الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
معهد بحوث الأمن القومي (INSS): 9/1/2025
اللاعب المحوري: الأردن في مواجهة سوريا الجديدة
بقلم: أوفير وينتر
تفرض الثورة في سوريا على الأردن شبكة معقدة من التحديات والفرص. فمن ناحية، تخشى المملكة عدم الاستقرار على حدودها الشمالية، واستبدال النفوذ الإيراني في سوريا بالنفوذ التركي، والإلهام الثوري للمعارضة الإسلامية الأردنية. ومن ناحية أخرى، ترى فرصة لقطع طرق تهريب المخدرات والأسلحة من سوريا إلى الأردن، وإعادة اللاجئين السوريين المقيمين في الأردن إلى وطنهم، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع جارتها السورية. وفي ضوء هذا، يسعى الأردن إلى أن يصبح لاعباً مركزياً في تشكيل مستقبل سوريا، مع الاستفادة من مزاياه الجيوستراتيجية. وإسرائيل والأردن لديهما مجموعة متنوعة من المصالح المشتركة في الساحة السورية، الأمر الذي يتطلب تنسيقاً أوثق بينهما. وقد يؤدي استقرار النظام الجديد في سوريا إلى جعل الأردن جسراً دبلوماسياً حيوياً بينه وبين إسرائيل. ومن ناحية أخرى، فإن استمرار عدم الاستقرار في سوريا والتهديدات المتزايدة التي يتقاسمها الأردن وإسرائيل من أراضيها سوف تتطلب تعميق التعاون الأمني والاستخباراتي والإنساني بين القدس وعمان.
ومع الإطاحة بالنظام السوري، دارت مناقشات ساخنة في إسرائيل حول الدولة “التالية” التي ستسقط في أعقابه، وورد اسم الأردن في بعض تلك المناقشات. وزار رئيسا جهاز الأمن العام (الشاباك) وجهاز المخابرات الأردن، بل إن مصادر سياسية في القدس أرسلت تحذيرات مجهولة المصدر مفادها أن “إسرائيل تنوي استخدام القوة إذا حاول المتمردون أو الميليشيات الإيرانية تقويض حكم النظام الملكي الهاشمي”. وكان الخوف أن يؤدي نجاح الثورة في سوريا إلى تحفيز العناصر المتطرفة في الأردن على معارضة ائتلاف الأقلية القبلية الحاكم في المملكة، والذي أشاد به كثيرون بالفعل خلال حكمه الذي دام 104 أعوام. وتكشف دراسة الخطاب الإعلامي في الأردن عن صورة مختلفة: فالأردن منتبه بالفعل للتطورات في سوريا، ولكنه يدرك أيضا الفرص الإيجابية فيها.
في الحقيقة، لم يذرف الأردن دمعة واحدة على رحيل بشار الأسد. فمنذ اندلاع الربيع العربي في عام 2011، كانت علاقاتها مع سوريا متوترة في الأساس. وخلال الحرب الأهلية التي اندلعت في جارتها الشمالية، استوعبت المملكة أكثر من مليون لاجئ سوري، الأمر الذي ألقى عبئاً ثقيلاً على خزائنها الهزيلة، وواجهت تهديدات من عناصر إرهابية سلفية جهادية على الحدود الطويلة بين البلدين (378 كيلومتراً). وحتى في السنوات الأخيرة، عندما استقر الوضع في سوريا إلى حد ما، ظهرت تهديدات جديدة على الحدود الأردنية السورية أضرت بأمن المملكة وسيادتها: طريق تهريب المخدرات، الذي عبر الأردن في طريقه إلى دول الخليج، وتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية – تحت رعاية النظام السوري ورعاته، إيران وحزب الله.
في عام 2023، قاد الأردن، بالتنسيق مع دول عربية أخرى، عملية تطبيع مع سوريا، توجت بعودتها إلى الجامعة العربية لأول مرة منذ عام 2011. وأمل الأردن عبثًا أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة تعاون نظام الأسد في مكافحة صناعة المخدرات، والسماح بعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وفتح الطريق لرفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين. عمليًا، لم تتوقف عمليات التهريب على الحدود السورية الأردنية، بل زادت منذ اندلاع حرب “السيوف الحديدية”. وانكمش التجارة الخارجية بين البلدين، التي بلغت 617 مليون دولار في عام 2010، إلى 147 مليون دولار في عام 2022.
في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024، قبل أسابيع قليلة من الثورة في سوريا، وصل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق حاملاً رسالة شفوية من الملك عبد الله. وقد اعتبر المعلقون الأردنيون أن الزيارة كانت تهدف إلى إعادة النظر في جدوى تقريب الأسد من المحور العربي البراجماتي في ضوء ضعف علاقاته مع إيران وروسيا، والتآكل المتزايد لمحور المقاومة طوال الحرب مع إسرائيل، ورغبة دمشق في الحد من الاحتكاك العسكري المباشر مع إسرائيل. ومثلها كمثل دول أخرى، شعر الأردن بضعف النظام السوري وحاول استغلاله لصالحه، ولكن من المشكوك فيه أن يكون قد تنبأ بانهياره السريع.
بين المخاوف والآمال
في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، ومع مغادرة وفد الأسد لدمشق، أصبح الملك عبد الله أول زعيم عربي يتحدث علناً عن الحدث التاريخي. وأعلن أن “الأردن يقف مع الإخوة السوريين ويحترم إرادتهم وحرياتهم”، ولكنه أكد أيضاً على أهمية تحقيق الاستقرار في سوريا ومنع الصراع والفوضى في البلاد. وعكست تصريحاته التناقض السائد في الأردن بشأن التطورات ــ مزيج من الفرح برحيل النظام القديم، والقلق بشأن السمات الناشئة للنظام الجديد، والأمل في تعزيز علاقات الجوار المحسنة.
إن مراجعة التفسيرات التي تظهر في وسائل الإعلام الرئيسية في المملكة تكشف عن ثلاثة سيناريوهات تهديد رئيسية تقلق النظام الأردني:
استمرار عدم الاستقرار في سوريا: يخشى الأردن أن تؤدي الفوضى الأمنية – إلى حد إعادة إشعال الحرب الأهلية السورية – إلى موجة جديدة من اللاجئين السوريين إلى المملكة، وزيادة تهديدات تهريب المخدرات والإرهاب الجهادي على طول الحدود السورية الأردنية، ويستلزم التدخل العسكري الأردني في سوريا في غياب خطاب حكومي قوي وموثوق به على الجانب الآخر من الحدود. كما لدى الأردن تساؤلات حول قدرة الميليشيات السورية المسلحة على التحول إلى جيش دولة متماسك، تابع لقيادة مركزية واحدة، يمكنه تنسيق أمن الحدود ضده.
فرض الهيمنة غير العربية في الفضاء السوري: يخشى الأردن أن يؤدي الضعف السوري إلى خلق فرصة لتدخل القوى الدولية والإقليمية الخارجية في البلاد، وخاصة تركيا وإسرائيل وإيران. إن تفكك الدولة السورية داخل حدودها المعترف بها بسبب الانقسامات العرقية والطائفية والدينية – في أعقاب عمليات مماثلة حدثت منذ عام 2011 في دول مثل العراق واليمن وليبيا – يُنظر إليه في المملكة على أنه تهديد لنموذج “الدولة القومية العربية” وفتحة لتقدم المصالح الأجنبية. يتعلق الشاغل الرئيسي بتحويل الهيمنة الإيرانية في سوريا إلى نفوذ تركي قطري، مما سيسمح للعناصر ذات الأيديولوجية الإسلامية بتأسيس حكمها في البلاد وجعل سوريا جزءًا من نظام إقليمي يتحدى ويتنافس مع المعسكر المعتدل الذي يضم الأردن.
الإلهام الثوري المتدفق من سوريا إلى الأردن: يخشى الأردن أن يوفر استيلاء هيئة تحرير الشام على سوريا دفعة للمعارضة الإسلامية في المملكة، والتي كانت بالفعل في حالة تغير منذ 7 أكتوبر. في سبتمبر 2024، حقق الإخوان المسلمون في الأردن مكسبًا كبيرًا في الانتخابات البرلمانية، حيث ضاعف حزبهم، جبهة العمل الإسلامي، قوته في الهيئة التشريعية ثلاث مرات. ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين تشكل جزءاً من النسيج السياسي الشرعي في الأردن، وتمتنع عن تحدي النظام الهاشمي، فإن الأحداث في سوريا تُرى في الأردن باعتبارها اختباراً لولائهم للمملكة. بل إن “الإخوان” الأردنيين اكتفوا في بيانهم الرسمي بتحية متواضعة للشعب السوري لإسقاطه نظام الأسد، ولم يتخذوا موقفاً يمكن تفسيره على أنه دعوة إلى ثورة مماثلة في الأردن.
إلى جانب مخاوفه، يرى الأردن سلسلة من الفرص الأمنية والاجتماعية والاقتصادية في الثورة السورية، رهنا باستقرار البلاد في ظل حكومة جديدة صديقة:
تحسين الأمن على الحدود المشتركة: يأمل الأردن أن يساعد رحيل نظام الأسد، فضلاً عن إضعاف العناصر الموالية لإيران التي تعمل تحت رعايته، في الحد من ظاهرة تهريب المخدرات والأسلحة من سوريا إلى أراضيه – أو على الأقل الحد منها. ويعتمد نجاح مكافحة التهريب على التنسيق الوثيق مع الجانب السوري (مع قوات الأمن الرسمية، وفي غيابها – مع عناصر سورية محلية) وانسحاب “الهلال الشيعي”، الذي حذر منه الملك عبد الله قبل نحو عقدين من الزمان، حتى قبل أن يطرق أبواب المملكة بقوة. وكتب رئيس تحرير صحيفة الغد الأردنية مكرم أحمد الطراونة أن “النظام الجديد إذا مارس سلطاته الكاملة وأغلق أبواب الجحيم التي فتحت في السنوات الأخيرة، فإن ذلك سيوفر على الأردن موارد كثيرة استثمرها في مراقبة الحدود الطويلة، وسيمنعه ودول المنطقة من تدمير الجيل بسبب إغراق المنطقة بالمخدرات”.
عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم: يستضيف الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري، نصفهم تقريباً مسجلون، ويأمل في أن تخفف عودتهم إلى وطنهم العبء على اقتصاده والضغط على موارد المملكة وخدماتها الاجتماعية. ومنذ سقوط الأسد، بدأت عودة طوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم، لكن الحركة الضخمة والمنظمة ستتطلب نضوج شروط إضافية، وفي مقدمتها توضيح المستقبل السياسي لسوريا، واستقرار الوضع الأمني هناك، والتعافي الاقتصادي، وتوافر السكن والبنية التحتية. وفي الوقت الراهن، تعتبر الظروف المعيشية في الأردن أكثر راحة من تلك في سوريا، حيث اندمج العديد من اللاجئين السوريين منذ فترة طويلة في المجتمع وأنظمة العمل والتعليم في المملكة.
التعاون الاقتصادي والتجاري: يهدف الأردن إلى الاندماج كلاعب رائد في جهود إعادة الإعمار والتنمية في سوريا والاستفادة منها لتحسين وضعه الاقتصادي وتعزيز موقعه الجيوستراتيجي. ويقدر خبراء الاقتصاد الأردنيون أن استقرار الوضع في سوريا من شأنه أن يسمح برفع العقوبات الدولية عن البلاد وفتح فرص متنوعة للأردن، بما في ذلك إعادة تنشيط طرق التجارة البرية والبحرية من الخليج والأردن، عبر سوريا ولبنان إلى تركيا وأوروبا؛ واستخدام ميناء العقبة كمركز لوجستي لتلبية احتياجات جنوب سوريا؛ وتوريد فائض الكهرباء والغاز الطبيعي من الأردن إلى سوريا ولبنان؛ ومشاركة الشركات الأردنية في مشاريع البناء وإعادة الإعمار في سوريا؛ وبيع الضروريات الأساسية والمنتجات الزراعية ومواد البناء الأردنية إلى سوريا؛ والمساعدة الأردنية في تحسين الخدمات التعليمية والصحية في سوريا.
سياسات استباقية لتشكيل مستقبل سوريا
نظرًا لمخاوفه وآماله، يعمل الأردن منذ سقوط الأسد على وضع نفسه كدولة محورية تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل مستقبل سوريا، مع الاستفادة من مزاياها النسبية – الموقع الجغرافي الاستراتيجي، والعلاقات القائمة على الثقة مع الجهات الفاعلة السورية والإقليمية والدولية، وتوافر البنية التحتية اللوجستية ذات الصلة. تم تصميم سياستها لخدمة، أولاً وقبل كل شيء، الأمن الأردني والمصالح الاقتصادية: في رأيها، فإن استقرار سوريا كدولة ذات سيادة وآمنة وصديقة – والتي يمكن للمملكة تطوير علاقات حسن الجوار معها، والتعاون المتعدد التخصصات والآليات المتفق عليها لعودة اللاجئين – سيساهم أيضًا في استقرار الأردن.
وكانت الخطوة الدبلوماسية الأولى التي اتخذتها الأردن هي استضافة اجتماع العقبة في 14 ديسمبر/كانون الأول، والذي حضره وزراء خارجية الأردن والمملكة العربية السعودية والعراق ولبنان ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر وتركيا والولايات المتحدة، فضلاً عن الأمين العام لجامعة الدول العربية ومنسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ومبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا. وأوضح المعلقون الأردنيون أن الاجتماع كان يهدف إلى خلق إجماع إقليمي ودولي حول مستقبل سوريا وسد الفجوات بين تركيا والدول العربية التي تعارض التدخل التركي في الشؤون السورية وتخشى الطبيعة الإسلامية الناشئة للشرطة. وفي بيان مشترك، دعا وزراء الخارجية العرب إلى احترام حقوق جميع السوريين بغض النظر عن العرق أو الطائفة أو الدين، ومنع الفوضى، وحماية مؤسسات الدولة السورية، والحفاظ على سلامة أراضيها وسيادتها واستقلالها واستقرارها، وتكثيف مكافحة الإرهاب.
وتناول المعلقون الأردنيون بمزيد من التفصيل أهداف اجتماع العقبة. وأوضح ماهر أبو طير أن قرار الاعتراف بالنظام السوري الجديد أو عزله ليس قراراً أردنياً فحسب، بل يخضع لاعتبارات عربية وإقليمية ودولية واسعة. وقدر الوزير السابق محمد أبو رمان، الذي يعمل باحثاً ومستشاراً في معهد السياسة والمجتمع في الأردن، أن رفع العقوبات الدولية عن سوريا ودعم قوة الشرطة الجديدة سيكون مشروطاً بترجمة التصريحات المعتدلة لزعيمها أحمد الشرع إلى أفعال تشهد على نواياه. وأعربت الصحافية رنا سبع عن أملها في أن تتبنى سوريا دستوراً جديداً يمنح تمثيلاً عادلاً للأقليات والنساء ويحد من صلاحيات الرئيس، وأن تحترم الحدود السيادية لجيرانها، بما في ذلك الأردن وإسرائيل.
واستمر النشاط الدبلوماسي الأردني في 23 ديسمبر/كانون الأول، مع وصول الصفدي إلى دمشق، ليصبح أول وزير خارجية عربي يزور سوريا منذ الثورة، ويمنح الشرعية الأولية لحكومتها الجديدة. وفي لقائه مع الشرع ـ الذي وصفه بأنه “إيجابي” ـ ناقش الرجلان وقف تهريب المخدرات والأسلحة من سوريا إلى الأردن، ومكافحة التهديدات الإرهابية، ومعالجة قضية اللاجئين السوريين في الأردن. وأعرب وزير الخارجية الأردني عن استعداده لمساعدة سوريا على معالجة جراحها وشفائها وإعادة تأهيلها على أساس الاتفاقات التي تم التوصل إليها في اجتماع العقبة. واتفق وزيرا خارجية البلدين بعد ذلك على زيارة وفد وزاري سوري متعدد التخصصات إلى المملكة، لمناقشة مع نظرائه الأردنيين قضايا الحدود والأمن والطاقة والنقل والمياه والتجارة.
ورغم تبادل الرسائل الودية، فمن الواضح أن جدران الشك بين الطرفين لم تتم إزالتها بعد: فبعد أيام قليلة من زيارة الصفدي، أعرب رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز عن خيبة أمله من التكوين الرتيب للحكومة الانتقالية السورية وتوقعه أن تصبح أكثر تمثيلا بعد صياغة دستور جديد وإجراء الانتخابات.
التوصيات لإسرائيل
إن الأردن وإسرائيل ستقاسمان مصالح مشتركة مماثلة في الساحة السورية: تحقيق الاستقرار الأمني في المثلث الحدودي في جنوب سوريا؛ وإحباط النشاط الإرهابي من الأراضي السورية؛ ووقف تهريب المخدرات الذي يرهق الجيش الأردني ويصرفه عن المهام الأمنية الجارية، بما في ذلك على الحدود الإسرائيلية؛ ووقف تهريب الأسلحة من سوريا إلى الأردن في طريقها إلى العناصر الإرهابية الأردنية والفلسطينية؛ ومنع الهيمنة التركية أو الإيرانية في سوريا؛ وتشكيل نظام سياسي جديد في سوريا يكون ودودًا تجاه جيرانه، ومتسامحًا مع الأقليات المحمية في ظله، وخاصة الأكراد والدروز، وخاليًا من الهيمنة الإسلامية؛ وتعزيز الاتصال والتكامل الإقليمي في مجالات الاقتصاد والنقل والطاقة.
إن طموح الأردن إلى أن يصبح لاعباً محورياً في الساحة السورية يناسب أيضًا المصالح الإسرائيلية، نظرًا للتداخل الكبير في أهداف البلدين. وفي سيناريو يستقر فيه النظام الجديد في سوريا، يمكن للأردن أن يعمل كوسيط فعال بين إسرائيل وإسرائيل فيما يتعلق بكبح تهريب الأسلحة، وإزالة العناصر الإرهابية من حدود إسرائيل، وإعادة تنفيذ اتفاق فصل القوات في مرتفعات الجولان. ومن جانبها، يمكن لإسرائيل أن تشجع إدارة ترامب على الاعتراف بمركزية الأردن في تشكيل مستقبل سوريا ودعم مشاركتها في عمليات التنمية والبناء وإعادة الإعمار في سوريا، وفي وقت لاحق – في اندماجها في عمليات التكامل التي ستقودها الولايات المتحدة في المنطقة.
إن تعزيز الحوار بين البلدين ضروري أيضًا في سيناريوهات أخرى. على سبيل المثال، إذا فشل النظام الجديد في دمشق في ترسيخ حكمه في جميع أنحاء البلاد، أو ما هو أسوأ من ذلك، يشكل تهديدات مشتركة للأردن وإسرائيل، فيمكن للبلدين تنسيق استراتيجية مواجهة مشتركة بشكل سري. وقد يشمل ذلك التعاون الأمني في مراقبة الحدود، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وإنشاء مناطق نفوذ مشتركة في جنوب سوريا، وتقديم المساعدات الإنسانية، وفي الحالات القصوى، تقديم المساعدة العسكرية المتبادلة في الدفاع والهجوم. كما أنهما قادران على تشكيل تحالف إقليمي معتدل، بدعم من الولايات المتحدة، من شأنه أن يزيد من نفوذهما في الساحة السورية.
وأخيراً، يتعين على إسرائيل والأردن العمل على تضييق الفجوة بين الجوانب العلنية والخفية لعلاقاتهما. فقد أدان الأردن الرسمي تصرفات إسرائيل بعد سقوط النظام السوري، عندما استولت على مواقع في المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان وضربت ترسانة جيش الأسد، على الرغم من أن هذه التصرفات تخدم أمنها أيضاً. فضلاً عن ذلك، هناك مؤامرة سائدة في وسائل الإعلام الأردنية تنسب إلى إسرائيل نية السيطرة على مصادر المياه لنهر اليرموك، الذي يتدفق من سوريا إلى الأردن. وكلما زاد عدد الدول التي تزرع خطاباً عاماً يؤكد على مصالحها المشتركة بدلاً من نشر الاتهامات الكاذبة، كلما كان التحدي السوري بمثابة فرصة لتحسين العلاقات بين البلدين.
——————————————-
هآرتس/ ذي ماركر 9/1/2025
الحدود مع الاردن ستكلف 5 مليارات شيكل، الحدود مع غزة ولبنان لا يتحدثون عنها
بقلم: حجاي عميت
1- عشرات المليارات من اجل ترميم الحدود
“الموضوع لم يصل بعد الى النضج التنظيمي الكامل”، هذا التعريف للجنة نيغل، الذي تم عرضه في يوم الاثنين الماضي على رئيس الحكومة وتناول الاستعداد المستقبلي لدولة اسرائيل على الحدود الشمالية والجنوبية لاسرائيل، هو صيغة مخففة.
الاستثمار في هذه الحدود بين اسرائيل وقطاع غزة وبين اسرائيل ولبنان يمكن أن يصل الى مليارات الشواقل. لكن يمكن فقط تذكر الثلاثة مليارات شيكل، تكلفة العائق في الجنوب الذي تم تدشينه قبل ثماني سنوات، كي نفهم ذلك.
الحكومة يجب عليها التوصل الى ترتيبات سياسية من اجل بناء الحدود. في الجنوب نحن نحتاج الى تسوية كهذه لتحديد المنطقة العازلة التي ستكون بين اسرائيل والقطاع. في موازاة ذلك يتحدثون في القطاع عن اقامة مواقع للجيش الاسرائيلي قرب المستوطنات الاسرائيلية القريبة من الجدار، التي ستعطي الامن للمواطنين. في الوضع الحالي لا يوجد في غزة لجهاز الامن أي طريقة لمعرفة تكلفة ترتيبات الحماية المستقبلية حول القطاع.
في الشمال نحن نحتاج الى اتفاقات لتسوية الخلافات حول الحدود. وسواء في غزة أو في لبنان نحن بعيدون عن ذلك. في هذه الاثناء جهاز الامن يطرح طلبات فيما يتعلق بالحدود الاطول لدولة اسرائيل – الحدود الشرقية مع الاردن.
الحدود مع الاردن، الدولة التي يوجد لاسرائيل اتفاق سلام معها، تعتبر الآن حدود مخترقة ويسهل على الجهات المعادية اجتيازها، لا سيما اذا كانت تريد الوصول الى الضفة الغربية والمس بالمستوطنات.
في التحليلات الاستراتيجية لجهاز الامن هناك تقديرات بأنه بعد الضربة الشديدة التي تلقاها حزب الله في لبنان فان ضغط ايران على اسرائيل في المستقبل يمكن أن ينعكس على هذه الحدود. “ذي ماركر” عرفت أن التكلفة المقدرة في جهاز الامن لبناء العائق في الشرق هي تقريبا 5 مليارات شيكل، وهذا مبلغ يمكن أن يسمح بقراءة التوجه بخصوص التكلفة لحدود اسرائيل الاخرى.
2- 15 مليار شيكل في السنة للامن الجاري المتزايد
الحدود مع مناطق الضفة الغربية ايضا يتوقع أن تقتضي اعادة التفكير في الجيش. في هذه الساحة، في ظل غياب وجود قرارات حول تكثيف الحدود، وفي ظل غياب عدم التنبؤ بالهدوء في يهودا والسامرة، فان الجيش الاسرائيلي سيعتمد في السنة القادمة على نشاطات الامن الجاري المتزايدة، لا سيما في الضفة الغربية.
تكلفة نشاطات الامن المتزايدة في السنوات الخمسة القادمة حسب جهاز الامن تقدر بـ 15 مليار شيكل. وراء هذا الرقم تقف، ضمن امور اخرى، خطة الجيش الاسرائيلي لامتلاك عشرات آلاف رجال الاحتياط المجندين في كل لحظة في هذه السنوات لغرض الامن الجاري المتزايد – الامر الذي سيؤدي الى أن كل جندي مقاتل في الجيش الاسرائيلي سيتم استدعاءه مدة 70 يوم في السنة لخدمة الاحتياط. وحسب تقرير ميغل، “القوة البشرية للجيش الاسرائيلي توجد في ازمة وتحتاج الى علاج ملح على المستوى القومي”. هذا الامر سيؤدي الى تآكل منظومة الاحتياط، المتآكلة أصلا.
هذا هو الصعيد الذي فيه عدم تجنيد الحريديين للخدمة الالزامية يكلف الدولة اموال طائلة. ففي حين أن جندي الاحتياط يكلف الدولة 48 ألف شيكل – اعلى 80 في المئة – فان تكلفة الجندي في الخدمة الالزامية تبلغ 27 ألف شيكل. زيادة عدد جنود الخدمة الالزامية تتعلق بتجنيد الحريديين.
3- ثمن ما بعد الصدمة
الزيادة في ميزانية قسم اعادة التأهيل، الذي يعالج مصابي الجيش الاسرائيلي، يتوقع أن تزيد في كل سنة في العقد القادم وتصل الى اكثر من 8 مليارات شيكل في العام 2034، مقارنة مع التكلفة الآن التي تبلغ 3 مليارات شيكل.
المتغير في هذا المجال، الذي يعترفون في جهاز الامن بأنه غير معروف، هو عدد جنود الجيش الذين سيتم وصفهم بأنهم مصابون بما بعد الصدمة. تصعب معرفة كم هو عدد المتسرحين من الاحتياط الذين سيتوجهون لطلب مخصصات عجز بسبب الصدمة في السنة القادمة. وماذا ستكون سياسة التشخيص في جهاز الامن بخصوصهم.
4- الآن الوضع اصبح افضل مما كان في ايلول 2023
حسب من يعملون في هذا المجال فانه فيما يتعلق بمخازن السلاح فقد عاد النظام الدفاعي في بعض المناطق الى نفس المستوى الذي كان قبل الحرب. وحتى في المجالات التي لم تستكمل فيها عملية الجرد حتى الآن فقد تم تخصيص الاموال بالفعل لصالح الصفقات الخاصة من اجل استكمالها. بعد انتهاء هذه الصفقات فان الجيش الاسرائيلي سيكون في وضع افضل من حيث التسلح مما كان عليه قبل الحرب.
المشكلة الكبيرة في الحرب هي أنها لا تنتهي. سيناريو المرجعية الذي تستعد له المؤسسة الامنية الآن هو سيناريو لم يكن قائم قبل ايلول 2023. نحن لا نتحدث عن سيناريو لمعركة متعددة الساحات، بل عن المدة. أي أن الجيش الاسرائيلي يريد أن يكون مستعد الآن لمعركة طويلة تستمر اكثر من سنة. في هذا المجال السماء هي الحدود. هل يجب أن يكون لدينا الآن مخزون سلاح لسنة أو سنتين أو ثلاث سنوات؟.
5- هل الفرضية صحيحة؟
جملة المفتاح في تقرير نيغل هي كما يبدو المقولة التي تقول “حسب تقدير اعضاء اللجنة لم يكن هناك أي نقص في الميزانية، وليس حجم الجيش هو الذي أدى الى كارثة 7 اكتوبر. عمليا، بعد 15 شهر على فشل 7 اكتوبر يمكن القول بأن الآلة التي تسمى جيش الدفاع الاسرائيلي تعاملت بشكل جيد مع الحرب متعددة الجبهات في اعقاب الكارثة، والتهديدات التي نواجهها الآن على جبهة غزة والجبهة السورية وفي لبنان هي اقل مما واجهناه قبل اندلاع الحرب.
هذه المعطيات كان يجب أن تتحدى الافتراض الذي بحسبه يجب زيادة ميزانية الدفاع بشكل كبير. ولكن مشكوك فيه اذا كان في المناخ الحالي سيكون أي أحد سيتجرأ على فعل ذلك. مصدر يتعامل مع هذا الامر قال في هذا الاسبوع: “الجمهور يريد رؤية الكثير من الجنود، وجهاز الامن يريد أن تزيد كل الموارد”.
——————————————-
يديعوت احرونوت 9/1/2025
العمى السياسي نهايته حادثة سياسية، والنصر المطلق نهايته الهزيمة
بقلم: يديديا يعاري
توجد روايتان لحقنا على بلاد إسرائيل: رواية وثيقة الاستقلال – “الحق الطبيعي للشعب اليهودي لان يكون ككل شعب” وشعب مستقلا بذاته في دولته السيادية – والى جانبها، منذ البداية عمليا، جمرة “الخلاص” للحاخام كوك، كما اشعلت بعد 1973 غوش ايمونيم، بعد ست سنوات من النصر في الأيام الستة، تطورت هذه الرواية مع السنين حتى صيغتها الحالية في برنامج عظمة يهودية: “بقوة الوعد الرباني لشعب إسرائيل، بلاد إسرائيل بكل نطاقاتها المنبسطة في التوراة، تعود لشعب إسرائيل بكل اجياله”. رجل احتياط في غزة أوضح هذا صوتيا، امام الكاميرا: “لن نتوقف حتى ننهي المهمة التي تلقيناها: نحتل، نطرد، نستوطن. هل سمعت، يا بيبي؟ نحتل، نطرد، نستوطن”.
نحن في الفصل التالي من النزاع. الأسد سقط والمحور الشيعي تراجع الى الوراء. قوافل الاحلام لتدمير دولة اليهود بالطوق الناري لسليماني احترقت. هذه الصحوة، بالخراب وبالقتلى، في الجنوب وفي الشمال استقرت جيدا في وعي المنطقة السامية، لسنوات طويلة. السنوار ونصرالله رحلا عن العالم. من المنظور العسكري وحده، نتيجة الحرب تفوق كل خيال، في الجانبين. لكن هنا أيضا المشكلة الحقيقية لاحقا: لشدة الإحباط، الإنجاز العسكري يعظم عمليا فكرة المعاناة والبطولة الفلسطينية الى حجوم كونية. عليها سيتربى الأطفال الذين تجندهم حماس وحزب الله الان. مجال كامل من الادب والسينما في العالم ينمو على هذه الفكرة، تغير المشاعر التاريخية، تتهم الصهيونية وتعظم عدالة الكفاح الفلسطيني. حركات سياسية تتبناها، في الشوارع والجامعات يهتفون “من النهر الى البحر”. حتى عندنا يسمونهم مقاتلي حرية.
لتوازن قصة النكبة الفلسطينية شكل دوما النداء في وثيقة الاستقلال “لابناء الشعب العربي، سكان دولة إسرائيل، الحفاظ على السلام والمشاركة في بناء الدولة – حتى في ظل الهجوم الدموي الذي شن علينا منذ اشهر. حجة جوهرية في القصة الصهيونية، حول عدالة حرب الاستقلال وتبرير مشكلة اللاجئين التي نشأت في اعقابها. حجة مركزية بقيت حتى بعد 1973 عندما انتقلت فصول جديدة في الفكرتين الى جبهة المواجهة – مسألة الاحتلال، أوسلو وفك الارتباط.
ليس في صالحنا، عدنا 77 سنة الى الوراء. “نحتل، نطرد، نستوطن” هي خلاصة القصة الفلسطينية، والدليل الخالد على ذنب الصهيونية في هذه الفكرة. وحتى لاذان المؤمنين بـ “الرد الصهيوني المناسب”، تعبير “نطرد” يرن بشكل سيء. “الهجرة الطوعية” تبدو افضل. دانييلا فايس تخصص منذ الان أهدافا لذلك في مصر، في تركيا، في أمستردام وفي برلين. غير أنه في اللحظة التي يدور فيها الحديث عن طرد او عن “هجرة طوعية”، او في واقع الامر فرض “هجرة طوعية” تعاد القصتان، الصهيونية والفلسطينية، مباشرة الى 1948 والى الروايات المختلفة حول اخلاء القرى. هذا وعد بنكبة ثانية.
يمكن الاعتقاد، من يريد ذلك، انه لاجل وجود وطن قومي ينبغي لنا ان نعرف كيف نحكم، مثلما عبر ذات مرة الحاخام لفينغر. بتعبير “نحكم” توجد عدة روايات ما كان على ما يبدو سيقبل بها، لكن على كل حال، فان “نحكم” لا تعني “نطرد”. وحتى سموتريتش ومنتدى كهيلت فهما ذلك، وحذرا جدا من الكلمة في “خطة الحسم” خاصتهما.
التسوناني السياسي لا يزال امامنا. غزة تبدو من الجو مثل هيروشيما بعد القنبلة. تحولت مرة أخرى الى مخيم اللاجئين الأكبر في العالم. شدة الدمار لم تستوعب بكاملها في العالم، وعندما يترسب الغبار، ستطفو المقارنات من تلقاء ذاتها. المذبحة الحيوانية في 7 اكتوبر وطوق النار الإيراني، الى جانب جرائم الحرب من حماس على مدى سنوات نار الصواريخ على المدن والبلدات لن تذكر في الوعي العالمي. احد لن يهتم بمقتولي الغلاف ونوبا وبالمخطوفات والمخطوفين الذين ماتوا في الاسر. ولا حتى الدمار في الغلاف وفي كريات شمونا وفي المطلة. سيرون فقط قوافل النازحين والأطفال الجوعى في المجال الكارثي للانقاض في غزة وفي لبنان. التهمة ستقع على إسرائيل. القصة في لاهاي فقط في بدايتها. وامام هذا التسونامي فاننا ليس فقط لا نحاول إيجاد تلة نصعد اليها – مع “نحتل، نطرد، نستوطن” نحن نركض مباشرة الى داخل الموجة. مبررنا للقتال ضد قتلة حماس وحزب الله لا يحتاج لاي سند أو مبرر – كان هذا بوضوح حرب اللامفر. لكن العمى السياسي نهايته حادثة سياسية، والنصر المطلق نهايته أن يجلب علينا هزيمة.
——————————————-
هآرتس 9/1/2025
تطلعات ترامب للتوسع من الصعب اخذها على محمل الجد، لكن لا يجدر الاستخفاف بها
بقلم: الون بنكاس
يوجد منطق في تصريحات ترامب حول غرين لاند وقناة بنما. والسؤال هو هل توجد لدينا نحن ايضا خطة. في غضون اسبوع تمكن الرئيس الامريكي القادم دونالد ترامب من اصدار عدة تصريحات تشمل العالم، تتعلق بالدانمارك، اوروبا بشكل عام، بنما، المكسيك وكندا. ترامب اعلن بأن الولايات المتحدة ستقوم بشراء جزيرة “غرين لاند”، الجزيرة الاكبر في العالم، وخلال ذلك قام بتهديد الدانمارك، التي تعتبر غرين لاند في مجال ادارتها، بفرض ضريبة حماية مرتفعة عليها اذا رفضت ذلك. “غرين لاند توجد لها اهمية للامن القومي وحرية الولايات المتحدة”، كتب في صفحته في الشبكات الاجتماعية. الدانمارك اوضح ردا على ذلك بأن غرين لاند ليست للبيع. وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل باري، اوضح في مقابلة مع “فرانس انتر” بأن الاتحاد الاوروبي لن يسمح لأي دولة بمهاجمة حدوده السيادية.
ترامب ابلغ بنما بأنه ينوي المطالبة مرة اخرى بالسيطرة على قناة بنما. وحتى أنه رفض التعهد بأنه لن يرسل الجيش لتحقيق السيطرة على غرين لاند وقناة بنما. “ربما سنضطر الى فعل شيء ما”، قال. “قناة بنما هامة جدا بالنسبة لدولتنا. نحن بحاجة الى غرين لاند من اجل أمننا القومي”.
الولايات المتحدة في الحقيقة قامت بحفر هذه القناة في الاعوام 1904 – 1914، لكنها نقلتها في 1999 الى سيادة بنما الكاملة في اعقاب الاتفاق الذي وقع عليه في 1977. ترامب قال ايضا بأن بنما تجبي رسوم مرتفعة وغير منطقية من السفن التي تأتي من الولايات المتحدة وتجتاز الـ 82 كم في القناة، التي تربط بين المحيط الهاديء والمحيط الاطلسي، التي تمر فيها بضائع بمبلغ 270 مليار في السنة. ولتعزيز هذا الادعاء فقد اخترع ترامب قصة لا اساس لها تقول بأن بنما سمحت لقوات عسكرية صينية بأن تسيطر على مداخل القناة، الامر الذي بالطبع يجعل الموضوع “أمن قومي”. واعلن ايضا بأنه سيقوم بتغيير اسم خليج المكسيك الى “خليج أمريكا”، يبدو أن هذه خطوة صغيرة، لأنه في نهاية المطاف المكسيك هي جزء من امريكا.
ترامب واصل من هناك الى الشمال. فبعد أن هدد بفرض رسوم حماية بنسبة 25 في المئة على الاستيراد من كندا الى الولايات المتحدة، بدأ يتحدث عن ضم كندا، وقام بتسميتها “المقاطعة الـ 51”. بعد ذلك كرر هذه الاقوال عدد من السناتورات واعضاء الشرف في جوقة عصابة ترامب. اغلبية الجمهوريين في لجنة الخارجية في مجلس النواب نشرت بيان جريء: “دولتنا تأسست على ايدي المحاربين والباحثين والمكتشفين. نحن قمنا باخضاع الغرب، (غرب الولايات المتحدة)، وانتصرنا في حربين عالميتين وكنا أول من وضع العلم على سطح القمر. الرئيس ترامب لديه الحلم الاكبر بالنسبة لامريكا. والخوف من الحلم الكبير هو أمر غير امريكي”.
هذه الرسالة الدرامية – الكوميدية اضافت اليها اللجنة صورة على الصفحة الاولى في صحيفة “نيويورك بوست” تحت عنوان “عقيدة دونرو (دون، على وزن اسم الرئيس الخامس جيمس مونرو، الذي سميت على اسمه عقيدة مونرو في العام 1823، التي تدعي هيمنة الولايات المتحدة على القسم الغربي للكرة الارضية.
في هذه المرحلة، مثل أي أمر آخر يعلن عنه ترامب، فانه من غير الواضح اذا كان هذا استعراض متغطرس للقوة واظهار للعضلات اللفظية الديماغوجية أو خطة عمل مرتبة سيحاول تطبيقها. بالطبع يمكن رفض كل ذلك والاعتقاد بأن هذه التصريحات الشعبوية، القومية واللامعة، ليست فقط صفة شخصية بارزة لترامب، بل هي اسلوب معروف للقادة المستبدين من اجل اثارة نقاش عام، وهم يعرفون أن أقوالهم سيتم اعتبارها في البداية سخيفة وليس لها أي صلة بالواقع. ولكن من وراء الغاء هذه التصريحات يمكن ايجاد في هذه الطلبات منطق جيوسياسي فيما يتعلق بغرين لاند وقناة بنما. تغيير اسم خليج المكسيك يهدف الى اهانة المكسيك، ليس أكثر من ذلك. والتحدث عن ضم كندا ليس اكثر من محاولة للمس برئيس الوزراء المستقيل جاستن ترودو. المقاطعات العشرة والاقاليم الثلاثة لن يتم ضمها بالتأكيد للولايات المتحدة في ولاية ترامب.
خلال الـ 249 سنة من وجود الولايات المتحدة هي لم تعتبر نفسها في أي يوم امبراطورية بمعنى الكلمة الاوروبي. التمدد نحو الغرب، الى نهر المسيسيبي، كان جزء من “الزيادة الطبيعية”. وشراء منطقة لويزيانا (التي كانت مساحتها اكبر بكثير من ولاية لويزيانا الآن). في فرنسا نابليون في 1803 كان فقط “خلق تواصل جغرافي طبيعي”. مبدأ مونرو من العام 1823، الذي وضعه وزير الخارجية جون كوينسي آدمز، الذي اصبح بعد ذلك الرئيس السادس، اعتبر اذن للولايات المتحدة بالعمل كما تشاء في النصف الغربي للكرة الارضية، لكنه اعتبر من ناحية سكانها مبدأ مناهض للكولونيالية في اساسه، لأنه اراد صد محاولة بريطانيا وفرنسا واسبانيا التدخل في القارتين الامريكيتين وخلق مناطق نفوذ منفصلة.
بعد الحرب العالمية الثانية النظام العالمي الذي اقامته الولايات المتحدة في العام 1945، “السلام الامريكي”، جعلها دولة عظمى، تسيطر وتهيمن على الكثير من المناطق في العالم. الطريقة التي كتب فيها تاريخ الولايات المتحدة حدث تعريفها وصورتها الذاتية. الولايات المتحدة، قيل وكتب، هي النموذج الاول في التاريخ لـ “امبراطورية رغم أنفها”. هي لا تبحث عن الاحتلال ولا تحتاج الى التوسع ولا تعمل على استغلال اقتصادي أو تطمح الى استعباد شعوب ومجموعات. معروف أن الحقيقة معقدة اكثر، بدء بالحروب ضد الشعب الاصلي في امريكا والتصفية الفعلية لشعب الكومانتشي والاباتشي وشراء الاسكا في 1867، والحرب ضد الفلبينيين في 1898، والسيطرة الفعلية على معظم وسط امريكا – لكن بالنسبة لسكان الولايات المتحدة فان “الامبراطورية” و”الكولونيالية” هي مفاهيم اوروبية، وأن الولايات المتحدة قامت بنقيض الحروب الأبدية والاحتلالات الاوروبية.
ما الذي يريده بالضبط ترامب من غرين لاند؟. الرئيس اندرو جونسون حاول في 1867 اضافة الى شراء الاسكا، شراء غرين لاند. يوجد قاسم مشترك آخر بين جونسون وترامب. فكلاهما تم عزله من قبل مجلس النواب بسبب خيانة الأمانة. الدانمارك رفضت. في 1946 فحص الرئيس هاري ترومان اذا كانت الدانمارك ستوافق على بيع غرين لاند مقابل 100 مليون دولار، واكتفى بالاتفاق على قاعدة جوية في شمال غرب الجزيرة. في العام 2019 اوضح ترامب للدانمارك بأن غرين لاند هي بشكل عام عبء اقتصادي يكلف مبلغ 700 مليون دولار كل سنة، وأنه من الجيد لهم التخلص منها. الدانماركيون وصفوا كلامه بأنه “كلام سخيف”، يقتضي تعديل الدستور في الدانمارك، الامر الذي لن يحدث. وردا على ذلك قام ترامب بالغاء زيارته في كوبنهاغن.
الدانماركيون الآن يخشون من أن يعرض ترامب على الـ 60 ألف شخص سكان غرين لاند مليار دولار مقابل تغيير انتماءهم السياسي، لكن الامور تغيرت في العقود الاخيرة. في عهد اندرو جونسون لم يكونوا يعرفوا أنه توجد في غرين لاند معادن نادرة، وفي عهد ترومان التهديد كان الاتحاد السوفييتي سابقا وليس الصين، التي تسيطر الآن على المناطق التي توجد فيها المعادن النادرة في العالم، باستثناء غرين لاند، التي هي المكونات الحيوية لصناعة الفضاء، الحاسوب، السيارات، الاجهزة الطبية والاجهزة العلمية.
ترامب الذي خلال سنين سمى الاحتباس الحراري بـ “خدعة صينية”، اكتشف فجأة بأن السيطرة على طرق الملاحة في الدائرة القطبية ستكون ممكنة عند ذوبان جبال الجليد الضخمة. الآن تم تسجيل ارتفاع 37 في المئة في الملاحة البحرية من جنوب القطب الشمالي، الانتقال في البحر من الصين الى غرب اوروبا اقصر 40 في المئة مقارنة بالابحار في قناة السويس، التي يمر فيها 60 في المئة من تصدير الصين الى اوروبا. يبدو أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح للصين بالسيطرة على هذا الممر، لا سيما في جزيرة كبيرة مثل غرين لاند، التي لها اهمية استراتيجية لخطوط الملاحة في المضائق الكبيرة بين غرين لاند وآيسلاندا، وبين آيسلاندا واسكتلندا.
يمكن ايجاد منطق جيوسياسي في تصريحات ترامب المنمقة اذا نظرنا اليها بعناية. المشكلة هي في الفجوة بين تصريحاته وترجمتها الى سياسة مرتبة. هذا صحيح فيما يتعلق بكوريا الشمالية، ايران والصين، وربما يسري ذلك ايضا على غرين لاند وقناة بنما.
——————————————-
هآرتس 9/1/2025
الجنود الاسرائيليون اختبأوا في سيارة اسعاف، ماذا نختلف عن رجال حماس في المستشفى
بقلم: جدعون ليفي
في الاسبوع الماضي قمنا بزيارة، أنا واليكس ليبك، مخيم بلاطة للاجئين في نابلس من اجل التحقيق في ظروف قتل مواطنين بريئين في عملية نفذتها وحدة “دفدفان”، امرأة عمرها 80 سنة، كانت تمشي في الشارع، وحلاق عمره 25 كان يجلس مع ابناء عائلته في مطبخ بيته ويتناول الفطور. بعد انتهاء العملية تحدثوا في الجيش الاسرائيلي وفي الشباك عن “قائد الذراع العسكري لفتح” الذي تمت تصفيته من قبل القوة وعن شخص يحصل على التمويل من ايران وله علاقة مع لبنان ويخطط لعمليات في اسرائيل، قصص ألف ليلة وليلة.
الاشخاص الذين تتم تصفيتهم دائما يكونون اشخاص يخططون لتنفيذ عمليات؛ الاطفال القاصرين ايضا في جيل 8 و 10 سنوات الذين قتلهم الجيش من الجو في طمون، خططوا لتنفيذ عمليات؛ شهود عيان في مخيم بلاطة حدثونا عن قوة نزلت من سيارة وبدأت تطلق النار على عابري السبيل، هكذا قتلت المرأة العجوز والحلاق.
في هذا الاسبوع ارسل الينا باحث “بتسيلم” عبد الكريم السعدي فيلم فيديو ظهرت فيه عملية التصفية هذه المشكوك فيها. قتل في وضح النهار في مخيم للاجئين يضج بالحياة. قوة “دفدفان” وصلت الى المخيم تحت غطاء طاقم طبي. الجنود نزلوا من سيارة اسعاف فلسطينية. في الفيلم ظهرت سيارة الاسعاف وهي تسافر في زقاق مكتظ بين البسطات والمارة. هذا كان في الصباح. سيارة الاسعاف كانت جديدة ولوحاتها فلسطينية، ربما تمت سرقتها أو ربما تم عملها خصيصا لعمليات التصفية. تقريبا ستة جنود نزلوا من السيارة. المارة المندهشين الذين ظهروا في الفيلم، هربوا.
الجيش الاسرائيلي يقوم باستخدام سيارات الاسعاف في عمليات التصفية. يصعب التفكير في طريقة قذرة لاقتحام مخيم لاجئين مكتظ في الصباح من اجل قتل مطلوب وابرياء اكثر من استخدام سيارة اسعاف. هذا ليس فقط استخدام جبان ومجرم، بل هو ايضا يعرض للخطر كل سيارات الاسعاف التي ستسافر من الآن فصاعدا في الضفة الغربية.
مثلما حدث في طمون، ايضا في 19 كانون الاول في بلاطة، لم يكن بالامكان تنفيذ هذه العملية بدون قتل ابرياء. ولكن استخدام سيارة اسعاف من قبل وحدة نخبة هو ارتفاع درجة في استخفاف الجيش الاسرائيلي بالقانون الدولي.
رد الجيش الاسرائيلي فقط فاقم الصورة، الاكاذيب المعتادة. “الجيش الاسرائيلي يلتزم بالقانون الدولي ويعمل وفقا له”، “الحادثة قيد الفحص. في هذا التحقيق سيتم فحص استخدام السيارة التي ظهرت في الفيلم وادعاء المس باشخاص غير متورطين. هذه هراءات ايضا. لا توجد تقريبا كلمة حقيقية واحدة في هذا الرد. الجيش الاسرائيلي يلتزم بالقانون الدولي، سيفحص استخدام السيارة، حتى بدون الاعتراف بأن “السيارة” هي سيارة اسعاف.
التنظيمات الارهابية المقيتة في قطاع غزة تقوم بالاختباء في المستشفيات وتحول غرف العلاج الى قيادات، وغرف الولادة الى مخازن للصواريخ. وحشيتها لا تعرف الحدود. هكذا يعرضون للخطر المرضى والمصابين. هكذا يستخفون بالقانون الدولي. انظروا الى طهارة سلاحنا، لا يوجد اكثر طهارة منه، ولا توجد اخلاقية اكثر من اخلاقية الجيش الاسرائيلي.
في الجيش الاسرائيلي بالتأكيد سيقولون إن استخدام الجيش لسيارات الاسعاف الفلسطينية هو مثل استخدام الجيش للمسيرات. فقد هدف الحفاظ على حياة الجنود. لماذا تقوم حماس بالاختباء في المستشفيات اذا لم يكن من اجل الحفاظ على جنودها؟ ما هو الفرق بين المقاتل الفلسطيني الذي يختبيء في قبو مستشفى وبين الجندي الاسرائيلي الذي يختبيء في سيارة اسعاف؟. “هاي جيب، هاي جيب”، الاغنية التي غنتها فرقة تشيز بترون، وهي قصيدة لحاييم حيفر، في العام 1948. “هاي امبولانس” غنى جنود “دفدفان” بعد ثمانية تقود تقريبا وهم في الطريق لتنفيذ تصفية اخرى.
في مقامة يوسي بن عزرا بعنوان “وحدتي”، والتي ترفرف فوق شهادة التقدير التي حصلت عليها ذات يوم من جنود “دفدفان”، الذين عرضت امامهم في اوقات مختلفة كليا، كتب: “قيمك سأحملها في كل عضو في جسدي/ بشجاعة سأنطلق الى كل المهمات التي انفذها/ لن اسأل لماذا وسأنفذ بحرص”. لا تسألوا لماذا، يا جنود “دفدفان”، اركبوا في سيارة اسعاف واقتلوا عجوز في الشارع. فبعد غزة اصبح كل شيء مسموح لكم، كل شيء.
——————————————
هآرتس 9/1/2025
اصبحنا مثل حماس، واصبحنا نشبه الجهاد الاسلامي
بقلم: اوري مسغاف
عضو الكنيست موشيه سعادة (الليكود)، اجرى مقابلة مع راديو “كول براماه” واعلن: “ليست لي أي مشكلة في أن الاطفال في غزة سيموتون. الطريقة الوحيدة لاعادة الامن هي مواصلة حصار غزة. خطأنا هو أننا لم نفعل ذلك حتى الآن”. سعادة شخص عادي كما يبدو، ورجل قانون عمل في قسم المستشار القانوني للحكومة، وشخص يخاف من الله. ولكن فكرة تجويع غزة هي منذ فترة طويلة موضوع ينتشر الحديث عنه بشكل كبير، ليس فقط في الجناح الحريدي – الكهاني الوطني،
غيورا آيلاند سرعه هو وعدد من جنرالات الاحتياط ذوي الشعر الاشقر والوجه الجميل، في اطار “خطة الجنرالات”. آيلاند واصدقاؤه فحصوا القانون الدولي والتاريخ العسكري ووجدوا أنه قانوني وشرعي خنق منطقة واسعة في البلاد. هم يسمون ذلك “حصار”. التطبيق على الارض يتم نفيه رسميا، لكن في هذه الاثناء الاطفال في غزة يحتضرون ويتجمدون في الخيام الغارقة في مياه الامطار. وليهنأ الجنرالات بسلام.
أيضا الجنيات لا يصمتن، ابراهام طل، العندليب بالعباءة في فرقة “شوتيه هنبوءة”، في مقابلة بمناسبة زواجه الثاني قال: “أنا الآن اعتقد أنه ليس كل ابناء ابراهيم يجب أن يملأوا الارض… لقد تم غسل ادمغتهم لاجيال كي يكرهوننا… التاريخ يكرر نفسه، مرة على شكل الحروب الصليبية التي نفذت الفظائع، والآن هؤلاء هم المسلمون”.
يبدو أن طل يريد أن يأتي دورنا: “نحن يجب علينا الحفاظ على انفسنا كدولة يهودية. اسمع، اذا بدأ طفل هناك عمره ثلاث سنوات في تعليم جيد فسيكون أمل، لكنه ضئيل. فمحو شعب هذا ليس يهوديا، لكن نعم، يجب عليك محو حماس، وكل المشاركين يجب أن يتلقوا ضربة. ويبدو أن جميعهم مشاركون”. لذلك، لم أفهم تماما ما هي اليهودية: الجميع أم لا؟ أن نمحو أم لا؟.
“المكان الاكثر سخونة في جهنم”، نشر في هذا الاسبوع والجيش الاسرائيلي صادق على أن قائد في الناحل اطلق النار وقتل فلسطيني ساعد قوات الجيش الاسرائيلي في رفح. تفاصيل الحادثة: الفلسطيني تم اجباره على العمل كـ “درع بشري”، أي تمشيط مبان من اجل أن يتفجر فيها اذا كانت مفخخة. القائد، الذي لم يكن يعرف ظروف تشغيله، لاحظ تواجده بين الجنود وقام باعدامه. وحشية كبيرة وحيونة، الى أين وصلنا.
مرة اخرى، هذا ليس فقط الجيش البري، أو وحدات تتم قيادتها على يد من استبدلوا شعار “السيف وغصن الزيتون” للجيش الاسرائيلي الذي يوجد على رقعة تاج المسيح. سلاح الجو يقصف بدون توقف ما بقي من غزة. المزيد من “الهجمات” و”اهداف للمخربين”. الطيارون ينفذون والقادة يصادقون ورجال القانون يقومون بالشرعنة.
منطقة القتل التلقائية التي تقسم القطاع تسمى ممر نتساريم، لكن نتساريم كانت ذات يوم مستوطنة بعرض بضعة كيلومترات. هل رأيت في السابق ممر بحجم مدينة؟ هناك عبارة مغسولة في اللغة العلمية وهي المعيار الذي يريدون ترسيخه في لبنان وفي هضبة الجولان. لقد وصلني مقطع فيديو لجنود وهم يغنون ويرقصون ويحملون لفافة توراة الى موقع سوري محتل، في حين أنه في قلب حنيتا، مستوطنة الجدار والبرج الاولى، فقد تم عقد مؤتمر تأسيسي لهستيريين يحلمون بالاستيطان في مرج عيون.
منذ 15 شهر واسرائيل مخطوفة ومستعبدة. الامر الذي بدأ بصدمة كبيرة وحرب دفاعية مبررة اصبح حملة قتل وانتقام لا نهاية لها. فكيف سيساهم ذلك في أمن الدولة ومواطنيها؟. فقدان الصورة الانسانية ومحو قيمة الحياة ونزع شرعية الحرب، يوجد له ايضا ثمن داخلي باهظ، ليس بسبب لاهاي، بل بسبب التضحية بالمخطوفين والجنود وما اصبحنا عليه.
يتم تصوير الصراعات الاخلاقية وآلام ضمائر الاجيال السابقة بأنها هوس يدعو الى الرحمة البعيدة والمنسية. الترمان، (“لذلك”)، س. يزهار (خربة خزعة والأسير”)، عاموس عوز (“حديث المحاربين”)، دافيد غروسمان (“الزمن الاصفر”)، عمرام متسناع وايلي غيفع عشية الدخول الى بيروت. هذا هو النصر المطلق لاعداء اسرائيل، من السنوار الميت وحسن نصر الله الى سموتريتش الحي الذي قال في هذا الاسبوع بأن “نابلس والفندق وجنين يجب أن تكون مثل جباليا”. لقد اصبحنا مثل حماس واصبحنا نشبه الجهاد الاسلامي.
——————————————
إسرائيل اليوم 9/1/2025
كيف ستفتح بوابات الجحيم؟
بقلم: نداف شرغاي
كيف بالضبط يعتزم دونالد ترامب “فتح بوابات الجحيم” على من يحتجز المخطوفين، اذا لم يتحرروا حتى موعد دخوله الى البيت الأبيض بعد 11 يوما؟ الى جانب تشديد الضغط العسكري، ينبغي أن يكون لإسرائيل دور حاسم في بلورة الصيغة ورزمة الإجراءات التي يعدها ترامب الان كي ينفذ التهديد والا يبقى على الورق فقط.
العائق الأساس امام اخضاع حماس والتقدم الحقيقي لصفقة المخطوفين كان ولا يزال املاء إدارة بايدن على إسرائيل في أن تنقل الى غزة مساعدات إنسانية بكميات هائلة. هذه المساعدات من عدو في ساعة الحرب – الوقود، الغذاء وغيره – لا يزال يأتي الى حماس، التي تسمسر فيها، تربح منها الملايين وتمول بواسطتها الرواتب لرجالها، تجند الاف أخرى من المخربين لصفوفها، واساسا – تبقي على حكمها المدني على السكان الغزيين المتعلقين بها.
كل ما ينبغي لترامب أن يفعله بموضوع المساعدات الضارة جدا هذه والتي عمليا اطالت الحرب ومعاناة المخطوفين وعائلاتهم، هو أن يدع إسرائيل تفعل كما تفهم. في بداية الحرب على الأقل، كان “فهمها” هو أنه مطلوب حصار تام على غزة لأننا “نقاتل حيوانات بشرية” لا ينبغي أن نزودهم “بالكهرباء والغذاء والوقود وان يكون كل شيء مغلق” (غالنت، أكتوبر 2023).
إدارة بايدن، بتهديدات حظر السلاح وإزالة مظلة الدفاع السياسية عن إسرائيل غصبها على ان تضخ المساعدات الى غزة، وكنتيجة لذلك مواصلة اعاشة حماس المدنية. ترامب سيكون مطالبا بان يحرر لنا حبلا طويلا في هذا الشأن، هو حرج لاخضاع حماس ولاعادة المخطوفين.
كل الأوراق على الطاولة
الوسيلة المركزية الثانية، في اطار ما يسميه ترامب “فتح بوابات الجحيم” هو ضغط عاقل على ثلاث طول – تركيا، قطر ومصر. التي من جهة متعلقة بالولايات المتحدة وتتمتع بمساعدات اقتصادية وعسكرية سخية جدا منها، ومن جهة أخرى لها علاقات وروافع ضغط هامة على حماس. على ترامب ان يربط بين الجانبين بشكل جلي وواضح: تريدون مساعدات؟ اخنقوا لنا حماس.
قطر، التي هي دولة حماس، تستضيف في نطاقها مليوني اجنبي واقتصادها متعلق بهم. الولايات المتحدة يمكنها أن تحظر وتقلص وجود الأجانب في قطر، وهكذا تضرب بل وتقوض اقتصاد الامارة. وسيلة أخرى: قاعدة القياة الوسطى الامريكية التي في قطر هي التي تضمن وجودها عمليا. يكفي أن تهدد الولايات المتحدة علنا باخراجها من هناك، كي تتضعضع قطر ويكون مجرد وجودها في خطر.
مصر، التي لها حدود مشتركة مع قطاع غزة تتلقى من الولايات المتحدة رزمة معتبرة من المساعدات الاقتصادية والعسكرية. ومؤخرا فقط اقرت لها مساعدات عسكرية بمبلغ 5 مليار دولار تتضمن دبابات، طائرات وذخيرة.
تركيا، التي تستضيف في نطاقها قيادات حماس وقادتها، تستورد بضائع من الولايات المتحدة يمكن زيادة الجمارك عليها او حتى الحظر على استيرادها. على تركيا يمكن فرض مزيد من العقوبات الكثيرة عليها، وفقط اذا ما شاءت الولايات المتحدة – ابعادها عن الناتو أيضا.
ايران هي الأخرى، الوصي المركزي على حماس في السنوات الأخيرة هي بالطبع عنوان للعمل على اقتصادها وعلى حقولها النفطية، لكن بشأنها لا يحتاج الامريكيون الى تشجع – فهم يعملون منذ الان وسيعملون لاحقا.
خطوة أخرى توجد على الرف هي بيان امريكي – إسرائيلي مشترك عن ضم إسرائيلي متدرج، قطرة قطرية، لاراض من قطاع غزة الى نطاق إسرائيل – ضم دائم: اكس دونما على كل يوم يمر بدون ان يكون المخطوفون في البيت، هذا أيضا يجب أن يكون على جدول الاعمال.
——————————————
يديعوت 9/1/2025
رئيس الأركان ورئيس الشباك مسؤولون عن اخفاق 7 أكتوبر، اما نتنياهو وحكومته مسؤولون عن الكارثة
بقلم: يوسي يهوشع
دارج وصف المواجهة بين وزير الدفاع ورئيس الأركان في إطار “ارتفاع درجة”. اما عمليا فان ما يحصل هو عد تنازلي: هجوم آخر وفرصة أخرى الى أن ينفذ رئيس الأركان ما كان ينبغي له أن يحصل منذ زمن بعيد ويضع كتاب الاستقالة.
حقا، لجنة تحقيق رسمية هي واجب وطني واخلاقي. كُتبت هذه الأمور هنا مرات لا تحصى. استقالة هرتسي هليفي لن تقلل من حقوقه الكثيرة. صحيح أن تعيينه تم في نوع من الاختطاف من قبل الوزير بيني غانتس، لكن هليفي كان في حينه الرجل المناسب.
اما في النهاية، فالحديث يدور عن رئيس اركان على اسمه أيضا يسجل الفشل الأمني الأخطر منذ إقامة دولة إسرائيل، فشل ادخلنا الى ورطة تتواصل 15 شهرا ويمكن للتداعيات ان تتواصل لسنوات طويلة أخرى. من المهم الايضاح بانه بخلاف حرب لبنان الثانية في 2006 مثلا، التي بدأت كنتيجة لحدث تكتيكي (اختطاف ايهود غولدفاسر والداد ريغف رحمهما الله) والمسؤولية توزعت بين الكتيبة، اللواء وفرقة الجليل – اتخاذ القرارات في الليلة التي بين 6 و 7 أكتوبر كانت لرئيس الأركان الى جانب رئيس الشباك وقائد المنطقة الجنوبية.
هليفي اتخذ القرار بعدم استدعاء لتقويم الوضع قائد سلاح الجو ورئيس شعبة الاستخبارات (او أيا لينوب عنه)، هو الذي فضل الإبقاء على المصادر وعدم رفع حالة التأهب في أوساط القوات في فرقة غزة. وكما قال هنا قائد الكتيبة 51، المقدم اوحايون فانه “لو كانت لي فقط ساعة لبدا كل شيء مختلفا”. كما ان هليفي قرر موعد تقويم الوضع في الثامنة والنصف صباحا لان من ناحيته لم يكن حدث يبرر ان يسري مبكرا وزير الدفاع ورئيس الوزراء.
لكن بسبب الازمة السياسية وسلوك المستوى السياسي فان الكثيرين ببساطة لا يفهمون: الجيش في الازمة الأخطر في تاريخه. رغم النجاحات منذئذ في لبنان وفي غزة يوجد قدر واسع من فقدان الثقة بالجهاز الذي لم يقم بالمهمة التي من اجلها أقيم، ولا يقل خطورة عن ذلك: فقدان ثقة القيادة الدنيا بالمستويات العليا، حتى هيئة الأركان.
في حالات حوادث التدريب يقررون أحيانا فتح تحقيق جنائي. على ما حصل في 7 أكتوبر، الإهمال والعمى (وليس المفاهيم المغلوطة الخطيرة)، كان يفترض أن يحصل الامر ذاته. وبدلا من ان يكون الطلب في هذا الموضوع واسعا ولا لبس فيه فان الشرخ السياسي الذي جلبنا حتى هنا خلق طبقة حماية حول هليفي ورونين بار ومسؤولين آخرين يتخذون القرارات بدلا من ان يمروا على كل بيت ويعتذروا.
وبسبب أن الوضع بشع بهذا القدر، في هذه المرحلة يجب الإشارة الى الامر المسلم به: نتنياهو، حكومته وكل المستوى السياسي العالي في الـ 15 سنة الأخيرة مسؤولون عن الكارثة. نتنياهو، الذي تباهى بقدراته وبكونه “مستوى مختلف”، لم يخرج نقيا من القرارات الاستراتيجية التي اتخذها: تعزيز حماس على حساب السلطة الفلسطينية، تصغير الجيش، اغلاق وحدات واعداد عليل لحرب متعددة الجبهات. كما ان رؤساء الأركان لا يقصرون خدمة الزامية بناء على رأيهم أنفسهم وميزانية الدفاع التي تقلصت بالنسبة للناتج القومي الخام الذي ارتفع لم يحصل بسبب قرار هيئة الأركان.
ورغم كل شيء، فان توقعنا من لابسي البزات لا يزال مختلفا. “مني سترهبون ونعم ستفعلون”، هذا فقط شعار عليل اذا لم يكن رئيس الأركان يتصرف بموجبه. المعركة الدورية بين كاتس وهليفي تتراوح بين ساحات مختلفة: الالتماس للعليا المتعلق بالتجنيد، ادعاءات مراقب الدولة ضد الجيش والتأخير في تسليم التحقيقات الداخلية.
بالنسبة لالتماس العليا، تميز الوزير إسرائيل كاتس غضبا عندما اعلن الجيش بانه يمكنه أن يجند كل الحريديم ابتداء من 2026. وجاء الرد من ساحة المراقب والتحقيقات، في شكل كتاب بعث به كاتس الى وسائل الاعلام وفيه التعليمات للتعاون مع المراقب.
في هذا السياق، انتقاد كاتس مبرر للغاية: كتاب المراقب انجلمان ضد رئيس الأركان خطير للغاية وينضم الى الاقوال التي كتبت هنا عن تلويث التحقيقات. هكذا، مثلا، عرض على هيئة الأركان تحقيق هام للغاية للواء الشمالي في غزة، الذي في جبهته جرت حفلة نوبا واختطف منها مجندات المراقبة من ناحل عوز، لكن تبين ان التحقيق اجري دون رواية قائد كتيبة 77 الذي كان مسؤولا عن الخط. لكن الوزير كاتس أيضا ليس معقبا من الدوافع الخفية. فالبيان عن المراقب كان يمكنه أن يصدره فور نشر الأمور يوم الاثنين. فلماذا لم يفعل هذا؟ هو يعرف لماذا.
كما أن بيان الناطق بلسان ضد الناطق العسكري كان زائدا. بخلاف الحادثة المتكدرة التي وقف فيها هجاري ضد المستوى السياسي، فان من كتب الرد الحاد لوزير الدفاع كان رئيس الأركان بنفسه. الناطق العسكري ليس جنديا صغيرا، لكن المسؤولية هي على هليفي. هنا أيضا يجدر بالذكر ان هجاري كان بقعة ضوء في الحرب. عرف كيف يقف امام الجمهور في اللحظات الأصعب التي تلقى فيها نتنياهو والمستوى السياسي انفلونزا كاميرات.
التحديات الهائلة التي امامنا تجعل كل هذه المسألة ضررا بالامن، ليس اقل. والطريق لانهائها يمر في الفهم بان الدولة أهم من الأنا وان التاريح سيحاكم في كل حال حتى أولئك الذين يعتقدون انهم سيتملصون من المسؤولية من خلال مناورات سياسية وحصانة إعلامية. الحقيقة تنبت من الأرض وفي هذه الحالة ستتفجر أيضا.
——————————————
هآرتس 9/1/2025
ماذا عن دم أطفال فلسطين؟
بقلم: أسرة التحرير
قتل الجيش الإسرائيلي أول من أمس، طفلين ابني ثمانية وعشرة أعوام في هجوم لمسيرة في قرية طمون، قرب نابلس. لم يكن هذا ردا على هجوم حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الذي تستخدمه دولة إسرائيل منذئذ كذريعة لسياسة النار لديها في قطاع غزة، بل في إطار دعوات اليمين الاستيطاني لتحويل مناطق الضفة الغربية إلى غزة. وحسب الجيش الإسرائيلي كان هجوم المسيرة موجها إلى عبوات ناسفة.
حسب معطيات الجيش الإسرائيلي، فمنذ بداية الحرب شن 110 هجمات من الجو في الضفة الغربية، وكنتيجة لها قتل 220 فلسطينيا. لكن بالنسبة لليمين الاستيطاني حتى هذا لا يكفي، إلى أن تبدو الضفة مثل قطاع غزة وكل الفلسطينيين بصفتهم هذه – سواء أكانوا (ماقومي( حماس أم هم أبطال تورطوا في المنطقة – سيكونون بمثابة أهداف يجب قتلهم، فإنهم لن يهدأوا.
رؤية اليمين الاستيطاني صاغها ممثلهم في الحكومة – الوزير بتسلئيل سموتريتش. في أعقاب عملية النار في الفندق التي قتل فيها رجل وامرأتان، صرح سموتريتش منطقة “الفندق في نابلس وجنين يجب أن تبدو كجباليا، كي لا تكن كفار سابا كفار عزة”. واستغل بعض رؤساء السلطات المحلية في المناطق العملية الفتاكة في الفندق كي يطالبوا الحكومة والجيش بأن تفتح إسرائيل ساحة حرب أخرى في الضفة، وأن تنزع “قفازات الحرير”. طلبوا وتلقوا.
إن محاولة وصف المعاملة للفلسطينيين في الضفة كمعاملة بقفازات من حرير هي محاولة سخيفة. فليست أعمال الجيش الإسرائيلي فقط في البر وفي الجو، بل أيضا عنف المستوطنين يحطم أرقاما قياسية – سواء أكانت هذه جماعات أهلية فلسطينية تضطر إلى أن تخلي مواقعها في أعقاب تنمر المستوطنين أم هي جولات فتك واعتداءات جماعية.
لكن كل هذا لا يعني من يريدون أن يروا في الضفة أيضا طردا للسكان وهدما لمبان كاملة وبنى تحتية: من يرون الصور من قطاع غزة المقصوف والمعطيات عن عشرات آلاف القتلى، ويغارون. يغارون من قطاع غزة، حيث يسيطر الإجماع بأنه لا يوجد هناك أبرياء. يوم الثلاثاء الماضي قال النائب موشيه سعادة: “لا مشكلة لدي أن يموت أطفال في غزة”. من ناحيته، فإن “الطريق الوحيد لإعادة الأمن هو مواصلة الحصار على غزة. خطأنا هو أننا لم نعمل هكذا حتى اليوم”. وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، وعد المستوطنين بأن تعمل إسرائيل بقوة وشدد: “لن نحتوي ولن نعتاد الفعل الفلسطيني. دم اليهودي لن يكون سائبا”.
لكن ماذا عن دم الأطفال الفلسطينيين؟ هذا لم يعد يعني أحدا في دولة إسرائيل. محظور السماح لليمين الاستيطاني بجر الدولة إلى حرب جوج وماجوج انطلاقا من الفكر، بأن هكذا سيأتي الخلاص. محظور تنفيذ إرادة اليمين الاستيطاني “لجعل الضفة قطاع غزة”.
——————————————
معاريف 9/1/2025
حرب غزة: فشل إستراتيجي مدوٍ لإسرائيل
بقلم: حاييم رامون
لا تدعوا الإنجازات التكتيكية للجيش الإسرائيلي تخفي الحقيقة المرة. فلا تزال “حماس” تسيطر على معظم الأراضي، وعلى السكان، وعلى المساعدات الإنسانية، وتحتفظ بـ 100 رهينة، وتستمر في إطلاق الصواريخ، ويؤدي هذا إلى نزيف دماء جنودنا.
لقد فشلت هيئة الأركان والمجلس الوزاري للحرب في تحقيق الهدف الرئيسي للحرب، وهو الإطاحة بحكم “حماس” وتدمير قدراتها العسكرية، ولو قالوا لنا في بداية الحرب، إنه بعد حوالى ثلاثة أشهر من القتال ستكون هذه هي الحقيقة ما كان أحد منا سيصدق أن هذا هو ما سيحدث، والآن بعد 15 شهرا من القتال لم يتم تحقيق أي من أهداف الحرب.
ضربت إسرائيل “حزب الله” بشدة، ودمرت الوسائل الرئيسة للجيش السوري، وقضت على نظام الدفاع الجوي الإيراني، وضعفت بشكل كبير السيطرة الإيرانية على المنطقة، وهذه إنجازات استراتيجية هائلة، ولكن في قطاع غزة لا تزال “حماس” تسيطر على جميع المناطق التي لا يتواجد فيها الجيش الإسرائيلي، ولا تزال تحتفظ بقوة عسكرية كبيرة، ولا تزال تحتفظ بـ 100 رهينة، ولا تزال تنجح في إدارة القتال بشكل فعال ضد قواتنا.
فقط في كانون الثاني الماضي، سقط 13 جنديا في القتال في القطاع، وأصيب العشرات بجروح خطيرة، ولا يزال بإمكان “حماس” إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل حتى الوقت الحالي كما لو أننا لا نشن حرباً هناك منذ 15 شهرا.
الإنجازات التي حققها الجيش الإسرائيلي في ساحات القتال الأخرى تسلط الضوء فقط على عمق الفشل في القطاع. نعم، تعرضت “حماس” لضربة قاسية، العام الماضي، وتمت تصفية قادتها، يحيى السنوار ومحمد الضيف، وآلاف من مقاتليها، لكن حكمها المدني لا يزال ممتدا على كل القطاع، وقوتها العسكرية لا تزال تعمل، ويجب ألا تخفي الإنجازات التكتيكية المثيرة للإعجاب للجيش الإسرائيلي الحقيقة المرة: الحرب في القطاع هي فشل استراتيجي مدوٍ.
في ضوء الإنجازات الاستراتيجية المثيرة للإعجاب للجيش الإسرائيلي في الساحات الأخرى يمكننا التأكيد بشكل قاطع أن الفشل الاستراتيجي في مواجهة “حماس”، وهي أضعف أعدائنا، لم يكن محتما.. هذا الفشل هو نتيجة لخطة استراتيجية خاطئة ولعجز القيادة العسكرية والحكومة في استخلاص الدروس واعتماد خطة استراتيجية بديلة.
في هذه الحرب، حددت الحكومة، بالتشاور مع هيئة الأركان، هدفا استراتيجيا رئيسيا صحيحا: تدمير دولة “حماسستان”، وهو هدف كان ينبغي تحقيقه منذ العام 2008 في عملية “الرصاص المصبوب”، لكن للأسف فشلت. منذ ذلك الحين كان يجب تحديد هذا الهدف بأنه هدف الحرب في كل عملية عسكرية في القطاع، ولكن للأسف لم يحدث ذلك حتى كارثة 7 تشرين الأول، ولكن من البداية كانت خطة الحرب التي أعدتها هيئة الأركان غير قادرة على تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.
الفشل الاستراتيجي المتوقع مسبقا كان نتيجة لخطأين رئيسيين: استراتيجية الدخول والخروج التي تم تحديدها للعمليات البرية، والمقاومة لإنشاء حكومة عسكرية مؤقتة في القطاع ولإشراف الجيش الإسرائيلي على المساعدات الإنسانية وتوزيع الخبز والمياه على السكان المدنيين.
يجب الإشارة إلى الخطأ الحاسم في أن هيئة الأركان رفضت بدء العمليات البرية في الشمال والجنوب في وقت واحد، وفقط في أيار – حزيران استولى الجيش الإسرائيلي على محور فيلادلفيا والمعابر، بمعنى آخر، أعدت هيئة الأركان خطة استراتيجية سمحت لـ”حماس” بالحصول على إمدادات مستمرة من الأسلحة والوقود والطعام دون عوائق لمدة سبعة أشهر.
رئيس الأركان، هرتسي هليفي، هو المسؤول عن تشكيل استراتيجية الدخول والخروج، التي تقوم على خروج قوات الجيش الإسرائيلي من أي منطقة قتال فور انتهاء مهمة هزيمة قوات “حماس” هناك، ومن البداية لم يكن هناك أي منطق عسكري في هذه الاستراتيجية، لأنه كان واضحا أن “حماس” ستعود إلى أي مكان يتركه الجيش الإسرائيلي.
شرح الجنرالات الأميركيون ذوو الخبرة ذلك لقيادات الأمن لدينا، ولكن هؤلاء أغلقوا آذانهم عن سماعها. وجّه الجنرال الأميركي، تشارلز براون، انتقاداً غير مباشر لهيئة الأركان، عندما أوضح: “ليس فقط يجب عليك الدخول حقاً وتدمير العدو الذي تقاتل ضده، يجب عليك أيضاً السيطرة على الأرض، ثم عليك تحقيق الاستقرار”.
في المناطق التي خرج منها الجيش الإسرائيلي بعد أن سيطر عليها أعادت “حماس” بناء قوتها بسرعة، واضطر الجيش للعودة للقتال فيها مرارا وتكرارا. حدث ذلك في الشجاعية، وفي الزيتون، وفي خان يونس، وبالطبع في جباليا حيث نخوض الآن معركة موسعة للمرة الثالثة! وذلك بعد أن أوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في كانون الأول 2023 أن قوات الجيش الإسرائيلي أكملت السيطرة على مخيم اللاجئين جباليا، وأدت إلى تفكيك الكتيبة الشمالية لـ”حماس” التي كانت تعمل في المنطقة.
الرفض العنيد لإنشاء آلية سيطرة للجيش الإسرائيلي على توزيع الطعام والمساعدات الإنسانية سمح لـ”حماس” بمواصلة الحفاظ على حكمها المدني وقوتها العسكرية، إضافة إلى الاستيلاء على معظم المساعدات الإنسانية التي دخلت القطاع، واستخدمها لتزويد قواتها، وتمويل تجنيد متطوعين جدد في صفوفها، والحفاظ على سيطرتها على السكان المدنيين.
انتقد الجنرال المتقاعد، ديفيد بترايوس، الاستراتيجية التي اتبعتها إسرائيل في القطاع، قائلا: “قتل الإرهابيين ومقاتلي العصابات واعتقالهم غير كافٍ؛ المفتاح لتحقيق الإنجازات الأمنية ووقف تجنيد مقاتلين جدد من العدو هو السيطرة على الأرض، وحماية السكان المدنيين، وتوفير حكومة وخدمات لهم، لكن مرة أخرى”، سقطت هذه النصائح على آذان صماء.
في مقاومة إنشاء آلية سيطرة للجيش الإسرائيلي على توزيع الخبز والمياه حصل غالانت على دعم هائل من رئيس الأركان، وحتى عندما حاول رئيس الوزراء فحص إمكانية إنشاء حكومة عسكرية مؤقتة، قام الوزير ورئيس الأركان وكبار ضباط هيئة الأركان بكل ما في وسعهم لمنع ذلك – من رفض تخصيص قوات لتوزيع الطعام والمساعدات، إلى تسريب وثيقة من جهاز الأمن تدعي زورا أن الحكومة العسكرية تحتاج إلى خمس فرق في القطاع.
الفشل الاستراتيجي في القطاع تتحمل مسؤوليته ثلاث جهات رئيسية: رئيس الوزراء نتنياهو، والوزير غالانت، ورئيس الأركان هليفي، حتى لو لم تكن هناك الكارثة الكبرى في 7 تشرين الأول، كان يجب على الثلاثة أن يذهبوا إلى منازلهم بسبب فشلهم هذا.
يجب الإشارة إلى أن غانتس، الذي دعم خطة هيئة الأركان الفاشلة أثناء وجوده في مجلس الحرب، وتحدث عن بديل حكومي ليس “حماس” ولا عباس ولا الجيش الإسرائيلي، يتحمل المسؤولية عن الفشل أيضا، وأنه من المحتمل أن غانتس كان يتوقع أن يظهر شيء مثل “سوبر مان” يأخذ السلطة في القطاع.
على أي حال، لا يمكن تصحيح الأخطاء التي ارتُكبت في الحرب الآن، ويجب التوجه نحو المستقبل، وفي الأشهر الأخيرة حارب الجيش الإسرائيلي بشكل مكثف في جباليا، ولكن حتى الآن لا يبدو أن هناك أي نية للقيام بما كان يجب أن يتم منذ بداية القتال: احتلال كامل القطاع وإنشاء آلية سيطرة للجيش الإسرائيلي على توزيع الخبز والمياه للسكان، بمعنى آخر يبدو أن الخطة هي الاستمرار في المستنقع القتالي والسماح لحكم “حماس” بالاستمرار، وبالتالي ليس هناك أي معنى للاستمرار في الحرب، وأن جنودنا سيستمرون في الموت في مهمة بلا هدف استراتيجي.
—————–انتهت النشرة—————–