إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية .. الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 27/4/2025

بيرتس يدمّر وسعادة يُجوّع ونحن نصفق.. وفقاً لـ”الوصايا”: “شرعنّا الإبادة وسفكنا دماء العرب”

بقلم: جدعون ليفي

كان متوقعاً. أصبح الخطاب نازياً جديداً. أزيلت الحدود واستبيحت الدماء. عضو الكنيست موشيه سعادة (الليكود) قال للقناة 14 إنه “يهتم بتجويع الناس: سأجوّع سكان غزة، نعم. هذا واجبنا”. كوبي بيرتس يعتقد، المغني المشهور، بأننا “مأمورون” بتدمير “العماليق”. “لا أشفق على أي شخص في غزة، سواء كان صغيراً أم كبيراً… لا ذرة رحمة عندي تجاههم”، هذا ما نقلته عنه صحيفة “يديعوت احرونوت” في مقال رئيسي (!) هذا الأسبوع. الاثنان، سعادة وبيرتس، طحالب على الجدار، لكنه جدار مليء بهذا الخطاب، وثمة من يهتمون بإظهاره، من أجل التملق للرأي العام الذي يفكر بهذه الطريقة. أي شخص عام في أوروبا، سواء كان مشرعاً أو مغنياً، يعبر عن نفسه بهذه الطريقة إزاء اليهود أو المهاجرين أو المسلمين، سيوصف بالنازي الجديد، وستنتهي حياته المهنية في يوم واحد، ونبذه وحظره إلى الأبد. هذا الخطاب يزيد من بيع الصحف.

يجب تسمية هذا الولد باسمه: تحريض على الإبادة الجماعية. يجب القول في صالح سعادة وبيرتس، بأنهما رفعا كل الأقنعة والمرشِحات. ما كان خطاب القمامة والشبكات الاجتماعية أصبح خطاباً إعلامياً سليماً. من هو مع الإبادة الجماعية ومن بقي ضدها. سعادة وبيرتس مع القتل الجماعي، وآخرون كثيرون مع “منع المساعدات الإنسانية” فقط، هي قطعة النقد ذاتها، ولكن بصورة مخففة فقط؛ نفس الوحشية ولكن بتهذيب فقط؛ نفس الوحشية. صحيح أن هناك أهمية لكشف الميول الفاشية الجديدة التي تتفشى في المجتمع الإسرائيلي، ولتمزيق الأقنعة أيضاً، لكنه كشفٌ يخلق لهذا الخطاب غير الشرعي الشرعية والاعتدال التي كانت تنقصه حتى وقت متأخر. من الآن فصاعداً، نعم ستقتل. سعادة وبيرتس يقولان بأن هذا من الوصايا. كل ما بقي هو التقرير من سنقتل ومن سنشفق عليه.

إلى جانب الكوارث الشخصية والوطنية الفظيعة، فقد قلب هجوم 7 أكتوبر المجتمع الإسرائيلي رأساً على عقب

شيئاً فشيئاً، يتم كشف أضرار الـ 7 من أكتوبر. إلى جانب الكوارث الشخصية والوطنية الفظيعة، فقد قلب هذا الهجوم المجتمع الإسرائيلي رأساً على عقب. فقد دمر، ربما إلى الأبد، بقايا معسكر السلام والإنسانية، وشرعن البربرية بحيث وصلت إلى درجة الأمر الإلهي. لم يعد هناك ما هو ممنوع ومسموح فيما يتعلق بالشر الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين. مسموح قتل العشرات من المعتقلين في الأسر، ومسموح تجويع شعب بأكمله إلى درجة الموت. ذات يوم، كانوا يخجلون من هذه الأمور، فقدان الخجل يفكك آخر العوائق.

لكن الأفظع ربما التفكير بأنه من الجدير بوسيلة إعلام متهكمة وشعبوية مثل “يديعوت أحرونوت”، (صحيفة الدولة) التي كانت تعرف روح قرائها دائماً، أن تبرز خطاب الإبادة الجماعية هذا. إبادة جماعية على الصفحة الأولى لا تشرعنه فقط، هذا ما يعرفه المحررون، بل يسر القراء أيضاً. أيال غولان ربما سيقاطع بسبب أفعاله، لكن من سيقاطع كوبي بيرتس الجهادي؟ هو على حق في نهاية المطاف. “لقد قطعوا إخوتنا وأولادنا، والآن جاء دورنا لنقوم بالتقطيع”.

ليس في “يديعوت” وفي القناة 14 فحسب، بل انتشر خطاب الإبادة الجماعية في كل الاستوديوهات وصوروه على أنه خطاب مشروع. جماعة “الأمنيين” يجلسون على المنصة في هذه البرامج، ويدعون للإبادة الجماعية بدون أن يرف لهم جفن. هم غير مهمين ولا يثيرون الاهتمام، ولكنهم يشكلون الخطاب. عندما يريد المؤرخون ذات يوم فهم ما حدث في إسرائيل في هذه السنين، فإنهم سيجدون الصوت صوت الشعب. وهذا سيساهم في فهم: هكذا كانت إسرائيل.

ستنتهي هذه الشرعنة بالبكاء، بكاء وسائل الإعلام التي تمضي بهذا الخطاب الوحشي. اسألوا كل من يريدون تجويع 2 مليون شخص، الذين يعتقدون أن طفلاً ابن 4 سنوات، يستحق الموت، وأن معاقاً على كرسي متحرك هدف للتجويع، وما هو موقفهم من الصحافة الحرة وحرية التعبير، وستكتشفون أنهم مع إغلاق جميع الصحف وكم الأفواه. ستكون نهاية تملق اليمين المتطرف هذا هو انقلابه أيضاً على وسائل الإعلام التي فعلت ذلك. بيرتس وسعادة وأمثالهما لا يريدون رؤية الدماء العربية فحسب، بل يريدون كم أفواهنا أيضاً.

——————————————-

إسرائيل اليوم 27/4/2025

مفاوضات طهران وواشنطن حول “النووي”… حماسة لا تعرف الحدود

بقلم: أيال زيسر

تأجل الهجوم، لكنه قادم– هكذا وعد رئيس الأركان الإيراني محمد باقري، الذي هدد حتى بأن يكون هذا الهجوم أكثر إيلاماً من سابقه، وسيلحق أضراراً وخسائر فادحة. رئيس الأركان الإيراني لم يقصد بالطبع الهجوم الإسرائيلي المخطط على إيران والذي -حسب تقارير الإعلام- منعه الرئيس ترامب، بل هجوم إيراني ضد إسرائيل، الثالث في عدده بعد الهجومين اللذين سبقاه في نيسان وأكتوبر 2024. مثل هذا الهجوم، حسب المسؤول الإيراني، سيأتي. مسألة وقت فقط.

لكن التصريحات في جهة والأفعال في أخرى. إيران والولايات المتحدة تتنافسان الآن فيما بينهما في إطلاق تصريحات التفاؤل غير الحذر إزاء التقدم في المحادثات التي بدأتاها في محاولة للوصول إلى اتفاق نووي جديد بينهما. صحيح أن المحادثات في بدايتها، لكن حماسة الطرفين لا تعرف الحدود، ويبدو أنهما مصممان على الاتفاق. وفيما يركضان إلى الاتفاق –سيصلان إليه في النهاية.

لقد أخطأت الولايات المتحدة إذ لم تضع خطوطاً حمراء واضحة للمفاوضات مع إيران في كل ما يتعلق بإطارها الزمني؛ فالإيرانيون معروفون كأبطال في التأجيل والتسويف

لقد أخطأت الولايات المتحدة إذ لم تضع خطوطاً حمراء واضحة للمفاوضات مع إيران في كل ما يتعلق بإطارها الزمني؛ فالإيرانيون معروفون كأبطال في التأجيل والتسويف – والأخطر من ذلك، ليس أيضاً في كل ما يتعلق بالمسائل موضع الحديث. فمثلاً، يتبين أن مسائل مثل “الدعم الذي يمنحه الإيرانيون لوكلاء الإرهاب في لبنان والعراق واليمن مثلما هو أيضاً في مشروع الصواريخ بعيدة المدى، التي تصل بعضها منذ الآن إلى قلب أوروبا، تغيب كلها عن جدول الأعمال. ربما يأمل الأمريكيون في أن يحول الاتفاق الإيرانيين إلى محبي سلام، لكنهم إذا كانوا يفكرون بهذا، فإنهم لم يعرفوا بعد حقيقة نظام آية الله بعد 40 سنة من استيلائهم على الحكم في طهران.

لقد قربهم انهيار الاتفاق النووي السابق في 2015 إلى دولة حافة نووية، لديها المعرفة والقدرة، والمنشآت والعتاد الذي يسمح لها بإنتاج سلاح نووي في غضون وقت غير طويل – أشهر معدودة، أو بأقصى الأحوال بضع سنوات. لا يحتاج الإيرانيون لأكثر من هذا، فلا يوجد في طهران إلحاح للتقدم نحو النووي فيثير بذلك العالم كله عليهم. لذا، فإن الهدف الإيراني هو الحفاظ على الموجود، لهذا فإنهم مستعدون لإبداء مرونة بعيدة المدى، والتعهد بألا تنتج إيران قنبلة نووية، بل وحتى التنازل عن جزء من اليورانيوم المخصب.

بعد كل شيء، كل اتفاق هو بالإجمال ورقة يمكن خرقها بعد بضع سنوات، بعد أن يغادر ترامب البيت الأبيض، أو بعد أن يتغير الواقع الإقليمي والدولي. وعليه، فيمكن البحث والحديث عن كل اتفاق لا يطلب من إيران التنازل عما لها – لا عن وكلائها في المنطقة، ولا عن مشاريعها العسكرية ولا عن ترسانتها من الصواريخ ولا عن البنية التحتية لبحوثها النووية.

في طهران تخوف على مستقبل نظام آية الله. الوضع الاقتصادي يتدهور، والاحتجاج المخنوق من الداخل يتفجر من فوق السطح. حرب بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، إذا ما تفجرت، قد تظهر كمسمار أخير في نعش هذا النظام المتطرف. إيران بحاجة إلى اتفاق كحاجتها إلى هواء التنفس. لكنها تجدد اللعب بالأوراق التي لديها. الإيرانيون فنانو مفاوضات، ولهذا يتخذ الأمريكيون، إعلامياً، صورة المتحمسين للوصول إلى اتفاق.

ربما تسريب واشنطن الآن بأن ترامب يمنع هجوماً إسرائيلياً على إيران، إشارة للإيرانيين بأن الإدارة الأمريكية معنية بالوصول إلى اتفاق معهم. غير أن القاعدة في الشرق الأوسط، وليس فيه فقط، بخلاف البورصة في “وول ستريت”، هي أنك عندما تسحب سلاحاً، فمن الأفضل أن تطلق النار منه، وإلا فلن يأخذك أحد على محمل الجد.

في هذه الأثناء، يضرب الأمريكيون الحوثيين في اليمن. لكنه عدو ضعيف وذو قدرة رد محدودة. أما إيران فقصة أخرى، وهذا يعرفه الأمريكيون. المشكلة أن من لا يعالج التهديد الإيراني اليوم، سيجده أمامه لاحقاً تهديداً أكبر بكثير.

——————————————

إسرائيل اليوم 27/4/2025

نتنياهو: لم يتركوا لي خياراً سوى المزيد من دماء الغزيين

بقلم: يوآف ليمور

ستشدد إسرائيل الضغط العسكري على غزة إذا لم تلن حماس في مواقفها إزاء تحرير المخطوفين.

وسيتضمن تصعيد الأعمال تجنيد فرق احتياط للاستيلاء على مزيد من الأراضي في غزة، وتشديد الاحتكاك مع حماس. بلور الجيش الإسرائيلي خطة عرضت على الكابنت الأسبوع الماضي، لكنها لم تقر نهائياً؛ لأن إسرائيل معنية بإعطاء إمكانية لحماس بالتقدم في المفاوضات.

على جدول الأعمال إمكانية دفعة تحرير أخرى منذ انتهت المرحلة الأولى من الاتفاق، في منتصف شباط. في أثناء الاتصالات بين الأطراف بحثت ثلاثة خيارات: اقتراح إسرائيلي لتحرير 10 – 11 مخطوفاً أحياء (وجثث كذلك)، واقتراح مضاد لتحرير خمسة مخطوفين أحياء (وجثث)، واقتراح حل وسط مصري لتحرير 8 مخطوفين أحياء (وجثث).

لم يكن مستبعداً أن توافق حماس على اقتراح الحل الوسط المصري، جراء خليط من الضغط العسكري الإسرائيلي ووقف المساعدات الإنسانية والضغط الدبلوماسي

لم يكن مستبعداً أن توافق حماس على اقتراح الحل الوسط المصري، جراء خليط من الضغط العسكري الإسرائيلي ووقف المساعدات الإنسانية والضغط الدبلوماسي الذي مارسته من مصر وأبو مازن. لكن الاتفاق لم يتحقق بسبب وهن في الفريق الإسرائيلي المفاوض بقيادة الوزير رون ديرمر؛ ولأن اهتمام الوسيط الأمريكي ستيف ويتكوف اتجه لجهود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا ومحادثات النووي مع إيران.

إضافة إلى ذلك، تبين أن قطر ساندت حماس وعملت مع الولايات المتحدة كي يتاح اتفاق أفضل للمنظمة في المستقبل، يتضمن تحرير كل المخطوفين مقابل وقف الحرب. يدور الحديث عن اتفاق سيصعب على إسرائيل التعايش معه لأنه يتضمن أيضاً “هدنة” لخمس – سبع سنوات مع ضمانات دولية، وكذا إعمار القطاع، وهي خطوات تعني الإبقاء على حكم حماس عملياً.

هذه التفاصيل التي لم تنشر بعد، تطرح ثلاثة مفاهيم: الأول أنه بخلاف ما يقوله الوزراء في الكابنت عن مراوحة الخطوة العسكرية في القطاع في المكان، فقد خلق النشاط العسكري الإسرائيلي ضغطاً على حماس كان يمكن ترجمته إلى إنجاز سياسي في مستوى اتفاق (جزئي) لتحرير مخطوفين. المفهوم الثاني، أن الفريق المفاوض الحالي برئاسة ديرمر لا يدفع بموضوع المخطوفين قدماً. فثمة مصدر مطلع على المفاوضات وصف عمل ديرمر بأنه هامشي وقال إن إسرائيل لا تعمل على إيجاد حل؛ فقد انحصر دوره على ممارسة الضغط على الأمريكيين كي يمارسوا الضغط على قطر. عملياً، أدارت قطر سياسة مستقلة وعرقلت الاتصالات.

أما المفهوم الثالث فيرتبط بقضية “قطر غيت”. مقربو نتنياهو ممن عملوا لقطر، روجوا عملياً لمصالح تتضارب ومصالح إسرائيل، بل وتعرض أمنها القومي للخطر. يدور الحديث عن حملة سلبية أديرت ضد مصر، وزعم في إطارها بأنه كان للقاهرة دور في الخدعة التي سبقت هجمة 7 أكتوبر. هذه ادعاءات لا أساس لها وخربت العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين.

الحملة ضد بار

القضية التي تقبع في أساس تنحية رونين بار عن رئاسة “الشاباك”، تقلق نتنياهو ومحيطه. في الأيام الأخيرة، سجل ارتفاع بآلاف في المئة في منشورات وزراء الحكومة ونشطاء اليمين ضد الجهاز ورئيسه كجزء من حملة منظمة تستهدف التشهير ببار والسماح بإقالته. نشر في الأيام الأخيرة بضعة استطلاعات تدل على أن الجمهور أقل تأثراً بذلك: الثقة التي يعطيها لبار و”الشاباك” أعلى من تلك التي يعطيها لنتنياهو وحكومته، وأغلبية ساحقة تعتقد بوجوب استنفاد التحقيق في القضية القطرية وإبعاد مستشاري نتنياهو عن محيطه.

كما أن الاستطلاعات تشير إلى ميل ثابت في ثلاث مسائل مركزية أخرى: إقامة لجنة تحقيق رسمية في هجوم 7 أكتوبر، وتجنيد الحريديم، وتفضيل مسألة المخطوفين على تشديد الحرب. هذه المسائل ترتبط إحداها بالأخرى، لأنه إذا لم يتحقق اتفاق قريب يؤدي إلى تحرير مخطوفين فسيكون الجيش مطالباً بتوسيع أعماله. لذلك، سيثقل العبء على منظومة الاحتياط مرة أخرى، في الوقت الذي يتملص فيه قسم واسع من الجمهور الإسرائيلي من الخدمة بتشجيع من الحكومة التي تتملص من مسؤوليتها عن الإخفاق.

حماس تدرس الجيش الإسرائيلي

كل المؤشرات تدل على أن نتنياهو أمل في إبعاد هذا النقاش جانباً تحت رعاية الهجوم الذي خطط على منشآت النووي في إيران. سلاح الجو على جاهزة عالية لمثل هذا الهجوم إذا ما فشلت المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، لكن احتمال ذلك لا يبدو عالياً الآن. الطرفين متفائلان للوصول إلى اتفاق قريب سيكون تأثير إسرائيل عليه محدوداً جداً.

من المشكوك أن يوقع مثل هذا الاتفاق قبل زيارة ترامب المرتقبة إلى الخليج في منتصف أيار، وهي زيارة ستتكرس لعقد الصفقات وستكون مهمة من ناحية إسرائيل أيضاً؛ لان بعضاً من المواضيع – النووي السعودي إلى جانب صفقة سلاح بمئات مليارات الدولارات – ستؤثر بشكل مباشر على أمنها القومي. ظاهراً، هذه فرصة أمام إسرائيل لتدمج مصالحها في الاتفاق بل وربما تحقيق صفقة شاملة في غزة تسمح بإعادة المخطوفين، وتجريد القطاع، وإقامة حكومة بديلة لحماس، لكن هذا لن يحصل في تركيبة الحكومة الحالية.

لذلك، إذا لم تقع انعطافة في الأيام القادمة، سيشدد الجيش الإسرائيلي الضغط العسكري على القطاع. وسيؤدي هذا بالضرورة إلى ارتفاع نطاق الإصابات بين جنود الجيش: كانت سلسلة الأحداث والإصابات في الأيام الأخيرة دليلاً على أن حماس تدرس الأعمال الإسرائيلية وترد عليها. كما سيؤدي القتال إلى ارتفاع في الإصابات بين المدنيين الفلسطينيين في غزة، وهو ما يشغل إسرائيل على خلفية النقد الدولي المتصاعد.

——————————————-

هآرتس 27/4/2025

جنود قتلى وجمهور غاضب وحكومة تمارس الكذب: هل يرسم ترامب حدود الحرب في غزة؟

بقلم: عاموس هرئيل

الحرب في قطاع غزة عادت إلى حياة الإسرائيليين. حدث هذا بالطريقة العادية – يُصابون. عملياً، تجددت الحرب هناك قبل أكثر من شهر، في 18 آذار، بعد شهرين على وقف إطلاق النار. وعاد سلاح الجو للقصف في كل أرجاء القطاع وبحجم كثيف، ثم بدأ بدخول بري محدود إلى المناطق المأهولة. حسب وزارة الصحة الفلسطينية التي تسيطر عليها حماس، قتل في هذه العمليات 2000 فلسطيني تقريباً، أكثر من نصفهم من المدنيين، لكن هذه الحرب لم تحصل على اهتمام هنا، لأنها لم تقترن باحتكاك عسكري حقيقي أو بمصابين إسرائيليين.

اختارت حماس في معظم الحالات تجنب المواجهة. ففي رفح، حيث اخترق الجيش الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية بعمق نسبي، أخلت حماس معظم المسلحين ونقلتهم إلى مناطق اللجوء الإنساني في المواصي لتقليل الخسائر. السياسيون والجنرالات الإسرائيليون أكثروا من الحديث عن الضغط العسكري الذي قد يغير المعادلة ويجبر حماس على التراجع، بصورة تمكن من تحرير مخطوفين آخرين. عملياً، لم يحدث هذا الآن. الغزيون يعانون من استئناف الحرب، وقلقون من نقص الغذاء، ويخشون المزيد من المصابين. في هذه الأثناء، لم يؤثر هذا كثيراً على بقايا قيادة حماس، الذين يظهرون لامبالاة إزاء مصير سكان القطاع.

في الفترة الأخيرة تغير شيء ما، لكن ليس إلى الأفضل؛ خلال أسبوع، منذ السبت الماضي حتى أمس، قتل في القطاع أربعة جنود إسرائيليين للمرة الأولى منذ استئناف المعارك

في الفترة الأخيرة تغير شيء ما، لكن ليس إلى الأفضل؛ خلال أسبوع، منذ السبت الماضي حتى أمس، قتل في القطاع أربعة جنود إسرائيليين للمرة الأولى منذ استئناف المعارك، وأصيب أكثر من عشرة جنود. أول أمس، جرت معركة قاسية جداً في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، قتل فيها ضابط مدرعات وجندي من وحدة حرس الحدود، وأصيب ثلاثة جنود. عدد من الجنود أصيبوا أثناء عملية إنقاذ معقدة لقوة تعرضت لتبادل إطلاق النار. رداً على ذلك، هاجم سلاح الجو والدبابات أهدافاً كثيرة شمالي القطاع. سكان بلدات الغلاف، وعلى بعد بضعة كيلومترات من القطاع، أبلغوا بأن بيوتهم اهتزت من شدة القصف. في حادث آخر في محور فيلادلفيا في رفح، أصيب أربعة جنود.

في المساء السابق، نشر في برنامج “عوفداه” في القناة 12 برنامج استعاد معركة مقاتلي غولاني في هذا الحي في كانون الأول 2023، التي قتل فيها تسعة جنود، من بينهم ضباط كبار. مرت سنة منذ ذلك الحين وأربعة أشهر. في الحي الذي دمر بالكامل تقريباً، تم استئناف منذ فترة نشاطات محمومة لحماس، وحدث كل ذلك على بعد كيلومتر من حدود إسرائيل.

سير هذه الأحداث لم يزعج وزير الدفاع يسرائيل كاتس في نشر مجموعة من الكليشيهات الفارغة مساء الجمعة – في الوقت الذي يعرف فيه الجيش عن القتيلين، وتنتشر الشائعات في أوساط المدنيين. وأكد كاتس في الكليشيهات أن الجنود يقاتلون بشجاعة، وأن الجيش الإسرائيلي يعمل بقوة، وأن الإنجازات كبيرة، لكن الأخطار ما زالت كبيرة. في هذه الأثناء، قالت مصادر سياسية وأمنية للمراسلين بأن الجيش سيوسع عملياته قريباً، وسيستعد للسيطرة على مناطق أخرى في القطاع.

لكن الجيش الإسرائيلي يمر في عملية استيقاظ من وراء الكواليس. هذا هو سبب انقضاض وزراء الكابنت، وعلى رأسهم سموتريتش، على رئيس الأركان إيال زمير، في الجلسة التي عقدت الثلاثاء الماضي. بدأ زمير يعد هؤلاء الوزراء للواقع رويداً رويداً: أي عملية عسكرية قوية ضد حماس ستحتاج إلى قوات كثيرة ووقت طويل جداً. لا ثقة في أن تكون نتيجتها استسلاماً فلسطينياً، أو يتم في نهايتها تحرير جميع المخطوفين الأحياء وهم على قيد الحياة. الجيش الإسرائيلي يقف أمام صعوبات متزايدة في تجنيد رجال من الاحتياط، إزاء عبء الخدمة المتراكمة (حيث في الخلفية أيضاً الغضب على تهرب الحريديم بدعم من الحكومة).

إضافة إلى ذلك، لن تستطيع إسرائيل تجويع الغزيين إلى الأبد. فكلما تفاقم الوضع الإنساني في القطاع، يزداد عليها الضغط الدولي لاستئناف قوافل المساعدات. والجيش الإسرائيلي غير معني بتولي إدارة توزيع المساعدات بنفسه بدلاً من المنظمات الدولية وحماس، لسببين: هذه نشاطات تحتاج إلى وجود كبير للقوات طوال الوقت، ما سيكلف المزيد من المصابين.

كل هذه الأمور يعرفها نتنياهو، وربما عدد من الوزراء، هي ببساطة لا تتساوق مع الأيديولوجية التي تطمح لها كتلة اليمين المتطرف في الائتلاف، التي تريد فرض احتلال عسكري طويل، وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من القطاع، وإعادة بناء المستوطنات. بخصوص نتنياهو، فإن إطالة الحرب تخدم جهوده للبقاء السياسي، وتخلق حالة طوارئ دائمة، تصعّب على الاحتجاج والمعارضة قيادة خطوات ناجعة ضده.

وفي الفترة الأخيرة، طرح بديل الذي يطرح في المحادثات بين حماس ودول الوساطة، مصر وقطر، وهو وقف بعيد المدى لإطلاق النار، يشمل تحرير جميع المخطوفين مقابل تحرير كبير لسجناء فلسطينيين في إسرائيل. ولكنها خطوة ستقتضي إنهاء طموحات بعيدة المدى، على أمل أن تخرق حماس الاتفاق بعد ذلك، ثم تعود لاستئناف القتال وإسقاط حكمها في القطاع. من الواضح ماذا سيختار نتنياهو وسموتريتش وشركاؤهما إذا ما خيروا بين استمرار الحرب وإنقاذ المخطوفين. ما دام الأمر متعلقاً بهما فسيستمر القتال. وإذا لم يتم تحقيق الإنجازات الموعودة، فسيكون بالإمكان العودة واتهام الجيش.

الشخص الوحيد الذي يمكنه تغيير الصورة بشكل جوهري هو الرئيس الأمريكي ترامب. في الأسابيع الأخيرة، يقلل ترامب من تصريحاته حول ما يحدث في القطاع. يهتم ببؤر أخرى، على رأسها حرب الجمارك، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، والاتفاق النووي الجديد الآخذ في التبلور بين الولايات المتحدة وإيران.

أول أمس، في تطرق نادر نسبياً لغزة، قال ترامب إنه دفع نتنياهو إلى نقل المزيد من الغذاء والدواء إلى القطاع. أحياناً يقول الرئيس أموراً حتى بدون سبب واضح للعيان يقف خلفها، لكن ربما هناك محاولة لرسم حدود المعركة لإسرائيل. على أي حال، للجهود الحربية الحالية في القطاع خط نهاية محتمل – زيارة ترامب للسعودية والإمارات وقطر في منتصف الشهر القادم. بقدر ما يمكن تقدير ترامب غير المتوقع، فثمة تقدير بأنه -طبقاً لطلبات مستضيفيه- سيطلب توضيحات من نتنياهو: ما الذي تريد إسرائيل تحقيقه في القطاع وإلى متى؟

——————————————-

هآرتس 27/4/2025

إسرائيل: جيشنا غير مستعد للحرب المقبلة

بقلم: إسحق بريك

المستوى المهني لوحدات المشاة والمدرعات والهندسة والمدفعية والجيش النظامي، مشكوك فيه، فما بالك عن مستوى وحدات الاحتياط! برنامج التدريب في الوحدات النظامية يعتبر محدوداً جداً، ومعظم أيام السنة مخصصة للأنشطة العملياتية والأنشطة المختلفة التي لا تتعلق بالتدريب بشكل مباشر.

في ولاية غادي آيزنكوت كرئيس للأركان، تعرض تدريب وإعداد الوحدات النظامية إلى ضربة أخرى نتيجة تقليص آلاف رجال الخدمة الدائمة وتقصير مدة الخدمة الإلزامية للرجال، ما أدى إلى تقصير مدة التدريب في الدورات المختلفة. نتيجة أخرى لذلك، نشوء فجوة بين المعايير المحددة وعدد الجنود الفعلي، ما أدى إلى تقليص الوحدات النظامية، بل وحتى حل الوحدات أحياناً بسبب نقص القوة البشرية.

تقصير مدة الخدمة الإلزامية للرجال أدى إلى نقص كبير في القوة البشرية، والوحدات المساعدة للقتال من طباخين، وسائقين، ورجال المخازن، ورجال صيانة

تقصير مدة الخدمة الإلزامية للرجال أدى إلى نقص كبير في القوة البشرية، والوحدات المساعدة للقتال من طباخين، وسائقين، ورجال المخازن، ورجال صيانة – الذين بدونهم لا يمكن لأي كتيبة أن تعمل. عقب ذلك، اضطر قادة الوحدات إلى نقل الجنود إلى وظائف تدعم القتال، ما قلص الوحدات المقاتلة بشكل أكبر. أحياناً، بلغ النقص 50 في المئة وحتى أكثر. ولا شك أن ذلك أضر جداً بالتدريب والإعداد.

في حين حرص آيزنكوت على تدريب وحدات الاحتياط، فإنهم تعرضوا في فترة وريثه الجنرال افيف كوخافي، لضربة شديدة. اعتقد كوخافي أنه لا حاجة لعدد كبير من الوحدات، بل وحدات مع مستوى تكنولوجي عال. “ليس الحجم هو الذي يحدد، بل النوعية – جيش صغير، تكنولوجي ونوعي”، قال، واستثمر في الوحدات النظامية وأهمل وحدات الاحتياط.

هذا الأمر انعكس على معظم وحدات الاحتياط، فقد توقفت عن التدريب، وبعض الوحدات التي ذهبت ل ملية “السيوف الحديدية” لم تتدرب خلال خمس سنوات، ولم يتم استيعاب الوسائل القتالية الجديدة، التي بدونها كان يصعب إدارة الحرب مثل منظومة السيطرة والرقابة، الموجودة في كل دبابة وحاملة جنود وفي مقرات القيادة. النتيجة القاسية كانت عدم التنسيق بين الوحدات، ما هدفت هذه المنظومة إلى منعه، فكان الكثير من القتلى والمصابين بالنار الصديقة.

نتيجة مشكلة الأهلية والمهنية: عقب نقص التدريب خلال سنوات، وعدم الانضباط العملياتي، أصيب منا الكثير. كان هذا نتيجة الدخول إلى بيوت مفخخة بدون فحص مسبق وعدم تنفيذ مناورة أساسية في القتال في المناطق المأهولة، مثل الاقتراب من هدف مع تغطية وتخطي، ونتيجة إطلاق النار من الطرفين. إذا كان هذا هو الوضع قبل الحرب، فما الذي كنا نتوقعه بعدها من حيث قدرة الجيش المهنية؟ يأتي هذا في ظل التهديد على حدود الدولة في الدائرة الأولى والثانية والثالثة.

الجيش الإسرائيلي يحارب منذ سنة ونصف، والوحدات المقاتلة في الخدمة النظامية والاحتياط لم تتدرب هذه الفترة على حرب إقليمية مستقبلية، التي تقتضي قدرة مهنية عالية في قطاعات مختلفة مع خصائص مختلفة مثل أرض جبلية، وأرض مفتوحة، وتعاون. جرت الحرب الحالية في مناطق مأهولة. هذه حرب لا تدرب المقاتلين على القتال مستقبلي له سمات مختلفة، مثل القتال في مناطق مفتوحة أمام المصريين والأتراك والسوريين، أو القتال في منطقة جبلية عند الدخول البري إلى عمق أراضي العدو مثلما في لبنان.

بهذا لا تنتهي المشاكل. فبسبب استئناف القتال في قطاع غزة، هناك نية لإبقاء قوات هناك لفترة طويلة. ما هي هذه القوات؟ الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص في الوحدات المقاتلة في الجيش النظامي والاحتياط عقب تقليص كبير في العشرين سنة الأخيرة. لا يمكن وضع وحدات الاحتياط في القطاع دائماً، ما سيضر بقدرتها على التدرب، ويضيف لها انشغالاً عملياتياً يتجاوز ما كان لها في السابق. يجب أن ندرك أنه عندما يتسرح الجنود النظاميون الآن، فإنهم ينضمون إلى وحدات الاحتياط بدون قدرة مهنية كافية، لذلك، سنبقى خلال فترة صغيرة مع جيش بدون قدرة مهنية وقدرة على القتال وعلى الانتصار، ما سيؤدي الى تدمير مطلق على المدى البعيد، وسيبقي أرضاً محروقة، لا ينبت فيها شيء.

كل ذلك يحدث لأن المستويين السياسي والأمني ينشغلان في إطفاء الحرائق، وتدفعهما مصالح ضيقة، بدون رؤية بعيدة المدى. لذلك، لم نكن ذات يوم في حالة استعداد للحرب القادمة.

منذ إقامة دولة إسرائيل قبل 77 سنة وهي تعيش على حد السيف وتحارب على وجودها. تحولت خلال السنين إلى دولة تتعرض للتهديد الأكثر في العالم. لذلك، من غير المعقول أن الجيش الذي شكل باستثمارات كبيرة من للدفاع عن الدولة ومواطنيها، فقد قدراته في السنوات الأخيرة.

——————————————-

يديعوت أحرونوت 27/4/2025

بذريعة “المبرر الاستراتيجي”: ما الذي ينتظر “إسرائيل الأيديولوجية”؟

بقلم: ميخائيل ميلشتاين

ثمة ظاهرة غريبة تبرز منذ بداية الحرب، وبخاصة في الآونة الأخيرة: مسؤولون كبار كانوا مشاركين في خلق المفهوم المغلوط (ولا يزالون في مناصبهم)، يعملون بنشاط على “هندسة الروايات”: يبعدون أنفسهم عن الإخفاق بدعوى أنهم عارضوا التسوية في غزة (لم يهدد أحد منهم بالاستقالة عقب خروج العمال من القطاع أو تحويل المال القطري إلى حماس)، أو أنهم ليسوا مذنبين كونهم تلقوا ما عرضته عليهم الجهات المختصة. يعرضون أنفسهم كصوت واع، ويهزأون من آخرين يدعون بأنهم “عالقون في 6 أكتوبر”.

هذه هي خلاصة أمراض الخطاب الجاري في إسرائيل، بخاصة في المستوى السياسي، إزاء جذور الإخفاق: لا أحد يتحمل المسؤولية وحساب النفس، وبدلاً من هذا يلصقون الفشل بالآخرين؛ وليس هناك تحقيق ثاقب واستخلاص للدروس، وهو ما يضمن بقاء مخلفات المفهوم المغلوط في وعي أصحاب القرار وانعكاسها في خطواتهم. ليس مفاجئاً إذاً أن يولد عدد من المفاهيم المغلوطة في أثناء الحرب وتشهد على أن كثيرين في القيادة لم يحسنوا فهمهم لطبيعة العدو وتعقيد الواقع.

ثمة شعار سائد منذ استئناف القتال، وهو أنه لا يمكن إنهاء المواجهة وحماس على حدودنا. الادعاء يتناقض مع منحى إنهاء الحرب الذي عرضه نتنياهو نفسه في أيار 2024

ثمة شعار سائد منذ استئناف القتال، وهو أنه لا يمكن إنهاء المواجهة وحماس على حدودنا. الادعاء يتناقض مع منحى إنهاء الحرب الذي عرضه نتنياهو نفسه في أيار 2024 والذي يقوم على أساس سيناريو كهذا ثم لا ينطبق المبدأ ذاته على تهديدات أخرى. حسب هذا المنطق، كان ينبغي لإسرائيل مهاجمة النووي الإيراني الذي يهددها أكثر من حماس. يطالب كبار المسؤولين في القيادة “بكل شيء والآن” إزاء حماس في غزة، وهو نهج عديم التعقيد تتميز به تيارات متزمتة أحدثت خراباً على مدى التاريخ اليهودي.

يترافق ادعاء بموجبه “الأسرة الدولية لن تسمح بالعودة للهجوم في غزة”، في ظل تجاهل أن إسرائيل لم تراع موقف العالم حين هاجمت أعداءها في 1956، و1967 و1982، في ظل احتلال أراض خرجت إلى حملة “السور الواقي” في 2002 أو حين دمرت المفاعلين النوويين في العراق وسوريا.

في الخلفية ادعاءان آخران يشهدان على دافع حقيقي: الأول أن “العرب لا يفهمون إلا عندما تؤخذ منهم الأرض”؛ والآخر “ثبت بأنه حيثما يوجد استيطان يتوقف الإرهاب”. ظاهراً، استنتاجان عميقان استخلصا بتجربة طويلة، لكنهما ادعاءان باطلان من ناحية تاريخية، ويعكسان رؤية أيديولوجية تختبئ في صورة مبرر استراتيجي. من يطرح الادعاء، وعلى رأسهم الوزير سموتريتش، تحركهم رؤية وحدة البلاد. هذا موقف شرعي، لكن مواطني إسرائيل يستحقون أن يعرفوا إذا كانت هذه هي رؤية الحكومة كلها، قبل لحظة من وضع أساسات مستوطنات جديدة في القطاع وخلق شرخ حاد في المجتمع.

تحت رعاية غياب الاستراتيجية، تتغير صورة إسرائيل بالتدريج. إلى جانب إمكانية احتلال غزة بكاملها، يقف ما يسميه سموتريتش “عمل هادئ لا حاجة للحديث عنه علناً، ويستهدف تغيير الـ دي.ان.ايه لـ “يهودا والسامرة”. يفترض بالأمر أن يربط بين هذه المناطق وإسرائيل، بحيث لا يتاح فصل بين الشعبين، ويشق الطريق لتحقيق “خطة الحسم” التي وضعها في 2017 واستهدفت دولة واحدة بين النهر والبحر.

الحكومة ملزمة بأن تعرض على الجمهور استراتيجيتها (إذا وجدت) وخططها التي ستؤثر على حياة الإسرائيليين على مدى سنين دراماتيكياً. المواطنون وكذا الإعلام والأكاديميا، ملزمون بإجراء حوار نقدي مع القيادة. هذا استنتاج مركزي من إخفاق 7 أكتوبر، استند إلى فرضية أن “الحكماء فوق يعرفون ما يفعلون”.

والآن، في كل يوم يمر تتجسد الضرورة بلجنة تحقيق رسمية: لا لغرض “الإدانة” وتحديد المذنبين، بل للتعريف الدقيق بمواضع الخلل القومية، والمضي بإصلاح جماعي. في السنة والنصف الأخيرتين، جرى التحذير بتكرار إسرائيل للأخطاء بدون تحقيق كهذا. يبدو أن الدولة تغرق في أخطاء الماضي وربما أخطر منها. ومع الغرق في معركة مفعمة بالشعارات والأوهام التي تدور رحاها في غزة، ثمة خسائر جسيمة تجبي أثماناً في معارك استنزاف، لكنها لا تنجح في تحرير مخطوفين. هذا دليل آخر على الثمن الذي تدفعه إسرائيل عقب حقيقة أن خالقي مفهوم المغلوط الماضي – في المستوى السياسي، بل والأمني أيضاً، ما زلوا هم المسؤولين عن تصميم الحاضر والمستقبل.

——————————————-

هآرتس 27/4/2025

نتنياهو لمليار كاثوليكي: أبوكم ذو “خطيئة” واقترب من “اللاسامية”.. تعاطف مع الفلسطينيين

بقلم: أسرة التحرير

مئات آلاف الكاثوليك في روما وجموع أخرى من المؤمنين في أرجاء العالم، قدموا أمس تقديرهم الأخير للبابا الأرجنتيني الراحل فرنسيس، الذي توفي الأسبوع الماضي. الرئيس الأمريكي ترامب وسلفه بايدن، ورئيس أوكرانيا زيلينسكي، وملك الأردن عبد الله، ورئيس حكومة السلطة الفلسطينية وإجمالاً 12 ملكاً، و52 رئيس دولة آخرون و14 رئيس وزراء، وصلوا خصيصاً إلى المراسيم المبهرة.

برزت إسرائيل أكثر سوءاً بانعدام قدرتها على التقاط أهمية اللحظة وإرسال ممثلية بالحد الأدنى: مثّل الدولة في الجنازة السفير الإسرائيلي إلى الفاتيكان، يرون زايدمان. وللمقارنة، حتى السعودية وإيران تمثلتا بمستوى الوزراء.

لم يأت هذا السلوك المحرج صدفة، مثلما أثبتت قصة بيان التعزية الفاتر الذي نشر في الشبكات الاجتماعية من وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد وفاة البابا، ثم شطبت في غضون وقت قصير ونشرت مرة أخرى بعد بضعة أيام. لقد قررت إسرائيل إهانة ذكرى الباب الراحل الذي كانت “خطيئته” في تصريحاته النقدية ضد السلوك الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر، ولتعاطفه مع الفلسطينيين في غزة.

إسرائيل تحت نتنياهو ومنفذي كلمته، مثل وزير الخارجية جدعون ساعر، ما أسهل أن تشعر بالإهانة وما أسرع أن تزايد أخلاقياً! يكاد كل من تجرأ على انتقادها يكون “لاسامياً”، وكل من لم يسر على خط سياسة نتنياهو المتطرفة، سواء من الداخل أو الخارج، ينبذ على الفور. غير أن الحق في الشعور بالإهانة ليس محفوظاً إلا لنتنياهو ولعائلته ولحكومته. في اللحظة التي يتعلق فيه الأمر بكرامة ميت ليس يهودياً أو إسرائيلياً حتى لو كان زعيم العالم الكاثوليكي، فكل سلوك مهين يصبح عندها مباحاً، وكل إهانة لكرامة الميت ممكنة.

فرنسيس، زعيم أكثر من مليار كاثوليكي في أرجاء العالم هو بابا موضع خلاف في داخل الكنيسة الكاثوليكية وخارجها لاعتبارات مختلفة. حتى لو كان للحكومة نقد على تصريحاته إزاء الحرب في غزة بسبب معارضته الحادة لاستمرار الحرب ودعواته المتكررة لوضع حد للكارثة الإنسانية في غزة، فليس لسلوك الحكومة أي مبرر. فما بالك أنه حرص على الالتقاء بناجين إسرائيليين من الأسر ويصلي لتحريرهم. المشاركة المحترمة في مراسيم الجنازة التي أجريت له لا تشكل موافقة على مواقفه لا بالنسبة للعقيدة الكاثوليكية ولا في ما يتعلق بهجمة إرهاب حماس والحرب في غزة. الاحتقار الاستعراضي من القدس الرسمي تجاه البابا الميت يدل بقدر أقل على البابا، وبقدر أكبر على نظام نتنياهو. لقد أصبحت إسرائيل دولة تقاد بلا شرف من رئيس وزراء حل كل لجام تجاه الداخل والخارج.

——————————————-

هآرتس 27/4/2025

لماذا اصابت تصريحات سموتريتش المعسكر الديمقراطي بالصدمة؟

بقلم: جاكي خوري

الصدمة والغضب التي اظهرها معسكر الوسط – يسار ردا على اقوال وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، في الأسبوع الماضي عندما قال: “إعادة المخطوفين ليست الهدف الأكثر أهمية”، تثبت الانكار والقمع الذي يمارسه معظم الجمهور في إسرائيل. هذا فيما يتعلق بالسياسة والتكتيك الإسرائيليين، التي بدأت قبل وقت طويل من مذبحة 7 أكتوبر بكل فظائعه.

خلال اكثر من عقد تجاهل الخطاب العام في إسرائيل، بوعي أو بدون وعي، الحاجة الى التوصل الى حل سياسي للنزاع مع الفلسطينيين. اليمين، على رأسه بنيامين نتنياهو، منع أي احتمالية للدفع قدما بمثل هذا الحل. منذ 2009 وحتى الآن ليس فقط أن نية التوصل الى حل سياسي لم تكن على جدول الاعمال، بل على العكس، جميع الجهود كانت للدفع قدما بمشروع الاستيطان في الضفة وتحويل السلطة الفلسطينية الى مقاول تنفيذي للاحتلال. لهذا الغرض تم تركيز خطوات إسرائيل على تخليد الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتسمين حماس بالاموال (الى أن تسنح الفرصة للعودة الى غزة). هذا ليس فقط نتنياهو، بل حكومة التغيير، قصيرة المدة، أيضا لم تضع على جدول الاعمال الحاجة الى الحل السياسي. بل على العكس، هي فعلت كل ما في استطاعتها كي لا “يتم اتهامها”، لا سمح الله، باليسارية.

نتائج الانتخابات الأخيرة، التي هي أيضا نتيجة مباشرة لاحداث عملية “السور الواقي”، وبعد ذلك الهجوم الاجرامي في 7 أكتوبر، أعطت اليمين المتطرف، الذي توج نتنياهو، الفرصة التاريخية لتحقيق “الحلم” القديم: ترانسفير في غزة، وضم وطرد في الضفة الغربية، وتدمير السلطة الفلسطينية اصبح هدف مشروع ويحظى بالشعبية، ميزانيات وقوات كثيرة وجهت لتحقيقه.

هدف آخر، الذي يتحدثون عنه بشكل أقل، هو التضييق على حرية العرب في إسرائيل بواسطة الغاء أحزاب عربية وتربية “عرب جيدون”. هكذا سيتم استكمال المهمة ويتحقق النصر. التضحية بالمخطوفين الـ 59، الذين معظمهم ليسوا على قيد الحياة، تعتبر بالنسبة لليمين ثمن معقول مقابل تحطيم الحلم الوطني الفلسطيني. 

الصدمة والغضب في الوسط – يسار، اذا كان ما زال شيء كهذا، بسبب اقوال سموتريتش، هي أمر غريب. حيث أن الخطة واضحة ومعروفة وهي تجري حسب الخطة الاصلية. ومن يتجاهل ذلك فاما أنه شريك فيها بالصمت، أو أنه ينفيه أو أنه يعيش في وهم، لأنه اذا صمت فسينجح في الصعود الى الحكم. 

يجب الاعتراف بأنه في الساحة الفلسطينية الوضع لا يقل عن ذلك سوء. من يتفاخرون بقيادة الفلسطينيين يوفرون الذرائع لدهورة وضعهم، ويواصلون النضال من اجل حكم فارغ. حماس، بذنبها، وضعت نفسها في ازمة وجودية، وحبست معها مليوني فلسطيني في غزة. السلطة الفلسطينية تتعثر، وعلى رأسها مجموعة من ذوي المصالح، الذين ليست لهم أي قدرة على التأثير في أي شيء. محمود عباس، رئيس السلطة، يعرف ذلك. واليأس والضائقة التي يشعر بهما عند رؤية تحطم الامل الذي يبحث عنه منذ ثلاثين سنة، هي التي جعلته يسمي حماس “أولاد الكلب”، ويطلب منها اطلاق سراح المخطوفين بدون مقابل. 

في إسرائيل بالطبع أحبوا أقواله. فما الذي يحتاجونه اكثر من زعيم فلسطيني يشتم حماس ويطالبها باطلاق سراح المخطوفين بدون مقابل. اقواله المتكررة هذه منذ ثلاثين سنة عن المظالم التي ترتكبها اسرائيل في قطاع غزة وفي الضفة، والحاجة الى مبادرة سياسية تعطي الفلسطينيين بصيص أمل، معظم الإسرائيليين لا يهتمون بها. فقد تبين أن الامل الذي علقه على معسكر السلام الديمقراطي في إسرائيل وعلى المجتمع الدولي، لم يكن إلا أمل فارغ. هم يمكنهم توفير فقط الشعارات والتعاطف، التي هي مثل حبة الاكامول للمرض الخبيث الذي اسمه احتلال.

——————————————-

يديعوت أحرونوت 27/4/2025

ليس هكذا يتحقق النصر المطلق هكذا نسير الى الفشل المطلق

بقلم: بن درور يميني

كما هو متوقع، تماما، إسرائيل تغرق في مستنقع قطاع غزة. هذه ليست حربا بعد. نحن فقط في الألعاب الأولية. ومستوى الدماء في ارتفاع. فهل هذا هو الطريق لتحرير مخطوفين؟ هل الضغط سيخضع حماس؟ ما الذي ينبغي أن يحصل اكثر كي نفهم بان زعماء منظمة الإرهاب مستعدون لان يضحوا بالاف أخرى من الفلسطينيين دون أن يرف لهم جفن. فهذا بالضبط ما فعلوه عندما خرجوا الى المذبحة الكبرى قبل سنة ونصف. كانوا يعرفون بانهم سيتسببون بخراب القطاع وبالاف القتلى. هذا لم يردعهم في حينه، فهل سيردعهم الان؟

هم يستخفون بقتلاهم. ليس نحن. حياة الانسان هي قيمة عليا. وما هي استراتيجية نتنياهو؟ مزيد من الضغط، الاخذ في التصاعد. النتيجة المعروفة مسبقا هي أن المخطوفين أيضا لن يتحرروا، وليس واضحا انهم سيبقون على قيد الحياة، إضافة الى أن مزيدا فمزيدا من الجنود سيقتلون على مذبح حرب لا تؤدي الى أي نتيجة. 

اغلبية الجمهور بما في ذلك اغلبية أولئك الذين كانوا في مناطق امنية وسياسية، تؤيد تحرير كل المخطوفين حتى بثمن الاستجابة لمطلب حماس لوقف الحرب. “هم ليسوا اغبياء”، قال نتنياهو في تصريحه الدراماتيكي قبل أسبوعين عن طلب حماس وقف الحرب كشرط لتحرير المخطوفين. ولماذا هم ليسوا اغبياء؟ نتنياهو شرح: لانهم “يطلبون ضمانات دولية مقيدة لا تسمح بالوهم “المخادع” الذي يعرضه فيه علينا كل “الخبراء” المدعين في الاستديوهات. ليس لديهم أي فكرة كيف تعمل الساحة الدولية”. بل أنه يحذر من أن “أحدا، وبالتأكيد ليس الولايات المتحدة – ولا الصين، ولا روسيا ولا أعضاء آخرين في مجلس الامن – احد لن يتعاون مع هذه الخدعة، الامر الذي سيجعل العودة الى الحرب متعذرة. لن تكون لنا اي شرعية لعمل هذا. 

ينبغي القول ان هذه الذريعة لرفض الاقتراح ولترك المخطوفين لمصيرهم في يوم من الأيام الى الصيغة الحديثة لمسيرة السخافة. نتنياهو يعرض نفسه كفريد من نوعه، او على الأقل في دولته الذي يفهم “كيف تعمل الساحة الدولية”. أهو جدي؟ فاذا كان اتفاق لوقف القتال، فانه لن يشمل فقط ضمانات تطالب بها حماس لوقف القتال. هو سيتضمن ا يضا شروطا مقيدة ومتشددة على حماس. واذا ادعى احد بجدية بان حماس، المنظمة الإرهابية المستعدة لان تضحي بالاف ا لاشخاص ستحترم الشروط المقيدة – فانهم سيرسلونه لفحص الأداء العقلي. 

ورغم ذلك، لنفترض أنه يوجد خياران. الأول، ان تحترم حماس، على افتراض انها ستبقى في صيغة ما في قطاع غزة، كل بنود اتفاق وقف الحرب. رائع. إسرائيل فقط ستربح. الامكانية الثانية هي أن تخرق حماس الاتفاق. الامكانية الثانية اكبر بمليون ضعف من الأولى. فهل بعد خرق ا لاتفاق، ستأمر الولايات المتحدة إسرائيل بان تسلم بالخروقات؟ أهذا ما يقوله لنا نتنياهو؟ أهو جدي؟ هو محق عندما يقول لنا ان حماس ليسوا اغبياء. لكنه مقتنع بان الإسرائيليين اغبياء. يا له من حظ أنه يوجد لنا حكيم واحد ينقذنا من أيديهم. 

في موضوع واحد نتنياهو محق. يجب تصفية حماس. إسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها بان يبقى هذا الجسم، الذي يتبنى إبادة اليهود على الحدود الجنوبية ويواصل تهديد سكان الغلاف وإسرائيل كلها. لان حماس حية وتركل فانها حماس التي ستتعزز أيضا في يهودا والسامرة. حماس حية وتركل هي خطر لـ 7 أكتوبر آخر. حماس حية وتركل ستشجع الاخوان المسلمين في الدول المجاورة. فهذه تمقط الاخوان المسلمين بقدر لا يقل عن إسرائيل. وفي الأسبوع الماضي فقط اخرجهم الأردن عن القانون. لكن نتنياهو يعتقد أن الكل أغبياء وانه هو فقط الذكي. هو ذكي لدرجة انه يقودنا جميعا الى حرب كاملة، بعد أن وعدنا حتى الان مرتين باننا على مسافة خطوة عن النصر، وبعد أن فشلت استراتيجيته الناجحة في هزيمة حماس في حرب تنال منذ الان لقب الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل. حكمته السياسية الرائعة دهورت إسرائيل الى المنحدر السياسي الأخطر في تاريخها. 

الأخطر من ذلك، الدافع هو العنصر الأكثر حيوية لغرض النصر. وهذا هو الامر الأخير الذي تتميز به إسرائيل هذه الأيام الصعبة. فلا توجد ثقة بالقيادة. يوجد أساس بان الحرب تتواصل والمخطوفين متروكون لمصيرهم لاسباب شخصية وسياسية. نتنياهو يستسلم لتهديدات أحزاب اليمين المتطرف التي تريد دوما الحرب كي يحافظ على الائتلاف. وللتحلية، هذه حكومة تريد ان تصدر أوامر امتثال لاولئك الذين سبق أن خدموا مئات الأيام، لاولئك الذين يدفعون الثمن، ويتحملون العبء، بينما في نفس الوقت تهتم بقانون آخر مناهض للصهيونية يشرعن فقط التسيب لدى مزيد فمزيد من المتملصين. كيف بالضبط سيكون دافع في مثل هذه الظروف؟ فالنتائج باتت على الأرض. ينبغي الامل في أن يكون نتنياهو تلقى تقارير حقيقية عن نسبة الامتثال للخدمة. 

يا سيد نتنياهو. امواتنا يستلقون امامك. مخطوفونا يذوون بالانفاق. وبدلا من ان تتعاطى معنا كاناس جديين تتعاطى معنا كعصبة اغبياء. ليس هكذا يتحقق النصر المطلق. هكذا نسير الى الفشل المطلق.

——————————————-

عن “N12” 27/4/2025

«حزب الله» لا يزال يملك قوة عسكرية كبيرة رغم الضربات القاسية

بقلم: إيال زيسر

 في العقود الأولى لقيام دولة إسرائيل كان الافتراض السائد أن “لبنان سيكون الدولة العربية الثانية التي ستعقد السلام معنا”؛ لأنها دولة غربية ومعاصرة، وفيها عدد كبير من المسيحيين غير المُعادين لإسرائيل، لذلك سيكون السلام معها ممكناً. لكن نظراً إلى أن لبنان دولة ضعيفة تفتقر إلى مؤسسات الدولة وأصحاب القوة، ونظراً إلى العدد الكبير من المسلمين فيها، فعلى الأرجح لن تكون الدولة التي ستبادر إلى توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، بل ستنتظر دولة عربية أُخرى أكبر وأهم منها لتقوم بذلك، بعدها سيوقّع لبنان اتفاق سلام معنا.

لكن طوال العقود الأخيرة، ومن المؤكد أنه بعد هجوم 7 تشرين الأول، فهمت إسرائيل وأدركت أن لبنان لن يكون الدولة الأولى، أو الثانية، التي توقّع اتفاق سلام، بل في ضوء قوة “حزب الله” المدعوم من السكان الشيعة الذين تحولوا إلى الطائفة المركزية في لبنان، ثمة شك في أن يكون السلام ممكناً مع لبنان.

خلال العقدين الأخيرين، وتحديداً منذ حرب لبنان الثانية في صيف 2006، تحوّل لبنان، وتحديداً بعد سيطرة تنظيم “حزب الله” على البلد، إلى تهديد، بل إلى تهديد وجودي لإسرائيل. وذلك بسبب القوة العسكرية التي بناها الحزب طوال سنوات، بينها نحو 180 ألف صاروخ، منها عدة آلاف من الصواريخ الدقيقة وبعيدة المدى، التي يمكنها تغطية كلّ الأراضي الإسرائيلية، بالإضافة إلى ذلك يملك “حزب الله” قوة عسكرية تضم عشرات الآلاف من المقاتلين، بينها وحدات النخبة، مثل “وحدة الرضوان” التي تضم آلاف المقاتلين، وهدفهم اقتحام إسرائيل واحتلال الجليل، وربما أكثر من الجليل، بحسب تصريحات زعيم الحزب، حسن نصر الله. ولم يخفِ “حزب الله” قط أن هدفه كان ولا يزال القضاء على إسرائيل. في ضوء هذه القوة، كانت التقديرات في إسرائيل أن كلّ مواجهة مستقبلية مع “حزب الله” يمكن أن تتسبب بسقوط آلاف القتلى في إسرائيل وشلّ منظومة الحياة في الدولة لفترة طويلة.

 إيران هي التي وقفت وراء بناء القوة العسكرية لـ”حزب الله”. وأمِلت بأن تستخدم هذه القوة لردع إسرائيل عن العمل ضدها وضد منشآتها النووية. ومن دون شك، فإن هذه القوة شكّلت حجر أساس في الخطة الإيرانية الكبرى التي ضمّت “حماس” والميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق والحوثيين في اليمن، وكان هدفها الدفع قدماً بالسيطرة الإيرانية على الشرق الأوسط، وفي البداية من الضروري القضاء على دولة إسرائيل.

اغتيال نصر الله زاد في التفكك

 في 7 تشرين الأول 2023، شهدت منطقتنا حدثاً مهماً عندما شنّت “حماس” هجوماً فاجأت به إسرائيل، وأدى إلى مقتل 1200 شخص، وخطف 251 شخصاً، خطفتهم “حماس” إلى غزة. أمِلت “حماس” بأن ينضم “حزب الله” وإيران إلى الهجوم. و”حزب الله”، الذي لم يكن يعلم بالموعد الدقيق للهجوم، قرر الانضمام إلى الحرب، لكي يثبت أنه مُلزم بمحاربة إسرائيل، لكن مع المحافظة على مستوى منخفض من الصراع وحصره في منطقة الحدود بين لبنان وإسرائيل…

استمرت الاشتباكات العنيفة بين لبنان وإسرائيل على طول الحدود أكثر من عام، وشهدت صعوداً وهبوطاً. في صيف 2024، شنّت إسرائيل هجوماً مضاداً على التنظيم “الإرهابي”، واغتالت قيادتَيه العسكرية والسياسية، ودمرت كثيراً من قدراته العسكرية. نذكر بصورة خاصة اغتيال الأمين العام للحزب طوال 3 عقود، حسن نصر الله، والذي كان يبدو كأن لا بديل له بسبب التقدير الذي كان يحظى به لدى القيادة في إيران، التي اعتبرته جزءاً منها وممثلاً لها في لبنان، سواء بسبب مكانته الخاصة لدى الطائفة الشيعية في لبنان ووسط الحزب، وكونه كان يجمع بين القدرة والسيطرة العسكرية، وأيضاً السياسية، وبسبب مكانته في لبنان، حيث كانت كافة القوى في لبنان تحترمه وتخاف منه.

يبدو أن إسرائيل بالغت في تقدير تهديد “حزب الله”، الأمر الذي يستحق الفحص، إذا شُكلت لجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 تشرين الأول. لكن حتى لو كان هناك مبالغة في تقدير قوة الحزب العسكرية، فإن الحزب نجح في الحفاظ عليها خلال الحرب. فحتى اليوم الأخير من الحرب، أطلق “حزب الله” مئات الصواريخ نحونا يومياً، وخاض مقاتلوه معارك ضارية ضد القوات الإسرائيلية التي كانت تناور في القرى الشيعية في الجنوب اللبناني.

في تشرين الأول وافقت إسرائيل على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، وهو اتفاق مشكوك فيه ومليء بالفجوات، وقّعناه قبل أن ننجح في الانتصار على “حزب الله” بصورة نهائية. واستناداً إلى الاتفاق، تعهّد لبنان سحب مقاتلي الحزب إلى شمال نهر الليطاني ونزع سلاحه.

لا شك في أن الحزب تلقّى ضربة قاسية خلال الحرب، وخسر ثلث ترسانته الصاروخية، أو أكثر، وآلاف المقاتلين. كما تورطت إيران مع إسرائيل، وتبادلت معها الضربات الصاروخية والهجمات الجوية. وثبت خلالها أنها ضعيفة وعرضة للخطر، وقامت إسرائيل بدفعها، رويداً رويداً، بعيداً عن معقلها على شواطىء البحر المتوسط.

 وفي اليوم الذي شهد وقف إطلاق النار في لبنان، خرجت “هيئة تحرير الشام”، التنظيم الأكبر للمتمردين في سورية، بقيادة أبو محمد الجولاني، في هجوم ضد نظام بشار الأسد، مستغلةً ضُعف المحور الإيراني في منطقتنا. وخلال 12 يوماً نجحت في تفكيك الجيش السوري واحتلال دمشق.

 كان سقوط نظام الأسد كارثة إضافية حلّت بـ”حزب الله”، لأن سورية كانت البلد الذي تعبر فيه المساعدات الإيرانية المالية والعسكرية إلى “حزب الله”. ولا يخفي النظام الجديد في دمشق عداءه لإيران و”حزب الله”… لذلك، إلى جانب التهديد الإسرائيلي في الجنوب، نشأ تهديد إضافي لـ”حزب الله” من الشرق، من النظام السوري الجديد في دمشق.

 في هذه الأُثناء، جرى انتخاب قائد الجيش، جوزف عون، رئيساً للجهمورية، وتعيين نواف سلام رئيساً للحكومة. فسارع الإثنان إلى التصريح بأن الدولة اللبنانية لها الحق الحصري في حمل السلاح في لبنان، ويتعين على “حزب الله” تسليم سلاحه…

 لكن الكلام شيء والأفعال شيء آخر. فـ”حزب الله” لا تزال لديه قوة عسكرية كبيرة، حتى بعد الضربات التي تكبّدها في الحرب. لقد قرر الحزب خفض رأسه وعدم الرد على هجمات إسرائيل، على أمل أن يعيد ترميم قوته العسكرية، شيئاً فشيئاً. لكنه مصرّ على الاحتفاظ بالسلاح الذي جمعه، وهو ما زال يحظى بتأييد أبناء الطائفة الشيعية في لبنان، الذين يعتبرونه الممثل لهم والمدافع عنهم داخل المنظومة اللبنانية. وذلك في غياب أيّ بديل آخر.

 لا أحد في لبنان يريد الدخول في مواجهة مع “حزب الله”، وأن يفرض عليه التخلي عن سلاحه بالقوة… والكلّ يراهن على الوقت، بينما لا يجري شيء على الأرض، باستثناء الضربات التي توجّهها إسرائيل إلى “حزب الله” من خلال هجمات محدودة ومركّزة في كلّ مرة تلحظ نشاطاً عسكرياً لعناصره. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحزب لم يسحب مقاتليه من الجنوب اللبناني، ولم يسلّم سلاحه للجيش اللبناني.

 انطلاقاً من ذلك، لا مجال لأن نتوهم، أو نحلم بسلام، أو بتطبيع بين إسرائيل ولبنان. ليس لأنه لا يوجد كثيرون يريدون ذلك في لبنان، بل لأن هذا البلد لا يزال ضعيفاً ومتضعضعاً، ويتخوف من اتخاذ قرارات صعبة، وغير مستعد لمواجهة “حزب الله” الذي لا يزال، على الرغم من ضعفه، يفرض ظلّه على الدولة ومؤسساتها.

 يوضح الأميركيون أنه لن يحدث شيء في لبنان، لا إعادة إعمار، ولا وقف العمليات الإسرائيلية، إذا لم تنزع الحكومة سلاح “حزب الله”. لكن من الصعب معرفة إلى متى سيواصل الأميركيون ضغطهم على لبنان. بالإضافة إلى ذلك، يأمل الأميركيون بتوسيع  لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، لتشمل دبلوماسيين يعالجون مسائل أُخرى، مثل ترسيم الحدود البرية بين الدولتين، الأمر الذي، في رأيهم، سيحلّ كلّ الخلافات بين الدولتين، ويسمح بالتقدم نحو السلام.

 مع ذلك، يوضح الجانب اللبناني أنه حتى لو جرى حلّ الخلافات المطروحة على جدول الأعمال الآن، وفي طليعتها مستقبل بلدة الغجر ومزارع شبعا، فإن هذا لن يؤدي إلى التطبيع والسلام، وبسبب ضُعف لبنان، الذي لا يستطيع التحرك إلّا كجزء من تحرّك عربي شامل من أجل الدفع بسلام عربي- إسرائيلي، وليس بصورة منفردة.

 وهكذا، عدنا إلى نقطة البداية. التهديد الذي كان يشكله “حزب الله” ضعُف، لكن من الخطأ الافتراض أنه زال تماماً، والحزب سيحاول رفع رأسه في أقرب فرصة، ويجب أن نكون مستعدين لذلك. لبنان لن يكون آخر دولة تعقد السلام معنا، لكنه لن يكون الدولة الأولى؛ لأنه لا يزال دولة ضعيفة، وليس لديه القوة التي يمكن أن تدفعه إلى مثل هذه الخطوة إزاء إسرائيل. وهو سيضطر إلى انتظار دولة عربية أُخرى، وخصوصاً السعودية، لقيادة مثل هذه الخطوة الجريئة.

—————–انتهت النشرة—————–