أهم الاخبارانتهاكات الاحتلالتقارير ودراسات

حواجز الاحتلال العسكرية تسرق أعمار المواطنين وصحتهم وحولت الضفة الى “كانتونات” معزولة

المسار : كتبت نور عودة: تجلس الطالبة الجامعية رجاء يحيى، 22 عامًا، منذ السادسة صباحًا أمام كتل إسمنتية ضخمة، أغلقت فيها قوات الاحتلال طريق “المربعة” الذي تسلكه إلى جامعتها في مدينة نابلس.

بعد أربع ساعات من الانتظار في البرد القارس وتحت الأمطار، تترقب سماح قوات الاحتلال لها بالمرور، لكن الجندي الذي يوجه بندقيته صوبهم يرفض ذلك.
حاجز “المربعة” هو أحد الحواجز العسكرية التي استحدثتها قوات الاحتلال مع عشرات الحواجز والبوابات العسكرية في الضفة الغربية بعد 7 اكتوبر، على الطريق الواصل بين قرية بورين ومدينة نابلس، يعد جزءًا من شبكة الحواجز العسكرية التي تعرقل حركة المواطنين بين المدن والقرى التي أقامها جيش الاحتلال بعد السابع من أكتوبر 2023، مما حول المدن الفلسطينية إلى كانتونات معزولة.”

ووصل عدد الحواجز والبوابات الحديدية التي نصبها جيش الاحتلال في الضفة الغربية إلى 898 حاجزا عسكريا وبوابة، منها 18 بوابة حديدية منذ بداية العام الجاري 2025، و146 بوابة حديدية نصبها الاحتلال بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
في زوايا الحاجز، يقف الجنود المدججين بالسلاح، يتابعون كل حركة للمواطنين، لا مكان للوقت هنا؛ الساعات تمتد كأعمار كاملة، والدقائق تطول بشكل غير محتمل، والمواطن العابر لا يملك سوى صبره في انتظار الإشارة من الجندي لتحديد مصيره.

على مقربة من تلك الكتل الإسمنتية، تتكئ رجاء يحيى، على حقيبتها، عيونها يملؤها الإرهاق، ليس بسبب الدراسة فقط، بل أيضا بسبب الانتظار الطويل على الحاجز في الجو البارد الذي تسلل إلى عظامها، وهي معاناة تتفاقم مع مرور الوقت بسبب مرض السكري الذي تعاني منه، وتحتاج بشكل منتظم الى علاج ودفء وراحة.

ويحرم الانتظار الطويل على الحاجز العسكري رجاء من الحصول على جرعات الأنسولين الخاصة بها في وقتها المحدد، الامر الذي يفاقم حالتها الصحية، جراء ارتفاع نسبة السكر في دمها حينا وانخفاضه حينا آخر، ما يفقدها توازنها ويسلبها قوتها.

تقول رجاء مستذكرة تلك اللحظات العصيبة على الحاجز العسكري “لأول مرة كنت قريبة من الموت لهذه الدرجة، وكان السبب حواجز الاحتلال”، مضيفة “لم تكن هذه المرة الأولى التي أتأخر فيها عن موعد أدويتي بسبب الحواجز العسكرية، لكنها كانت الأصعب.”
تقول رجاء، وعلامات الإنهاك والتعب تجتاح ملامحها: “أنا طالبة في جامعة النجاح. في دمي تدور معركة يومية مع السكري، لكنه ليس عدوي الوحيد، الحواجز التي أُجُبر على انتظارها لساعات تسرق مني أكثر من وقتي، إنها تسرق صحتي، جرعات الأنسولين ليست مجرد دواء، إنها طوق نجاة لي، لكن كيف لي أن ألتزم بمواعيدها وأنا محاصرة بين الجدران والأسلاك؟ كم مرة شعرت بجسدي ينهار، وقلبي يخفق بجنون، وعيناي تصاب بالدوار والغشاوة، وأنا واقفة هناك، بلا حول ولا قوة؟ السكري ينهكني، لكن الحواجز تقتلني ببطء.”

على حاجز دير الشرف العسكري المحيط أيضا بنابلس، لم يكن حال الطالبة رهف حنون أفضل، فالطريق الذي اعتادت ان تسلكه من بلدتها عنبتا إلى نابلس، يستغرق في الوضع الطبيعي نحو نصف ساعة لقطعه، لكنه بات اليوم بحاجة الى أربع أربع ساعات وأكثر بسبب الحاجز العسكري.
تقول رهف: “الطريق إلى الجامعة أصبح كابوسًا، أحيانًا نصل في ساعة، وأحيانًا أربع ساعات، الوضع أصبح مرهقًا وغير محتمل”.

رهف، مثلها مثل آلاف الطلبة، تخوض معركة يومية للوصول إلى جامعتها، حيث باتت الحواجز تسرق ساعات من حياتها ومن جامعتها ودراستها، كما استنزفت طاقاتها النفسية والجسدية.

هذه المعاناة لا تقتصر على الطلبة فقط؛ فالأستاذة منى هواش المحاضرة في جامعة النجاح، التي كانت طالبة في الجامعة قبل أكثر من عقدين، تجد نفسها شاهدة على دوامة مستمرة من العوائق والانتهاكات. تقول منى: “عندما درسنا في عام 2000م، خلال انتفاضة الأقصى، كنا نمر بتجربة مشابهة حيث كنا نضطر لسلك طرق التفافية والمشي لساعات عبر الجبال للوصول إلى الجامعة”.

لم تعد هذه الحواجز مجرد نقاط تفتيش، بل أصبحت مواقع للتنكيل والإهانة، حيث يتعرض الفلسطينيون للاعتداءات الجسدية و الإهانات المتعمدة، ويُحتجزون لساعات طويلة في ظروف قاسية. وبينما تكفل المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حق الأفراد في التنقل بحرية، يبقى هذا الحق معلقًا في فلسطين بسبب الاحتلال.

يهدف جيش الاحتلال من الحواجز العسكرية الى خنق المواطنين، والتنكيل بهم، وفصل القرى والبلدات وعزلها عن بعضها، وتكريس السيادة والهيمنة على المناطق، وتنغيص حياة الفلسطينيين وجعلها غير قابلة على التحمل لدفعهم للتهجير، لكن رغم ذلك يواصل المواطنون حياتهم بأمل وإرادة تتجسد في كل لحظة ينتظرون فيها خلف كتل الإسمنت، وفي كل خطوة يخطونها عبر الحواجز التي تقطع أوصال وطنهم.

تحول الحواجز العسكرية الاف المواطنين يوميا الى أسرى بندقية جندي، تحرمهم من الوصول الى أماكن عملهم ودراستهم ومنازلهم وعائلاتهم، ورغم ان كل مواطن يخوض معركته على الحاجز، الا ان ذلك لا يسلب منها صفة معركة الكل الفلسطيني، التي يجب مواجهتها.

المصدر : وطن للأنباء