
المسار ….
يواصل عدد من وزراء الحكومة الإسرائيلية سباق التطرف والشعبوية، وسط تراجع مكانة القوانين الأساسية “حرية الانسان وكرامته”، وتصعيد مستمر في سنّ قوانين وإجراءات تمسّ حقوق المواطنين العرب في البلاد، إذ أعلن بعضهم عن أن إسرائيل ستبدأ بطرد 4 أسرى من المواطنين العرب من البلاد وسحب مواطنتهم بذريعة تلقيهم مخصصات مالية من السلطة الفلسطينية، ضمن سلسلة من الإجراءات السياسية الانتقامية، وسط قلق بالغ في أوساط الحقوقيين.
وعلى الرغم من أن هذا المسار “القانوني” ليس جديدًا، إلا أن التطور الأخير يتمثل بمباشرة وزير الأمن إجراءات فعلية لسحب مواطنة 4 مواطنين عرب بعد إدانتهم بمخالفات أمنية، ما يعيد إلى الواجهة شرعية هذا الإجراء وانعكاساته على المواطنة.
وتطرح تساؤلات حول جدوى التوجه إلى المحكمة العليا لمحاولة وقف هذه الإجراءات، خاصة في أعقاب التآكل المتسارع في مكانة الجهاز القضائي، وتزايد الانتقادات لغياب موقف حاسم للمحكمة في حماية الحقوق الأساسية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمواطنين العرب.
حول إجراءات الطرد الجارية بحق 4 أسرى، وبدء إجراءات ضد مئات آخرين، وسُبل التصدي الإجراءات، حاور “عرب 48” المحامية هديل أبو صالح من “عدالة” – المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل:
“عرب 48”: كيف ترين من منظور حقوقي تعديل قانون المواطنة الذي يتيح سحب المواطنة من الأسرى الفلسطينيين في أراضي 48، وهل يتعارض هذا مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟
أبو صالح: هذا التعديل على قانون المواطنة، شُرّع منذ شباط/ فبراير 2023، وكان القرار بالتعامل القانوني مع التعديل عند استخدامه، فيفترض التوجه إلى المحكمة لسحب المواطنة، مع الشروط المتوفرة حول التهم التي أدين فيها المحكوم. نتحدث عن تعديل فيه مس كبير في حقوق أساسية للمواطن، وسحب المواطنة يعني مصادرة جميع حقوق المواطن، وهي وجوده في بيئته الطبيعية التي وُلد وتربى فيها، وهذا الإجراء فيه انتزاع لكافة حقوق الإنسان والمواطنة، وهي سياسات هدفها تكملة لهذا القانون الذي شُرّع ولم يُستخدم منذ أن شُرّع ولغاية الآن، بسبب عدم تمرير الأسماء من وزارة الأمن إلى وزارة الداخلية، ولكن الآن على ما يبدو الدوافع الانتقامية زادت كثيرا.
“عرب 48”: ألا يشكل القانون “عقوبة مزدوجة” للأسرى بعد إنهاء محكوميتهم، وهل يمكن اعتبار الطرد بعد السجن نوعا من العقوبة الجماعية أو الانتقام السياسي؟
أبو صالح: هذا صحيح، العقاب الذي تحاول الدولة ممارسته هو ثلاثي وليس مزدوج، أولا العقاب عبر الحكم على الأسير وإدانته، ثم مصادرة هذه الأموال من المقاصة الفلسطينية بناء على قانون خاص، وثالثا هذا الطرد أي أن هناك عقاب ثلاث مرات. وكانت سابقة في حالة يغآل عمير، إذ أن المحكمة كان لها موقف واضح، وقالت إن طريقة المجتمع في التعامل مع رفض ونبذ هذا المجرم هو من خلال المحاكمة.
“عرب 48”: صوّت إلى جانب التعديل 95 عضو كنيست، بينهم ممثلون لأحزاب تدعي أنها أحزاب “وسط” أيضًا.. هل ترين في هذا دلالة على انزلاق المنظومة السياسية الإسرائيلية نحو التطرف؟
أبو صالح: بالتأكيد، ونحن نلاحظ ذلك من خلال إقرار سلسلة القوانين منذ اندلاع الحرب على غزة ولغاية اليوم، وهي قوانين تعسفية وعنصرية. حتى أدنى حقوق للإنسان لا يحافظ عليها، وفي موازاة قانون طرد الأسرى وُضع قانون طرد العائلات، والذي يتحدث عن شخص نفذ عملية “إرهابية” وعبّر شخص من عائلته عن التماهي مع فعله يتم طرده بشكل مباشر، وفعليا تم الشروع في إجراءات ضد ثلاثة مواطنين، فالدولة تستخدم المواطنة سلاح للمطاردة والعقاب بدلا من أن تكون المواطنة الإطار لحفظ الحقوق الأساسية.
“عرب 48”: ما هي الدلالات بشأن امتناع وزارة الأمن عن تقديم الأسماء طوال المدة الماضية، واليوم هناك مباشرة لاستخدام هذه الصلاحية من وزير الأمن، هل هذا الأمر متعلق بشخص الوزير؟
أبو صالح: لم نبحث في القرار بشكل جذري خاصة وأن الوزير أصدر بيانه للإعلام قبل إبلاغ الأشخاص المزمع تنفيذ الإجراء بحقهم، ومن الواضح أن الهدف ليس العدالة وإنما أضواء إعلامية، وفي النهاية هذه السياسات هدفها إرضاء الرأي العام في إسرائيل.
“عرب 48”: القانون يطبق على من يتلقون مخصصات من السلطة الفلسطينية، هل في ذلك تسييس للقضاء، خاصة أن السلطة معترف بها دوليا وإسرائيل نفسها تحوّل إليها أموال دافع الضرائب الفلسطيني، والسلطة تدفع مخصصات للأسرى وفق منظومة قانونية خاصة بها؟
أبو صالح: عمليا الدولة تدعي أن الأموال أعطيت مقابل “أعمال إرهابية”، ولكننا نتحدث عن مؤسسة تعمل مثل نظام مؤسسة التأمين الوطني في إسرائيل. الهدف من منح هذه المخصصات أن تتمكن عائلة الأسير من الحد الأدنى من العيش، ولكن الدولة ترى في هذا دفع أموال من أجل قتل أبرياء، وهذه آراء شعبوية تهدف إلى مرضاة الجو التحريضي العام.
“عرب 48”: هل يمكن التعويل على المحكمة العليا، منذ الحرب المحكمة العليا لم تصدر أي قرار يحفظ حقوق أساسية طالما الحديث عن مواطنين عرب وفلسطينيين، وتغاضت عن الكثير من التجاوزات، وهناك التماس من عدة جمعيات قُدّم للمحكمة العليا في إطار طلب السماح لمنظمة الصليب الأحمر زيارة السجون الأمنية، ويُنتظر رد الدولة الذي تم تأجيله للمرة 11 وسط تغاضي وتماهي المحكمة العليا مع هذه المماطلة؟
أبو صالح: أعتقد أنه من المفترض أن تتجاوب المحكمة العليا مع هذا الالتماس. صحيح أن الجو سيئ، ولكن يجب ألا يمنعنا هذا من التوجه للمحكمة العليا، ولا ننسى أن المستشار القضائي للجنة القانون عبّر عن الإشكاليات من هذا التعديل وتبعياته من الناحية الحقوقية، وحتى المطالبة بعدم تمريره، ولدينا أدلة أنه من غير الممكن تطبيقه بهذه الطريقة. نعم أوافقك الرأي مع ما يحدث في المحكمة العليا منذ اندلاع الحرب، ونحن واحدة من الجمعيات التي قدمت التماسا إلى المحكمة العليا حول قضية السماح للصليب الأحمر زيارة السجون الأمنية، ولكنها الجهة المخوّلة لرفض هذه الإجراءات، وهي الجهة المخوّلة أيضا في الحفاظ على حقوق المواطنة الأساسية وعدم المس فيها، وبعد ذلك يبقى أمامنا فقط التوجه إلى المؤسسات الدولية.
المصدر …عرب ٤٨