فشل استراتيجي أميركي أمام الحرب الإسرائيلية على غزة: جمود سياسي ومستنقع عسكري

خلص المركز العربي في واشنطن العاصمة إلى أن الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، التي وصفتها بالعدوان الممنهج، تعاني من “فشل استراتيجي” وتغرق في “مستنقع عسكري”، وسط انتقادات شديدة للسياسة الأميركية المتبعة تجاه الحكومة الإسرائيلية. في تقريره التحليلي الأخير، سلط المركز الضوء على عجز الإدارة الأميركية عن تقديم حلول واقعية لإنهاء هذا الصراع المتفاقم، مما يترك أثراً سلبياً على مكانة واشنطن في الساحة الدولية.

مناظرة بلا حلول: غموض في السياسة الأميركية

أبرز التقرير تصريحات أدلى بها المرشحين الرئاسيين، نائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس والرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب، حول ضرورة إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة خلال مناظرتهما التلفزيونية في 10 سبتمبر/أيلول. إلا أن المركز أشار إلى أن أياً من المرشحين لم يقدم خطة واضحة أو مساراً دبلوماسياً يساهم في وقف الحرب أو معالجة الصراع في غزة بشكل عملي.

وأشار التقرير إلى أن هذه التصريحات الغامضة تترك أثراً محبطاً على الناخبين الأميركيين، خصوصاً أولئك المعنيين بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مما ينعكس على قرارهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني.

تبعات فشل السياسة الأميركية

أكد المركز أن النهج الأميركي المتردد في التعامل مع الصراع في غزة يعكس فشلاً استراتيجياً في السياسة الخارجية الأميركية. ورغم الدعم الكبير الذي أبداه الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل في بداية الحرب، كان الافتراض الأميركي أن (إسرائيل) ستأخذ في الحسبان مصالح الولايات المتحدة السياسية والعسكرية، وهو ما لم يتحقق.

زيارة بايدن إلى إسرائيل في 18 أكتوبر 2023، والتي جاءت بعد أيام من عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها المقاومة الفلسطينية، كانت بمثابة عرض للدعم الأميركي المطلق، حيث رافقها دعم إعلامي واسع وإشادة داخل الأوساط الأميركية. لكن وفقاً لتقرير المركز، افترض بايدن أن تل أبيب ستحد من أهدافها العسكرية وتضع جدولاً زمنياً لإنهاء الحرب، إلا أن حكومة بنيامين نتنياهو خالفت تلك التوقعات ورفضت أي محاولات أميركية لتوجيه مسار الحرب.

انتقادات داخلية وعجز بايدن

رغم الإلحاح المتزايد من إدارة بايدن لوف تصعيد الحرب عبر إجراءات دبلوماسية خجولة مثل تعليق مبيعات الأسلحة أو تأخيرها، لم تؤتِ هذه التحركات أي ثمار فعلية على الأرض. نتنياهو استمر في تجاهل التحذيرات الأميركية واستغلال الدعم المقدم، مما وضع إدارة بايدن في موقف حرج أمام العالم.

لم يبدأ بايدن في توجيه انتقادات علنية لسلوك إسرائيل في غزة إلا في فبراير/شباط 2024، حيث عبر عن استيائه من تفاقم العنف ومن فشل إسرائيل في الاستجابة لنداءات واشنطن لوقف الحرب، مما عزز حالة الجمود السياسي بين الطرفين.

الفشل الاستراتيجي ورفض إسرائيل للضغوط

أشار المركز إلى أن حكومة نتنياهو، المدفوعة بأيليولوجية قومية متطرفة، تصرفت على أنها لم تعد بحاجة إلى الوصاية الأميركية أو دعمها المباشر في قراراتها الحربية. على الرغم من اعتمادها الكبير على المساعدات الأميركية العسكرية والمالية، تجاهلت إسرائيل تماماً أي نصائح أميركية بشأن “اليوم التالي” في غزة، وواصلت تصعيدها العسكري في مواجهة المقاومة الفلسطينية.

 

هذا التحول نحو اليمين المتطرف في السياسة الإسرائيلية جعل النصائح الأميركية ليست فقط غير فعالة، بل تُعتبر “عدائية” من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية. في هذا السياق، أفادت تقارير بأن نتنياهو يسعى لإطالة أمد الحرب لحماية نفسه من السقوط السياسي أو مواجهة قضايا الفساد التي تحاصره داخلياً.

الجمود السياسي الأميركي: أسباب وتداعيات

خلص التقرير إلى أن الجمود الأميركي تجاه غزة وإسرائيل ينبع من ثلاثة أسباب رئيسية:

1. تجربة بايدن القديمة في الشرق الأوسط: الرئيس الأميركي مقيد برؤيته التقليدية للشرق الأوسط، التي ترى إسرائيل كدولة صغيرة محاصرة وليست قوة إقليمية عظمى، مما يعيق التفاعل مع التطورات الجديدة على الأرض.

2. ضعف الإرادة السياسية لدى بايدن: مع التحديات السياسية الداخلية، بما في ذلك الاستعداد لانتخابات 2024، أصبح بايدن عاجزاً عن اتخاذ قرارات جريئة تغير من مسار السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، خاصة في ملف غزة.

 

3. الاعتبارات الانتخابية: اقتراب الانتخابات الرئاسية يحول دون اتخاذ مواقف حازمة من إسرائيل، حيث يسعى الديمقراطيون لتجنب أي تصعيد يؤثر سلباً على دعمهم بين الناخبين المؤيدين لإسرائيل.

خاتمة: واشنطن في مأزق

تقرير المركز العربي يؤكد أن الولايات المتحدة، رغم محاولاتها المتكررة، لم تستطع تغيير الواقع على الأرض في غزة أو التأثير على السياسة الإسرائيلية. هذا الفشل الاستراتيجي لا يعكس فقط تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، بل يعزز من تآكل مصداقية واشنطن على الساحة الدولية.