على مسيحيي الشرق مواصلة النضال من أجل تعريب الكنيسة واسترداد هويتها الوطنية

كتبت: هند شريدة

في ظل رزمة الممارسات غير القانونية أو حتى الوطنية التي باتت تتراكم لتشكل نهجاً متأصلاً عند بعض رؤساء الكنائس أو ممن يعتلون الكرسي البطريركي في عدد من الطوائف المسيحية في القدس؛ أصبح قبول ائتمان زمرة من رجال الدين المسيحيين، القادمين من إثنيات مختلفة، غير فلسطينية، على الكنيسة الوطنية الأصيلة في فلسطين، أقدم كنيسة في العالم، وموطئ السيد المسيح، التي تختزل بشارة قدومه، وميلاده، ومفاصل حياته، وتعاليمه، حتى صلبه، وقيامته المجيدة، لأمر يستدعي قيام – مسيحيو الشرق الأصليين- بمواصلة النضال من أجل تعريب الكنيسة، واستردادها من متوالية الاحتلالات الطارئة عليها.

إن قضية تعريب الكنيسة ليست بالأمر الجديد، فقد بدأ بها عرّاب النهضة الأرثوذكسية، خليل السكاكيني في أوائل القرن الماضي، ودفع ثمنها عندما أصدر البطريرك الأرثوذكسي حينها قراراً بمقاطعة السكاكيني، وعدم الاستماع إلى آرائه، بل ورفض تعميد ابنه، وطرده من بيته الكائن في الدير الأرثوذكسي في القدس، ولم يكتف بذلك، بل رفض الصلاة عليه وتجنيزه أيضا. عملت بعض الحِراكات المسيحية منذ ذلك الزمان نحو استعادة القضية ووضعها على الطاولة من جديد، خاصة في ظل تعاطي بعض البطاركة غير العرب مع الاحتلال الإسرائيلي، وتقديمهم بعض الهبات من أملاك السكان الأصليين، ناهيك عن وقوف البعض في دور الحياد من القضية الفلسطينية، الأمر الذي يحتاج التفافا مسيحيا وإسلاميا عريضا ومواكبة النشاطات الكنسية عن كثب وفحص العلاقات الخارجية والداخلية بعين حريصة، ترصد السياسات الدخيلة أو ما يُستَجَدّ من أحداث عن قرب، وتعمل على مساءلة رؤساء الكنائس حول القيام بمهامهم وواجباتهم المتفقة وتعاليم الرسل، سيّما أنهم وبحكم الأنظمة والأعراف المعمول بها مؤتمنين على الكنائس التي ينتمون لها بمواردها البشرية والمادية، ونعني هنا ائتمانها على أبناء الطائفة المكوّنة من جماعة المؤمنين، والتي يشير إليها الإنجيل المقدس بـ “ملح الأرض”، كما تترجم الوصاية أيضا بالحفاظ على الوجود المسيحي بنسيجه المتماسك وإيمانه الوثيق الصامد على الأرض، فيما يقصد بالموارد المادية الأملاك الوقفية من عقارات وأراضٍ تابعة للكنيسة.

والجدير ذكره أن لمسيحيي الأردن أيضا دورهم الطليعي والملتزم تجاه القضية الفلسطينية، لكن عدم التطرق لدورهم التفصيلي هنا لا يعني أبدا الانتقاص من أهميته وتكامله، كونه جزءا من الحراك المشرقي الفاعل نحو الهدف المرجوّ: ألا وهو تعريب الكنيسة، (وسيتم التطرق له في مقال قادم).

يقتضي شاغل الكرسي البطريركي من بعض الطوائف معرفة معتليه، وكذلك رؤساء الكنائس من الطوائف المختلفة بالهموم التي تعصف بالرعية، والانشغال أبناء طائفتهم روحانيا وحياتيا، والسعي الدؤوب نحو معالجة التحديات التي تطالهم، وعلى رأس هذه التحديات في حالتنا الفلسطينية: الاحتلال وجرائمه التي تواجه كافة مكوّنات الشعب الفلسطيني، المسيحي والإسلامي على حد سواء، وتبعاته من استعمار إحلالي يسرق الأرض والماء والهواء، ويهوّد الأماكن، مستهدفاً الفلسطيني بغض النظر عن هويته الدينية، و ساعيا لطرد وتهجيره، الأمر الذي يأخذنا نحو الدور المنوط برؤساء الكنائس والدور الموازي له في الواقع، ومحاولة ردم الهوة بينهما، خاصة في ظل استماتة الاحتلال استقطابهم واستغلالهم، والتكسّب من وجودهم بالمزيد من السيطرة على الأملاك الوقفية، وهي الأماكن الحيوية والاستراتيجية التي تعود ملكيتها وإدارتها الصرفة للكنائس، إضافة إلى رسم صورة، يحاول فيها الاحتلال تسويق نفسه دولياً بأنه الحاضن للتعددية الدينية، عكس حقيقته الظلامية التي تستهدف كل فلسطيني، ولم تفرّق بين حرمة الأماكن الدينية، فقصفت الكنائس والمساجد، ولم توفر أحدا في حرب الإبادة التي ما زالت تُدكّ في القطاع حتى هذه اللحظة.

الصورة “الروتينية”

تفاجأ البعض من صورة تجمع بين رؤساء الكنائس في القدس، ومعظمهم من إثنيات أجنبية، مع رئيس سلطة الاحتلال المدعوّ هرتسوغ قبيل أيام من عيد الميلاد المجيد، نشرها الأخير متباهيا على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، تبعها خبر حاول فيها تبييض صفحته بادعاء الديمقراطية والحضانة للديانات المتعددة، وذلك بعد أن قنص جيشه سيدتين من الطائفة المسيحية، كانتا تحتميان في كنيسة العائلة المقدسة للاتين في قطاع غزة، ثم اعترف “بالخطأ” الذي ارتكبه ظناً أن الشقراوين كانتا عنصرين من حماس، وتم تعميم “خطأ التشخيص” في الإعلام، ودثرت حقيقة الاستهداف العمد.

هاج سائر المسيحيين، المؤمنين والعلمانيين، على الصورة، خاصة أنها ظهرت في ظل حرب الإبادة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فوقـّع المئات على بيانات استنكارية أدانت الزيارة، وصعّدوا موقفهم ليصل إلى مقاطعة رؤساء الكنائس، وعدم استقبالهم في جميع المحافل، في حين لم يتفاجأ بعض المواكبين للأحداث من الصورة، فقد اعتادوا المشهد الذي باتوا يدينوه سنويا، لكن ظنّهم خاب أكثر بفعل رذالة التوقيت.

الخطير في الموضوع أن تصبح ردود الفعل والتوقيع على البيانات الاستنكارية المشابهة كالتي أُصدرت غداة نشر صورة الزيارة، آنية فقط، وبحكم ما نعيشه حاليا من إبادة في قطاع غزة، وأن تمرّ مرور الكرام العام القادم أو الذي يليه، تماما كما مرّت بحكم السنوات السابقة. فالباحث عبر محرك البحث (جوجل)، يرى عشرات الصور واللقاءات التي حدثت بشكل روتيني فعلا، كما وصفها رؤساء الكنائس في بيانهم التوضيحي، وكأن الموضوع غدا ستاتيس-كو(status-quo) وأمرا واقعا طبيعيا، ولنفترض هكذا، فهل الحفاظ على جمود الستاتوس كو (اتفاقية الوضع الراهن)، والذي لم يعد كذلك أصلا، أهم من دماء الشهداء ومذابح التطهير العرقي التي تحدث في غزة؟!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار الاخباري