مقالات

بقلم “صالح شوكة “هل نخشى أن تصبح الضفة الغربية غزة ثانية؟ تفكيك خطاب التفرقة”

المسار : في خضم النقاشات السياسية والمجتمعية حول واقع القضية الفلسطينية، تبرز على السطح مقولة تتردد كثيرًا: “لا نريد الضفة الغربية أن تصبح غزة ثانية.” هذه العبارة، التي تتداولها الألسن كأنها حقيقة لا تقبل النقاش، تفتح الباب لتساؤلات عميقة حول طبيعة هذا الخطاب وأهدافه. فمن أين جاءت هذه المقولة؟ ولماذا يصر البعض على نشرها بهذه الحدة؟

من الواضح أن هذه العبارة لم تأتِ من فراغ، بل يبدو أن هناك دفعًا مُنظّمًا لنشرها حتى أصبحت على لسان الكثيرين، دونما وعي بمعانيها العميقة أو تداعياتها. إن استحضار غزة كمثال للتخويف أو التهديد يختزل واقعًا معقدًا في صورة مبسطة ومشوهة، إذ تُصور غزة وكأنها “الكارثة المطلقة” التي يجب الهروب منها بأي ثمن، بدلاً من النظر إليها كرمز للصمود أمام الحصار والاحتلال.

إن غزة، رغم معاناتها الطويلة بسبب الحصار والقصف والظروف الإنسانية القاسية، ليست مجرد “مصير مأساوي” يمكن أن يصيب الآخرين، بل هي نموذج للإرادة والقدرة على المقاومة رغم كل شيء. وبالتالي، تحويل غزة إلى شبح يُخشى منه لا يخدم سوى أولئك الذين يسعون إلى تعزيز الانقسام بين الفلسطينيين، وتصوير الضفة الغربية وكأنها في وضع أفضل يخشى عليه، دون التطرق إلى الجذر الحقيقي للأزمة، وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي يهدد كل الأراضي الفلسطينية.

المقلق في هذه العبارة أنها تعزز الانقسام الداخلي، إذ تحمل في طياتها إسقاطًا ضمنيًا يوحي بأن أهل غزة منفصلون عن معاناة الشعب الفلسطيني ككل، أو أن مشكلتهم ليست مشكلة الضفة الغربية. هذا النوع من الخطاب لا يُفرق بين الفلسطينيين فحسب، بل يشوه وعيهم الجماعي بشأن طبيعة نضالهم المشترك ضد الاحتلال.

الأخطر من ذلك أن هذه العبارة تتجاهل المسؤولية الحقيقية عن معاناة غزة، كما لو أن ما حدث لها كان نتيجة لعوامل داخلية فقط، متناسية الحصار الإسرائيلي الطويل، والاعتداءات المتكررة، والسياسات الدولية المنحازة. التركيز على “الهروب من مصير غزة” بدلاً من السعي إلى إنهاء الاحتلال وتوحيد الصف الفلسطيني هو تضليل وخدمة مباشرة لأجندة الاحتلال.

ما تحتاجه القضية الفلسطينية اليوم هو خطاب يوحد الفلسطينيين، لا أن يعمق الفجوة بينهم. غزة والضفة الغربية ليستا كيانين منفصلين، بل هما جزء من جسد واحد يعاني من الاحتلال ذاته. لا يجب أن يُنظر إلى غزة على أنها مثال للتخويف، بل كنموذج لمعاناة تحتاج إلى إنهاء، وصمود يحتاج إلى دعم.

إن مقولة “لا نريد الضفة الغربية أن تصبح غزة ثانية” ليست مجرد عبارة، بل أداة تستخدم لتشتيت الفلسطينيين وزرع الخوف بينهم. المطلوب اليوم هو أن نتجاوز هذا الخطاب الذي يخدم أعداء القضية، وأن نركز على تعزيز الوحدة الوطنية، لأن الاحتلال لا يفرق بين غزة والضفة، وهدفه دائمًا هو كسر إرادة الشعب الفلسطيني أينما كان.