كاتب فرنسي: لا يمكننا إخفاء التطلعات الوطنية للشعبٍ الفلسطيني تحت السجادة إلى أجل غير مسمى

باريس 

في مقال رأي بصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية تحت عنوان “وأخيراً حل المشكلة الفلسطينية”، قال الكاتب الصحافي والجيوسياسي الفرنسي رينو جيرار، إنه إذا كان على فرنسا والغرب التضامن مع إسرائيل ودعم عملها العسكري لتحرير الرهائن، فلا يمكنهم إخفاء التطلعات الوطنية لشعب ما تحت السجادة إلى ما لا نهاية.

وأضاف الكاتب أنه في 4 نوفمبر عام 1995، اغتال متطرفون يهود إسرائيليون، رئيسَ وزرائهم إسحاق رابين في تل أبيب، لأنه كان يفاوض على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة تدريجياً، على أراضي الضفة الغربية وغزة. وفي 7 أكتوبر عام 2023، سعى المقاتلون التابعون لحركة حماس، التي يصفها الكاتب والغربيون بأنها (جماعة إسلامية متطرفة)، من خلال هجومهم العنيف غير المسبوق ضد إسرائيل، إلى إخراج قطار اتفاقات أبراهام عن مسارها، والتي من شأنها أن تشمل السعودية في هذه العملية من التبادلات السياسية والاقتصادية والثقافية بين إسرائيل والدول العربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، بالإضافة إلى مصر والأردن).

فمما لا شك فيه أن قادة حماس رأوا بخوف فرق الأوركسترا الإسرائيلية التي تقدم عروضها في دبي وأبو ظبي، بكل أريحية وسعادة، حيث زار أكثر من 150 ألف مواطن إسرائيلي الإمارات في عام 2022، وهو دليل، إذا لزم الأمر، على أن التعايش الاقتصادي والثقافي المتناغم بين اليهود والعرب ممكنٌ تمامًا، يقول رينو جيرار.

وتابع الكاتب قائلاً إنه يتعين على الفرنسيين الوقوف متضامنين مع الإسرائيليين ودعم العمل العسكري الإسرائيلي لتحرير الرهائن. ولكن، على المدى المتوسط، يتعين، بالقدر نفسه، فهم أن حلّ المشكلة الفلسطينية لم يعد من الممكن تأجيله إلى أجل غير مسمى.

واعتبر جيرار أن المثل الأعلى الذي يدعو إليه ديفيد بن غوريون المتمثل في إقامة دولة يهودية ديمقراطية تعيش على علاقة طيبة مع جيرانها العرب، لن يتحقق إذا أصر اليمين الإسرائيلي على معارضة إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وأوضح الكاتب والجيوسياسي الفرنسي، أن الدولة العبرية مهددة، في داخلها، بقنبلة ديمغرافية عربية، حيث إن هناك أكثر من مليون عربي يحملون الجنسية الإسرائيلية، وأكثر من مليوني عربي فلسطيني في غزة، وأكثر من ثلاثة ملايين في الضفة الغربية. وعلى المدى الطويل، تواجه الدولة اليهودية وضعاً لا يمكن الدفاع عنه إذا استمرت في رغبتها في السيطرة، أو حتى تقييد، هذا العدد الكبير من السكان العرب، يشدد رينو جيرار.

ويتابع الكاتب التوضيح أن العديد من الإسرائيليين يعتقدون أن الدولة الفلسطينية المستقبلية يجب أن تكون في شرق الأردن. فهل هذه فكرة واقعية جداً، ونحن نعلم أن عمّان لا توافق عليها، وأن الوقت لم يعد مناسباً للتحركات السكانية الكثيفة، كما شهدنا في أوروبا عام 1945، يتساءل رينو جيرار.

ومضى قائلا إنه فيما يخص الشرق الأوسط، فإن السكان المدنيين هم الذين يدفعون دائما الثمن الباهظ لخروج قطار السلام الهش عن مساره، وسيتعين على رئيس الوزراء نتنياهو معايرة أو ضبط رده على هجوم حماس بعناية شديدة. فإذا كان هذا الرّد ضعيفاً للغاية، فسيفقد ذلك إسرائيل قدرتها على الردع. أما إذا كان  قوياً أكثر مما ينبغي وتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا، فإنه يجازف بترسيخ الكراهية لفترة طويلة: فأطفال غزة الذين فقدوا أمهاتهم وأهاليهم في القصف، سيقسمون على الانتقام ذات يوم.

وأوضح رينو جيرار أنه كان يُقيم في غزة كمراسل خاص لصحيفة “لوفيغارو” عندما تصافح عرفات ورابين في حديقة البيت الأبيض في 13 سبتمبر عام 1993. يومها، بثت التلفزيونات على الهواء مباشرة حفل التوقيع في واشنطن على الاتفاقيات التي تم التفاوض عليها سرا في أوسلو. وثارت ضجة هائلة في المدينة التي احتلها الجيش الإسرائيلي آنذاك: “اندفع جميع السكان إلى الشوارع، ورأيت فتيانا فلسطينيين يلقون بأنفسهم على الجنود الإسرائيليين الذين يحرسون المباني العامة، ومعانقتهم”، يقول الكاتب الصحافي الفرنسي.

ويضيف: “في ذلك المساء، اعتقدت حقا أننا نقترب من نهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. صحيح أن القيادة الفلسطينية في ذلك الوقت (منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة عرفات) لم تكن إسلامية، وأنها اعترفت قبل خمس سنوات بحق إسرائيل في الوجود ونبذت الإرهاب. ولكن، هذا ليس هو الحال بالنسبة لحركة حماس”.

ويختتم جيرار بالقول: “إن الأمل في السلام في فلسطين ليس اليوم سوى بصيص بعيد جدا في الأفق. ولكن دعونا أن لا يكون لدينا أي أوهام.. لا يمكننا أن نخفي التطلعات الوطنية لشعب ما تحت السجادة إلى أجل غير مسمى. ينتهي بهم الأمر دائما إلى الظهور من جديد. وغالباً بطريقة عنيفة جداً”.