
الأخوة والرفاق أعضاء المجلس المركزي،
تقف حركتنا الوطنية اليوم أمام خيارات مصيرية سوف تقرر مستقبل شعبنا ووجوده الوطني لأجيال قادمة. وعند هذه النقطة، حين يكون مصيرنا الوطني كله مهدداً بالهلاك، لا يبقى ثمة مجال للحسابات الفئوية قصيرة النظر ولا لمحاولات كسب النقاط على حساب بعضنا البعض.
لا شك أننا بحاجة إلى مراجعة نقدية لمسيرتنا النضالية بمختلف محطاتها، ولكن: ونحن في خضم حرب الإبادة المفروضة علينا، والتي ما ينفك يتأجج لهيبها، ليس في غزة لوحدها، بل في الضفة بما فيها القدس، فإن السؤال الرئيسي هو كيف نضم الصفوف للتصدي لهذه الحرب لوقفها وإحباط أهدافها.
لم يعد ثمة غموض بشأن أهداف هذه الحرب. فتصريح رئيس وزراء العدو يعلنها بوضوح لا لبس فيه: نزع سلاح المقاومة، وإبعاد قادة حماس، وفرض السيطرة الأمنية الكاملة لإسرائيل على قطاع غزة، وبدء تنفيذ خطة التهجير. ويدرك قادة العدو أن إنجاز هذه الأهداف في غزة سوف يعطي دفعة قوية لتعجيل عملية الضم والتهجير في الضفة الغربية وتهويد القدس. هذه هي خطة “حسم الصراع” التي تشكل جوهر البرنامج الإئتلافي لحكومة نتنياهو.
من الخطورة القصوى الإعتقاد بأن تنازلاتٍ مثل الإفراج المجاني عن أسرى العدو، أو القبول بنزع السلاح يمكن أن يقطع الطريق على إستمرار الحرب ويضع حداً لمعاناة السكان. نموذج لبنان ماثل أمامكم اليوم. فالحرب سوف تتواصل من جانب واحد بحجة تصفية بؤر المقاومة. والمعاناة سوف تتفاقم في بيئة إنهيار معنوي تشكل الظرف الأمثل لنجاح خطة التهجير.
لا ينبغي تمكين العدو من أن يحقق بالسياسة ” النصر المطلق” الذي عجز، وسيعجز، عن تحقيقه بالقوة العسكرية. فانتصار العدو ليس هزيمة لطرف فلسطيني لصالح طرف آخر، بل هو _أن تحقق_ هزيمة للشعب الفلسطيني بأسره. لنتذكر دوماً أن شعار العدو هو: ” لا فتحستان ولا حماسستان”. وليكن ردّنا عليه صارخاً: “فلسطين الموحدة كاملة السيادة لا بانتوستان”.
إن خيار الصمود والمقاومة وحده هو سبيل النجاة. ورغم جحيم المحرقة، رغم القتل واليتم والثكل والحرمان من المأوى والغذاء والماء والدواء، فإن شعبنا بأغلبيته الساحقة ما زال يتمسك بهذا الخيار، إذ يدرك أن الصمود ليس مجرد فعل سكون وترقب، بل هو فعل استنزاف للعدو الذي، يوماً بعد يوم، يتعمق مأزقه، ويفتك الإنهاك بجيشه، ويستعر الإحتجاج داخل صفوفه، ويمزق الإنقسام مجتمعه، ويتصدّع اقتصاده، وتتفاقم أكثر فأكثر عزلته الدولية، بينما يرتفع علم فلسطين في كل العواصم والقارات رمزاً للإنسانية التي تصبو إلى الحرية والعدل والمساواة بين البشر.
كلمة السر في تعزيز هذا الخيار هي وحدة الصف الوطني، على أن تقوم على أسس واضحة من التوافق على استراتيجية وطنية موحدة للنضال من أجل دحر الإحتلال ونيل الحرية والاستقلال والعودة. الوصول إلى هذا الهدف السامي ليس مستحيلاً ولا بعيد المنال، إذا وضعنا جانباً الصراع اللامبدأي على الزعامة والنفوذ، ونبذنا الإملاءات الخارجية وتمسكنا باستقلالية قرارنا الوطني. هذا له ثمن بالتأكيد، ولكنه لا يُضاهى بثمن الدمار الذي يقود إليه استمرار الإنقسام.
لقد أنتجت حواراتنا السابقة قواسم مشتركة ثمينة يمكن أن تُرسى على قاعدتها الوحدة، أولها: أن مدخل الوحدة هو إنضمام الكل الفلسطيني إلى منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وعلى أساس (أ) إلتزام الجميع ببرنامجها الوطني الهادف إلى إنهاء الإحتلال وتجسيد إستقلال دولة فلسطين وسيادتها الكاملة على أرضها في الضفة الغربية، بما فيها القدس العاصمة، وقطاع غزة حتى خطوط الرابع من حزيران 1967 وحق اللاجئين في العودة إلى الديار، و(ب) التمسك بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، و(ج) الإلتزام بتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي بشأن التحرر من قيود إتفاقات أوسلو التي تنكّر لها العدو وجعل منها جثة هامدة، و(د) التأكيد على رفض أية ممارسة تمسّ بالوحدة الميدانية لشعبنا في مواجهة الإحتلال، وتجديد الإجماع الوطني على خيار المقاومة الشعبية الشاملة بكل أشكالها التي يبيحها القانون الدولي لشعب واقع تحت الإحتلال، والتصدي الحازم لمحاولات القوى المعادية وصم مقاومة شعبنا الفلسطيني بالإرهاب.
إن الجدية في إحترام هذه التوافقات، التي وقّع عليها ممثلو الفصائل كافة في وثيقة إعلان بكين، تفتح الطريق للتقدم بخطوات ثابتة نحو الوحدة وفق خارطة طريق واضحة متفق عليها نقترح أن تتضمن الخطوات التالية:
أولاً_ يتم تفعيل الإطار القيادي المؤقت الذي يضم رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني والأمناء العامين للفصائل كافة كصيغة للمشاركة في صنع القرار الوطني على قاعدة التوافق دون الإنتقاص من صلاحيات اللجنة التنفيذية.
ثانياً_ تتقدم الفصائل المعنية، عملاً بالنظام الأساسي لمنظمة التحرير، بطلبات رسمية للإنضمام إلى المنظمة وفقاً للأسس المتوافق عليها أعلاه.
ثالثاً_ تُعقد في أقرب وقت دورة جديدة للمجلس المركزي يتم فيها الإعتراف بالفصائل المعنية كاعضاء في م.ت.ف. وتنتخب لجنة تنفيذية جديدة تعبر عن الكل الفلسطيني، وتعتمد استراتيجية موحدة للنضال الوطني يتم التوافق عليها في الإطار القيادي المؤقت. لقد كنا نأمل أن تكون هذه الدورة للمجلس المركزي هي التي تتولى هذه الوظيفة التوحيدية، ولكن غياب الإرادة السياسية، إلى جانب الضغوط والإملاءات الخارجية، حالت دون ذلك للأسف.
رابعاً_ تتشكل حكومة توافق وطني من كفاءات وطنية مستقلة تتوافق عليها الفصائل والقوى الفلسطينية كافة، وتتولى المسؤولية عن قطاع غزة فور إنسحاب قوات الإحتلال، وتضمن توحيد المؤسسات الحكومية والقضائية والأمنية بينها وبين الضفة الغربية وإزالة آثار الإنقسام.
خامساً_ يتم فوراً تشكيل وفد تفاوضي موحد تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وبمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، لإدارة العملية التفاوضية بمختلف مراحلها وفق مقاربة تفاوضية جديدة تقوم على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (2537) بكامل فقراته التي تربط بين مراحل إنهاء الحرب العدوانية وإعادة الإعمار وبين حل سياسي يضع حداً للإحتلال ويضمن قيام دولة فلسطين الديمقراطية المستقلة كاملة السيادة في إطار سلام شامل يكفل الأمن والإستقرار لجميع شعوب ودول المنطقة.
سادساً_ لا شك أن مؤسسات منظمة التحرير، والنظام السياسي الفلسطيني عموماً، بحاجة إلى إصلاح جذري شامل. ولكن علينا أن نميز تمييزاً صارماً بين هذه الحاجة التي تتطلبها الضرورة الوطنية وبين دعوات الإصلاح الزائف التي تطلقها بعض القوى الدولية والإقليمية الهادفة إلى فرض الهيمنة على الإرادة الوطنية وإحتواء القرار الوطني الفلسطيني والمسّ بإستقلاليته وإخضاعه للوصاية الخارجية. إنها ليست دعوات لإصلاح النظام السياسي بل إلى فك إرتباطه بالإرث الوطني للثورة الفلسطينية، بالتنكر لحقوق الشهداء والأسرى بإعتبارها قيمة وطنية سامية، وتصفية المحتوى الوطني للمناهج التعليمية، وتشويه الخطاب الوطني بحجة نبذ التحريض. إننا ندعو المجلس المركزي إلى الحذر من الإنزلاق نحو تمرير إجراءات شكلية تفرضها علينا بفظاظة الإملاءات والضغوط الخارجية، بما في ذلك إستحداث منصب نائب رئيس للمنظمة، وهي إجراءات لا تعالج ازمة النظام السياسي بل تعزز سمته الإستبدادية، وتعمّق مأزقه وتفكك ما تبقّى من تماسك بنيته وتوسع الفجوة بينه وبين جماهير الشعب. ونحن نؤكد لكم، أيها الأخوة والرفاق، أن الجبهة الديمقراطية لن تكون طرفاً في إضفاء شرعية زائفة على هذه الإجراءات المبتسرة.
نحن بحاجة إلى إصلاح ديمقراطي حقيقي ينبثق من إرادة الشعب ويجدد بنية النظام السياسي، ويزيل التكلّس من مفاصله، ويضخ الدماء اليافعة الجديدة في عروقه، ويعزز مشاركة الشباب والمرأة في مؤسساته ويردم الفجوة المتسعة بينه وبين جماهير الشعب. ونحن نقترح أن يتم التحضير لذلك عبر مرحلة محددة زمنياً من الحوار الجماهيري المفتوح الذي تشارك فيه القوى السياسية وسائر مؤسسات المجتمع المدني من منظمات أهلية ونقابات واتحادات مهنية وشبابية ونسائية وتجمعات شعبية، تجري خلاله مراجعة نقدية لمسيرة نضالنا الوطني بمختلف محطاتها وتستخلص منها الدروس لنتوجه بها إلى انتخابات شاملة رئاسية وبرلمانية وللمجلس الوطني الفلسطيني على أساس التمثيل النسبي الكامل.
أيها الأخوة والرفاق
إننا نتوجه اليكم بهذه المقترحات وكلنا قناعة بأنها تعبر تعبيراً دقيقاً عن نبض الشعب وعن مصلحة الوطن التي هي فوق كل اعتبار وعلينا جميعاً واجب الوفاء للشهداء الأماجد ولجماهير شعبنا التي تصنع معجزة الصمود وتبذل الغالي والنفيس من أجل حرية الوطن.
الأخ الرئيس
الأخوات والأخوة..الرفيقات والرفاق،
أسمحوا لي أن اتحدث إليكم بصراحة. أن طريق انقاذ الأهل والقضية هو طريق الوحدة لا غيره.. والوحدة تتحقق ليس بتعميق الخلافات بل بالبحث عن قواسم مشتركة. وقد توصلنا في بكين إلى قواسم مشتركة ثمينة وقعنا عليها جميعاً وهي تصلح أساساً متيناً لانجاز الوحدة. وكنا نأمل أن تكون هذه الدورة للمجلس المركزي هي التي تنهض بهذه الوظيفة التوحيدية. ولذلك دعونا إلى التحضير الجاد لها في اجتماع على مستوى الأمناء العامين يضم الكل الفلسطيني بما في ذلك حركة حماس والجهاد الاسلامي. ولكن ذلك لم يتم للأسف. بل افتقرت التحضيرات لهذه الدورة حتى إلى الحد الأدنى من الحوارات بين فصائل المنظمة للتوافق على مخرجاتها السياسية والتنظيمية كما يحصل عادةً، ورغم ذلك شاركنا في أعمال هذه الدورة تأكيداً لحرصنا على الائتلاف في إطار م.ت.ف. وعلى مكانتها التمثيلية ودور مؤسساتها. وهو حرص سيبقى قائما على الدوام مهما كانت الظروف.
ونظراً لخطورة القضايا التي سوف تبحثها الدورة فقد قمنا بمحاولة أخيرة لتقديم اقتراح بتعليق أعمال الدورة لبضعة أسابيع ليتسنى اكمال الحوارات بالتوافق على مخرجاتها. وللأسف لم تسمح الرئاسة بطرح هذا الاقتراح. في ضوء ذلك، ولأن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لا يمكن أن تكون طرفاً في تحمل المسؤولية عن النتائج وما يمكن أن يترتب عليها من عواقب وخيمة على مصير القضية الوطنية، فإننا نعلن تعليق مشاركتنا فيما تبقى من أعمال هذه الدورة وانسحابنا منها.
الخلود للشهداء.. والشفاء للجرحى.. والحرية للأسرى.. والنصر لفلسطين
23 نيسان 2025
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين