استيطانتقارير ودراساتفلسطيني 48

“شيبولت”.. مخطط استيطاني على جبل طرعان في الجليل

تسعى السلطات الإسرائيلية، منذ نحو 30 عاما، إلى إقامة بلدة استيطانية أطلقت عليها اسم “شيبولت” على أراضي جبل طرعان. وتهدف السلطات فرض السيادة على أكبر مساحة من الأرض لخلق توازن سكاني مع الفلسطينيين في منطقة الجليل.

المسار : طرحت الحكومة الإسرائيلية، في العام 2014، مخططًا لإقامة بلدة استيطانية جديدة تُدعى “شيبولت” على سلسلة جبل طرعان، بالقرب من قرية طرعان في الجليل الأسفل.

وفقًا للمخطط، كان الهدف من إقامة المستوطنة إنشاء 350 وحدة سكنية، منها 70 وحدة مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، ضمن مشروع يهدف إلى “تعزيز البناء الريفي” في المنطقة.

واجه هذا المخطط معارضة واسعة من قبل المجلس المحلي في طرعان، وكانت أبرز الاعتراضات تتمحور حول مصادرة أراضٍ تاريخية للقرية، مما يهدد توسعها العمراني، ويؤثر في سكانها.

في كانون الثاني/ يناير 2015، استجابت اللجنة الفرعية التابعة للمجلس القطري للتخطيط والبناء للاعتراضات، وقررت إلغاء المخطط، وهو ما اعتُبر انتصارًا مهمًا للسكان والمجتمع العربي في المنطقة. مع ذلك، عادت قضية “شيبولت” إلى الواجهة مجددًا في تموز/ يوليو 2024، حيث صادقت اللجنة اللوائية الشمالية على إيداع مخطط البناء للبلدة الاستيطانية. هذا القرار أثار مجددًا قلق سكان طرعان، الذين أبدوا مخاوفهم من أن يؤدي المشروع إلى تقليص المساحات المتاحة لتوسعة القرية مستقبلا.

في تطور لافت، قررت المحكمة المركزية في الناصرة نهاية العام المنصرم، وتحديدا يوم 30 كانون الأول/ ديسمبر 2024، (أي قبل شهر) شطب الالتماس الذي قدمه المجلس المحلي في طرعان لوقف إنشاء شيبوليت. وبهذا القرار، مهدت المحكمة الطريق أمام انطلاق مرحلة جديدة من الاستيطان في منطقة الجليل، وهي خطوة تُعد الأولى من نوعها منذ حوالي 30 عامًا.

رئيس المجلس: على المحكمة إعادة الحق لأصحابه

قال رئيس مجلس طرعان المحلي، مازن عدوي، في حديث لـ”عرب 48” إن “المجلس المحلي بإدارته السابقة وأهالي القرية قاموا في أكثر من مرة بالتصدي لمشروع إقامة مستوطنة شيبولت على أراضي أهل طرعان، إلا أن شبح هذه المستوطنة لا يزال يلقي بظلاله على القرية مرة تلو الأخرى”.

وأضاف عدوي أنه “توجهنا إلى القضاء، وفي المرة الأولى نجحنا في استصدار أمر احترازي بمنع إقامة المستوطنة، لكن المحكمة عادت بعد ذلك وشطبت الالتماس بذريعة أنه سقط بالتقادم، ولم يبق أمامنا اليوم سوى التوجه بالتماس إلى المحكمة العليا، وهو ما سنقوم بدراسته هذا الأسبوع، إذ سأدعو لعقد جلسة طارئة بمشاركة مختصين وخبراء في القانون وفحص الموضوع بكل جوانبه وأبعاده، وبناء عليه سنقرر خطواتنا المستقبلية”.

مازن عدوي

وتابع أنه “في المرة الماضية نجحنا بتحييد الموضوع عن جدول أعمال لجان التخطيط والبناء بشتى الوسائل. اليوم تجيء حكومة يمينية متطرفة تحاول تحقيق إنجاز من خلال إحياء هذا المخطط من جديد، ونحن كما في الماضي نطرح الأسباب والمبررات التي تجعلنا نعارض هذا المشروع، لكن الوكالة الصهيونية ووزارة الإسكان تصران على إقامة المستوطنة، وثار هناك جدل حول تحديد موقع إقامة المستوطنة التي تجيء معظمها على أراضي الدولة، لكن جزء منها (ربع المساحة) هي أراض تابعة لأهل طرعان، وهي المسجلة على اسم المندوب السامي لصالح أهل طرعان، في فترة الانتداب”.

وختم عدوي حديثه بالقول إنه “وصلنا، اليوم، إلى طريق مسدود، ولم يعد أمامنا سوى المحكمة العليا التي ينبغي لها أن تقر بملكية أهالي طرعان على جزء من الأرض، وتعيد الحق لأصحابه”.

مدخل تاريخي

محامي مجلس طرعان المحلي، أشرف زكي عدوي، استعرض لـ”عرب 48” تاريخ القضية التي تعود إلى ما قبل قيام الدولة، وقال إن “جبل طرعان هو رقعة جغرافية تبلغ مساحتها 40 ألف دونم تمتد من قرية العزير غربا إلى حدود قرية نمرين المهجرة شرقا. على سفوح الجبل، اليوم، قرى العزير ورمانة وعرب الهيب، وعلى السفوح الشمالية للجبل تقع البعينة – نجيدات، وعلى سفوحه الجنوبية تقع قرية طرعان”.

وأضاف أنه “من حيث الأراضي التي كانت ضمن نفوذ قرية طرعان في عهد الانتداب (ما قبل 1948) فإنها تقارب 15 ألف دونم، سُجِّلَت في زمن الانتداب البريطاني عام 1945 على النحو الآتي: 6000 دونم مملوكة لحكومة فلسطين آنذاك، وقرابة 9000 دونم سُجِّلَت على اسم المندوب السامي البريطاني نيابة عن أهل طرعان”.

أشرف زكي عدوي

وتابع “أما الـ6000 دونم المملوكة لحكومة فلسطين، فإنه بموجب القانون الإسرائيلي من العام 1952 (قانون أملاك الدولة) انتقلت الصلاحية عليها إلى الكيان الجديد الذي سمي دولة إسرائيل. أما الـ9000 دونم التي كانت مسجلة على اسم المندوب السامي، نيابة عن أهل طرعان، فقد بقيت على هذا التسجيل حتى العام 1977. وفي يوم 21 شباط/ فبراير 1977، شُطبت عبارة (نيابة عن أهل طرعان) من هذا التسجيل، وأُبقيت بملكية صرفة كاملة لدولة إسرائيل، فيما نجحنا في الحفاظ على مساحة 1000 دونم من هذا التسجيل لصالح أهل طرعان”.

محامي المجلس: سرقة الأرض عن طريق الخطأ!

ويقول المحامي عدوي، إنه “كانت هناك محاولات قانونية لإعادة تسجيل الـ8000 دونم كما كانت لأهل طرعان، حتى نهاية سنوات السبعينيات، وتحديدا لغاية العام 1979، حينها صدر قرار من قبل مدير دائرة التسوية والتسجيل التابع لوزارة القضاء، بأن نقل الـ8000 دونم إلى دولة إسرائيل تم عن طريق الخطأ، لكنه لم يأمر بإعادة تصحيح الخطأ بذريعة أن هناك مفاوضات تجري بين أهل طرعان وسلطة أراضي إسرائيل لتسوية القضية”.

وأضاف أن “هذا الكتاب موجود وموثق ومسجل، وقُدِّم إلى المحكمة المركزية بالناصرة في القضية المتداولة اليوم، إلا أن هذه المفاوضات مع سلطة أراضي إسرائيل قد تعثرت واستمرت طويلا نتيجة سياسة المماطلة التي اتبعتها سلطة الأراضي في التعامل مع هذه القضية. ومن خلال دراستي ومتابعتي للقضية يتضح بشكل جلي أن السلطة تعمّدت تعطيل المفاوضات وعدم الوصول إلى حل في هذه القضية”.

وأكد أنه “وصولا إلى العام 1999 أقرت حكومة نتنياهو الأولى إقامة مستوطنة جديدة على جبل طرعان، هذه المحاولة باءت بالفشل، إذ إن المجلس المحلي آنذاك برئاسة مازن عدوي عارض هذا القرار، وفتح ملف تنظيم في اللجنة المحلية للتنظيم والبناء قبل أن تنتقل إلى اللجنة اللوائية في الشمال، وجاء الاعتراض على أساس أن هناك أراضي متنازعا عليها مع الدولة، ولا يمكن إقامة المستوطنة على هذه الأراضي. اقتنعت اللجنة المحلية ومن ثم اللوائية بهذا الادعاء، وفعلا أغلقت ملف الترخيص عام 2007”.

“مشاريع الاستيطان لا تموت”

يقول المحامي عدوي إن “المشاريع الاستيطانية قد تغيب لفترة ما، ولكنها لا تموت أبدا، فقد تجددت المحاولة في عهد حكومة نتنياهو الثانية عام 2014، وأصدرت الحكومة قرارا بالعمل على إقامة المستوطنة مجددا، وجُدّد القرار مرة أخرى في العام 2018، ونحن إزاء قرارات حكومية تجيء بمباركة من الوكالة الصهيونية التي دخلت على الخط، وكانت هي المبادرة لإقامة المستوطنة بعد العام 2007”.

أقنعت الوكالة الصهيونية الحكومة بضرورة إقامة شيبوليت، وفي العام 2018 بدأت الإجراءات التنظيمية والتنفيذية لهذا القرار، ونقل الملف إلى المجلس القطري للتخطيط والبناء، للشروع في التخطيط المبدئي لإقامة هذه البلدة الاستيطانية التي أطلق عليها اسم “شيبولت” وتعني السنبلة باللغة العربية، وهنا بدأت معركة التصدي للمخطط من قبل المجلس المحلي في طرعان على الجبهات كلها، في لجان التنظيم والبناء وتقديم الاعتراضات، إلا أن كل هذه الاعتراضات رُفضت دون محاولة التوصل إلى تسوية. تعاملوا معنا حسب مبدأ، ما لنا هو لنا، وما لكم هو لنا أيضا”.

ويوضح المحامي عدوي أن “السياسة العامة للتنظيم والبناء التي أقرها المجلس القطري في إسرائيل تقضي بالامتناع من إقامة مجمعات سكانية جديدة، وإنما دعم فكرة توسيع مجمعات سكانية قائمة، لكن في قضية مستوطنة شيبولت جرى تخطي هذه العقبة بادعاء أن الوضع يستدعي إقامة مستوطنة جديدة، وأن 20% من وحداتها السكنية ستخصص لذوي الاحتياجات الخاصة، أي أنهم لعبوا على الوتر الإنساني من أجل تبرير خصوصية هذه المستوطنة. وقاعدة أخرى من قواعد التنظيم والبناء تجاوزها في التخطيط لإقامة المستوطنة هي ضرورة الابتعاد قدر الإمكان عن المحميات الطبيعية والأراضي المحرّشة، ونحن نرى بأن 100% من الأراضي المنوي إقامة المستوطنة عليها (جبل طرعان) هي محمية طبيعية”.

“نواصل التصدي حتى ننجح أو يسقط السيف”

على إثر ذلك، التأم المجلس المحلي في طرعان، وصوّت الأعضاء بالإجماع على أنه يجب التصدي لهذا المخطط بكل قوة، والشعار الذي رفعه الرئيس مازن عدوي في حينه، ووافق عليه كافة الأعضاء “نواصل التصدي حتى ننجح أو يسقط السيف من أيدينا”.

ويقول المحامي عدوي إنه “حاولنا التصدي للمخطط ضمن الأروقة التنظيمية، وقدمنا اعتراضات على عدة مراحل، وعندما وصلنا في العام الماضي 2024 إلى نتيجة بأن الأروقة التنظيمية لن تحقق لنا أي نتيجة اتخذنا القرار بالتوجه إلى المحكمة المركزية، وتقديم دعوى، طالبنا فيها المحكمة بالتدخل وإصدار أمر احترازي يأمر سلطة أراضي إسرائيل ودائرة التسجيل (الطابو) بإعادة تسجيل الـ8000 دونم، التي نقلت بالخطأ إلى الدولة، لما كان عليه قبل العام 1977، ونحن لم نتوجه بدعوى لإيقاف إنشاء شيبولتن، بل لإعادة تسجيل الأرض باسم أهل طرعان، وذلك لأنه لم يحن الوقت حسب القواعد القانونية المرعية للتقدم بدعوى خاصة ضد المستوطنة؛ لأنها حتى اليوم مجرد مخطط في مرحلة الإيداع في اللجنة اللوائية، لكن لم يُصدّق عليه حتى الآن، ولم يُفسح المجال لتقديم اعتراضات، إلى أن يستوفي المبادر شروط اللجنة اللوائية، وهذه الشروط لم تنفذ حتى اليوم، وفي حال نفذت يودع المخطط رسميا، ويفتح المجال لتقديم اعتراضات عليه”.

ودعا عدوي السلطات المحلية في منطقة جبل طرعان، وهي: العزير، رمانة، عرب الهيب (ضمن المجلس الإقليمي البطوف)، والبعينة – نجيدات، وطرعان، وكفر كنا، وهي البلدات التي يجب أن تكون معنية بالتصدي لزحف هذه البلدة الاستيطانية التي ستكون ملاصقة لحدود بعضها، إلى “التنسيق معا والاستعانة بخبراء للتصدي تنظيميا للمخطط الذي من المقرر أن يقام على ثماني قطع من الأرض، 6 منها بملكية الدولة واثنتين متنازع عليها بين دولة إسرائيل وأهالي طرعان، وفي إطار المشروع ستقام 350 وحدة سكنية”.

ويؤكد المحامي عدوي أنه “لا يجوز الصمت على هذا المخطط، ويجب التصدي له، ليعلموا أن أية مخطط في المستقبل لا ينبغي أن يمر بسهولة”.

من جانبه، نفى رئيس مجلس طرعان، مازن عدوي، “وجود أية نوع من التنسيق بين السلطات المحلية التي قد تتضرر من المشروع “، وقال إنه “ربما يكون هناك تنسيق في المستقبل إذا دعت الحاجة”.

أما بشأن الدعوى القضائية التي قدمت إلى المحكمة المركزية في شهر آب/ أغسطس 2024، بالإضافة إلى طلب إصدار أمر احترازي يمنع الدولة من التصرف في هذه الأراضي إلى حين البت النهائي في الدعوى، قال المحامي عدوي، إن “المحكمة استجابت بداية لطلبنا، وأصدرت الأمر الاحترازي المطلوب الذي يمنع الدولة من التصرف في الأرض إلى حين البت النهائي في القضية. بالمقابل، وبعد استصدار الأمر الاحترازي تقدمت سلطة أراضي إسرائيل بطلب شطب الدعوى القضائية من أساسها بذريعة التقادم ومرور الزمن من العام 1977 إلى 2024، وإن هذا الوقت كفيل بمحو الدعوى القضائية، وللأسف الشديد فإنه قبل يوم واحد من موعد الجلسة الأولى للنظر في القضية (يوم 2024/12/30) أصدر قاضي المحكمة المركزية قرارا مفصلا يقول فيه إنه فعلا القضية مر عليها زمن طويل، ولا يمكن النظر فيها”.

ويشير المحامي عدوي إلى أنه “بعد دراسة القرار تبين أنه يحتوي على العديد من الأخطاء أهمها أن المفاوضات مع سلطة أراضي إسرائيل بشأن الخطأ في التسجيل استمرت منذ العام 1979 ولغاية 2022 عندما تنصلت سلطة الأراضي من كل التفاهمات السابقة، وأصبحت المدافع الأول عن إقامة مستوطنة شيبولت”.

وأخيرا، قال المحامي عدوي، إنه أوصى المجلس المحلي بضرورة تقديم استئناف للمحكمة العليا على قرار المحكمة المركزية، وأن الموعد النهائي لتقديم هذا الاستئناف هو الثاني من آذار/ مارس المقبل، لكنه بصدد تقديم الاستئناف خلال الأسبوعين المقبلين.