الصحافة العبرية…الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 14/7/2024

ما حجم دماء الأطفال الذين ستقتلهم إسرائيل إرضاء لشهوتها؟

بقلم: جدعون ليفي

هتافات النصر بدأت على الفور. لم يتلاش بعد الغبار عن خيام النازحين المهدمة في المواصي حتى بدأت نشوة “النصر المطلق” في الأستوديوهات. أعلن نير دبوري بسرور وكأنه هو الذي نفذ عملية الاغتيال، مقتل محمد ضيف. أما الموغ بوكر فقد وعد أيضاً بأن “هذا جيد”. وكان هناك إعلان جاء فيه “اللحظات الجميلة في الحياة”. وخرقت موريا اسرف فلبرغ حرمة السبت، وقالت: “نأمل جميعاً نبأ قتل الضيف”. جميعنا؟ تقريباً جميعنا.

في الوقت الذي سيمر بين كتابة هذه السطور وحتى نشرها، ستحتفل إسرائيل بالنصر. لا يجب أن تكون تطهرياً كي تتساءل عن سبب هذه السعادة. وهي بالأساس تشير إلى أي مستوى عميق وصل المرض. حتى الآن، لم يولد الاغتيال بعد، من بين سلسلة الاغتيالات اللانهائية، الذي سيحقق لها إنجازاً حقيقياً باستثناء سعادة الجمهور وإرضاء شهوة انتقامه. هي تحتفل بالنصر مرة أخرى.

عندما اغتال الفلسطينيون رحبعام زئيفي، هل حققوا شيئاً؟ ستدفع إسرائيل الثمن بسبب هذا الاغتيال كما دفعت الثمن بشكل مباشر أو غير مباشر، على الفور أو بعد فترة، لاغتيال سابقيه. إذا فُتح باب جهنم من لبنان الآن فسنعرف الثمن. وإذا جندت حماس قوتها المتبقية للثأر بطريقة ما فسنعرف الثمن. وإذا استبدل بالضيف شخص أكثر تطرفاً منه مثل الذين استبدلوا الشيخ أحمد ياسين وعباس الموسوي فسنعرف الثمن. وبالأساس إذا تم إفشال الصفقة لوقف الحرب وإعادة المخطوفين فسنعرف الثمن. لا توجد سيناريوهات متوقعة أكثر من هذه، ومع ذلك إسرائيل تحتفل بالنصر.

لكن يحلق فوق كل ذلك سؤال: كم يسمح لإسرائيل من ممارسة القتل البربري من أجل تصفية قائد أو اثنين، مهما كانت حقارتهما ويستحقان الموت؟ هذا سؤال لا يتم طرحه هنا. وإذا تجرأ أحد على طرحه فسيواجه بالرد التلقائي “حسب الحاجة”. المشاهد التي جاءت ظهر أمس من غزة “أظهرت ما يقتضيه الأمر”. فظائع، طائرات قتالية ومسيرات قصفت منطقة المواصي، التي قال الجيش إنها المكان الآمن الوحيد لسكان القطاع. وحتى نعطي فكرة للإسرائيليين الذين تلقنهم وسائل إعلامهم بمشاعر النصر الوهمي، يدور الحديث عن منطقة مساحتها تساوي مساحة مطار هيثرو في لندن، 6.5 كم مربع، وفيها 1.8 مليون نازح.

بالطبع، لا ملجأ هناك ولا بيوت، ليس سوى خيام ورمال. وقال الجيش الإسرائيلي إن المنطقة التي تم قصفها كانت محاطة بالأسوار وحرجية. غابات في غزة! وإن عشرات المخربين قتلوا في هذه العملية. ولكن الصور التي بثت أمام العالم أظهرت خياماً مدمرة وأطفالاً يصرخون صرخات الموت. هنا وجد النازحون مأوى من الحرارة والعطش والجوع. وهنا صوب الطيارون ومشغلو الطائرات “الدرون” الصواريخ القاتلة، والنتيجة مذبحة بـ 71 قتيلاً حتى ظهر أمس، بينهم أطفال وطواقم إنقاذ من الدفاع المدني، والعدد مرشح للزيادة. وقد تم نقل مئات المصابين إلى مستشفى ناصر، شبه المدمر، الذي ظهر أمس وكأنه مسلخ – على غطاء مقدمة السيارات والعربات التي تجرها البهائم الجائعة أو محمولين بين أذرع أقاربهم وأعزائهم المذعورين. كل ذلك لا يهم إسرائيل أبداً.

هل جدير ذلك الثمن الذي دفعه النازحون في غزة مرة أخرى؟ كم هو عدد الأطفال ورجال الدفاع المدني والنساء والشيوخ والأشخاص العاديين الذين يسمح لإسرائيل قتلهم مقابل محمد ضيف واحد؟ كم هي كمية الدماء التي يجب أن تسفك مقابل إرضاء شهوة الجيش والمستوى السياسي من أجل التلويح بالنصر؟ 100 قتيل، بالتأكيد مسموح. ألف قتيل؟ أفترض أن أغلبية الإسرائيليين ستهز الرأس بالموافقة. 10 آلاف، 50 ألفاً؟ قولوا كم يسمح لإسرائيل أن تقتل إلى حين اعتبار هذا العمل جريمة، حتى في نظر نفسها؟ في أي مرحلة يوقفون المذبحة؟ الجواب معروف مسبقاً: حسب الحاجة. بكلمات أخرى، حتى النهاية.

———————————————

يديعوت أحرونوت 14/7/2024

لماذا انقض اليمين على غالنت.. ولماذا بدأت اللجنة تحقيقها من “كيبوتس بئيري”؟

بقلم: شمعون شيفر

لا أحد منا يمكنه تفادي هذه المعضلة: هل نظر أصحاب القرار في تداعيات قرار المحاولة لتصفية محمد ضيف على فرص تحرير المخطوفات والمخطوفين. إذا كان ذلك، كما يعتقد كثير ممن شاركوا في المفاوضات، فإن فرص التحرير ازدادت مؤخراً وإن قرار تصفية الضيف الآن كان مغلوطاً.

هيا نضع الأمور على الطاولة بالشكل الأكثر وحشية: ربما يكون هناك مخطوفون يمكن إعادتهم على قيد الحياة، وعقب محاولة التصفية، حسم مصيرهم. لا جدال: الضيف ابن موت. لكن ميزان الدم بيننا وبين قتلة حماس سيكون غير قابل للحل، وهذا التاريخ لا يبرر استمرار التصفيات. ما هكذا نحل المواجهة النازفة بيننا وبين الفلسطينيين.

تخيلوا قطاراً مسافراً من تل أبيب إلى “سديروت”، وفجأة، لسبب غير واضح، تنزل القاطرة عن السكة وتجعل المسافرين يصطدمون بأسقف القاطرات في محاولة للفرار من القاطرات عبر النوافذ. وإذا طولبتم ببحث سبب حصول هذا، فمع من ستحققون أولاً؟ صحيح، سائق القطار. فكرت في هذا عندما بُشرنا بإنهاء التحقيق عما حصل في “بئيري” في 7 أكتوبر. تساءلت: لماذا بدأوا بـ “بئيري”؟ كان واجباً أن يفحص رئيس الوزراء نتنياهو القطار. لكن كل شيء مقلوب عندنا.

امتنع نتنياهو طوال سنوات ولايته عن تشكيل لجان تحقيق، ولجنتا تحقيق أقامتهما حكومات أخرى قضتا بأن في سلوكه عرض أمن الدولة للخطر (الغواصات) ويتقاسم مسؤولية موت 45 شخصاً (كارثة ميرون). في دولة سليمة النظام، ما كان نتنياهو ليتولى منصبه في رئاسة الوزراء بعد سلسلة كوارث وقعت في ورديته.

يرتبط وزير الدفاع غالنت بسلم القيم الذي اكتسبه في أثناء خدمته العسكرية. وعلى هذه الخلفية، قد نفهم بيانه عن الحاجة لإقامة لجنة تحقيق رسمية لكارثة 7 أكتوبر. والآن، في ذروة حرب في كل الجبهات، صدرت الإشارة من جانب محيط رئيس الوزراء للانقضاض على غالنت. فالأبواق تطالب بإقالته. لا رب لهم.

الجانب الأكثر إثارة للحفيظة في هذه القصة ينطوي في المطالبة لإدراج فك الارتباط في 2005 في لجنة التحقيق القائمة. وحسب هذا المفهوم، يمكن تضاف مواضع خلل كانت في حرب التحرير، والتنازل عن شرقي القدس في الاتفاقات التي أدت إلى إنهاء الحرب.

ومع ذلك: لا حاجة للجنة تحقيق، فلا كاسب منها سوى مكاتب المحامين. ما نحتاجه وبسرعة هو انتخابات.

يطالبنا إيهود باراك الكف عن الحديث عن “خيار ديمونا”. لقد كان باراك شريك نتنياهو في الاستعدادات للهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. وعليه، أقترح مواصلة الحديث في ما هو في رأس كل منا – هذه الأفكار وتلك عن “الردع” و”الغموض” لم تعد تصمد.

———————————————

هآرتس 14/7/2024

“سابعة الضيف” تحشر نتنياهو في الزاوية إلى جانب أزمته مع قادة الجيش

بقلم: عاموس هرئيل

يجدر عدم استباق الأمور. أولاً، رغم مظاهر التفاؤل الحذر لدى قيادة جهاز الأمن حتى الساعات الأولى من مساء أمس، فإنه لا توجد معلومات مؤكدة بأن الرقم 2 في حماس في القطاع، محمد الضيف، قُتل في محاولة الاغتيال الإسرائيلية. الضيف سبق ونجا من عدد من محاولات الاغتيال. ثانياً، يصعب معرفة كيف سيؤثر قتل الضيف، هذا إذا قتل حقاً، على سلوك حماس. مثل هذه الاصابة قد تزيد الضغط العسكري على حماس. والسؤال هو: هل ستشوش على صفقة تبادل احتمالية التوصل إليها في الأصل تبدو ضئيلة على خلفية الاختلافات الداخلية لدى القيادة العليا الإسرائيلية؟

الضيف (59 سنة)، من مخيم خان يونس للاجئين، وهو عضو في حماس منذ تشكيلها في بداية الانتفاضة الأولى في كانون الأول 1987. كان من بين المؤسسين للذراع العسكرية في حماس، وفي الحقيقة هو الوحيد الذي نجا وما زال حراً منذ تلك الفترة. في منتصف التسعينيات اعتبرته إسرائيل مطلوباً كبيراً بسبب تورطه في إرسال انتحاريين لتنفيذ عمليات وبناء قوة الذراع العسكري.

كثير من أصدقائه في القيادة العليا السياسية والعسكرية في حماس قتلوا في بداية سنوات الألفين في فترة الانتفاضة الثانية، بدءاً بالأب المؤسس الشيخ أحمد ياسين الذي قتل في العام 2004 وانتهاء بقادة الذراع العسكري مثل صلاح شحادة الذي قتل في العام 2002 وأحمد الجعبري في العام 2012. حاولت إسرائيل اغتيال الضيف سبع مرات على الأقل، آخرها قبل 18 سنة. ففي صباح 12 تموز 2006 كانت هناك محاولة فاشلة لتصفيته، التي نسيت بعد بضع ساعات عندما هاجم حزب الله منطقة الشمال وبدأت حرب لبنان الثانية.

ليس لدى جهاز الاستخبارات الإسرائيلية أي تأكيد نهائي حول موت الضيف. وسيكون من الصعب الوصول إلى مثل هذا التأكيد على خلفية الأضرار التي تسبب بها القصف الجوي. ربما لحماس مصلحة في إبقاء الجواب غامضاً لفترة طويلة. هكذا تصرفت في عدة حالات قتل فيها قادة كبار أثناء الحرب. كان الضيف الشريك المقرب من رئيس حماس في القطاع، السنوار، وعندما أطلق سراح الأخير من السجن في صفقة شاليط، ترسخ تقسيم للعمل بينهما بالتدريج.

السنوار، الذي هو أيضاً أحد قادة الذراع العسكري في حماس، حصل فيما بعد على أولوية القيادة وركز جهود السيطرة على الذراع السياسية لحماس في القطاع، وهي العملية التي استكملها خلال عقد. استمر الضيف في بناء القوة العسكرية، واستمر الاثنان في بلورة الخطط العملية وعلى رأسها الخطة التي فوتت الاستخبارات الإسرائيلية إدراكها، “سور أريحا”، وهي خطة لتنفيذ هجوم فجائي واحتلال بلدات الغلاف، الذي نفذته حماس بنجاح قاتل في 7 تشرين الأول الماضي.

في السنوات الأخيرة كانت محاولات لاغتيال الضيف والسنوار. قبل بضعة أشهر تمت تصفية قائد كبير في حماس، مروان عيسى. الآن، حسب بعض التقارير، قتل في عملية القصف أيضاً رافع سلامة، قائد محافظة خان يونس. وإذا صح الأمر فسيكون الثالث من بين قادة الألوية الخمسة في حماس الذين قتلوا منذ بداية الحرب. أبلغ الفلسطينيون عن 70 قتيلاً تقريبا وعشرات المصابين في هذا القصف. كان الهدف مجموعة من أكواخ لحماس في منطقة المواصي الزراعية غرب خان يونس، في المنطقة التي هرب إليها معظم سكان القطاع بعد أن دمرت هجمات إسرائيل اجزاء كبيرة منها. يظهر من صور لموقع القصف أن الكثير من المدنيين قتلوا. افترض جهاز الأمن أن بعض القتلى من أعضاء حماس الذين كانوا في محيط الضيف وسلامة في هذه المنشأة التي استخدمتها حماس لعقد اللقاءات السرية فوق الأرض.

سبق القصف جمع طويل ودقيق للمعلومات كجزء من مطاردة كبار قادة حماس، التي تستمر منذ بداية الحرب. بث رئيس “الشاباك”، رونين بار، منذ تشرين الأول ثقة بأن جميع المسؤولين عن التخطيط للمذبحة، وعلى رأسهم السنوار والضيف، سيتم العثور عليهم وسيدفعون الثمن. ربما حان اليوم الذي بدأ فيه هذا الوعد يعطي ثماره. إذا كان الضيف قتل حقاً فسيمر وقت طويل ليتبين تأثير ذلك على موقف السنوار في المفاوضات. والمس بشريكه المقرب قد يؤثر على تشدد الخط الذي يقوده السنوار بشكل مؤقت في المحادثات. في المقابل، بالنسبة لإسرائيل توجد أهمية كبيرة للشعور الذي تولد في أوساط كبار قادة حماس من أنهم لن يتمكنوا من التملص من مطاردتهم لفترة طويلة.

ثمة سؤال آخر، وهو كيف ستؤثر عملية التصفية، إذا تبين نجاحها، على رئيس الحكومة نتنياهو؟ هل سيتمكن من عرضها كوفاء بالالتزام بإغلاق الحساب مع حماس، هذه التصفيات لا تحتاج إلى وجود بري دائم للجيش في القطاع، واستغلال ذلك كذريعة لإنهاء المرحلة الكثيفة للحرب في القطاع؟ حتى الآن، رفض نتنياهو توصيات الجيش الإسرائيلي بفعل ذلك قبل انتهاء العملية في رفح. في ظهيرة السبت، نشر مكتب رئيس الحكومة بياناً غير ملزم بحسبه “رئيس الحكومة أعطى توجيهاً ثابتاً في بداية الحرب بتصفية كبار قادة حماس”. بكلمات أخرى، يقول نتنياهو لكبار قادة جهاز الأمن مرة أخرى: “نجاحكم نجاحي، أما الإخفاقات فسوف تفسرونها وحدكم”.

تصفية مركزة للوقت الثمين

في وقت حاسم للدفع بصفقة المخطوفين قدماً، تتعمق الأزمة إلى درجة الوصول إلى قطيعة خطيرة بين نتنياهو والجهات الرفيعة نفسها. يصف رؤساء جهاز الأمن منذ أسبوع تقريباً وجود فرصة لن تتكرر لتحقيق الصفقة مع حماس، التي ستكون مرهونة بتقديم تنازلات مؤلمة. ولكن نتنياهو يفضل التشدد العلني في موقفه في المفاوضات، ما قد يفشل المفاوضات. الخلافات تعكر العلاقات بين المستوى السياسي والمستوى الأمني. الجمهور الإسرائيلي لم يستيقظ حتى الآن ويلاحظ خطورة القرارات المطروحة على الأجندة. استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى تأييد واسع للصفقة (وتسريع استقالة نتنياهو)، لكن هذا الأمر لم يترجم إلى مظاهرات كبيرة في الشوارع.

في الأسابيع الأخيرة، وفي استمرارية للنموذج الذي ميز سلوكه منذ كانون الثاني الماضي، بذل نتنياهو جهوداً كبيرة لإفشال التقدم في الصفقة. بدرجة كبيرة يبدو أنه أجرى المفاوضات مع دول الوساطة ومن خلالها مع حماس من وراء ظهر المفاوضين من قبله. عرض نتنياهو طلبات جديدة على حماس، بما يتجاوز ما ظهر في اقتراح بايدن – نتنياهو للصفقة التي تبلورت في نهاية أيار الماضي. الطريقة التي اختار تكرارها علناً في كل مرة كان الطاقم الإسرائيلي ينوي الذهاب فيها لإجراء المفاوضات في القاهرة أو في الدوحة، صعبت التقدم في المحادثات. ولاحظت حماس ذلك في الفترة الأخيرة، وينوي رؤساء المنظمة الإرهابية الآن إلقاء مسؤولية إفشال المفاوضات على إسرائيل.

رد حماس على الاقتراح الأخير الذي وصل في 3 تموز شمل إنجازاً مهماً واحداً من ناحية إسرائيل، فهي توافق على التمييز بين المرحلة الأولى في الصفقة والمرحلة الثانية بصورة تبقي لنتنياهو فرصة لاستئناف الحرب إذا فشلت المفاوضات بعد تنفيذ المرحلة الأولى. كان هذا أمراً مهماً بالنسبة له، صمم عليه رئيس الحكومة خلال أشهر. مؤخراً اختار نتنياهو إظهار طلبات أخرى، أبرزها منع عودة مسلحي حماس والوسائل القتالية إلى شمال القطاع، وشمال الممر الذي يسيطر عليه الجيش في منطقة نتساريم الذي يقسم القطاع إلى قسمين؛ والحفاظ على سيطرة إسرائيل في محور فيلادلفيا ومعبر رفح.

أوساط طاقم المفاوضات اعتبرتها طلبات يصعب فرضها على حماس، وقد تبقي المفاوضات عالقة أشهراً كثيرة. هذا في الوقت الذي تعتقد جهات رفيعة في جهاز الأمن بإمكانية التوصل إلى الصفقة خلال بضعة أسابيع، وحذرت من أن تأخير التفاهمات هذه المرة قد يكلف حياة مخطوفين آخرين. ما زال 120 إسرائيلياً محتجزين في القطاع، ويقدر جهاز الأمن بأن أكثر من نصفهم أموات.

مما يساهم في الإحباط من نتنياهو تلك البيانات الصادرة عن مكتبه التي تنشر في توقيت حساس للمفاوضات. أمس، تنصل رئيس الحكومة من تقرير نشرته وكالة “رويترز” عن مناقشة انسحاب إسرائيل في المستقبل من محور فيلادلفيا، ووصفه بأنه “أنباء كاذبة تماماً”. حدث هذا بعد فترة قصيرة من عودة الوفد الإسرائيلي من محادثات القاهرة التي تناولت الحلول الأمنية لمنع التهريب من الحدود مع مصر. بشكل هو الأخطر منذ بداية الحرب، نشأت أزمة بين نتنياهو وأصحاب المناصب الرفيعة في جهاز الأمن، الذين يعملون في قضية المفاوضات: وزير الدفاع، ورئيس الأركان، ورئيس الموساد، ورئيس “الشاباك”، ورئيس قسم الأسرى والمفقودين في الجيش الإسرائيلي. وقد صرح الوزير غالنت وهليفي علناً في صالح الصفقة.

مصطلح “الوقت الثمين” تم إسماعه أكثر من مرة في سياق الصفقة خلال التسعة أشهر الأخيرة. أما هذه المرة، فهو موقف كبار جهاز الأمن. وفي الوقت الذي تتصاعد مظاهرات عائلات المخطوفين، كان على نتنياهو الحسم في القريب. مثلما في أوساط الجمهور، ثمة أغلبية في الكابنت والحكومة تؤيد الصفقة. ولكن رئيس الحكومة يخشى مما سيحدث بعد المصادقة عليها – انسحاب أحزاب اليمين المتطرف: “قوة يهودية” و”الصهيونية الدينية”، وانهيار الائتلاف وإجراء الانتخابات. يبدو أنه العائق الرئيسي الذي يمنع الصفقة أكثر من الاعتبارات الأمنية.

لا يمكن الإبقاء على الخلاف الحالي على نار هادئة. إذا تعثرت المفاوضات في هذه المرة، فمن الواضح أن نتنياهو هو الدافع الرئيسي. وقد تحدث استقالات في القيادة الأمنية. المرشح الأول لذلك هو رئيس قسم الأسرى والمفقودين في الجيش، الجنرال احتياط نيتسان ألون. إذا لم يتحرك شيء فربما يقدم نيتسان الون استقالته ويخلف هذه المهمة لأحد موظفي نتنياهو.

——————————————–

هآرتس 14/7/2024

لقادة إسرائيل: اغتيال الضيف لا ينهي حماس ولا يعفيكم من إيجاد البديل

بقلم: تسفي برئيل

هناك قضيتان أساسيتان ستبقيان بدون جواب حتى لو تحقق نجاح تصفية الضيف. الأولى، ما مصير المفاوضات حول صفقة المفقودين؟ والثانية، كيف ستدار غزة ومن سيديرها؟ لأن تصفية الضيف، مع أهميتها الرمزية والعملية، هي بالأساس تصفية حساب مع ماضيه، وانتقام لعمليات إرهابية فظيعة نفذها، لكن ليس فيها ما يرسم خارطة سياسية وأمنية لما سيأتي. لا أحد يعرف كيف ستؤثر عملية التصفية على صفقة المخطوفين. وبناء على ذلك ثمة شك بأن تصفية الضيف ستطمس أي اعتبار آخر، بما في ذلك المس بالمفاوضات حول إطلاق سراح المخطوفين. هل ستصفي إسرائيل السنوار أيضاً إذا سنحت الفرصة، رغم أنه الشخص الوحيد الذي يقرر والذي بيده مصير المخطوفين، على أمل ألا يؤدي موته أيضاً إلى موتهم؟

حصل الضيف على عدة ألقاب، منها “رئيس أركان كتائب عز الدين القسام”، و”وزير الدفاع في حماس”، و”مهندس هجوم 7 أكتوبر”، وبالأساس الشخص الذي حول حماس من منظمة إرهابية إلى منظمة عسكرية. ولكن اللقب الأخير يوضح بأن حماس كمنظمة عسكرية ليست منظمة تعتمد على قائد واحد، لا يمكنها البقاء بدونه. ونرى ترجمة هذه البنية في أداء مقاتلي حماس في الأسابيع الأخيرة، حيث إن خلايا صغيرة، ليست كتائب أو ألوية، هي التي تدير المعارك على الأرض، وثمة قادة صغار يخططون وينفذون هجمات دقيقة ضد قوات الجيش الإسرائيلي دون الحاجة للتنسيق مع الأعلى، أو توجيهات عملياتية من القيادة المركزية.

إن تفكك البنية الرئيسية، وربما الهرمية، والانتقال إلى أسلوب عمل “ذري”، الذي عرفته وسائل الإعلام العربية “حرب العصابات”، تتصرف فيه ساحات “أحياء” بشكل مستقل، ميز منظمات كثيرة أخرى، التي انتقلت بسبب ضغط على قيادتها الرئيسية أو بسبب قيادتها العليا، إلى حرب العصابات. هذه هي العملية التي مرت بها “القاعدة” عندما أقام ابن لادن فروعاً في أرجاء دول عربية وفي إفريقيا، ما أعطى الاستقلال العملياتي لكل فرع وكل رئيس فرع. هذه الفروع واصلت وتواصل العمل حتى بعد تصفية ابن لادن في 2011. النتيجة أن حرباً طويلة ودموية ضد الفروع والرؤساء احتلت مكان الحرب ضد القيادة الرئيسية، وأن كل فرع من هذه الفروع كان فيه بديل للقائد المحلي الذي تمت تصفيته.

“داعش” أيضاً، التنظيم الذي في ذروة قوته، سيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق، وبدأ بالفعل في تطبيق فكرة الدولة الإسلامية. وكخطة استراتيجية، فقد تبنى أسلوب اللامركزية في القاعدة، وبنى له فروعاً في دول إسلامية كثيرة. اغتيال زعيم “داعش”، أبو بكر البغدادي، في 2019، وقبل ذلك اغتيال من اعتبر مؤسس التنظيم، أبو عمر البغدادي، في 2010، وقبل ذلك في 2006 اغتيال أبو مصعب الزرقاوي، زعيم “القاعدة” في العراق الذي جند أبو عمر البغدادي، وريثه… كل ذلك لم يقض على هذا التنظيم الذي ما زالت بعض فروعه تعمل حتى الآن في سوريا والعراق وأفغانستان ودول أخرى. في هذا السياق، ليس من نافل القول التذكير بأن سلسلة التصفيات التي نفذتها إسرائيل ضد قادة حماس في بداية سنوات الألفين، لم تدمر المنظمة أو تفقدها سيطرتها في قطاع غزة ولم تمنع تشغيل فروعها في الضفة الغربية ولبنان.

يخترعون الدولاب

الإمكانية الاستراتيجية الكامنة المهمة، التي تطورت في الحرب في غزة، لا تنبع من تصفية قادة حماس الكبار، بل في فقدان حماس لسيطرتها المدنية في القطاع، التي منحتها الإنجاز الأهم، وإقامة الحكم الإسلامي الفلسطيني في منطقة جغرافية معينة، الذي بواسطته تم إملاء جدول أعمال كل النضال الوطني الفلسطيني والعملية السياسية. بسبب ذلك، حماس مدينة بشكل كبير لنتنياهو الذي قام بالفعل بعمليات عسكرية ضدها، لكن هذه العمليات كانت دائماً “عملية رد” على هجمات إرهابية أو على إطلاق الصواريخ. ومن جهة أخرى، كان يحرص على الحفاظ عليها وعلى مساعدتها، وتمويل استمرار سيطرتها في القطاع. هنا يكمن الفرق الجوهري بين الحرب التي تم شنها والحرب التي يتم شنها ضد تنظيمات إرهابية أخرى مثل “القاعدة” أو “داعش”، وبين الحرب ضد حماس.

في كل الساحات الأخرى التي قادتها الولايات المتحدة والدول المشاركة في التحالف، تم العثور على شركاء محليين في الدول التي انضمت للحرب. الجيش العراقي الذي هزم في 2014 من قبل “داعش” أعيد ترميمه بسرعة، ووقف على قدميه بمساعدة أمريكية مكثفة، وقام باجتثاث منظمة البغدادي، وأعاد لنفسه السيطرة على المنطقة الجغرافية التي احتلها “داعش”. ومصر تستمر في شن حرب ضروس ضد التنظيمات الإسلامية في شبه جزيرة سيناء. والأسد شن حرباً ضد “داعش” وكذلك أيضاً إيران، وحتى “طالبان” تواصل شن حرب دموية ضد هذا التنظيم. النجاح غير كامل، لكن من الواضح أنه بدون سلطة محلية مركزية، قوية ولها دافعية، فإن دولة عظمى وحدها مثل الولايات المتحدة لم تنجح في وقف نشاطات وطموحات هذه المنظمات.

إسرائيل على ثقة بأنها ستخترع الدولاب، وأن بإمكانها إدارة غزة وتدمير سلطة حماس بدون التعاون مع قوة محلية. ولكن تصفية قيادة حماس في غزة لا تطرح البديل لسلطة مدنية فلسطينية. ورفض رئيس الحكومة السماح للسلطة الفلسطينية بلعب دور في القطاع، سيحول الجيش الإسرائيلي إلى شرطي محلي وجهة ستكون مسؤولة عن التعليم والصحة وتوفير المياه والكهرباء، بل وسيبعد من يمكنه استكمال مهمة طرد حماس من السيطرة المدنية ويأخذ منه إنجازه التاريخي.

لكن حتى قبل هذا الانقلاب الاستراتيجي الذي قد يقرر ويحدد مستقبل غزة، فإن تصفية محمد الضيف لا تعفي إسرائيل من الحاجة لطرح خطة عمل عملياتية الآن. على فرض أن صفقة التبادل ستستمر، فالخطة التي وافقت عليها إسرائيل تنص على انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي بعد انتهاء العملية في غزة. ستكون هذه عملية تدريجية، ولكن لن تستطيع إسرائيل في المراحل الأولى التواجد في أجزاء كبيرة في القطاع، وسيسمح للغزيين الذين هجّروا من شمال القطاع إلى الجنوب بالعودة في المرحلة الأولى إلى بيوتهم والبدء في ترميم حياتهم.

هؤلاء السكان سيكونون بحاجة إلى أجهزة مدنية منظمة، شرعية ولديها صلاحيات، تجند المساعدات والاستثمارات، وتنسق نشاطاتها مع إسرائيل ومصر والمجتمع الدولي لتتمكن من ترسيخ بنية تحتية لمؤسسة فلسطينية تستبدل حماس. صحيح أن إنشاء مؤسسة كهذه لن يقضي على حماس التي تعمل كحركة سياسية خارج القطاع وكمجموعة من الخلايا الإرهابية داخل القطاع، ولكن عندها ستجد حماس نفسها أمام سكان وجدوا بديلاً سلطوياً وأفقاً اقتصادياً ومنظمة فلسطينية على شكل دولة تسيطر على هذه المنطقة الجغرافية.

——————————————–

هآرتس 14/7/2024

هكذا يستغل نتنياهو أموال الفلسطينيين لابتزاز واشنطن

بقلم: ميراف آرلوزوروف

احتفل وزير المالية سموتريتش قبل أسبوعين بالنصر. “سنحافظ على أمن إسرائيل”، هكذا عنون تغريدته في “تويتر”. ووضعت له صحيفة “إسرائيل اليوم” عنواناً مشجعاً، “انتصار سموتريتش”. هذا بعد ليلة بيضاء في “الكابنت الأمني”، التي صادق في نهايتها على فرض عقوبات شخصية على شخصيات رفيعة في السلطة الفلسطينية، مثل منع السفر إلى الخارج؛ بسبب الدعوى التي قدمتها السلطة ضد إسرائيل في “لاهاي”، والأهم المصادقة على بناء خمس بؤر استيطانية غير قانونية.

صودق على إحدى هذه البؤر قبل ذلك، لكن سموتريتش صمم على شملها في الرزمة لخلق صيغة “أي دولة ستعترف بالدولة الفلسطينية من جانب أحادي سنقيم على اسمها مستوطنة في يهودا والسامرة”. كان هناك خمس دول كهذه، ولذلك أقيمت خمس مستوطنات. سموتريتش، كما يتضح، يفرض عقوبات ليس فقط على السلطة الفلسطينية فحسب، بل على دول الـ OECD أيضاً.

لكن لم يكن هناك انتصار لسموتريتش على السلطة الفلسطينية وإسبانيا في تلك الليلة البيضاء فحسب؛ فقد كانت هناك أيضاً تنازلات استراتيجية من ناحيته: الأول، أموال السلطة الفلسطينية من الضرائب التي جمدها سموتريتش في الأشهر الأخيرة، تم تحريرها بضغط جهاز الأمن والإدارة الأمريكية، وإدراكه بأن سياسة تجميد الأموال – التي هي أموال ضرائب للسلطة الفلسطينية نفسها وتجبيها إسرائيل لصالح السلطة في إطار اتفاق أوسلو، ربما تؤدي إلى انهيار السلطة.

الثاني والأهم أخفي جيداً، وهو العلاقة بين البنوك الإسرائيلية والبنوك الفلسطينية (علاقات مراسلة) تم تمديدها لأربعة أشهر.

حبة البطاطا الساخنة

نبع تمديد العلاقات مع البنوك الفلسطينية من توصية طاقم مهني في وزارة المالية برئاسة المدير العام شلومي هايزلر. تم تشكيل هذا الطاقم لفحص التعقيد الشديد في العلاقات البنكية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. يعتمد اقتصاد السلطة الفلسطينية على اقتصاد إسرائيل. فحسب اتفاق أوسلو، الشيكل هو العملة القانونية في الضفة الغربية؛ لذلك فإن كل علاقات الاقتصاد الفلسطيني مع إسرائيل ومع العالم تجري من خلال البنوك الإسرائيلية. ولكن البنوك الإسرائيلية تخضع لنظام حظر تبييض الأموال، لذلك يحظر عليها العمل مع بنوك أجنبية لا تخضع للقوانين الدولية بخصوص حظر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

البنوك الفلسطينية لا تخضع للقوانين. فقد رفضت الرقابة الدولية من قبل الجسم الذي يعمل في موضوع حظر تبييض الأموال “افتاف”. ولا أحد يعرف كم هي معرضة لتمويل الإرهاب أو تبييض الأموال. لذلك، فإن البنكين الإسرائيليين اللذين يركزان النشاطات مع البنوك الفلسطينية، بنك ديسكونت وبنك هبوعليم، يطالبان منذ العام 2015 بوقف العلاقات مع البنوك الفلسطينية.

الدولة التي تلتزم، بسبب اتفاق أوسلو وبسبب الرغبة في منع انهيار اقتصاد السلطة الفلسطينية، بمواصلة العلاقات البنكية مع الضفة الغربية، اضطرت للتوسل للبنكين من أجل الموافقة على استمرار هذه النشاطات لفترة معينة. في المقابل، تعطي الدولة هذه البنوك تغطية بسبب دعاوى محتملة، ووعدت بتشكيل شركة حكومية، “شركة مراسلة”، تحل مكان البنكين وتركز العلاقات مع البنوك الفلسطينية.

منذ العام 2015 تمدد الدولة كتب التغطية للبنوك كل سنة. هذه التغطية التي بدأت بـ 1.5 مليار شيكل في السنة، قفزت إلى 5 مليارات شيكل في السنة، وربما تستمر في الارتفاع. هذا على خلفية ارتفاع عدد الحركات البنوك الفلسطينية 300 في المئة، التي منعها بنك ديسكونت وبنك هبوعليم منذ اندلاع الحرب.

هذان البنكان قلقان من إمكانية تمرير أموال للإرهاب من خلالهما، ويطلبان من الدولة أخذ هذه النشاطات منهما ونقلها إلى الشركة الحكومية الجديدة.

لكن هذا الأمر ما زال بعيداً، رغم أن شركة المراسلة في مرحلة الإنشاء منذ العام 2017، ورغم استثمار 72 مليون شيكل فيها، لكن التشريع الذي يسمح لها بالعمل لا يتقدم، وواضح مثل الشمس أن سموتريتش لن يكون وزير المالية الذي سيدفع بها قدماً.

الشخص الذي نقش على رايته تدمير السلطة الفلسطينية لن يسمح لنفسه بأن يكون الوزير الذي يؤسس الشركة الحكومية التي سترسخ العلاقات البنكية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بشكل نهائي. هذا رغم أن جهاز الأمن يؤيد ذلك بشكل حثيث. فقطع العلاقات مع البنوك الفلسطينية لن يؤدي فقط إلى انهيار السلطة الفلسطينية، بل سيزيد خطر الإرهاب. بدلاً من تدفق الأموال عبر الحسابات البنكية، ستتدفق عبر السيولة أو عبر العملات المشفرة. في حينه، سيزدهر تمويل الإرهاب بدون أي رقابة من قبل إسرائيل.

إضافة إلى ذلك، يضغط الأمريكيون من أجل الحفاظ على العلاقات بين البنوك لإدراكهم أن قطع العلاقات سيؤدي إلى انهيار اقتصاد السلطة الفلسطينية. وهكذا فإن الأمريكيين يساعدون نتنياهو. في كل مرة احتاج فيها نتنياهو تفعيل ورقة مساومة ضد الأمريكيين، كان يرسل سموتريتش للتهديد بقطع العلاقات البنكية. وهذا تفسير قيام الطاقم المهني بالتوصية بتمديد العلاقات مع البنوك لفترة أطول، من نصف سنة إلى سنة. ولكن الكابنت صادق على أربعة أشهر فقط كي يعطي لنتنياهو فرصة للمزيد من الابتزاز.

——————————————–

إسرائيل اليوم 14/7/2024

الحقيقة: سنصحو على الواقع كما كان عشية 7 أكتوبر

بقلم: إيال زيسر

من تقارير وسائل الإعلام وكذا من تسريبات كبار المسؤولين عندنا، نعلم بتقدم ذي مغزى، لدرجة اختراق طريق، في الاتصالات لتحقيق صفقة تحرير مخطوفين.

في هذا التفاؤل يتشارك الأميركيون، الوسطاء في قطر وفي مصر وحتى زعماء حماس، ممن يتوقعون بأن يتحقق الاتفاق قريباً.

غير أنه ليس واضحاً إلى ماذا يستند هذا التفاؤل، إلا إذا كان أحد ما – في جانب حماس، أو معقول أكثر في جهتنا – لا يقول الحقيقة بالنسبة لشروط الصفقة المتبلورة وتفاصيلها.

في إسرائيل يروون أن حماس لطفت مواقفها وأنها توافق الآن على صفقة لا تتضمن تعهداً إسرائيلياً بإنهاء الحرب.

يعزى التغيير في موقف المنظمة إلى الضغط الذي تمارسه عليها قواتنا العاملة في قطاع غزة.

هذه «قصة جيدة» ستخدم عندنا محاولة خلق رواية نصر وحسم في أننا «أخضعنا» حماس وأجبرناها على الاستجابة لشروطنا.

المشكلة هي أن ليس لهذه القصة أي علاقة بالواقع. وبعامة، الادعاء بأن حماس تعيش حالة ضغط وأنها تهتم بضائقة السكان في غزة، يتناقض وحقيقة أن يحيى السنوار وشركاءه كانوا مستعدين لأن يخرجوا إلى هجمة الإرهاب الإحرامية في 7 أكتوبر ويتركوا مليونين من سكان القطاع لمصيرهم.

فلماذا فجأة سيبدون اكتراثاً بمصير الغزيين. مقابل القصة الإسرائيلية، ففي الجانب العربي، سواء في القاهرة أم في الدوحة يروون أن واشنطن قدمت لحماس ضمانات تفيد بأنه في أعقاب صفقة إعادة المخطوفين، ستنسحب إسرائيل من القطاع وسيوضع حد للحرب.

وهكذا عملياً – حتى لو لم يعترف أحد في واشنطن أو في القدس لذلك – سيتاح لحماس الحفاظ على حكمها في غزة.

يجدر بالذكر أن الصعوبة في تحقيق صفقة كانت كامنة في الفجوة غير القابلة للجسر بين رغبة إسرائيل في مواصلة القتال حتى تقويض حكم حماس وتصميمها على أن تبقي في أيديها السيطرة الأمنية في القطاع وبين مطالبة حماس بأن تتوقف الحرب وأن تنسحب إسرائيل من كل المناطق التي احتلها بما في ذلك محور فيلادلفيا الذي يشرف على الحدود مع مصر وكذا محور نتساريم الذي يفصل بين شمال القطاع وجنوبه.

تجدر الإشارة إلى أن معنى مطالبة حماس هذه هو التنازل عن كل إنجازات الجيش الإسرائيلي في الحرب وإعطاء ضوء أخضر لحماس، وهذه المرة من جانب إسرائيل، لمواصلة السيطرة في القطاع.

غير أنه عندها جاء مقترح بايدن، باسم إسرائيل، والذي استهدف إخراج عربة المفاوضات من الوحل. هذا المقترح وإن كان يضمن، وهذا أمر مهم وربما حاسم، إعادة المخطوفين إلى بيوتهم، لكن باستثناء ذلك يدور الحديث عن مقترح غامض «ومليء بالثقوب» كالجبنة السويسرية.

مقترح يتفادى الإجابة عن سؤال الـ «60 مليون دولار» – هل ستنتهي الحرب ومن سيحكم قطاع غزة في اليوم التالي.

غير أنه من تقارير وسائل الإعلام وكذا من التسريبات يتبين أن الولايات المتحدة معنية بإنهاء الحرب في غزة بكل ثمن، حتى بثمن إبقاء حماس في الحكم.

يبدو أيضاً أن في إسرائيل توصلوا إلى الاستنتاج بأنه بعد أن فوتنا في أثناء الأشهر التسعة الأخيرة كل الفرص لتوجيه ضربة ساحقة لحماس وخلق بديل لها، فلا يوجد الآن أي جدوى من مواصلة القتال – الذي أصبح على أي حال محدوداً – وأن مصلحة إسرائيل تفترض التركيز على إعادة المخطوفين، ومنع مزيد من الخسائر في الأرواح وتحقيق الهدوء في الشمال في أعقاب التسوية في غزة.

يتوقع الأميركيون بل يقدرون أن وقف النار، حتى وإن كان مؤقتاً، وتحري المخطوفين، سيخلق آلية تؤدي إلى إنهاء الحرب.

حتى لو كانت حكومة إسرائيل ترفض الاعتراف بذلك سيصعب علينا استئناف القتال بعد فترة طويلة وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع.

لا شك في أن إعادة المخطوفين ستكون نصراً للروح الإسرائيلية، ويحتمل أيضاً أن تكون الصفقة المقترحة هي الحد الأقصى الذي يمكن لإسرائيل أن تحققه في هذه النقطة الزمنية. لكن يجب التوقف عن مخادعة الجمهور وبدلاً من ذلك أن تقال له الحقيقة – في اليوم التالي سنستيقظ في حدود الجنوب على الواقع الذي كنا فيه عشية 7 أكتوبر.

——————————————–

إسرائيل اليوم 14/7/2024

«التصفية» تقرّب الصفقة

بقلم: نوحاما دويك

اليوم، يحتفلون في فرنسا بيوم الباستيل. اليوم الذي أسقطت فيها جماهير الشعب قلعة الباستيل، في ذروة الثورة الفرنسية التي شكلت علامة طريق في تاريخ العالم الحديث. فقد رفض الشعب قبول عبء الضرائب التي كان يفرضها الملك لويس السادس عشر، والقول المنسوب لزوجته، ماري أنطوانيت، في أنه إذا كان لا يوجد خبز فليأكلوا الكعك. وتواصلت الثورة حتى إسقاط المملكة وقطع رؤوسهم بالمقصلة. اليوم، أيضا لا هدوء في فرنسا في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، وهي تتمزق بين الليبراليين واليمين المتطرف.

نحن لا نحتاج لأن ننتظر إلى أن تكون هنا ثورة عنيفة. نحن نحتاج إلى خلق أمل. هذا سيحصل عندما يأخذ المذنبون بالإخفاق المسؤولية مثلما سارعوا لعمله في محاولة التصفية، امس، ويعود المخطوفون وتجرى انتخابات سريعة. كل حكومة تحصل على أغلبية في الكنيست تؤدي إلى تهدئة الخواطر. بالتوازي، يجب وقف مروجي الخطاب الانقسامي، الاستفزازي، المتطرف وعلى رأسهم منتخبو الشعب من جهة وقادة احتجاج كابلن من جهة أخرى.

امس، في أعقاب محاولة تصفية محمد ضيف وقائد لواء خان يونس، يوجد لإسرائيل صورة نصر ستساعد الحكومة لأن تقول “نعم” لصفقة المخطوفين. حان الوقت لإنهاء هذه الحكاية والسماح لزمن الإشفاء.

حصل لي هذا الأسبوع أن تحدثت مع واحد من المستشارين الاستراتيجيين الذي كان مقربا لبنيامين نتنياهو وأدار له بنجاح عدة حملات. على حد قوله محظور، حتى ولا بالمزاح، الاقتراح بالمس برئيس الوزراء. فالمجتمع الإسرائيلي كما قال لن يحتمل اغتيالا سياسيا آخر وسيتفكك. برأيه، لأجل تحقيق انتخابات جديدة وسريعة يجب التوقف عن مهاجمة نتنياهو، ما يدفع قاعدته لفقدان الصواب. وهو يقول، انهم “لن يقولوا لنا انه مذنب”، حين تكون شعاراتهم في كابلن “انت الرأس انت المذنب”. وأضاف، انهم حين يتوقفون عن التظاهر في كابلن، وبالتأكيد التظاهرات الحماسية، فإن سقوطه سيكون اسرع بغياب موضوع يوحد الجانب اليميني – التظاهرات ضد نتنياهو. برأيه، إذا كنت تريدون تقريب الانتخابات، التي يوجد لها إجماع واسع في الشعب، بما في ذلك في الجانب اليميني، فإن احتجاج كابلن يجب أن يغير التكتيك وبسرعة.

مع أو دون احتجاج كابلن لا توجد لحظة هدوء في الائتلاف. الوزير إيتمار بن غفير يخادع الجميع ويضع في الاختبار قدرة نتنياهو على مواجهة الضغوط. مشكوك أن يكون بن غفير وسموتريتش يريدان للحكومة أن تسقط، فما يوجد لديهما، اليوم، لا يمكن أن يحصلا عليه أبدا. ولا حتى إذا ما شكل نتنياهو الحكومة في المرة التالية أيضا. الدرس استوعب. مراكز القوة لن تودع مرة أخرى في ايديهما. الاثنان يتحديان نتنياهو كي يزيدا قوتهما أساسا، في هذه المرحلة في الاستطلاعات وبعد ذلك عندما تكون انتخابات. يوجد لهما صبر. هما شابان نسبيا للزعماء السياسيين الآخرين، في المعسكرين. ولا بد أنهما يقولان لنفسيهما: النمو الطبيعي إلى جانبنا. إذا لم يكن الآن، فبعد عقد أو اثنين سنكون الأغلبية وسنقيم الحكومة.. لا شيء يشتعل.

هذا هو الخطر الحقيقي وضده يجب التوجه إلى الانتخابات، وبعدها إقامة حكومة تعيد الدولة إلى سواء العقل وتُذكر الشعب على ماذا نقاتل. ليس على التطرف والانعزالية والثورات، بل على قيم وثيقة الاستقلال.

——————————————–

معاريف 14/7/2024

استقلالنا سيكون معلّقاً بشَعرة

بقلم: حاييم مسغاف

لا يمكن، بالطبع، ألا نفهم قلوب أقرباء أولئك المحتجزين في الأسر في قطاع غزة. من ناحيتهم، افترض لا يوجد ثمن ليس معقولا أو ليس مقبولا على العقل. كل ثمن مناسب، في نظرهم لإعادة أعزائهم إلى الديار.

لكن، مثلما في كل معادلة، وهذا ما ينبغي أن نذكر به يوآف غالانت أيضا، دوما يوجد  طرف ثانٍ – وفي هذا المكان توجد، برأيي، ضمن آخرين، عائلات مئات الشهداء في المعارك. وليس هي وحدها. في هذا الطرف يوجد أيضا، على ما يبدو، عشرات آلاف من السكان الذين اخلوا بلداتهم في الجنوب وفي الشمال. هؤلاء لن يعودوا إلى بيوتهم إذا ما عاد الواقع الذي كان من نصيبهم قبل 7 أكتوبر، وهو سيعود، دون أي شك، إذا ما عاد الجيش الإسرائيلي إلى المفاهيم التي وجهت خطى مسؤوليه في الماضي.

وإضافة إلى ذلك، ليس فقط المخلون لبيوتهم في النقب وفي الجليل يوجدون في الطرف الآخر من المعادلة. يوجد أيضا عدد لا يحصى من المواطنين الذين ستكون حياتهم عرضة للخطر في كل أيام السنة إذا ما تحرر مئات القتلة من السجن. ناهك عن كل أولئك الذين سيرون قتلة أبناء عائلاتهم يعودون إلى بيوتهم كي يواصلوا مهمة قتل اليهود. فصور الاستقبال الاحتفالي ستثبت لكل سكان المنطقة أن الشعب اليهودي تنازل، عمليا، عن حقه في الوجود في بلاد آبائه وأجداده.

اعرف أن هذه كلمات قاسية، لكن هذا سيكون واقعنا الجديد كلنا. مهانون، عديمو الوسيلة. مضروبون ودون قدرة حقيقية على البقاء. استقلالنا سيكون معلقا بشَعرة.

ومن المهم أن نقول أيضا الأمور التالية، بعد الانسحاب من قطاع غزة، فإن شرعية العودة لاجتياحه لن تعود. كما أنك لن تجد، برأيي، حتى ولا رجل احتياط واحدا سيرغب في أن يعرض حياته للخطر من اجل دولة لا تحب الحياة. إن وقاحة منظمات الإرهاب لن تعرف الراحة. في “يهودا والسامرة” وكذا على ما يبدو، في حدودنا الأخرى.

التوقع قاسٍ. ومع ذلك لا أجد كثيرين مستعدين لأن يضعوا روحهم في كفهم ويقولون ذلك. عمليا، قنوات الاتصال لا تبث لمن يريد أن يقول أمورا تتعارض والأمور الذي تقال إلى جانب الإطارات المشتعلة. مثل عشية المصائب السياسية السابقة، جهاز الأمن يسير على الخط. لن نجد في أوساطه حتى ولا وليا واحدا، بنظري، يكون مستعدا لأن يعرض للخطر مستقبل حياته المهنية. فأنا اسمع للأصوات التي تصدر من هناك، لإسرائيل زيف مثلا، واجد صعوبة في أن افهم كيف يمكن لكراهية رئيس الوزراء أن تنجح في تغشية عيون من كانوا ذات مرة مسؤولين عن امننا.

الأرواح شريرة. التظاهرات العنيفة، برأيي، بمباركة المستشارة القانونية يجب أن تقلق الجميع. فهي لا تسمح بحوار مفتوح. هي تسكت كل صوت لا ينسجم مع مطلب “بكل ثمن”. أنا لا اعرف بقوة مَن تتوقف هذه الحملة المجنونة نحو نهاية معروفة مسبقا – لكن هذا يجب أن يحصل. فليس في أي مكان بيننا قيل إن فريضة “فداء الأسرى” تفوق أهمية فريضة “وبالحياة اخترتم”.

أيام الحشر اقرب من أي وقت مضى.

——————————————–

‏”أشعر بالملل، فأطلق النار”: الترخيص لجنود إسرائيل بممارسة العنف المجاني في غزة‏ (2-2)

‏‏أورين زيف* – (مجلة 972+) 2024/7/8

أوضح (أ) الضابط الذي خدم في مديرية العمليات في الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الجارية على غزة، أن إطلاق النار على “المستشفيات والعيادات والمدارس والمؤسسات الدينية ومباني المنظمات الدولية” يتطلب تفويضًا أعلى. ولكن في الممارسة، “يمكنني الاعتماد من ناحية على الحالات التي قيل لنا فيها أن لا نطلق النار. حتى مع الأماكن الحساسة مثل المدارس، تبدو (الموافقة) وكأنها مجرد إجراء شكلي”.‏

‏بشكل عام، كما قال (أ)، “كانت الروحية في غرفة العمليات هي: ’أطلق النار أولاً، واطرح الأسئلة لاحقًا‘. كان هذا هو الإجماع … لن يذرف أحد دمعة إذا سوينا منزلاً بالأرض عندما لم تكن هناك حاجة لذلك، أو إذا أطلقنا النار على شخص لم نكن مضطرين إلى إطلاق النار عليه”.

وقال (أ) إنه على علم بحالات أطلق فيها الجنود الإسرائيليون النار على مدنيين فلسطينيين دخلوا منطقة عملياتهم، وهو ما يتفق مع ‏‏تحقيق أجرته صحيفة “هآرتس”‏‏ في “مناطق القتل” في مناطق غزة الخاضعة لاحتلال الجيش. وأضاف: “هذا هو الوضع الافتراضي. ليس من المفترض أن يكون هناك مدنيون في المنطقة، هذا هو المنظور. إذا رصدنا شخصًا في نافذة، يطلقون النار عليه ويقتلونه”. وأضاف أنه في كثير من الأحيان لم يكن واضحًا من التقارير ما إذا كان الجنود قد أطلقوا النار على المسلحين أو المدنيين العزل -و”في كثير من الأحيان، بدا الأمر وكأن شخصًا ما علِق في موقف، وفتحنا النار”.‏

لكن هذا الغموض حول هوية الضحايا يعني أنه بالنسبة لـ(أ)، لا يمكن الوثوق بالتقارير العسكرية حول أعداد أعضاء “حماس” الذين قتلوا. “الشعور في غرفة الحرب، وهذا تعبير ملطف، هو أن كل شخص قتلناه، كنا نعتبره إرهابيا”، كما قال في شهادته.‏

‏وتابع (أ): “كان الهدف هو إحصاء عدد (الإرهابيين) الذين قتلناهم اليوم. كل (جندي) يريد أن يظهر أنه الرجل الكبير. كان التصور هو أن جميع الرجال كانوا إرهابيين. في بعض الأحيان كان القائد يطلب فجأة أرقاما، وعندئذٍ يركض ضابط الوحدة من كتيبة إلى كتيبة، ويتصفح القائمة في نظام الكمبيوتر العسكري ويقوم بالعد”.‏

وتتفق شهادة (أ) مع ‏‏تقرير صدر مؤخرًا‏‏ عن منفذ “ماكو” الإسرائيلي، حول غارة بطائرة من دون طيار شنتها إحدى الكتائب، وأسفرت عن مقتل فلسطينيين في منطقة عمليات لواء آخر. وقد تشاور ضباط من كلتا الكتيبتين حول أي واحد يجب أن يسجل الاغتيالات لكتيبته. وقال أحدهم للآخر: “ما الفرق الذي يحدثه ذلك؟ فلنسجلها لكلينا”، وفقًا للمنفذ الإعلامي.‏

‏خلال الأسابيع الأولى بعد هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) الذي قادته “حماس”، يتذكر (أ): “كان الناس يشعرون بالذنب الشديد لأن هذا حدث في عهدتنا”، وهو شعور كان مشتركًا بين الجمهور الإسرائيلي بشكل كبير – والذي سرعان ما تحول إلى رغبة في الانتقام. وقال (أ): “لم يكن هناك أمر مباشر بالانتقام، لكنك عندما تصل إلى منعطفات القرار، فإن التعليمات والأوامر والبروتوكولات (المتعلقة بالحالات ‘الحساسة’) هي التي يكون لها تأثير كبير فقط”.‏

عندما كانت الطائرات من دون طيار تبث لقطات حية للهجمات في غزة، “كانت هناك هتافات فرح في غرفة الحرب”، على حد قول (أ). وقال: “من حين لآخر، ينهار مبنى … والشعور هو، واو، كم هذا مجنون، يا لها من متعة”.‏

‏وأشار (أ) إلى المفارقة في أن جزءًا مما دفع الإسرائيليين إلى الانتقام كان الاعتقاد بأن الفلسطينيين في غزة ابتهجوا بالموت والدمار اللذين حدثا في 7 تشرين الأول (أكتوبر). ولتبرير التخلي عن التمييز بين المدنيين والمقاتلين، يلجأ الناس إلى عبارات مثل ’لقد وزعوا الحلوى‘، أو ’لقد رقصوا بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)‘، أو ’لقد انتخبوا حماس‘… لم يعتقد الجميع، ولو أن عددًا غير قليل اعتقدوا بأن طفل اليوم هو إرهابي الغد”.‏

‏وقال (أ) عن تجربته في غرفة العمليات: “أنا أيضًا، جندي يساري إلى حد ما، أنسى بسرعة كبيرة أن هذه منازل حقيقية (في غزة). لقد شعرت وكأنها لعبة كمبيوتر. بعد أسبوعين فقط أدركت أن هذه مبان (فعلية) تسقط: إذا كان هناك سكان (في الداخل)، فإن (المباني تنهار) على رؤوسهم، وحتى لو لم يكن فيها أحد، فمع كل شيء بداخلها”.‏

‏”رائحة موت مروعة”‏

‏شهد العديد من الجنود الذين تحدثوا إليها بأن سياسة إطلاق النار المتساهلة مكنت الوحدات الإسرائيلية من قتل المدنيين الفلسطينيين حتى عندما يكون قد تم التعرف عليهم مسبقًا أنهم كذلك. وقال (د)، وهو جندي احتياط، إن لواءه كان متمركزًا بالقرب مما سُميا ممرين “إنسانيين”، أحدهما لمنظمات الإغاثة والآخر للمدنيين الفارين من شمال القطاع إلى جنوبه. وفي داخل منطقة عمليات لوائه، وضعوا سياسة “خط أحمر، خط أخضر”، وتحديد المناطق التي يُحظر على المدنيين دخولها.‏

وفقًا لـ(د)، سمح لمنظمات الإغاثة بالذهاب إلى هذه المناطق بتنسيق مسبق (أجريت مقابلتنا قبل ‏‏أن تقتل‏‏ سلسلة من الضربات الإسرائيلية الدقيقة ‏‏سبعة من موظفي “المطبخ المركزي العالمي”)، لكن الأمر كان مختلفًا بالنسبة للفلسطينيين. وقال (د)، مدعيًا أن هذه المناطق كانت مشار إليها بعلامات للمدنيين: “أي شخص يعبر إلى المنطقة الخضراء سيصبح هدفًا محتملا. إذا تجاوزوا الخط الأحمر، فأنت تبلغ عن ذلك في الراديو ولا تحتاج إلى انتظار الإذن، يمكنك أن تطلق النار”.‏

‏ومع ذلك، قال (د) إن المدنيين كانوا يأتون في كثير من الأحيان إلى المناطق التي تمر بها قوافل المساعدات من أجل البحث عن بقايا قد تسقط من الشاحنات؛ ومع ذلك، كانت السياسة هي ‏‏إطلاق النار على أي شخص يحاول الدخول‏‏. وقال: “من الواضح أن المدنيين لاجئون، وهم يائسون، وليس لديهم أي شيء”. ولكن في الأشهر الأولى من الحرب، “كان هناك كل يوم حادثان أو ثلاثة مع أناس أبرياء أو (أشخاص) يشتبه في أن ’حماس‘ تقوم بإرسالهم كمراقبين”، والذين أطلق الجنود في كتيبته النار عليهم.‏

‏وشهد الجنود بأن جثث فلسطينيين يرتدون ملابس مدنية ظلت متناثرة في جميع أنحاء غزة على طول الطرق والأراضي المفتوحة. وقال (س)، جندي الاحتياط: “كانت المنطقة كلها مليئة بالجثث. وهناك أيضًا كلاب، وأبقار وخيول نجت من التفجيرات، وليس لم يكن لديها مكان تذهب إليه. لا يمكننا إطعامها، ولا نريدها أن تقترب كثيرًا أيضًا. لذلك، كثيرًا ما ترى كلابًا تتجول بأجزاء متعفنة من أجسامها. هناك رائحة موت مروعة”.‏

‏ولكن قبل وصول القوافل الإنسانية، كما أشار (س)، يتم نقل الجثث. “تذهب D-9 (جرافة كاتربيلر)، مع دبابة، وتقوم بتنظيف المنطقة من الجثث، تدفنها تحت الأنقاض، وتقلبها على جانب حتى لا تراها القوافل -(بحيث) لا تظهر صور الأشخاص في مراحل متقدمة من التحلل”، كما وصف. ‏

‏وتابع (س): “رأيت الكثير من المدنيين (الفلسطينيين) -عائلات ونساء وأطفال. هناك وفيات أكثر مما تم الإبلاغ عنه. كنا في منطقة صغيرة. وكل يوم، يُقتل واحد أو اثنان على الأقل (من المدنيين)، (لأنهم) ساروا في منطقة محظورة. لا أعرف من هو الإرهابي ومن ليس كذلك، لكن معظمهم لم يكونوا يحملون أسلحة”.‏

وقال غرين إنه عندما وصل إلى خان يونس في نهاية كانون الأول (ديسمبر)، “رأينا كتلة غير واضحة خارج منزل. أدركنا أنها كانت جثة. رأينا ساقًا. في الليل، أكلتها القطط. ثم جاء أحد ما ونقلها”. ‏

‏كما أفاد مصدر غير عسكري تحدث إلى “مجلة 972+” و”لوكال كول” بعد زيارة شمال غزة بأنه رأى جثثًا متناثرة في جميع أنحاء المنطقة. وقال: “بالقرب من مجمع الجيش بين شمال وجنوب قطاع غزة، رأينا نحو 10 جثث مصابة بطلق ناري في الرأس، على ما يبدو من قناص، أثناء محاولتها العودة إلى الشمال كما يبدو. كانت الجثث تتحلل. وكانت هناك كلاب وقطط من حولها”.‏

وقال (ب) عن الجنود الإسرائيليين في غزة: ‏”إنهم لا يتعاملون مع الجثث. إذا كانت في الطريق، يتم نقلها إلى الجانب. لا يوجد دفن للموتى. كان الجنود على الجثث عن طريق الخطأ”.‏

‏في الشهر الماضي، شهد غاي زاكن، وهو جندي كان يقوم بتشغيل جرافات D-9 في غزة، أمام لجنة الكنيست، بأنه وطاقمه “دهسوا مئات الإرهابيين، أحياء وأمواتا”. وقد انتحر جندي آخر خدم معه في وقت لاحق.‏

‏”قبل أن تغادر، تقوم بحرق المنزل”‏

وصف اثنان من الجنود الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد هذا التقرير كيف أصبح حرق منازل الفلسطينيين ممارسة شائعة بين الجنود الإسرائيليين، كما ورد في تقرير معمق نشرته صحيفة ‏”‏هآرتس”‏‏ أول الأمر في كانون الثاني (يناير). وقد شهد غرين شخصيًا حالتين من هذا القبيل -الأولى مبادرة مستقلة من جندي، والثانية بأوامر من القادة -وكان إحباطه من هذه السياسة هو جزء مما دفعه في النهاية إلى رفض المزيد من الخدمة العسكرية. ‏

‏عندما احتل الجنود المنازل، كما شهد، كانت السياسة هي “إذا غادرت، عليك أن تحرق المنزل”. ولكن بالنسبة لغرين، لم يكن هذا منطقيا: لا يمكن في أي “سيناريو” أن يكون وسط مخيم اللاجئين جزءًا من أي منطقة أمنية إسرائيلية قد تبرر مثل هذا التدمير. وقال: “نحن في هذه المنازل ليس لأنها تابعة لنشطاء حماس، ولكن لأنها تخدمنا عملياتيًا. إنه منزل لعائلتين أو ثلاث عائلات -تدميره يعني أنهم سيكونون بلا مأوى”.‏

‏وتابع غرين: “سألت قائد السرية، الذي قال إنه لا يمكن ترك أي معدات عسكرية في الخلف لدى المغادرة، وأننا لا نريد أن يرى العدو أساليبنا القتالية. قلت أنني يمكن أن أقوم بعملية تفتيش (للتأكد) من عدم ترك (دليل) على الأساليب القتالية في الخلف. وأعطاني (قائد السرية) تفسيرات من عالم الانتقام. قال إنهم كانوا يحرقونها لأنهل لم تكن هناك جرافات D-9 أو عبوات ناسفة من وحدة هندسية (يمكنها تدمير المنزل بوسائل أخرى). لقد تلقى أمرًا ولم يزعجه ذلك”.

‏وكرر (ب) هذه الرواية: “قبل أن تغادر، تقوم بحرق المنزل -كل منزل. وتقوم بالتغذية الراجعة على مستوى قائد الكتيبة. حتى لا يتمكن (الفلسطينيون) من العودة، وإذا تركنا وراءنا أي ذخيرة أو طعام، أن لن يتمكن الإرهابيون من استخدامها”.‏

قبل المغادرة، كان الجنود يكدسون الفرش والأثاث والبطانيات، و”مع بعض الوقود أو اسطوانات الغاز”، كما أشار (ب)، “يحترق المنزل بسهولة، إنه مثل الفرن”. في بداية الغزو البري، كانت سريته تحتل المنازل لبضعة أيام ثم تمضي قدمًا؛ ووفقًا لـ(ب)، فإنهم “أحرقوا مئات المنازل. كانت هناك حالات أشعل فيها الجنود النار في الأرضية، وكان جنود آخرون في طابق أعلى واضطروا إلى الفرار من خلال ألسنة اللهب على الدرج أو اختنقوا بالدخان”.‏

‏وقال غرين إن الدمار الذي خلفه الجيش في غزة “لا يمكن تصوره”. في بداية القتال، على حد قوله، كانوا يتقدمون بين المنازل على بعد 50 مترًا من بعضهم بعضا، والعديد من الجنود “عاملوا المنازل ‏‏(وكأنها) متجر للهدايا‏‏ التذكارية‏‏”، وقاموا بنهب كل ما لم يتمكن سكانها من أخذه معهم.‏

‏وأضاف غرين: “في النهاية أنت تموت من الملل، (بعد) أيام من الانتظار هناك. أنت ترسم على الجدران، أشياء وقحة. تلعب بالملابس، وتعثر على صور جواز السفر التي تركوها، وتقوم بتعليق صورة لشخص ما لأنها مضحكة. استخدمنا كل ما وجدناه: الفرش والطعام، ووجد أحدهم ورقة نقدية من فئة 100 شيكل (حوالي 27 دولارًا) وأخذها”.‏

‏وشهد غرين: “لقد دمرنا كل ما أردنا تدميره. ولم يكن هذا بدافع الرغبة في التدمير، ولكن من مبعث اللامبالاة الكاملة بكل ما يخص (الفلسطينيين). كل يوم، تهدم D-9 المنازل. لم ألتقط صورًا لقبل وبعد، لكنني لن أنسى أبدًا كيف يتم تحويل حي كان جميلاً حقًا… إلى رمال”.‏

‏ولم يرد الجيش الإسرائيلي على طلب للتعليق حتى وقت نشر هذا التقرير.

‏*أورين زيف‏‏ Oren Ziv: صحفي ومعلق سياسي ومصور إسرائيلي. يعمل في ‏‏مجلة “لوكال كول”‏‏ ‏‏و”مجلة 972+”.‏‏ وهو مصور مستقل ‏‏لصحيفة “هآرتس”‏‏ ‏‏و”وكالة الأنباء الفرنسية”‏‏ ‏‏و”غيتي إيماجز”‏‏. ‏

‏زيف هو مؤسس مجموعة المصور الصحفي، Activestills، المعروفة بتصميم اللغة المرئية لـ”لوكال كول”‏‏ على مر السنين. منذ العام 2003، شارك في توثيق القضايا الاجتماعية والسياسية في إسرائيل وفلسطين. انضم إلى ‏‏”لوكال كول”‏‏ كمراسل صحفي في العام 2018، حيث غطى قضايا حقوق الإنسان والحقوق المدنية على نطاق واسع، بما في ذلك موضوعات مثل الاحتلال، والإسكان ميسور التكلفة، والصراعات الاجتماعية والاقتصادية، والاحتجاجات ضد التمييز. تم نشر أعمال زيف في مدونة “Lens” ‏‏في نيويورك تايمز‏‏، ‏‏والجزيرة‏‏، ‏‏وVice (مجلة)‏‏، و‏‏Tablet (مجلة)‏‏، وغيرها.‏‏‏ هاجم المستوطنون الإسرائيليون في ‏‏الخليل‏‏ المحتلة في ‏‏الضفة الغربية‏‏ ‏‏الفلسطينية‏‏ زيف وناشط “كسر الصمت” ‏‏يهودا شاؤول‏‏ والكاتب ‏‏الأيرلندي كولم تويبين‏‏ في العام 2016. يحمل زيف درجة الماجستير في الآداب في البحث/ المعمار الجنائي من ‏‏جامعة جولدسميث‏‏ في ‏‏لندن‏‏.

*نشر هذا التحقيق تحت عنوان: ‘I’m bored, so I shoot’: The Israeli army’s approval of free-for-all violence in Gaza

——————انتهت النشرة—————-