المسار : لم يعد أمام الاتحاد الأوروبي سوى محاولة اللحاق بمبادرات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كل من الحرب الروسية- الأوكرانية وتطورات ملف قطاع غزة، وذلك بسبب فقدان الاتحاد المبادرة في الملفات الدولية الكبرى لاسيما التي تدور بالقرب من حدوده.
في هذا الصدد، لقد جرى تهميش الاتحاد الأوروبي في مفاوضات قطاع غزة التي قادها البيت الأبيض، ولم يترك للاتحاد سوى دور الممول والمساهم في إعادة إعمار القطاع الذي دمرته حرب الإبادة الإسرائيلية، كما يحاول الاتحاد الرهان على الاعتدال في معاقبة إسرائيل. وارتباطا بهذا، أقدم وزراء خارجية الاتحاد في اجتماعهم الاثنين من الأسبوع الجاري على تعليق العقوبات الاقتصادية التي كانت ستفرض على إسرائيل بسبب حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، رغم أن القرار تسبب في قلق بعض الدول مثل إيرلندا وإسبانيا اللتين تطالبان بعقوبات حقيقية ضد إسرائيل.
ونقلت جريدة الباييس في عدد الأربعاء أن وثيقة للاتحاد الأوروبي تفيد بأنه رغم عدم مساهمة الاتحاد في صياغة مخطط السلام الهش الذي أشرف عليه البيت الأبيض لوضع حد للحرب، إلا أنه يريد المساهمة في تطبيقه دون الاقتصار فقط على الشق الاقتصادي بل كذلك المستقبل السياسي للقطاع. ومن ضمن ما يريد الاتحاد الأوروبي المساهمة به سياسيا هو معالجة الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والتركيز على حل الدولتين مستقبلا علاوة على وقف الاستيطان في الضفة الغربية، ثم تمكين السلطة الفلسطينية من التمويل المالي دون قيود وتأخر للقيام بدورها.
ولا يتخوف الاتحاد الأوروبي من رفض ترامب بل من حكومة بنيامين نتنياهو بسبب موقف الأوروبيين دعم محاكمته أمام محكمة العدل الدولية، وإصرار بعض الدول على وصف ما يجري في قطاع غزة بحرب الإبادة وجرائم حرب.
وفي ملف آخر لا يقل حساسية عن الملف الفلسطيني بل ويتعلق بمستقبل أوروبا، يسيطر قلق كبير على الدول الأوروبية جراء مخطط البيت الأبيض الذي يضغط على كييف للتنازل لروسيا عن شرق أوكرانيا، إقليم دونباس، مقابل السلام، حسبما أوردت صحف مثل فايننشال تايمز وواشنطن بوست الاثنين الماضي.
وكان زعماء الاتحاد الأوروبي رفقة بريطانيا قد وجهوا رسالة الى واشنطن مؤخرا يطلبون مراجعة هذا الموقف أو على الأقل بدء مفاوضات مع روسيا بدون تطبيق شروط وتنازلات مسبقة مثل التنازل عن شرق أوكرانيا لموسكو. وكان ترامب قد ضغط على الرئيس الأوكراني فولولديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي للتنازل عن دونباس لصالح موسكو حتى ينقذ بلاده من التدمير والتفكك.
وكان من المقرر أن تحتضن بودابست هذا الأسبوع لقاء بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين لمعالجة الحرب الروسية- الأوكرانية، غير أن شروط إنجاح اللقاء ليست متوفرة، وجرى تأجيل الاجتماع.
وهكذا، كانت أصوات كثيرة تحذّر منذ سنوات، ومنها المسؤول السابق عن السياسة الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بضرورة تولي الأوروبيين الحسم أو على الأقل لعب دور هام في القضايا السياسية الشائكة مثل أوكرانيا وفلسطين لأنها تمس الأمن القومي الأوروبي مباشرة.
إلا أن التردد وغياب المبادرات وضعف المسؤولين الأوروبيين، جعل الاتحاد يكتفي بدور ثانوي جدا، ويبحث عن لعب دور مكمل للمبادرات الأوروبية كما يحدث الآن في قطاع غزة وأوكرانيا.
وكانت افتتاحيات الجرائد الكبرى مثل الباييس ولوموند والغارديان قد حذّرت في عدد من المناسبات من أن تقاعس الأوروبيين سيجعلهم مهمشين في صنع القرار الدولي بما فيه الذي يمس مصالحهم مباشرة مثل ما يحدث في أوكرانيا الآن.