الصحافة العبرية .. الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبعة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

اسرائيل اليوم 10/10/2024

نحتاج استراتيجية وليس سياسة صغيرة

بقلم: يوآف ليمور

النجاحات المبهرة للاسابيع الاخيرة في الحرب في الشمال وحالة النشوة المبالغ فيها في المستوى السياسي، دفعت الكثيرين للتفكير بأن حزب الله هزم. هذا خطأ، بالطبع: صحيح أن منظمة الارهاب تلقت ضربات قاسية لكنها لم تنكسر. حزب الله يجد صعوبة كبيرة في أن يخرج الى حيز التنفيذ خطته الحربية، لكنه لا يزال قاردا على أن يلحق باسرائيل خسائر واضرار – كما شهدنا أمس في الهجوم الذي قتل فيه مواطنان في كريات شمونة. 

معقول أن يحاول حزب الله تشديد هذه الهجمات بقدر ما يعمق الجيش الاسرائيلي عملياته البرية في جنوب لبنان، ويواصل ملاحقة قادة التنظيم وبناه التحتية في بيروت وفي البقاع اللبناني ايضا. نسبة الاعتراض العالية للدفاع الجوي، الى جانب الانضباط المبهر في الجبهة الداخلية قلصا جدا مدى الاصابات حتى الآن، لكنه لا يمكنهما أن ينفياه تماما.

يجدر بنا تذكر هذا ايضا في سياق الحدث الاكبر الجاري في الخلفية – الهجوم في ايران، الذي يتعين فيه على اسرائيل أن تفكر بالكلمة التي اصبحت مؤخرا موضع تنديد وسخرية، “الاستراتيجية”، لأن من واجبها أن تفكر وأن تحسب بضع خطوات الى الامام. الكابنت السياسي – الامني الذي سينعقد اليوم كي يحسم شكل وتوقيت الرد، ينبغي له أن يأخذ في الحسبان ليس فقط اعتبارات الردع، بل وايضا الرد الايراني المحتمل الذي من شأنه أن يجرنا الى حرب استنزاف، والاستعدادات في الجيش وفي الجبهة الداخلية لحرب متواصلة كهذه.

على الكابنت أن يفكر ايضا بسياقات دولية واسعة وعلى رأسها الموقف الامريكي الذي تحتاج اسرائيل الى دعمه اثناء الهجوم (في المجال الجوي والاستخباري) وبعده (في الساحة الدبلوماسية)، وبالطبع في مسألة الذخائر التي ستلقى اهمية اذا ما علقت اسرائيل في معركة تلزمها بتعميق اعمالها في ايران. قوات امريكية ايضا من شأنها أن تتضرر جسديا اذا ما قررت ايران توجيه المليشيات الشيعية في العراق ضدها، ومساعدتها حيوية لاسرائيل ايضا في الجوانب الدفاعية ضد رد ايراني محتمل – كما ثبت في الهجومين الايرانيين.

إن رحلة غالنت الى الولايات المتحدة تستهدف اعطاء جواب لهذه الامور وغيرها. عرقلتها، في احبولة سياسية زائدة وبشعة اخرى من رئيس الوزراء نتنياهو، مست بأمن اسرائيل وبالعلاقات مع واشنطن. مكالمة نتنياهو مع الرئيس بايدن لا ترفع ولا تنزل شيئا في هذا الموضوع، على خلفية المقت المتبادل بين الرجلين. التنسيق العملي سيتم على أي حال بين اجهزة امن الدولتين، واسرائيل مرة اخرى اتخذت صورة من تتغلب فيها سياستها الصغيرة على شؤون وطنية ذات اهمية عليا وربما حتى وجودية.

إن القتال المكثف في الشمال والهجوم المرتقب في ايران يجتذبان معظم الاهتمام عن المعركة المحتدمة في الاسابيع الاخيرة والمقلقة جدا لجهاز الامن: الارهاب الفلسطيني. معطيات العمليات والاحباطات مخيفة ومتزايدة، بينما في الخلفية تمارس حماس ومنظمات الارهاب الاخرى ضغطا هائلا لتنفيذ عمليات اخرى. انضمام عرب اسرائيليين الى دائرة الارهاب في العمليات الاخيرة يستوجب ليس فقط تأكيد اليقظة لدى الشباك والشرطة، بل وايضا صوتا واضحا اكثر من قيادة الجمهور العربي في اسرائيل الذي سيكون أول من سيدفع الثمن في حالة التصعيد.

وفي خلفية الامور اندحر الى الهوامش 101 مخطوفا في غزة. مع أن تقارير مختلفة المحت الى امكانية استئناف المفاوضات للصفقة، لكن يبدو أن الموضوع لا زال بعيدا ومعقدا، وبالاساس لا يوجد على رأس اهتمام الحكومة. الآن بالذات، حين تكون يد اسرائيل هي العليا في الشمال ايضا، بوسعها أن تبادر الى خطوة واسعة في غزة – ربما تغيير مقاييس الصفقة المقترحة (“الكل مقابل الكل”) في محاولة للخروج من الطريق المسدود.

——————————————–

هآرتس 10/10/2024

ضد هجوم تكتيكي في ايران

بقلم: عومر بارليف

عشية ما يلوح كهجوم اسرائيلي في ايران، ردا على النار نحو اسرائيل قبل رأس السنة، يجدر بنا النظر الى المواجهة المباشرة بين الدولتين والتفكير بعمق بنتائجها، وفي اعقاب ذلك – على ما سيأتي.

في جولتي القتال المباشرتين الاخيرتين والوحيدتين حتى الآن، كانت يد اسرائيل هي العليا. في الهجوم الاول اطلقت ايران على اسرائيل نحو 500 سلاح من انواع مختلفة، وكانت النتيجة صدا شبه مطلق للهجوم. في الهجوم الثاني حاولت ايران استخلاص الدرس من الفشل وركزت على اطلاق نحو 180 صاروخ بالستي. هذا الهجوم ايضا تحطم على الحائط الحديدي الذي نصبته اسرائيل.

لا يدور الحديث فقط عن نصر تكتيكي اسرائيلي، بل عن نصر ذي مغزى استراتيجي. فالقدرة الهجومية المباشرة والاساسية لايران كانت ولا تزال في منظومة المسيرات، الصواريخ والمقذوفات الصاروخية، منظومة تكبدت هزيمة بينما القدرة الهجومية الاسرائيلية بقيت مجهولة. انجاز اسرائيلي استراتيجي آخر، هام بقدر لا يقل عن الانجاز العسكري، هو تبلور تحالف دولي، بقيادة الولايات المتحدة ومع دول عربية للمساعدة في الدفاع عن اسرائيل. هذا دليل آخر على قوة التهديد ليس فقط على اسرائيل بل على كل الشرق الاوسط، بل وما وراءه، وعلى اهمية بلورة تحالف ضده في اوساط دول المنطقة والولايات المتحدة.

الانجاز الاسرائيلي هو هائل وقد تحقق في الدفاع وليس في الهجوم. بعد الهجوم الايراني الثاني يمكن السؤال اذا كان الرد فقط لغرض الرد هو خطوة صحيحة من ناحية استراتيجية. فهل بعد جولتين توجد حاجة للهجوم؟ هذه اسئلة يجب أن نطرحها اذا ما قررنا أن الخطوة التالية لاسرائيل يجب أن تكون استراتيجية وليس تكتيكية. في نظري، هجوم مضاد من شأنه أن يبقى في المطارح التكتيكية وفي واقع الامر المس بالردع الاسرائيلي اكثر مما في تعظيمه. 

اذا هاجم الجيش الاسرائيلي بشكل مقنن ومحدود كي يمنع التصعيد، فاننا سنضيع الانجاز الدفاعي. واذا هاجم بشكل واسع بنى تحتية عسكرية ومدنية فستكون ايران ملزمة بالرد، واسرائيل ستجد نفسها في نوع آخر من حرب الاستنزاف الطويلة، الضارة والخطيرة، لهجمات وهجمات مضادة. شرك ليس مجديا الوصول اليه وهو من شأنه أن يسحق الانجاز الاسرائيلي المتمثل بتعزيز الردع.

وعليه فان الموضوع الوحيد الذي ينبغي أن يكون على الطاولة هو استراتيجي: برنامج النووي الايراني، امكانية التهديد الوجودي الوحيد على دولة اسرائيل. الحكومة والجيش ملزمان بالتركيز على هذا فقط. بشكل استراتيجي شامل وليس بشكل تكتيكي، وبالتأكيد عدم استعباد الصراع ضد هذا التهديد برد تكتيكي فقط.

متفق عليه في اوساط معظم العاملين في المهنة أنه لاجل الحاق ضرر ذي مغزى بالقدرة النووية لايران هناك حاجة الى تعاون وثيق مع الولايات المتحدة. تعاون كهذا عشية الانتخابات في الولايات المتحدة ليس ممكنا اغلب الظن، لكن يحتمل أن يكون ممكنا بعد الانتخابات هناك.

ليس واضحا اذا كانت الولايات المتحدة بعد الانتخابات ستتفضل للانضمام الى هجوم على منشآت النووي في ايران، لكن واجب على اسرائيل أن تحاول هذا. حتى ذلك الحين – كل خطوة هجومية اخرى لنا ضد ايران ستكون جوابا تكتيكيا فقط على هجومها الفاشل.

لقد شهد النظام في طهران القوة العسكرية لاسرائيل في الدفاع ضده واستوضح قدرتها الهجومية في قطاع غزة، في لبنان وفي اليمن، حيث تجتث اسرائيل اذرعه الطويلة. وعليه فلا حاجة لاسرائيل أن تفكر عن هنا والآن وتقوم بالامر ذاته مرة اخرى. عليها أن تنظر الى الامام، الى التهديد الحقيقي. 

*وزير الامن الداخلي وقائد سييرت متكال سابقا ومؤلف كتاب “ترتيبات أمن في ميدان المعركة المستقبلي”

——————————————–

معاريف 10/10/2024

محظور الخوف من ايران

بقلم: د. يوآف هيلر مؤرخ ورئيس حركة الربع الرابع

المواجهة مع ايران هي خيار لا ينبغي الامتناع عنه. هكذا فقط سيكون ممكنا احداث تغيير جوهري في الشرق الأوسط، تغيير سيجعل إسرائيل في مسيرة طويلةـ حقيقة ناجزة في نظر جيرانها ويدفع قدما بانهاء النزاع في المنطقة. ولماذا بالذات الان؟ لانه بعد الهجمات الكبيرة لإسرائيل في لبنان في الأسبوعين الأخيرين تغيرت المعادلة. لكن الوضع الجديد، المميز، لن يبقى هكذا الى الابد، ويجب المسارعة الى استغلاله حتى النهاية. 

قبل أن ترفضوا الفكرة اسمحوا لي الادعاء بان هذا ليس قولا متحمسا او مغرورا، بل قول واع. فالى جانب تحرير المخطوفين – المهمة العليا – علينا أن ننهي المهمة الكاملة: معالجة رأس الوحش، منح الامن لمواطني إسرائيل والوصول الى نهاية حقيقية للحرب تؤثر على مستقبل المنطقة كلها. 

ان الحرب التي توجد فيها إسرائيل منذ سنة هي حرب في محور الإبادة. ليس فقط لحماس او حزب الله بل للمحور الذي ينتمون اليه ورأسه هو حكم آيات الله الإيراني. هذا هو المحرك التكنولوجي، المالي، الفكري والاستراتيجي للهدف الأعلى المشترك، “إبادة الكيان الصهيوني”. هكذا بحيث أنه لا يهم أي منظمة نضعف او نبيد – فالحديث يدور عن ذراع واحد في المحور. 

في نقطة الزمن الحالية نجحت إسرائيل في سرقة الأوراق. فالهجوم المدهش للجيش الإسرائيلي في لبنان ينطوي على بشرى ممكنة لتصفية هذا المحور الخطير. لكن هذا لن يحصل الا اذا بقينا مصممين في الحرب. على إسرائيل ان تواصل في لبنان دون خوف حتى ترتيب يتضمن نوعا من اتفاق سلام مع لبنان بما في ذلك اضعاف حتى سحق لحزب الله وتحقيق أمن لسكان الشمال. 

اذا كان معنى مثل هذه الخطوة تدخلا عسكريا ذا مغزى من جانب ايران، فسيتعين علينا أن ننمي جلد فيل وان نكون جاهزين لحرب ضدها. سيكون هذا صعبا جدا، لكن ينبغي أن نأخذ بالحسبان بان ايران لا تزال بدون سلاح نووي وحزب الله أضعف جدا. هاتان الحقيقتان تضعان إسرائيل في النقطة الزمنية الحالية في تفوق واضح على ايران التي بعد سنتين كفيلة بان تكون نووية ومعززة بحزب الله المرمم. 

وفوق كل شيء، فان قرارا في أن تدخلا إيرانيا لا يردعنا هو تصريح للعالم واساسا الى الشرق الأوسط. تصريح يقول ان هذا إما محور الإبادة او الازدهار والسلام في منطقتنا – وان إسرائيل هي رأس الحربة في هذه الحرب.

البشرى الأكبر هنا هي كما أسلفنا، مدخلا لمسيرة طويلة لكن حقيقية في نهايتها ستستقبل إسرائيل باذرع مفتوحة في الشرق الأوسط. في هذه المسيرة سيكون اعتراف بالارتباط التاريخي لليهود في البلاد وعلى أي حال سيعترف بحق الشعب اليهودي في أن يقيم سيادة في الشرق الأوسط. وعندها سيكون ممكنا الحديث عن سلام حقيقي.

وعليه، فان التطلع ينبغي أن يكون الامتناع عن حرب إقليمية – لكن ليس باي ثمن. اذا ارتكب الإيرانيون الخطأ وقرروا الرد فستكون لنا فرصة لمرة واحدة الا نحتوي بل ان نهاجم هناك وان نضعف جدا محور الإبادة ونعطي املا للمحور المعتدل في الشرق الأوسط، لسنوات طويلة الى الامام. 

——————————————–

يديعوت احرونوت 10/10/2024 

المبرر والخطير في المعركة في لبنان

بقلم: أسا كيشر

الأنباء الأولية التي لفتت الانتباه، بعد أن بدأت المناورة البرية في لبنان، كانت البشائر المريرة عن سقوط تسعة جنود، والتي وصلت عشية رأس السنة. قصة كل واحد منهم تمزق القلب.

سقوط جنود في الحرب يثير السؤال الواجب بشأن المبرر الأخلاقي للقرار بارسالهم للقتال، والذي هو القرار بفرض واجب العمل عليهم في أوضاع يوجد فيها خطر كبير على حياتهم وسلامتهم. 

ان مجرد حقيقة أنه اتخذ قرار كهذا في محفل حكومي ما لا تعطيه مكانة أخلاقية. منذ فترة طويلة، لا يوجد مفعول أخلاقي لرئيس الحكومة ووزرائها ممن اعفوا انفسهم من المهمة العليا لاعادة المخطوفين والمخطوفات لدى حماس في غزة ومن مباديء النظام الديمقراطي أيضا. لو كانت اعتباراتهم تستوفي الاختبارات الأخلاقية لما كان لديهم أي اعفاء كهذا. وعليه فان التقدير الأخلاقي لاستخدام الجنود يقف على المبررات التي يطلقها الناطق العسكري والتي تعبر عن مواقف جهاز الامن، كما يديره وزير الدفاع. 

المبررات الأولية لاستخدام الجنود مقنع. منذ اشهر طويلة وحزب الله يهاجم الدولة ومواطنيها، واساسا في شمال الجليل. ومنذ زمن طويل وهو يجري استعدادات عملية لاحتلال الجليل في صيغة احتلال حماس لغلاف غزة. استخدام الجنود ضد حزب الله هو عمل صريح للدفاع عن النفس وكذا في جهود الإحباط المتواصلة للهجمات الكثيرة التي تجري وفي التدمير المنهاجي لبنية اعمال حزب الله، من الانفاق وحتى القيادة. هذه الجهود مبررة واستخدام الجنود في مهام خطيرة لتنفيذها مبرر بشكل أخلاقي. 

هنا يجب ان نذكر موقف قادة الجنود من المهام الخطيرة الملقاة عليهم. لا شك لدي في الجودة الأخلاقية الواضحة لهذا الموقف. فكل قائد يعرف جيدا قيمة “حياة الانسان” التي في “روح الجيش الإسرائيلي” ويعرف بان مهمته مزدوجة دوما: تنفيذ المهمة التي كلف بها بواسطة جنوده واستخدام افضل قدراته المهنية لاعادتهم الى الديار بسلام. في هذا انا مستعد لان اثق بالقادة وبقادة القادمة. 

لو كنا دولة ديمقراطية سليمة، طبيعية هنا يمكن أن ينتهي التقدير الأخلاقي الاولي بشأن مجرد استخدام الجنود في حرب مفعمة باوضاع خطيرة. غير أننا لسنا دولة كهذه، لا ديمقراطية، لا سليمة ولا طبيعية، وعلينا أن نتصدى لمخاطر محتملة من غير الجدير وضع حياة الجنود وسلامتهم فيها. 

هاكم مثال. في فترة أخرى في تاريخ الدولة كانت مثابة خطر بعيد، هامشي، تافه. في الفترة الحالية، في حكم الحكومة الفئوية، التي تخضع لتأثير قوى سياسية مسيحانية مليئة بالهذيان وانعدام المسؤولية بلا حدود، فان هذا خطر حقيقي وفوري. هكذا كتب الحاخام اسحق غينزبرغ في فتواه الاخيره: “لبنان هو جزء من بلاد إسرائيل يعود لشعب إسرائيل، هدية الرب كما كتب في التوراة، “بلاد كنعان ولبنان حتى النهر الكبير نهر الفرات”. في جيلنا، الرب تعالى اسمه يعطينا القدرة على ان نتلقى الهدية من جديد: “بعد احتلال وطرد السكان المعادين، يجب إقامة استيطان يهودي وهكذا استكمال النصر”. هذا الحاخام صاغ كراس “تبارك البطل”، في الثناء على باروخ غولدشتاين، قاتل الـ 29 مسلما في صلاة رمضان في مذبحة “مغارة الماكفيلا” في شباط 1994. في كتاباته “قومي اوري” و “وليمة المسيح”، “امر الساعة – معالجة جذرية” وفي ختام كتاب “توراة الملك” اعطى تعبيرا عن عنصرية متطرفة وخطيرة.

في العام 2019 عندما منحته جمعية في جفعات شموئيل جائزة هنأه وزير التعليم بيرتس ووزير المواصلات سموتريتش بالفوز. في نفس الساعة بدا الحدث كاندلاع لهذيان نبت في أصص اليمين المتطرف وحظي بمباركة سياسيين يجمعون التأييد في صنادق الاقتراع. اليوم حدث كهذا يعكس موقفا بارزا في الحكومة الفئوية. اليوم “فتوى غينزبرغ” من أنها ان تدخل الخطط السياسية التي توجه جهودا عمليا. 

ليس واردا ارسال جندي الى مهمة خطيرة هدفها هي تتحقيق خطة لاحتلال لبنان، طرد سكانه وإقامة استيطان يهودي. بلغة كاتب امريكي شهير، كل جندي يسقط في مثل هذه الحرب سيكون حجة مظفرة ضد الحرب. فحرب من اجل تحقيق خطة غينزبرغ وشركائه هي حرب مرفوضة من ناحية أخلاقية، حرب “خيار” صريحة. كل حرب كهذه مرفوضة، في غزة، في لبنان، في مناطق يهودا والسامرة. محظور السماح للحرب الحالية بالانزلاق الى ما وراء حدود حرب “الخيار”، الأخلاقية بالتأكيد والتي هي حرب لحماية المواطنين ودولتهم. 

* بروفيسور في الاخلاقيات المهنية والفلسفة وباحث كبير في معهد بحوث الامن القومي وحاصل على جائزة إسرائيل في الفلسفة وجائزة اسحق سديه في الادبيات العسكرية

——————————————–

يديعوت 10/10/2024

فرصة لتدمير المشروع النووي الإيراني، الآن

بقلم: يارون فريدمان

تقف إسرائيل أمام مفترق طرق تاريخي، فقد امتنعت، حتى الآن، من مهاجمة المنشآت النووية في إيران لثلاثة أسباب أساسية: التخوف من هجوم صاروخي قوي من “حزب الله”، وعدم الحصول على شرعية أميركية، وعدم وجود قنابل تخرق التحصينات تحت الأرض. والآن، زالت معظم هذه العوائق، ولم يعد “حزب الله” و”حماس” يمثلان تهديداً استراتيجياً علينا.

وفي الواقع، فإن محور الممانعة الإيراني هو الآن في وضع ضعيف؛ فالميليشيات الشيعية في سورية والنظام السوري هما الآن في ذروة الضعف، بعد عقد من القتال ضد المعارضة خلال الحرب الأهلية، وميليشيات “الحشد الشعبي” في العراق هي الآن في مرحلة إعادة بناء بعد قتال دام سنوات (2014 -2017) ضد تنظيم “داعش”، وتلقّى الحوثيون ضربات مؤلمة من الائتلاف السعودي خلال 8 أعوام من الحرب ضد “أنصار الله” (2013- 2015)، وعلى الرغم من محافظتهم على قوتهم فَهُم بعيدون عن إسرائيل، كي يشكلوا تهديداً مهماً عليها.

لكن مع كل ذلك، هل من الأفضل انتظار الاتفاق؟ بالنسبة إلى معارضي مهاجمة المفاعلات الإيرانية، هناك حجتان مركزيتان: الأولى أنه من الأفضل التوصل إلى اتفاق دبلوماسي، والثانية هي أنه حتى لو حصل الإيرانيون على السلاح النووي، فإنهم لن يستخدموه. هل هذا صحيح؟

سنة 2015، جرى توقيع اتفاق بين إيران والولايات المتحدة (ألغته الإدارة الأميركية سنة 2018)، وهذا الاتفاق في نظر إيران كان يعني تأجيل تطوير السلاح النووي لمدة 10 أعوام، وهذا نوع من “صُلْح الحديبية” (اتفاق الصلح بين الرسول محمد وقبيلة قريش). والتوجه المتفائل (أو الساذج) الذي ساد الدول الأوروبية والولايات المتحدة استند إلى افتراض أن النظام في طهران سيلتزم الاتفاق، وخلال الأعوام الـ 10 من الاتفاق، سيجري أحد الأمرين: إمّا أن يسقط النظام في طهران ويأتي مكانه نظام أكثر اعتدالاً، وإمّا أن النظام الحالي سيصبح معتدلاً ويغير سلوكه.

لكن يُظهر تحليل التاريخ الإيراني منذ الثورة سنة 1979 وحتى الآن أن هذه آمال فارغة؛ فالقيادة الإيرانية لن تنصاع أبداً للقوانين الدولية، ولن تسمح لمراقبي وكالة الطاقة الذرية بالوصول إلى كل المنشآت. عملياً، كشفت أجهزة استخبارات عديدة خلال سنوات المزيد من المنشآت النووية التي حاول النظام الإيراني إخفاءها، وبناء على ذلك، فإن إمكان سماح هذا النظام برقابة فاعلة تشمل كل المنشآت بعد توقيع الاتفاق ضئيلة جداً. أمّا فيما يتعلق باستقرار نظام الملالي، فيدل التاريخ على أنه صمد في مواجهة اضطرابات أقسى، ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى الحرب ضد العراق، والتي استمرت 8 سنوات، والاضطرابات سنة 2009، وموجات الاحتجاجات المتكررة منذ ذلك الحين، بينها ثورة الحجاب التي قُمعت بوحشية كبيرة.

ظل النظام الإيراني يضع في رأس سلم أولوياته تطلعاته إلى التوسع خارج إيران، عبر استغلال الأقليات الشيعية في العالم العربي، والقمع الوحشي للمعارضة داخل إيران. والعديد من الدول العربية المعتدلة، وعلى رأسها السعودية والإمارات، تخوفت مما يمكن أن يثمر عنه الاتفاق النووي؛ إذ إنه ما إن يوقَّع، حتى تتدفق مليارات الدولارات على إيران، التي يجب ألاّ ننسى أنها الدولة الثانية أو الثالثة من حيث مخزون النفط والغاز في الشرق الأوسط.

وتدل تجربة الماضي على أن أغلبية المداخيل التي ستتوفر من رفع العقوبات ستنتقل إلى الحرس الثوري لإعادة بناء “حزب الله” في لبنان وتسليح سائر الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في سورية والعراق واليمن، ومن الممكن أن تحوّل نسبة ضئيلة من هذه العائدات لتحسين حياة المواطن الإيراني.

والحجة الإيرانية أنها تطور مفاعلات نووية لأغراض مدنية فقط من أجل إنتاج الطاقة هي حجة سخيفة في ضوء الثروة الإيرانية من النفط والغاز، والأسخف من ذلك ادعاء القيادة الإيرانية أن استخدام السلاح النووي محظور في الفقه الشيعي. فهل تستطيع إسرائيل الاعتماد على هذه الحجج الدينية، في ضوء الدعوات الإيرانية المتكررة إلى محو “الكيان الصهيوني” عن الخارطة؟ ومن المهم الإشارة هنا إلى مبدأ “التقية” في الإسلام الشيعي، الذي يتيح عدم قول الحقيقة عند الخطر من أجل تضليل العدو، وبهدف البقاء.

وهناك مَن يعتقد أن إيران ستحتفظ بالسلاح النووي من أجل غايات دفاعية فقط، وللتوازن النووي مع إسرائيل، وهذه الحجة تعتمد على نظرية “توازن الرعب”، التي لا ترى أي منطق في استخدام سلاح يوم القيامة الذي يؤذي كل الأطراف. وهذا المنطق يمكن أن يتناسب مع دولة كروسيا وكوريا الشمالية أو باكستان، لكن مع الأسف الشديد لا يتلاءم مع دولة شريعة يسيطر عليها رجال دين متطرفون ذوو نظرة مسيحانية، يعلّمون الشباب فكرة عودة “المهدي المنتظَر”.

إن القضاء على التهديد النووي الذي يشكّل تهديداً وجودياً على دولة إسرائيل ليس مسألة سياسية؛ فلو لم يجرِ تدمير المفاعل النووي في العراق (1981) وفي سورية (2007)، لكان لدى الدولتين سلاح نووي. تخيلوا الآن نظاماً كالنظام الإيراني يملك سلاحاً كهذا؛ حينها ستصبح إيران محصنة في مواجهة أي هجوم، تماماً كما هو حال كوريا الشمالية، وستضطر إسرائيل إلى العيش تحت تهديد وجودي دائم.

والآن وبعد الهجوم الصاروخي الإيراني، لدى إسرائيل فرصة تاريخية لضرب المفاعلات في إيران، ومن الممكن ألاّ تتكرر هذه الفرصة. هناك شرعية للهجوم، وأغلب الردع من لبنان زال، وهناك تفوّق واضح لسلاح الجو الإسرائيلي، وتوجد صواريخ تخرق التحصينات وشرعية أميركية للرد. هذه فرصة إذا ضيعناها، فسنندم عليها ندماً شديداً.

——————————————–

“معهد دراسات الأمن القومي” 10/10/2024

تلافـي التدهــور نحـو حـرب دائمــة ومتعددة الجبهات .. لا يزال ممكناً

بقلم: أودي ديكل

تُحيي إسرائيل، في هذه الأيام، ذكرى مرور عام على الحرب التي بدأت في 7 تشرين الأول، والتي تتميز بتعدد الجبهات (“وحدة الساحات” كما يسميها أعداؤها): فقطاع غزة، الذي تم اعتباره الجبهة الأساسية خلال الـ 11 شهراً الأولى من الحملة؛ ولبنان الذي تم تصنيفه جبهة رئيسية منذ 19 أيلول، في حين من المحتمل أن تكون إيران هي الجبهة التالية. تشمل الجبهات الأُخرى البحر الأحمر، والضفة الغربية، وسورية، والعراق. يسعى أعداء إسرائيل، بقيادة إيران، لتدميرها من خلال حرب استنزاف مستمرة ومتعددة الجبهات، مستغلين الثغرات في المجتمع الإسرائيلي وفقدان الشعور بالهدف المشترك فيما بينه. كما يستغلون الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني كمحور رئيسي في حجتهم لنزع الشرعية عن دولة إسرائيل.

تُعتبر هذه الحرب ربما الفصل الأصعب في تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها: فهي الحرب الأطول منذ “حرب الاستقلال”، وهي الأكثر تعقيداً، من حيث نطاق الأضرار والتهديدات للجبهة الداخلية، وبعد مرور عام على اندلاعها ما زلنا نفتقد مساراً يضمن تحرير 101 رهينة ما زالوا محتجزين لدى “حماس” في غزة منذ 7 تشرين الأول، وتُدار الحرب من دون أهداف سياسية واضحة، أو آلية لإنهائها، مع انتقال الجهود العسكرية من جبهة إلى أُخرى، وبوتيرة متفاوتة، وسط شعور عام لدى الجمهور بأن “علينا أن نعيش بالسيف إلى الأبد”. وكل هذا، في حين يشير الاتجاه العام إلى اندفاعنا نحو حرب إقليمية مستمرة، في الوقت الذي تتقدم إسرائيل بسرعة نحو حالة من العزلة الدولية الشاملة.

تواجه حكومة إسرائيل، إلى الآن، مصاعب في بلورة استراتيجية خروج في كلٍّ من جبهتَي غزة ولبنان. وعلى الرغم من أن خصوم دولة إسرائيل في هاتين الجبهتين هم كناية عن جهات غير حكومية، مدفوعة بأيديولوجيا دينية، لا تعترف بحق إسرائيل في الوجود، فمن الصعب، بل يكاد يكون مستحيلاً التوصل إلى ترتيبات سياسية مستقرة معها في المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك فإن النظام الدولي لا يعمل بفعالية، بسبب غياب التواصل الإيجابي بين القوى الكبرى (الولايات المتحدة في مقابل روسيا والصين)، وهو ما يجعل من الصعب اتخاذ قرار مشترك يفرض على الأطراف وقف القتال، ويضمن أمن إسرائيل. وعلاوةً على ذلك، فإن إسرائيل على وشك الدخول في حرب مباشرة مع إيران – أقوى أعداء إسرائيل، والتي تلمح وتُهدد بشكل صريح بأن أيّ خطوة عسكرية إسرائيلية متطرفة ضدها، ستجبرها على تطوير قدرة نووية عسكرية (وإيران تمتلك كمية كافية من اليورانيوم المخصب لصنع عدة قنابل والمعرفة اللازمة لتجميع جهاز تفجير نووي، بالإضافة إلى الصواريخ القادرة على حمل رأس نووي).

ومع هذا كله، فإن إسرائيل ترفض أيّ مبادرة لإنهاء الحرب، بما في ذلك تلك التي قدمها الرئيس الأميركي، جو بايدن، وكذلك المبادرات التي طرحتها الدول الإقليمية الشريكة، دول السلام والدول العربية البراغماتية. وصرّح وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، خلال مؤتمر صحافي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد بيان ممثلي الدول العربية، قائلاً: “جاء رئيس وزراء إسرائيل إلى هنا، اليوم، وقال، إن إسرائيل محاطة بأشخاص يسعون لتدميرها. نحن هنا أعضاء في لجنة تمثل 57 دولة عربية وإسلامية، ويمكنني أن أقول لكم بشكل واضح، إننا جميعاً، في هذه اللحظة، على استعداد لضمان أمن إسرائيل في سياق إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية”. إلّا إن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعتبر إقامة دولة فلسطينية تهديداً وجودياً لإسرائيل، ولذلك، فإن ما تبقى لها هو مواصلة القتال في قطاع غزة، ومنع السلطة الفلسطينية من العودة للسيطرة على المنطقة، وترك الضفة الغربية في حالة من الفوضى قد تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية التي تشكل تهديداً، باعتبارها منصة محتملة لدولة فلسطينية، وتدمير البنية التحتية لـ”حزب الله” في لبنان؛ وإدارة معركة ضربات متبادلة مع إيران.

تؤدي الإجراءات التي تتخذها إسرائيل في قطاع غزة إلى احتلال القطاع وفرض حُكم عسكري عليه. وصوّت المجلس الوزاري الأمني المصغر في نهاية آب الماضي لصالح إبقاء قوات الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا. وقال رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إن كارثة 7 تشرين الأول حدثت بسبب عدم سيطرة إسرائيل على المحور. وأضاف، إن هذا المحور كان يُستخدم لنقل كميات هائلة من الأسلحة التي استخدمتها المنظمات “الإرهابية” في غزة، وإن “هذا الوضع لن يتكرر مرة أُخرى”، مؤكداً أن إسرائيل مصممة هذه المرة على إبقاء هذه الحدود تحت سيطرتها. وهذا يعني أن المسؤولية القانونية والعملية عن قطاع غزة ستقع على عاتق إسرائيل.

إن السيطرة على المحور تعني حصاراً كاملاً لقطاع غزة؛ وتدعم الادعاء القائل، إن غزة تعيش تحت الحصار وتحت الاحتلال الإسرائيلي فعلياً، وتُسقط الأساس الذي اعتمدت عليه إسرائيل سابقاً، بأنها ليست مسؤولة بالكامل عمّا يحدث في القطاع لأن غزة مفتوحة تجاه مصر. أمّا العواقب العملية لهذه السياسة فهي تحميل إسرائيل مسؤولية كاملة عن مليونَي فلسطيني يعيشون في منطقة كارثية، ومواجهة مستمرة مع “الإرهاب” وحرب العصابات التي ستقودها بقايا “حماس” والفصائل المسلحة الأُخرى المنتمية إلى “محور المقاومة”.

إن رفض الحكومة الإسرائيلية، حتى الآن، أيّ خيار يضمن استقرار وإعادة تشكيل القطاع، وعدم اعتبار السلطة الفلسطينية لاعباً ذا صلة في إدارة القطاع، بدلاً من “حماس”، وعدم العمل على تنمية قيادة محلية معتدلة هناك، ترك “حماس” جهة مسيطرة فعلياً على تقديم المساعدات الإنسانية، وعلى الملاجئ التي يقطن فيها معظم سكان القطاع.

ومع ذلك، فإن استمرار وجود “حماس” واحتجاز الرهائن يمثلان مصدر الشرعية الإسرائيلية لمواصلة الحرب في القطاع ورفض أيّ مبادرة بشأن وقف إطلاق النار. لكن بمجرد أن يعلن المجتمع الدولي أن القطاع يخضع للاحتلال الإسرائيلي لن يتطوع أيّ طرف لتحمّل المسؤولية المدنية والأمنية (النظام العام) عن القطاع، أو للمساعدة في إعادة إعمار غزة، وستبقى إسرائيل وحدها مع مشكلة غزة فترة طويلة. حينها، سيكون لأعداء إسرائيل شرعية لمواصلة الحرب المستمرة ضدها، وستقل فرص استعادة الرهائن في إطار تسوية، وسيستمر “الإرهاب” والمقاومة من داخل القطاع، وستزداد دوافع إيران ووكلائها إلى مواصلة الهجوم على إسرائيل من جبهات متعددة في آن، كما ستجد الدول العربية البراغماتية صعوبة في التقدم في عمليات التطبيع مع إسرائيل، وبالتأكيد في تشكيل تحالف إقليمي معها، وخصوصاً في مواجهة إيران.

أمّا فيما يتعلق بجبهة لبنان، فلم تحدد الحكومة الإسرائيلية هدفاً سياسياً واضحاً، ورفضت أيضاً مبادرة مشتركة من الولايات المتحدة وفرنسا بشأن إعلان وقف مؤقت لإطلاق النار والتفاوض بشأن تسوية سياسية تُبعد “حزب الله” والتهديدات الأمنية عن حدودها الشمالية. وعلى الرغم من أن التجربة في لبنان تشير إلى أن الترتيبات الأمنية في إطار القرارات الدولية، مثل قرار مجلس الأمن 1701، لا توفر حلاً فعالاً لنمو قوى “الإرهاب” بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل، فلا ينبغي لإسرائيل أن تنبهر بالنجاح الكبير في اغتيال نصر الله وقيادة “حزب الله” وقدراته الاستراتيجية، وتنجرف إلى حرب طويلة في لبنان، من دون أهداف سياسية واضحة.

من الضروري وضع آلية لإنهاء القتال في أقرب وقت ممكن، قبل أن يتعافى “حزب الله” من الصدمة التي يعيشها، وينتقل إلى مرحلة البقاء والاستنزاف، وبمرور الوقت، ستتراجع فعالية ضربات الجيش الإسرائيلي ضد المنظمة. ولتفادي العودة إلى تسوية سياسية تتآكل مع الزمن، ولضمان تحقيق الأمن والشعور بالأمان الذي سيمكّن سكان الشمال من العودة إلى منازلهم، يجب على إسرائيل أن تضمن تنفيذ التسوية بصرامة، باستخدام القوة بشكل حاسم في حال لم يتم تنفيذ الترتيبات الأمنية. وهذا المبدأ ضروري أيضاً في قطاع غزة.

ملاحظات ختامية

كانت العقيدة الأمنية المتبعة في إسرائيل تنص على ضرورة السعي نحو خوض حروب قصيرة بقدر الإمكان، نظراً إلى نقص في مواردها البشرية والمادية وعُمقها الاستراتيجي، وعلى السعي نحو فترات هدوء طويلة تتيح بناء الدولة وازدهارها. ومع ذلك، لم تقم إسرائيل بتطوير عقيدة أمنية تتناسب مع حالة الحرب المستمرة، المتعددة الجبهات، والتي تحمل تداعيات ثقيلة على الجيش والمجتمع والاقتصاد، ولم يتم فحصها حتى الآن بشكل مهني.

علاوةً على ذلك، وبعكس الفكرة المنتشرة بين الجمهور الإسرائيلي أن “علينا أن نعيش إلى الأبد على حد السيف”، فإن الهجوم والمبادرة لا يقتصران على ساحة المعركة فقط، بل يشملان أيضاً التحرك السياسي. أمام إسرائيل فرصة لمواصلة إضعاف المحور الإيراني، بعد الضربة القاسية لوكلائه الرئيسيين – “حزب الله” و”حماس” – وكذلك لبناء تحالف إقليمي أمني واقتصادي مع الدول العربية المعتدلة. ولهذا، يجب على إسرائيل الاستجابة للمبادرات السياسية، وخاصة تلك التي تقدمها الولايات المتحدة، كما ينبغي أن تُظهر التزاماً بالتقدم نحو تسوية سياسية مع التيار الوطني الفلسطيني “فتح”/ السلطة الفلسطينية، برعاية وضمانات من الدول العربية المعتدلة، مع تجاوز الفجوات والتحديات في التنفيذ، عبر نهج متعدد الأطراف، وبمشاركة الدول العربية المعتدلة.

——————————————–

هآرتس 10/10/2024 

لنتنياهو وزمرته: كان الأجدر بكم تغيير اسم الحرب إلى “لا سقف للوقاحة”

بقلم: آيتي روم

قبيل إحياء 20 سنة على اغتيال إسحق رابين، هاجم إسرائيل هرئيل (هآرتس 23/10/2015) الادعاء القائل إن تحريضاً يمينياً سبق الاغتيال. فقد قضى بأن الحقيقة معاكسة: كان اليمين “المعسكر المدافع” وكان “الرجل المحرض” هو المغدور، رابين. وكان كثيرون يشاركون في هذا الرأي، لكن في السنوات الأولى ما بعد الاغتيال، شعروا بعدم راحة للتعبير عن ذلك علناً. وبعد أن انطفأ الألم وخبت الذاكرة، شعر اليمين بارتياح للتوقف عن الاعتذار وإعادة كتابة التاريخ، واتهام الضحية.

اليوم كل شيء يحصل بسرعة أكبر، مصحوباً بفقدان الخجل. فقد تنكر نتنياهو للمسؤولية عن المذبحة في غلاف غزة، ومنذ أكتوبر 2023 (في تغريدة شطبت، لكن خلفت أثرها)، أسقط كل الملف على جهاز الأمن. وبعد أسبوعين من المذبحة، تساءل وزير في حكومته: “أسمع عبارة اعتذروا واطلبوا المغفرة، على ماذا؟” أما الآن فقد نقلت الرسالة خطوة إلى الأمام: لا يكفي نتنياهو الاعتذار فحسب، بل ينبغي أن يعتذروا له.

يبدو هذا كمسرحية هزلية، لكن د. غادي طؤوب كان جدياً حين قال هذا الأسبوع، إنه “هناك بضعة أشخاص ينبغي أن يعتذروا لنتنياهو، ويوم الغفران فرصة ممتازة”؛ لأن “نتنياهو نجح في استخدام كارثة 7 أكتوبر رافعة لحل المشكلة الاستراتيجية الأخطر لإسرائيل: صد صعود إيران، وعودة تفوقنا الاستراتيجي. المعسكر البيبي في حالة نشوة، ويسارع للاحتفال وكأن خطر إيران أزيح عنا وكأن حزب الله لم يعد موجوداً، وثبت بأن “النصر المطلق” ليس مجرد شعار، بل خطة قابلة للتحقق.

يستحق نتنياهو كل الثناء على النجاحات التي لم نحلم بها حيال حزب الله (مثلما يستحق التنديد بالسياسة التي منحت حماس نجاحات لم نحلم بها). فلو تمكن من انتشال إسرائيل من الوحل الذي أغرقها فيه لكان هذا إنجازاً تاريخياً. لكن ينبغي لنا أن نذكر بأن هذا لم يحصل بعد؛ فالنظام الإيراني لا يزال على مسافة لمسة من القنبلة، وما تزال حماس تحتجز 101 مخطوف، وما يزال حزب الله يطلق النار على بلداتنا – حتى لو ظل يعقوب بردوغو يردد في القناة 14 “صفينا الوكيل الأهم ضد دولة إسرائيل”.

وبالتوازي مع الغرور المتعاظم، فإن كل من لا يتحمس للنجاحات الأخيرة وما يزال ينشغل بالمذبحة وبلجوء سكان الشمال وبمصير المخطوفين، يصنف بأنه لجوج يمس بالمعنويات الوطنية. فبعد تصفية حسن نصر الله، كتب مستشار نتنياهو، توباز لوك، أن من انتقد إهمال الشمال طوال سنة “بدا كمن يحاول تعزيز معنويات حزب الله”. ولتعظيم الأثر، لا مشكلة أيضاً في اختلاق أمور لم تحصل: بعد دقائق من التصفية، امتلأت الشبكات بالتغريدات عن الحزن المزعوم الذي وقع في أعقابه على معسكر اليسار.

إن استهداف منتقدي نتنياهو كـ “ممتعضين” و”صناعة الدوخان” كان دوماً بائساً وعبر عن احتقار للمعايير الديمقراطية، لكن عندما حصل هذا في 2017، على خلفية استقرار أمني واقتصادي، كان هناك نوع من المنطق. أما التمسك بهذا التكتيك حتى بعد 7 أكتوبر، فيدل على أن لا قعر للبرميل ولا سقف للوقاحة. فهم لا يتوقعون من الإسرائيليين فقط أن ينسوا مسؤولية نتنياهو على الجحيم الأمني الذي ألقوا به، بل يسعون أيضاً للسخرية من المهمة.

هذا هو النص المبطن من خلف دعوة نتنياهو لتغيير اسم الحرب: يجب أن تركز أفعاله على الانبعاث. كانت الكارثة هنا من قبل؟ هذا موضوع استنفذناه.

——————————————–

صحيفة عبرية..

الشباب الإسرائيلي: سنترك الدولة لسارة ويائير والمومسات

بقلم: يوسي كلاين

هل رأى أحدكم اليوم التالي؟ تفيد الأستوديوهات بوجود نصر مطلق، لكنه اختفى، ضاعت آثاره، والحكومة لا تطلب معونة الجمهور في بحثها عنه، والسياسيون كفوا عن الحديث عنه. من لا يكترث لما سيحصل بعد ساعتين، لن يهتم بما سيحدث بعد أسبوعين أو شهرين أو سنتين. لن يشتري بعد الآن تذكرة سفر لما بعد شهر، ولن يستثمر في شقة تنتهي بعد سنة.

في مكان طبيعي، يخطط شاب طبيعي لمستقبله. في مكان طبيعي، توفر الدولة شروطاً لتحقيقه. لكن هذا ليس عندنا الآن. مستقبل الشباب هنا ليس في أيديهم، فقد تخلوا عنه. الطلاب، الذين يكافحون في كل مكان لضمان مستقبلهم، يتركونه في أيدي شيوخ مستائين يجعلون منهم لحم مدافع. بدلاً من العمل على وقف الحرب، يُسفرهم “أخوة السلاح” إلى حتفهم.

كيف يمكن العيش دون معرفة ما سيكون في اليوم التالي؟ نعيش من يوم إلى يوم. نجعل غير الطبيعي طبيعياً. فكل شيء هنا غير طبيعي: النوم بالبنطال، قرب السرير، جاهز لارتدائه في الدقيقة والنصف من الصافرة. ليس طبيعياً أن نفرح لتذكرة سفر إلى قبرص بـ 700 يورو. وليس طبيعياً أن يخدم الاحتياط أربعة أشهر في السنة. ليس طبيعياً أن نعرض الحياة للخطر في حرب خاصة لحاكم مجنون.

اعتدنا على أن نقبل غير الطبيعي على أنه طبيعي في أي مكان. ليس هناك دولة طبيعية تُضرب مواصلاتها العامة يوم السبت. ليس هناك دولة طبيعية فيها مجرم يقف على رأس الشرطة، ولا توجد في أي دولة طبيعية زوجة رئيس وزراء تنضم إلى كل رحلة. طبقات من انعدام الطبيعية تبنى على الطبيعية وتشوش الفوارق. عندما لا نعرف الحدود، نطبع كل شيء.

لماذا نقبل كل هذا؟ لأننا لا نعرف أين الحدود. لأنهم يطعموننا انعدام الطبيعية ببطء، لقمة لقمة. من الصعب ترسيم الخط الذي لا نجتازه في الوقت الذي يهبط علينا انعدام الطبيعية بالتدريج، فيعطي وقتاً للهضم. صحيح، كنا قد قلنا “هذا فظيع” حين دخل بن غفير إلى الكنيست، لكن ربما يمكننا العيش مع هذا. كان يمكننا العيش أيضاً مع السيطرة على رئاسة العليا، مع سيطرة كيش على مجلس التعليم العالي، مع فاشية سخيفة تمارسها القناة 14 ومع تقارير الدعاية السوفيتية في التلفزيون عن جنود يموتون ليكونوا في غزة.

تعلمنا أن نعيش مع كل شيء، لكن لهذا ثمناً. إذا ما سكتنا عن ممارسات سارة نتنياهو كعقيلة، فسنستقبلها غداً كعضوة في الحكومة، ومقررة، مثل افيتا بارون، واميلدا ماركوس. إذا غفرنا لابن نتنياهو الذي يستجم في ميامي بينما يقتل الجنود في غزة ولبنان، فسنقبل تعيينه سفيراً في الأمم المتحدة. إذا ما صدقنا الأكاذيب التي يطعمنا إياها المراسلون العسكريون فسنظن أننا غزونا لبنان “كي نعيد النازحين” واحتللنا محور فيلادلفيا “كي نحرر المخطوفين”. يكذبون علينا بوجود حاجة عاجلة “للرد” على إيران. فهل يعرف أحد ما لماذا؟ الشرف؟ الثأر؟ آه، مرة أخرى “الردع”؟ نعم. العبث إياه الذي يخرجه محللون حين لا يكون هناك ما يقولونه؟ لكن “الردع” لا يستهدف فقط إخافة الأعداء، بل إخافتنا نحن أيضاً. نحن مجانين، تحذرنا الحكومة، لا يهمنا كم يقتل عندنا، المهم أن نقتل المزيد منهم.

كان يمكن العيش في واقع غير طبيعي لو عرفنا بأننا سنكون طبيعيين عندما تنتهي الحرب، ولكن أي طبيعية تنتظرنا عندها؟ مرة أخرى بيبي؟ مرة أخرى بن غفير؟ نلحس ونبتلع انعدام الطبيعية العضال. غير مبالين لتخفيض التصنيف الائتماني، ولا لعزلة كوريا الشمالية التي تغلق علينا، ولا لهروب المثقفين الشباب.

لمن يعز عليه مستقبله، ليس هناك ما يعول عليه؛ لا على السياسيين الفاسدين، ولا على الإعلام الذي يعطي لمن يعطي أكثر مثل المومس، أي “للشعب”، أي للرعاع البيبي الجاهل والعنيف والفظ، الذي يلف بادعاء ديني بالحق كراهيته لتكون الثقافة والعلم. لن يذهبوا إلى أي مكان، أولئك البيبيون. في الأرجنتين: مات خوان بارون، لكن البارونية بقيت. بيبي سيختفي، لكن البيبية ستبقى؛ لأن لفساد والعنف اللذين سيخلفانه أكبر من أن يختفيا بهذه السرعة.

——————————————–

هآرتس 10/10/2024 

وزير العدل ومنظمات يمينية في حملة تشويه للواقع ضد القضاة: “تساعدون المخربين”

بقلم: أسرة التحرير

في الوقت الذي يتركز فيه الاهتمام الجماهيري على الحرب، يعمل اليمين على منع تعيين القاضي إسحق عميت رئيساً للمحكمة العليا. فبعد أن عرض وزير العدل يريف ليفين كل قضاة المحكمة العليا كمرشحين للرئاسة، بهدف التخريب على إجراءات تعيين عميت، ودعا الجمهور للتقدم بالاعتراضات، انضمت منظمات يمين ونشطاء إلى خطوته هذه.

“إن شئتم”، و”بتسلمو” (على صورته)، وشباب “الصهيونية الدينية” وآخرون، كلهم يعملون على جمع التحفظات والاعتراضات مع التركيز على عميت. مئات الاعتراضات رفعت إلى سكرتاريا اللجنة لانتخاب القضاة، وبالتوازي إلى مكتب لفين، بعد أن دعا الوزير لفعل ذلك من خلال عنوان بريد إلكتروني خصصه لهذا الغرض بشكل على نحو غير مسبوق وبخلاف المعتاد.

إن رفع اعتراضات كهذه على الترشيح هو حق للجمهور ويستهدف غاية مناسبة هي الحفاظ على طهارة الإجراءات وانتخاب رئيس مناسب إلى المحكمة العليا. لكن الشكل الذي تدير به المنظمات والنشطاء المؤيدون للفين حملة التشهير ضد عميت وضد المحكمة العليا، يرمي إلى التخريب على انتخاب عميت وإلغاء نهج الأقدمية.

كما أن من يديرون الحملة يبحثون عن معلومات تدين القضاة، على أفضل تقاليد الوشاية. وكما كشفت “هآرتس”، ففي الآونة الأخيرة تلقى عدة طلاب مكالمات هاتفية من مصادر مجهولة طلبت منهم محاولة تذكر لأمور قالها قضاة في الدروس وكفيلة بأن تستخدم ضدهم. كما أن المنظمات تقترح على الجمهور رفع اعتراضات تستند إلى معلومات مضللة وكاذبة. ومما قالته منشوراتهم أن عميت “يعمل في صالح مخربين” وأنه قبل قال لمنظمات “تساعد المخربين” نحو شهرين: “أنا والمحكمة تحت تصرفكم بكل ما تطلبون”. يدور الحديث عن تشويه للواقع: فالمنظمات منظمات حقوق إنسان مثل “جيشا”، تعمل للحفاظ على حقوق الإنسان للنساء والشيوخ والأطفال الفلسطينيين، ولا تعمل “لأجل مخربين”. إضافة إلى ذلك، ففي البحث موضع الحديث الذي عني بالتماس لزيادة المساعدات الإنسانية لمواطني قطاع غزة، لم يقبل عميت حجج الملتمسين، وقال لهم القاضي إنه “حتى لو كانت الأسواق (في غزة) مليئة بالبضائع، فعلى حد نهجكم، هذا لا يحل المشكلة؛ لأنه لا مال يملكونه”. بمعنى أنه ينبغي الافتراض بأن للملتمسين انتقاداً على المحكمة العليا وعلى القاضي عميت.

في كل مرة يطرح فيها السؤال: أين كانت الدولة في 7 أكتوبر ولاحقاً كل السنة الأخيرة؟ ينبغي متابعة وزير العدل. فلو خصص لفين وأمثاله في صالح أداء وظائفهم 1 في المئة من الطاقة والمقدرات والنشاط الذي يخصصونه لتفكيك جهاز القضاء، لما تدهورت دولة إسرائيل إلى نقطة الدرك الأسفل التي هي فيها الآن.

——————————————–

صحيفة عبرية: “العصابة الحاكمة الخبيثة” أدخلت “إسرائيل” المرحلة الأخطر

لوحة إعلانية انتخابية تحمل صور نتنياهو محاطا ببن غفير (يسار) وسموتريتش (الثاني من اليمين) وبن أري مع تعليق باللغة العبرية يقول “كاهانا تعيش”

نشرت صحيفة هآرتس مقالا للكاتب تسفي برئيل حاول فيه تشخيص الأوضاع النفسية التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي في ضوء التوترات الناجمة عن تورط قادتها في مواجهات عسكرية تهدد وجود الدولة نفسها.

وعمد الكاتب إلى إسقاط نظرية الطبيبة النفسية الأميركية السويسرية إليزابيث كوبلر روس حول مراحل الصدمة النفسية الخمس -التي ضمنتها كتابها الأكثر مبيعا عن الموت- على الحالة الإسرائيلية.

ولفهم ما يرمي إليه الصحفي الإسرائيلي الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مقاله، يتعين علينا أن نشرح ما تسمى نظرية أو “نموذج كوبلر روس”.

تقول الطبيبة النفسية إن المرء يمر بخمس مراحل من الصدمة النفسية في حال تعرضه لمصيبة ما، وهي على الترتيب: مرحلة الإنكار، والغضب، والمساومة، ثم الاكتئاب، وآخرها تقبل ما يحدث له.

وقال إن إسرائيل مرت على مدى العام الماضي بجميع تلك المراحل التي ذكرتها إليزابيث كوبلر روس؛ “فقد حلَّ الإنكار والذهول والصدمة مما حدث لنا محل الغضب الذي يميز المرحلة الثانية”.

“وفي نهاية المطاف، خفّت تلك المرحلة أيضا وأفسحت المجال لمرحلة المساومة التي اعتقدنا أنه من الممكن إجراء مفاوضات مع الحكومة على الأقل حول إعادة الأسرى، ليس جميعهم ولكن ربما بعضهم -أي نوع من التنازل- حتى نتمكن من التعايش مع أنفسنا ونعرف أننا فعلنا حقا كل ما بوسعنا”.

لكن برئيل يرى أن شيئا من ذلك لم يحدث، إذ تبع مرحلة المساومة المرحلتان الأخيريان، وهما الاكتئاب والتقبل، والتي يدرك العارفون بنظرية كوبلر روس جيدا أنها تضمن للحكومة البقاء على قيد الحياة. والعارفون أو الهاجرون مصطلح يراد به الأشخاص الذين يتخلون عن قضية أو واجب، وهو بذلك يشير -على ما يبدو- إلى حكام إسرائيل اليوم.

ويتناول الكاتب بشيء من التفصيل المرحلتين الأخيريين من مراحل الصدمة النفسية، فيقول إن المجتمع الإسرائيلي في حالة اكتئاب عميق مصحوب بمشاعر الخجل والذنب، وهي المرحلة التي يصعب فيها مواساة ضحايا الكارثة، الذين -وفقا لنموذج كوبلر روس- يستحوذ عليهم شعور بأنه لا جدوى من أي شيء. وأخيرا، إذا تمكنوا من تحرير أنفسهم من قيود الاكتئاب، سينتقلون إلى مرحلة التقبّل، حيث يبدأ الناس في تفهم أن الوضع الجديد جزء من الحياة.

وعلى الرغم من أن نظرية كوبلر روس ليست علما دقيقا، بل هي نظرية مثيرة للجدل، فإن الحالة الإسرائيلية تدعمها من وجهة نظر برئيل، الذي يعتقد أن الأمة “الحزينة” ليست مستثناة من مراحل الصدمة النفسية التي تحدد سلوكها، بل تحدد هويتها أيضا.

ويقول إن إسرائيل تعيش الآن بالفعل التقبل، وهي المرحلة الأخطر، حسب وصفه، “حيث علينا أن نعتاد على العيش” من دون الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وأضاف أن التقبل مرحلة يترسخ فيها الشعور بأنه لا جدوى حتى من الانزعاج من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته، “فهم أيضا، مثل الرهائن، وكأنهم قضاء وقدر لا يمكن تغييره على ما يبدو”.

وأكمل: إسرائيل ستظل تُحكم بأيدي “عصابة خبيثة” تمكّنت من تحويل أسوأ كارثة في تاريخ البلاد إلى دواء منقذ لها.

وزاد أن الإسرائيليين لطالما صُدموا مما سماها “سلبية” الفلسطينيين “الذين تأقلموا مع الحياة تحت حكم حماس دون أن يبدر منهم تمرد أو ثورة، وكنا نتساءل عن الأسباب التي تحول دون خروج اللبنانيين ضد حزب الله”.

ومضى مسترسلا في حديثه قائلا “لقد وصلنا إلى اليوم التالي، والكارثة تكمن في أننا سنبدأ في الاعتياد على ذلك. والخوف الذي تقشعر له الأبدان يتسلل إلى عمودي الفقري وينذر بخنقي”.

لكنه يستدرك بأن الخوف ليس مردُّه إلى الخوف من الحرب القادمة مع إيران، أو إدراك أن حرب لبنان الثالثة لم تعد عملية قصيرة، بل هو الإقرار بأن إسرائيل ستظل تُحكم بأيدي “عصابة خبيثة” تمكنت من تحويل أسوأ كارثة في تاريخ البلاد إلى دواء منقذ لها.

وختم بالقول إن جرائم العصبة الحاكمة في إسرائيل والتي أدت إلى “كارثة” طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، هي التي ستمنحها عمرا جديدا تستطيع به قيادة البلاد “بذكاء” إلى مزيد من الكوارث. 

——————————————–

جنرال إسرائيلي بارز: أخطر تداعيات “طوفان الأقصى” فقدان الثقة بالجيش

جنود الاحتلال يبكون قتلاهم

في معرض قراءة استخلاصات لـ “طوفان الأقصى”، والحرب المتوحشة على غزة، في ذكراها السنوية، يرى القائد السابق لغرفة العمليات في جيش الاحتلال الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف أن إسرائيل لم، ولن، تحقق أهدافها، رغم مكاسبها، نتيجة فقدان إستراتيجية، وتورطت بحرب لا تنتهي.

ويقول زيف، في مقال ينشره موقع القناة 12 العبرية، إن إسرائيل تنهي عاماً من حرب متعددة الجبهات، ومركّبة وصعبة، بدأت بكارثة، وجرى بعدها نهوض من جديد، وتصاعدت قوتها، وحققت سلسلة من الإنجازات العسكرية الاستثنائية.

وفي المقابل، يقول إنه لم يتم، حتى الآن، تحقيق أيّ هدف من أهداف الحرب، فسلطة “حماس” لا تزال قائمة في غزة، وقوتها العسكرية التي جرى تفكيكها بدأت بالنهوض من جديد، ولم تتم إعادة المخطوفين. ورغم النجاحات في لبنان، فإن عودة النازحين لا تبدو قريبة.

أمّا على الصعيد الدبلوماسي، فيؤكد أن إسرائيل بدأت الحرب بشكل ممتاز، وهي الآن في أسوأ وضع تشهده منذ تأسيسها، لقد باتت معزولة، وتعيش خطر فرض عقوبات دولية، معتبراً أنه آن الأوان لنقل الجهد العسكري وتحويله إلى إنجاز دبلوماسي، فنحن لم نحقق أياً منها حتى الآن.

وفي قراءة السابع من أكتوبر، يقول زيف: “كان يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر اليوم الأسوأ في تاريخنا، إذ لم تفشل أجهزة الأمن برمتها في الدفاع فقط، بل انهارت رواية الأمان الشخصي والثقة الجماهيرية بالجيش الذي لم يكن موجوداً هناك في أثناء المأساة.

ففي يوم واحد فقط، تبخّرت رواية القوة الإقليمية والدولية لإسرائيل. وحده التحليل الواسع من خلال لجنة تحقيق مستقلة يمكن أن يشرح الحقيقة، وكيف جرى لنا هذا في يوم واحد، بشكل يمكّننا من قبول تفسير هذا الحدث الكارثي والمذلّ في تاريخنا”.

الغرور والاستعلائية

من الواضح، بالنسبة لزيف، أن ما حدث كان نتيجة تقاطُع عدة عوامل: عدم الفهم العميق، ومسارات التقليص العسكرية، وخفض الجاهزية والاستعداد للدفاع لدى الجيش على حدود غزة، حيث كان التركيز على الضفة الغربية، مستوى سياسي معزول عن الواقع الأمني منذ الانتخابات، استعلاء وانغلاق في كافة مستويات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى عدو رأى في الانقسامات الداخلية في إسرائيل فرصة له.

وفي الوقت نفسه، يشير الجنرال الإسرائيلي لمحاولات بن غفير لإشعال المسجد الأقصى، ورغبة نتنياهو في المضيّ في صفقة مع السعودية من دون الفلسطينيين، أمور كلّها شكّلت عاملاً مسرّعاً بحد ذاته لـ “طوفان الأقصى”.

والأهم من هذا كلّه وجود خط مشترك واحد يربط ما بين تشرين الأول/أكتوبر 1973 واليوم، وهو الحمض النووي الاستعلائي الواثق بنفسه، والذي يقول “إن هذا لن يحدث لنا”.

 اليوم الأسود

ويرى زيف أن السؤال الأكثر أهميةً في سياق الحديث عن يوم “السبت الأسود”، وبعد أن انهار الدفاع، وتفكّكت منظومة السيطرة والقيادة كلياً، هو: أين كانت البنى القديمة والجيدة لدى الجيش، أين كانت سرعة الرد، وأين اختفى الدخول في الاشتباك، والمبادرة؟ لماذا لم يكن هناك أيّ شجاعة؟ العمود الفقري للمنظومات الهجومية التي استند إليها الجيش أعواماً طويلة اختفت في اليوم نفسه. ورفضت القيادة التكتيكية أن تصدق ما تراه، ولم يستطع الجيش أن يستوعب أن هذه هي الحرب، وعليه أن يسعى للاشتباك بكل قوته، وأن يقوم بكل ما هو ممكن لمنع ذبح المواطنين أمام عينيه. لقد تجمّد، في أغلبيته، في مواقعه، ولم يتصرف كما يجب، ولم يساعد الأشخاص الذين ذُبحوا. الحديث يدور حول فشل عظيم، حتى لو كان هناك شجاعة وبطولة في حالات كثيرة. التحقيق الذي أشار إلى أن جنود الاحتياط لم يصلوا إلى الجبهة لأنهم لم يجدوا مَن يفتح لهم مخازن السلاح، أو انتظروا وصول الأوامر، مستفز جداً”.

ضرب الوعي

ويتفق زيف مع من يرى أن “طوفان الأقصى” أحدث صدعاً في وعي الإسرائيليين، وبثقتهم بأغلى ما يملكون: “أكثر من الكارثة الكبيرة، فإن الضرر الأكبر هو أزمة الثقة الكبيرة والفجوة. لقد فقد المواطنون الثقة بقدرة الجيش على حمايتهم ومساعدتهم في وقت الحاجة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأهم هو أن الجيش نهض سريعاً من الضربة التي تلقاها، وخلال أيام قليلة، استطاع “تطهير” الميدان من 1500 “مخرب” اخترقوا الجدار، وخلال 3 أسابيع، بدأ هجوماً أخضعَ “حماس” في نهاية المطاف”.

من حرب عسكرية إلى معركة دبلوماسية

وطبقاً لزيف، فإن هذه الحرب مركّبة جداً، ويخوضها الجيش منذ أكثر من عام في ثلاث جبهات مركزية: غزة، ولبنان، والضفة الغربية. هذا بالإضافة إلى وجود جبهات ثانوية: سوريا، إيران، اليمن، والعراق. حتى الآن، تم تسجيل بعض الإنجازات المهمة جداً. “حماس” فُكّكت عسكرياً، و”حزب الله”، الذي كان حتى قبل شهر يشكّل رعباً في المنطقة، تم ضربه، وأصيب إصابة صعبة جداً، حتى باتت قيادته “فوضوية وضعيفة”. إيران تلقّت ضربات صعبة، وتبدو أضعف من أيّ وقت مضى”.

من هنا يستنتج الجنرال الإسرائيلي أن عقيدة الأذرع التابعة لإيران قد فُكّكت، وباتت أكثر ضعفاً. محاولاً تقزيم قوة الضربة الصاروخية الإيرانية يمضي في استنتاجه: “صحيح أنها تستطيع إطلاق كمية كبيرة من الصواريخ، لكنها في حالة “مخجلة” بسبب الفجوة التكنولوجية ما بينها وبين إسرائيل. هذه المرة الثانية التي تفشل فيها هجماتها على إسرائيل، ولا تؤدي إلى أيّ نتائج”.

 حرب بلا هدف وإستراتيجية

ويرى أنه رغم جميع الإنجازات، فإن الجيش وصل إلى حدود القوة الخاصة به، بعد عام من الاستنزاف، ومن دون المخزون الاحتياطي المطلوب: البقاء في غزة، والقيام بعمليات اقتحام لمنع تجدُّد قوة “حماس” لا يخفي “حماس” فعلياً،

ومع الوقت، ستنجح في إعادة بناء نفسها، ما دام لم يتم بناء بديل، ولا يزال الميدان تحت سيطرتها. أمّا في لبنان، فحتى لو تفكّك “حزب الله” إلى تنظيمات أصغر، فإنه من دون جيش لبناني كبير وقوي، سيغرق الجيش الإسرائيلي في منطقة لا يملك القدرات اللازمة للسيطرة عليها، وخصوصاً أنه يستعمل كل موارده.

الضفة مشتعلة، ونحتاج إلى كثير من القوة للسيطرة عليها. هذا بالإضافة إلى وجود أربع جبهات بعيدة يجب العمل فيها عسكرياً.

ويتابع في تحذيراته: “الآن، باتت الحرب من دون هدف، ومن دون إستراتيجيا، ومن دون نهاية في الأفق، باستثناء استنزاف الجيش والدولة إلى أقصى حد. هذا هو وقت نقل ثقل الحرب من حرب عسكرية إلى معركة دبلوماسية”.

أزمة وفرص

وحسب زيف، هذه الأزمة تخلق أيضاً فرصاً، وتسمح بالدفع بترتيبات إقليمية جديدة بقيادة الولايات المتحدة: “هذه الإمكانية حقيقية لإعادة البناء من جديد، بعد حالة التفكك التي شهدتها الدول سابقاً لمصلحة التنظيمات “الإرهابية” خلال الأعوام العشر الماضية.

في لبنان، هناك للمرة الأولى، فرصة لإعادة بناء الجيش اللبناني، وأن يتحمّل المسؤولية الداخلية، وتتعالى الأصوات المطالِبة بتشكيل حكومة قوية ودفع “حزب الله” خارج الحياة السياسية في لبنان، وإمكان نشر قوات الجيش في الجنوب اللبناني، ومنع “حزب الله” من الوصول إلى الحدود مع إسرائيل.

وفي سوريا أيضاً، يمكن تفكيك و”تنظيف” تأثير إيران و”حزب الله”، ويبدو أن الأسد يبحث في ذلك”.

وفي المقابل، يرى بضرورة الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة، والتوصل إلى صفقة لإعادة المخطوفين، وتشكيل حكومة في غزة لا ترتبط بحركة “حماس”، وتكون مرافقة للجنة دولية تكون مهمتها: إعادة إعمار غزة بمساعدة الدول العربية المعتدلة، وتساعد في الحفاظ عليها منزوعة السلاح، وتمنع عودة “حماس”. زاعماً أن التخوف الكبير والشعور بالخوف في إيران يسمحان بالدفع قدماً باتفاق جديد تلتزم فيه طهران إعادة الخطة النووية إلى الوراء، مع مراقبة أكبر. فضلاً عن وقف كلّي لإرساليات السلاح إلى التنظيمات “الإرهابية” والدول الخارجية”.

يوجد لدى إسرائيل كثير مما يمكن ربحه

ويقول أيضاً إنه يمكن لخطة إستراتيجية كهذه، بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، أن تؤدي إلى دفع الإقليم إلى الاستقرار مدة ثلاثة أعوام، والدفع إلى تطبيق اتفاق سلام مع السعودية، وبناء حلف دفاعي إقليمي، إلى جانب خطة حقيقية للدفع بمشاريع إقليمية تعزز اقتصاد السلام والعلاقات بين دول المنطقة.

وعن الدور الإسرائيلي في ذلك يضيف: “طبعاً، سيكون على إسرائيل أولاً: استعادة ثقة العالم بها، لكن العالم أيضاً يحتاج إلى قيادة إسرائيل التي لا تتردد في قتال “الإرهاب” الذي تحوّلَ إلى مشكلة عالمية، وليس فقط إقليمية. المشكلة أن هذه المسارات كلّها لا يمكن أن تجري، لأنه لا يوجد أيّ إستراتيجيا في السياسة الشخصية التي تدير حياتنا، ولا يوجد أيّ قائد في العالم يصدّق نتنياهو، أو مستعد للقيام بأيّ خطوة حياله، حتى لو كانت بسيطة”.

مسيرة علاج طويلة

ويرى أن إسرائيل تحتاج إلى مسيرة علاج كبيرة جداً، تبدأ بانتخابات وتشكيل حكومة وحدة قوية تكون مهمتها الأساسية تحصين المنظومة القضائية والأساسات الصهيونية والديمقراطية والليبرالية في إسرائيل. كما يرى أن المطلوب إعادة تعريف وثيقة الاستقلال والاعتراف بها كدستور، وفرض قيود على قوة الحكومة، وتنظيفها من الأمراض السياسية، وتقوية التعليم الحكومي وإعادة ترميم العلاقة والأخوّة في داخل المجتمع، بعد الانقسامات التي جرت فيه، وتشجيع الكراهية الذي حدث، وكذلك الرغبة في الانتقام التي زُرعت في داخله. يجب أن تنهض إسرائيل برمتها من جديد من هذه الحرب المؤلمة”.

إشفاء الاقتصاد

ويشير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي الذي لحِق به ضرر كبير، في الأساس بسبب انعدام السياسة الخارجية والإدارة السيئة، سيربح كثيراً من إعادة الاستقرار الإقليمي، وهو ما سيسمح له بالنهوض من جديد بسرعة نسبياً.

ويتابع: “سيكون من الصعب إعادة الاستثمارات الأجنبية، ويجب البحث عن المال اليهودي في الخارج، وتجنيده في إطار الفصل الجديد من الصهيونية الذي يبدأ بعد استخلاص العبر خلال العام الماضي”.

ويختتم بمقولة لا تخلو من شحنة دعائية تحفيزية: “القدرة على الصمود أمام أزمة كهذه، وفي مقابل كثير من الكوارث، هي من دون شك جزء من الرواية والقوة الخاصة بشعب إسرائيل على مدار أجيال، وهو الذي أثبت التزامه وقتاله بطريقة مذهلة في كل المجالات طوال العام الماضي. وهذا ما يشهد على أننا جميعاً سنبقى هنا ونقاتل معاً من أجل مستقبل أفضل لأولادنا” 

——————انتهت النشرة——————