
المسار : في الوقت الذي يتغول فيه الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية على غزة بالقصف والتجويع وقطع الإمدادات والمساعدات الانسانية، إلى جانب عمله الدؤوب على مخطط التهجير، تناقش لجنة في الكنيست، اليوم الثلاثاء، خطة مفصّلة لتحويل غزة إلى “هونغ كونغ” الشرق الأوسط للإسرائيليين، على غرار “الريفييرا” التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، علماً أن رئيس “الموساد” ديفيد بارنيع زار الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة لطلب مساعدة الإدارة الأميركية بمخطط التهجير.
ويعرض النائبان تسفي سوكوتس (الصهيونية الدينية) وليمور سون هار ميلخ (القوة اليهودية) في الكنيست، اليوم، خطة “هونع كونغ” التي صاغتها شركات هندسة معمارية لبناء مئات الوحدات الاستيطانية في قطاع غزة المدمّر، إضافة إلى منطقة تجارة حرة ومواصلات مدمجة بالذكاء الاصطناعي، وجزيرة اصطناعية وميناء بحري ذكي ومستشفيات وغيرها. ويأتي المخطط الذي أشارت إليه صحيفة “يسرائيل هيوم” ضمن تصوّرات “اليوم التالي” لحرب الإبادة، وشارك في إعداده “منتدى سكان غوش قطيف – عائدون ومنتصرون”، في إشارة الى منتدى للمستوطنين يريد إعادة بناء المستوطنات التي كانت في غزة قبل الانسحاب أحادي الجانب، أي فك الارتباط عام 2005، واحتلال غزة بالكامل.
وتتضمن الخطة، تخطيطاً مفصلاً، بما في ذلك التكاليف والجداول الزمنية المقدّرة، بالإضافة إلى إزالة الأنقاض والحطام وبناء “المدينة”، التي إذا ما تحققت، وفقاً للصحيفة العبرية، “ستُعدّ الأكثر تقدماً وتطوراً في إسرائيل”. ويعرض سوكوتس وسون هار ميلخ المخطط الجديد في مؤتمر خاص للّجنة البرلمانية لإعادة الوجود اليهودي في غوش قطيف (كتلة استيطانية من 21 مستوطنة كانت موجودة في جنوب قطاع غزة قبل فك الارتباط). ويُعدّ هذا الأمر تحولاً في موقف الكنيست، الذي تجنّب حتى الآن مناقشة خطة عملية لإعادة الوجود الإسرائيلي إلى قطاع غزة بشكل علني، بينما يطرح الآن بشكل رسمي خطة عملية متضمّنة جميع العناصر التي ستُسهم في تعزيز السيادة الإسرائيلية والسيطرة الكاملة على قطاع غزة.
تهجير أهل غزة.. أكبر التحديات
وتقدّم الخطة تصوراً “طموحاً” للغاية يشمل إعادة قطاع غزة إلى السيادة الإسرائيلية الكاملة، وتحويله إلى منطقة متطورة ومبتكرة، تشمل مساكن لما يقرب من 850 ألف مستوطن، إلى جانب الزراعة المتقدمة وميناء ومطارات ومناطق صناعية وجامعات وصناديق صحية ومجمعات سياحية على طول الساحل. كما تطرح الخطة احتياطات للنمو المستقبلي وتعيد قطاع غزة إلى النقب الغربي. ويشير عضوا الكنيست تسفي سوكوتس وليمور سون هار ميلخ، إلى أن الخطة تستند إلى دمار قطاع غزة الحالي الناتج عن حرب الإبادة، وأن الأمر يتعلق بـ “تطبيق رؤية مركّبة تجمع بين نبوءات الأنبياء ومبادرة ترامب للهجرة الطوعية للسكان الفلسطينيين، وتمكين السيادة الإسرائيلية والبناء المدني على نطاق تاريخي”.
ويرى القائمون على الخطة أن أكبر التحديات يكمن في المرحلة الأولى، أي مرحلة التهجير. ورغم أن ترامب مهد للتهجير قبل عدة أشهر إلا أنه يواجه عثرات كبيرة، لكن المبادرين للخطة الجديدة يعتقدون أن ذلك ممكن. وبحسب الخطة، فإنه بعد تجاوز هذه العقبة الضخمة، سيبدأ إخلاء المناطق وتنظيفها من الدمار والمتفجّرات، وسيتم استخدام أنقاض المباني لإنشاء جزر اصطناعية، وإقامة مراسٍ وتثبيت التربة. ووفقاً لتقديرات واضعي الخطة فإن عملية تطهير المنطقة من القذائف والعبوات الناسفة وركام المباني ستستغرق ما بين سنة إلى ثلاث سنوات، بالتزامن مع تنفيذ أعمال تخطيط أولي وبدء مشاريع بحثية. وسينتهي تطوير المنطقة بالكامل وإنشاء بعض المراكز، وفقاً للخطة، خلال فترة زمنية تتراوح بين سبع إلى خمس عشرة سنة.
وتحث الخطة على تقسيم قطاع غزة إلى عدة أجزاء، تشمل مدنا جديدة منها منطقة غوش قطيف (التي ضمت المستوطنات حتى 2005) والتي تُسمّى بموجب الخطة “بوابة إلى العالم”. ويشير المخططون إلى أن تخطيط شبكة المواصلات سيتضمن ربطها مع شبكة دولة الاحتلال الوطنية، ويشمل أنظمة مواصلات عامة متقدّمة. ويدرس المخططون إمكانية إنشاء نظام طائرات مسيّرة للمواصلات، وشبكات طاقة لكل منزل بحيث تتحول إلى محطات توليد كهرباء منزلية، ومشاريع تخزين طاقة محلية في المنازل الذكية، وبناء روبوتي، ومستشفيات روبوتية، ومختبرات للروبوتات والبيئة في الأحياء، ومراكز تطوير وتعلم للجمهور والمزيد.
منطقة تجارة حرة على نمط هونغ كونغ
الجزء الشمالي من القطاع هو المنطقة الأولى التي ستُقام بحسب الخطة. وسيشمل 200 ألف وحدة سكنية (استيطانية)، بما في ذلك إنشاء بلدات في المناطق الحدودية في المرحلة الأولى. وستعتمد تلك البلدات على الطرق القائمة، وعلى النشاط التجاري والتوظيف في عسقلان، وسديروت ونتيفوت. وفي المدى المتوسط، أي ما بين 3 إلى 7 سنوات، يأمل المخططون البدء بإنشاء مراكز مدنية وبلدات وبنى تحتية عامة. في وسط قطاع غزة، تهدف الخطة إلى إنشاء مدينة متقدّمة، ذكية وخضراء تضم 450 ألف وحدة سكنية. ويسعى المخططون إلى تحسين شبكة الطرق وإنشاء محطات قطارات تربط المنطقة بمنطقة غوش دان (تل أبيب الكبرى) وبئر السبع. وستُستخدم مواد الأنقاض المنتشرة حالياً في القطاع لبناء مناطق السياحة والموانئ والجزر الاصطناعية. بالإضافة إلى ذلك، يُخطط لإقامة مستشفى ومطار في مركز قطاع غزة، إلى جانب مراكز مؤتمرات، ومناطق تسوّق ومطاعم فوق جزيرة اصطناعية. الجدول الزمني لهذه المرحلة سيكون بين 7 إلى 10 سنوات، حيث سيكتمل مشروع الجزيرة الاصطناعية وإنشاء المباني.
أما منطقة غوش قطيف، جنوب غرب القطاع، فتُلقب بحسب الخطة بـ “غوش قطيف – بوابة إلى العالم”، وستقام على مساحة 150 ألف متر مربع وتضم نحو 200 ألف وحدة سكنية، إلى جانب مناطق زراعية تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة. كذلك ستُقام جامعة، ومستشفى، ومعاهد بحث وتطوير. وفي قلب هذه المنطقة، يُخطط لإنشاء مدينة جديدة بحجم 100 ألف وحدة سكنية وميناء بحري حديث سيكون بوابة خروج واتصال لمحور بري من الهند إلى أوروبا. وسيرتبط بالمحور الشرقي للسكك الحديدية المعرّف في الخطة بـ “محور ترامب”، وكذلك بمحور النقل إلى الشمال.
ويخطط المبادرون لتنفيذ الخطة خلال 15 سنة، بالتعاون مع جهات إسرائيلية ودولية. وفي المدى القريب، أي خلال السنوات الثلاث المقبلة، ستُزال الأنقاض وتبدأ أعمال البنية التحتية، وفي السنوات الأربع التالية سيتم بناء وسائل المواصلات، والأحياء، والمراكز الرئيسية، وفي المدى البعيد ستُكتمل مناطق التجارة، والجزيرة الاصطناعية والبلدات الجديدة.