تقارير ودراسات

“دولتان في وطن واحد”.. رؤية مبتكرة أم مواجهة مع الحقيقة؟

المسار الاخباري –

رؤية “دولتان في وطن واحد” تمثل تحولاً جوهرياً في مقاربة الصراع وفق العدالة النسبية لا توازن القوى

د. جمال حرفوش: رؤية “دولتان في وطن واحد” قد تستخدم كذريعة لتبرير ضم الضفة الغربية فعليًا تحت مسمى جديد مما يضعف حل الدولتين

سليمان بشارات: إسرائيل أفشلت فرصة حل الدولتين بعد اتفاقية أوسلو ولن تقبل بمبدأ الشراكة أو التعايش السلمي

نزار نزال: الرؤى السياسية التي طُرحت منذ مؤتمر مدريد سنة 1991 لم تجد طريقها للتطبيق بسبب تنكر إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني

د. عقل صلاح: إسرائيل ترى أن فلسطين من البحر إلى النهر هي “الدولة اليهودية”، بل وتسعى لتوسيع حدودها ما يجعل أي حل سياسي أمرًا مستبعدًا

هاني أبو السباع: إسرائيل لم تتعاطَ بجدية مع أي من المبادرات السياسية التي طرحت وأبرزها المبادرة العربية في قمة بيروت

تأتي رؤية “دولتان في وطن واحد” التي طرحها الكاتب والمحلل السياسي عوني المشني ونشرتها صحيفة “القدس”، كمقاربة لحل ممكن للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، إذ تنتقل بمفهوم السلام من اتفاقات مؤقتة قائمة على توازن القوى إلى صيغة دائمة تستند إلى العدالة النسبية، لكن الرؤية الجديدة تصطدم بواقع معقد يسيطر عليه التوحش الإسرائيلي.

ويقدم المشني رؤيته بعنوان “دولتان في وطن واحد” كحل سياسي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، حيث تقوم على تعزيز المشترك واحترام خصوصية كل شعب، وأن تبقى مدينة القدس موحدة تحت سلطة أمنية مشتركة، مع حدود مفتوحة تسمح بحرية التنقل والإقامة بحقوق مدنية كاملة، وكذلك إزالة عوائق مثل قضية اللاجئين والمستوطنات عبر جنسيات مزدوجة وحلول تدريجية.

بدورهم، يرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات في أحاديث منفصلة مع “القدس”، أن السلام الحقيقي يتطلب تحقيق الحد الأدنى من الطموحات الوطنية للطرف الأضعف، وتحقيق تسوية دائمة بعيداً عن أوهام حسم الصراع، لكن هذه الرؤية تصطدم بتحديات كبيرة، أبرزها الواقع الإسرائيلي الداخلي الذي يهيمن عليه اليمين المتطرف، والذي يعزز ثقافة التفوق والكراهية، مما يجعل أي تسوية سياسية شبه مستحيلة في ظل غياب قوى يسارية فعالة قادرة على تقديم بدائل جادة.

ويلفت الكتاب والمحللون وأساتذة الجامعات إلى أنه في ظل استمرار الإبادة الجماعية والحرب الجارية، يصبح وقف العنف أولوية إنسانية وأخلاقية، تتطلب ضغطاً دولياً ونقاشاً فكرياً جاداً بين المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي لاستكشاف إمكانيات هذه الرؤية كحل متكامل يوازن بين الحقوق والواقع.

الرؤية تمنح إمكانية واقعية لحل دائم

يقول الكاتب والمحلل السياسي عوني المشني أن الرؤية التي يطرحها لحل الصراع وفق “دولتان في وطن واحد” تمثل تحولاً جوهرياً في مقاربة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، كونها تنتقل بمفهوم السلام من كونه اتفاقاً مؤقتاً يُبنى على توازن القوى، إلى صيغة دائمة تستند إلى “العدالة النسبية”.

ويشير المشني إلى أن التجارب التاريخية تثبت هشاشة الحلول المبنية فقط على موازين القوى، إذ تنهار فور تغير هذه الموازين، كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية عندما انهارت الاتفاقات مع تفكك الاتحاد السوفييتي.

ويؤكد المشني أن السلام الدائم لا يمكن أن يتحقق دون شعور الطرف الأضعف – في هذه الحالة الفلسطينيون – بأنه حقق الحد الأدنى من طموحاته الوطنية، دون أن يُهدد وجود أو مصالح الطرف الآخر، موضحاً أن هذه الرؤية تمنح إمكانية واقعية لحل دائم، بدلاً من الركض خلف أوهام “حسم الصراع” التي تروج لها القوى اليمينية الإسرائيلية.

ويوضح المشني أن أحد أبرز التحديات التي تواجه هذا الحل تكمن في الواقع الداخلي الإسرائيلي، حيث يشير إلى أن المجتمع الإسرائيلي مختطف منذ أكثر من عقدين من قبل اليمين الصهيوني المتطرف، الذي أعاد تشكيل وعيه على أوهام النصر المطلق والسيطرة الكاملة.

المجتمع الإسرائيلي مثقل بالكراهية والعنصرية

ويؤكد المشني أن التقاء هذه القوة المادية مع الأساطير التوراتية قد أنتج “جنون العظمة الوهمي”، وهو ما جعل من إسرائيل مجتمعًا مثقلاً بالكراهية والعنصرية ومهووسًا بالتفوق، ما يشكل العائق الأهم أمام أي تسوية سياسية.

وينتقد المشني غياب قوى يسارية إسرائيلية فعالة تمتلك الجرأة والمبادرة للنضال من أجل السلام، حيث يرى أن هذه القوى تعاني من التآكل والخوف، وتفتقد القوة اللازمة لطرح بدائل سياسية جادة في مواجهة هيمنة اليمين.

ويعتقد المشني أن فشل سياسات إدارة الصراع، إلى جانب الفشل في “حسمه” عبر القوة العسكرية، خصوصاً في ظل الإبادة الجماعية الجارية، يقود إسرائيل مجتمعًا ونخبًا سياسية وفكرية إلى لحظة مواجهة حقيقية مع الواقع، مفادها أن الحروب لا تُنهي الصراع مع شعب بأكمله.

ويؤكد المشني أن الفلسطينيين، رغم محاولات الإضعاف، يملكون قدرة دائمة على إعادة تنظيم أنفسهم والانبعاث من جديد، ما يعني أن مقولة “حسم الصراع” ليست سوى وهم آخر، مشددًا على أنه لا وجود لصراع أبدي، وأن اليمين الإسرائيلي قد ينجح في تأجيل الحل، لكنه لن يتمكن من منعه إلى الأبد.

أي نقاش يجب أن يعقب وقف حرب الإبادة

ويشدد المشني على أن أي نقاش حول هذه الرؤية يجب أن يأتي بعد وقف الحرب الجارية وإنهاء الإبادة الجماعية، لأن هذه الأولوية لم تعد فلسطينية فقط، بل أصبحت إنسانية وأخلاقية وعالمية، ويقع على عاتق المجتمع الدولي، وأنصار السلام داخل إسرائيل، مسؤولية الضغط لوقف هذه الجرائم أولاً.

ويوضح المشني أن من الضروري بعد ذلك فتح نقاش فكري جدي داخل المجتمعين، الفلسطيني والإسرائيلي، حول رؤية “دولتان في وطن واحد”، لأنها ليست رؤية جزئية أو انتقائية، بل “رزمة متكاملة” تحمل توازناً دقيقاً بين الحقوق والواقع، ولا يمكن التعامل معها كقائمة خيارات يتم اختيار ما يناسب وترك ما لا يُعجب أحد الطرفين.

ويؤكد المشني أن هذه الرؤية ليست أفكاراً أو مبادرات تجريبية، بل خلاصة قرن كامل من الصراع والمبادرات الفاشلة، وهي محاولة جدية لإعادة ترتيب الواقع وتحويل التحديات إلى فرص.

ويؤكد المشني أن المستقبل ذاته، بكل متغيراته، سيفرض هذه الرؤية على الأرض، لأنها نابعة من الواقع لا من الأيديولوجيا، قائلاً: “هذه ليست دعوة تبشيرية، بل قراءة موضوعية لمسار التاريخ، ومنطق الواقع هو من سيجعلها قابلة للتحقق”.

محاولة جريئة لكسر الجمود التاريخي

من جانبه، يؤكد البروفيسور جمال حرفوش، أستاذ مناهج البحث العلمي والدراسات السياسية في جامعة المركز الأكاديمي للأبحاث في البرازيل، أن الطروحات السياسية غير التقليدية، مثل فكرة “دولتان في وطن واحد” التي طرحها الكاتب والمحلل السياسي عوني المشني، تمثل محاولة جريئة لكسر الجمود التاريخي في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

ومع ذلك، يشدد حرفوش على أن تقييم هذه الرؤية يواجه تحديات متعددة الأبعاد تأخذ في الاعتبار السياقات المحلية، والإقليمية، والدولية، إلى جانب تفكيك عناصرها القانونية، والسيادية، والهوياتية، مع الأخذ بعين الاعتبار المواقف الفصائلية، والرسمية، والشعبية، والعربية، والدولية.

ويوضح حرفوش أن الفرص المتاحة أمام هذا الطرح تتمثل في قدرته على كسر المعادلات الصفرية التي هيمنت على الصراع، والتي تقوم على الإقصاء.

ويشير حرفوش إلى أن هذه الرؤية تفتح آفاقًا للتعايش ضمن وحدة جغرافية مع انفصال هوياتي وسيادي، مما قد يحرك الجمود السياسي القائم، كما أنها تستفيد من التحولات الإقليمية والدولية، حيث يتراجع الدعم الدولي لحل الدولتين التقليدي، مما يجعل هذا الطرح محاولة للتكيف مع الواقع الدولي الذي يعطي الأولوية للاستقرار.

مقاربة أمنية مشتركة للقدس

ويرى حرفوش أن مقاربة أمنية مشتركة للقدس، كما يقترح الطرح، قد تلقى ترحيبًا من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لأنها تقلص احتمالات التصعيد في المدينة المقدسة.

ويشير حرفوش إلى أن انهيار الأمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة قد يخلق بيئة نفسية، خاصة بين الأجيال الشابة، تجعلها أكثر استعدادًا لقبول حلول بديلة تحقق الحقوق المدنية وتضمن البقاء على الأرض.

ورغم ذلك، يحذر حرفوش من التحديات الكبيرة التي تواجه هذا الطرح، أهمها أنها تصطدم مع الرؤى الشرعية الوطنية والحق التاريخي للشعب الفلسطيني، حيث قد يُنظر إلى الرؤية على أنها تنازل عن الثوابت الوطنية، مثل حق تقرير المصير، وإقامة دولة ذات سيادة، وعودة اللاجئين وفق القرار الأممي 194.

ويشير حرفوش إلى أن هذا الطرح سيواجه رفضًا قاطعًا من غالبية الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حركتي “حماس”، و”الجهاد الإسلامي”، و”الجبهة الشعبية”.

الرفض الإسرائيلي المؤسسي يشكل تحديًا

وفي المقابل، يشير حرفوش إلى أن الرفض الإسرائيلي المؤسسي يشكل تحديًا آخر، حيث يرفض حتى اليمين الوسطي في إسرائيل فكرة المساواة أو الشراكة السياسية، معتبرًا أن الأرض كلها لليهود، بينما يستبعد الأمن الإسرائيلي أي فكرة لـ”أمن مشترك” في القدس.

ويلفت حرفوش إلى أن رؤية المشني قد تستخدم كذريعة لتبرير ضم الضفة الغربية فعليًا تحت مسمى جديد، مما يضعف حل الدولتين المعترف به دوليًا، ويخلق واقعًا جديدًا يخدم الاحتلال.

ويؤكد حرفوش أن انعدام الثقة التاريخي، المغذى بالكراهية والدمار، خاصة مع استمرار الإبادة في غزة، يجعل الحديث عن شراكة جغرافية منفصلًا عن الواقع.

وفيما يتعلق بالتداعيات، يشير حرفوش إلى أن هذه الطروحات قد تعمّق الانقسام الوطني الفلسطيني، حيث ستراها الفصائل الوطنية والإسلامية طعنة في النضال التحرري، بينما قد تدعمها بعض النخب الليبرالية أو السلطوية كوسيلة للحفاظ على امتيازات سياسية.

ويوضح حرفوش أن المشهد العربي منقسم، حيث ينشغل العرب بقضاياهم الداخلية، وبعضهم يميل إلى قبول حلول مشوهة بسبب التطبيع، لكن دولًا مثل الأردن ومصر سترفض إلغاء حل الدولتين خوفًا على أمنها الوطني.

“خريطة ذكية” لتجميد الصراع

أما دوليًا، يشير حرفوش إلى أنه قد يُنظر إلى الرؤية كـ”خريطة ذكية” لتجميد الصراع، لكنها لن تحظى باعتراف قانوني إن لم تستند إلى القرارات الأممية، كما أنها تعيد تعريف مفاهيم “التحرير” و”العودة” و”السيادة”، مما يفتح نقاشات فلسفية وقانونية، لكنها لن تكون مقبولة شعبيًا دون زوال الاحتلال.

ويؤكد حرفوش أن أي حل سلمي مقبل لن يكون نتيجة أفكار نظرية، بل سيستند إلى تحولات ميدانية كبرى، مثل انهيار منظومة الاحتلال أو تغيير في ميزان الردع الإقليمي.

ويشدد حرفوش على أن السلام الحقيقي يتطلب عدالة مطلقة، واعترافًا صريحًا بحقوق الشعب الفلسطيني، مع ضمانات قانونية دولية تردع الاحتلال عن استمرار سياساته الاستيطانية والعنصرية.

ويؤكد حرفوش أن رؤية “دولتان في وطن واحد” ستظل مجرد فكرة نظرية ما لم تستند إلى قاعدة قانونية عادلة وإرادة سياسية حقيقية، مشيرًا إلى أنها ستُحاكم أمام ضمير الشعب الفلسطيني الذي يرفض أي مساومة على حقوقه الوطنية.

طرح يتجاهل جوهر المشكلة

بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن طرح فكرة “دولتان في وطن واحد” للكاتب عوني المشني كحل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يتجاهل جوهر المشكلة، وهي طبيعة الاحتلال الإسرائيلي كمشروع استعماري استيطاني إحلالي قائم على نفي الآخر.

ويوضح بشارات أن هذا الطرح يشرعن وجود إسرائيل على الأرض الفلسطينية، متجاهلاً الحقائق التاريخية والقانون الدولي الذي يؤكد أن الأراضي الفلسطينية، على أقل تقدير منذ حدود 4 يونيو 1967، هي أراضٍ محتلة.

ويشير بشارات إلى أن الصراع ليس بين شعبين يتعايشان على أرض واحدة بنظام اعتيادي، بل هو صراع بين مشروع احتلالي أيديولوجي ديني يسعى لإلغاء الفلسطينيين كأصحاب الأرض والحضور التاريخي، وبين شعب فلسطيني يدافع عن حقوقه.

ويؤكد بشارات أن القانون الدولي، بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، يثبت بوضوح أن إسرائيل قوة احتلال، وأن الأراضي الفلسطينية ليست محل نزاع بل أراضٍ محتلة يجب إنهاء احتلالها.

ويستشهد بشارات بتجربة فلسطينيي 1948 كدليل على استحالة قبول إسرائيل لمشاركة سياسية أو مدنية حقيقية، موضحًا أنه رغم التزامهم بالنظام القانوني الإسرائيلي منذ النكبة، لم تمنحهم إسرائيل حقوقًا مدنية وسياسية كاملة، مما ينفي أي أمل في قبولها لفكرة “دولتان في وطن واحد” التي تتطلب مساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

رؤية إسرائيل الأيديولوجية الإحلالية.

ويؤكد بشارات أن الواقع العملي يظهر أن إسرائيل تحول الضفة الغربية إلى منطقة غير صالحة للحياة عبر الاستيطان والعنف الممنهج، بهدف طرد الفلسطينيين، وهو ما يتماشى مع رؤية إسرائيل الأيديولوجية الإحلالية.

ويؤكد بشارات أن تطبيق هذا الطرح سيصطدم بعقبات جوهرية، منها مفهوم أحقية الوجود، والنظام السياسي، والحقوق المدنية الكاملة.

ويشير بشارات إلى أن سلوك المستوطنين والاحتلال في الضفة الغربية يكشف عن خطط لطرد الفلسطينيين، وليس للتعايش معهم.

ويرى بشارات أن هذا الطرح يتجاهل الاعتداءات على المقدسات، مثل المسجد الأقصى، الذي تسعى العقلية الدينية الإسرائيلية لهدمه لإقامة معبد يهودي، مما يقطع الطريق على أي شراكة حقيقية.

ويحذر بشارات من أن هذه الرؤية لن تتجاوز كونها أطروحة نظرية غير قابلة للتطبيق، مشيرًا إلى أن إسرائيل، التي أفشلت فرصة حل الدولتين بعد اتفاقية أوسلو، لن تقبل بمبدأ الشراكة أو التعايش السلمي.

ويؤكد بشارات أن طموحات إسرائيل التوسعية في الشرق الأوسط، التي تتجاوز الأراضي الفلسطينية إلى هيمنة جيوسياسية، تجعلها غير مستعدة للتخلي عن أوهامها أو قبول حل يضمن حقوقًا متساوية للجميع.

ويعتقد بشارات أن إسرائيل سترفض هذا الطرح بشكل قاطع، كما رفضت مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002، حين وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أريئيل شارون، بأنها “لا تساوي الحبر الذي كُتبت به”.

ويشير بشارات إلى أن الدعم الأمريكي المستمر يعزز من قدرة إسرائيل على فرض رؤيتها التوسعية، التي تتجاهل الحلول المرحلية وتسعى إلى “خطة الحسم” لضمان السيطرة الكاملة.

ويؤكد بشارات أن هذه الأطروحات للتسوية السلمية ستبقى حبيسة الصفحات، مطوية بفعل الرفض الإسرائيلي قبل أي طرف آخر، ولن تجد مكانًا إلا في سجلات التاريخ.

الصراع أصبح أكثر تعقيدًا وتشعبًا

من جهته، يؤكد الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي وقضايا الصراع، نزار نزال، أن الرؤى السياسية الرامية إلى إيجاد حلول سلمية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لن تجد أي أذن صاغية، مشيرًا إلى أن هذه المبادرات محكوم عليها بالفشل في ظل الظروف الراهنة.

ويوضح نزال أن الصراع أصبح أكثر تعقيدًا وتشعبًا، نتيجة غياب قرار فلسطيني موحد، وتطرف الحكومة الإسرائيلية، والدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، إلى جانب عجز عربي وتواطؤ غربي.

ويشير نزال إلى الانقسام الفلسطيني كعامل رئيسي يعيق أي تقدم سياسي، حيث تتحكم حركة “حماس” في قطاع غزة، بينما توجد حركة “فتح” في الضفة الغربية، مع وجود نظام سياسي فلسطيني مترهل غير قادر على التعاطي مع المبادرات بسبب غياب قيادة موحدة.

ويشدد نزال على أن الانفصال الجغرافي بين غزة والضفة يزيد من تعقيد المشهد، مما يجعل صياغة خطاب فلسطيني موحد أمرًا مستبعدًا.

ويؤكد نزال أن الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمينية المتطرفة ترفض الاعتراف بالشعب الفلسطيني، وتنظر إليه كمجرد أفراد بلا حقوق وطنية.

غياب قيادة إسرائيلية واقعية

ويوضح نزال أن هذه الحكومة، التي يقودها رجال دين وحاخامات متشددون، تتبنى رؤية صهيونية دينية وقومية متطرفة، وتتمسك بقضية القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل، رافضة أي تنازل يمس هذا الموقف.

ويشير نزال إلى أن الشارع الإسرائيلي قد انحرف نحو الصهيونية الدينية، مع تلاشي اليسار والوسط السياسي، مما يعني غياب قيادة إسرائيلية واقعية قادرة على التعاطي مع حلول سياسية.

في حين، يوضح نزال أن الرؤية الجديدة التي طرحها الكاتب والمحلل السياسي عوني المشني، تتناول قضايا حساسة مثل عودة اللاجئين، التي تعد جوهر القضية الفلسطينية.

ويشير نزال إلى أن أي تلميح للتنازل عن حقوق اللاجئين سيواجه رفضًا فلسطينيًا واسعًا، خاصة من الفلسطينيين في الشتات، الذين سيعتبرون أنفسهم مستبعدين نهائيًا من أي تسوية.

ويؤكد نزال أن قضية القدس لن تجد قبولًا لدى الفلسطينيين، بل وحتى لدى بعض العرب والمسلمين، مما يقلص فرص نجاح أي مبادرة.

حرب إقليمية بحلول أكتوبر المقبل

ويحذر نزال من أن المنطقة تتجه نحو تصعيد خطير، متوقعًا أن تشهد حربًا إقليمية بحلول أكتوبر المقبل، تشمل إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وإيران والعراق واليمن وسوريا من جهة أخرى.

ويشير نزال إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي “حكومة حرب” عقائدية ومتطرفة، لا تؤمن بالسلام، وقد ارتكبت أعمال تطهير عرقي وإبادة بحق الفلسطينيين، مما يجعل الشعب الفلسطيني غير مستعد للتسامح أو قبول تسوية دون محاسبة إسرائيل.

ويوضح نزال أن إسرائيل تتصرف كدولة فوق القانون، مدعومة بتغطية أمريكية مستمرة تركز على الحرب بدلاً من الحلول السياسية.

ويؤكد نزال أن الرؤى السياسية، التي طُرحت منذ مؤتمر مدريد سنة 1991 وحتى اليوم، لم تجد طريقها للتطبيق بسبب تنكر إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني.

ويؤكد نزال أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، بطابعها العقائدي المتطرف، تجعل أي أمل بتحقيق حل سياسي أمرًا مستحيلًا في المدى المنظور، خاصة في ظل الدعم الأمريكي غير المشروط والعجز العربي المستمر.

الفرص أمام هذا المقترح معدومة

الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني د. عقل صلاح يبدي تشاؤمه الشديد إزاء إمكانية تطبيق المقترح الذي قدمه الكاتب عوني المشني بشأن حل الصراع الذي يشبه حل الدولتين بشكل مخفف، معتبرًا أن الفرص أمام هذا المقترح معدومة في ظل السياسات الإسرائيلية المتطرفة والدعم الأمريكي المطلق لها.

ويؤكد صلاح أن إسرائيل تنظر إلى الصراع مع الفلسطينيين من منظور أيديولوجي ديني وتلمودي، حيث ترى أن فلسطين من البحر إلى النهر هي “الدولة اليهودية”، بل وتسعى إلى توسيع حدودها، مما يجعل أي حل سياسي يضمن الحقوق الفلسطينية أمرًا مستبعدًا.

ويشير صلاح إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قاد معارضة اتفاقية أوسلو منذ سنة 1996، لن يقبل بمقترح مثل الذي يطرحه المشني، أو أية طروحات أخرى تقوم على حل الدولتين بشكل مبسط.

ويوضح صلاح أن إسرائيل تمضي نحو مزيد من التطرف، رافضة الاعتراف بأي حقوق فلسطينية، حتى على مستوى الحكم الذاتي المحدود.

ويرى صلاح أن السياسة الإسرائيلية تهدف إلى القضاء على الكيانية الفلسطينية من خلال استهداف السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي، مما يجعل تطبيق أي مقترح سلمي أمرًا شبه مستحيل.

المقترحات السلمية تواجه عقبات كبيرة

ويؤكد صلاح أن المقترحات السلمية تواجه عقبات كبيرة في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، مدعومة بغطاء أمريكي يواصل دعمه لتمكين سيادة إسرائيل منذ مؤتمر مدريد سنة 1991.

ويوضح صلاح أن الولايات المتحدة تشترك مع إسرائيل في الرؤية السياسية، وتميل بشكل واضح لدعم المصالح الإسرائيلية، وتوفر لها الحماية بكافة الوسائل، مما يعزز سيطرتها الكاملة على الأراضي الفلسطينية.

ويلفت صلاح إلى تراجع الدور العربي في دعم القضية الفلسطينية، التي أصبحت قضية ثانوية بالنسبة للعديد من الدول العربية.

ويشير صلاح إلى أن بعض هذه الدول قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل دون التوصل إلى حل عادل للقضية، مما يضعف الموقف الفلسطيني، كما أن القيادة الفلسطينية تخلت عن شرعية المقاومة لصالح الحل السلمي، الذي لم يحقق أي تقدم يذكر، حيث ترفض إسرائيل الاعتراف بهذا الخيار.

ويحذر صلاح من أن أي حلول سلمية مقبلة قد تكون أقل إنصافًا من اتفاقية أوسلو، وستخدم المصالح الإسرائيلية بشكل أكبر، في ظل كل تلك العوامل.

ترتيبات إدارية واقتصادية فقط

ويتوقع صلاح أن تفرض الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، حلاً سياسيًا إجباريًا يقتصر على ترتيبات إدارية واقتصادية، مع بقاء السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.

ويشير صلاح إلى أن هذا الحل قد يشمل ضم التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، مع السماح بنوع من التمثيل الفلسطيني الشكلي لإدارة الكثافة السكانية.

ويؤكد صلاح أن أي رؤية تتجاهل قضية اللاجئين أو تقبل باستمرار الاستيطان ستكون “منقوصة وطنيًا”، ولن يقبلها الشعب الفلسطيني.

ويشدد صلاح على أن وجود التجمعات الاستيطانية الضخمة في الضفة الغربية يلغي أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، حتى لو كانت شكلية.

ويشير صلاح إلى أن العوامل المتمثلة في التطرف الإسرائيلي، والدعم الأمريكي والغربي، وتراجع الدور العربي، والانقسام الفلسطيني، ستظل تشكل تحديات حقيقية أمام أي مبادرة سلمية، محذرًا من أن هذه المقترحات قد تبقى حبيسة النظريات دون أي أمل بالتطبيق.

وقائع ميدانية تُجهض إمكانية تحقيق تسوية

بدوره، يقول الكاتب والمحلل السياسي هاني أبو السباع إن إسرائيل أثبتت تاريخياً، ومنذ عقود، لم تُبدِ التزاماً حقيقياً بأي من المبادرات السياسية المطروحة لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الواقع على الأرض يشير بوضوح إلى سعي متواصل من حكوماتها المتعاقبة، خاصة اليمينية منها، لفرض وقائع ميدانية تُجهض أي إمكانية لتحقيق تسوية سياسية عادلة.

ويوضح أبو السباع أن أولى الخطوات الدولية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي جاءت عقب نكسة سنة 1967، حين أقر مجلس الأمن الدولي القرار 242، الذي دعا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها، مقابل اعتراف عربي بدولة إسرائيل، ما يعني فعلياً القبول بمبدأ “حل الدولتين” على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، غير أن إسرائيل تجاهلت القرار، بل ذهبت أبعد من ذلك، حين ضمت القدس الشرقية ومرتفعات الجولان بين عامي 1980 و1981، وواصلت اعتداءاتها باجتياح جنوب لبنان حتى وصول جيشها بقيادة أرييل شارون إلى مشارف بيروت.

ويؤكد أبو السباع أن إسرائيل لم تتعاطَ بجدية مع أي من المبادرات السياسية التي تم طرحها، رغم أن الدول العربية قدمت عدة مبادرات تضمن السلام والاعتراف، أبرزها المبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002.

الحلول السياسية فرصة للمماطلة وشراء الوقت

ويشير أبو السباع إلى أن اتفاق أوسلو الموقع عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل شكّل بارقة أمل آنذاك، إلا أن إسرائيل سرعان ما بدأت بمحاصرة السلطة الفلسطينية، وصعّدت من سياساتها الاستيطانية ومصادرة الأراضي.

ويعتقد أبو السباع أن التطورات اللاحقة أثبتت أن إسرائيل كانت تخطط لتقويض أي أفق للحل، عبر اقتحامات متكررة للمسجد الأقصى، وحفر أنفاق تحته، ما أدى إلى اندلاع مواجهات شعبية واسعة، قوبلت باجتياحات عسكرية إسرائيلية للضفة الغربية، ما قضى على الثقة الهشة التي أنتجها اتفاق أوسلو.

ويلفت أبو السباع إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، ذات التوجهات اليمينية المتطرفة، لا ترى في الحلول السياسية سوى فرصة للمماطلة وشراء الوقت، في ظل صمت أوروبي ودعم أمريكي يُقرأ إسرائيلياً كموافقة ضمنية على الممارسات العدوانية بحق الفلسطينيين.

ويقول أبو السباع: “مع اقتراب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة، قد تُسمع مجدداً دعوات للحل ووقف الحرب، لكن الواقع الميداني يؤكد أن إسرائيل تسير في اتجاه مغاير تماماً، وهو فرض الهيمنة وإشعال الصراعات على أكثر من جبهة، بعيداً عن أي نية حقيقية للتسوية السياسية”.

 

المصدر ” والقدس دوت كوم