الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 “N12” 30/9/2024

مــا بــعــد نصــر اللــه: إسرائيــل تــؤسس لشــرق أوسـط جديد

بقلم: عاموس يادلين

بعد عام من التطاحن على نار هادئة نسبياً على الحدود اللبنانية، انتقلت إسرائيل، مؤخراً، من النهج المستند إلى الرد، إلى استراتيجية مبادِرة ومفاجِئة. أمّا النجاحات، فقد كانت على قدر الجهود: ضرب قاسٍ ومسبب للشلل، جاء من العدم، فأصاب آلاف ناشطي التنظيم من حَمَلَةِ أجهزة الاستدعاء والاتصال اللاسلكي، وتحييد آلاف الصواريخ والمقذوفات المخبأة داخل المنازل المدنية في القرى، والموجهة نحو إسرائيل، عن طريق الجو. ثم جاءت الذروة؛ اغتيال حسن نصر الله في الحصن القيادي تحت الأرض التابع لـ “حزب الله”، بعد سلسلة من عمليات الاغتيال التي “جزّت” رؤوس القيادة العسكرية للتنظيم.

إلى أين ستكون وجهتنا من هذه النقطة؟ هل نحن ذاهبون إلى حرب إقليمية، أم إلى احتواء الحدث، أو ربما إلى استثمار هذا النجاح في إنهاء الحرب؟

تُعد التطورات الأخيرة نقطة تحول حربية على سبع جبهات، إذ تُخاض الحرب بأغلبها بوتيرة منخفضة منذ نحو عام. وهناك أربعة عناصر ستحسم مصير الحرب وترسيم مستقبل الإقليم على مدار السنوات المقبلة: إسرائيل، ثم “حزب الله،” ثم إيران، فالولايات المتحدة.

تحديث أهداف الحرب

على إسرائيل أن تقرر إذا ما كان عليها التمسك بهدف إعادة سكان الشمال بأمان، أو المضي نحو هدف أكثر طموحاً، يتمثل في إسقاط “حزب الله”، كما قال رئيس الحكومة في خطابه أمام الأمم المتحدة، بل أيضاً ربما استمرار “تهشيم الحلقة النارية” التي حاصرتنا إيران بها، وبعد ذلك البدء بالعمل ضد الخلية التي تدير هذا كله في دمشق.

مخطط سياسي

إذا قررت إسرائيل التمسك بالهدف الذي حددته قبل أسبوعين (إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان)، فإن عليها أن تسمح للولايات المتحدة بأن تقودها نحو معاهدة مع لبنان تضمن تطبيقاً مختلفاً تماماً لقرارَي مجلس الأمن رقم 1559 و1701؛ بحيث يستند التطبيق هذه المرة إلى منظومات رقابة وإنفاذ أقوى كثيراً، وإلى إغلاق الحدود السورية – اللبنانية، ومنع عمليات تهريب السلاح. كما يضمن نزعاً تاماً للسلاح في المنطقة الواقعة جنوب خط الليطاني، والتعامل مع هذه المطالب بصفتها مطالب لا تقبل التفاوض أو المهادنة، وتوفر لإسرائيل شرعية العمل ضد تنامي العمل العسكري في لبنان، كما فعلت في سورية قبل الحرب.

الانسحاب في أوج المعركة

لو كنا قد أنهينا حرب لبنان الثانية سنة 2006 بعد الإغارة على الضاحية لكانت نتائج الحرب مختلفة تماماً. وعلى إسرائيل الآن أن تضع شروطاً لإنهاء الحرب، وتنهيها على الجبهتين الشمالية والجنوبية.

اجتياح بري واسع النطاق

سيكون الأمر خطأً يستغله “حزب الله”. وفي المقابل، فإن على القرى التي تمثل البيئة الداعمة للحزب على الحدود أن تدفع الثمن الأقصى، ويجب تنظيف هذه القرى من شبكات “الإرهاب”، سواء من ناحية الإغارات البرية، أو الهجمات الجوية، ولاحقاً، بوساطة قوة دولية تملك صلاحيات كبرى، ويتم نشرها على الحدود.

حرب إقليمية

من يحسم في هذا الشأن هو إيران، وقد كان نصر الله هو الرقم 2 في معادلة المحور، كما كان هو “قلب المحور النابض”، وقد استثمر الإيرانيون مليارات الدولارات في حزبه، بصفته الجهة العسكرية الأهم في المحور المناهض لإسرائيل. ومن المتوقع أن يأخذ الإيرانيون وقتهم للتفكير، لكن إمكان قرارهم ضرب إسرائيل هو أمر قائم وحقيقي، وعلينا أن نهتم بألاّ يكون الرد الإيراني قفزة نحو القنبلة النووية.

الولايات المتحدة

هناك مشاعر مختلطة؛ ففي واشنطن يسود غضب مكبوت ضد رئيس الحكومة، الذي رد مقترح الإدارة الأميركية لوقف إطلاق النار، وهناك شكوك لدى الإدارة بأن نتنياهو يعمل من أجل تقديم العون إلى ترامب في الانتخابات.

وفي المقابل، هناك دم أميركي كثير على يدَي حسن نصر الله، ويُعد ضرْب هذا التنظيم خطوة مهمة من أجل إنشاء تغيير يؤدي إلى التوازن في الشرق الأوسط لمصلحة المعسكر المعتدل الذي تقف الولايات المتحدة على رأسه. ويتمثل الهدف الرئيسي للإدارة الأميركية، الآن، في الحؤول دون نشوب حرب إقليمية قبل الانتخابات، ولذا، فمن المقبول الاعتقاد أن هذه الإدارة سترسل، للمرة الثانية، رسالة بصيغة “Don’t” إلى الإيرانيين، وتكثف الحضور العسكري الأميركي في الإقليم.

وعلى إسرائيل أيضاً أن تتذكر أن الولايات المتحدة هي حليفتها الأكبر، بل أيضاً في بعض الأحيان حليفتها الوحيدة، وأننا في حاجة إليها في مجلس الأمن، وفي توفير السلاح، وفي ردع إيران من أجل إنهاء ما يحدث بطريقة تضمن المحافظة على الإنجاز الاستراتيجي الإسرائيلي لوقت طويل.

ومن الملائم التوصل إلى حالة من التنسيق مع الأميركيين بشأن سيناريوهات إنهاء المعركة، ومنظومات هذا الإنهاء، التي سيكون الأميركيون هم من يقودونها.

الانفصال عن السنوار؟

على “حزب الله”، الآن، أن يقرر إذا ما آن الأوان للتخلي عن الصيغة التي أصر عليها نصر الله، والتي تربط جبهة الشمال بغزة، فهذا الإصرار أدى إلى حدوث كارثة لحقت برأس التنظيم، وتشير ردوده الضعيفة نسبياً حتى الآن إلى عمق الضربة التي تلقّاها، وإلى عدم قدرته على توفير رد عملياتي على القدرات الاستخبارية، والهجومية، والدفاعية الإسرائيلية.

دور الأسد هو التالي؟

في إطار فك حلقة النار الإيرانية المحيطة بإسرائيل، علينا التفكير في ضرب نظام الأسد، الذي مثّل الجسر الأساسي للإمدادات العسكرية وتنامي “حزب الله”.

وعلى الأسد أن يختار الآن إذا ما كان يريد مواصلة العمل في خدمة الإيرانيين، ليعرّض بذلك بقاءه للخطر، أم إن عليه أن يغير سلوكه، ويغلق الحدود السورية أمام عمليات تهريب السلاح الإيراني. كما أن إسرائيل لديها أيضاً “فاتورة مفتوحة” مع الحوثيين في اليمن، والميليشيات في العراق.

العودة إلى المنابع

على إسرائيل، بعكس ما تصرفت به خلال العام الماضي، أن تعود إلى أسس تصورها الأمني الكلاسيكي: الحروب القصيرة، والحسم الواضح، وعدم التنازل في مسألة تنامي جيوش العدو على حدودها.

سيكون النصر حليفنا في الشمال إذا تصرفنا وفقاً للعقيدة الأمنية الإسرائيلية، بعكس هذا الاستثمار الكبير في حرب غزة، وتلك الأثمان الهائلة التي تدفعها إسرائيل هناك اليوم، وهذه الأثمان ظهرت، على سبيل المثال، في خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل (يوم الجمعة الماضي) من جانب “موديز”.

تحرير المختطَفين

لا يزال هذا هو هدفنا الأعلى، وواجبنا الأخلاقي اليوم، أكثر من أي وقت مضى. اليوم: ضعفت ركائز الادعاء بأن وقف الحرب سيضر بالردع الإسرائيلي، وسيؤدي إلى وقوع سيناريو يشبه 7 تشرين الأول في الشمال أو الجنوب. كما أن ادعاء أن إسرائيل لن تعود قادرة على العودة إلى محور فيلادلفيا نتيجة الضغط الدولي المكثف هو ادعاء غير صحيح كما ثبت.

وبعد تصفية قيادة حزب الله و”حماس”، والعملية في مصياف في سورية، والغارة على مرفأ الحديدة في اليمن، عادت إسرائيل مجدداً لتظهر كقوة إقليمية كبرى، ومن شأنها أن تعود إلى مكانها بصفتها قوة عظمى قادرة على التوصل إلى اتفاق يضمن استعادة الأسرى، حتى لو أتاح ذلك لحركة “حماس” الحصول على إنجازات معينة ومؤقتة ويمكن سحبها.

شعب إسرائيل لا يخاف من الطريق الطويل، وخصوصاً بعد أن أثبت أن يده هي العليا.

——————————————–

عن “N12” 30/9/2024

استغلال «الفرصة الاستثنائية» على الجبهة الشمالية

بقلم: كوبي مروم

شهدنا خلال الأسبوع تغييراً دراماتيكياً في الساحة الشمالية لإسرائيل، فالدولة تتبنّى سياسة مبادِرة وهجومية، وتخترق قواعد اللعبة التقليدية لحرب الاستنزاف، وبذلك، تنجح إلى حد ما في ترميم قوة الردع الخاصة بها أمام “حزب الله” والمنطقة برمّتها. وهذه الخطوة تشكّل نقطة تحوّل مهمة في الإستراتيجية الإسرائيلية، وتطرح أسئلة ضرورية بشأن استمرار القتال وإسقاطاته الإقليمية.

و”حزب الله” من طرفه يتواجد الآن في المرحلة الأكثر تحدياً منذ إقامته، فالهجوم الذي يُنسب إلى إسرائيل ضد منظومات التواصل للتنظيم وجه ضربة قاسية إلى الهيكلية القيادية الخاصة به، كما قُتل مسؤولون كبار، وأصيب آخرون، وتم إخراجهم من الخدمة.

وتشير القدرات في مجال السايبر والاستخبارات التي برزت خلال هذه العملية إلى بنية ذكية بُنيت على مدار سنوات، ونجحت في إخراج “حزب الله” من توازنه وترك قائده، حسن نصر الله، من دون طاقم مسؤول كبير دَعَمَه طوال الحرب. وكان هذا هو المثال الواضح على قدرة التكنولوجيا المتطورة والاستخبارات على تغيير ميزان القوى في ساحة المعركة الحديثة.

وقد شكّل اغتيال إبراهيم عقيل حجراً إضافياً في هذا الضرر الجدّي بالقيادة العسكرية لـ”حزب الله”. فعقيل، الذي كان معروفاً بأنه قائد الجبهة الجنوبية منذ فترة الحزام الأمني، كان هدفاً للاغتيال عند إسرائيل عدة مرات سابقاً، ونجاح عملية الاغتيال الحالية تشير إلى إغلاق دائرة مهمة، إذا أخذنا بعين الاعتبار الدم الكثير الذي سال من جنودنا خلال قيادته.

وعقب هذه الإنجازات المذهلة، يُطرح السؤال الضروري بشأن الإستراتيجية الإسرائيلية في الساحة الشمالية، كيف يمكن استغلال هذه النجاحات الحالية؟ وما الإنجاز العسكري الذي يجب على إسرائيل أن تسعى له في نهاية المعركة؟ وهل الضربة الكبيرة لضباط “حزب الله” والمسؤولين الكبار يمكن أن تقود نصر الله والإيرانيين إلى وقف النار والاتجاه إلى ترتيبات مع إسرائيل؟ والإجابة عن هذا السؤال في رأيي سلبية.

على الرغم من الإنجازات والضرر الكبير الذي لحق بالحزب، فإنه يجب الحذر من شعور الاستعلاء والنشوة، فـ”حزب الله” لا يزال تنظيماً “إرهابياً” قوياً، ولديه هيكلية قيادية ميدانية قوية، وقدرة كبيرة على تلقّي الضربات. وعلى الرغم من الثمن الكبير الذي دفعه، فإن منظومات إطلاق القذائف الخاصة به ما زالت تعمل، ويطلق الحزب مئات القذائف كل يوم على إسرائيل. عملياً، يمكن التقدير أن “حزب الله” لم يستنفد بعد كل قدراته، وهذا تذكير مهم بأن المعركة لا تزال بعيدة عن النهاية، وأنه يجب الاستمرار في الضغط المستمر والعنيف من أجل الوصول إلى الأهداف الإستراتيجية.

إن مصلحة إيران و”حزب الله”، التي كانت ولا تزال كامنة في استمرار حرب الاستنزاف، حتى لو كانت بدرجة أعلى، وفي الوقت نفسه الامتناع عن تصعيد لحرب شاملة، يمكن أن تلحق ضرراً كبيراً بقدرات “حزب الله” الذي لا يزال “جوهرة التاج” في الإستراتيجية الإيرانية، بعد أن استثمرت مليارات الدولارات خلال الأعوام الـ10 الأخيرة في بناء قدراته الصاروخية وغيرها، من أجل ردع إسرائيل عن ضرب المواقع النووية الإيرانية، وهذا الواقع يزيد في تعقيد الوضع. والحاجة إلى توجه متعدد الأبعاد لا تتعامل فقط مع التهديد الفوري من جانب “حزب الله”، بل أيضاً مع الإستراتيجيا الإقليمية الواسعة لإيران.

وبسبب الأهمية الإستراتيجية لـ”حزب الله” في الأمن القومي الإيراني، فإنه سيكون على طهران أن تتخذ قراراً في مرحلة معيّنة، وتقرر هل من الصواب وقف التصعيد للمحافظة على القدرات المذهلة لـ”حزب الله”، أم يجب الاستمرار في هذه المواجهة واتخاذ مخاطرة كبيرة؟

لتفعيل ضغط حقيقي ودفع إيران و”حزب الله” إلى وقف إطلاق النار، وإجراء مفاوضات للترتيبات، يجب على إسرائيل استغلال الفرصة النادرة التي نشأت، وإصابة الهيكلية القيادية للعدو. وبدلاً من الاستمرار في “النار المتدرجة” التي تسمح لـ”حزب الله” بالنهوض من جديد، فإن على إسرائيل أن تبادر إلى هجوم قوي وعنيف أكثر كثيراً، ويتضمن:

– القصف الجوي العنيف لمواقع “حزب الله” في ضاحية بيروت.

– إلحاق الضرر الكبير بالجبهة اللوجستية للحزب في بعلبك.

– استمرار تفعيل القوة لإجلاء المجتمع الشيعي من جنوب لبنان نحو بيروت.

– مناورة برّية واسعة وعنيفة لاحتلال جنوب لبنان حتى نهر الليطاني، واستعمال ألوية الحسم لدى الجيش.

هذه الخطوة، التي يمكن أن تستمر لثلاثة أسابيع، ضرورية لاستهداف بنى قوة “الرضوان” في جنوب لبنان، والتي أغلبها تحت الأرض، والهدم المطلق لهذه البنى ضروري لإنهاء المعركة في الشمال وإعادة شعور الأمان إلى سكان الشمال النازحين كي يعودوا إلى المطلة، وزرعيت، وكريات شمونة، ويعلموا أن بنى “الرضوان” هُدمت حتى النهاية. وإذا لم تستغل إسرائيل هذه الفرصة الاستثنائية، فسيكون هذا خطأً إستراتيجياً سنندم عليه طويلاً، وطبعاً يحتاج هذا إلى قرارات شجاعة.

وعلى الرغم من القتال لعام كامل في قطاع غزة، فإن الجيش لا يزال جاهزاً للمناورة في لبنان؛ فألوية الحسم التي راكمت خبرة عملياتية كبيرة في غزة، يمكنها تنفيذ المهمة بمهنية وتصميم.

وهذه الخطوة العنيفة تستوجب التنسيق الكامل مع إدارة بايدن على صعيد الدعم السياسي، وأيضاً التزويد بالسلاح، كما أن الوجود العسكري الجدي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ضروري لردع إيران عن دخول المعركة، والتعاون معها يمكن أن يساعد أيضاً في صوغ إستراتيجية خروج وجهود دبلوماسية للوصول إلى ترتيبات مستقرة لما بعد الحرب.

إن القرار بتحويل مركز الثقل إلى الساحة الشمالية، والبدء بسلسلة ضربات ضد “حزب الله”، وفي الوقت نفسه عدم وجود صفقة تبادل أسرى، وساحة غزة لا تزال مفتوحة، خطأ إستراتيجي صعب، ويمكن أن يكون في مصلحة إيران ضمن حرب استنزاف في كل الساحات، وتأجيل إمكانات التوصل إلى صفقة في أسابيع.

وإلى جانب المعركة الكثيفة في الشمال، يتوجب على القيادة الإسرائيلية العودة والتركيز على تجديد المفاوضات لتحرير الرهائن، وهذا ليس فقط تعبيراً عن الالتزام الأخلاقي العميق لهؤلاء الذين تخلت دولة إسرائيل في 7 تشرين الأول عنهم، بل أيضاً أداة ضغط إستراتيجية يمكن أن تؤثر في المعركة في الجبهات المتعددة.

إن الإنجاز العسكري المطلوب في نهاية المعركة يجب أن يتضمن إلحاق ضرر كبير بمنظومات الصواريخ الدقيقة لـ”حزب الله” التي تهدد وسط البلد والمواقع الإستراتيجية، وتدمير كل البنى التابعة لقوة “الرضوان” والقدرات الصاروخية في جنوب لبنان، والانسحاب الكامل لقوات “حزب الله” شمالاً إلى ما بعد نهر الليطاني. وإن تحقيق هذه الأهداف، إلى جانب وقف إطلاق النار في الجنوب والشمال، والترتيبات على الحدود الشمالية، سيسمح بإعادة النازحين إلى منازلهم، وببناء محور إستراتيجي بقيادة الولايات المتحدة ضد إيران التي لا تزال التهديد الأكبر على أمن المنطقة.

——————————————–

هآرتس 30/9/2024

لا يجوز أن نسمح لـ«حزب الله» بالتعافي

بقلم: إسرائيل هرئيل

بدأ الأمر، أول من أمس، قبل أن تسكت المدافع، وبدأ المعلقون، خصوصاً العسكريين منهم، يتنبؤون بشـأن وقف إطلاق النار، ولم يخفوا تأييدهم لتطور كهذا. وأتساءل: ماذا يعرفون؟ ومَن الجهة التي استقوا منها معلوماتهم؟ أول من أمس، نشرت عشر دول بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”، والأصح القول إيران.

في السنة الأخيرة، كان “حزب الله” يدكّ شمال إسرائيل، وكان “أصدقاء إسرائيل” يتابعون وأحياناً يتنهدون، لكنهم لم يتخذوا أي خطوة حقيقية لوقف “حزب الله” وإعادة السكان الذين نزحوا في إسرائيل إلى منازلهم. لكن العجيب أنه منذ اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل بفتح نيران فاعلة وحاسمة على نصر الله، حتى لو لم يكن حزبه عرضة لخطر الانهيار، خرجت فجأة مبادرة وقف إطلاق النار؛ أي إنقاذ نصر الله. والمقصود هنا إنقاذ إيران من الورطة التي انجرت إليها، أو بادرت إليها. ومن المثير للاستغراب الطريقة التي يعمل بها “العالم المستنير”، بزعامة جو بايدن وإيمانويل ماكرون، من أجل “استئصال الشر” من منطقتنا، والدفاع عن “المعتدي”.

إن وقف إطلاق النار، سواء أدخل حيز التنفيذ في “الساعات المقبلة” أو في الأيام المقبلة، أم لم يحدث أبداً، يعني أمراً واضحاً، أنه لم يأت من العدم. ويبدو أنه في ساعات ذروة المعركة، وعندما وجد العدو نفسه في بداية عملية انهيار، هرعت قوى كبيرة عالمية، ولا يمكن ألا يكون هذا من دون عِلم نتنياهو، كي تمد إليه حبل الإنقاذ.

وحتى إذا لم تتوقف الهجمة الإسرائيلية لتحقيق أهدافها المتواضعة جداً، “إعادة سكان الشمال إلى منازلهم”، ماذا بشأن نزع سلاح “حزب الله”، وتعهدات إيران بوقف تزويده بالسلاح؟ هل هذان الشرطان تحتوي عليهما مبادرة بايدن – ماكرون من أجل إنهاء الحرب؟ لطالما قال الاثنان وكررا أنهما مع وجود دولة يهودية قوية وديمقراطية في الشرق الأوسط.

حضرة الرئيسَين المحترمَين، كيف يمكن أن تكون إسرائيل دولة قوية إذا لم يُنزع سلاح “حزب الله”، ولم يطبَق قرار الأمم المتحدة رقم 1701، على الرغم من مرور 18 عاماً؟ هكذا تماماً تصرف مَن سبقكما في المنصب؛ إذ فرضوا علينا وقفاً لإطلاق النار، ففتحوا بذلك الباب أمام تزوُد “حزب الله” بالسلاح وآلاف الصواريخ التي نعيش الآن تحت تهديدها، والتي شهدنا جزءاً صغيراً منها في الأشهر الأخيرة.

ممنوع السماح لـ”حزب الله”، الذي ما زال يملك عشرات الآلاف من القذائف والصواريخ، بينها الصواريخ الدقيقة القادرة على ضرب كل الأهداف والبنى التحتية الإستراتيجية في إسرائيل، بأن يحظى بدقيقة واحدة من وقف إطلاق النار، إلى أن يوافق على التخلص من صواريخه، والانسحاب إلى ما وراء الليطاني، وتفكيك قواته البرية. ولدينا القوة والعزيمة لإجباره على الموافقة على ذلك.

يجب ألا نسمح لنصر الله بالتعافي من الضربات التي تعرض له، هذا الأسبوع، ومصيره كمصير السنوار واحد، الاغتيال. فقط بعد ذلك، سيقبل سكان الشمال بالعودة إلى منازلهم، وهكذا، يمكن قيام ستاتيكو جديد من دون تهديدات، حتى لو لم يكن هناك سلام في شمال البلد، وفي تل أبيب أيضاً كما شهدنا، الأربعاء الماضي.

——————————————–

هآرتس 30/9/2024

الأسبوعان الاخيران يلقيان بظلال شك على كون إسرائيل حليفة الولايات المتحدة

بقلم: الون بنكاس

منذ 7 تشرين الاول 2023 والمصلحة الامريكية العليا في الشرق الاوسط هي منع التصعيد الاقليمي. هذا المنع فشل، حتى لو كان يبدو في واشنطن خلال 11 شهر بأن هذا تقريبا ينجح. على طول محور الزمن تمت صياغة مصالح ثانوية. المصلحة الثانية كانت اقامة بنية تحتية سياسية لترميم الاستقرار بواسطة تقليص حجم الحرب والنار، ووقف النار ومنع توسيع الحرب. ايضا هذه العملية فشلت.

المصلحة الثالثة كانت بلورة خطة لغزة ما بعد الحرب، تشمل قوة عربية وتعاون السلطة الفلسطينية وملء الفراغ الحكومي في غزة، من هناك كانت الولايات المتحدة تأمل توسيع التغيير في غزة ليصبح اطار سياسي اقليمي يشكل وزن مضاد امام “محور الارهاب والفوضى”، الذي تقف في مركزه ايران؛ “محور الاستقرار” الذي يشمل اسرائيل والسعودية ومصر والاردن وقطر واتحاد الامارات والسلطة الفلسطينية، كل ذلك برعاية امريكا. لكن هذه الخطة فشلت. المصلحة الرابعة التي اصبحت مصلحة هامة في الصيف هي منع تحويل الحرب الى مكرهة ومصدر ازعاج سياسي في الفترة التي تسبق الانتخابات الامريكية، ايضا هنا كان فشل.

رغم النوايا الحسنة والمنطق السياسي في هذه المصالح لكل ذوي العلاقة وادوات الضغط للولايات المتحدة في ترسانتها السياسية والعسكرية، إلا أنها فشلت. لا توجد طريقة معتدلة أو لطيفة أكثر لصياغة ذلك. المقارنة بين وضوح الاستراتيجية، السياسة المنظمة والادارة الناجعة والحازمة للولايات المتحدة في ازمة اوكرانيا منذ 2022، والاستخذاء والتشويش ودمج السذاجة والغطرسة في ادارة العلاقات مع بنيامين نتنياهو حول الحرب في غزة والتصعيد في لبنان، ليست اقل من مدهشة في تناقضها الحاد.

في اوكرانيا الولايات المتحدة بلورت سياسة جديدة. فقد اعادت صياغة اهداف وجوهر حلف الناتو، ووسعت الحلف عند انضمام السويد وفنلندا، ووفرت مساعدة كبيرة ومستمرة لاوكرانيا. المساعدة في الدفاع عن اسرائيل، منظومات السلاح والتسليح والحماية السياسية، كانت تقريبا غير مسبوقة. ولكن في كل ما يتعلق بالحفاظ والدفع قدما بمصالحها في الشرق الاوسط حول الحرب، فان سياسة امريكا فشلت في تحقيقها. في مخزن السياسة الخارجية والمصالح للولايات المتحدة الاستراتيجية فان الشرق الاوسط لم يعد حاسم مثلما كان في السابق، لكن الفشل ينعكس الى الخارج وتتم مشاهدته في العالم.

تحدٍ صريح وصارخ

الخط الثاني الذي يمر بين بنود الفشل الامريكي يوجد له اسم وهو بنيامين نتنياهو. في بؤرة وديناميكية العلاقات بين امريكا واسرائيل (من البداية هي علاقات غير متكافئة، التي ما زال يتم اعادة تشكيلها في واقع دولي مختلف عما كان عليه عندما تم تصميمها في السبعينيات والثمانينيات)، توجد قاعدة توجيه تفوقت حتى الآن على القواعد الاخرى: حرية عمل محدودة لاسرائيل، وتنتهي عندما تتصادم افعالها مع مصالح الولايات المتحدة. خلال سنوات حرصت اسرائيل على تنفيذ هذه القاعدة. نتنياهو بدأ يمطها، وعندما شاهد بأن ذلك يمر بدون رد حقيقي من الادارة الامريكية، وفقط يتطلب انتقاد خفيف، فقد استمر في ذلك.

الادارة الامريكية استغرقها سنة حتى تستوعب. وحتى الآن من غير المؤكد أنها ادركت ذلك بشكل كامل، أن نتنياهو يسعى الى المواجهة بشكل متعمد. مقولة “أنا فقط أعرف كيفية الوقوف أمام امريكا”، ليست تصميم مبرر لتحقيق مصالح اسرائيلية حيوية، بل مناورة شعبوية لاغراض داخلية. بالضبط كما لا يوجد لخطاباته في الكونغرس أي اهمية سياسية، ولم يتم طرح فيها في أي يوم سياسة باستثناء ما اعتبره نتنياهو فائدة سياسية. امريكا استغرقها سنة حتى تبدأ بالفهم أن هدف نتنياهو هو مواصلة الحرب في غزة، وأن طموحه هو التصعيد، الذي ربما سيخلق حرب مع ايران، التي ستجر الولايات المتحدة اليها. بعد سنة من الالاعيب والخداع والتضليل والاكاذيب والتردد لا يوجد التزام بالتفاهمات، بل هناك تحد صريح وصارخ احيانا، ربما ادركوا في الادارة الامريكية بأن نتنياهو لا يعتبر حليف موثوق للولايات المتحدة.

هذا الامر لا يدل بالضرورة على جوهر السياسة الامريكية، وفي حالة معينة ربما الولايات المتحدة اخطأت. ولكن النموذج كان واضح والاحتكاك والمواجهة حدثت بوتيرة متزايدة: حجم استخدام القوة الزائدة في غزة، حجم قتل المدنيين، المساعدات الانسانية، الرفض المطلق لمناقشة اطار سياسي لغزة بعد الحرب، الديماغوجيا وصرخات الاستغاثة بأنهم “يحاولون فرض دولة فلسطينية علينا” (كأن هذا محتمل)، التملص والجشع فيما يتعلق بصيغة وقف اطلاق النار وصفقة التبادل، الاكاذيب حول التفاهمات، الرفض في رؤية أنه في وقف اطلاق النار في غزة يوجد مفتاح منع التصعيد في لبنان.

هذا لا يعني أن اسرائيل غير محقة في بعض الحالات. حتى لو كان من الحكمة المس الاستراتيجي بحزب الله فقد كان من الصحيح القول للامريكيين بهدوء: اعتمادنا عليكم كبير جدا، تقريبا اعتماد وجودي. المساعدات التي منحتونا اياها كانت حيوية وغير مسبوقة. توجد بيننا خلافات حول خططكم، وها هي خططنا، هذه هي خطتنا لغزة، وهذه خطتنا للبنان بعد مهاجمة حزب الله. ولكن هذا لم ولن يحدث.

رغم طبيعة السياسة الامريكية الفاترة، ورغم الخليط المدمر من البراءة الشديدة، “نتنياهو فقط أمس قدم التزام”،  وغطرسة “نحن نعرفه منذ 30 سنة وسنعرف كيفية ادارته وكبحه”، رغم كل ذلك إلا أن الادارة الامريكية تستمر في شراء السيارات المستخدمة بدون محرك من نفس التاجر. مع ذلك، في الاسبوعين الاخيرين اصبح واضحا أن هناك شيء لم يتم قوله في السنة الماضية إلا بالهمس وهو أنه منذ 2023 والانقلاب النظامي اسرائيل ليس فقط تراجعت عن البنية التحتية لـ “القيم المشتركة” مع الولايات المتحدة، بل هي تضع محل الشك مسألة كونها حليفة للولايات المتحدة.

نهاية الشريك الخفي

حقيقة أن الولايات المتحدة تعتبر كمن ليس لديها اداة ضغط على اسرائيل أو أنها غير معنية باستخدامها، تخلق فيها وفي العالم صورة ضعف. نتنياهو يمكنه تقديم المواعظ حتى الغد في الامم المتحدة بأن اسرائيل تحارب “من اجل الغرب وقيم العالم الحر”، لكن لا أحد يصدقه.

الولايات المتحدة ايدت الحرب في غزة ومبررها. وأيدت ايضا بأثر رجعي العمليات ضد حزب الله، وهي مرة اخرى ترى نتيجة لذلك فرصة لاعادة تشكيل محور مناهض لايران، ومرة اخرى ستكتشف أن هذا المشروع ينقصه شريك رئيسي وهو بنيامين نتنياهو.

——————————————–

هآرتس 30/9/2024

الهجمات هي رسالة لإيران: اختيار الحرب سيؤدي الى المس بها وبوكلائها

بقلم: ألوف بن رئيس تحرير صحيفة هآرتس

يوجد منطق استراتيجي واضح لسلسلة عمليات اسرائيل ضد حزب الله في لبنان، وأمس ضد الحوثيين في اليمن، وتهديد ايران بأنه  اذا دخلت الى المعركة فستتم مهاجمتها بشكل قوي، المنطق هو “تحطيم” وحدة الساحات الذي ايران وحلفاءها الاقليميين فرضوه على اسرائيل منذ هجوم حماس في 7 تشرين الاول.

خلافا لجولات القتال السابقة التي بقي فيها الفلسطينيون وحدهم امام اسرائيل، في هذه المرة حماس تحصل على الدعم الناجع من “منظومة المقاومة” بقيادة ايران. المواجهة متعددة الساحات فرضت على اسرائيل نشر قواتها بين الجنوب والشمال، وأدت الى اخلاء المستوطنات في الجليل الاعلى وحصار بحري مستمر حتى الآن على ايلات، اضافة الى هجمات الصواريخ والمسيرات من لبنان واليمن والعراق، التي استمرت بعد أن فقدت حماس ذراعها الصاروخي. وطالما أن الجيش الاسرائيلي كان يتركز في جبهة غزة فان اسرائيل تعرضت للنار من الجبهات الاخرى وجمعت قوتها للقيام بعملية واسعة، عمليات القصف الاستراتيجية، بالاساس استيعاب ذخائر هجومية في الاسراب الحربية وصواريخ اعتراض لبطاريات الدفاع الجوية.

قبل اسبوعين تقريبا تم استكمال تجميع القوة. الجهد الرئيسي انقلب، وغزة مع المخطوفين الاسرائيليين المحتجزين فيها اصبحت ساحة ثانوية. استخدام القوة في العمليات الاخيرة تجاوز كل ما فعله سلاح الجو حتى الآن، من حيث عدد الاهداف وكمية الذخيرة التي القيت في وقت قصير، ايضا من حيث ابعاد العملية وطبيعة الاهداف. احد قادة سلاح الجو شرح لي ذات مرة معنى قصف محطة لتوليد الطاقة، كما فعل الجيش الاسرائيلي في الحديدة في غرب اليمن: “اعادة اقامتها سيستغرق بضع سنوات، ولا يمكن ترميمها بسرعة حتى في دولة منظمة ومتقدمة اكثر من اليمن”.

اسرائيل اظهرت في الهجوم الجوي المضاد ايضا الدعم المطلق لها من الادارة الامريكية لتنفيذ عمليات قصف استراتيجية، وتوفير السلاح لها والحماية الدبلوماسية وارسال قوات الى المنطقة. الرسالة المطلوبة لايران واضحة: من الجدير أن تطلبوا بسرعة وقف لاطلاق النار وفرضه على حزب الله والحوثيين والمليشيات في العراق. هكذا ستبقى حماس مضروبة ومتعبة ووحدها في الساحة امام اسرائيل، وستحاول التوصل الى صفقة التبادل بسعر اقل بكثير من السعر الذي طلبه يحيى السنوار. واذا صمم الزعيم الايراني، علي خامنئي، الاستمرار في القتال فان اسرائيل ستقوم بضرب ايران مباشرة وستقوم في نفس الوقت بشن عملية برية تنطوي على مخاطرة في لبنان، التي ستؤدي الى تدمير القرى الشيعية قرب الحدود التي يعمل منها حزب الله.

حتى زعيم اليسار في اسرائيل، يئير غولان، دعا أمس الى احتلال قرية العديسة اللبنانية التي تطل على كيبوتس مسغاف عام. هذا فقط جزء صغير من خطته “جلوس جيد” التي طرحها في قيادة المنطقة الشمالية من اجل احتلال قاطع امني يتمثل بالجبال الصخرية المسيطرة، والتي سكانها اللبنانيون سيتم طردهم بالقوة الى حين التوصل الى اتفاق على ابعاد حزب الله. كما يقتضي انتماءه الحزبي فان غولان ما زال لطيف مقارنة مع اعضاء اليمين الذين يريدون استبدال اللبنانيين بالمستوطنين الاسرائيليين.

في الفترة القريبة القادمة، عند انتهاء العزاء على حسن نصر الله، ستكون حاجة الى متابعة التطورات في طهران. اذا رأينا شخصيات ايرانية رفيعة تخرج بسرعة الى موسكو فسنعرف أن خامنئي يريد مساعدة بوتين في التوصل الى اتفاق لوقف النار والحفاظ على ما بقي من ذخر “منظومة المقاومة”. بيني ميدان، من رجال الموساد السابقين، يقترح دمج روسيا في الاتفاق واستغلال الازمة الحالية من اجل التوصل الى صفقة مع الدول العظمى تربط بين تهدئة الحرب في اوكرانيا وعلى حدود اسرائيل، وتعطي بوتين من جديد دور عالمي وتعيد الاستقرار الذي تضعضع في اوروبا وفي الشرق الاوسط. في المقابل، روسيا تتوقف عن تزويد ايران بالسلاح المتطور. من غير الواضح اذا كانت الادارة الامريكية تستطيع الدفع قدما بعملية معقدة كهذه في أواخر فترة ولايتها.

اذا تنازلت ايران عن الجهود الدبلوماسية واختارت الاستمرار في الحرب فهي ستعطي اسرائيل والولايات المتحدة الذريعة للمس بذخائر النظام الثمينة والعزيزة عليه، وستهدده بالتدمير من الخارج وانتفاضة في الداخل. القرار يوجد الآن بيد خامنئي.

——————————————–

 هآرتس 30/9/2024

في الحسابات الإسرائيلية عن الخروج الى هجوم بري في جنوب لبنان لا مكان لغرور العظمة

بقلم: عاموس هرئيلِ عاموس هرئيلِ المحلل العسكري لصحيفة هآرتس

في الضاحية الجنوبية في بيروت اخرجوا ظهر أمس جثة رئيس حزب الله، حسن نصر الله، من تحت انقاض مركز القيادة، المبنى الذي قصفه سلاح الجو الاسرائيلي في يوم الجمعة. بعد وقت قصير أكد حزب الله بأنه في هذا الهجوم قتل ايضا علي كركي، قائد جبهة الجنوب في حزب الله. في هجوم آخر لاسرائيل في يوم السبت قتل نبيل قاووق، وهو اسم معروف في قيادة حزب الله منذ ثلاثة عقود. وأمس، حيث استؤنف القصف في الضاحية، يبدو أنه كان على مرمى الهدف عدد من الباقين الأخيرين في قيادة حزب الله.

بعيدا عنهناك، في ايران، في حادث لم تتضح ظروفه بعد، قتل المنسق الاعلى اليمني للحوثيين بتحطم مروحية. في اليمن نفسها قصف سلاح الجو للمرة الثانية ميناء الحديدة ردا على اطلاق صاروخ على مركز البلاد أول أمس. جميع هذه العمليات، التي كل واحدة منها كانت ستحصل على عنوان كبير لو أنها كانت قبل شهر أو شهرين، تم اقصاءها الى هامش الاخبار على خلفية اغتيال حسن نصر الله، الذي هو من الاشخاص الهامين في الشرق الاوسط في العقود الاخيرة.

في مقال نشر في مجلة “تايم” اقتبس فراس مقصد، محلل في أحد معاهد الابحاث في واشنطن، مقولة قديمة لفلادمير اليتش لينين: “هناك عقود لا يحدث فيها أي شيء. وهناك اسابيع تحدث فيها عقود”.

هذا صحيح بالتأكيد بالنسبة للاسابيع الاخيرة التي فيها يبدو أن اسرائيل حطمت تقريبا بشكل كامل العمود الفقري لقيادة لحزب الله، ودمرت جزء كبير من مخزون صواريخه وقذائفه، وأنهت ذلك بعملية الاغتيال الصارخة لرئيسه. ولكن المهمة لم تنته حقا. فالهجمات الكثيفة لسلاح الجو تستهدف، الى جانب الاستمرار في ملاحقة الشخصيات الرفيعة، مخازن صواريخ وقذائف اخرى. سؤال واحد بقي مفتوح وهو هل العملية التي تستكمل الهجوم الجوي، التي سجلت نتائج بعيدة المدى، ستشمل هجوم بري للجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان.

رؤساء المجالس المحلية على الحدود الشمالية، التي تم اخلاء سكانها، اضافة الى شخصيات رفيعة في قيادة المنطقة الشمالية، يضغطون للدفع قدما بهذه الخطوة. حسب قولهم هناك حاجة كبيرة الى معالجة البنية التحتية العسكرية التي اقامها رجال حزب الله، بالاساس وحدات قوة “الرضوان”، قرب الحدود، فوق وتحت الارض، خلال سنوات منذ الحرب الاخيرة في 2006. ومثلما حدث في قطاع غزة فان هذا يمكن أن يتم بالاساس بواسطة ادخال القوات البرية، لكن سيرافقه احتكاك عسكري اصعب وخسائر ايضا. على مدى سنين تمت مناقشة خطط مختلفة، بدءا بدخول محدود الى مناطق سيطرة وانتهاء باحتلال كل المنطقة جنوب نهر الليطاني.

مع الاخذ في الحسبان الاجراءات التي قام بها حزب الله لسنوات استعدادا لعملية برية من قبل اسرائيل في جنوب لبنان، فان هذه لن تكون مهمة سهلة. حتى لو كان كثير من اعضاء الحزب هربوا نحو الشمال. النقاشات في اسرائيل تتناول مسألة هل هذه العملية هي حيوية، وهل الضروري الآن هو ضربة اخرى للحزب من اجل تدميره والمس بمكانته وقدراته لسنوات.

الادعاء السائد في الفترة الاخيرة هو أن اسرائيل عانت من تقدير زائد لحزب الله، وخلال سنوات اخافت نفسها منه بشكل مبالغ فيه. الضعف والتشويش الذي يظهره حزب الله منذ هجوم البيجرات في 17 ايلول يثير وبحق مثل هذه التساؤلات. مع ذلك، ليس بالصدفة أن هذه هي الحادثة الاولى في نوعها التي فيها جيش، أو منظمة، يشهد انهيار كبير في وقت الحرب خلافا للتوقعات المسبقة. ضربة مفاجئة كبيرة جدا اثناء الحرب تؤدي الى الفوضى والشلل وتضر باتخاذ القرارات في القيادة وتترك القادة في الميدان والجنود العاديين ليحاربوا وحدهم. بالتحديد اسرائيل من بين الجميع يجب أن تعرف ذلك. هذا تقريبا ما شاهدته فرقة غزة في 7 تشرين الاول.

الانجازات الكبيرة التي راكمها الجيش الاسرائيلي مؤخرا شجعت على اجواء النشوة في الاستوديوهات، حيث المذيعين والخبراء تنافسوا فيما بينهم على تقدير ضعف العدو وتوزيع المديح على ابداع اسرائيل. ومثلما هي الحال دائما يجدر التذكر بأنه لا يوجد هنا صافرة نهاية، وأن العدو، بدءا بايران وحتى حزب الله وحماس، ما زال يمكنه الرد حتى لو تعرض لضربة شديدة. وحقيقة أن حزب الله يطلق في هذه المرحلة بضع مئات من الصواريخ تعكس كما يبدو قوة الصدمة والتشويش في صفوف الحزب. هذا لا يعني أنه لن يقوم أي أحد في مستوى القيادة هناك ويتولى زمام الامور في القريب.

الامر الذي يقلق الكثر هو رد ايران. فالحساب المفتوح على اغتيال اسماعيل هنية زاد بشكل كبير بعد اغتيال حسن نصر الله. وحتى أن الزعيم الروحي علي خامنئي (85 سنة)، الذي يحذر بشكل عام من التورط في حرب، يصعب التصديق بأنه سيسمح لنفسه لفترة طويلة بالمرور مر الكرام على ما حدث.

بخصوص الساحة الجنوبية يمكن التقدير وبحذر أن الشائعات حول موت رئيس حماس يحيى السنوار كانت مبالغ فيها، وربما سابقة لأوانها. وللمفارقة، ربما يوجد في ذلك افضلية معينة، السنوار يظهر في هذه الاثناء أنه الشخص الوحيد في حماس الذي يمكنه عقد صفقة التبادل. وهو منذ فترة طويلة يقوم بتأخير الرد على محاولات الوساطة، لكنه ليس الوحيد الذي يفشل الصفقة. فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي بشر أول أمس المواطنين بـ “أيام كبيرة” تنتظر شعب اسرائيل، يبدو كأنه فقد الاهتمام كليا بالمفاوضات في الجنوب.

نتنياهو يدفع ضريبة كلامية من اجل اعادة المخطوفين، لكنه عمليا يركز على الصراع الاقليمي الآخذ في السخونة. رئيس الحكومة يحظى بالتصفيق والهتافات من قاعدته السياسية على خلفية النجاحات في لبنان، التي وبحق احتاجت منه اتخاذ قرارات في ظل عدم اليقين والمخاطرة. حسب ما يمكن فهمه الآن فان توجه نتنياهو هو نحو الهجمات على كل الجبهات. ووقف اطلاق النار لا يوجد على رأس سلم اولوياته رغم صراخ عائلات المخطوفين.

——————————————–

هآرتس 30/9/2024

حكومة لبنان لا تعرف ما تفعله بـ “الفرصة التاريخية” التي حلت عليها

بقلم: تسفي برئيل محلل الشؤون العربية في صحيفة هآرتس

بعد اكثر من عشرين سنة، بعد تصفية صدام حسين ونظام رعبه، وبعد 13 سنة تقريبا على ثورة الربيع العربي التي اسقطت عددا من الزعماء الديكتاتوريين، مرة اخرى يعود مشهد النشوة. هذا العرض يتوقع بالتأكيد أن موت حسن نصر الله “سيغير خارطة الشرق الاوسط” حيث ترافقه اقتراحات وخطط عمل ستوجه لاستغلال الفرصة واعادة رسم نفس “خارطة الاحلام”. في نقطة الانطلاق لرؤية هذا النهوض، حيث تضرر اهم مركز للسيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية في البلاد منذ انتهاء الحرب الاهلية في العام 1989 عند التوقيع على اتفاق الطائف.

خصوصية واهمية اتفاق الطائف هي أنه حاول تحطيم التقسيم الطائفي في نظام الحكم الذي كان فيه للمسيحيين اغلبية، سواء في الحكومة أو في مؤسساتها وشركاتها الاقتصادية أو في الجيش. الاتفاق نص على أنه لن تكون للمسيحيين بعد الآن اغلبية في البرلمان الذي يستند الى استفتاء قديم اجري في 1932، ومنذ ذلك الحين لم يتم تجديده، وأن الـ 128 مقعد في البرلمان ستوزع بشكل متساو بين المسيحيين (واقليات اخرى غير مسلمة) وبين المسلمين، التعريف الذي شمل ايضا الدروز والعلويين.

في التقسيم الثانوي والاكثر اهمية لطوائف المسلمين تم تخصيص 27 مقعد للسنة و27 مقعد للشيعة. في اساس هذا التقسيم وقف الطموح الى أن اي طائفة لا يمكنها السيطرة على الدولة بشكل حصري، ومن اجل تشكيل أي حكومة سيكون على كل طائفة تشكيل ائتلاف مع طوائف اخرى بحيث يتم توزيع الغنيمة السياسية والاقتصادية. هذه التركيبة ظهرت في حينه كحل مناسب لانهاء الحرب التي استمرت 15 سنة. وهي لم تقم ببناء سياسة افضل في الدولة، لكنها اعطتها سنوات من الاستقرار. هذه بنية لم تتغير، ولا يتوقع أن تتغير، حتى بعد تصفية حسن نصر الله وكبار القادة العسكريين في حزب الله، لأنها مشمولة في الدستور الذي لا ينوي أي أحد في هذه الاثناء تغييره.

حسب هذا الدستور تم في الحقيقة تشكيل ائتلافات عابرة للطوائف، لكنها ايضا هي التي دهورت الدولة وقادتها الى الانهيار الاقتصادي الفظيع، وقادتها بسرعة الى شفا الافلاس والشلل السياسي الذي لا يستطيع فيه الطرفان المتعاديان التوصل الى اتفاق حول تعيين الرئيس. وفي ظل عدم وجود رئيس، الذي هو مخول بتعيين رئيس الحكومة، فهما لا ينجحان في تشكيل حكومة ثابتة يمكنها اتخاذ قرارات مصيرية، التي يمكنها انقاذ الدولة من الازمة.

في مقابلة اجراها يوسي ميلمان مع تمير بردو، رئيس الموساد السابق، قال الاخير “على حكومة اسرائيل أن تعلن بشكل علني أن الحكومة اللبنانية تتحمل المسؤولية الحصرية عن أي عملية عسكرية تخرج من لبنان. المنطقة الجغرافية المعروفة في العالم باسم لبنان توجد لها حكومة واحدة وعلم واحد وجيش واحد. وأي مفاوضات من اجل انهاء الحرب والترتيبات الامنية ستكون فقط مع الحكومة اللبنانية. يمكن انهاء هذه الحرب خلال بضع ساعات منذ اللحظة التي ستوضح فيها اسرائيل ذلك، والمجتمع الدولي يعترف بحقيقة أنه يوجد في لبنان كيان قانوني واحد”.

هذا التصريح يستند الى دعائم نظرية مناسبة، لكن في نفس الوقت هو منفصل عن الواقع في لبنان، وبالاساس عن كونه غطاء مثقب حظي بلقب “حكومة لبنان”. صحيح أن أي مفاوضات يجب أن تكون مع حكومة لبنان وأنه يوجد للدولة “حكومة واحدة”، لكنها حكومة يوجد فيها وزراء من حزب الله. هؤلاء، مع شركائهم في الائتلاف من حركة “أمل”، ومؤخرا حتى مع الحزب المسيحي “التيار الوطني الحر” لجبران باسيل، يمسكون بالحكومة والدولة من العنق، مع حسن نصر الله أو بدونه. ومن اجل احداث “التغيير التاريخي” ستكون حاجة الى اجراء الانتخابات، التي احتمال اجراءها في الوقت الحالي يشبه احتمالية تعيين رئيس أو اجراء اصلاحات اقتصادية.

يوجد لدولة لبنان “علم واحد وجيش واحد”، لكن عمليا يوجد فيها جيشان. الاول هو الرسمي الذي يترأسه الجنرال المسيحي جوزيف عون، الذي ذكر اسمه كمرشح للرئاسة. الثاني هو “جيش حزب الله”، الذي حتى بعد تدمير كل مخزون صواريخه للمدى المتوسط والمدى البعيد ولا يعود يشكل أي تهديد لاسرائيل، سيبقى في يديه ما يكفي من السلاح لتهديد الامن الداخلي في لبنان وتهديد خصومه السياسيين.

جيش لبنان الرسمي هو جيش اشباح. فحسب التقديرات هو يعد على الورق حوالي 80 جندي، مع سلاح جو وبحر رمزيان، بدون دفاع جوي يستطيع حماية سماء الدولة من الهجمات المعادية. بالاساس هذا جيش مفلس يعتمد على دفع رواتب الجنود على الدعم من قطر والولايات المتحدة، التي تسمح له بدفع راتب يبلغ 100 دولار في الشهر للجندي. من غير الغريب أن كثير من الجنود المسجلين يجدون لانفسهم اعمال اخرى من اجل اعالة عائلاتهم. مقاتلو حزب الله لا توجد لهم مشكلات كهذه. فراتبهم أعلى بكثير وهناك قناة تمويل تعتمد على مساعدة كبيرة من ايران وعلى موارد الحزب من خارج لبنان، دون التنازل عن نصيبهم في ميزانية الدولة.

خلال اشهر الحرب، وحتى قبلها، عرض المبعوث الفرنسي في لبنان، جان ايف لدريان، والمبعوث الامريكي عاموس هوخشتاين، خطة عمل تدفع قدما بتطبيق القرار 1701. وقد تم التأكيد على البند الذي ينص بأن جيش لبنان، بالتعاون مع قوة اليونفيل، سينتشر في جنوب لبنان ويمنع تمركز قوات حزب الله في المنطقة حتى نهر الليطاني. الخطة تشمل تجنيد 15 ألف جندي آخر في الجيش اللبناني وتدريبهم وتسليحهم واعدادهم. هذه الخطة حصلت حتى على موافقة حكومة نجيب ميقاتي الذي اعلن عن خطة اولية لتجنيد 5 آلاف متطوع. في موازاة انتشار هذه القوات وعندما سينتهي تجنيدها واعدادها، سيبدأ لبنان واسرائيل في التفاوض حول ترسيم الحدود البرية بين الدولتين، وهي عملية يمكن أن تحيد ذريعة حزب الله لمواصلة النزاع مع اسرائيل.

فقط مركب واحد كان ينقص الخطة من اجل استكمال تنفيذها وهو موافقة حزب الله. حسن نصر الله اشار في الواقع الى أنه لن يعارض أي قرار توافق عليه الحكومة اللبنانية في قضية ترسيم الحدود، لكنه أكد على أنه سيكون مستعد لمناقشة ذلك فقط بعد التوصل الى اتفاق حول وقف القتال في غزة. هذا الموقف، حتى بعد موت حسن نصر الله، سيستمر بالالتزام به ممثلو حزب الله في البرلمان وفي الحكومة. يمكن التقدير بأنه اذا قررت حكومة لبنان تطبيق الخطة بدون موافقة حزب الله فان الجيش اللبناني أو أي جهة دولية ستأتي الى لبنان للمساعدة في تنفيذ الاتفاق ستواجه بمقاومة عنيفة من قبل اعضاء حزب الله، التي من اجلها لن يكونوا بحاجة الى صواريخ بعيدة المدى. فالرشاشات والقنابل والعبوات الناسفة ستكون كافية لذلك.

رغم ذلك توجد احتمالية لحدوث انعطافة وتطبيق خطة عمل سياسية. هذا يكمن في تشكيل ائتلاف سياسي قوي يتبنى خطة العمل الامريكية – الفرنسية. المفتاح لمثل هذه العملية هو نبيه بري، الذي حتى الآن عمل كممثل لحسن نصر الله في كل قضية المفاوضات حول التسويات، وقف النار والاتصالات مع الغرب. نبيه بري (86 سنة) هو ثعلب معارك سياسية مخضرم وذكير، راكم رأس مال يقدر بعشرات ملايين الدولارات. وهناك تقديرات تتحدث عن مليار دولار. وهو يحصل على دعم كبير في اوساط الطائفة الشيعية. في الانتخابات الاخيرة في 1922 حصل حزبه على 15 مقعد، وحزب الله حصل على 12 مقعد.

ذهاب حسن نصر الله يمكن أن يعطي نبيه بري افضلية سياسية مهمة. فاذا عرف كيفية استغلالها في تشكيل ائتلاف داعم سيستطيع توجيه لبنان نحو اتفاق سياسي وعسكري، وحتى اكثر من ذلك، التوصل في نهاية المطاف الى تعيين رئيس للدولة. حتى الآن ايضا من موقع القوة الجديد الذي يمسك به الآن فان نبيه بري لا يمكنه تجاهل أو تجاوز موقف حزب الله اذا كان يريد التوصل الى تطبيق اتفاق يكون مرضيا لاسرائيل.

من اجل مساعدته ومساعدة حكومة لبنان على اتخاذ القرار “الصحيح” يمكن محاولة تجنيد منظومة الضغوط الدولية، وعرض اغراءات اقتصادية للبنان أو التهديد بفرض عقوبات، لكن من الجدير ايضا التذكر أن كل ذلك استخدم في السابق على لبنان، قبل الحرب وخلالها، بدون أن يترك أي بصمة على سياسة لبنان. يبدو أن خارطة الشرق الاوسط الجديد، التي ستبدأ من لبنان بعد حسن نصر الله، يجب أن تجد دائرة خرائط اخرى لتبنيها.

——————————————–

معاريف 30/9/2024

هل يمكن الان تحقيق فك الارتباط بين الجبهة اللبنانية وبين الجبهة في غزة؟

بقلم: مايكل هراري

تصفية زعيم حزب الله توقع ضربة شديدة على المنظمة وعلى ايران. الطرفان، وربما بالتشديد على ايران تقفان الان امام معضلة قاسية للغاية: هل مواصلة المنحى القتالي حيال إسرائيل، كما قاده نصرالله على مدى السنة الأخيرة؟ هل تشدد الخطوات بشكل يعطي شرعية لإسرائيل لتوسيع هجماتها على لبنان؟ هل ستتجه ايران الى رد مباشر من جانبها على إسرائيل؟ بالفعل، تساؤلات صعبة وكثيرة.

أولا، بالنسبة لإيران: اذا استندنا الى السنة الأخيرة، فليس لها مصلحة في تصعيد واسع جدا وفي مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو الخسارة التامة لربيبها في لبنان. لها مصلحة في إعادة التقرب من الغرب ومع التشديد على الإدارة الامريكية الجديدة  (كائنة من كانت) لاجل الازالة او التخفيف للعقوبات الاقتصادية والمواظبة على سعيها نحو قدرة نووية عسكرية.

اذا كان هذا هو الحال، فان طهران كفيلة بان تبتلع القرص المرير (جدا) وتمتنع عن الوقوع في شباك إسرائيل. صحيح أنها لم ترفع الايادي استسلاما، لكنها لن تسمح لإسرائيل بان تجرها الى مواجهة. بكلمات أخرى: ستتطلع الى أن تحتوي الضربة لقيادة حزب الله، تعيد تعبئة الفراغات القيادية فيه وتتمسك باستراتيجية بعيدة المدى تساعد على بقاء النظام.

بالنسبة لحزب الله، فان سلسلة الضربات الفتاكة انزلت بقدر كبير من أسهمه في ايران وعلى ما يبدو نقلت مسؤولية الحسم بالقرارات الصعبة الان الى طهران. المنظمة ستبذل جهودا هائلة للحفاظ على ذخائرها السياسية في لبنان كي تحفظ مركزيتها في كل ما يتعلق بالقرارات في الساحة السياسية في بيروت.

يقف لبنان امام تحد هائل. فهل ستنجح محافل المعارضة لحزب الله وربما أيضا تلك التي ارتبطت به في السنوات الأخيرة، في استغلال اللحظة المناسبة كي تعزز مؤسسات الدولة، تنتخب رئيسا وترفع لبنان الى مسار آخر؟ يمكن ان نكون شكاكين لكن يمكن أيضا بالسماح بقدر ما من المفاجأة الإيجابية.

السؤال المركزي: هل يمكن الان تحقيق فك الارتباط بين الجبهة اللبنانية وبين الجبهة في غزة، كما ارادت إسرائيل، في ظل ضربة شديدة لحزب الله؟ الكثير جدا متعلق بالدبلوماسية النشطة والفاعلة بقيادة أمريكية أن تعرف كيف تستغل بحكمة الضربات التي تعرض لها حزب الله. سطحيا، الظروف الحالية كفيلة بان تسمح بخطوة وقف نار في ظل حوار امريكي – إيراني (واسرائيلي من خلف الكواليس.

تحدٍ مشابه يقف امام إسرائيل. هل ستتمكن من استغلال نجاحاتها المبهرة حيال حزب الله كي تدفع قدما بخطوة سياسية حيال الجبهة اللبنانية؟ على إسرائيل ان تستغل إنجازاتها، الضربات لحزب الله وعدم مصلحة ايران في حرب واسعة ومباشرة، كي تصل الى وقف نار في الشمال. فهذا يفك عمليا الارتباط بالحرب في غزة ويفتح ثغرة لتوافقات طموحة اكثر تتجاوز العودة لمجرد 1701. الغاية هي الوصول الى منحى متفق عليه في لبنان يمنع أو يقلص جدا قدرة حزب الله على إعادة التسلح، ويسمح لدولة لبنان بتنظيم شؤونها، مع التشديد على انتخاب رئيس بشكل منقطع عن تأثير حزب الله.

من المهم أن نتذكر بان على الإنجازات العسكرية ان تؤدي الى خطوات سياسية لا يمكن في ظروف أخرى تحقيقها. حذار على إسرائيل أن تنجرف وراء نجاحات تكتيكية، مهما كانت مبهرة. فهذه يجب أن تترجم الى لغة استراتيجية.

——————————————–

يديعوت احرونوت 30/9/2024

تحذير لإيران من اليمن

بقلم: سمدار بيري

من خلف هجوم طائرات سلاح الجو الإسرائيلية، والذي نفذ بمفاجأة مطلقة على الأهداف التي تحت سيطرة الحوثيين في اليمن، تقف رسالة معدة للوصول الى ايران.  رسالة قابلة جدا للاستيعاب، وسهلة على الحل: دوركم أيضا يمكن ان يأتي.

حاليا ليس واضحا اذا كان زعيم الحوثيين، عبدالمالك الحوثي قرر تقليد خامينئي في طهران والدخول هو أيضا الى “مكان آمن”. ليس واضحا اذا كان مساعدو الحوثي توجهوا لرفع الهواتف لطهران او الى مدن في امارات الخليج. عن بيروت قرروا على ما يبدو التخلي، مع العلم ان شركاء الحوثيين في حزب الله تضرروا بشكل شديد جدا في هجمة البيجر، او صفوا، او فروا ودخلوا الى حفرة عميقة مع نصرالله في قلب الضاحية ولم ينقذوا منها.

الهجوم المفاجي لسلاح الجو في اليمن وقع على رأس خامينئي ومستشاريه كالقنبلة، نوع من المفاجأة السيئة على نحو خاص. فهم لم يتمكنوا بعد من طلب جثة نصرالله للدفن في ايران ولم ينجحوا في أن يقرروا ما العمل حيال مظاهرات الفرح للطلاب في المدن الكبرى لإيران بعد سلسلة التصفيات. في نظرة من بعيد يخيل أن شبان ايران يبحثون فقط عن أسباب للخروج للتظاهر في الشوارع. فاليد الطويلة التي يبديها الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان توقف الشرطة وقوات الامن من تنفيذ الاعتقالات.

من المهم الانتباه الى أنه بعد تصفية نصرالله، توجد للزعيم خامينئي لحظة من الارتياح. اذا تبين بما لا يرتقي اليه الشك بان الخليفة، هاشم صفي الدين حي يرزق حقا ولم يصفَ في الضاحية فهو الذي سيحل في المحل الكبير الذي احتله نصرالله. فالزعيم الجديد يعد في نظر قيادة الأجهزة في طهران كـ “رجلهم في لبنان”. فكذي سلسلة فضائية تنفيذية تفوق حتى تلك لدى نصرالله الذي احتل منصبه 32 سنة، الرقم القياسي في قيادة منظمة الإرهاب. صفي الدين قديم ومحنك جدا. وقد دخل الى قيادة شبه فارغة وهو متزوج من المرأة الصحيحة – ابنة الشخصية الإيرانية الأسطورية، قاسم سليمان. والاهم، صفي الدين مقرب جدا من القيادة الإيرانية. تربية خامينئي حقا ورجل الاسرار والاستشارات السرية للدائرة التي تحيط حاكم طهران.

هكذا، من ناحية كل محافل الامن والاستخبارات الإيرانية، هاشم صفي الدين معد لان يكون رسولهم، ممثلهم، منفذ كلمتهم، وبالطبع الأوامر التي تخرج من مكتب الحاكم والضباط الكبار في الحرس الثوري وقوة القدس الإيرانية.  تجربته، ذكاءه وتواضعه الشخصي سحرت قلب خامينئي. يقال عن صفي الدين بانه وحشي وذكي، رجل دين يعرف كيف يدير الناس، يعرف الحدود ويسعى منذ الان لان يرص من جديد صفوف حزب الله بعد سلسلة العمليات، والخسائر التي دفعت في الأسابيع الأخيرة. والان، أضيفت الاغتيالات.

السؤال المطروح ولا يلقى جوابا حاليا هو: هل تسريع البرنامج النووي بالتوازي مع إعادة بدء المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة – ام ان تقرر ايران، وهذا يتعلق بمن ينتخب الرئيس التالي للولايات المتحدة، التركيز سرا فقط على البرنامج النووي. الإيرانيون أيضا يعرفون حقيقة أنه لم تعد هناك اسرار كبرى. التقدير هو أنه لا يمكن الدفع قدما ببرامج نووية سرية حين تكون وسائل الرقابة والتصوير تحوم من فوق الرأس، توثق وتصور.

في الفترة القريبة، كنت ساركز العين (الاستخبارية) على رؤساء النظام وقادة قوات الامن الإيرانيين، كي افهم الى أي اتجاه تهب الريح عليهم. اما العين الثانية فكنت سأركز بها على الرئيس بزشكيان. صحيح انه ليس في الحلقة المقربة من خامينئي، وحتى لو بدا ان الحاكم حرص اجمالا على انتخاب الرئيس “الإصلاحي” كي يتسلى به وباصحابه “الثوريين” او كي يشق الطريق لفتح قنوات للعالم الكبير – او في نهاية المطاف، مثلما في الحالات المعروفة سينهون حياتهم بإقامة جبرية او بالسجون في ارجاء ايران. حاليا، وهذا هو الجديد، لا يمكن أن نقول بيقين اذا كانت ايران ستراوح في المكان ام انها تعتزم الصعود الى سكة قطار جديدة.

——————————————–

معاريف 30/9/2024

ايران تبنت حماس وفقدت حزب الله

بقلم: افي اشكنازي

في هذه الاثناء تسير الأمور في الشمال وفقا للخطط التي بناها الجيش الإسرائيلي على مدى عقدين، وتستند الى مراحل لاجل إيقاع الهزيمة بحزب الله – أو تغيير الواقع في الشرق الأوسط وبناء نظام جديد في الغابة الإقليمية. الان ايران هي المفتاح للوضع الأمني هنا. عن تطلعاتها الامبريالية كتبت رسائل اكاديمية بلا حصر. ايران استثمرت جهدا كبيرا جدا ببناء حزب الله كأداة عسكرية كفيلة بان تهدد وجود إسرائيل، وفي مفهومها الأمني سعت لان تخلق في المنطقة ميزان رعب حيال إسرائيل، الدول العربية السنية وفوق الجميع – حيال الولايات المتحدة. فقد آمن بان ميزانا كهذا سيكون بوليصة تأمينها وسيسمح لها بان توسع وتصدر الثورة بل وان تصبح دولة نووية.

لقد كان خطأ ايران في أنها تبنت حماس والفلسطينيين الى جانبها. حتى اليوم كل من سار مع الفلسطينيين يدا بيد تضرر في النهاية: الأردن، لبنان، تونس – والقائمة لا تزال طويلة، طويلة.

كيف تضررت ايران من حماس؟ بقدر ما تتضح الأمور، فان حماس – سواء عملت باستقلالية في الهجمة في 7 أكتوبر ام قادت ايران ووكلائها الى مغامرة حيال إسرائيل في تلك الهجمة الاجرامية، أدت بأثر رجعي الى انهيار الخطة العلم لإيران. حماس لم تعد موجودة كقوة عسكرية، ومع المعالجة السليمة – ففي غضون وقت مسألة غزة كفيلة بان تنتهي.

بالنسبة للشمال، نال وزير الدفاع يوآف غالنت ورئيس الأركان هرتسي هليفي في السنة الماضية السهام اللاذعة من آلة السم. لكن بصمت وبمهنية بدا الجيش الإسرائيلي خطة المراحل للحرب في الشمال. وقد بنيت في ظل جمع المعلومات الاستخبارية على مدى السنين، خلق إجراءات تضليل، احابيل، قوة وفتكا. بدأ هذا في 30 تموز، بتصفية رئيس اركان حزب الله فؤاد شكر، وتواصل بشكل منهاجي بتصفية مخازن السلاح، تدمير المنصات وتصفية كل مستويات القيادة، مراكز المعلومات البشرية وكل المنظومات اللوجستية للمنظمة وللجهات العاملة مع حزب الله.

بعد ذلك جاء احباط هجوم حماس كعملية ثأر على تصفية فؤاد شكر. في حينه نزعت إسرائيل قدرات نارية من حزب الله. وكان الأثر المتراكم لعمليات سلاح الجو، قيادة المنطقة الشمالية وأذرع الجيش الإسرائيلي بدا يعطي مؤشراته الأولية. بدأ حزب الله يدخل في مزاج دفاعي في الساحة، محاولا صد ضربات إسرائيل. لكنه فعل ذلك بارتباك وتلقى يوما بعد يوم الضربات، كل مرة من جهة أخرى وغير متوقعة.

وجاءت الذروة في هجمة تفجيرات أجهزة البيجر المنسوبة لإسرائيل قبل نحو أسبوعين، تواصلت في سلسلة التصفيات لما تبقى من قيادة لحزب الله. وفي يوم الإربعاء الماضي – عندما دمر الجيش الإسرائيلي مقر استخبارات المنظمة وصفى مئة من رجال الاستخبارات، بينهم مسؤولون كبار وذوو معرفة مميزة.

في واقع الحال، بضربة واحدة اغشى عيون حزب الله. وعندها جاء يوم الجمعة في الساعة 18:28 مساء عندما القت طائرات F15I الى جانب طائرات قتالية أخرى عددا جما من القذائف الثقيلة على مقر قيادة حزب الله في بيروت ودمرته من فوق الأرض ومن تحت الأرض. زعيم حزب الله، الرجل الذي صمم المنظمة على شكله ارسل ليلتقي العذارى في الجحيم.

في الجيش الإسرائيلي لا يتأثرون باصوات الخلفية في المنطقة ويعملون بشكل هاديء، مرتب ومحسوب، وفقا لخطة المراحل. كل واحد في الجيش يعرف ما الذي سيفعله اليوم في الحرب، ماذا سيفعل غدا في الحرب وماذا سيفعل بعد ثلاثة وأربعة أيام.

صحيح، الحرب هي مملكة انعدام اليقين وفي الجيش يأخذون بالحسبان بانه لا بد ستقع نقاط خلل ما، نتائج لم تكن متوقعة ولا سمح الله أحداث باعثة على التحدي. لكن هذه هي المرة الأولى التي تدير فيها إسرائيل معركة حسب خطة منظمة ومرتبة، مع الكثير من تواضع القادة والمقاتلين.

——————————————–

إسرائيل اليوم 30/9/2024

اليمن، في طريق لبنان الى الخراب

بقلم: ايال زيسر

الى كل مكان في ارجاء الشرق الأوسط وصل اليه الإيرانيون جلبوا معهم الدمار والخراب. هكذا في لبنان، وبعده في العراق، والان حان أيضا دور اليمن.

عمليا، هذه دول فاشلة استغلت طهران ضعفها كي تسيطر عليها، في ظل استغلال أبناء الطائفة الشيعية الذين يعيشون فيها على شكل طابور خامس. وقد حولت هؤلاء الى فروع محلية لها، تعمل لاجل تحقيق المصالح الإيرانية في منطقتنا.

لقد أدى الربيع العربي قبل عقد الى انهيار اليمن ونشوب حرب أهلية فيه بين الكتل والطوائف المتخاصمة. وكانت احداها هي الكتلة الحوثية التي يعود اصلها الى الطائفة الشيعية – اليزيدية التي تشكل نحو ثلث سكان اليمن. وقد ربط الحوثيون انفسهم بايران وبحزب الله، ممن تجندوا لهم وسعوا بمساعدتهم على ان ينسخوا الى اليمن نموذج حزب الله من لبنان.

في غضون بضع سنوات تحول الحوثيون من ميليشيا الى جيش مسلح مزود بأفضل السلاح الإيراني، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى والمُسيرات. ومقابل المساعدة التي تلقوها تجند الحوثيون لمساعدة ايران في صراعها ضد دول الخليج، السعودية والامارات. وهكذا بدأوا قبل نحو عقد يمطرون، بتكليف من ايران، رشقات صواريخ على منشآت نفط وبنى تحتية، بل وعلى المدن الرئيسة للسعودية ودولة الامارات.

ردا على ذلك، خرجت السعودية والامارات ضدهم في العام 2015 الى حرب. لكن هذه لم تنجح بسبب قيود قوة جيشي هاتين الدولتين وكذا بان واشنطن فضلت – مثلما في حالة حزب الله وحماس حلولا دبلوماسية على الحسم العسكري للعدو.

ثمن المغامرات الحوثية

وفرت حرب السيوف الحديدية للحوثيين فرصة أخرى لان يثبتوا للايرانيين قيمتهم واهميتهم وربما كي ينالوا منهم أيضا دعما بالمال وبالسلاح المتقدم. هذا ليس لان غزة تعنيهم، بل قرروا الا يتخلوا عن مثل هذه الفرصة ناهيك عن انهم اخطأوا في التفكير بان إسرائيل البعيدة سيصعب عليها الرد.

لقد ساعد الحوثيون لسد طريق الملاحة في مضائق باب المندب التي تشكل بوابة الدخول الى البحر الأحمر، والحقوا اضرارا جسيمة بالاقتصاد العالمي. الى جانب ذلك، بدأوا يهاجمون إسرائيل بالصواريخ والمُسيرات ولكن اليد الطويلة لإسرائيل وصلت الى اليمن أيضا وجبت من الحوثيين ثمنا باهظا.

من الصعب الافتراض بان هذا الامر سيردعهم من مواصلة مغامراتهم. ومثلما في حالة حزب الله يتبين أنه من المهم ضرب الرسل وقطع أذرع الاخطبوط الإيراني، لكن في نهاية الامر سنضطر على ما يبدو ان نعالج أيضا الرأس في طهران.

——————————————–

هآرتس 30/9/2024

تصفية بثمن باهظ: الآن نتنياهو والطيارون اصبحوا اخوة في السلاح

بقلم: روغل الفر

رغم أن وضعها الاستراتيجي اسوأ من أي وقت مضى، فان رواية المجتمع الاسرائيلي، القصة التي يرويها لنفسه، فان صورته الشخصية تغيرت بشكل عميق منذ هجوم البيجرات، لا سيما بعد تصفية حسن نصر الله. فقد توقف عن الاستماع الى الغرب. وهو لم يعد مجموعة الاهتمام لديه. من اجل الغرب اسرائيل لم تعد رأس الحربة التي تقود الحضارة في حربها ضد البربرية، بل هي شوكة في المؤخرة. لذلك فان الغرب ينفصل عن اسرائيل. يتوقف عن الطيران اليها، يتوقف عن الاستثمار فيها. الدولة التي تفرغ قاعة الجمعية العمومية للامم المتحدة عندما يصعد رئيسها لالقاء خطابه، هي دولة منبوذة ولا يمكن اعتبارها زعيمة اقليمية أو دولية. هي جمهورية موز مجذومة.

وكالة التصنيف الرائدة في الغرب “موديس” تشير الى انهيار اقتصاد اسرائيل، ضمن امور اخرى، نتيجة الانقلاب النظامي. ولكن اسرائيل لا يهمها التصنيف الاقتصادي الذي يعطيها اياه الغرب. جهود الغرب للتوصل الى وقف لاطلاق النار لا تهمها. اسرائيل منغلقة وتستمع فقط الى نشرات الاخبار لديها في التلفزيون، التي تخبرها بأنها منتصرة، وأن هناك سبب للاحتفال، وأن المرحلة القادمة في الاحتفال هي عملية برية في جنوب لبنان، رغم انف الغرب برئاسة الولايات المتحدة. اسرائيل لا تريد الدبلوماسية، ايضا المخطوفين وسكان الشمال يمكنهم الانتظار لأن اسرائيل تريد حرب اخرى. وهكذا هي موحدة وراء بنيامين نتنياهو.

الانقلاب الحقيقي في اعقاب قتل حسن نصر الله لم يكن في مكانة اسرائيل في العالم أو في المنطقة، بل في مكانة نتنياهو في اسرائيل. نتنياهو سينجح نسب الفضل لنفسه بذلك. هو جيد بذلك. افضل من هرتسي هليفي ويوآف غالنت ودادي برنياع. هو سينسب الفضل لنفسه عن قتل حسن نصر الله دون تحمل المسؤولية عن مذبحة 7 تشرين الاول. معارضة سياسية توجد له فقط في الغرب، خارج اسرائيل، عند بادين وميكرون وبريطانيا. الاسرائيليون لا يعنيهم ما تفكر فيه المعارضة. هو يقنعهم بأن كل العالم ضدهم، مثلما في فترة الكارثة، وفقط هو الذي سينقذهم.

وقف رحلات الطيران الى مطار بن غوريون هو رمز للانفصال عن العالم. الجميع لاساميون. وكالات التصنيف وشركات الطيران، لا توجد ثقة بها. لكن ثقة الاسرائيليين بالقوة الجوية بدأت تعود. سلاح الجو مرة اخرى قادر على كل شيء. ومرة اخرى يعرف كل شيء (ايضا بفضل الاستخبارات).         نحن سنحتفل من اجل قيم العالم الحر. هو يصل الى كل مكان، ولا يوجد شيء لا يمكنه فعله. هكذا نضجت الظروف في اسرائيل لمهاجمة مبادر اليها في ايران. كل الطرق تؤدي الى هناك. العالم يمكن أن يحتج، مثلما اوضح نتنياهو في خطابه في الامم المتحدة، حيث حصل على الهتاف من المدرجات المليئة بالبيبيين، وهو وجه آخر لانغلاق وعي اسرائيل في واقع يبقي نظرة العالم في الخارج مشلولة ومستخف بها.

الآن سلاح الجو، ممثل النخبة التي تمردت على نتنياهو في الانقلاب النظامي، ينضم ونتنياهو نفسه ايضا الى السياسة التي يمكنها الحفاظ على هيمنتهما. قبل كل شيء داخل اسرائيل. نتنياهو والسرب 69، رمز المعارضة في الاحتجاج، يتوحدان حول قاسم مشترك جديد، المصير المشترك والمستقبل المشترك. الديكتاتور وذراعه الامبراطوري الطويل تم التوصل الى انفراج بينهما. نحن لسنا بحاجة الى حل السرب أو طرد الديكتاتور. الآن نتنياهو والطيارون اخوة في السلاح. قتل حسن نصر الله هو تصفية باهظة الثمن، تعزز قوة التدمير الداخلية في الدولة. حسن نصر الله في حصنه افضل من نتنياهو في الحكم لسنوات قادمة اخرى.

——————————————–

معاريف 30/9/2024

على إسرائيل أن تستغل الفرصة وتصفي التهديد النووي الايراني

بقلم: ايلا دلاّل

في العملية الناجحة لتصفية حسن نصرالله اثبتت إسرائيل بانه لا توجد مهمة ليست في متناول يدها. ومع ذلك، فان التهديد الأكبر على دولة إسرائيل – القدرة النووية الإيرانية – تحوم فوقنا. هذا واقع يستوجب عملا قاطعا، الان اكثر من أي وقت مضى.

نحن نقف امام نافذة زمنية محدودة جدا للعمل، حين تكون الولايات المتحدة تقف امام انتخابات، وإدارة بايدين مشغولة بالاعداد لها. في هذه الفترة تكون صعوبة في اتخاذ قرارات هامة مثل عملية عسكرية ضد ايران. اذا لم نعمل في الزمن القريب من شأن إسرائيل أن تفقد الدعم الدولي والاسناد اللازم للعملية. وعليه فهذا هو الوقت الذي يتعين فيه على إسرائيل أن تأخذ المسؤولية وان تعمل بشكل مستقل كي تمنع عن ايران الوصول الى سلاح نووي.

الاخطارات الأمنية والتقارير عن تقدم ايران نحو تركيب قنبلة نووية تشير الى أن الخطر الحقيقي أقرب من أي وقت مضى. السلاح النووي في ايدي ايران سيجعل الشرق الأوسط منطقة اكثر خطورة بكثير وغير متوقعة، وعليه فان تحقيق قدرة نووية من شأنه أن يؤدي الى خطر استراتيجي هائل على إسرائيل وجيرانها. على إسرائيل أن تعلم الان قبل أن يفوت الأوان.

ان تصفية نصرالله هي بالفعل نصر هام في الكفاح ضد الإرهاب لكن علينا أن نأخذ بالحسبان رد فعل ايران. في ضوء تصفية نصرالله والضربة الشديدة لحزب الله، من شأن الإيرانيين أن يردوا بغضب وان يشددوا مساعيهم للوصول الى سلاح نووي بل ويسرعوا خطوة الثأر. هذه هي اللحظة التي علينا أن نستغل فيها الضعف المؤقت لاعدائنا وان نضربهم قبل أن تتعزز قوتهم مرة أخرى.

“الجريء ينتصر” – وإسرائيل أثبتت مرة تلو الأخرى بانه في أوقات التهديد الوجودي تعرف كيف تعمل بجرأة. توجد لدينا القدرات، التخطيط والقوة للعمل. والان مطلوب قرار استراتيجي واضح يقودنا الى الامام. لقد علمنا التاريخ بان من ينتظر ويتلبث، يخاطر بذلك في ان ينمو التهديد، يتقوى ويصبح غير قابل للمنع. علينا أن نعمل فورا بينما الوضع العالمي متوتر والضغوط على ايران تتزايد.

ان نجاح العملية التالية لا يمكنه فقط ان يقوم على أساس القوة العسكرية بل ويفترض أيضا الى قيادة موحدة. هذا هو الوقت لتشكيل حكومة طواريء وطنية تدمج كل القوى السياسية تحت مظلة واحدة، بهدف مشترك وواضح – إزالة كل التهديدات الأمنية الاستراتيجيتة عن دولة إسرائيل.

هذا ليس الوقت للسياسة الصغيرة. مطلوب وحدة صهيونية لمدة سنة لاجل قيادة الدولة في مواجهة المخاطر التي تهددها. في نهاية الامر، تصفية القدرة النووية لايراني ليس فقط هدفا استراتيجيا بل مهمة وطنية عليا. إسرائيل ملزمة بان تواصل التصدر، الهجوم بقوة والحفاظ على أمن مواطنيه.

——————————————–

هآرتس 30/9/2024

“خطوة قاسية وغير مسبوقة”.. ما الذي تقوله “موديز” للإسرائيليين؟

بقلم: أسرة التحرير

يجب ألا تطمس تصفية قيادة حزب الله التطور الاقتصادي الخطير جداً في نهاية الأسبوع الماضي: شركة التصنيف “موديز” خفضت التصنيف الائتماني لإسرائيل بدرجتين، وذلك بعد أن خفضت هذا التصنيف في شباط بدرجة واحدة. تعد هذه خطوة قاسية وغير مسبوقة تعكس فقدان الثقة بحكومة إسرائيل وبسياستها، بدءاً من الوضع الجغرافي السياسي وامتداد الحرب دون خطة لإنهائها، واستمرار السلوك المالي غير المسؤول والتأخير في عرض ميزانية الدولة للعام 2025، ورفض الحكومة المضي بتجنيد الحريديم ما يثقل على خادمي الاحتياط وتمس بسوق العمل، وانتهاء بسلوك سائب من وزير العدل يريف لفين، الذي يرفض تعيين رئيس المحكمة العليا ويعمل على إضعاف جهاز القضاء.

تفحص شركة التصنيف إجمالاً المعطيات العمومية وتستخلص منها قدرة الدول والشركات على الإيفاء بتعهداتها للمستثمرين في الخارج. تقرير “موديز” الخطير يقضي بوجود ارتفاع في مستوى المخاطرة لعدم سداد إسرائيل ديونها إلى جانب الانخفاض في جودة المؤسسات والحكم، التي لم تتخذ أعمالاً تقلص خطر تخفيض التصنيف.

ليس مهماً لـ “موديز” من يخدم في الجيش ومن لا؛ لكن عندما ترتفع ميزانية الدفاع وربما ترتفع في العقد القادم بمئات مليارات الشواكل، فستطرح شركة التصنيف التساؤل: لماذا تمدد خدمة إلزامية بأربعة أشهر تثقل على خادمي الاحتياط وتمس بسوق العمل والنمو، بدلاً من تجنيد شبان يتعلمون في المدارس الدينية. (فيتلقون على ذلك مخصصاً من الدولة).

عندما ترى “موديز” حكومة تتملص من واجبها لتوزيع العبء بطريقة اقتصادية سليمة، فإنها ستفقد الثقة بقدرتها على اتخاذ القرارات المنطقية، لذا ستشكك أيضاً بتصريح وزير المالية سموتريتش الذي أعلن بأنه سيعرض ميزانية بهدف عجز 4 في المئة من الإنتاج، وتقرر بأن العجز في السنة القادمة سيكون 6 في المئة من الإنتاج.

تقضي “موديز” بأن النزاع وغياب مسار حل واضح يخلقان توترات اجتماعية عالية، ويعرضان التجارة الخارجية للخطر، ويضعضعان علاقات إسرائيل مع حلفاء مركزيين. تثني “موديز” على المجتمع المدني وعلى المحكمة لكونهما لاجمي الحكم.

إن صياغات “موديز” ليست دبلوماسية، لكنها لا تعبر أيضاً بثقة عما تفكر به حكومة إسرائيل وطريقها. لو كانوا أقل كياسة لكتبوا أن حكومة إسرائيل هي حكومة سيئة وخطيرة وعديمة المسؤولية. ما يستنتج من قراءة التقرير أن الأفضل إنهاء طريق هذه الحكومة.

انتهت النشرة