ضخمة من حسابات الماضي، ليس فقط بين المواطنين والنظام، الذي قام بذبح اكثر من نصف مليون من المدنيين وجعل اكثر من 11 مليون لاجئين أو مهجرين، بل ايضا بين اجزاء السكان: العلويين ضد السنيين، الاكراد ضد العلويين، ابناء النخب ضد الفلاحين أو الحضريين الذين تم انتزاع كل ممتلكاتهم منهم. عداء شديد تطور ايضا بين هيئات المعارضة المدنية، مثلا بين “حكومة الانقاذ” التابعة للجولاني و”الحكومة المؤقتة” التابعة لائتلاف قوات المعارضة، وبينها وبين الحكم الكردي الذاتي الذي تشكل في المحافظات الكردية في شمال سوريا.

من الذي سيدير الدولة؟

نظريا، من يحمل السلاح، أي الجولاني، هو الذي يمكنه املاء تركيبة الحكومة الجديدة وتقرير شكل الدولة السورية الجديدة. ولكن السلاح يوجد في يد الجميع ولا حاجة الى جيوش منظمة، مثل جيش “هيئة تحرير الشام”، من اجل وقف عملية البناء السياسية. في سوريا، العراق، اليمن والسودان، وبعض الدول الاخرى، تم تسجيل فصول مظلمة ودموية في تاريخ الصراع على بناء دولة. وفي سوريا مطلوب الآن بناء دولة من البداية. إن الاطلاع على المقابلات ومحادثات الجولاني خلال السنين يظهر أنه مقابل التصميم والثقة بالقدرة على اسقاط النظام، لم يقم بطرح خطة سياسية دستورية واقتصادية، التي بحسبها يطمح الى تأسيس الدولة بعد الاسد. من غير الواضح مثلا ماذا سيكون مصير الجيش السوري والشرطة وجهاز القضاء؛ هل سيتم حل البرلمان؛ هل ومتى ستكون انتخابات ومن أين ستأتي ميزانية الدولة. قبل بضعة ايام الجولاني قال بأنه مستعد لحل المليشيا الخاصة به بعد اسقاط النظام. هذا تصريح جيد خرج من فم الشخص الذي عمل على التخلص من صورة المتعصب المسلم، الذي يثير الشك، الخوف وحتى الرعب، في اوساط الجمهور السوري الواسع الذي تربى في احضان حزب البعث العلماني. ولكن مثلما يعرف السياسيون في العراق وفي لبنان وفي ليبيا فان المليشيات العسكرية الخاصة هي وسيلة حيوية لمن يريد التأثير، ناهيك عن الحكم.

السؤال الحاسم الذي يمكن أن يؤثر الآن على طبيعة سوريا والتوجه السياسي يتعلق بمصادر التمويل. سوريا دولة مفلسة، الليرة السورية انخفضت أمس بنسبة 46 في المئة في دمشق، و65 في المئة في حلب، ميزانية الدولة هي ورقة لا قيمة لها، الاستثمارات الاجنبية غير موجودة، باستثناء المشاريع التي تسلمتها شركات ايرانية وهي تعتبر جزء من دفع دين سوريا لايران، الذي يقدر بـ 30  مليار دولار. الاعتماد الذي منحته للاسد لم يعد موجود، والعقوبات الامريكية والدولية التي فرضت على اسرائيل تمنع استثمارات شركات دولية، ومنظومة البنوك محطمة، حقول النفط التي يسيطر على معظمها الاكراد، ويبدو أنها ستعود الى سيطرة الدولة، بحاجة الى اعادة ترميم عميقة مثل كل البنى التحتية في الدولة.

لكن بالذات العقبة الاقتصادية هي التي ستقرر الى أين ستتجه سوريا. على صورة “ارض الامكانيات غير المحدودة” المتحررة من قبضة ايران وروسيا، فان دمشق تخلي الساحة لدول المنطقة والدول الغربية، التي حتى الآن كانت تشاهد من بعيد، أو تابعت من قريب التطورات. هذه الدول لم تكن في الساحة عندما ذبح الاسد ابناء شعبه ولم تعمل ضد النظام المخيف باستثناء التنديد وفرض العقوبات التي لم تساعد حقا في تغيير اسلوب الاسد. 

اضافة الى ذلك في السنة الاخيرة اعادت الدول العربية الاسد الى احضانها، وعدد من الدول الاوروبية حتى فحصت تطبيع علاقاتها مع نظامه وعرض الدولة كـ “مكان آمن” من اجل التمكن من اعادة ملايين اللاجئين السوريين الذين يوجدون فيها الى بيوتهم. هذه الدول، مثل كل العالم، كانت غير مستعدة للانقلاب المضاد الذي نفذه المتمردون. وازاء محاولة بذل الجهود “لبناء الامة” في افغانستان، العراق وليبيا، يمكن تفهم “موقف المشاهد” الذي تتبعه الآن. ولكن من هذا الموقف هي لا يمكنها التأثير وتوجيه تبلور نظام جديد في سوريا.

السعودية، مثلا، فهمت بشكل متأخر جدا أنها فقدت العراق لايران قبل البدء في نسج العلاقات السياسية والاقتصادية مجددا مع بغداد. الولايات المتحدة يمكنها مساعدة لبنان في النجاة من الازمة الاقتصادية الشديدة فيه لو أنها سمحت لمصر والاردن ببيعه الكهرباء، التي تم حرمانه منها فقط لأن خطوط الكهرباء تمر في سوريا. الرافعة الاقتصادية التي يمكن أن توجد في سوريا لدول الخليج الغنية والدول الغربية ليست فقط فرصة اقتصادية أو سياسية، بل هي تتعلق مباشرة بالامن الاقليمي الذي يحتاج سلطة ناجعة ومستقرة. وازاء الخطر الذي يوجد في سوريا فانه سيتطور نظام مليشيات يغرق في حرب العصابات. 

———————————————

يديعوت احرونوت 9/12/2024

خيانة طهران الكبرى

بقلم: سيفر بلوتسكر

سقوط بيت الأسد في سوريا هو نتيجة حرب ايران – إسرائيل الأولى، التي انتهت بهزيمة متطرفة للنظام في طهران. تقع الهزيمة على وجه الشرق الأوسط وما وراءه، وتسرع تصفية الحلم الامبريالي للاخطبوط الإيراني متعدد الاذرع.

لقد اختارت القيادة في طهران سحب يدها من المساعدة العسكرية الحقيقية لحركات الإرهاب الإسلامية التي اعتمدت على مساعدتها عند الاختبار، وتركتها لمصيرها. أي لإسرائيل. حماس تركت، حزب الله ترك وفوق الجميع ترك الفلسطينيون: اصبع واحدة لم تتحرك في أرجاء ايران في محاولة للعمل على انهاء الحرب في غزة، التي كلفت حياة الكثير جدا من الفلسطينيين. الى قائمة خيانة النظام الإيراني لوكلائه وحلفائه ظاهرا ينضم الان الأسد في سوريا. علي خامينئي، الزعيم الروحي الأعلى، لم يتردد في هجره هو أيضا، مثلما هجر نصرالله والسنوار. 

صحيح أن ايران هاجمت إسرائيل مرتين بالصواريخ والمُسيرات، لكن ليس كي تساعد حماس او حزب الله بل كي تدافع عن الكرامة المهانة للحرس الثوري. ولم تثبت الهجمات الا ضعفها العسكري العميق. بعد اكثر من 45 سنة من استيلاء الخميني وحملة علم الثورة الإسلامية الحكم، انكشف عجزهم اذ لم ينجحوا في الدفاع عن سماء الدولة وعن المنشآت الأكثر أساسية في وجه سلاح الجو الإسرائيلي. في الأسبوع الماضي اجمل الصورة الصحافي الأمريكي الرائد توم فريدمان في مقال طويل ومعلل في صحيفته “نيويورك تايمز” فقال: “هزيمة ايران امام إسرائيل مثلها كمثل هزيمة الأردن، سوريا والأردن في حرب الأيام الستة. ليس أقل من هذا”. 

الجدول الزمني هام لفحص الاحداث. في 14 نيسان من هذا العام هاجم النظام الإيراني إسرائيل بنحو 200 صاروخ من أنواع مختلفة. العملية فشلت تماما بفضل دفاع جوي استثنائي لإسرائيل وحلف غربي – عربي ضم الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، الأردن، مصر ودول أخرى. انقضى شهر ورئيس ايران في حينه إبراهيم رئيسي، الممثل الواضح للجناح المتطرف، المحافظ والهجومي في النظام – لاقى حتفه المفاجيء والغريب في مروحية تحطمت في الجبال (وطريق الوصول اليه سد ليوم. كثيرون في عالم الاستخبارات يعتقدون بان هذه كانت تصفية سياسية إيرانية داخلية. ويؤكد هذا الاعتقاد السرعة التي أجريت فيها في ارجاء ايران انتخابات جديدة للرئاسة رفعت الى الحكم مسعود بزشكيان، سياسي هامشي يعتبر “إصلاحي”. بزشكيان تَوجهُ خامينئي نفسه واعلن عن نهاية عصر التوسع الامبريالي لإيران وتغيير حاد في سلم الأولويات من الحرب الى الاقتصاد. 

والان، الذروة: ايران ادارت ظهرها لنظام الأسد في سوريا وسلمت بلا رحمة بسقوطه. لا يمكن التقليل من أهمية هذه الخطوة: فمثلها كمثل تخلي الاتحاد السوفياتي عن السيطرة الشيوعية في أفغانستان في 1988 والذي أدى في غضون وقت قصير الى (للمفاجأة التامة لكل أجهزة الاستخبارات الغربية بما فيها الموساد – في حينه مثلما في مثل هذا الأسبوع) الى انهيار الشيوعية السوفياتية كلها. الدوافع كانت في معظمها اقتصادية. مثل الإمبراطورية الإيرانية، هكذا الإمبراطورية السوفياتية لم تتمكن، تحت نظام العقوبات الدولية – من تمويل الكلفة العالية للامن التكنولوجي العسكري، الى جانب ضمان مستوى معيشي معقول للمواطنين. التوقعات التي نشرها في أيلول هذه السنة البنك الدولي عن التداعيات الاقتصادية الهدامة لمشاركة ايران في الحروب في الشرق الأوسط وضعت حكامها، وبخاصة الزعيم الروحي الذي يتطلع الى نقل صولجان الزعامة الى ابنه، امام الخيار إياه: إما جهد أخير لتحسين مستوى معيشة 90 مليون مواطن يعانون من الجنون الامبريالي، او التورط في حروب باهظة الثمن، بعيدة وجد غير شعبية – ضد إسرائيل ايضا –  في نهايتها هزيمة مؤكدة. اختبار النتيجة اختاروا، وان كان بتأخير عقود ويحتمل بتأخير فتاك، انقاذ الاقتصاد، وتركوا حفظ الإمبراطورية الى ما بعد ذلك، اذا كانوا سيحفظونها.

في ضوء هذه التحولات العظيمة مرغوب فيه ان تعيد إسرائيل النظر في عموم السيناريوهات السياسية والأمنية لديها وأسس الاستراتيجية القومية. هذا عبثي لكنه واقعي: امام عاصفة انعدام اليقين المتعاظم في محيطنا فان ما كان لن يكون. 

———————————————

إسرائيل اليوم 9/12/2024

سوريا بعد الأسد: المعركة على الشرق الأوسط من جديد

بقلم: يوآف ليمور

من الصعب على المرء الا يدهش بسقوط نظام بشار الأسد: فليس في كل يوم نحظى برؤية النهاية العادلة لطاغية كان مسؤولا عن أسوأ الجرائم التي ارتكبت في القرن الحالي. 

السرعة التي حصل فيها هذا وحقيقة ان في الطريق كاد لا يكون قتال، تزيد الدهشة فقط. كل أجهزة الاستخبارات في الغرب (وعلى ما يبدو في الشرق أيضا) اُمسك بها غير جاهزة في ضوء تفكك جيش الأسد الذي أدى الى انهيار النظام. للاستخبارات الإسرائيلية هذه دعوة صحوة واجبة: هو ما كان ملزما بان يعرف كل التفاصيل عن استعدادات الثوار لكنه كان ملزما بان يستعد على نحو افضل لضعف النظام السوري. خير يفعل الان الخبراء في شعبة الاستخبارات “امان” وفي الموساد اذا ما حشدوا أفضل العقول والقوى كي لا يتفاجأوا مرة أخرى في ساحات تقلق إسرائيل على نحو خاص.

ثمة غير قليل من مثل هذه الساحات. في سوريا مثلا ستكون موجات صدى ليس فقط في سوريا ذاتها بل في كل ارجاء الشرق الأوسط وما وراءه. فانهيار النظام وصعود قوة سُنية متطرفة يوفران فرصا لإسرائيل وحلفائها لكنهما ينطويان أيضا على مخاطر لا بأس بها. 

القلق الفوري هو في هضبة الجولان. فقد دخل الجيش الإسرائيلي امس الى المنطقة المجردة من السلاح واستولى على مواقع في جبل الشيخ السوري أيضا كي يحسن الموضع للمستقبل. هذا استمرار لعملية تحسين التحصينات في جبهة توجد منذ بضعة اشهر لاجل منع تسلم في نمط 7 أكتوبر يستند في أساسه الى سيارات التندر. لهذا الغرض حفرت قنوات عميقة من المعقول الان ان تكثف بقوات وبوسائل أخرى وكذا بوجود دائم في الجولان السوري – على الأقل الى أن يستقر الوضع في سوريا ويتضح من هو رب البيت وما هي نواياه. 

ظاهرا، ليس للتنظيم الذي سيطر على سوريا، هيئة تحرير الشام، مصلحة في إسرائيل، ولديه اوجاع رأس اكبر قبل أن يتفرغ للقتال ضد القوة الأكبر في المنطقة. لكن الـ 14 شهرا الأخيرة علمت إسرائيل بانه محظور عليها أخذ المخاطر: ولهذا فقد هوجمت أيضا ليلة أول امس اهداف مختلفة في سوريا، كان تخوف من أن تقع محتوياتها في أيدي الثوار بما في ذلك مخزونات سلاح ومصانع لانتاج السلاح. لمن نسي، فان سوريا كانت تحوز في الماضي مخزون السلاح الكيماوي الأكبر في العالم، الذي وان كان معظمه اخرج من نطاقها لكن العلم والخبراء بقوا في سوريا ومشكوك أن يكون احد ما يعرف ان يتنبأ كيف سيتصرف الحكم الجديد اذا كانت في جعبته لا سمح الله قدرة غير تقليدية. متابعة هذه القدرات وتدميرها عند الحاجة يجب أن تكون هدفا اعلى لإسرائيل، والى جانب التأكد من الا ينتج الثوار سلاحا إضافيا من شأنه أن يتحدى إسرائيل في المستقبل. 

الحاكم الجديد

وتوجد هموم أخرى أيضا. ابرزها هو ما سيحصل الان للاردن الذي هو الاخر يعاني من حكم مهزوز ومن مشاكل داخلية كثيرة (في الانتخابات الأخيرة في المملكة الشهر الماضي حصل الاخوان المسلمون على انجاز ذروة لاكثر من 20 في المئة في البرلمان). معقول ان تكون الان غير قليل من الجهات ستسعى لمواصلة الانجراف جنوبا، الى الأردن، في ظل ضعضعة الحكم فيه من الداخل ومن الخارج. على إسرائيل أن تمنع هذا، لانه اذا ما استقر على حدودها الشرقية، الأطول، حكم ينتمي للجهاد العالمي، حتى لو كان زعيمه يحاول اظهار وجه معتدل – من شأن هذا ان يكون كابوسا أمنيا يجب منعه بكل سبيل، بما في ذلك بمساعدة عسكرية فاعلة للاردن منعا لسقوطه.

استمرارا لذلك معقول أن تكون الأنظمة السُنية الأخرى في المنطقة خائفة الان – من مصر التي ترى كيف يرفع الاخوان المسلمون الرأس في اعقاب انتصار اردوغان – سيد الثوار في سوريا – وحتى السعودية والامارات. فلو كان يخيل قبل أسبوع فقط بان التحدي الأكبر الذي بانتظار هذا المحور هو ايران، فان بانتظاره الان تحديا إضافيا من جانب السُنة المتطرفة التي تشكل تهديدا هاما لأول مرة منذ عقد. 

إضافة الى ذلك، ليس واضحا اذا ما ثارت الان الجهود للتوحيد بين سوريا والعراق (اسم التنظيم، الشام، يلمح بذلك) وماذا سيكون على جماهير المؤيدين الصامتين للجهاد العالمي الذين ضربوا قبل عقد في الشرق الأوسط وفي ارجاء العالم. هل أوروبا والعالم يقفان امام موجة جديدة من الإرهاب يستوجب منهم العودة للقتال في الشرق الأوسط بخلاف مخططاتهم المعلنة (بما في ذلك امس) لترك الأمور في سوريا تجري بذاتها؟

معقول ان يسعى الحاكم الجديد لسوريا أبو محمد الجولاني (الذي اصل عائلته من الجولان: سبب آخر للقلق) قبل كل شيء أن يثبت سيطرته في سوريا. على الطريق ستكون له تحديات عديدة لان الدولة تتمزق الان بين جملة قوى – سُنة، علويين، دروز واكراد. هذا الانقسام جيد لإسرائيل، التي ستبحث بالتأكيد عن حلفاء من بينهم. بعضهم طبيعيون مثل الاكراد والدروز وان كانت المنظمات السنية أيضا اثبتت قبل عقد ممارسات عديدة حين عرفت كيف تتعاون بشكل خفي مع إسرائيل للمنفعة المتبادلة. 

دحر ايران في الزاوية

الى جانب أوجاع الرأس هذه، يوجد في المستوى الحالي أيضا غير قليل من الفرص، أساسها هي كسر طوق النار الذي فرضته ايران حول إسرائيل والذي كانت سوريا حجره الأساس. الإيرانيون نقلوا السلاح عبر سوريا في الجو، في البر وفي البحر، استخدموا منشآتها لانتاج وتخزين السلاح وعمليا فعلوا فيها ما يشاءون – مقابل انقاذهم نظام الأسد في العقد الماضي. والان فقدوا ليس فقط معقلا مركزيا بل وأيضا محور التعزيز الأساس لحزب الله الذي على أي حال يوجد في الدرك الأسفل الأصعب في تاريخه. اذا عرفت إسرائيل كيف تصون الاتفاق الذي تحقق قبل أسبوعين وتمنع نزول حزب الله الى جنوب لبنان وتعاظم قوة الحزب يحتمل أن نكون نوجد في بداية عصر جديد في لبنان أيضا. 

لكن في دحر ايران الى الزاوية يكمن خطر أيضا: فهي كفيلة بان تغرى للاقتحام نحو النووي. على أساس الكمية الكبيرة من اليورانيوم المخصب الذي جمعته (التي تكفي حسب الخبراء لنحو 10.5 قنابل). على إسرائيل ان تتعاون مع الولايات المتحدة كي تتأكد من الا يحصل هذا، وعند الحاجة ان تعمل عسكريا كي تردع ايران أكثر فأكثر. الامريكيون سينتظرون بالتأكيد تبادل الحكم في 20 كانون الثاني، لكن الإدارة المنصرفة هي الأخرى سترغب في تنفيذ تعهدها الا تسمح لإيران بالتحول النووي في ورديتها. 

ان انهيار المحور الإيراني واساسا امتناع ايران عن مد اليد للاسد، كان إشارة الى أنه عند الضائقة تهجر اصدقائها. تصرفت روسيا مثلها على خلفية حربها في أوكرانيا، وهي أيضا تفقد أساس نفوذها في الشرق الأوسط. اذا عرفت الولايات المتحدة كيف تستغل هذا لرفع مستوى نفوذها، فسيتعزز المحور المعتدل اكثر في مواجهة التحديات التي تنتظره الان. 

ان هذه التقلبات الدراماتيكية تجد إسرائيل في ذرة هزة داخلية لا تتوقف، فيما يكون جهاز الامن وقادته عرضة لهجوم دائم من أعضاء الحكومة والائتلاف. هذا في الوقت الذي يكون فيه جهاز الامن موضع في ايدي وزير دفاع غِر وحين يكون رئيس الوزراء مشغولا بالجهود لتأجيل شهادته في محاكمته. 

الكتاب الذي بعث به أعضاء الكابنت الى المحكمة مطالبين بتأجيل الشهادة كان منطقيا لو لم يتنكر هذا المحفل نفسه – الذي يتحدث الان عاليا عاليا باسم أمن الدولة – لمسؤوليته وامتنع عن الاستماع الى التحذيرات التي وضعت امامه عشية 7 أكتوبر. 

———————————————

هآرتس 9/12/2024

رسالة “المخطوفين” للإسرائيليين: لا تتركونا ندفع ثمن أخطاء “الكذاب” وزمرته

بقلم: أسرة التحرير

لأول مرة منذ 7 أكتوبر يعترف رئيس الوزراء نتنياهو أمس، بأنه يفهم أيضاً بأن المخطوفين لن يعودوا إلا بصفقة. هكذا روى أبناء عائلات المخطوفين الذين التقوه. على حد أقوالهم، قال لهم نتنياهو إنه مستعد لوقف نار للدفع قدماً بإعادة مخطوفين، وأضاف أن “ما نجح في الشمال سينجح في الجنوب”.

لو لم يكن الحديث يدور عن كذاب مريض، لأملنا شيئاً من أقوال نتنياهو. غير أن التجربة تفيد بأنك لكي تعرف ما سيفعله نتنياهو – يجدر بك ألا تنصت لأقواله، بل وتتابع الضغوط التي تمارس عليه.

حتى الآن، أملى اليمين وضغوطه الائتلافية مصير المخطوفين؛ والمقصود، تركهم لمصيرهم. وبالفعل، في كل مرة تحقق فيه تقدم نحو مفاوضات، وفي ضوء المعارضة من جانب اليمين المتطرف لوقف الحرب في قطاع غزة، “امتشقت” حاجة أمنية ما تفترض زعماً استمرار الحرب (كمحور فيلادلفيا مثلاً).

لا يخفي جهاز الأمن موقفه إلى جانب صفقة مخطوفين. فبعد تصفية قيادة حماس بما في ذلك تصفية السنوار، وتدمير قطاع غزة، بعد تصفية قيادة حزب الله بما في ذلك حسن نصر الله، وبعد وقف النار في الشمال وتفكيك “وحدة الساحات”- لم يعد ممكناً طمس الحقيقة بأن استمرار الحرب في قطاع غزة لا يستند إلى قضايا الأمن، بل إلى دوافع سياسية. نتنياهو يخاف أن يفقد ائتلافه، الذي يتشكل ضمن أحزاب أخرى من أحزاب معنية بتثبيت حكم إسرائيلي في قطاع غزة وتوطين اليهود فيه.

بدلاً من ملء ساعات كثيرة في محادثات ومباحثات مع مسيحانيين أمثال بن غفير وسموتريتش، يجمل بنتنياهو مشاهدة التوثيق الذي نشرته حماس ويظهر فيه المخطوف متان تسنغاوكر. “نموت في كل يوم ألف مرة. لا أحد يشعر بنا. يا شعب إسرائيل، لا تتركنا لمصيرنا. ما نزال أحياء ونريد العودة بسلام قبل أن نجن. العزلة قاتلة والظلام مخيف. ليس عدلاً أن ندفع ثمن أخطاء ارتكبتها حكومتنا. حان الوقت لوضع حد لعذاباتنا”. قال متان في شريطه القاسي.

مئة مخطوف يذوون اليوم في أنفاق حماس، نصفهم أحياء. وحسب جهاز الأمن، يزداد الخطر على حياتهم من يوم إلى يوم. وبالتوازي، فإن استمرار المس بحكم حماس المركزي ربما يفقدنا عنواناً يمكن الوصول معه إلى اتفاق والاستناد إليه للعثور على المخطوفين. نتنياهو ملزم بوضع حد لعذاب متان، وعذاب أمه، ولعذاب كل المخطوفين وأبناء عائلاتهم.

على الحكومة الدفع قدماً بصفقة مخطوفين الآن، بدون معاذير، بدون تأخيرات وبدون تضليل.

———————————————

  هآرتس 9/12/2024

“مضغوط نفسياً”.. نتنياهو على بعد خطوة من المنصة: هل تستسلم المستشارة القانونية؟

بقلم: غيدي فايس

 يصعب أن يخطر بالبال حادثة واضحة لاستخدام قوة الحكومة من أجل التشويش على الإجراءات القضائية أكثر مما حدث هنا عشية تقديم نتنياهو لشهادته في محاكمة ملفات الآلاف. الجمعة الماضي، كان هذا هو الجندي المخلص، الذي هو بالصدفة رئيس الكنيست أمير أوحانا، الذي طالب بعملية شفافة، وتأجيل تقديم رئيس الحكومة لشهادته بذريعة أن وقت الجلسات غير مناسب. والسبت، انضم أعضاء الكابنت إلى السيرك المتنقل. ففي المنتدى الذي يجب أن ينشغل بقضايا سياسية وأمنية مصيرية، لم يمنع رئيس الحكومة المجرم المتسلسل بن غفير، والمتهمة ميري ريغف، والمشتبه فيهماً سابقاً كاتس وسموتريتش، من إلقاء الرعب على غالي بهراب ميارا.

بقي نتنياهو في مكانه أيضاً بعد أن قال سموتريتش إنه لا يمكنه المشاركة في الجلسة المتعلقة به. وإذا كان هناك من هو بحاجة إلى دليل على أن الجوقة قد أُعدت مسبقاً من أجل الحفل الموسيقي، فقد وفر هذا الدليل الوزراء عندما أكدوا في بداية أقوالهم على أنهم لم ينسقوها مع نتنياهو. ولكنهم خلال أشهر، تجاهلوا جميع التحذيرات وجلبوا لإسرائيل مذبحة 7 أكتوبر، وأوضحوا بأنهم يخشون المس بأمن الدولة.

من صم أذنه هو جدعون ساعر، الذي عيّن المستشارة القانونية للحكومة في هذا المنصب وبادر إلى تقديم مشروع قانون استهدف منع المتهم بمخالفات جنائية من تولي منصب رئيس الحكومة. إن انضمامه للحكومة هو ما مكن من مهاجمة المستشارة القانونية للحكومة، وموجة التشريع التي استهدفت تأسيس سلطة الفرد في إسرائيل. “هو لاحظ أن نتنياهو في وضع صعب، وأن قانون التجنيد يقوض استقرار الائتلاف. وبدلاً من إسقاطه، منحه وجبة أوكسجين”، قال مصدر سياسي. بعد ذلك، وفي إطار حملة التذلل المتواصلة للقاعدة، انضم ساعر لدعوات تأجيل تقديم الشهادة عقب سقوط نظام الأسد، ودعا بهراف ميارا إلى الاستجابة لطلب معقول قدمه نتنياهو.

حسب شخص يعرف نتنياهو جيداً، فإن مشاهد الرعب في الكنيست جزء من ضغوط مباشرة وغير مباشرة يستخدمها في محاولة التهرب من تقديم الشهادة. “هو مضغوط نفسياً ومستعد لتجاوز كل الحدود”. وقال آخر: “يجلس وزراء في الكابنت، الذين يكرسون جزءاً كبيراً في النقاشات للضغط النووي على المستشارة لتأجيل شهادة المتهم. يجب أن يرفق بالالتماس الرسم البياني لهذه الجلسة من أجل إخراج نتنياهو إلى العجز”.

في الأسبوع الماضي، رفضت المحكمة العليا هذا الالتماس. “حقيقة أن رئيس الحكومة في إسرائيل سيكون على منصة الشهود في المحكمة لتقديم شهادته خلال فترة معينة، والذي قد يكون متورطاً في أمور المحاكمة في الوقت الذي لا يكون متواجداً في المحكمة، تخلق صعوبة”، كتبت القاضية روت رونين. “حسب رأيي، هذه الصعوبة لا تكفي وحدها لنستنتج بأنه غير مؤهل لتولي منصب رئيس الحكومة في هذه المرحلة”.

غابت عن رونين ومقدمي الالتماس نقطة مهمة، وهي أن العجز في أداء نتنياهو قصة ثانوية، والموضوع هو العجز في الجوهر. في هذا السياق، فضلت المحكمة والمستشارة القانونية للحكومة نفسها، غض النظر. فعندما شرعت المحكمة ولايته وعدت الجمهور بأن سوراً صينياً سيفصل بين رئيس الحكومة والمتهم، وأن التوازنات والكوابح بين السلطات ستمنعه من التدخل في محاكمته. “لن نسمح للحصن أن يسقط”، قالت استر حيوت، ولوح القضاة بتسوية تضارب المصالح لرئيس الحكومة كضمانة كي لا يحطم الأدوات. ولكن كل من يعرف نتنياهو، ستبدو النهاية معروفة. لن يترك نتنياهو إشارة ضوئية حمراء إلا ويقطعها للوصول إلى الهدف.

الإخراج إلى العجز هو سلاح يوم الدين، هو مس شديد بإرادة الناخب. ولكن عندما تقف الديمقراطية أمام التهديد الوجودي فعليها الدفاع بكل الوسائل التي لديها. في 2008 كتب قضاة المحكمة العليا عن التماس قدم لإخراج إيهود أولمرت إلى العجز بأنه “إذا تبين أن سلوك رئيس الحكومة لا يسمح بإجراء تحقيق جنائي ضده بشكل مناسب، فثمة مكان لإعلان المستشار القانوني للحكومة عن عجز رئيس الحكومة المؤقت”. الوضع الذي نحن فيه الآن أخطر. ففي جهود تخريب العملية الجارية ضده، حطم نتنياهو مفصل الديمقراطية في إسرائيل. وإذا لم تستيقظ المحكمة وبهراب ميارا فلن يتردد في توجيه الضربة القاضية لها. “مقدمو الالتماس لم يضعوا أي أساس واقعي يرسخ الذريعة للقول بأن نتنياهو لن يستطيع أداء دوره رئيساً للحكومة أثناء تقديم شهادته على منصة الشهود”، كتبت القاضية رونين في قرار الحكم. أحداث الفترة الأخيرة دليل آخر قوي على أن المتهم بمخالفات جنائية لا يمكنه مواصلة قيادة الدولة.

——————انتهت النشرة——————