فلسطيني

المرسوم الرئاسي.. حاجة دستورية أم مناكفة سياسية؟

المسار الاخباري: د. طلال أبو عفيفة: المرحلة الراهنة تتطلب تعزيز الوحدة وبناء نظام سياسي قادر على مواجهة التحديات

جهاد أبو زنيد: حالة من الفوضى الدستورية ويجب العودة للأسس القانونية التي تحكم النظام الفلسطيني

عبد اللطيف غيث: المرسوم يثير إشكالات قانونية ودستورية عميقة ويُعمق الخلط بين صلاحيات السلطة والمنظمة

سلوى هديب: بما أن منظمة التحرير هي مرجعية السلطة الوطنية فإن الإعلان الدستوري صحيح ومنطقي

فضل طهبوب: الإجراء حكيم لأنه يضمن انتقالاً ديمقراطياً وسلساً للسلطة دون خلق صراعات داخلية مباشرة

إسماعيل مسلماني: الخطوة جاءت في وقت حرج يعاني فيه المشهد الفلسطيني من تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية

أثار المرسوم الرئاسي القاضي بتولي رئيس المجلس الوطني رئاسة السلطة الوطنية إلى حين إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ردوداً متباينة على الساحة الفلسطينية، سيما أن هناك قانوناً فلسطينياً يقضي بتولي رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة في حال شغور المنصب، وهو ما حصل عند رحيل الرئيس ياسر عرفات، حيث تولى رئيس المجلس التشريعي في حينه روحي فتوح رئاسة السلطة لفترة انتقالية، حتى أُجريت انتخابات رئاسية فاز فيها الرئيس محمود عباس.

وقال بعض الكتاب والمحللين السياسيين إن قرار الرئيس عباس مهم، حتى لو جاء متأخراً، وأنه طالما منظمة التحرير هي مرجعية السلطة فإن الإعلان الدستوري صحيح ومنطقي، فيما اعتبر البعض الآخر أن المرسوم يثير إشكالات قانونية ودستورية عميقة، ويُعمق الخلط بين صلاحيات السلطة والمنظمة، وأن فلسطين تعيش حالة من الفوضى الدستورية، ويجب العودة للأسس القانونية التي تحكم النظام الفلسطيني

قرار الرئيس مهم حتى وإن جاء متأخراً

وأكد عضو الأمانة العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين د.طلال أبو عفيفة أهمية قرار الرئيس محمود عباس إصدار مرسوم رئاسي بتولّي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية حتى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في حالة شغور منصب الرئيس لأي سبب كان.

وقال أبو عفيفة: إن هذا القرار جاء متأخراً كثيراً حيث كان من المفترض أن يصدر منذ أن تم إلغاء الانتخابات التشريعية عام ٢٠٢١ بسبب رفض الاحتلال إجراءها في القدس.

وأوضح أبو عفيفة أن أهمية القرار تكمن في إفشال مخططات الاحتلال الإسرائيلي، بأنه في حالة شغور منصب الرئيس في حالة وفاته لا سمح الله، ستشهد الضفة الغربية فراغاً دستورياً واضطرابات داخلية وفوضى تسمح للاحتلال بالتدخل العسكري المباشر، وفرض الحكم العسكري من جديد والضم النهائي تحت شعار الحفاظ على الأمن والاستقرار في الضفة وحماية المستوطنين.

ودعا أبو عفيفة الرئيس محمود عباس إلى اتخاذ مزيد من المراسيم والقرارات التي تهدف إلى إصلاح الأوضاع الداخلية الفلسطينية.

كما طالب أبو عفيفة بإبعاد أصحاب المصالح الخاصة والتي تعمل لصالح جهات خارجية ضد مصلحة الوطن عن مواقعهم السلطوية لتحقيق المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أن المرحلة الراهنة تتطلب تعزيز الوحدة الوطنية وبناء نظام سياسي قادر على مواجهة التحديات.

تفعيل منظمة التحرير وإعادة هيبتها

من جهتها، قالت جهاد أبو زنيد، عضو المجلس الوطني: إن فلسطين تعيش حالة من الفوضى الدستورية نتيجة الانقسام الداخلي، والاحتلال الإسرائيلي، والحروب المستمرة التي تعرقل حياة الفلسطينيين وتؤثر على استقرارهم.

ولفتت إلى أن هذه الظروف تمثل جزءاً من حرب إبادة تمارس ضد الشعب الفلسطيني.

وشددت أبو زنيد على أهمية المجلس الوطني الفلسطيني كمرجعية للمجلس التشريعي، موضحةً أن أعضاء المجلس التشريعي هم جزء لا يتجزأ من المجلس الوطني.

ورأت أن هذه الفوضى الدستورية تتطلب العودة إلى الأسس القانونية التي تحكم النظام الفلسطيني، مشيرة إلى أن رئيس المجلس الوطني يُعتبر مرجعية دستورية في حالات الطوارئ أو غياب القيادة.

وأوضحت أبو زنيد أن توقيت بعض القرارات قد لا يكون مريحاً للشعب، إلا أن الأولوية تكمن في حماية وحدة الصف الفلسطيني ومنع حدوث الفتن أو الأزمات في المستقبل.

كما دعت إلى السعي نحو تحقيق السلام والأمان من خلال قيادة فلسطينية منتخبة وشاملة، مع التركيز على إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة هيبتها باعتبارها المظلة الوحيدة التي تجمع الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم.

وختمت أبو زنيد بالدعوة إلى بناء بيت فلسطيني موحد يشمل الفصائل والمستقلين والأكاديميين، ليكون حامياً لوجود الشعب الفلسطيني ومستقبله.

المرسوم يضعف النظام السياسي الفلسطيني

بدوره، أكد المحلل السياسي المقدسي عبد اللطيف غيث أن المرسوم الرئاسي الأخير يثير إشكالات قانونية ودستورية عميقة، مشيراً إلى أن مكانته القانونية غير دستورية لعدة أسباب، أبرزها أن القوانين الفلسطينية تنص على أن رئيس المجلس التشريعي هو الجهة المخولة بتولي المهام في حال حدوث فراغ دستوري، وهو ما تعذر تطبيقه بسبب إلغاء المجلس التشريعي.

وأوضح أن فترة ولاية الرئيس قد تجاوزت الحد الدستوري منذ أكثر من 20 عاماً، ما يعمق الأزمة القانونية.

وأشار غيث إلى أن المرسوم يساهم في تعميق الخلط بين صلاحيات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ما يؤدي إلى تآكل التخوم بين المؤسسات

وأوضح أن هذا التداخل يضعف النظام السياسي الفلسطيني، ويعزز حالة الغموض في الصلاحيات بين الهيئات المختلفة.

دوافع وتوقيت إصدار المرسوم

وحول توقيت إصدار المرسوم، تساءل غيث عن دوافعه، ملمحاً إلى احتمال وجود تأثيرات وضغوط خارجية وليست نابعة من حاجة فلسطينية داخلية ملحة.

واعتبر أن الوضع الفلسطيني الحالي لا يشهد أزمة دستورية مستعجلة تتطلب هذا القرار، مشيراً إلى أن توقيته قد يكون مرتبطاً بمخططات خارجية تهدف إلى ترتيب أوضاع المنطقة بما يخدم مصالح دولية وإقليمية معينة.

ودعا غيث إلى التركيز على “ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني بدلاً من إصدار مراسيم مثيرة للجدل”.

وأكد غيث أن المرحلة الحالية تتطلب وحدة الصف الفلسطيني لمواجهة المخاطر الكبيرة، مثل العدوان الإسرائيلي المتصاعد ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية بدعم دولي، مشدداً على ضرورة تجاوز الانقسام الداخلي، الذي يمثل العقبة الأساسية أمام مواجهة التحديات المصيرية.

واقترح غيث عدة خطوات عاجلة لمعالجة الأزمات الراهنة: أولاً، دعوة الإطار القيادي المؤقت: ضرورة اجتماع القيادة الوطنية المؤقتة لوضع استراتيجية موحدة لمواجهة المخاطر المحدقة بالشعب الفلسطيني. وثانياً، تشكيل حكومة توافقية: إنشاء حكومة فلسطينية وطنية أو تكنوقراطية متفق عليها، تكون قادرة على التعامل مع الأوضاع في غزة والضفة الغربية ومواجهة الضغوط الدولية.

واختتم غيث بتأكيد أهمية العمل الجماعي والتخطيط الاستراتيجي لمواجهة التحديات الراهنة.

وأوضح أن الوحدة الوطنية، ووضع رؤية مشتركة هي السبيل الوحيد لحماية القضية الفلسطينية من محاولات التصفية والتدخلات الخارجية.

المجلس الوطني هو المجلس النيابي لدولة فلسطين

من جانبها، قالت سلوى هديب عضو المجلس الوطني الفلسطيني: “بما أنه ليس لدينا دستور معتمد، وبما أن منظمة التحرير الفلسطينية هي مرجعية السلطة، فإن الإعلان الدستوري صحيح ومنطقي”

وأعربت هديب عن اعتقادها أنه حان الوقت لأن يكون المجلس الوطني هو المجلس النيابي لدولة فلسطين إلى أن يتسنى انتخاب مجلس تشريعي.

وقالت: “لا شيء ينقص المجلس الوطني ليمارس صلاحيات نيابية باعتبار المنظمة ممثلاً للشعب الفلسطيني وباستطاعته بهذه الصفة أن يسدّ فجوات القوانين الناقصة وأن يصوغ شخصية وفلسفة النظام السياسي، بما يصون هوية الدولة، ويقطع الطريق بشكل حاسم على محاولات التقرصن على الهوية الوطنية، ويوقظ إسرائيل من وهم تمكين حماس سياسياً قي الضفة كي تتسيّد المشهد بما يتيح للاحتلال التذرع بها لمحو وجود شعب فلسطين كلياً”.

وأكدت هديب أنه في حالة عدم إنهاء الانقسام وغياب المجلس التشريعي فإنه يمكن للرئيس أن يستخدم صلاحياته الواردة بالمادة 43 من القانون الأساسي والتي تنص “على أن لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي إصدار قرارات لها قوة القانون.

ورأت هديب ضرورة دعوة المجلس الوطني للانعقاد وهو من صلاحياته تعديل الدستور، وإضافة مادة لمنصب نائب الرئيس وتحديد صلاحياته، وفي حالة عدم التمكن من عقد المجلس الوطني يمكن دعوة المجلس المركزي على أن يقوم بتعديل الدستور، وإضافة مادة لمنصب نائب الرئيس، وتحديد صلاحياته مع مراعاة أن الرئيس لا بد له أن يكون منتخب من قِبل الشعب.

كبح الخلافات الداخلية ومنع الفوضى والانهيار

بدوره، أكد المحلل السياسي المقدسي فضل طهبوب أن إصدار الرئيس محمود عباس مرسوماً رئاسياً يقضي بتولي رئيس المجلس الوطني رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية في حال شغور منصب الرئيس، يمثل خطوة مدروسة تهدف إلى معالجة عدة قضايا داخلية وضمان انتقال سلس للسلطة.

وأوضح طهبوب أن هناك خلافات داخلية بشأن خلافة الرئيس محمود عباس، مشيراً إلى أن هذه الخلافات تشكل خطرًا على السلطة الفلسطينية ككل، ما قد يؤدي إلى حالة من الفوضى والانهيار.

وأشار إلى أن القرار الرئاسي يهدف إلى تخفيف حدة الخلافات من خلال تحديد آلية واضحة لانتقال السلطة، حيث يتم تعيين رئيس المجلس الوطني كرئيس مؤقت لمدة 90 يوماً يتم خلالها التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية.

ووصف طهبوب هذا الإجراء بأنه “حكيم”، لأنه يضمن انتقالًا ديمقراطياً وسلساً للسلطة دون خلق صراعات داخلية مباشرة.

وتطرق طهبوب إلى توقيت القرار، مشيراً إلى أن هناك ضغوطاً من بعض الدول على الرئيس عباس لإجراء تغييرات في السلطة بسبب الانتقادات المتعلقة بالفساد والتركيبة الإدارية الحالية.

واعتبر طهبوب أن المرسوم جاء كمحاولة لتجنب هذه الضغوط وإظهار استعداد للانتقال الديمقراطي في حال حدوث فراغ في القيادة.

وبشأن ارتباط القرار بالتطورات الإسرائيلية، أشار طهبوب إلى أن إسرائيل لا تأخذ بعين الاعتبار السلطة الوطنية أو أي جهات دولية أو إقليمية عند اتخاذ قراراتها، مثل ضم الأراضي الفلسطينية.

وأكد طهبوب أن الإجراء الذي اتخذ الآن يشبه آلية نقل السلطة بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، والتي أثبتت نجاحها في منع الفوضى وضمان الاستقرار.

واعتبر أن المرسوم يعكس خبرة في التعامل مع انتقال السلطة بشكل يحافظ على وحدة القيادة ويقلل من حدة التوترات الداخلية.

ظروف محلية وإقليمية معقدة

واعتبر المحلل السياسي المقدسي إسماعيل مسلماني الإعلان الدستوري للرئيس محمود عباس خطوة جاءت في وقت حرج يعاني فيه المشهد الفلسطيني من العديد من التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية

وتطرق مسلماني الى أسباب هذا الإعلان وتوقيته والدلالات الكامنة وراءه، مشيراً إلى التوقيت يأتي في ظل ظروف محلية وإقليمية معقدة.

فعلى الصعيد المحلي، تواجه السلطة الفلسطينية ضغوطاً كبيرة نتيجة الانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس، إضافة إلى التحديات الاقتصادية والصحية، وأهمها حرب غزة والأطماع في الضفة الغربية.

وقال: “تشهد المنطقة تقلبات سياسية واستراتيجية كبيرة، بما في ذلك تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل وما يترتب على ذلك من تداعيات على القضية الفلسطينية”.

ولخص مسلماني الدوافع من الإعلان قائلاً: هي أولاً: تعزيز الاستقرار الداخلي: ويهدف الإعلان الدستوري إلى توحيد الصفوف وتعزيز الاستقرار الداخلي في وجه التحديات السياسية والاقتصادية.

وثانياً: الإصلاح المؤسسي، إذ تأتي هذه الخطوة كجزء من جهود أوسع لتعزيز المؤسسات الحكومية وضمان فعالية الأداء الحكومي. وثالثاً: الاستجابة للضغوط الخارجية، حيث إنه في ظل التحولات الإقليمية والدولية، يسعى الرئيس عباس إلى تقوية الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية من خلال تعزيز الشرعية السياسية والدستورية للسلطة الفلسطينية. ورابعاً، تجنب أن تحصل حركة حماس على أي منصب: المعروف أن عزيز الدويك هو رئيس المجلس التشريعي، وقد تم حل المجلس رسمياً عام 2018.

دلالات الإعلان الدستوري

ولخص مسلماني دلالات الاعلان الدستوري بالآتي :1- إعادة التأكيد على سيادة القانون: يعكس الإعلان الدستوري التزام القيادة الفلسطينية بتعزيز سيادة القانون والديمقراطية. 2- التأكيد على الوحدة الوطنية: يسعى الإعلان إلى توحيد الجبهة الداخلية والحد من الانقسامات السياسية التي تعصف بالمشهد الفلسطيني.

3- تحسين الموقف التفاوضي: بوجود إطار دستوري قوي، تستطيع السلطة الفلسطينية تعزيز موقفها في المفاوضات المستقبلية مع الأطراف الدولية والإقليمية. 4- مطلب أمريكي: الرئيس بايدن طلب أن لا تكون حماس بالسلطة، استجابة للإدارة الأمريكية، خصوصاً إعلان إسرائيل تمديد التعامل مع البنوك الفلسطينية لعام آخر بعد الضغط الأمريكي والأوروبي.

وقال مسلماني: الإعلان الدستوري للرئيس محمود عباس يبرز كمحاولة لتعزيز الاستقرار الداخلي وتعزيز الشرعية السياسية في وقت حرج.

وأضاف: كما يعكس هذا الإعلان الحاجة الملحة للتكيف مع التحديات الحالية، وضمان مستقبل أفضل للشعب الفلسطيني. لكن حين يتم التفرد دون عودة الفصائل الفلسطينية، فإن البعض يرى فيه ترسيخاً للانق

سام وتجاوزاً للقانون السابق، وهذا التفرد قد يخلق أزمة أكبر بين الجمهور الفلسطيني.

 

المصدر …”جريدة القدس” والقدس دوت كوم