مقالات

كتب ..د. ماهر الشريف …ترامـب يـريـد تـوسـيـع الـتـطـبـيـع، فـهـل يـضـغـط لـوقـف الـحـرب عـلى غـزة؟

المسار …

بعد الضربة الجوية التي وجهها إلى منشآت إيران النووية، ثم نجاحه في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وإيران التي استمرت 12 يوماً، يأمل الرئيس الأميركي الآن في استئناف السير على طريق تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية أخرى، فهل يسعى إلى إقناع بنيامين نتنياهو بإنهاء الحرب في قطاع غزة، كتمهيد لتوسيع اتفاقيات التطبيع؟

هل تسعد دول عديدة فعلاً للتطبيع مع إسرائيل؟

في 27 حزيران/يونيو الجاري، قال الرئيس الأميركي من المكتب البيضاوي خلال احتفالية بالاتفاق بين الكونغو ورواندا، إنه “تحدث إلى بعض المعنيين” بالمفاوضات، وأضاف: “أعتقد أن الأمر قريب؛ نتوقع التوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال أسبوع”. وقدّرت صحيفة “ليبراسيون” الباريسية أن دونالد ترامب ما زال يحلم بأن يكون “صانع سلام”، والفائز بجائزة نوبل للسلام، و”ها هو الآن يتجه مرة أخرى نحو غزة، بتفاؤل غامر لا تثنيه عنه الضربات الإسرائيلية المستمرة على القطاع الفلسطيني، لا سيما بالقرب من مواقع توزيع المواد الغذائية” (1).

أما نشرة “مختارات من الصحف العبرية”، التي تصدرها مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فقد نقلت عن صحيفة “يديعوت أحرونوت”، في اليوم نفسه، أن هناك تقديرات في إسرائيل تفيد بأن يتوجه بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، في الأسبوع الثاني من شهر تموز/يوليو المقبل، للقاء الرئيس دونالد ترامب، وأن يبحث معه “توسيع نطاق اتفاقيات أبراهام، والدفع قدماً باتفاق لإطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين وإنهاء القتال في قطاع غزة”. وأضافت الصحيفة أن هذه التقديرات تستند إلى إشارة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في 26 من الشهر الجاري، إلى احتمال توسيع نطاق “اتفاقيات أبراهام”، وتحقيق الاستقرار الإقليمي (2).

كان ستيف ويتكوف قد عبّر في مقابلة مع قناة التلفزة الأميركية “سي إن بي سي”، يوم الأربعاء في 25 من الشهر الجاري، عن اعتقاده “بأن دولاً أخرى ستنضم قريباً إلى اتفاقيات أبراهام”، وقال “نتوقع أن نصدر قريباً إعلانات رئيسية حول انضمام دول إلى اتفاقيات إبراهام”، وأن “من أهم أولويات الرئيس توسيع نطاق اتفاقيات أبراهام وضم المزيد من الدول إليها، ونحن نعمل بنشاط على ذلك” إلا أإنه لم يُسمِّ الدول المتوقع انضمامها إلى هذه الاتفاقيات. وأضاف: “ستكون هذه خطوة قيّمة نحو تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط”.

وفيما يتعلق بالصراع الحالي مع إيران وبرنامجها النووي، صرّح ستيف ويتكوف بأن “أنشطة التخصيب والأسلحة النووية التي تقوم بها إيران تُمثّل خطوطاً حمراء للولايات المتحدة”، معرباً عن أمله في التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع طهران، وحذر قائلاً: “لا يمكننا قبول الأسلحة النووية؛ سيزعزع ذلك استقرار المنطقة بأكملها: سيرغب الجميع حينها في امتلاك قنبلة، وهذا ليس خياراً”. وكان المبعوث الأميركي قد أشار إلى توقعات مماثلة بشأن التطبيع في فاعلية أقيمت الشهر الماضي بمناسبة “عيد الاستقلال”، وقال: “نعتقد أننا سنعلن قريباً عن بعض الإعلانات، إن لم يكن الكثير منها، ونأمل أن تُمثل تقدماً كبيراً بحلول العام المقبل”. بينما أعلن دونالد ترامب في منتصف أيار/مايو الفائت، في خطاب ألقاه في الرياض في افتتاح قمة استثمارية: “أملي وأمنيتي، بل حلمي، أن تنضم السعودية قريباً إلى اتفاقيات أبراهام”. وفي اليوم التالي، التقى ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع ودعاه أيضاً إلى الانضمام إلى هذه الاتفاقيات (3).

من جهته، قال بنيامين نتنياهو مساء الخميس في 26 حزيران/يونيو الجاري، في مقطع فيديو بثه مكتبه، إنه يرى فرصة “لتوسيع اتفاقيات السلام” بعد الحرب مع إيران، وأضاف: “لقد قاتلنا بإصرار ضد إيران وحققنا انتصاراً كبيراً، وهذا الانتصار يمهد الطريق لتوسيع اتفاقيات السلام بصورة كبيرة”. وطلب نتنياهو، الذي يواجه محاكمة طويلة الأمد بتهمة الفساد، تأجيل جلسات الاستماع المقبلة، واستند محاميه إلى “التطورات في المنطقة والعالم”، بعد الحرب مع إيران واستمرار الحرب في غزة. وأضاف نتنياهو في هذا الفيديو: “إلى جانب تحرير رهائننا والانتصار على حماس، فتحت نافذة فرصة – لا يجب أن نفوتها، لا يجب أن نضيع يوماً واحداً”. وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورٌ للوحات إعلانية في تل أبيب كُتب عليها “عهد أبراهام؛ حان الوقت لبناء شرق أوسط جديد”، إلى جانب صور قادة عرب (4).

هل هناك ما يدعو إلى التفاؤل بقرب إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟ أعلن دونالد ترامب يوم الأربعاء في 25 من الشهر الجاري، خلال مشاركته في قمة حلف الأطلسي في هولندا، أن “تقدماً كبيراً قد أحرز نحو وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة “حماس”، بعد أكثر من 20 شهراً من الحرب، مضيفاً أن مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف أخبره أن “غزة قريبة جداً” من التوصل إلى حل. وأعرب عن تفاؤله بشأن “أخبار جيدة جداً لغزة”، في ضوء وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.

وكانت قطر قد أعلنت، يوم الثلاثاء في 24 من هذا الشهر، أنها ستطلق مبادرة جديدة لوقف إطلاق النار في القطاع المنكوب. وبينما قال طاهر النونو، أحد المتحدثين باسم حركة “حماس”: “اتصالاتنا مع الإخوة الوسطاء المصريين والقطريين لم تتوقف أبداً، بل ازدادت كثافة في الساعات الأخيرة”، لكننا “لم تتلق أي مقترحات جديدة بعد”، رفضت الحكومة الإسرائيلية التعليق على أي محادثات محتملة لوقف إطلاق النار، مؤكدة “أن الجهود لإعادة الرهائن مستمرة على أرض المعركة ومن خلال المفاوضات” (5).

هل بنيامين نتنياهو على استعداد لوقف حرب الإبادة؟

يواجه بنيامين نتنياهو ضغوطاً متزايدة من المعارضة، ومن أقارب المحتجزين في قطاع غزة، وحتى من بعض أعضاء ائتلافه، لإنهاء الحرب في القطاع، وخصوصاً بعد تزايد الخسائر التي صار يتعرض لها جيش الاحتلال في مواجهاته مع المقاومين الفلسطينيين. وتنعكس هذه الضغوط في المقالات التي تنشرها الصحف الإسرائيلية في الأيام الأخيرة. ففي مقال بعنوان: “هذا هو وقت إيقاف الحرب الدامية في غزة”، نُشر في 25 من الشهر الجاري على قناة “ن 12″، ربط خبير “الأمن القومي” والعقيد المتقاعد كوبي ماروم ما بين إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتقدم على طريق تطبيع العلاقات بين إسرائيل، من جهة، والمملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى، من جهة ثانية. وقد بدأ مقاله، الذي نقلته نشرة “مختارات من الصحف العبرية”، بالتعليق على مقتل ضابط وستة جنود إسرائيليين في اليوم نفسه في خان يونس، فكتب: “صباح اليوم (الأربعاء)، تلقينا نبأ الكارثة الثقيلة في خان يونس، حيث سقط سبعة من مقاتلينا جرّاء عبوة ناسفة؛ بعد نشوة الإنجازات الهائلة في إيران، ارتطمنا بأرض الواقع الدامي في غزة”، مقدّراً أن هذه الإنجازات “تتيح فعلاً للمستوى السياسي ورئيس الحكومة اتخاذ قرار شجاع بشأن إنهاء الحرب في غزة، انطلاقاً من موقع القوة؛ فهذه الحرب يتبين، أكثر فأكثر، أنها حرب استنزاف، ولا تساهم في تحرير الأسرى، في رأيي، بل تعرّضهم للخطر، وتقيّد قدرة الجيش الإسرائيلي على القتال، ولن تؤدي إلى تدمير “حماس””.

ورأى الخبير العسكري نفسه أن على بنيامين نتنياهو “أن يُظهر قيادة شُجاعة، ويتخذ قراراً استراتيجياً بشأن إنهاء الحرب، وذلك على الرغم من القيود السياسية والمطالب باجتياح القطاع وفرض إدارة عسكرية من التيارات اليمينية في الحكومة، ومن خلال رؤية استراتيجية للواقع المتغير لمصلحة أمننا القومي”، معتبراً أن إنهاء الحرب في غزة “يمثل رافعة استراتيجية للإنجازات الهائلة التي حققها الجيش الإسرائيلي لبناء ذلك المحور السنّي بقيادة الولايات المتحدة ضد إيران، بما يعمّق عزلتها وضعفها في المنطقة، ويعزز الردع في مواجهتها”، ذلك إن اتفاق تطبيع مع السعودية ودول أُخرى “سينتج واقعاً جيوسياسياً جديداً يصب في مصلحة إسرائيل”، ليخلص إلى أن الرئيس ترامب، الذي “اتّخذ قراراً شجاعاً في المسألة الإيرانية، يرغب في رؤية شرق أوسط جديد مع نظام جديد، يتضمن اتفاق تطبيع مع السعودية، وبناء محور سنّي ضد إيران، وتوسيع اتفاقات أبراهام لتشمل سورية ولبنان، اللذين كانا حتى وقت قريب جزءاً من المحور الشيعي” (6).

في مقال آخر بعنوان: “القيادة لا ترى الانهيار: مقاتلون مُنهكون، وضباط يستقيلون، ووهم الانتصار يتبدد”، نشرته صحيفة “معاريف” في 26 من الشهر الجاري، ركّز المحلل العسكري للصحيفة آفي أشكينازي على الإنهاك الذي أصاب جنود جيش الاحتلال وضباطه وعلى عدم وضوح أهداف الاستمرار في حرب لا تنتهي، فتوقف عند مقتل ضابط وحدة الهندسة الحربية وجنوده الستة في تفجير عبوة ناسفة في مركبتهم في خانيونس، معتبراً أن هذا الحدث “يُعد إخفاقاً خطِراً يصل إلى أعلى مستويات القيادة في إسرائيل، من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مروراً بوزير الدفاع يسرائيل كاتس، وصولاً إلى رئيس الأركان اللواء إيال زامير ونائبه العميد تامير يدعي وقائد المنطقة الجنوبية الجنرال يانيف عاشور، وغيرهم من كبار الجنرالات”.

وأضاف: “بعد 629 يوماً من القتال، حان الوقت للاعتراف بأن الجيش الإسرائيلي يواجه صعوبات كبيرة، بل صعوبات خطِرة، يعمل الجيش بقوة في غزة، وقد نفّذ كل ما في وسعه – احتل جباليا عدة مرات، دمّر بيت حانون، احتل رفح أكثر من مرة، ودمّر معظم مبانيها وأحيائها، وفي خان يونس، يشن عمليات متكررة في محاولة للقضاء على الكتائب المحلية”، كما يواجه إنهاكاً يؤدي إلى نتائح سلبية: “من حوادث ميدانية، إلى تباطؤ في الأداء، إلى انخفاض في الحيوية القتالية، وإرهاق ذهني وجسدي، وضعف في التخصص العسكري، وإلى جانب الإنهاك البشري، هناك تآكل في الأسلحة، وفي الدبابات وناقلات الجند والطائرات”، ليخلص إلى أن مشكلة الجيش الإسرائيلي الكبرى “هي أن القيادة السياسية لا تعرف إلى أين تريد الذهاب في غزة؛ فعملية “عربات جدعون” لا تزال بعيدة عن تحقيق الأهداف التي وضعها المستويان السياسي والعسكري”، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس “منفصلان عن الواقع، يتجاهلان الوضع، وينشغلان الآن بحملة انتخابية بعضلات منفوخة، ويجب أن نقول بوضوح: إنهما لا يتصرفان بمسؤولية وطنية، لا يريان حال الجيش، ولا حجم الإنهاك، ولا عدم وجود هدف من استمرار الحرب”، الأمر الذي يفرض الآن، على رئيس الأركان، الجنرال إيال زامير، أن يعرض صورة الوضع: “حرب لا هدف لها، ويجب أن يعرض حال الجيش، وتبعات الاستمرار في الغرق في المستنقع الغزاوي، والتكاليف المحتملة التي قد ندفعها” (7).

فهل سيخضع نتنياهو لهذه الضغوط ويعمل فعلاً على إنهاء حرب الإبادة التي يشنها جيشه على قطاع غزة؟

في حوار أجرته معه قناة “ت ف1 إنفو” الفرنسية، قدّر جان بول شانيولو، الأستاذ الفخري في الجامعات الفرنسية والمتخصص في الشأن الفلسطيني، أن المجتمع الدولي يؤيد بأكمله وقف إطلاق النار في قطاع غزة، “لكن الائتلاف الحاكم في إسرائيل لا يريده؛ من الصحيح أن رئيس الحكومة الإسرائيلية سيُجبر على القيام بذلك يوماً ما، ولكن لكي يحدث ذلك نحتاج إلى الضغط على بنيامين نتنياهو مجدداً”، مشيراً إلى أن هذا الأخير “يتعرض لانتقادات شديدة في بلاده لعدم جعله قضية الرهائن على رأس أولوياته، أما بالنسبة لبقية القضايا، وتحديداً سحق غزة وتدميرها، فقد حظي دائماً بدعم الرأي العام”، إذ أعلنت إسرائيل “أنها ستستأنف القتال ضد حماس، لكن الوضع وصل إلى طريق مسدود”. فاليوم لم يعد الأمر يتعلق بحرب “بل بتطهير عرقي متقدم بالفعل، لا سيما مع تركيز سكان قطاع غزة بالقرب من المواصي (جنوباً) واستخدام الجيش الإسرائيلي للمساعدات الغذائية، مع مقتل العشرات من المدنيين يومياً غالباً برصاص القناصة”.

وأضاف: “دعونا لا ننسى أن عملية وقف إطلاق النار قد وُضعت موضع التنفيذ في يناير قبل أن يلغي بنيامين نتنياهو ذلك في مارس؛ والآن، فإن السؤال الحقيقي هو ما إذا كان المجتمع الدولي سيتدخل لإنهاء الصراع”. لكن في الوقت الحالي، كما تابع، “يلتزم مجلس الأمن الدولي الصمت، بينما يتبنى الأوروبيون موقف الانتظار والترقب، بعد تأجيل مناقشات فرض عقوبات محتملة على إسرائيل، ويكمن الحل، مرة أخرى، في واشنطن، يكمن مفتاح إنهاء هذا الصراع في يد شخصية، أقل ما يُقال عنها، إنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها”.

وتعليقاً على قيام الرئيس إيمانويل ماكرون بتأجيل مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك، برعاية فرنسا والمملكة العربية السعودية، الذي كان يهدف إلى اقتراح مسار لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على قاعدة “حل الدولتين”، رأى شانيولو أن بنيامين نتنياهو “أراد تدمير هذه المفاوضات [في نيويورك]، تماماً مثل تلك التي كان المخطط لها في عُمان بشأن البرنامج النووي الإيراني”، وخلص إلى أن من الآن فصاعداً، يبرز طريقان محتملان: إما أن نتمسك بمنطق الهيمنة القائمة على القوة العسكرية فقط، أو أن نحاول تهدئة المنطقة حقاً من خلال تسويات سياسية تفاوضية؛ هذا يعني، عملياً، أننا سنستأنف المفاوضات مع إيران ونسعى إلى اتفاق يُفضي في النهاية إلى قيام دولة فلسطينية؛ أما إذا تمسكنا بسياسة التدمير بالوسائل العسكرية، فلن نحقق شيئاً” (8).

* باحث ومؤرخ في مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت.