
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 20/4/2025
التفاؤل في المحادثات النووية لا يكفي للتوصل الى اتفاق لأن الشيطان في التفاصيل
بقلم: تسفي برئيل
جولة المحادثات الثانية حول الاتفاق النووي، التي جرت أمس في روما بين الوفد الايراني والوفد الامريكي، زادت التوقعات ورفعت نسبة الانجازات المطلوبة منهما. التفاؤل، “الاجواء الجيدة”، و”المحادثات الناجعة”، التي تم تسويقها بعد الجولة الاولى في يوم السبت الماضي، استمرت ايضا أمس، على الاقل حسب التقارير من ايران. ولكن الآن تقترب المرحلة المعقدة والاكثر صعوبة. وهي المرحلة التي ستنقل المفاوضات الى المستوى التالي: من النقاش حول الاطار الى الفحص المفصل التقني، التي كما هو معروف يوجد فيها الشيطان. هذا الجزء من المخطط اجراءه في يوم الاربعاء القادم في سلطنة عمال قبيل جولة المحادثات القادمة في يوم السبت، التي سيفحص فيها الطرفان نتائج المحادثات المهنية وتقرير مستقبل العملية الدبلوماسية.
هذه تقريبا مفاوضات ثنائية، خاصة، بين الادارة الامريكية والنظام في ايران. الشركاء الاوروبيون الذين وقعوا على الاتفاق النووي الاصلي لم تتم دعوتهم اليها. الصين وروسيا لا توجد على طاولة المفاوضات، واسرائيل حتى ليست مراقبة. فقد اضطرت الى الاكتفاء بارسال الى روما رئيس الموساد دادي برنياع والوزير رون ديرمر من اجل الالتقاء بالسر تقريبا مع رئيس الوفد الامريكي، ستيف ويتكوف، في محاولة لطرح طلباتها.
واشنطن وطهران اتخذتا قرار استراتيجي، البدء بعملية دبلوماسية رغم عدم الثقة بينهما، على اساس قاسم مشترك واحد هو التطلع الى منع الحرب. للوهلة الاولى هذه الحرب تعتبر تهديد احادي الجانب من ناحية امريكا واسرائيل لايران، لكن حسب تصريحات الرئيس ترامب يمكن الاستنتاج بأن هذا تهديد بوجهين. فترامب الذي يعمل على فصل بلاده عن مناطق الحروب في العالم بدأ في سحب القوات الامريكية من سوريا، واوضح في السابق بأنه في الطريق الى رفع يده في جهود الوساطة في اوكرانيا. وحسب تقرير “نيويورك تايمز” ايضا هو اوقف خطة هجوم لاسرائيل ضد ايران. هو غير متحمس على الاقل في هذه المرحلة، لحرب جديدة ضد ايران لأنه خلافا للحرب بين روسيا واوكرانيا، الحرب ضد ايران يمكن أن تكون فيها الولايات المتحدة طرف نشط ومشارك، وحتى يمكن أن تتعرض لخسائر. هذه هي نقطة الانطلاق التي ستملي ايضا هامش الاتفاق بين الطرفين وتحدد مستوى مرونة “الخطوط الحمراء” بعد طرح كل طرف لموقفه الافتتاحي.
ايران عرضت تسعة شروط رئيسية من اجل اجراء المفاوضات. وقد تم تلخيصها في المنشور الذي نشره في شبكة “اكس” علي شمخاني، المستشار المقرب من المرشح الاعلى علي خامنئي. هذه الشروط تضمنت “الجدية، الضمانات، التوازن، رفع العقوبات، ليس حسب النموذج الليبي، تجنب التهديد، السرعة، منع الغزاة الاجانب (مثل اسرائيل) واعطاء امكانية للاستثمارات”.
شهادة التأهيل لبند الجدية التي منحها وزير الخارجية العراقي الذي يترأس وفد التفاوض، عندما قال إن “الولايات المتحدة اظهرت الجدية في المحادثات في يوم السبت الماضي”. أمس قبل بدء المحادثات اعرب عراقجي عن تشككه في جدية نوايا واشنطن ليؤكد في النهاية بأن المحادثات كانت مثمرة. في نهاية المطاف خامنئي لديه ايضا “قاعدة يجب ارضاءها، وسيتم الطلب من عراقجي، رغم الصلاحيات التي حصل عليها، التعامل بحذر بين الفرص. من جهة اخرى يجب عليه الدفاع عن قرار خامنئي السماح باجراء المفاوضات، رغم أنه قبل شهرين كان يستبعد فكرة اجراءها، واظهار أنه يوجد شخص في الطرف الامريكي يمكن التحدث معه. من جهة لا يجب عليه الانحراف عن الخط الحازم الذي يفرض عدم الثقة المطلقة بالولايات المتحدة.
مفهوم “التوازن”، يتعلق ايضا بالساحة الداخلية في ايران، الامر الذي يعني أن ايران تعتبر نفسها متساوية في المكانة والقوة مع الولايات المتحدة. وقد اوضحت بأنها لن تجري المفاوضات تحت الضغط والتهديد. من هنا تأتي اهمية المظاهر والوضوح بطريقة اجراء المفاوضات. ايران طلبت أن تكون سلطنة عمان، وليس اتحاد الامارات، الوسيطة والمستضيفة، وأن لا تكون المحادثات مباشرة. ويتكوف، الذي يعرف قليلا عن اجراء المفاوضات، لم يتمسك بموقفه. فبدلا من المفاوضات المباشرة اكتفى بتبادل بعض الجمل مع عراقجي. المواجهة الصعبة حقا ستتطور حول البنود الاخرى في شروط ايران.
ما الذي يريده الامريكيون
إن اساس الخلاف هو حول قضية تخصيب اليورانيوم ومستقبل المشروع النووي. ايران، التي في السنتين الاخيرتين قررت أن الاتفاق النووي لم يعد ذا صلة، عادت مؤخرا الى الصيغة القديمة التي وضعتها في 2019، التي بحسبها فانه مقابل رفع العقوبات ستوافق على العودة الى اطار القيود التي فرضت عليها في الاتفاق النووي الاصلي الذي سمح لها بالتخصيب تحت رقابة متشددة اكثر من السابق، كمية محدودة من اليورانيوم بمستوى 3.67 في المئة.
في المقابل، الولايات المتحدة نشرت عدة تصريحات متناقضة، وحتى الآن غير واضح أين سيمر “الخط الاحمر”. ترامب اعلن أن الولايات المتحدة تريد شيء واحد وهو أن لا يكون لدى ايران سلاح نووي. مستشار الامن القومي، مايك وولتس، تحدث عن تفكيك كامل للمشروع النووي والصواريخ البالستية، في حين أن ويتكوف نشر في غضون يومين تصريحين مختلفين. حسب التصريح الاول الولايات المتحدة ستكتفي بتقييد تخصيب اليورانيوم بمستوى 3.67 في المئة وعدم طلب تفكيك المشروع النووي. في التصريح الثاني اتفق مع خط وولتس وقال إن ايران يجب عليها تفكيك المشروع النووي، بعد أن اوضح في شهر آذار بأن ترامب يريد “فقط” تأسيس آلية رقابة ناجعة على المشروع النووي.
تلميح الى الاتجاه الذي تسير نحوه المفاوضات ربما يمكن الحصول عليه من بيان وزارة الخارجية العمانية أمس، الذي بحسبه “المحادثات تستهدف التوقيع على اتفاق معقول، قابل للحياة وملزم… ويضمن بأن تكون ايران نقية تماما من السلاح النووي وليس عليها أي عقوبات وأن تحافظ على قدرتها على تطوير طاقة نووية لاهداف سلمية”. اذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لهذه النتيجة فعندها الصياغة المعدة لذلك تستبعد امكانية تطبيق نموذج تفكيك المشروع النووي في ليبيا على ايران، كما اقترح بنيامين نتنياهو، وهي تذكر بصيغة الاتفاق النووي الاصلي الذي انسحب ترامب منه في 2018 تحت ضغط نتنياهو. ولكن حتى لو تمت الموافقة على صيغة الاطار هذه فستبقى تفاصيل تقنية كثيرة، يمكن أن تفجر في أي وقت استمرار المفاوضات. مثلا، من غير الواضح ماذا ستكون كمية اليورانيوم التي تم تخصيبها بمستوى 60 في المئة، وما الذي سيتم فعله باليورانيوم المخصب بمستوى أقل، الموجود بكمية كبيرة في ايران، وكم من الـ 17 ألف جهاز طرد مركزي التي تعمل الآن، يمكن لايران مواصلة تشغيلها في اطار السماح الذي ستحصل عليه، هذا اذا حصلت عليه، من اجل تخصيب اليورانيوم. في التصريحات الاخيرة التي نشرت في ايران هي عارضت بشدة نقل أي مادة مخصبة زائدة الى دولة ثالثة (حسب الاتفاق الاصلي نقلت المادة الى روسيا)، وهي تصمم على أن اجهزة الطرد المركزي الزائدة لن يتم تدميرها، بل ستخزنها في اراضيها كضمانة اذا قررت الولايات خرق الاتفاق الجديد ايضا.
قضية اخرى معقدة تتعلق باستمرار دور الوكالة الدولية للطاقة النووية، المسؤولة حسب الاتفاق الاصلي عن الرقابة على تنفيذ بنوده. منذ 2021 ايران تمنع مراقبي الوكالة من زيارة المنشآت العسكرية الغير مسجلة كمواقع نووية. بعد ذلك جمدت نقل افلام الكاميرات للوكالة الدولية للطاقة النووية. في النهاية امرت الوكالة بسحب عدد كبير من المراقبين الخبراء، وبالفعل قلصت بشكل عميق قدرة الوكالة على القيام بعملها. في يوم الاربعاء زار ايران الامين العام للوكالة رفائيل غروسي، وفي يوم السبت وصل الى روما لمواصلة المناقشات مع عراقجي حول قضية الرقابة، لكن من غير الواضح اذا توصل الاثنان الى أي تفاهمات.
الاكثر اهمية هو أنه غير معروف أي شيء عن تنسيق بين ويتكوف وغروسي، وهل التفاهمات بين الوكالة الدولية للطاقة النووية وبين ايران ستكون اصلا مقبولة على الولايات المتحدة. مسألة اخرى لا تقل اهمية هي الى أي درجة ستكون التفاهمات مختلفة عن التي تقررت في الاتفاق الاصلي، الذي هو نفسه فيه بروتوكول مفصل وحازم بشكل غير مسبوق، يخضع ايران لالية رقابة اختراقية اكثر مما هو مطلوب حسب ميثاق منع انتشار السلاح النووي الذي وقعت عليه ايران.
لكن النقاشات فيما اعتبر “قضايا تقنية” بعيدة عن أن تكون تقنية فقط. هذا المجال يوجد له دور سياسي اكثر اهمية، حيث أنه به يمكن أن يبنى استعراض القوة لترامب عندما سيأتي لعرض الفروقات المهمة بين الاتفاق الاصلي الذي وقعه عدوه اللدود براك اوباما وبين اتفاقه، الذي سيمهد طريقه الى جائزة نوبل. ولكن حتى ايران توجد لها حاجة الى هذا الجزء الاستعراضي. فهي تطمح الى عرض أي اتفاق بأنه لا يختلف في جوهره وتفاصيله عن الاتفاق الاصلي، وكشيء اضافي، هي ستحصل على ضمانات لتطبيقه وبقائه – هذه المرة من نفس ترامب الذي انسحب من الاتفاق الاصلي. هنا يمكن أن تتطور منافسة بين القناة السياسية والقناة التقنية – الجوهرية، التي في نهاية العملية هي التي ستؤطر خطورة تهديد ايران وستحدد هل يمكن التقدم في المفاوضات وماذا ستكون طبيعة الاتفاق.
——————————————-
هآرتس 20/4/2025
خانيونس مدينة القتل
بقلم: جدعون ليفي
“اذهب الى مدينة القتل/ ستصل الى الساحات/ بعيونك سترى وبيديك ستلمس/ على الاشجار والحجارة/ طين الجدران/ الدماء المتخثرة والدماغ المتجمدة للشهداء”. (حاييم نحمان بياليك، قصيدة “مدينة القتل”).
في عيد الفصح المسيحي في 1903، في مثل هذا الاسبوع قبل 122 سنة، اندلعت في كشنيف الموجودة في بيساربيا اعمال شغل ضد اليهود. الصحف الروسية لم تنشر عن هذه الاعمال. “نيويورك تايمز” نشرت عنها بتوسع. الرئيس الامريكي في حينه ثيودور روزفلت، اعلن بأنه لم يشعر في أي يوم بتعاطف كبير مع أي شيء مثلما شعر تجاه الضحايا. صور الجثث الملفوفة بالاكفان نشرت على الصفحات الاولى في الصحف الامريكية. المصطلح الروسي “مذبحة” ولد في حينه. وقد أدان واتهم ليف تولوستوي ومكسيم غوركي الحكومة الروسية.
بياليك كتب عن “الذبح” وذهب الى كشنيف ضمن بعثة بادر اليها المؤرخ شمعون دوفنوف. وقد تواجد في المدينة خمسة اسابيع، وحضر محاكمة حفنة المشاغبين الذين تم الحكم عليه بالسجن لسنوات قليلة، وقام بتحرير اسماء الشهداء. عندما عاد نشر قصيدة “في مدينة القتل”. زئيف جابوتنسكي ترجم هذه القصيدة الى اللغة الروسية، هرتسل بلور خطة اوغندا، في الـ 122 سنة التالية تحولت اعمال الشغب في كشنيف الى اسطورة شكلت وعي اليهود الى الأبد. لا يوجد أي طفل في اسرائيل لم يسمع عنها. اقوال بياليك عن “الذبح”: “هذا الانتقام/ انتقام لدم طفل صغير/ لم يخلقه الشيطان بعد”، و”اذا كانت توجد عدالة لتظهر على الفور!”، اصبحت صياغة لغوية موجهة دائما لوصف الضحية اليهودية والاسرائيلية.
المذبحة الوحشية استمرت ثلاثة ايام. وقد بدأت في اليوم السابع لعيد الفصح اليهودي، الذي صادق ايضا في 19 نيسان، أي مثل أمس، والذي كان ايضا اليوم الاول لعيد الفصح المسيحي. مئات بيوت اليهود تم نهبها وتدميرها. الاسقف بارك المشاغبين. لقد اغتصبوا ورموا الاطفال الرضع من الطوابق العليا وغرسوا المسامير في رؤوس الضحايا وفقأوا عيونهم. المحقق بياليك وجد اشلاء محطمة في حديقة للخضراوات واسطبل اصبح مسلخا للبشر.
كم شخص قتل في اعمال الشغب هذه؟ 49 شخص. وهو رقم يشبه تقريبا عدد الذين قتلوا في غزة أول أمس. يوم جمعة عادي في غزة. لقد قتلوا بسبب الهجمات الجوية ومن الدبابات في اطار دفاع اليهود عن النفس. الصحف الاسرائيلية، بالضبط مثل الصحف الروسية قبل 122 سنة، لم تنشر أي شيء تقريبا. الاساقفة المحليين، الحاخامات ومن يعلمون الشريعة عندنا، لم يتوقفوا عن مباركة القتلة ومن يقومون بعمليات القصف، مثلما في كشنيف في 1903.
من بين الـ 47 قتيل في غزة أول أمس كانت امرأة حامل والكثير من الاطفال. اربعة اطفال قتلوا في قصف صالون حلاقة في خانيونس، خمسة ابناء عائلة قتلوا على مدخل المدينة. في الشبكات الاجتماعية نشر فيلم فيه تم توثيق خمس جثث لاطفال متفحمين بسبب الاحتراق على شراشف بيضاء في المستشفى. صور مخيفة كهذه أنا لم اشاهد طوال حياتي.
خلافا لكشنيف فانه في غزة لا يرمون الاطفال من النوافذ، لكنهم يحرقونهم حتى الموت. من هو الاخلاقي الذي سيتجرأ على القول بأن احراق الاطفال على قيد الحياة وهم في خيمة لاجئين في “المنطقة الآمنة” صادم اقل من رميهم من النوافذ؟ من هو المنافق الذي سيتجرأ على القول بأن جنود الجيش الاسرائيلي “لا يتعمدون قتل الاطفال” بعد أن قتلوا في السابق آلاف الاطفال والرضع؟. اعمال الشغب في كشنيف تشبه يوم عادي للجيش برئاسة ايال زمير في غزة. الاعمال الفظيعة في 7 اكتوبر تعتبر شهر بالمتوسط مثلما في غزة.
بياليك لا يمكنه زيارة مدينة القتل في غزة. اسرائيل لا تسمح لأي مراسل بفعل ما فعله الشاعر الوطني، وتوثيق الاعمال الفظيعة وكتابة “في مدينة القتل 2”. لو أنه استطاع لكان بالتأكيد سيكتب “الآن ماذا يوجد لك هنا، أيها الانسان/ قم واهرب الى الصحراء/ احمل معك كأس الاحزان/ قطّع نفسك الى عشر قطع/ اعط قلبك ليكون أكل لشخص عاجز/ دموعك اسكبها هناك فوق صخرة/ ازأر بالصرخة الاخيرة والمريرة، التي ستضيع في العاصفة”.
——————————————
يديعوت احرونوت 20/4/2025
إسرائيل لا تستطيع تحرير المخطوفين ولا احتلال كل القطاع
بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين
اعلان حماس انها لن توافق على أي صفقة دون البحث لانهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع يسهل ظاهرا على حكومة إسرائيل تحديد استمرار القتال كالخيار المفضل. وينعكس الامر بدعوة سموتريتش نتنياهو لان يستغل رد حماس كي “يبيد المنظمة، يحتل كل غزة وينفذ خطة ترامب”. على الطريق، هكذا أضاف سيتحرر المخطوفون أيضا، حجة لا تقنع اغلب الإسرائيليين الذين باتوا يفهموا بانه لا يمكن تحقيق “هذا وذاك”، أي النص المطلق وتحرير المخطوفين.
لقد سيطرت إسرائيل على اكثر من 40 في المئة من أراضي القطاع، لكنها بعيدة عن السيطرة في المنطقة. لا يزال تحديان مركزيان يقفان امامها في هذا السياق: الأول، الدخول الى المجالات المدينية المكتظة، حيث تنتظر حماس كيف تخوض معركة قوية، والثاني، السيطرة على السكان الغزيين التي معناها فرض حكم عسكري وتقديم خدمات لمليوني انسان مفعمين بالعداء تجاه إسرائيل في منطقة مدمرة تماما، الى جانب توقع لتطور حرب عصابات وإرهاب مثلما كان في العراق بعد الاحتلال الأمريكي.
القيادة في إسرائيل لا تدير حوارا مع الجمهور حول الاهداف الاستراتيجية للحرب التي بالتأكيد لا يمكنها أن تبقى كـ “سر”، فما بالك اذا كانت الغاية هي احتلال كل غزة، السيناريو الذي سيفرض ثمنا باهظا من جملة مجالات وسيغير دراماتيكيا حياة الإسرائيليين لزمن طويل. إضافة الى ذلك لا يروى للجمهور بانه توجد صعوبة جوهرية لتنفيذ احتلال كامل في ضوء الفجوة المحتدمة في مجال خدمة الاحتياط وانعدام لاجماع الداخلي في الموضوع.
وهكذا تعلق إسرائيل في واقع “لا تبتلع ولا تلفظ”: من جهة لا يوجد تحرير مخطوفين، ومن الجهة الأخرى يتعزز الشك حول القدرة على احتلال كل القطاع فما بالك السيطرة عليه على مدى الزمن. بدلا من الوعد بـ “هذا وذاك” يرتسم واقع “لا هذا ولا ذاك”، مغلف بجملة شعارات تملأ الخطاب منذ 7 أكتوبر مثل “حماس على شفا الانكسار”، “مزيد من القوة ستؤدي الى تليين المنظمة” و “العرب لا يفهمون الا عندما تؤخذ منهم الأراضي”. والنتيجة هي ان إسرائيل تغرق في حرب استنزاف تجبي ثمنا باهظا مثل أمس، لكن دون أن تلوح مؤشرات على أن حماس تغير السياسة او تفقد السيطرة في المنطقة.
المطلب الجديد الذي تطرحه إسرائيل لنزع سلاح حماس هو وهم آخر يعرض كهدف قابل للتحقق لكنه يشكل عمليا “عنزة” واضح انها ستؤدي الى جمود المفاوضات او تعكس مواصلة عدم فهم متطرف لحماس. منظمة الإرهاب أوضحت بالقطع بان هذا محظور تماما من ناحيتها وزعماؤها يجمعون على ذلك. فالكفاح بالنسبة لهم هو حياتهم ولن يتخلوا عن السلاح.
وبعامة نوصي بالامتناع عن التأبين المبكر لحماس كما يسود عندنا. فمثلا في اعقاب التقارير عن ازمة مالية في المنظمة او في ضوء الاحتجاج الجماهيري ضدها والذي لا يصبح كتلة حرجة تهدد حماس. لقد تعرضت المنظمة لضربات قاسية لكنها لا تزال مستقرة وتشكل عامل القوة المسيطر في غزة. ما لم ينتهِ هو التزمت الأيديولوجي الذي يسمح بالنجاة حتى بعد الضربات القاسية.
ليس للحكومة عمليا استراتيجية وبدلا من هذا تعرض الحرب نفسها كـ “رؤيا” وتتحول تدريجيا لتصبح نمط الحياة الدائم دون تحديد اهداف واطار زمني واضح.
لكن “الأرض الاستراتيجية” هذه متهالكة من أساسها كونها لا تقوم على أساس تخطيط مرتب ومباديء وتتميز بانعطافات حادة ومفاجئة: ترامب يبدي اهتماما أقل برؤيا تفريغ غزة، بينما إسرائيل تتمسك بها بتزمت مما يلحق ضررا سياسيا بها. واشنطن فاجأت إسرائيل بفتح حوار مع ايران وتوجد أيضا مهزلة الجمارك التي يجب أن تشعل أضواء حمراء امام من يخطط لخطوات كبرى تضم أجزاء من الضفة على فرض أن “أمريكا معنا بالنار والماء”.
بعد شهر من استئناف القتال في غزة، عادت إسرائيل الى نقطة البداية بل وربما توجد في وضع اكثر تعقيدا واقل فرصا. الان يوجد بديلان سيئان: الأول هو استمرار القتال دون الوصول الى حسم واحتلال كامل لكنه لن تؤدي الى تحرير مخطوفين. والثاني هو العودة الى صفقة تعيد المخطوفين لكن تلزم بانهاء قتال والانسحاب من غزة. هذا ثمن باهظ لكنه اهون الشرور في ضوء الضرر الكامن في الخيار الأول. إسرائيل ملزمة بان ترى في وجود حماس تهديدا وجوديا يحتاج معركة كبيرة بل وربما احتلال القطاع. لكن هذا السيناريو يستوجب ثلاثة شروط اضطرارية ليست قائمة حاليا. استراتيجية واعية، اجماع داخلي واسع وقيادة نقية من تعقيدات 7 أكتوبر.
——————————————-
هآرتس 20/4/2025
خلق واقع السيادة”: الحكومة تُشجّع الضم في الضفة الغربية، وكل الوسائل مُباحة
بقلم: مخيم جنين
في الآونة الأخيرة، ظهرت في مختلف أنحاء الضفة الغربية علامات تعطي الانطباع بأن إسرائيل على وشك إجراء انتخابات. وإلى جانب صورة لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تحمل إحدى الصور تعليقا يقول “يسعدنا أن نعلن عن تسوية مستوطنة إفيتار” وشعار “ثورة الاستيطان 2025”. ويُذكر أيضًا على اللافتات، بطبيعة الحال، الحزب الديني الصهيوني. وعلى النقيض من وعوده في المجال الاقتصادي، فإن حملة سموتريتش لضم المستوطنات في الضفة الغربية ترتكز على تغيير حقيقي في الواقع.
مع تشكيل الحكومة الحالية، تم إنشاء “إدارة المستوطنات” بناء على طلب سموتريتش في وزارة الدفاع، بهدف نقل إدارة الحياة المدنية في المستوطنات من الأيدي العسكرية إلى الأيدي المدنية. وبحسب بعض خبراء القانون فإن هذه الخطوة تشكل ضماً للضفة الغربية. ولا يخفي مؤسسو الإدارة أن هذا هو ما يسعون إليه. وقال رئيس هيئة موظفي الإدارة، يوني دانينو، في مقابلة مع صحيفة هآرتس إن هدفيها الرئيسيين هما ضمان معاملة الدولة للضفة الغربية بنفس الطريقة التي تعامل بها النقب والجليل من حيث التنمية وتخصيص الموارد، وتحقيق “فرض السيادة في الضفة الغربية”.
ويقول إن “تنفيذ السيادة يعتمد على التشريع في الكنيست”. “ليس لدينا القدرة على القيام بذلك، ولكن لدينا القدرة على جلب الوضع مهنيا إلى أقرب نقطة ممكنة.” وبحسب قوله، كلما رسّخت الإدارة الحقائق على الأرض، “ضمن عملية تنظيمية منظمة، ستُنشأ منطقة صناعية أخرى، وطريق آخر، ومنزل آخر، وعندها ستنضج الأمور، وستُتاح الفرصة لتحقيق السيادة على نحو أفضل. تطبيق السيادة ليس قراري، ولكن بإمكاني خلق واقع سيادة فعلية”.
ولتوضيح ذلك، يقول إنه من الممكن خلق الظروف التي من شأنها أن تؤدي إلى الضم إذا قامت الدولة بشق طرق في الضفة الغربية تخدم سكان المركز، وتنتج الطاقة هناك، وتبني صناعة الطاقة الشمسية هناك. “إذا خلقنا وضعا حيث يسافر جميع سكان المركز إلى مرتفعات الجولان عبر يهودا والسامرة لأن هذه هي الطريقة التي سيأخذهم بها تطبيق Waze، لأنهم قاموا بتوسيع الطريق السريع 90 والطريق السريع 5 وإنشاء تقاطع لطيف وعدم وجود اختناقات مرورية، فإن هذا سيؤدي في النهاية إلى السيادة”، كما يوضح. “وإذا كان 20% من إنتاج إسرائيل من الطاقة موجود في يهودا والسامرة، ومن هناك يتم إنتاج الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة، فهذا سيؤدي إلى السيادة”.
ويشير دانينو بشكل إيجابي إلى الطريقة التي يتم بها إدارة حياة المستوطنين في الضفة الغربية خلال فترة الحكومة الحالية، بعد التغييرات التي أجرتها الإدارة. ويقول إن شكل الإدارة تغير بمقدار 180 درجة. المواطنون خاضعون للحاكم، وهو العام قانونيًا، لكن من يديرون العمل مواطنون، وليسوا من ينظرون إلى الأمور من منظور أمني. “هل يُمكن وضع شرفة هناك أم لا؟”، وليس أسئلة مثل تأثير شرفة “إل بيت” على الوضع الأمني في رام الله. “الجيش يستطيع أن يعطي رأيه، لكنه لا يدير العملية”.
وبحسب رئيس هيئة موظفي الإدارة فإن الدافع لتعزيز البناء في المستوطنات ارتفع بشكل كبير خلال فترة الحكومة الحالية. على سبيل المثال، يقول إنه “لسنوات طويلة، لم تُنشأ أي مستوطنات في يهودا والسامرة. خلال فترة هذه الحكومة، أُنشئت رسميًا 28 مستوطنة جديدة. هذه ليست مجموعة تنتقل إلى بؤرة استيطانية. إنها قفزة هائلة في النسب المئوية، وليست مثل إنشاء عشر مستوطنات في الجنوب بأكمله”.
ومع ذلك، يؤكد قائلاً: “كوننا أحرارًا لا يعني أنها كتيبة. هذا إجراء حكومي بامتياز. إذا كانت ميزانية طرق، فقد وافق عليها قسم الميزانية والمحاسب العام في وزارة النقل. وإذا كانت موافقة على وحدة سكنية، فإنها تمر عبر الوحدة القانونية في وزارة الدفاع ووزارة العدل ومكتب التخطيط. لماذا يبدو هذا مفاجئًا؟ لأنه ببساطة لم يحدث في الماضي. ولكن إذا قارناه بأماكن أخرى في البلاد غير يهودا والسامرة، فلا يوجد شيء غير عادي هنا”.
وينعكس الارتفاع في حجم البناء في المستوطنات أيضًا في البيانات التي قدمتها منظمة السلام الآن لصحيفة هآرتس، والتي تستند إلى منشورات المجلس الأعلى للتخطيط: ففي حين تم في عام 2022 الدفع بـ 4427 خطة بناء في جميع أنحاء الضفة الغربية، ارتفع عددها في عام 2023 إلى 12349. وبعد انخفاضها إلى 9,971 مخططاً في العام 2024، تم في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2025 تقديم 14,335 مخططاً للبناء في الضفة الغربية.
في هذا السياق، تقول حاجيت عوفران من حركة السلام الآن: “بينما ينشغل البلد بأكمله بالدفاع عن المخطوفين، وبالحرب، وبمعارضة الانقلاب، تستغل حكومة نتنياهو-سموتريتش نفوذها لتحقيق أوهام اليمين المسياني ودفع الوضع السياسي والأمني في إسرائيل إلى حافة الهاوية. إن خطوات الضم التي اتخذتها الحكومة تضر بالأمن ليس فقط على المدى القريب، لكنهم يوجهون أيضاً ضربة قاتلة لإمكانية إعادة بناء إسرائيل وبناء مستقبل من السلام والأمن هنا، مع وجود دولتين لشعبين. “إن التسوية السياسية فقط هي التي تضمن الأمن والمستقبل الأفضل لإسرائيل”.
يضيف زيف شتال، الرئيس التنفيذي لمنظمة “يش دين”: “الضم ليس زحفًا ولا سباقًا، بل هو واقعٌ بالفعل. فإلى جانب كونه انتهاكًا لأهم قاعدة في القانون الدولي، التي تحظر الضم، فإن له تأثيرًا بالغًا على جميع جوانب حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية – ثلاثة ملايين شخص ليسوا مواطنين ويجدون أنفسهم في وضع رعايا بلا حقوق، تحت رحمة حكومة لا يملكون القدرة على التأثير عليها”.
عام السيادة
وفي وقت مبكر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن سموتريتش في اجتماع للكتلة الدينية الصهيونية أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية “يجلب معه أيضًا فرصة مهمة – سيكون عام 2025 عام السيادة في الضفة الغربية. وفي الواقع، خلال الدورة الشتوية الأخيرة للكنيست، برزت بشكل خاص محاولات أعضاء الائتلاف لتمرير قوانين من شأنها تغيير وجه المنطقة، وقد دعمت هذه المحاولات قرارات وأنظمة حكومية تم تمريرها في حين تجاهلت السكان الفلسطينيين والقانون الدولي.
على سبيل المثال، في شهر ديسمبر/كانون الأول، أصدر وزير البناء والإسكان إسحاق جولدنوبف أمراً يقضي بتوسيع نطاق قوانين التجديد الحضري لتشمل الضفة الغربية، مما يسمح للمطورين بتلقي مزايا ضريبية ضخمة مقابل البناء في المنطقة. ويأتي ذلك بهدف إضافة عشرات الآلاف من الوحدات السكنية في المستوطنات في عملية مختصرة. وتشمل هذه المزايا الإعفاء من ضريبة القيمة العقارية، وضريبة الشراء، وضريبة القيمة المضافة على البناء.
وبعد ذلك بوقت قصير، في نهاية شهر يناير/كانون الثاني، وافقت الكنيست في قراءة تمهيدية على مشروع قانون من شأنه أن يسهل على اليهود شراء الأراضي في الضفة الغربية. وحاليا لا يستطيع اليهود شراء الأراضي في المنطقة بشكل خاص، ولكن فقط من خلال شركات مسجلة لدى الإدارة المدنية، ويسعى مشروع القانون إلى تغيير هذا وإلغاء القانون الذي تم تطبيقه في الضفة الغربية عندما كانت تحت سيطرة الأردن، والذي يحظر تأجير وبيع العقارات لأي شخص ليس أردنيا أو فلسطينيا أو من أصل عربي آخر. تم تقديم مشروع القانون من قبل عضو الكنيست موشيه سليمان من الصهيونية الدينية.
في غضون ذلك، تمت الموافقة في نوفمبر/تشرين الثاني على مشروع قانون بالقراءة الأولى ينص على أن المحاكم العسكرية في الضفة الغربية سيتم تعريفها أيضًا كمحاكم بموجب قانون المركز لتحصيل الغرامات والرسوم والنفقات، مما سيسمح للمركز بتحصيل الغرامات من الفلسطينيين الذين لم يسددوا الديون الناجمة عن حكم محكمة عسكرية. في خطوة منفصلة، يدعو عضو الكنيست عميت هاليفي إلى إنشاء إدارة تتولى التعامل مع الآثار في الضفة الغربية وتقدم تقاريرها إلى وزارة التراث، بعد أن واجه مشروع قانون بادر إليه لتطبيق صلاحيات سلطة الآثار الإسرائيلية في الضفة الغربية معارضة من المستويات المهنية والسلطة نفسها.
وهناك مشروع قانون آخر، تمت الموافقة عليه أخيراً هذا الشهر في القراءتين الثانية والثالثة، وهو مشروع قانون من شأنه أن يسمح للسلطات المحلية في الضفة الغربية بتلقي جزء من ضريبة الأملاك أو عائدات الضرائب من المناطق الصناعية والتجارية القريبة في الأراضي الإسرائيلية. قبل الموافقة على الاقتراح الذي قدمه عضو الكنيست يعقوب آشر من حزب التوراة اليهودية المتحدة، كان وزير الداخلية مخولاً بتحديد توزيع عائدات ضريبة الأملاك من المناطق الصناعية والتجارية بين السلطات المتجاورة داخل حدود إسرائيل فقط.
وعندما يتعلق الأمر بنقل الأموال من إسرائيل إلى الضفة الغربية، فإن حزب “عوتسما يهوديت” يظهر نشاطه أيضاً. تسعى عضو الكنيست ليمور سون هار ميليش إلى طرح قانون يعتبر المجلس الإقليمي جبل الخليل وكريات أربع جزءا من النقب، الأمر الذي يسمح للمستوطنين الذين يعيشون هناك بالاستفادة من ميزانيات سلطة تطوير النقب. وقد تم إقرار القانون في القراءة الأولية في شهر مايو/أيار الماضي، وتمت مناقشته في لجنة الاقتصاد في الدورة الشتوية. رئيس اللجنة ديفيد بيتان، الذي فهم أن الموافقة على القانون تتطلب تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، أصدر تعليماته للمستشار القضائي للحكومة في اللجنة بفحص كيفية طرح القانون بصيغة تتجاوز أحكام القانون الدولي.
ورغم أن العمليات التشريعية لا تزال في بداياتها، فإن الميزانيات المخصصة للمستوطنات بدأت تتدفق بالفعل. فقد خصصت ميزانية الدولة لعامي 2024 و2025 مئات الملايين من الشواقل للمستوطنات في الضفة الغربية، هذا بالإضافة إلى أموال الائتلاف. وبحسب معطيات حركة السلام الآن، صادقت لجنة المالية في الكنيست في يوليو/تموز من العام الماضي على إضافة 302 مليون شيكل إلى وزارة الاستيطان والبعثات الوطنية، وفي مارس/آذار تم تعديل مشروع ميزانية الوزارة وإضافة 200 مليون شيكل إضافية.
وإذا كان الحفل الذي قدمت فيه وزارة الاستيطان هذا الشهر مركبات “رينجر” للمستوطنين في تلال الخليل الجنوبية يبدو متواضعا، فإنه يتبين أنه تم تخصيص 75 مليون شيكل إضافية “لدعم مكونات الأمن لعام 2024 من ميزانية 2023” من أجل “توفير الاستجابة للاحتياجات الإنسانية والأمنية في النقاط الاستيطانية في الضفة الغربية”. ورفض مكتب وزيرة الاستيطان أوريت ستروك توضيح كيفية اختيار الفائزين بسيارات الدفع الرباعي.
المستوطنون في خدمة الدولة
وتترافق خطوات الضم التي يروج لها الائتلاف مع خطوات واسعة النطاق لإفراغ المنطقة “ج” من الفلسطينيين واستيلاء المستوطنين عليها، وهو ما يخدم أهداف الحكومة. والخطوة الأبرز في هذا الاستيلاء هي طرد المجتمعات الرعوية الصغيرة من المنطقة، والتي تعيش في كثير من الأحيان في الخيام وتعتمد على رعي الأغنام أو الماشية. وبحسب معطيات منظمة “كيرم نبوت”، فإن المستوطنين من المنطقة “ج” طردوا منذ بداية الحرب نحو 60 تجمعاً رعوياً.
هناك علاقة وثيقة بين هروب التجمعات السكانية من أماكن إقامتها وزيادة عدد المزارع غير القانونية في الضفة الغربية. بدأت هذه الظاهرة تكتسب زخماً منذ نحو عقد من الزمان، ولكنها وصلت إلى أبعاد غير مسبوقة منذ تشكيل الحكومة الحالية، بل وأكثر من ذلك منذ بدء الحرب. وبحسب تقرير نشرته مؤخرا منظمتا كيريم نافوت والسلام الآن، وقد سيطرت البؤر الاستيطانية حتى الآن على ما يقرب من 786 ألف دونم، وهو ما يعادل نحو 14% من مساحة الضفة الغربية. وبحسب التقرير، فإن البؤر الاستيطانية سيطرت خلال العامين والنصف الماضيين فقط على 70% من المنطقة.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا)، فإن عنف المستوطنين أصبح خلال العامين الماضيين العامل الرئيسي في تهجير الفلسطينيين في المنطقة (ج) من منازلهم. هذا في حين كان السبب في الماضي هو هدم المنازل بسبب عدم وجود تراخيص للبناء. وبحسب معطيات نشرتها المنظمة في فبراير/شباط الماضي، فقد تم في عام 2023 تهجير 1600 فلسطيني من منازلهم بسبب عنف المستوطنين، مقارنة ب ـ300 شخص هدمت الإدارة المدنية منازلهم. وفي عام 2024، تم تهجير 620 فلسطينياً من منازلهم بسبب عنف المستوطنين، مقارنة بـ 370 فلسطينياً دمرت منازلهم. وبحسب المنظمة، ارتفع عدد أعمال العنف ضد المجتمعات البدوية والرعوية سبعة أضعاف بين عامي 2020 و2024.
منذ تشكيل الحكومة، وقعت عدة أعمال شغب جماعية من قبل المستوطنين في القرى والبلدات الفلسطينية، بما في ذلك قرية حوارة في فبراير 2023 بعد مقتل هليل وويجال يانيف، سكان مستوطنة هار براخا، وكذلك في قريتي ترمسعيا وأم صفا في يونيو 2023. ومع ذلك، بدأت الزيادة الأكثر أهمية في عنف المستوطنين بعد 7 أكتوبر. ووفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، في الفترة ما بين 7 أكتوبر 2023 و18 يناير 2024 وحدها، تعرض الفلسطينيون للهجوم من قبل المستوطنين بمعدل أربع مرات في اليوم.
وفي العام الذي أعقب الحرب، وثقت الوكالة 1360 هجوما من هذا النوع. وفي بعض الحالات على الأقل، قُتل فلسطينيون برصاص المستوطنين. وقد حدث هذا بعد مقتل الشاب بنيامين أحيمير في إبريل/نيسان من العام الماضي، وهو ما أدى إلى اندلاع مواجهات في قرى المنطقة، قُتل خلالها أربعة فلسطينيين. وفي أحداث شغب المستوطنين في قرية جت في أغسطس/آب الماضي، قُتل أحد سكان القرية برصاص الاحتلال. وحتى الآن لم يتم تقديم أي لائحة اتهام ضد أي شخص فيما يتعلق بقتل الفلسطينيين.
ومن اللافت للنظر عدم قدرة شرطة المنطقة على تطبيق القانون في ظل الحكومة الحالية. وفي شهر ديسمبر/كانون الأول، تم اعتقال قائد فرقة الشرطة، أفيشاي معلم، المسؤول عن إنفاذ قانون الإرهاب القومي، بعد أن تجاهل على ما يبدو معلومات استخباراتية تم تسليمها للشرطة حول المشتبه بهم اليهود في الإرهاب. وفي نفس الوقت، عند تعيينه وزيرا للدفاع، أعلن يسرائيل كاتس أنه ألغى استخدام الاعتقال الإداري ضد المستوطنين، وهي إحدى الأدوات الرئيسية التي يستخدمها جهاز الأمن العام (الشاباك) لمنع العنف القومي اليهودي في الضفة الغربية.
——————————————-
هآرتس 20/4/2025
هكذا تعمل صناعة التدمير الدقيقة
بقلم: يغيل ليفي
ما الذي يضمن أن ينفذ الجنود مهمتهم بدون مواجهة معضلة اخلاقية؟ هذا امر حاسم بشكل خاص عندما يعمل الجنود بعيدا عن ساحة القتال وبدون مخاطرة فورية، والقيم التي يجلبونها معهم الى الجيش لها امكانية كامنة لاثارة هذه المعضلات.
عالم الاجتماع اليهودي – البولندي زيغمون باومن، قدم جواب مميز على هذا السؤال، عندما قام بتحليل آلة الحرب الالمانية في الحرب العالمية الثانية. استخدام العنف اصبح ناجع ومتوفر أكثر، قال باومن، بفضل البيروقراطية التي تفصل بين استخدام الوسائل القتالية وبين التقييم الاخلاقي لاهدافها. هي تفعل ذلك في المقام الاول من خلال تقسيم عمل وظيفي دقيق، الذي “يخلق مسافة بين الاشخاص، المرتبطين بطريقة ما بالنتيجة النهائية للعمل الجماعي، وبين النتيجة نفسها”.
حسب اقوال باومن فانه “بسبب المسافة الفعلية والعقلية لاصحاب المناصب في هرمية البيروقراطية، من المرحلة النهائية للعملية، فانهم يمكن أن يعطوا الاوامر في الوقت الذي لا يعرفون فيه بصورة كاملة نتائجها على الارض، وفي حالات كثيرة يجدون صعوبة في تخيل الى أين سيؤدي تنفيذ هذه الاوامر… تقسيم العملية الى مهمات وظيفية صغيرة وفصلها عن بعضها، يحول فهم نتائج العملية الى امر لا صلة له”. النتيجة هي اللامبالاة الاخلاقلية.
حوار الطيارين وطواقم سلاح الجو مع “هآرتس” (ايتي مسيح وران شمعوني، “الى ارض الواقع”، ملحق “هآرتس”، 18/4)، يثبت ادعاءات باومن. في سلاح الجو يحدث فصل بين من يحدد الهدف ومن يصادق عليه، ومن يختار السلاح ومن يحدد كم عدد الابرياء الذين يجب أن نقتلهم، ومن ينفذ الرقابة القانونية، وبين الجميع وبين الطيار الذي ينفذ. هكذا “الطيارون الآن هم مثل العتالين. لا أحد يقوم بحتلنتهم اذا كان يوجد ابرياء”، اقتبس أحد الطيارين السابقين.
التقسيم الوظيفي يرتكز على الثقة. طيار مقاتل في الاحتياط قال: “أنا يجب علي الثقة بأن المسؤول عن اختيار الهدف، وحساب الاضرار الجانبية ونوع السلاح، يفعل ذلك بالشكل الافضل الذي يستطيعه. يمكن أن يكون شخص ما قرر بأن الاضرار الجانبية عندما تكون 10 اشخاص فان هذا امر يمكن التعايش معه، ولكن أنا لا اتعايش مع ذلك بشكل جيد. ولكن هذه بالضبط هي الثقة التي يجب علي حسمها مسبقا قبل القدوم الى هنا”.
اضافة الى ذلك، بمساعدة القوات البرية، يجب على الطيار الموافقة على قرار قائد القوة، الذي يرسم الخط الذي كل من يجتازه، حتى لو كان بريء، يستحق القتل. الثقة تبعد الطيارين عن المعضلة الاخلاقية التي يريدون التملص منها. “لماذا ازعج نفسي بأمور لا اثق بأنه يمكنني استيعابها؟”، تساءل احدهم. نتيجة ذلك “مثلما يمر موت الاطفال والنساء في اوساط الجمهور الاسرائيلي وفي وسائل الاعلام فانه يمر على الطيار في سلاح الجو الاسرائيلي”، قال طيار آخر.
الفصل البيروقراطي لا يمكن أن يحدث بدون ثقة في سلسلة القيادة، حتى الحكومة. من هنا يمكن تفهم احتجاج الطيارين، سواء اثناء الانقلاب النظامي أو الآن، حيث يشعرون أن أداء السلسلة تضرر، ولذلك هم يتم دفعهم الى معضلة اخلاقية.
ايضا الآن في الحوار مع “هآرتس” هم لا يتألمون بسبب قتل آلاف الابرياء، بل يقومون من جديد بفحص الهدف الشامل للحرب التي لا تحقق اهدافها وتعرض للخطر حياة المخطوفين وتخدم احتياجات سياسية.
الآن حصلنا على اجابة اخرى على سؤال كيف كان يمكن قتل 30 ألف مواطن مدني تقريبا في غزة، معظمهم من النساء والاطفال، بدون أن يثور تردد حقيقي؟. هذا نتيجة “صناعة التدمير الدقيقة”، وهي المفهوم الذي نقشه افيف كوخافي.
——————————————-
إسرائيل اليوم 20/4/2025
هكذا أضعنا سورية
بقلم: ايال زيسر
أحمد الشرع، الجهادي المتقاعد يحاول تثبيت مكانته كرئيس سوريا – لقب توج نفسه به بعد أن استولى على الحكم. العالم العربي يؤيده، على امل أن يكمل قطع سوريا عن ايران ويعيدها الى حضن العالم العربي.
إسرائيل مقتنعة أن امامنا جهادي، غلف نفسه بجلد خروف، ولهذا فهي تصعد اعمالها العسكرية في سوريا –مزيد من التصريحات القتالية، أراض يستولي عليها الجيش الإسرائيلي وهجمات من الجو. لكن يخيل أن السؤال من سيحكم في سوريا قد حسم في مكان آخر: في البيت الأبيض، لدى زعيم العالم دونالد ترامب.
لقد حصل الامر بالذات في اثناء لقاء عقده الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. نتنياهو جاء لان يشكو امام ترامب من الدور المتزايد لتركيا في سوريا، وعلى هذا رد ترامب بجملة ماحقة: “لي علاقات ممتازة مع اردوغان. انا احبه جدا، وهو معي. ولهذا قلت لبيبي: اذاكانت لك مشاكل مع تركيا فيمكنني أن اساعدك في حلها –لكن فقط اذا كنتم منطقيين”. كانت هذه مجرد البداية لاعلان آخر للرئيس الأمريكي وبموجبه “سوريا هي لاردوغان“. فالرئيس التركي نجح في السيطرة على سوريا، الامر الذي لم ينجح أي زعيم في عمله منذ الفي سنة.
سوريا لا تهم ترامب حقا. هو يرى فيها “مكان موت ورمل ونزاعات قبلية ليس للولايات المتحدة فيها مصلحة”. ولهذا فقد عين اردوغان كمقاول تنفيذ في كل ما يتعلق بالمصالح الأمنية في سوريا. عليه أن يتأكد من ان تكون هذه الدولة نقية من الإرهاب، واساسا الا ينبعث داعش فيها مجددا والا يعود الإيرانيون اليها. كل ما تبقى هي ملاحظات هامشة. مسألة الأقليات الكردية في الدولة، وكذا مخاوف إسرائيل من دور تركيا في سوريا، مخاوف لا تشغل بال ترامب. “تعيين” ترامب لاردوغان “حاكم سوريا” هو فرصة طيبة لإسرائيل في إعادة احتساب المسار وفحص وإصلاح سياستها في سوريا في اعقاب سقوط نظام بشار الأسد – سياسة لم تجلب لها أمنا بل اغرقتها في عقدة من المشاكل الجديدة التي القسم الأكبر منها هو من فعل أيدينا.
الصدمة التي تعيشها إسرائيل منذ 7 أكتوبر حل محلها إحساس عظمة في أنه يمكننا أن نفعل كل ما يروق لنا، في اعقاب إنجازاتنا في الحرب وهذه قادتنا الى سياسة هجومية بل وقتالية في سوريا: احتلال أراض في داخل سوريا – لا تضيف امنا بل فقط تجر احتكاكا مع السكان المحليين؛ تصريحات زائدة وفارغة حول تحويل جنوب سوريا الى منطقة مجردة لا نسمح فيها بوجود قوات مسلحة؛ او تصريحات حول استعدادنا لمساعدة الدروز في هذه الدولة، رغم انهم لا يريدون مساعدتنا على الاطلاق. في الأسابيع الأخيرة أضيفت الى كل هذا هجمات جوية على كل قاعدة أو موقع يعتزم السوريون تسليمه لتركيا كي تنشر فيه القوات.
هكذا تسير إسرائيل وتغرق في تدخل عسكري في سوريا من شأنه أن يدهورنا الى احتكاك بل الى مواجهة، مع السكان المحليين ومع النظام في دمشق بل ومع الاتراك. وفي هذه الاثناء اصبحنا مسألة مركزية على جدول الاعمال السوري، وثبتنا لانفسنا صورة عدو عدواني يسعى الى هز الاستقرار في سوريا والدفع الى انهيارها وتقسيمها. رغم أنه في البداية رأى الكثيرون في سوريا في إسرائيل عنصرا إيجابيا، بفضل الضربات التي اوقعناها على ايرانوعلى حزب الله، كريهي روحهم.
مبررة هي مخاوف الإسرائيليين مما من شأنه أن يقع في سوريا، وعلينا أن نبقي على عيون مفتوحة. لكن في نفس الوقت علينا ان نتذكر بان المحاولة الإسرائيلية منع تركيا، التي لها تأكيد امريكي، من السيطرة في سوريا محكومة بالفشل. على إسرائيل أن تحاول فتح قنوات اتصال مع دمشق، واساسا مع تركيا، بوساطة الولايات المتحدة – وكذا اربيجان، الدولة الصديقة التي هرعت لمساعدتنا، والتوصل الى تفاهمات قد لا تستجيب لكل مطالبنا، لكنها ستمنع احتكاكا وانزلاقا الى مواجهة لا تريدها لا إسرائيل ولا تركيا.
——————————————-
معاريف 20/4/2025
تصريح نتنياهو فارغا المضمون ومحاولة لاستئناف شعاره الذي يتحدث عن النصر المطلق
بقلم: بن كسبيت
ومرة أخرى أوقع في هذا الفخ دولة كاملة: اعلان عن “تصريح خاص في منتهى السبت اطلق يوم الجمعة، ادخل عائلات المخطوفين في ضغط رهيب والجمهور في ترقب متحفز – وفي نهاية الامر لم يكن فيه شيء الا تصريحات فارغة وضحلة. بنيامين نتنياهو حاول ان يسخن من جديد الطعام البارد للنصر المطلق، مجتهدا لان يسيطر من جديد على جدول الاعمال الذي فوته. كان هذا نوعا من معركة الصد، أساسا لان النقد ضده جاء الان من معاقله أيضا. فحتى عائلات منتدى أمل فقدوا الأمل وفهموا بانهم يجرون عليهم جولة. وهكذا حاول نتنياهو أن يقوم بجولة مضادة.
“لن استسلم للقتلة الذين ارتكبوا المذبحة الافظع بالشعب اليهودي منذ المحرقة إذ ان استسلاما كهذا سيعرضكم انتم وامن الدولة للخطر”، قال أمس. وينبغي أن نرد عليه: انت استسلمت لهم على مدى 17 سنة. اليوم تكتمل ثلاثة سنوات وستة أيام على المقابلة إياها لمستشار الامن القومي مئير بن شباط الذي نشرت فيها البطاقة الشهيرة التي بعثها له يحيى السنوار. “خذ مخاطرة محسوبة”، كتب زعيم حماس لرئيس الوزراء الذي حرره وحرر الف مجرم آخر من السجن. وبالفعل، اخذ نتنياهو مخاطرة محسوبة. رهانه فشل وكلف حياة الالاف. الان تجده فجأة يعلن انه لن يستسلم. بعد أن فر القتلة من الحبس وذبحونا.
تضمن تصريحه بالطبع، أكاذيب كثيرة أيضا. وكأنه كان هناك من عارضوا العمليات ضد ايران او حملة البيجر. الرجل تحدث وكأن الجيش الإسرائيلي لم يقاتل في قطاع غزة منذ سنة ونصف ويستخدم هناك قوى غير مسبوقة. وكأنه لم يقتل حتى الان اكثر من 200 الف مخرب ونحو 30 الف مواطن آخرين. وكأنه يوجد حقا خطر حقيقي لمذبحة أخرى من جانب حماس في المستقبل القريب القادم.
هو يعرف الحقيقة. الحقيقة هي أن الحرب ضد الإرهاب بعامة وضد حماس بخاصة هي حدث متواصل، عبثي، لا يمكنه أن ينتهي بأي صورة نصر مطلق. والدليل، في الضفة هذا لا يزال مستمرا، منذ السور الواقي. هو يعرف اننا نعرف بان السبب الوحيد الذي يجعله لا يدخل الى المرحلة الثانية من الصفقة، التي هو نفسه وضعها ووقع عليها، هو سموتريتش وبن غفير. هو يلقي بالمخطوفين تحت عجلات الباص من أجل حفنة حكم. هذه هي الحقيقة الوحيدة في هذا الحدث. الدليل: مع الجبهة الشمالية، حيث العدو أخطر بكثير تلقى ضربة قاضية اقل من حماس، توجه الى تسوية وأنهى الحرب. اما الان فهو يحاول أن يشرح بان حماس تطالب “بضمانات دولية” وهذا سيمنع إسرائيل من انهاء العمل.
أيام طيبة جاءت: بنيامين نتنياهو يتناول بجدية “الضمانات الدولية”. ففي كل مرة اقترحوا عليه ضمانات كهذه مقابل اتفاقات كهذه او تلك، شخر باحتقار. هو يعرف بانه لا توجد أي ضمانات دولية تمنع إسرائيل من استئناف الحرب ضد حماس في اول فرصة تقع في طريقها، وكهذه ستأتي بوتيرة مرتين في اليوم. هو يعرف أن ترامب لن يسمح لمجلس الامن بان يتخذ إجراءات ضدنا. هو يعرف أنه من الأفضل أن نعيد أولا المخطوفين الذين هو نفسه المسؤول المباشر عن تركهم لمصيرهم وبعد ذلك مواصلة الحرب ضد حماس. رغم أنه يعرف كل هذا، فانه يضحي بالمخطوفين بدم بارد في صالح شعارات فارغة.
في الموضوع الإيراني القصة مشابهة، لكن باستثناء أنها بدون مخطوفين. لقد صب عليه ماء بارد في واشنطن. القوا عليه بمفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وايران وكل المؤشرات في هذه المفاوضات تدل على أنه لن يكون اتفاق على نمط ليبيا وان الأمريكيين يعتزمون قطع شوط طويل نحو الإيرانيين. لحظ نتنياهو، قادة المعارضة الحاليين ليسوا نتنياهو. في وضع مشابه، حين دخلت إدارة بايدن الى مفاوضات مع ايران، تهجم نتنياهو بغضب على بينيت وعلى لبيد ولكنهما سمحا لهذا ان يحصل. يتبين أنه عندما يكون هو في الحكم، يكون اسهل السماح لهذا ان يحصل.
فيما هو يلقي بالمخطوفين تحت عجلات الباص، القى امس الناطق بلسان نتنياهو، د. عومر دوستري، ايلي فيلدشتاين تحت عجلات الزنزانة. وبفارق هو الف فارق بالطبع. في المقابلة مع “التقِ الصحافة” قال دوستري ان فيلدشتاين لم يعمل في المكتب وانه قبل نصف سنة من اعتقاله كان ابعد لانه فشل في تحقيق امني وانه قدم احاطة للصحافيين برأيه الذاتي.
هذه جملة أكاذيب مميزة، حتى بمقاييس بيبية. فيلدشتاين عمل في المكتب حتى يوم اعتقاله. كان مقربا من نتنياهو اكثر بكثير من دوستري. الحقيقة هي أن فيلدشتاين ويونتان اوريخ هما من جلبا دوستري للعمل في مكتب رئيس الوزراء ليكون مثابة من يرد على أسئلة الصحافيين المثيرة للاعصاب.
في تعقيب محامي فيلدشتاين امس لم يتبين الا طرف الجبل الجليدي الذي من شأنه أن يغرق المكتب: فيلدشتاين عمل لدى نتنياهو مليء – مليء، توجد مئات والاف الرسائل القصيرة التي تثبت هذا، وتري العلاقة الوثيقة والمباشرة بين فيلدشتاين وبين مسؤوليه في المكتب، بما في ذلك المسؤول الكبير. وجاء في التعقيب ان كل ما فعله كان بتخويل واذن من نتنياهو نفسه.
كلما مر الوقت، تتضح الصورة لما حصل هناك. فيلدشتاين هو كبش الفداء الذي القي به من الجرف. معظم الوقت كان وكيل كبار مسؤولي المكتب وعندما انكشفت المؤامرة، ضحوا به. لاحساسي، فيلدشتاين يتساير اقل مع هذه التضحية الان.
——————————————-
يديعوت 20/4/2025
عندما يعلن رئيس الوزراء عن اعلان سياسي فانه يخلق توقعات، لكن تأتي خيبة الامل
بقلم: بن درور يميني
توجد إسرائيل في ذروة احدى الازمات الأخطر في تاريحها. ليس أزمة واحدة بل جملة من الازمات – الأمنية، الاجتماعية والسياسية. ايران على شفا قدرة نووية وإدارة ترامب تبقي إسرائيل جانبا. عدد اقل فأقل من رجال الاحتياط يمتثلون للخدمة، والحصانة الوطنية في تردٍ. إسرائيل تغرق في حرب استنزاف في القطاع كله بكليله غرق في مستنقع. الغالبية الساحقة من الجمهور تريد مساواة في العبء، لكن نتنياهو يسعى الى قانون تملص آخر. الجمهور يريد تحرير المخطوفين لكن نتنياهو يرقص على نغمات سموتريتش وبن غفير.
على هذه الخلفية، ينتظر الجمهور بشرى. عندما يعلن رئيس الوزراء مسبقا عن “اعلان سياسي”، فانه يخلق توقعات. ربما تطور سياسي. ربما تصريح يتعلق بالمخطوفين. ربما، نهاية كل النهايات، سنكتشف أنه يخطط لليوم التالي. نحن في متاهة. نحن بحاجة الى زعامة. لكن بقدر التوقعات تأتي خيبة الامل. وينبغي الاعتراف بانه عند الحديث عن نتنياهو، لا تكون أي مفاجأة. ولا يزال يثور السؤال: ما الذي يريده بحق الجحيم؟ على ماذا ولماذا كل الدراما؟ فقط كي يوسع الشرخ؟ فقط كي يقول ان ما كان هو ما سيكون؟ أهذا اعلان سياسي؟
بشكل عام، مهمة كاتب خطوات نتنياهو سهلة. فالحديث يدور عن نغمة تكرر نفسها. أنا وأنا مسؤول عن كل النجاحات. أنا وأنا قلت وحذرت ونبهت. هم وهم وفقط هم يتحملون المسؤولية عن كل الإخفاقات. أحيانا، يمكن الافتراض، يملي المضمون المنجم السخيف من ميامي. وهذا هو الجزء المتعلق بالشتم والسب. هم فوضويون، هم يسرويون، هم مجرمون. هو يقول كل الكلمات التي يقصد بها في واقع الامر “الخونة”، دون أن يقول الكلمة صراحة. مشوق أن نعرف متى سيصل اليها. يمكن التقدير بان السخيف يضغط. هذا لا بد سيأتي.
بعد بضع لحظات من الوحدة، في اعقاب الهجوم الاجرامي، يدهورنا نتنياهو الى مزيد فمزيد من الهوات. هو يخلق هنا صدعا لم يشبه له مثيل. هو يسحق التكافل. ويفعل كل شيء ممكن كي يسحق المصلحة القومية. فقد اغرق مكتبه بالمستشارين الذين يخدمون مصالح قطر. على كل واحد من هذه الإخفاقات كان ينبغي له أن يرحل. فقد وعد باننا على مسافة “خطوة عن النصر”. الوعد تفجر. ومنذ سنة ونحن غارقون في مستنقع حرب استنزاف. وهو يوفر لنا “اعلانا سياسيا” إضافيا لا يوجد فيه شيء. كان يمكنه أن يقول، بعد الفشل الكبير بان المسؤولية العليا هي عليه. لكن ماذا يفعل؟ رشق وحلا على كل الاخرين. هم يتحملون المسؤولية. بالتأكيد يتحملونها. لكن مسؤوليته اكبر بعشرات الاضعاف. وهو يعرف هذا.
هاكم ما قاله نتنياهو لاولمرت في اعقاب نشر استنتاجات لجنة فينوغراد التي عنيت بحرب لبنان الثانية. “عندكَ للفشل يوجد الكثير من الإباء، باستثناء أب واحد. كلهم مذنبون باستثناءك. انت تتحدث عن المسؤولية لكن المسؤولية ليس أن تتحدث عن المسؤولية. المسؤولية هي أن تتحمل المسؤولية، ان تكون مستعدا لان تدفع الثمن عن الطريق والايمان وكذا عن الإخفاقات. لكنك لا تبدي مسؤولية لكنك غير مستعد لان تدفع أي ثمن. بالعكس – انت تحتج على أن أحدا ما يتصور أنه يتعين عليك أن تدفع الثمن. الخطوة الضرورية الواجبة هي استبدال رئيس الوزراء الذي فشل. رئيس الوزراء ورجاله يقولون بتهكم – محظور استبدال القائد. لكن هذا مثلما ان يقال بعد كارثة التايتنك انه اذا ما نجا القائد فينبغي إعطاء سفينة أخرى له. يوجد معنى أعميق للفشل من مصير القائد – رئيس الوزراء. حياة الامة ليست مسار نجاة شخصية لرئيس الوزراء… مررنا ونحن نمر في محيط الزمن العاصف الذي امواجه تهدد باغراق السفينة ولم نصل بعد الى شاطيء الأمان. صراعات وتحديات لا تزال امامنا. على الدكة يستبدل القادة، لكن هدفهم يجب أن يكون واحد – ليس النجاة الشخصية بل ضمان وجود وازدهار شعب إسرائيل… يا رئيس الوزراء كان ينبغي لك أن تفحص جاهزية الجيش، تفعيل الجيش، حماية الجبهة الداخلية، دحرجة كهذه للمسؤولية لم ارها ابدا، وعندما يكون الفشل على هذا الاتساع فان الخطوة الواجبة هي استبدال رئيس الوزراء”.
كل كلمة، ببساطة، كل كلمة حقيقة تامة. الى أن يصل هذا الى نتنياهو نفسه. وهكذا يجدر بنا ان نسأل: من المسؤول عن أن مزيدا فمزيدا من المقاتلين لا يمتثلون لخدمة الاحتياط. هل هم فوضويون بعد مئات الأيام من خدمة الاحتياط، بعد الاعمال التجارية التي انهارت، بعد الجراحات في الجسد والروح – أم أولئك الذين يروجون لقانون التملص ويحولون المليارات لدوائر المتملصين. من المسؤولين عن كتب الاحتجاج، هل هو من يترك المخطوفين لمصيرهم ويجرنا الى حرب استنزاف في الوحل الغزي الذي جبى امس قتيلا آخر – ام من حملون هذه الدولة على الاكتاف – في الاحتياط، في البحث، في التطوير، في دفع الضرائب؟ من الذي يحظى بالمعاملة المفضلة، سكان الشمال والجنوب – ام عشرات الاف الصارخين – تموتوا ولن نتجنيد لجفني وغولدكنوف؟
اردنا ان نسأل. لكن للاعلام الاسرائيلي لا يقدم نتنياهو الا تصريحات بلا بشائر. ولعموم إسرائيل – خيبات أمل فقط.
—————–انتهت النشرة—————–