
المسار : باريس- تحت عنوان “إسرائيل تفرض توسعها الخطير في الشرق الأوسط”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية في مقال تحليلي إنه في أعقاب صدمة السابع من أكتوبر، اغتنم اليمين الحاكم في القدس الفرصة لتدمير فلسطين، بينما يرسّخ الجيش الإسرائيلي وجوده في غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا.
لوموند: نتنياهو يلعب دور الرجل القوي، على رأس ائتلاف يزداد شبهًا بحزب واحد، في صراع مع “الدولة العميقة”. يبحث عن انتباه الرئيس ترامب ورضاه
وأضافت الصحيفة الفرنسية القول إنه بعد ثمانية عشر شهرًا من الهجوم الذي شنّته “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، باتت الدولة العبرية تتصرف كقوة توسعية بلا مواربة، إذ يحتل جنودها غزة من جديد، ويضمون فعليًا الضفة الغربية. كما أنشأوا منطقتين عازلتين خارج الحدود الشمالية، في لبنان وسوريا، حيث تقصف القوات الجوية الإسرائيلية بيروت، ويتمركز المشاة على بُعد أربعين دقيقة من دمشق. فلم يسبق لإسرائيل أن خاضت حربًا بهذه المدة، وعلى هذا العدد من الجبهات. ومع ذلك، تُواصل تصعيدها: فهي تهدد بضرب المواقع النووية الإيرانية، بل وتسعى لجرّ واشنطن إلى محاولة تغيير النظام في طهران.
حرب لا تنتهي
قال وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، في خطاب ألقاه في فبراير/شباط الماضي: “ سألت قادة جيشنا: ما الدرس الأهم من 7 أكتوبر/تشرين الأول؟ فقالوا لي إننا لن نسمح بعد اليوم لأي تنظيمات متطرفة بالوجود قرب حدود إسرائيل، سواء في غزة أو لبنان أو سوريا أو قرب المستوطنات”. وبعبارة أوضح: لم يعد هناك مجال لقبول فكرة أن “حماس” يمكن ردعها، ولا للسماح لـ “حزب الله” بتقوية ترسانته الصاروخية عامًا بعد عام.
الجنرالات لا يثقون حتى في أجهزتهم الاستخباراتية. يقولون إنهم يتصرفون قبل أن يتمكن العدو من تشكيل تهديد حقيقي، دون اعتبار لنواياه الفعلية. لعقد كامل، أطلقت إسرائيل على حملات القصف والتخريب التي شنتها في أنحاء الشرق الأوسط ضد شحنات الأسلحة ونقل التكنولوجيا العسكرية من إيران إلى حلفائها اسم “الحرب بين الحروب”، تواصل صحيفة “لوموند”.
لكن هذه الحملة تحوّلت اليوم إلى حرب لا تنتهي. إسرائيل تفرض منطق القوة الخالصة في المنطقة. لا تفاوض مع السلطة الفلسطينية، البديل الوحيد لـ “حماس”، ولا مع جيرانها اللبنانيين والسوريين، لرسم حدود ما تزال غامضة منذ نشأتها في عام 1948. بل على العكس، الدولة العبرية تواصل استغلال الوضع لمصلحتها.
فاليمين الحاكم في إسرائيل يحمل طموحات ثورية. بالنسبة له، يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول كان بمثابة مفاجأة إلهية. في ظل ارتداداته، يسعى لتدمير فلسطين. يدمر غزة، ويُسرّع حربًا استعمارية طويلة في الضفة الغربية. يحرق صفحة من التاريخ: اتفاقيات أوسلو للسلام الموقعة عام 1993، تقول صحيفة “لوموند”، مضيفةً أن إسرائيل لم تشعر أبدًا بالارتياح في إطار أوسلو، كـ “ديمقراطية ليبرالية” مثل باقي الدول، مدمجة في النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة. في أواخر التسعينيات، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يزال مضطرًا للتحدث بهذا الخطاب. فقد كان هذا هو ”اتجاه التاريخ”. أما اليوم، فلا يكاد يذكر “المعسكر الغربي” أو احترام الحدود وسيادة القانون. بل يفضل الحديث عن “الحضارة اليهودية-المسيحية”.
ومضت صحيفة “لوموند” معتبرة أن نتنياهو يلعب دور الرجل القوي، على رأس ائتلاف يزداد شبهًا بحزب واحد، في صراع مع “الدولة العميقة”. يبحث عن انتباه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورضاه، في وقت يحلم فيه هذا الأخير بابتلاع غرينلاند وكندا، ويشرعن شهية موسكو لضم أجزاء من أوكرانيا.
ترامب الراعي المتقلب
كما اعتبرت صحيفة “لوموند” أن دونالد ترامب هدية لليمين الإسرائيلي.. فهو يشترك معه في نفس المنطق التفوقي. بل ينظر في إمكانية الاعتراف بـ“السيادة” الإسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
منذ يناير/كانون الثاني، اقترح الرئيس الأمريكي تطهيرًا عرقيًا صريحًا في غزة. وقد لاقت عباراته صدى قويًا لدى الإسرائيليين الذين، بعد دفن أوسلو، عادوا إلى منطق “نحن أو هم”، ويقبلون بتدمير حياة مليوني فلسطيني في غزة.
لوموند: قضية الشرق الأوسط اليوم في يد حفنة من المسؤولين الأمريكيين الذين يفتقرون إلى الخبرة. وهم يتعاملون مع ملفات استهلكت حياة كاملة من خبراء سبقوهم، ولا وقت لديهم لفهمها
ومع ذلك، ما تزال إسرائيل تتساءل: إلى أي مدى يمكنها أن تجرّ دونالد ترامب؟ فهذا الراعي متقلب، وفق صحيفة “لوموند”، مضيفة أن السعودية تهمس في أذنه بإمكانية عقد صفقة تاريخية للسلام في الشرق الأوسط، إذا ما تنحى بنيامين نتنياهو عن السلطة. بل إن ترامب فرض، في يناير/كانون الثاني، وقفًا لإطلاق النار في غزة. لبضعة أيام، لم يكن يتحدث إلا عن رهينة أمريكي لدى “حماس”، إيدان ألكسندر. وكان يتعهد بتحريره. ولم يعد أي شيء آخر يبدو مهمًا في الشرق الأوسط. ثم انتقل إلى قضايا أخرى: أوكرانيا، إيران، غزة… الشرق الأوسط…
ورأت صحيفة “لوموند” أن قضية الشرق الأوسط اليوم في يد حفنة من المسؤولين الأمريكيين الذين يفتقرون إلى الخبرة. وهم يتعاملون مع ملفات استهلكت حياة كاملة من خبراء سبقوهم، ولا وقت لديهم لفهمها. أما إسرائيل، فلديها كل هامش المناورة لفرض إرادتها عليهم، وقد أعادت، في مارس/آذار، إشعال الحرب في غزة. ولم تجد تلك المجموعة من المسؤولين الأمريكيين ما ترد به.