الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 6/10/2024

عين على ايران واخرى على الولايات المتحدة

بقلم: عاموس هرئيلِ

قبل يوم السنة على المذبحة الاكثر رعبا في تاريخنا، تغرق اسرائيل عميقا في حرب متعددة الجبهات. فهي تستعد لتنفيذ تهديدها ومهاجمة ايران كرد على هجمة الصواريخ الايرانية الواسعة في 1 اكتوبر. في لبنان تكثر المؤشرات على أنه صفي هاشم صفي الدين، الخليفة المرشح لامين عام حزب الله، حسن نصر الله، في غارة جوية اخرى في الضاحية. الى جانب ذلك، تمشط قوات الجيش الاسرائيلي قرى في جنوب الدولة وتصطدم برجال حزب الله الذين يخوضون معارك دفاعية ضارية. في الساحة الفلسطينية، في الضفة وفي القطاع، توجد حالة تأهب عالية استعدادا لمحاولات العمليات التي يخططون لها لاجل اثارة صدى كبيرا غدا. في موضوع واحد يكاد لا يكون شك: صفقة المخطوفين مع حماس عالقة تماما، و101 مخطوفا، نحو نصفهم لا يزالون على قيد الحياة، من شأنهم أن يبقوا في الأسر لفترة طويلة اخرى. بقدر ما يترسب الغبار بعد الهجمة الايرانية، التي تضمنت حسب التقارير اطلاق 181 صاروخا بالستيا، يتضح امران: امكانية الضرر الهائل لاطلاق النار وتحققه الضيق نسبيا. اسرائيل لا تقدم تفاصيل عن الاضرار التي الحقتها الهجمة بالمواقع العسكرية، باستثناء تصريح بأنه لم يتضرر الأداء الجاري لسلاح الجو كنتيجة لسقوط الصواريخ. صور من ساحة سقوط صاروخ في هود هشارون وتحليل صور الاقمار الصناعية من منشآت امنية مختلفة قام به خبراء دوليون، يشهدان على حجم الدمار اللاحق وإن كان لم تقع اصابات في الارواح.

إن النجاح الاسرائيلي المبهر في اعتراض النار من لبنان لا يشبه التصدي لتحدي الصواريخ البالستية من ايران. فالنظام في طهران لا بد خائب الامل من الاصابات والدمار المتدنية، بعد أن اطلق اكثر من 300 صاروخ بالستي في هجمتين، في نيسان وفي اكتوبر. ولكن يبدو أنه يسجل امامه بأن رشقة ثقيلة من الصواريخ يمكنها أن توتر قدرات الدفاع الاسرائيلية حتى النهاية. في المدى البعيد، ومن الصعب الافتراض بأن المواجهة الاسرائيلية – الايرانية ستنتهي تقريبا، ستكون هنا منافسة بين وتيرة الانتاج والتدقيق لمنظومات الهجوم الايرانية ومنظومات الاعتراض الاسرائيلية. فتحقيق قدرة عملياتية اولية تتمثل بالاعتراض بواسطة منظومة ليزر تستخدم من الارض، المتوقعة في السنة القادمة، يفترض أن تساعد في الجهد الاسرائيلي اساسا حيال تهديدات قصيرة المدى من لبنان.

الجهد ليس دفاعيا فقط. كما اسلفنا، اسرائيل هددت منذ الآن بمهاجمة ايران، ردا على ليل الصواريخ. الولايات المتحدة تدير معها اتصالات مكثفة في محاولة لتقييد طبيعة الرد ومنع تدهور اقليمي آخر وإن كان عمليا تجري هنا الحرب الاسرائيلية – الايرانية الاولى. الرئيس جو بايدن تحدث علنا ضد هجوم على مواقع النفط الايرانية. الى جانب ذلك نقل الامريكيون لاسرائيل رسائل ضد هجوم على مواقع النووي، المهمة التي ستتطلب تنسيقا وثيقا بين الدولتين.

الجنرال مايكل كوريلا، قائد المنطقة الوسطى الامريكية، وصل أمس الى البلاد لتوثيق عمليات الدفاع، في ضوء التصعيد مع ايران وحزب الله. في البنتاغون، حسب تقرير في “نيويورك تايمز” قلقون من أن التواجد العسكري الامريكي المعزز، الذي يستهدف ظاهرا المساعدة في احتواء الازمة، يسمح لاسرائيل عمليا بتشديد اجراءاتها الهجومية، مع العلم أنه يوجد لها ظهر امريكي.

لكن ادارة بايدن لا تعرب عن تحفظ جارف لخطوات الجيش الاسرائيلي، بل وتعترف علنا بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها من خلال خطوات هجومية ضد خصومها. هذا صحيح لهجوم في ايران كفيل بأن يكون موجها ضد مواقع عسكرية، وصحيح ايضا للخطوة البرية الاسرائيلية في جنوب لبنان. لقد وافقت الولايات المتحدة بشكل غير مباشر على أن يعمل الجيش الاسرائيلي هناك لبضعة اسابيع اخرى على الاقل، رغم أن مبعوث بايدن الى المنطقة، عاموس هوخشتاين، حرص على أن يوضح بأن الادارة لم تعط اسرائيل ضوء اخضر مسبق للعملية.

إن التصفية المتوقعة لصفي الدين تفاقم احساس الفراغ في حزب الله، في القيادة العسكرية والسياسية للمنظمة. من القيادة السياسية قتل مؤخرا ايضا نبيل كويك، وهكذا بقي على ما يبدو نائب نصر الله، نعيم القاسم، كشخصية بارزة، الى جانب بضعة نشطاء معروفين أقل. في ضوء القتل المنهاجي لمسؤولي الذراع العسكري واضح أن المنظمة لا تزال تجد صعوبة في أداء مهام القتال وفقا للخطط التي أعدت مسبقا. في اثناء العيد اشتدت نار الصواريخ نحو شمال اسرائيل، في ظل اطلاقها الى عمق اراضي الدولة حتى منطقة قيصاريا. وتيرة النار ارتفعت الى مئات الصواريخ في اليوم. ومع ذلك، لا يوجد هنا في هذه الاثناء تحقق لسيناريوهات تكرار نار آلاف الصواريخ في اليوم. اصابة مكثفة لغوش دان، وحتى الظلام الذي يسود في الدولة بسبب سقوط شبكة الكهرباء.

ما يبدو لحزب الله اسهل عمله هو ابقاء وحدات صغيرة من قوة الرضوان لنشر الكمائن في قرى الجنوب في محاولة لاعاقة تقدم الجيش الاسرائيلي. يوم الاربعاء الماضي قتل تسعة جنود من الجيش الاسرائيلي واصيب العشرات، في ثلاثة احداث في جنوب لبنان. كنتيجة لاصابة مسيرة اطلقت من العراق في معسكر للجيش في جنوب هضبة الجولان، قتل جنديان آخران واصيب نحو عشرين. يقدر الجيش بأنه في الايام الخمسة الاولى من المعارك قتل اكثر من 400 من رجال حزب الله، بينهم قادة ميدانيون كثيرون.

العملية الاسرائيلية في جنوب لبنان محدودة حاليا في مداها وفي اهدافها، رغم الخسائر. قوات الجيش تحتل وتمشط مناطق معقدة نشر فيها حزب الله نطاقات عسكرية على مقربة من جدار الحدود، وتجتاح عدة قرى شيعية على مسافة بضعة كيلومترات شمالا. وتشدد مصادر عسكرية على أن النية هي انهاء العملية في لبنان في غضون بضعة اسابيع والتركيز على تدمير بنى تحتية عسكرية. غير أن في لبنان، مثلما سبق أن اكتشفنا في الماضي، توجد علاقة واهية بين الخطط الاصلية أو المعلنة لاسرائيل وبين الشكل الذي تتطور فيه الامور حين يبدأ الاحتكاك مع العدو. تكمن صعوبة في ادارة حرب في الغيار الثاني: احد المباديء الهامة في الحرب هو السعي لتحقيق نصر سريع. ليس هكذا تتصرف اسرائيل. بداية في غزة والآن في لبنان.

ومثلما المح هوخشتاين تتجدد الآن المحاولات الامريكية لايجاد مخرج من الازمة قبل أن يقع قتلى ودمار آخر في اسرائيل وفي لبنان ويتفاقم الصدام بين القدس وطهران. في صباح يوم الجمعة في بيروت عرض وزير الخارجية الايراني، عباس عراقجي، تأييدا جارفا من بلاده لحزب الله. رسميا على الاقل، يبقي الايرانيون في أيدي قيادة المنظمة القرار بالتوصل الى وقف نار مع اسرائيل في لبنان أو مواصلة القتال طالما يتواصل في غزة، مثلما وعد نصر الله حتى تصفيته في 27 ايلول.

أي ضغط عسكري؟

في الخلفية، في قطاع غزة، الذي اصبح في الاسابيع الاخيرة ساحة فرعية، لا يزال الجيش يمكنه نظريا أن يركز جهدا هجوميا ضد حماس في مناطق لم يناور فيها بريا في الاشهر الاخيرة. لكن قلة في اسرائيل فقط لا تزال تؤمن بالشعار الذي يقول إن ضغطا عسكريا هو الذي سيؤدي الى تحرير مزيد من المخطوفين. فالضغط على فلول قيادة حماس قل، وفي كل حالة تتبين فيها عملية انقاذ، نقلت المنظمة تعليمات واضحة لحرس المخطوفين بقتلهم.

مخيف أن نرى كم هي مشكلة المخطوفين الملحة دحرت الى اسفل سلم الاولويات الاعلامية والجماهيرية، في ضوء تصعيد الحرب في لبنان وفي ايران، وبشكل مريح للحكومة ايضا تقلص الاهتمام باحداث يوم الذكرى للمذبحة. واضح ظاهرا أن هذه حكومة لا يهمها معظم مواطنيها، سواء كان هؤلاء يذوون في الانفاق في غزة، أم نازحون من بيوتهم في الجليل أو في كيبوتسات الغلاف، أو يحاولون الوصول في العيد الى وحدات الاحتياط في الشمال حيث تم استدعاءهم بالامر 8، فقط كي يكتشفوا أن الدولة لم ترتب لهم المواصلات العامة في السبت أو تحرص على تشديد حركة الطائرات لمن يتم استدعائهم مرة اخرى على عجل من خارج البلاد.

 ——————————————–

هآرتس 6/10/2024

أصبح نصر الله زعيماً كاريزمياً في الصحف الغربية، إسرائيل ليست على الإطلاق في مجال الدعاية

بقلم: سيفي هندلر

الحملة المتدحرجة ضد حزب الله، من تفجير آلاف اجهزة البيجر وحتى تصفية حسن نصر الله، خلقت موجة نشوة مفهومة في اسرائيل، وليس فقط فيها. فالفرح العلني الذي استقبلت به الخطوة في شمال سوريا، الى جانب الرضا الذي سمع من الرياض وحتى اتحاد الامارات، اوضح بأن هذه خطوة ذات امكانية لتغيير الاوضاع في الشرق الاوسط. ولكن هجمة الصواريخ من ايران تبين أن الطريق لا تزال طويلة، وبهذا الشكل أو ذاك، واضح أن التحالف المسيحاني، الحريدي – المجنون بجنون الاضطهاد بقيادة بنيامين نتنياهو سيفعل كل شيء كي يفوت هذه الفرصة الاستراتيجية.

الى جانب الصواريخ والتفجيرات من كل صوب محظور أن نتجاهل جبهة مركزية اخرى تتكبد فيها اسرائيل هزيمة منذ نحو سنة: الرأي العام في الغرب. الى الانهيار المدوي لصورة اسرائيل بعد 7 اكتوبر، المذبحة الاقسى لليهود منذ المحرقة، انضمت الكتف الباردة من الغرب حين تبين أن اسرائيل ساعدت حسن نصر الله على تحقيق غايته كشهيد. ردود الفعل الرسمية الباردة بعد تصفية احد كبار القتلة في الشرق الاوسط في العقود الاخيرة يمكن تبريرها بصعوبة، بنوع من الحذر الدبلوماسي، بخاصة من جانب الدول التي تتشكل منها قوات يونفيل الدولية. والدعوة في الصحف الغربية اوضحت كم هي واسعة الفجوة بين الصورة والواقع.

لوموند” أبنت زعيم المليشيا الاجرامية الشيعية الذي وصفته كـ “زعيم كاريزماتي”، بل وكـ “موضع سحر في الشرق الاوسط” دون التخلي عن لقب “النظارات الرقيقة” التي كان يستخدمها. “لابرزيان” وضعت عنوانا اصيلا على نحو خاص: “رجل دين ومحب كرة قدم، من هو حسن نصر الله؟”.

واشنطن بوست” شرحت بأنه “في اوساط محبي نصر الله كان خليط من شخصية الأب، البوصلة الاخلاقية والزعيم السياسي”، دون نسيان الثناء الذي تلقاه على “تمكين” الشيعة في لبنان.

التوصيفات المحرجة والسطحية هذه هي قبل كل شيء خطأ مهنيا. فنصر الله ليس زعيما عربيا آخر. من ناحية مستوى الاعجاب والخوف الذي اثاره في الشرق الاوسط هو يذكر بناصر. قدرة التجاهل لدوره في قتل جنود فرنسيين وامريكيين في 1983 في بيروت، دوره المركزي في قتل الشعب في سوريا وبالطبع قراره فتح المواجهة الحالية مع اسرائيل، تجعل من الصعب جدا على من يحاول أن يفهم الاحداث بمنظور واسع.

بالمقابل، محظور اعتبار هذه الامثلة، وكثير اخرى مثلها، قدرا بطعم الكراهية لاسرائيل، فهي ايضا عرض آخر من اعراض الهزيمة التي تتكبدها في اوساط الرأي العام. هذه جبهة تصاب فيها اسرائيل بضربة على الركبة منذ نحو سنة دون أي محاولة لخلق رواية مصداقة مضادة. باستثناء غاليت ديستل اتبريان، يعرف الجميع بأن رحلة اهمالية الى الامم المتحدة مع كراتين، قبلة من داني دنون ووجبة عشاء متملقة لدى مليارديريين ليست بديلة عن استراتيجية اعلامية.

الحقيقة المحزنة هي أن اسرائيل نتنياهو بعامة لا تلعب في هذا الملعب، بنية مبيتة. منذ أن صعد ائتلاف بيبي – بن غفير – سموتريتش الى الحكم وبدأ بالانقلاب النظامي وهو يصر على أن يصور اسرائيل كقوة اصولية في الشرق الاوسط. بعد 7 اكتوبر ينضم الى هذا رفض نتنياهو وضع أي اقتراح لمخرج سياسي من الحفرة التي اقتاد اسرائيل اليها في غزة وأن يدفع قدما بصفقة المخطوفين ويسمح بايجاد حل دبلوماسي للمواجهة مع لبنان. يوجد هنا “نصر مطلق” يتحول الى انهيار اعلامي وسياسي، في الطريق الى حرب بلا نهاية وللحفاظ على حكم الزعيم بكل ثمن.

——————————————–

إسرائيل اليوم 6/10/2024

في النهاية الامريكيون أيضا سيفهمون

بقلم: ايال زيسر

الولايات المتحدة هي صديقة حقيقية لإسرائيل اثبتت التزامها بامننا في كل ساعة اختبار وضائقة شهدناها على مدى العقود الأخيرة. غير مرة بقيت وحدها في الدفاع عن إسرائيل في مجلس الامن في الأمم المتحدة وفي اطر دولية أخرى، في الوقت الذي تركت فيه دول غربية أخرى تعرض نفسها كصديقة لإسرائيل، المعركة او انضمت لاولئك الذين ينددون بها ويهاجمونها.

ان تجند الولايات المتحدة من أجلنا بعد هجمة الإرهاب الاجرامية لحماس في 7 أكتوبر يشكل احد الفصول الفاخرة في منظومة العلاقات بين الدولتين، والذي ينضم الى قصة “القطار الجوي” الذي اطلقه الينا الامريكيون في اثناء حرب يوم الغفران في أكتوبر 1973.

ان الصداقة التي بين الولايات المتحدة وإسرائيل راسخة في قيم مشتركة تتقاسمها الدولتان وفي المصالح التي تربطانها برباط لا فكاك له. لقد أصبحت إسرائيل استحكاما متقدما في الصراع الأمريكي ضد قوى الظلام والشر في منطقتنا، وفي واشنطن تعلموا كيف يقدروا ويمجدوا مساهمة إسرائيل المميزة – مساهمة عسكرية، استخبارية وتكنولوجية للامن القومي الأمريكي.

بين الأصدقاء الحقيقيين أيضا تظهر أحيانا خلافات. واجب على إسرائيل ان تصر على موقفها. يخيل أن بالذات بفضل اصرارنا على موقفنا وحقيقة أنه يتبين كمحق فاننا نحظى وان كان بأثر رجعي، بتقدير امريكي.

من المهم أن نفهم بان الأمريكيين بعيدون مسافة الاف الكيلومترات عن منطقتنا وغير قادرين على أن ينزلوا الى أعماق تعقيداتها. هم يميلون لان يحللوها ويفهمونها بمناظير غربية، وبالغالب مناظير وردية وكأن الحديث يدور عن قسم من غرب أوروبا او شمال أمريكا، ويروا في اللاعبين الاقليميين لاعبين عقلانيين يعملون وفقا لمنطق غربي.

مع نشوب حرب السيوف الحديدية تجندت واشنطن الى جانبنا وقدمت لنا، على الأقل في المراحل الأولى من المعركة، السلاح بلا قيود ومنحتنا سورا واقيا في الساحة الدولية فيما تشدد على حق وواجب إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

لكن في نفس الوقت أشار الامريكيون الينا وفي الواقع طالبونا الا نخرج الى معركة عسكرية لتقويض حكم حماس في غزة إذ انه ليس بوسعنا، كما ادعوا، تحقيق هذا الهدف. وبالتالي من الأفضل ان نوافق على هدنة وعلى صفقة مع يحيى السنوار.

بهذا النهج واصل الامريكيون التمسك على طول مراحل المعركة في الجنوب، وفي كل مرة تجاوزت فيها إسرائيل مرحلة وتقدمت من مدينة غزة الى خانيونس ومن هناك الى رفح ترافقت اعمال الجيش وانتقاد امريكي علني ودعوة لوقف النار الى أن تبين في النهاية انه بخلاف التقديرات الامريكية انهارت حماس وابيدت قوتها العسكرية.

ومثل غزة، في لبنان أيضا تحذر الولايات المتحدة الان من نطاق العملية الإسرائيلية. يقول الامريكيون ان فقط حلا دبلوماسيا وتسوية مع حزب الله، منظمة إرهاب تدعو الى إبادة إسرائيل، سيؤدي الى التهدئة والهدوء على طول الحدود. بهذه الروح روج الامريكيون أيضا الى تحقيق تهدئة مع ايران، حتى بعد رشقاق الصواريخ نحونا.

مشوق أن نعرف ماذا كان الامريكيون سيقولون لمن كان يروج لهم الوصول الى اتفاق مع القاعدة بعد هجمة 11 أيلول او مع داعش بدعوى ان ليس للصراع مع هذه المنظمات جدوى وانه لا يمكن حله الا بطرق سياسية.

ليس في كل هذا أي جديد اذ في الماضي أيضا عارض الامريكيون تدمير المفاعل العراقي في 1981 بل وفرضوا علينا عقوبات بسبب هذا الفعل وذلك فقط كي يتراجعوا ويعترفوا لنا بعد بضع سنوات من ذلك حين وجدوا أنفسهم في حرب مع حاكم العراق. هكذا أيضا في كل ما يتعلق بتدمير المفاعل النووي السور في أيلول 2007، الخطوة التي تحفظ عليها الامريكيون وفقط بعد ان نشبت الحرب الاهلية في سوريا اعترفوا بخطأهم.

التوقعات والمشورات الامريكية يجب أن نأخذها بشكل محدود الضمان. من الواجب العمل وفقا لافضل تفكرنا وحكمنا حتى وان لم يكن الامر يرضيهم. في نهاية الامر سيعترفون بخطأهم وسيفهمون المنطق والحق الذي في خطوات إسرائيل وسيتجندون لدعمها.

——————————————–

هآرتس 6/10/2024

بينما تستعد ايران للمعركة، تقاتل على مستقبل حزب الله

بقلم: تسفي برئيل

وزير الخارجية الايراني، عباس عراقجي، زار بيروت في يوم الجمعة ودمشق في يوم السبت. على لسانه كانت بشرى قاسية لمواطني لبنان: “نحن سنقف الى جانب لبنان”. اقواله اثارت ردود فعل حادة في الشبكات الاجتماعية: “ايران تنام بهدوء ولبنان يدفع الثمن”، كتب متصفح على شبكة “اكس”. “أنتم سلبتم الدولة والآن تأتون لتقفوا الى جانبنا؟”، غضب معقب آخر واضاف: “خراب لبنان بذنبكم”. في مواقع الاخبار وفي المقابلات مع الخبراء في التلفزيون اللبناني وفي الدول العربية، السؤال المركزي في نهاية الاسبوع لم يكن اذا كانت اسرائيل ستهاجم لبنان، بل متى. الاجماع العام في اسرائيل وفي دول المنطقة هو أن الرد الاسرائيلي هو قدر أو قوة طبيعية لا يمكن وقفها. لكن في الوقت الذي تتوتر فيه الاعصاب، فان القيادة اللبنانية بالذات وعلى رأسها نجيب ميقاتي، نبيه بري وخصوم حزب الله، يحاولون منذ الآن ترسيم اليوم التالي. فهم يتطلعون الى تحقيق ما لم ينجحوا في تحقيقه في السنوات الثلاثة الاخيرة: تعيين رئيس يشكل حكومة ذات صلاحيات تقود لبنان الى حل سياسي وتوقف تخريب الدولة.

يشارك في هذه المبادرة زعماء دول الخليج وعلى رأسهم ولي العهد ابن سلمان الى جانب زعماء اتحاد الامارات، قطر، مصر، الولايات المتحدة وفرنسا، كلها باستثناء الامارات تحاول منذ سنتين احداث هذه المعجزة السياسية في لبنان. أما الآن فهي تشخص فرصة جديدة بعد تصفية القيادة العليا لحزب الله، سحق قوة القيادة المدنية في المنظمة والكارثة الانسانية الناشئة جراء الهجمات الاسرائيلية. فرضية العمل هي أن القيادة السياسية في لبنان ستنجح في التغلب على الخلافات السياسية التقليدية التي دهورت الدولة الى الازمة الاقتصادية والسياسية الاصعب منذ نهاية الحرب الاهلية. وذلك لأن اكثر من مليون وربع نسمة نزحوا من بيوتهم وعشرات آلاف آخرون بقوا بلا مأوى على الاطلاق؛ اكثر من 200 ألف شخص، معظمهم لاجئون سوريون، لكن ربعهم مواطنون لبنانيون، فروا الى سوريا، الدولة التي تمزقها حرب ولا تعتبر آمنة للاجئين. والمستشفيات لا تؤدي مهامها ولبنان يحتاج الى مساعدة انسانية تشير الى اقترابه من الوضع في غزة.

في هذه المجموعة تتخذ السعودية خطا متصلبا يطالب باقامة حكومة تكنوقراط، وهو تعبير معروف من الساحة الفلسطينية في المداولات على نفوذ حماس ومعناه ابعاد حزب الله عن كل تدخل سياسي. السعودية معنية بأن تنزع من الحركة معاقلها المدنية وامكانية تحولها الى قوة نظامية. لكن لبنان ليس غزة: المبنى الطائفي الديني فيه يضمن ليس فقط تعاون الشيعة الذين هم الاغلبية في الدولة، بل ايضا دور حزب الله الذي يمثلهم، وهذا يجعل من الصعب جدا تحييد المنظمة عن الساحة السياسية. قطر ومصر تعترفان بهذه الصعوبة وتقترحان فهما اكثر واقعية، يتمثل بمطالبة المنظمة بتنازلات سياسية جوهرية في مسألة تعيين رئيس الدولة، واساسا الموافقة على تطبيق قرار 1701.

لكن في هامش هذه المداولات حين اجتمع وزراء خارجية دول الخليج في الدوحة والتقى بعضهم بالرئيس الايراني، عرضت طهران موقفا متشددا ضد هذا المنحى. فهي تخشى أن يكون من شأنه ايضا أن يبعدها عن الساحة السياسية المحلية وليس حزب الله فقط. بعد يومين كرر عراقجي الصيغة التي وضعها حزب الله وتقول “وقف نار في غزة ولبنان يكون بالتوازي”، أي أن ايران لم تتنازل بعد عن الربط بين الساحات، وهكذا اوضحت لقوات حزب الله بأن عليها أن تواصل المواجهة مع اسرائيل طالما لا يوجد وقف نار في غزة.

ومع ذلك، من شأن ايران أن تجد نفسها امام جبهة لبنانية داخلية مختلفة عن تلك التي في بداية الحرب. السؤال الذي سيكون الآن موضع اختبار هو هل القوى السياسية في لبنان المعارضة لحزب الله سترغب وتستطيع خلق منتج سياسي جديد. منتج يمكنه على الاقل أن يفرض ارادته على حزب الله وعلى ايران، حتى لو لم ينجح في ابعاد المنظمة تماما عن التدخل السياسي. من المتوقع لايران أن تكافح بكل قوتها ضد هذه النتيجة التي من شأن معناها أن يكون فقدان المعقل الاستراتيجي الاهم لها في الشرق الاوسط.

وهذا لأن حكومة لبنانية بدون حزب الله أو مع حزب الله ضعيف معناها ليس فقط فرض انسحاب قواته من جنوب لبنان الى ما وراء الليطاني، بل ايضا جهد لنزع سلاح المنظمة حسب قرار 1701. يمكن لايران ايضا ان تفترض بأن لاحقا ستنزع الحكومة الشرعية عن فكرة المقاومة التي منحت حزب الله مكانة الجسم اللبناني العسكري الوحيد الذي يمكنه أن يتصدى للتهديد الاسرائيلي. حكومة كهذه، تقصقص الاجنحة السياسية لحزب الله، سبق أن كانت للبنان في 2006، برئاسة فؤاد السنيورة.

هذا ليس التخوف الوحيد الذي يوجه ايران: فأمام ناظريها يوجد ايضا تعيين رئيس لا يعتبر مؤيدا لحزب الله واقامة حكومة يكون التمثيل الشيعي المسيطر فيها لحركة أمل. هذه الخطوات ستفتح على مصراعيها استعداد السعودية لأن تصبح مرة اخرى رب البيت في لبنان مثلما كانت في عهد رفيق الحريري وابنه سعد. المعنى هو أن السعودية كفيلة بأن تتصدر اعمار لبنان وتقوض الاساس الاقتصادي الذي منح لحزب الله وبشكل غير مباشر لايران، التأييد المدني. العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وايران، وان كانت استؤنفت في آذار 2023، إلا أن الدولتين لا تزالان تلعبان لعبة مبلغها الصفر، وليس لايران أي نية للتنازل عن لبنان.

لكن مثلما درج نصر الله على القول فان “التطورات في الميدان هي التي ستملي السياسة”. الانسجام السياسي بين خصوم حزب الله لم يصل بعد الى النضج، والمقت السائد بينهم ينافس ما يشعرون به تجاه المنظمة. لا يقين في أن ينجحوا في توحيد الصفوف حتى في ضوء خراب لبنان. لا يزال حزب الله يبدي قدرة قتالية رغم فقدان قادته الكبار، وخريطة الطريق السياسية التي تبدو اليوم مثالية من شأنها أن تتبخر اذا بدأت مواجهة اقليمية في اعقاب الهجوم الاسرائيلي المرتقب ضد ايران.

——————————————–

هآرتس 6/10/2024

لننهض من حداد 7 اكتوبر

بقلم: جدعون ليفي

7 اكتوبر 2023 انقضى؛ غدا ايضا سينقضي 7 اكتوبر 2024. هذا اليوم قبل سنة زرع كوارث بحجوم لم نشهدها في اسرائيل وغير وجهها. اسرائيل توقفت في 7 اكتوبر 2024 ومنذئذ وهي تلتف به وتمتنع عن الانفصال عنه. حجوم الكارثة يمكنها أن تشرح هذا، لكن لا يمكن الامتناع عن الاشتباه بأن الالتصاق العنيد بالانشغال فقط وحصريا بـ 7 اكتوبر، دون توقف، دون تنفس ودون ترك مكان لامور اخرى، يرمي الى اهداف اخرى. 7 اكتوبر يبرر في نظر الاسرائيليين كل ما فعلته اسرائيل منذئذ. هو شهادة التسويغ لديهم. الانخراط في كارثتنا يمنعنا من الانشغال بالكوارث التي اوقعناها منذئذ على ملايين البشر.

صحيح أن حياة الكثير من الاسرائيليين توقفت في 7 اكتوبر، خربت وانقلبت تماما. يكفي أن نقرأ الاقوال التي تحتبس لها الانفاس التي صدرت عن اورن اغمون، الذي فقد ابنه أدام. ليس فقط من الواجب أن نتذكر الفظاعة – فلا يمكن نسيانها. لكن محلول يوم السنة الذي سيكون غدا حان الوقت لأن نخف قليلا؛ أن نفتح العيون لامور اخرى حصلت منذئذ. من الواجب الاعتراف بتأخير كبير بأنه عندما نتحدث عن “المذبحة” فانها ليست فقط مذبحة 7 اكتوبر. فتلك التي جاءت في اعقابها اكبر واكثر رعبا عشرات الاضعاف.

إن لالتصاق اسرائيل بثكلها توجد جذور عميقة وقديمة. تربينا عليها. لا يوجد مجتمع آخر يبكي موتاه هكذا. يوجد ايضا من يشعلون أوار الثكل في وسائل الاعلام وجهاز التعليم – يقولون ان هذا يبلور الشعب. في الستينيات انشدنا “دودو” وبكينا على جندي لم نعرف، بتعليمات من فوق. يوجد في اسرائيل نصب تذكارية اكثر من أي دولة اخرى بالنسبة لحجمها وضحاياها: نصب لكل ثمانية شهداء، مقارنة باوروبا التي ثكلت الملايين من ابنائها، حيث توجد نصب لكل عشرة آلاف شهيد.

كل موت هو فقدان، موت شخص شاب – هو اكثر. ليس مؤكدا أن موت ابن بمرض أو بحادث طرق اسهل على والديه ورفاقه من سقوطه في المعركة. يمكن الافتراض أنه لو مات أدام اغمون الشاب بالمرض لما كان حداد الاب اقل شمولا. صناعة الاساطير هي التي اخذت الموت الى ما وراء ذلك، فرضت حدادا وطنيا على الجميع، وفي السنة الاخيرة بقوة اكبر، وفي نفس الوقت منعت كل انشغال بحداد الشعب الآخر وحظرت حتى الاعتراف بوجوده. من ناحية اسرائيل لا يوجد على الاطلاق حداد كهذا، ومن يصر على الادعاء بغير ذلك – خائن.

مذهل كيف أن دولة الثكل المطلق تتجرأ على أن تكفر بوقاحة كهذه بوجود ثكل آخر وترى فيه ظاهرة غير شرعية. الروس هم ايضا يحبون ابناءهم، لكن اذهب واشرح هذا للاسرائيليين المقتنعين بأن الفلسطينيين – لا يحبونهم. عشرات السنين وأنا اغطي اعلاميا حزن الشعب الفلسطيني ويمكنني أن اقول بالقطع: حزنهم كحزننا. الاهالي الثكلى هم اهالي ثكلى. لكن للاسرائيليين لا يمكن حتى أن نروي هذا، واساسا ليس في السنة الاخيرة، التي غرقوا فيها في حزنهم ولم يكونوا مستعدين لأن يسمعوا أي شيء آخر.

السنة الاخيرة، سنة الحزن العظيم، رفعت هذه الميول الى ذرى لم نشهدها من قبل. سنة قصص مخطوفين تتفطر لها القلوب، وقصص بطولة عليا لا تنتهي، موت، بطولة وهكذا. ليس المقصود هنا الاستخفاف بالحزن الخاص أو الوطني، لكن عندما يصبح الموضوع شبه الوحيد، على مدى فترة زمنية طويلة بهذا القدر، يخيل أنه يرمي الى صرف الانتباه واشاحته عن الامر الاساس.

حلقي يختنق لقراءة الاقوال النبيلة التي قالها اورن اغمون. يختنق حلقي بقدر لا يقل لسماع آباء ثكلى في الضفة وفي غزة. في ختام سنة الحزن ينبغي أن ننهض من الحداد ونبدأ النظر الى الامام، الى المكان الذي نسير نحوه والذي ليس لأحد أي فكرة ما هو، بدلا من أن نهذر فقط ببطولات اسرائيل ونحزن بلا توقف.

——————————————–

هآرتس 6/10/2024

التفوق اليهودي والمطالبة بالاراضي يشدد التطرف

بقلم: جاكي خوري

عشية ذكرى مرور سنة على 7 اكتوبر، يمكن لاسرائيل ظاهرا أن تطلق رسالة لدول الشرق الاوسط والعالم بعامة: رممنا آلية الردع. الدمار في غزة كان مجرد المقدمة للانعطافة في 17 ايلول، مع الانفجارات الغامضة لاجهزة البيجر لرجال حزب الله. بعد ذلك جاءت الاغتيالات للامين العام حسن نصر الله وكبار رجالات المنظمة، المناورة البرية في جنوب لبنان، استمرار الهجمات في القطاع، هجمات في اليمن وفي سوريا، احباطات مركزة واغلاق حساب مع عبد العزيز صالحة، من منفذي الفتك في رام الله قبل 24 سنة.

وإن لم يكن هذا بكاف فان اسرائيل لا تتردد في ارسال طائرات قتالية حتى الى داخل مخيم اللاجئين طولكرم في الضفة الغربية، والآن ينتظر الجميع الرد سيكون في عمق ايران، بعد هجمة الصواريخ من هناك في الاسبوع الماضي.

كل شيء ممكن، كل شيء متاح. من سيقف ضد دولة اسرائيل. حتى الامين العام للامم المتحدة بجلالة قدره وبنفسه يوصف كشخصية غير مرغوب فيها، مثلما اعلن وزير الخارجية اسرائيل كاتس الاسبوع الماضي. رب البيت جن جنونه، نزعنا القفازات. هيا نري شدة اسرائيل، العضلات الفولاذية. لن يغير أي حكم وأي ضغط دولي الرواية الاسرائيلية: القوة ومزيد من القوة حتى “النصر المطلق”.

لكن مع كل الهجمات والتفوق العسكري والاستخباري الذي تبديه اسرائيل، خاصة في الاسابيع الاخيرة، فان الواقع في الشرق الاوسط لن يتغير بالقوة. ربما في المدى القصير سخلق اسرائيل صورة الدولة القوية في المنطقة التي تحمي مصالحها وأمنها. من خلف هذه الصورة يمكن لاسرائيل أن تواصل قمع الفلسطينيين؛ أن تبني مزيدا من المستوطنات في الضفة الغربية، وربما في شمال قطاع غزة؛ أن تهاجم في لبنان وفي سوريا؛ أن تميز بحق مواطنيها العرب وأن تظن بأن العالم العربي ساذج وعديم المبادرة.

نظرية كهذه هي بالضبط المفهوم لكارثة اخرى. هكذا ستنشأ كراهية اخرى، وهكذا ستشتعل نار الثأر. التاريخ مليء بالامثلة، لكن يكفي فحص ما حصل اليوم قبل 51 سنة: في 6 اكتوبر 1973، بداية حرب يوم الغفران. في حينه ايضا عرفت اسرائيل الضربة التي تلقتها بكلمة “قصور” وعملت على ترميم الردع في زمن قصير. لكن في النهاية سارت على الخط وفهمت أنه لاجل تهدئة الجبهة الاكثر تحديا في العالم العربي، فان عليها أن تتنازل عن الاحتلال في سيناء. بعد تسعة سنوات، في 6 حزيران 1982 اجتاحت اسرائيل لبنان، وصلت حتى بيروت، طردت قادة م.ت.ف وسعت الى اتفاق منفرد برئاسة الرئيس بشير الجميل. الرئيس قتل والحلم اندثر. بعد بضع سنوات علقت اسرائيل في الانتفاضة الاولى، ما هيأ لمبادرات اوسلو ومدريد. كل تهدئة لم تنشأ إلا بعد أن فهمت اسرائيل واجب الحديث مع الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقوقه، وذلك لأن القمع والتصفيات لم تغير الواقع.

اريئيل شارون، أبو المستوطنات، الذي انتخب لرئاسة الوزراء على خلفية الانتفاضة الثانية، اضطر هو الآخر في نهاية الامر الى أن يعرض خطة سياسية – حتى لو كانت جزئية – وأن ينسحب من طرف واحد من قطاع غزة. إن عدم الاعتراف بالقيادة الفلسطينية والرغبة في خطوة من طرف واحد عززا بالذات قوة حماس وأهانا قادة السلطة الفلسطينية.

في اليمين المسيحاني يصفون ما يحصل هذه الايام بأنه “معجزة وخلاص”. هم يرون في موجة الهجمات مرحلة في الطريق الى توطن اجزاء خرى في بلاد اسرائيل، عبر تقليص الارض المعيشية للفلسطينينين. رغم ذلك، الفلسطينيون لا يهربون، وبالتأكيد لا يفعل ذلك اللبنانيون. اسرائيل يمكنها أن ترمم الردع وتقصف غزة ولبنان. العالم سيواصل الانفعال لعمق الاختراق الاستخباري ولوقع الذراع. لكن في النهاية عليها أن تستوعب: القوة الزائدة لن تبقيها سوية العقل ومحبة للحياة. وبالذات من موقع القوة يجب أن تعترف بحقوق الآخرين وأن تفهم بأن التفوق اليهودي والمطالبة بالاراضي يشدد التطرف فقط – ولا يحله قبل أن يحل القصور التالي.

——————————————–

معاريف 6/10/2024 

مجموعة الاهداف التي ستختارها لمهاجمة ايران يجب أن تكون متناسبة مع هذا الهدف

بقلم: داني سيترينوفتش

الخطاب النادر لزعيم ايران في صلاة يوم الجمعة في طهران وان كان معدا لاستعراض قوة الجمهورية الإسلامية وتعزيز ردعها لرد إسرائيلي محتمل، لكن عمليا جسدت اقوال آية الله خامينئي فقط وضع بلاده الاستراتيجي البشع. وذلك فيما انه في خلفية الأمور يبدو اغلب الظن ان إسرائيل تصفي أيضا بديل حسن الله، هاشم صفي الدين، الخطوة التي تجعل من الصعب جدا على ايران ترميم المنظمة منذ جولة التصعيد الحالية، وبعامة تهدد “المشروع اللبناني” الإيراني.

في خطابه برز التعلق العميق الذي طورته ايران بعامة وزعيم ايران بخاصة لحزب الله وزعيم المنظمة حسن نصرالله لتوثيق وتنسيق اعمال وكلائها في الشرق الأوسط، ردع إسرائيل من هجوم في ايران وتعزيز مكانة ايران في الشرق الأوسط.

موت نصرالله يتكاتب بشكل مباشر مع الضعف العسكري الذي تبديه المنظمة في مواجهة خطوات إسرائيل، يؤثر بشكل مباشر على مكانة ايران الأمنية في المنطقة واساسا يتركها مكشوفة عسكريا في مواجهة مستقبلية مع إسرائيل.

في خلفية الأمور، لا تزال طهران تحاول ردع إسرائيل من مهاجمة ايران. وبالتوازي يحاول وزير الخارجية سيد عباس عركجي الحفاظ على محور المقاومة من خلال زيارات في سوريا وفي لبنان، لكن يخيل أن طهران لم تقرأ الخريطة بشكل صحيح، وبخلاف هجومها السابق على إسرائيل في 14 نيسان، فان قدرتها على ربط وكلائها او الاسرة الدولية لردع إسرائيل عن هجوم في ايران ضعفت بشكل دراماتيكي.

رغم هذه التطورات، محظور بالطبع الاستخفاف بايران. فبقدر ما تحشر في الزاوية، يتعاظم الاحتمال لخطوات في مجال النووي (تخصيب الى 90 في المئة؟) لاجل تعزيز ردعها. النار في الأسبوع الماضي شهدت هي الأخرى على رفع المستوى الذي أجرته ايران على منظومة الصواريخ التي تحت تصرفها في الأشهر الأخيرة. وفي ضوء هذا، وعلى فرض ان إسرائيل اتخذت قرارا بمهاجمة ايران يتعين عليها أن تفكر جيدا ما الذي تريد ان تحققه في مثل هذا الهجوم.

اذا كانت إرادة إسرائيل هي الامتناع عن توسيع المعركة والحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع الإدارة في واشنطن (التي تعارض هجوما على مواقع النووي او مخزونات النفط الإيرانية)، فان مجموعة الاهداف التي ستختارها يجب أن تكون متناسبة مع هذا الهدف. مهما يكن من امر، في ضوء التوقع بان ترد ايران على كل هجوم إسرائيلي ذي مغزى فان التصعيد لا يزال امامنا.

*باحث في برنامج ايران في معهد بحوث الامن القومي

——————————————–

يديعوت احرونوت 6/10/2024

فرصة لتغيير وجه الشرق الاوسط

بقلم: يوسي يهوشع

أحد التطورات الهامة في الأسابيع الأخيرة في الساحة الإسرائيلية الداخلية هو السير على الخط بشكل كامل بين المستوى السياسي والعسكري: الخلاف على وقف النار في غزة اخلى مكانه في صالح اجندة هجومية ومدوية يفترض بذروتها أن تكون ردا شديدا على هجمة الصواريخ الباليستية في ايران. وكما أوضح رئيس الوزراء امس، فانه لدى قادة الجيش أيضا السؤال هو ليس “هل” بل “متى” و “كيف”.

ليس لإسرائيل حقا خيار، فبعد نحو 200 صاروخ اطلق نحو إسرائيل في الأسبوع الماضي وأصاب قاعدتين لسلاح الجو. صحيح أن الإصابات لم تخفض مستوى الأداء والطائرات القتالية أقلعت من القاعدة لغارات في لبنان لكن هذا لا يغير في شيء من الحاجة لجباية ثمن من الإيرانيين على فعل مباشر من اعلان حرب.

فرصة لضرب النووي

لما كان الرد مثابة فعل واقع، في جهاز الامن يجرون مداولات مكثفة على التفاصيل. وكما هو متوقع، تمارس الإدارة الامريكية ضغطا شديدا لعدم مهاجمة بنى تحتية نفطية او منشآت نووية، حيث تحتاج إسرائيل على أي حال الى مساعدة أمريكية. وامس وصل الى إسرائيل الجنرال الأمريكي الكبير مايكل كوريلا، قائد المنطقة الوسطى الامريكية الذي يعتبر متنفذا في ما يجري في المنطقة.

“توقعنا هو التعاون مع أصدقائنا ونحن على اتصال يومي”، يقول مصدر كبير. “بعض من العالم الغربي فهم باننا مصممون بعد أن رأوا ما فعلناه في لبنان مع تصفية نصرالله. لا توجد أي إمكانية لتجاوز ما فعلته ايران”.

ومع ذلك جدير بالإشارة الى أن حربا إقليمية ليست جزءا من اهداف الحرب كما قررتها الحكومة. فقد أوضح الإيرانيون منذ الان بانهم سيردون على هجوم كهذا وعليه فيترددون في إسرائيل اذا كانوا سيختارون ردا يبقي على استمرار المعركة ام ردا يغيرها.

توجد محافل في إسرائيل تعتقد أنه مع كل الاحترام للاعتراض الأمريكي واسبابه المحددة (وعلى رأسها حملة الانتخابات) يدور الحديث عن لحظة تاريخية: اذا لم تعمل إسرائيل مع الأمريكيين ولم تضرب البرنامج النووي، فانه لن يهددنا فقط بل سيهدد كل العالم، بما فيها الدول التي تعارض مثل هذه العملية الان.

 محافل في المنظومة تعتقد ان المفتاح هو العلاقة المتضعضعة بين رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس الأمريكي بايدن الذي لا يريد حربا قبل لحظة من انتخابات تعد أيضا تصويت ثقة بولايته. لا غرو أن المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب يتحدى البيت الأبيض ويدعي بان على إسرائيل ان تهاجم منشآت النووي رغم ما سيحصل في أسعار الوقود. مهما يكن من امر النتيجة هي ان القرار الإسرائيلي هو أداة لعب في السياسة الداخلية لحليفتنا الكبرى. غير أن في ايران أيضا الوضع ليس هادئا. فقد تلقى النظام ضربة استراتيجية في ضوء الخسائر التي تكبدها مشروع تعاظم قوة حزب الله وفي الجبهة الداخلية سجل ضغط كبير خوفا من الهجوم. ضمن أمور أخرى تهبط البورصة كما أن الكثير من المواطنين والمواطنات يقفون في طوابير طويلة في محطات الوقود.

انجاز الجيش الإسرائيلي في لبنان تشرح لماذا يخشى النظام من أن تجعل إسرائيل لهم ضاحية في طهران. الامر الأخير الذي يحتاجه النظام هو صافرات انذار في طهران تهرب السكان.

وبالعموم، في الاستخبارات الإسرائيلية يشخصون فرصا ذهبية لتحول الميل: بث القوة في الأسابيع الأخيرة يترك أثره في الدول السُنية وثمة من يتحدث حتى عن إمكانية فصل نظام الأسد عن العناق الإيراني الذي انقذه في الحرب الاهلية. لا حاجة للإسراع في الاستنتاجات، لكن في شعبة الاستخبارات أمان يوجد مزيد فمزيد من الأصوات التي تدعي ان في دمشق أيضا يعيدون احتساب المسار.

 إنجازات في لبنان

في هذه الاثناء الاعمال في لبنان تتواصل بكثافة مما يجعله الساحة المركزية فعليا. من الجو تسجل إسرائيل إنجازات في عملية تصفية قمة القيادة بما في ذلك من يعتبر البديل المرشح لنصرالله.

وزير الدفاع غالنت زار في نهاية الأسبوع احدى وحدات الاستخبارات حيث قال له احد الضباط الذين يعرف حزب الله جيدا انهم لا يعرفون القيادة الجديدة ومن يتخذ القرارات هم قادة صغار. وقال الضابط انهم “فقدوا الثقة ويتصرفون كمطلوبين”.

توجد لهذا نقيصة أيضا: الفراغ في القيادة لا يتيح عنوانا للوصول معه الى وقف النار وتسوية افضل من التفاهمات التي انهت الحرب في 2006. في هذه اللحظة التقديرات في إسرائيل هي أن الإيرانيين سيقررون عن حزب الله ما يحصل هناك وموقفهم متعلق جدا بتطور المناوشات مع إسرائيل.

ليس واضحا كم من تبادل الضربات سيكون مطلوبا لاجل الوصول الى تهدئة، لكن من ناحية إسرائيل واضح ماذا سيعتبر إنجازا: الغاء الارتباط بين لبنان غزة ووقف القتال هناك، الى جانب معالجة البنى التحتية في خط التماس وضربة دراماتيكية لحزب الله. هذا يمكنه أن يكون اعلان نصر ومن هنا ستتركز الجهود في تحقيق اتفاق لاعادة المخطوفين والمخطوفات.

وتقول مصادر في إسرائيل ان حماس عمليا لم تعد تؤدي مهامها كجيش إرهاب بل عادت الى ايامها كمنظمة حرب عصابات، بينما يحيى السنوار لا يزال مقطوع الاتصال. وحسب تلك المصادر التقارير التي تقول انه اصدر رسائل عديمة الأساس.

لقد جبى القتال في كل الجبهات قبل واثناء العيد اثمانا باهظة. فالمناورة المركبة في الأرض البيتية لحزب الله كلف منذ الان حياة تسعة مقاتلين، لكن عمل فرقتي 98 و 36 يعطي ثمارا بشكل تصفية مخربين وتفكيك بنى تحتية.

قريبا ستتسع الاعمال وستتركز على ضرب قدرات القيادة والتحكم لدى حزب الله، القدرات القتالية والانفاق التي بناها. ويقول مسؤول كبير في الجيش انه “في المناورة وحدها قتلنا 400 نشيط من حزب الله بينهم غير قليل من قادة السرايا والكتائب. قادة قطاعات هار دوف، مركبا، بروحين وغيرها صفوا”. في الجيش يدعون بان كمية الوسائل القتالية التي عثرت عليها القوات حتى من اكثر التقديرات تشددا. كما يجري التصدي للمُسيرات التي تطلقها من العراق الميليشيات الشيعية.

——————————————–

إسرائيل اليوم 6/10/2024 

الاختبار متعدد الساحات لإسرائيل

بقلم: يوآف ليمور

انشغلت إسرائيل في اثناء العيد بأربعة جهود أساسية ستشغلها أيضا في الأيام القادمة.

الجهد الأول والمركزي في هذه اللحظة هو الحرب في لبنان. احد جوانبه هو الهجمات في عمق لبنان مع التشديد على بيروت والتي تستهدف النزع من حزب الله بقدرات الإنتاج، البنى التحتية والسلاح وكذا لتعميق الضربة لقيادة المنظمة. في جهاز الامن متفائلون بالنسبة لنجاح الهجوم على مقر الاستخبارات المركزي لحزب الله يوم الخميس ليلا حين كان يتواجد فيه هاشم صفي الدين، خليفة حسن نصرالله والى جانبه حسين هزيمة، رئيس استخبارات المنظمة، نائبه ومسؤولون آخرين. حزب الله لم يبلغ بعد رسميا عن موتهم وهم يعرفون حاليا بانهم “مقطوعو الاتصال” وان كان حسب التقارير من بيروت سلاح الجو يحرص على منع اخلاء الأنقاض لاجل التأكد من ان من علق فيها سيموت حقا.

الضربة المنهاجية في قيادة حزب الله ومنظومة القيادة والتحكم لديه تجعل من الصعب جدا على المنظمة تنسيق هجمات نارية واساسا على مركز البلاد. في اثناء العيد وان كان حزب الله حاول اطلاق صاروخين دقيقين فقد اعترضا بنجاح.  اطلاقات اكثر كثافة كانت نحو بلدات الشمال لكن الحديث يدور أساسا عن خلايا تكتيكية تعمل في جنوب لبنان. كما أن هذه النار لم تكن مركزة وعلى نطاقات اصغر بكثير من تلك التي استعدت اليها إسرائيل.

الجانب الاخر من النشاط العسكري يجري على الأرض قرب الحدود في جنوب لبنان، في القرى وفي المجالات المفتوحة التي اقام فيها حزب الله مجالات قتال محصنة فوق وتحت الأرض. وفوجيء الجيش الإسرائيلي من كميات السلاح التي وجدت واساسا العبوات وصواريخ مضادات الدروع من طراز كورنت. والتقدير هو ان المهمة ستحتاج عدة أسابيع أخرى لاستكمالها.

هذه النجاحات التكتيكية من شأنها ان تغري إسرائيل لتعميق العملية في لبنان. ويدور الحديث عن شرك خطير سيكلف حياة جنود، مخطوفين وغرق في الوحل اللبناني، مثلما سيكلف تآكل الشرعية الإسرائيلية للعملية. فدعوة الرئيس الفرنسي أمس لفرض حظر سلاح على إسرائيل هو إشارة تنذر بالشر تستوجب على الأقل جهدا دبلوماسيا مركزا لاجل السماح للجيش الإسرائيلي بمجال القتال اللازم لانهاء المهمة التي الجزء الاستكمالي لها يجب أن يكون في اتفاق سياسي (يفرض عسكريا بما في ذلك منع استئناف تهريب السلاح الى لبنان ومنع نزول متجدد لحزب الله الى جنوب لبنان).

الجهد الثاني هو في غزة. يركز الجيش حاليا على أعمال في محور نتساريم ومحور فيلادلفيا، ولكن من المتوقع أن يوسعها أيضا الى مجالات أخرى جاءت منها مؤشرات على إعادة تموضع رجال حماس فيما أنه في الخلفية 101 مخطوفا لا تجري حولهم مفاوضات حقيقية لتحريرهم وقضيتهم دحرت في طيات الاهتمام الحكومي والجماهيري.

الجهد الثالث هو منع العمليات وتصعيد إضافي غدا، 7 أكتوبر. اول أمس صفى الشباك والجيش خلية إرهاب في طولكرم خططت لعمليات في الذكرى السنوية للسبت الأسود وتوجد مؤشرات أخرى على عمليات مخطط لها واساسا من الضفة. لكن أيضا من اليمين، العراق وسوريا. كنتيجة لذلك عزز الجيش الإسرائيلي القوات في الضفة في ثلاث كتائب احتياط أخرى وفي اليوم التالي سيكون انتشار معزز لعموم المنظومات، واساسا الاستخباراتية والجوية.

الجهد الرابع هو الاستعدادات لهجوم في ايران ردا على اطلاق نحو 180 صارو لإسرائيل في يوم الثلاثاء الماضي. المعضلة في إسرائيل هي كيفية الرد دون الانجرار الى حرب مفتوحة مع ايران لاجل عدم صرف التركيز عن الجهود الأساسية في لبنان وفي غزة. وفي الخلفية أيضا ضغط امريكي كبير للامتناع عن هجوم يجر المنطقة كلها الى حرب (الرئيس بايدن نفسه تناول هذا عدة مرات في اثناء العيد)، واليوم سيصل الى إسرائيل قائد المنطقة الوسطى مايكل كوريلا للتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، وهو الضروري للمرور عبره الى ايران في المجال الذي يسيطر فيه الامريكيون جويا واستخباريا.

النية الإسرائيلية المعلنة هي نقل رسالة واضحة للايرانيين – وتوجد عدة إمكانيات للهجوم: من منشآت عسكرية وحتى رموز حكم، بنى تحتية للطاقة وبالطبع المشروع النووي. لكن خير تفعل إسرائيل اذا ما نسقت اعمالها مع الأمريكيين بانفتاحية كاملة بخلاف تصفية نصرالله. حوار كهذا قد يفترض تخفيف ما في احداث الهجوم لكن إسرائيل يمكنها أن تستغله كي تحصل على قذائف ثقيلة وذخائر إضافية تحتاجها لمواصلة الحرب.

كما هو الحال دوما، خير تفعل إسرائيل اذا ما نظرت ليس فقط الى الخطوة القريبة بل الى عدة خطوات الى الامام، مثل إمكانية أن ترد ايران برشقة صواريخ أخرى وربما بعدة أيام قتال. على أصحاب القرار أن يسألوا انفسهم ماذا سيفعلون عندها وكم بعيدا مستعدة إسرائيل أن تسير الان في المواجهة المباشرة مع ايران والتي منذ الان قفزت بأسعار النفط في العالم فيما أن الانتخابات في الولايات المتحدة خلف الزاوية.

——————————————–

هآرتس 6/10/2024

“يجب هدم المسجد”.. بن غفير: نريدها حرباً دينية

بقلم: أسرة التحرير

بينما كانت جثث المغدورين السبعة من العملية القاسية في جادة القدس في يافا لا تزال ملقاة في قاطرة القطار الخفيف وفي المحطة، اندفع وزير الأمن القومي بن غفير إلى ساحة الحدث كي “يجد” المسؤولين: أناس مسجد النزهة المجاور.

دون أي دليل حقيقي، استغل بن غفير لحظات الهلع في ظل وابل الصواريخ الذي أطلق في تلك الساعة على إسرائيل من جهة إيران، حاول إلقاء المسؤولية على المسجد الذي يطل على مكان العملية، بل وهدد بهدمه. “إذا تبين أن له علاقة بين العملية والمسجد، فإن الأمور واضحة جداً”، سخّن بن غفير الأجواء المشحونة أصلاً، فيما كان إلى جانبه مفتش عام الشرطة داني ليفي: “يجب إغلاقه وهدمه”.

بن غفير، الذي وعد “بالسيادة وبالحوكمة”، فعل ما يعرفه: محاولة إشعال الأرض بين اليهود والعرب. فقد أمل في إيصال تحريضاته لآذان مؤيديه، على أمل أن يأتوا إلى يافا، وإلى آذان كبار رجالات الشرطة للبدء بأفعال عملية ضد المسجد. دون ذرة دليل، حاول إشعال الخواطر في يافا في أرجاء البلاد ضد عرب إسرائيل رغم أنه لم يكن معروفاً في تلك الساعة عن أي علاقة بين أناس المسجد ومنفذي العملية الإجرامية.

عملياً، لم يكن أناس المسجد مرتبطين بالعملية على الإطلاق؛ فقبل لحظات من رحلة القتل للقطار الخفيف، دخل أحد المخربين إلى المسجد وهو يحمل بندقية من طراز ام 16 وهدد المتواجدين في المسجد بالسلاح. أناس المسجد لم يترددوا، واتصلوا بالشرطة وبلغوا عن الحدث الشاذ بشكل فوري. تصرف أناس المسجد كما ينتظر من كل إنسان ومواطن، لكنهم بعد العملية وجدوا أنفسهم في بؤرة هجمات وزير الأمن القومي الذي يرى فيهم عدواً. في محاولة لتخفيض مستوى اللهيب الذي أشعله بن غفير، نشرت الشرطة بمبادرتها المكالمة الهاتفية إلى مركزية 100. هذه خطوة جديرة من جانب الشرطة وكفيلة بأن تبشر بموقف مستقل حيال الوزير.

إلى جانب الخطر من جهة منظمات الإرهاب، ثمة خطر حقيقي من جهة وزير الأمن القومي. يعمل بن غفير على إحداث حرب شاملة، سواء بسلوكه في الحرم أم عبر تحريضه ضد المواطنين العرب. ويحاول جر المجتمع الإسرائيلي إلى مجالاته المسيحانية والكهانية.

من أعطى مُشعل النيران الخطير منصب وزير الأمن القومي، نتنياهو، هو المسؤول الحصري عن ذلك. ولكن في هذه الأيام التي تبحث فيها محكمة العدل العليا في الالتماسات ضد استمرار ولايته، ينبغي أن نرى في سلوكه المنفلت والتحريضي خطراً حقيقياً على أمن مواطني إسرائيل.

——————————————–

هآرتس 6/10/2024

الهجوم الإيراني على إسرائيل.. بداية الحرب الإقليمية

بقلم: عاموس هرئيل

بعد ما يقارب سنة على الحرب دخلت إسرائيل، الثلاثاء الماضي، مرحلة الحرب الإقليمية، حين وضعت إيران نفسها في قلب المواجهة عبر إطلاق هجوم صاروخي واسع وغير مسبوق على إسرائيل، على خلفية سلسلة أحداث في الأسبوعين الأخيرَين بين إسرائيل و”حزب الله”. ومن المتوقع أن يكون هناك رد إسرائيلي صارم. ولم يسفر الهجوم الإيراني عن إصابات كبيرة في إسرائيل، على الرغم من أن العديد من المنازل في وسط البلد تعرضت لأضرار بسبب شظايا الصواريخ وصواريخ الاعتراض.

وتشير التقديرات الأولية إلى أنه تم إطلاق نحو 180 صاروخاً باليستياً باتجاه إسرائيل، وتم اعتراض معظمها، أو سقطت في مناطق مفتوحة. ويشكّل هذا العدد نحو نصف عدد المقذوفات التي أُطلقت في الهجوم الأول لإيران في نيسان الماضي، إلا إن عدد الصواريخ الباليستية، هذه المرة، كان أكبر بكثير، وبالتالي فقد كانت الأضرار التي لحقت بالبيئة أكثر خطورة. ويبدو أن إيران حللت نتائج الهجوم السابق واستخلصت العِبَر، لكنها لم تنجح في اختراق منظومة الدفاع الإسرائيلية والإقليمية بصورة فاعلة.

ولم يسبق للجمهور الإسرائيلي أن واجه هجوماً مماثلاً على الجبهة الداخلية، خصوصاً في وسط البلد، لكن المواطنين أظهروا مستوى عالياً من الانضباط الشخصي، بينما منظومة الدفاع الجوي وسلاح الجو، اللذان لم تتأثر جاهزيتهما، واجها هذه التحديات غير العادية بصورة جيدة، بمساعدة دفاعية من الولايات المتحدة. وكان الهجوم الإيراني موجهاً، ظاهرياً، نحو عدة مواقع عسكرية وأمنية، بما في ذلك قواعد سلاح الجو، لكنه في الواقع كان يهدف إلى ضرب تجمعات سكانية مدنية، وإيقاع قتلى، وبث الرعب في إسرائيل.

ويضع التدهور الأخير جميع الأطراف في وضع مختلف تماماً، إذ أصبح الصراع بين إسرائيل و”حماس”، وحتى المواجهة مع “حزب الله”، أقل أهمية مقارنة بالصراع الإسرائيلي الإيراني. وفي هذا السياق تزداد المخاطر الداخلية أيضاً؛ ففي عملية قتل جماعي نفذها “إرهابيون” في يافا، يُشتبه بأنها تمت بالتنسيق مع توقيت الهجوم الإيراني، قُتل سبعة مواطنين إسرائيليين. وهذا هو الهجوم الأكثر فتكاً الذي ينفذه فلسطينيون داخل الخط الأخضر منذ “مذبحة حماس” في 7 تشرين الأول، ولم تشهد تل أبيب هجوماً بهذا الحجم منذ أيام الانتفاضة الثانية.

ويزيد الحادث المروع من مستوى مشاعر التوتر وانعدام الأمن لدى الجمهور، إلى جانب إطلاق الصواريخ الباليستية المكثف. ويجب أن نأخذ في الاعتبار محاولات تنفيذ هجمات مماثلة من جانب الفلسطينيين في الضفة الغربية بتوجيه وتمويل من إيران و”حزب الله”، وربما تكون هناك أيضاً محاولات لتجنيد عناصر “متطرفة” أو “عصابات إجرامية” من المجتمع العربي الإسرائيلي.

ما من شك في أن إسرائيل سترد بقوة كبيرة على الهجوم الإيراني المكثف، وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، العميد دانيال هغاري: إن “لهذا القصف تداعيات”، وقالت مصادر في الجيش الإسرائيلي: إن “سلاح الجو سيواصل هجماته المكثفة في الشرق الأوسط.” ووفقاً لتقارير في الولايات المتحدة، يمكن أن تشمل هذه الهجمات مواقع بنية تحتية إيرانية، خصوصاً منشآت النفط والغاز التي يعتمد عليها اقتصاد النظام، ويمكن أن تحمل رسالة أيضاً تجاه المشروع النووي الذي تهدد إسرائيل باستهدافه منذ عقدين. ومن المتوقع أن تنجر الولايات المتحدة إلى هذا الصراع، على الرغم من عدم رغبتها في ذلك، وهي التي تفصلها أقل من خمسة أسابيع عن الانتخابات الرئاسية. وهذا صراع إقليمي وعالمي، يمكن أن تكون له تداعيات بعيدة المدى على أمن إسرائيل، وكذلك على الاقتصاد الدولي، والمكانة العالمية للولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يستمر تبادل الضربات، كما أكدته التهديدات التي أصدرتها البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة.

لم تمض سوى بضعة أيام على احتفالات إسرائيل باغتيال الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، حتى اتضح أن الصورة تتغير تماماً. وكالعادة، يتبين أن احتفالات النصر لا تكون في محلها عندما يتعلق الأمر بحرب طويلة ضد عدو عنيد وليس بلا حيلة. وكان من الأفضل الانتظار قبل أن نقوم بتوزيع البقلاوة.

لم تتضرر إيران مباشرة من الهجوم الإسرائيلي في لبنان، لكن الهجوم قتل الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، وهو ثاني أهم شخصية في المحور الراديكالي الإقليمي الذي تقوده الجمهورية، بعد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي. وتم اتخاذ القرار بالرد في طهران قبل عدة أيام، ووفقاً لتقارير في وسائل الإعلام الأميركية أدركت الاستخبارات أن هذا هو التوجه الإيراني، واستعدت المنظومة وفقاً لذلك، إذ نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي توجيهات للسكان، طالباً منهم توخي الحذر.

وفي ظل هذه الأوضاع من المتوقع أن تتراجع أهمية القتال في قطاع غزة، الذي كان حتى منتصف الشهر الماضي يُعتبر الساحة الرئيسة، ويمكن أن يؤثر ذلك سلباً في الجهود المبذولة للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى، وهي الصفقة التي تعيش جموداً لفترة طويلة. ووسع الجيش الإسرائيلي، قبل الهجوم الإيراني من عملية تجنيد قوات الاحتياط للجبهة الشمالية، ومن المتوقع الآن أن يتم توسيع نطاق تجنيد الاحتياط بصورة أكبر في ظل الأزمة الإقليمية والمخاطر المترتبة على مزيد من التدهور في عدة جبهات.

تعلّق وشكوك

نشر جهاز “الشاباك”، الأسبوع الماضي، على الرغم من الكثير من القيود التي تحظر نشر التفاصيل، أنه كشف مؤخراً سلسلة محاولات إيرانية لتنفيذ اغتيالات ضد شخصيات بارزة إسرائيلية داخل البلد وخارجه. واستخدم الإيرانيون عملاء محليين إسرائيليين، تم إغراء بعضهم بعروض مالية عبر الإنترنت، ووجد الإيرانيون أرضاً خصبة لهذه المحاولات، التي استندت جزئياً إلى العالم الإجرامي في إسرائيل، ومن المرجح أن تستمر هذه المحاولات في المستقبل.

ويُبرز هذا التهديد الإيراني مدى اعتماد إسرائيل على الأميركيين، وهو ما يتجاهله رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بتصرفاته التي أغضبت الأميركيين في كل خطوة خلال الأسابيع الأخيرة. فإسرائيل لا تعتمد على الولايات المتحدة وحسب في تنسيق الدفاع الجوي، بل أيضاً في استمرار تزويدها بالذخائر لعملياتها الهجومية. وبطريقة ما، لا تصل هذه الحقائق إلى أتباع نتنياهو المتحمسين الذين يتلاعبون، الآن، بفانتازيا جديدة بعد تحقيق سلسلة النجاحات في بيروت، مهاجمة المواقع النووية الإيرانية من دون تنسيق مع الولايات المتحدة. بتنا الآن نسمع الأصوات المتشددة بهذا الشأن، وبوضوح في الأستوديوهات، لكن الواقع هو أنه عندما يتعلق الأمر بالمسألة النووية، فإن على إسرائيل أن تعمل بتنسيق مع الولايات المتحدة، لضمان ضربات مؤثرة طويلة الأمد، وكذلك للحصول على الدعم اللازم في الدفاع والهجوم.

والأهم من النقاشات الدائرة في الأستوديوهات هو السؤال عما إذا كانت هذه الأفكار تتسلل أيضاً إلى دوائر صنع القرار أم لا. ولقد اختار نتنياهو نفسه قبل أيام، في خضم العاصفة الإقليمية، التوجه مباشرة بفيديو إلى المواطنين الإيرانيين، داعياً إياهم إلى الإطاحة بالنظام القمعي للملالي. وفي هذا السياق، من المفيد أن نذكر تحذير الصحافي توماس فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز” قبل نحو شهر؛ إذ هناك بحسبه قلق في إدارة بايدن من أن نتنياهو يحاول جر الولايات المتحدة إلى حرب مباشرة مع إيران، تشمل مهاجمة المواقع النووية، وتؤثر في الوقت نفسه في مصير الانتخابات الرئاسية الأميركية.

نحن طبعاً في غنى عن القول إن نتنياهو يصلي كي لا تنجح المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس؛ فالولايات المتحدة ستقدم الآن المساعدة إلى إسرائيل، سواء من منطلق الالتزام المبدئي أو استناداً إلى الاعتراف بأهمية إسرائيل الاستراتيجية للمصالح الأميركية، لكن الشكوك تجاه إسرائيل ستظل قائمة لدى بايدن، وهاريس، وفريقهما.

خطوات التصالح مع الواقع

حتى قبل الهجوم الإيراني، بدأت عملية الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، بعد 24 عاماً على انسحابه منه، بصورة نهائية على ما يبدو، وبعد 18 عاماً بعد دخوله مجدداً مغامرة قصيرة وغير ناجحة [حرب 2006]، وها هو الجيش الإسرائيلي يعود إلى هناك. وقبل أيام دخلت القوات في عملية وُصفت هذه المرة بأنها محددة ومؤقتة، وموجهة حالياً نحو أطراف القرى الشيعية والمناطق المعقدة القريبة من الحدود مع إسرائيل.

وتأمل القيادة العامة للجيش والقيادة السياسية الإسرائيلية أن تواجه العملية العسكرية المكثفة هناك، على مدى بضعة أسابيع، مقاومة أضعف مما كان يُعتقد في الماضي، وذلك نظراً إلى الضربات القاسية التي تلقّاها “حزب الله” عبر الهجمات الجوية والاستخباراتية خلال الأسبوعين الأخيرَين. ومن المفترض أن تستكمل التحركات على الأرض ما هو من المفترض أنه تم تحقيقه فعلاً، وتجبر “حزب الله” وراعيته إيران على الموافقة على الانسحاب من المنطقة الحدودية، بطريقة تقنع العديد من السكان الإسرائيليين بأنهم يمكنهم العودة بأمان إلى منازلهم على الجانب الجنوبي من الحدود بعد عام على النزوح القسري. أمّا الهجوم الليلي الإيراني، فسيؤثر في أولويات إسرائيل ومسار الأحداث، خصوصاً فيما يتعلق بموارد سلاح الجو.

وفي ظل القتال على طول الحدود حتى الآن، وما بدأ يتكشف من الجانب اللبناني، يبدو أنه ليس لدى إسرائيل حالياً خيار آخر لإعادة السكان. لكن تاريخ المواجهات السابقة يعلّمنا أن الخطط الإسرائيلية تميل إلى الاصطدام بواقع مختلف؛ ففي الحرب، خصوصاً في المناورات البرّية، تحدث أمور غير متوقعة. وعادة لا يتطوع العدو لتأدية دوره في الخطط التي تم إعدادها.

وما لا يمكن الجدال فيه هو أن “حزب الله” الآن يعيش وضعاً مختلفاً تماماً عما كان عليه قبل بضعة أسابيع، ففي 8 تشرين الأول من العام الماضي، عندما قرر نصر الله الانضمام إلى الحرب التي بدأتها “حماس” في الجنوب قبل يوم واحد، قيد أنصاره بإطلاق النار عن بُعد، بصواريخ مضادة للدبابات، وصواريخ قصيرة المدى، وبعدها أيضاً طائرات مسيّرة. وتمثلت الفكرة في إشغال العديد من القوات الإسرائيلية على حدود لبنان، وبالتالي، المساهمة في النضال الفلسطيني في غزة، من دون إرسال مقاتليه للهجوم داخل إسرائيل. وقد استمرت إستراتيجية نصر الله نحو 11 شهراً، على الرغم من أن مقاتليه تكبدوا نحو 500 قتيل في اشتباكات على طول الحدود، كما قُتل بعض كبار قادة تنظيمه.

وعندما قررت إسرائيل في منتصف الشهر الماضي تصعيد الحملة، والقيام بعمليات فعالة لإعادة السكان وتحويل لبنان إلى الساحة الرئيسية للحرب، بدأت خسائر “حزب الله” في الارتفاع بصورة حادة. وقد أنشأ كل من الهجمات الإلكترونية وهجمات الاتصالات المنسوبة إلى إسرائيل، واغتيال نصر الله واثنين من كبار قادته، هما إبراهيم عقيل وعلي كركي، وتصفية قيادة قوة الرضوان بأكملها، والهجوم الجوي المنهجي الذي ألحق ضرراً كبيراً بمخازن الأسلحة متوسطة وبعيدة المدى لـ”حزب الله”، واقعاً جديداً تماماً على طول الحدود، حتى قبل دخول قوات الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان.

فقد طور الأميركيون، خلال حرب الخليج الثانية سنة 2003، مفهوماً هجومياً أطلقوا عليه “الصدمة والرعب”، وقد تمثّل جوهره في توجيه ضربة افتتاحية تهز منظومة العدو بأكملها وتشله. وهذا بالضبط ما فعلته إسرائيل لـ”حزب الله” في الأسابيع الأخيرة، على الرغم من مرور ما يقارب العام على القتال من دون تحقيق نتائج استراتيجية كبيرة. وإن جزءاً مهماً من هذا النجاح يعود إلى العمل الدؤوب لسلاح الجو الإسرائيلي على مدار العام الماضي، لضمان التفوق الجوي لطائراته والطائرات المسيّرة في سماء لبنان. وتم تحييد العديد من قدرات الدفاع الجوي لـ”حزب الله” وتدميرها أو تجاوزها، وهو ما قلل كثيراً من المخاطر التي تواجه الطائرات الإسرائيلية، وأتاح لها حرية أكبر في العمل مما كان متوقعاً.

والدليل الأبرز على الإنجازات حتى الآن هو الأثر المحدود لـ”حزب الله” في ردوده على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهذا ناجم، على الأرجح، عن مشاكل في تسلسل القيادة والسيطرة، وليس بسبب نقص في الصواريخ المتوسطة المدى حتى الآن. وعلى الرغم من الضرر الكبير الذي لحق بمخازن الصواريخ، فإنه لا يزال لدى التنظيم مئات الصواريخ، ومن المرجح أنه عندما يتعافى النظام القيادي، فسيستأنف إطلاق النار بصورة أكثر فاعلية.

يبدو أن قيادة التنظيم – القيادة الجديدة بالتحديد – في حالة من الصدمة إزاء ما حدث؛ إذ كان “حزب الله” يعتمد على مجموعة قيادة قديمة، ترعرعت مع نصر الله في صفوف التنظيم منذ تأسيسه في أوائل الثمانينيات، وتولت مواقعها القيادية قبل عقدين تقريباً. الآن، لم يعد أي من هؤلاء حياً تقريباً، وَهُم الآن يتوزعون بين مَن تم اغتيالهم خلال هذا العام، ومَن قُتلوا في الأسبوعين الماضيَين.

أمّا مَن حلّوا محل هؤلاء، فهم مضطرون الآن إلى التعامل مع منظمة متضررة ومرتبكة، إذ تمت زعزعة سلاسل القيادة فيها، ويبدو أن هناك صعوبة في تنفيذ هجمات متسقة وفقاً لخطط القصف الحالية، وقد تم التخلي عن شبكات الاتصال فيها بعد حوادث الأجهزة اللاسلكية وأجهزة الاتصال، وتم تدمير جزء كبير من مخازن الصواريخ، ومن المؤكد أن هناك عناصر يخشون الوصول إلى مخابئ منصات إطلاق الصواريخ الأُخرى خوفاً من القتل. وربما أكثر ما يثقل كاهلهم هو الشعور بالاختراق الاستخباراتي.

ومع ذلك، فإن دخول القوات البرّية جنوب لبنان، حتى ولو كان محدوداً، فسيكون قصة مختلفة، وأكثر صعوبة؛ فمن الصعب جداً تدمير الشبكات تحت الأرضية من مخابئ وأنفاق، والتي نشرها التنظيم قرب الحدود، عبر الهجمات الجوية، وهذا هو السبب الأساسي لاتخاذ قرار الدخول برّياً. ومن هنا، يُتوقع ظهور مشكلتين كبيرتين أُخريَين، تذكّران بما واجهه الجيش الإسرائيلي في غزو قطاع غزة في نهاية تشرين الأول الماضي:

أولاً، لا تعتمد مقاومة العدو على أنظمة عسكرية معقدة ومنهجية، إنما على خلايا حرب عصابات متمركزة جيداً في مناطق حيوية، ويمكنها أن تسبب خسائر للجيش الإسرائيلي.

ثانياً، البُعد الزمني؛ إذ استغرق تنفيذ خطة الجيش الإسرائيلي في القطاع وقتاً أطول كثيراً مما كان متوقعاً، لأن الجمع بين المناطق المبنية والمجمعات تحت الأرض أطال العملية وجعلها أكثر تعقيداً. ومن ينتظر هنا اندفاعاً للدبابات في جنوب لبنان، على غرار ما حدث إبان حرب الأيام الستة في سيناء، سيصاب بخيبة أمل.

وكشف الجيش الإسرائيلي أكثر من 70 عملية اقتحام نفذتها وحدات خاصة عبر الحدود منذ تشرين الأول [2023]. وخلالها تم كشف مجمعات قتال تابعة لـ”حزب الله”، وأنفاق اقتراب تسمح بالوصول إلى قرب الحدود من دون أن يتم اكتشاف عناصر الحزب، ووسائل قتالية كثيرة. ولا يزال هناك العديد من هذه المجمعات في أراضي الخلاء على امتداد الحدود. وستكون هناك أهداف إضافية للعملية، تشمل القرى الواقعة على خط التماس. ومع ذلك، فإن توجيهات الجيش الإسرائيلي لسكان الجنوب تأمرهم بإخلاء منازلهم إلى مناطق أبعد شمالاً، حتى أطراف مدينة صور.

والنغمة التي نسمعها من الضباط، والتي تُنقل إلى الجمهور عبر الجنرالات المتقاعدين في الأستوديوهات، هي نغمة مألوفة، عملية محدودة، هدفها إبعاد “الإرهابيين” عن الحدود، واستعادة الأمن وإعادة السكان. كما أن المخاطر، التي غالباً ما يتم التطرق إليها بصورة أقل، معروفة؛ فبين التل الأول الذي يتم الاستيلاء عليه لتنفيذ المهمة، والتل الثاني الذي ستتم مهاجمته لحماية القوات من إطلاق النار على التل الأول، هناك منحدر زلق.

وبهذه الصورة يجد المرء نفسه أحياناً عالقاً في أرض غريبة لمدة 18 عاماً أو أكثر، والأمر الوحيد الذي يبدو مؤكداً تماماً هو أن الأرض لن تهدأ، وبالتأكيد ليس لمدة 40 عاماً.

——————انتهت النشرة