هبة الكرامة: تبرئة معتقلي اللد تثير تساؤلات حول مصداقية الشرطة والشاباك

محامو الدفاع أكدوا أنه “ظهرت عدة أسئلة وتساؤلات حول الأدلة بيّنت تناقضات كبيرة بين الأدلة المنسوبة للمعتقلين وبين الأدلة الحقيقية التي أفضت في نهاية المطاف إلى إسقاط تهمة القتل”.

أصدرت المحكمة المركزية في مدينة اللد، حديثا، قرارا بإسقاط تهمة القتل على خلفية “قومية” عن سبعة أشخاص من مدينة اللد والضفة الغربية الذين كانوا رهن الاعتقال لمدة ثلاث سنوات. وتم اعتقال خمسة شبان من اللد واثنين من الضفة الغربية، من قبل جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) في منتصف شهر أيار/ مايو 2021 خلال أحداث هبة الكرامة التي اندلعت في البلاد، على خلفية الاحتجاجات ضد العدوان على غزة واقتحام المسجد الأقصى ومحاولات تهجير سكان حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، واعتداءات المستوطنين على مواطنين عرب في البلاد.

وأبقت النيابة العامة في لائحة الاتهام ضد المعتقلين تهمة إلقاء الحجارة (لم تقرر خلفيتها بعد)، والتسبب بأضرار للممتلكات على خلفية “قومية”، والتسبب بإصابة في ظروف خطيرة.

وبقي الملف ليدار ضمن “قانون مكافحة الإرهاب”، ولم تتفق الأطراف على خلفية الاتهام بعد، ومن المتوقع أن تسمع هيئة المحكمة لتلخيصات الأطراف بهذا الجانب في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024، وستصدر المحكمة قرارها النهائي بشأن رشق الحجارة وإن كانت جنائية أم أمنية. ويذكر أن قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2016، المادة 37، يخوّل المحكمة فرض عقوبة مضاعفة على من يُدان على هذه الخلفية، وفي هذا الشأن يقول المحامي علاء تلاوي في حديث لـ”عرب 48″ إن ” أهمية استمرار المعركة القضائية تكمن حتى يثبت أن الخلفية ليست أمنية، ومن المتوقع إصدار الحكم النهائي مطلع العام المقبل”.

وأشار المحامي تلاوي الموكل بالدفاع عن أحد الشبان إلى أنه “ظهرت عدة أسئلة وتساؤلات حول الأدلة بيّنت تناقضات كبيرة بين الأدلة المنسوبة للمعتقلين وبين الأدلة الحقيقية التي أفضت في نهاية المطاف إلى إسقاط تهمة القتل، وفي حينه، خضع المعتقلون لتحقيقات مكثفة في غرف الشاباك، إذ تم احتجازهم في ظروف سيئة جدا”.

وذكر محامو الدفاع، آنذاك، أن الاعترافات التي أدلى بها المعتقلون تم انتزاعها باستخدام أساليب غير شرعية. ووصف المحامي الموكل بالدفاع عن أحد المعتقلين، نذير برانسي، لـ”عرب 48″ أن قاعة المحكمة خلال المداولات كانت أشبه بـ”ساحة معركة على الأدلة”، حيث كانت كل مادة من مواد التحقيقات التي جُمعت في هذا الملف تحت المجهر.

كانت المداولات القضائية تحدياً كبيراً بالنسبة لمحامي الدفاع، الذين آمنوا ببراءة موكليهم منذ البداية، إذ عقد أكثر من 50 جلسة بينها 30 جلسة منها لطرح الإثباتات وامتثل أمام قضاة المحكمة محققون من جهاز الأمن العام الشاباك والشرطة وشهود عيان.

أشار المحامي برانسي إلى أنه “منذ بداية القضية رأينا وجود تناقض كبير بين الواقع والأدلة التي قدمتها النيابة العامة، والتي جمعتها الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك). إن إقناع هيئة المحكمة ببراءة الشبان لم يكن أمرا سهلاً، خاصة في ظل الأجواء التحريضية التي صاحبت القضية بعد أحداث 7 أكتوبر”.

وأكد أن العديد من الأدلة المرفقة للملف، بما في ذلك الأدلة التكنولوجية والمادية وكاميرات المراقبة، “كانت محاولة من النيابة العامة وجهاز الشاباك لإبقاء تهمة القتل قائمة. ولكن، منذ بداية القضية، أشرنا إلى وجود تناقضات وفجوات كبيرة بين هذه الأدلة والواقع الفعلي للأحداث”.

من ألقى الحجر؟

من ألقى الحجر؟ كان هذا التساؤل الذي أوصل هذا الملف لإسقاط تهمة القتل عن الشبان. يقول المحامي تلاوي إن “هذا الملف معقد جدا، دار في أروقة المحاكم منذ 3 سنوات. ولكن أخرج الملف عدة أسئلة فيما يتعلق بالحقائق والأدلة وأسئلة قانونية أخرى، منها من ألقى الحجر وبأي مرحلة أصيب القتيل؟”.

وأضاف أن “السؤال الآخر هو هل كان هناك تجمع آخر لضرب الحجارة غير التجمع الذي تواجد فيه المتهمون، وكيف يمكن للقتيل بعد أن أصيب بمكان تجمع المعتقلين أن يقود مركبته لمدة 20 دقيقة بمسافة تقدر بنحو 4 كيلومترات تقريبا حتى وصل إلى موقف سيارته ببيته. واستطعنا أيضا إثبات أنه كان عدة تجمعات ألقيت منها حجارة في المسار الذي سارت فيه سيارة القتيل، ومن ضمن هذه التجمعات كانت تجمعات لشبان يهود مستوطنين تجمهروا ضد العرب”.

وأكد تلاوي أن “كل هذه أسئلة وتساؤلات جعلت النيابة العامة تشكك بمصداقية رواية جهاز الأمن العام (الشاباك) مما أدى لتراجعها (النيابة) عن تهمة القتل العمد بظروف إرهابية، وبقيت تهمة التسبب بالإصابة بظروف خطيرة”.

تعود حيثيات لائحة الاتهام إلى أحداث هبة الكرامة في أيار/ مايو 2021، والتي جاءت احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على غزة في العملية التي سُميت إسرائيليا بـ”حارس الأسوار”، والتي سبقتها اعتداءات قوات الأمن الإسرائيلية في القدس في رمضان من العام ذاته. في تلك الأيام اندلعت مواجهات في البلاد، وخاصة في وسط البلاد ومدينة اللد، إذ وقعت أحداث عنف واعتداءات واسعة من قبل المستوطنين على أهالي اللد التي أسفرت عن استشهاد الشاب موسى حسونة.

مزاعم النيابة

زعمت النيابة في لائحة الاتهام أن “المعتقلين تورطوا في أعمال عنف ورشق حجارة، بما في ذلك حادثة الاعتداء على يغئال يهوشوع الذي قتل إثر إصابته بالحجارة”، وادعت النيابة أنها استطاعت “إثبات تورط المعتقلين” باستخدام نظام الكاميرات في مكان الحادث. كما أظهرت نتائج التحقيق بحسب النيابة أن “المتهمين كانوا على صلة بأعمال رشق حجارة خطيرة أخرى في مدينة اللد ضد اليهود بما فيهم حادثة يهوشوع”.

وقال المحامي تيسير شعبان لـ”عرب 48″ إن هذا “القرار بإسقاط تهمة القتل عن المعتقلين الستة يأتي ليؤكد على ضرورة التحقق من صحة الأدلة المقدمة في القضايا الجنائية، وخاصة إذا كان الحديث يدور عن تحقيقات في الشاباك، وضمان حقوق المعتقلين في الحصول على محاكمة عادلة. ويبقى هذا الحدث علامة فارقة في مسار العدالة في البلاد، مع تأكيد أهمية الشفافية والنزاهة في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة”.