فلسطيني 48

دراسة | ميزانيات أقل للتعليم العربي مقارنة بالتعليم في المجتمع اليهودي

أظهرت دراسة أن التعليم العربي الرسمي لا يزال يحظى بميزانية أقل من التعليم اليهودي، كما أن التعليم الحكومي الديني اليهودي يتلقى ميزانية أعلى من باقي الأنظمة. حاورنا رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، د. شرف حسان، حول هذا الموضوع.

المسار الاخباري: تزال الفجوات في تخصيص الميزانيات بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي في اتساع مستمر على الرغم من زيادة التمويل الحكومي للتعليم الابتدائي في إسرائيل، خلال العقد الماضي.

في دراسة حديثة أجراها مركز “تاوب” لدراسات السياسة الاجتماعية في إسرائيل، استعرض الباحثان ناحوم بلاس وحاييم بليش الأسباب الكامنة وراء هذه الفجوات، وركزت الدراسة على سبب تخصيص ميزانية أقل بكثير لنظام التعليم الحكومي في المجتمع العربي مقارنة بالتعليم الحكومي الديني في القطاع اليهودي.

تناولت الدراسة الفجوات في الميزانية لكل صف وميزانية لكل طالب في الأنظمة التعليمية الحكومية (اليهودي)، والتعليم الحكومي الديني اليهودي، والتعليم الرسمي (العربي) بين عامي 2014 و2023. ووجدت أن السبب الرئيس لاختلاف الميزانيات يكمن في الصيغ المرنة والمتغيرة لتوزيع الميزانية.

ركزت الدراسة على العوامل الرئيسة التي تؤثر على ميزانية المدرسة، مثل: مؤشر رعاية المدرسة (الذي يصنف المؤسسات التعليمية وفقًا للمستوى الاجتماعي والاقتصادي المتوسط لطلابها ويوفر ميزانية أعلى بناءً على زيادة المؤشر)، وحجم المدرسة (فكلما كانت المدرسة أصغر، زادت الميزانية لكل فصل، وخاصة لكل طالب)، ووجود يوم دراسي طويل (ما يزيد من الميزانية)، وكذلك وجود فصول منفصلة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة (ما يؤدي إلى زيادة الميزانية).

بينّت الدراسة أنه على الرغم من أن الفجوات بين القطاعات قد تقلصت على مر السنين (بسبب تطورات مختلفة، بما في ذلك التحسن في البيانات الاجتماعية والاقتصادية لطلاب التعليم الحكومي الديني اليهودي والعربي، بالإضافة إلى التغييرات في حجم المدارس)، إلا أن الفجوات لا تزال كبيرة ويمكن تقليصها. لا يزال التعليم العربي الرسمي يحظى بميزانية أقل من التعليم اليهودي، كما أن التعليم الحكومي الديني اليهودي يتلقى ميزانية أعلى من باقي الأنظمة.

كشفت الدراسة كذلك أن المدارس الحكومية هي الأكثر اكتظاظًا، إذ أن 50% من طلاب المدارس الحكومية اليهودية يدرسون في صفوف تضم أكثر من 28 طالبًا، مقارنة بـ31% في المدارس الحكومية الدينية اليهودية و20% في المدارس الرسمية العربية.

وأظهرت النتائج أيضا أن أعلى إنفاق حكومي على الطالب الواحد يكون في التعليم الحكومي الديني اليهودي، بينما يُخصص أقل إنفاق في التعليم الحكومي العربي، مع وجود فجوة تقدر بنحو 8% بين النظامين. بين عامي 2014 و2023، ارتفع عدد الطلاب في التعليم الحكومي اليهودي واليهودي الديني بنسبة 23%، بينما ظل عدد الطلاب في المدارس العربية ثابتا.

وأشارت الدراسة إلى أن الوضع اليوم ليس جيدا، والفروق في الميزانيات تترجم إلى فجوات كبيرة في تحصيل الطلاب. الصيغ الحالية ليست مقدسة، بل حُددت وصيغت على مر السنين لتعكس القيم والمفاهيم التعليمية والسياسية للقائمين على قيادة النظام.

وأكدت الدراسة أن تقليص الفجوات الحالية ممكن من خلال تعديل صيغ الميزانية أو تغيير الأوزان المعطاة للمكونات المختلفة في الصيغ الحالية. على سبيل المثال، يمكن إعطاء وزن أكبر لمؤشر رعاية المدرسة مقارنة بمؤشر حجم المدرسة، وتقليص عدد الفصول الصغيرة المكلفة عن طريق دمج الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة في الفصول العادية.

في هذا السياق، رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، د. شرف حسان:

ما هي الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى استمرار الفجوات في ميزانيات التعليم بين القطاعات المختلفة على الرغم من زيادة التمويل الحكومي؟

حسان: هذا البحث يظهر أنه على مدى الوقت ونحن نتحدث عن العقد الذي بحث فيه هذا البحث، هناك تقلص في الفجوات ولأسباب مختلفة لا تزال الفجوة قائمة، وهذا مرتبط بالمعادلات التي يتم من خلالها توزيع الميزانيات، لأنها تعد عوامل أساسية لتوزيع الميزانيات، وهذه المعادلات ليست كلها سيئة، وفي جزء من هذه المعادلات تمكنا نحن من تغييرها أو العمل بموجبها بعد نضال طويل، مثل تخصيص الميزانيات على أساس تفاضلي وفقا للحالة الاجتماعية الاقتصادية للطلاب، وهو ما ساهم كثيرا في تقليص الفجوة في الميزانيات، علما أن الغالبية الساحقة من الطلاب العرب يتواجدون في الخمس الأضعف من حيث المستوى الاقتصادي الاجتماعي، وفي المقابل لدى المجتمع اليهودي وخاصة أولئك الذين ينتمون للتعليم الرسمي الديني اليهودي حصل تحسين اقتصادي كبير وسريع، وهذا أثّر على طريقة تخصيص ميزانية التعليم وساهم في تقليص الفجوات وليس بسبب أن ميزانيات التعليم تغيرت وإنما المعادلات هي التي تغيرت، والسبب الأساسي المؤثر هو عدد الطلاب في المدرسة.

من خلال الاطلاع على طرق تخصيص الميزانية، وجدت أن هناك عوامل تؤثر منها عدد الطلاب في الصف وفي المدرسة، والمجتمع العربي غير متساو أصلا والبحث يتعاطى معه كوحدة واحدة، على الرغم من أننا نعلم أن هذه المعطيات تختلف كثيرا ما بين النقب والمثلث والجليل، كيف يمكن التركيز على ضرورة التعامل مع هذه الاختلافات حتى على صعيد المجتمع العربي؟

حسان: هذا صحيح، البحث لا يتناول الاختلاف الموجود في المجتمعات، وإنما تناول ثلاث شرائح بصورة عامة، التعليم اليهودي الرسمي، والتعليم اليهودي الديني الرسمي، والتعليم العربي الرسمي، ولم يخض بالتفاصيل، والفروقات داخل كل مجموعة، وأعطى نظرة عامة، بينما نحن نعلم أنه في التعليم بالنقب هناك قضايا شائكة وأغلبية المدارس الكبرى موجودة في النقب، بسبب أنها تجميع لطلاب من عدة قرى وبلدات غالبيتها من قرى مسلوبة الاعتراف ما يجعل المدارس مع عدد كبير من الطلاب، وهذا يؤثر سلبا على تخصيص الميزانيات المخصصة وفقا لعدد الصفوف، فالميزانية توزع حسب وضع الطالب وحسب عدد الصفوف في المدرسة، وفي المدارس الكبيرة عادة تكون أيضا الصفوف كبيرة، ولذلك حصتها من الميزانيات قد توازي حصة مدرسة في المركز أو حتى في الشمال مع عدد طلاب أقل بكثير، وهذه ميزة إضافية للتعليم الديني الرسمي اليهودي، فلديهم مدارس صغيرة وعدد طلاب قليل ويكون معدل الميزانية للطالب أعلى.

يمكنك شرح كيف يؤثر مؤشر رعاية المدرسة وحجم المدرسة على حجم الميزانية المخصصة للطالب، وهل ترى أن تعديل هذه المعايير قد يحقق المساواة؟

حسان: القصد من هذا الأمر هو عدد الطلاب في المدرسة وعدد الصفوف فيها، لأن المعايير التي تخصص فيها الميزانيات من قبل وزارة التعليم تكون حول عدد الطلاب وعدد الصفوف في المدرسة، وهكذا تخصص ساعات التعليم (ميزانيات) بمعنى مدرسة فيها 30 صفا يمكن أن تحصل على ميزانية ما، وكل ما ارتفع عدد الطلاب في المدرسة انخفض معدل الميزانية للطالب، وبالتأكيد كلما تم تعديل هذه المعايير كلما تحققت المساواة أكثر في الميزانيات وخاصة ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الفوارق التاريخية في البنية التحتية للمدارس.

كيف تفسر الفروق الكبيرة بين ميزانية التعليم الرسمي العربي والتعليم الرسمي الديني اليهودي على الرغم من أن أحد المعايير لتخصيص الميزانيات هو الحالة الاجتماعية الاقتصادية لعائلات الطلاب، بحيث يجب أن يحصل الطلاب من شريحة ضعيفة على ميزانيات أعلى وكما هو معلوم وكما يظهر أيضا من الدراسة الطلاب في التعليم العربي هم الشرائح الأضعف اقتصاديا واجتماعيا؟

حسان: التوزيع في الميزانيات بشكل تفاضلي أمر جيد بالنسبة للتعليم العربي، هذه المعادلة تمت تبنيها بعد نضال كبير، ولكن هناك معادلات أخرى لا تساعدنا كما ذكرت سابقا مثلا صفوف كبيرة وعدد طلاب كبير في المدرسة، وكذلك صفوف تعليم خاص ويوم تعليمي طويل، هذه مؤشرات تؤثر سلبا في نسب الميزانيات.

لو كنت في مركز المستشار لصناع القرار، ما هي التوصيات العملية التي يمكن تقديمها لتقليص الفجوات وتحقيق توازن ومساواة؟

حسان: قبل الخوض في موضوع الميزانيات، والذي سبق وتحدثت عنه في الأسئلة السابقة، وخاصة ضرورة التعامل مع الفجوات القائمة في البنية التحتية للتعليم مثل تطوير مدارس وبناء غرف دراسية خاصة في النقب، والتي لا تتحدث عنها الدراسة، وهي متراكمة على مدار سنوات طويلة، ما يعاني منه التعليم العربي على الرغم من أنني لا أقلل من أهمية الميزانية وقدرتها على تحسين التعليم، ولكن أزمة التعليم العربي متعلقة بمكانة التعليم العربي في وزارة التعليم، وعدم وجود استقلالية للتعليم العربي، ومناهج تعليم ملائمة، وتقييد المعلمين من خلال سياسة الضبط والسيطرة على المعلمين، ما لا يبقي مجال للحرية للمعلم لممارسة عمله، واقتصار مهامه على المنهاج وتحضير العلامات وعدم الخروج عن هذا المنهاج، ما يقتل المبادرة وروح القيادة عند المعلمين، وهذا أحد الأسباب الهامة التي تحتاج للمعالجة.